ننتظر تسجيلك هنا


الإهداءات


العودة   منتدى همسات الغلا > ¨°o.O (المنتديات العامه) O.o°¨ > ( همســـــات العام )

( همســـــات العام ) خاص بالمواضيع العامه

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-04-2018, 05:48 PM   #64


الصورة الرمزية ريحانة بغداد
ريحانة بغداد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 6091
 تاريخ التسجيل :  16 - 5 - 2015
 أخر زيارة : 10-09-2024 (01:40 AM)
 المشاركات : 184,955 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Iraq
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Darkorange
افتراضي





صحابة و صحابيات
حارثة بن سراقة النجاري
رضى الله تعالى عنه


نسبه :
حارثة بن سراقة بن الحارث بن عدي بن مالك بن عدي
أبن عامر بن غنم بن عدي بن النجار الأنصاري الخزرجي النجاري .

استشهاده :
كان أول قتيل قتل من الأنصار حارثة بن سراقة .
رُوِي أن أم الربيع بنت البراء وهي أم حارثة بن سراقة أتت النبي صلى الله عليه وسلم
فقالت يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة - وكان قتل يوم بدر أصابه سهم غرب -
فإن كان في الجنة صبرت وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء ؟
قال

( يا أم حارثة إنها جنان في الجنة وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى ).

أنس بن مالك أن أم الربيع أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهي أم حارثة بن سراقة
فقالت : يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة وكان قتل يوم بدر أصابه سهم غرب
فإن كان في الجنة صبرت وإن كان غير ذلك أجتهد عليه البكاء
فقال يا أم حارثة

( إنها جنان في الجنة وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى )

قال قتادة والفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها .

عن أنس ين مالك : أن حارثة بن سراقة خرج نظارا فأتاه سهم فقتله
فقالت أمه : يا رسول الله ! قد عرفت موضع حارثة مني فإن كان في الجنة صبرت وإلا رأيت ما اصنع !
قال : فذكره .

آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحارثة بن سراقة و السائب بن عثمان بن مظعون
وشهد حارثة بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتل يومئذ شهيدا رماه حبان بن العرقة
بسهم فأصاب حنجرته فقتله وليس لحارثة عقب .

المصادر:
1- أسد الغابة [ جزء 1 - صفحة 225 ]

2- الطبقات الكبرى [ جزء 2 - صفحة 17 ]

3- صحيح البخاري [ جزء 3 - صفحة 1034 ]

4- مسند أحمد بن حنبل [ جزء 3 - صفحة 260 ]

5- السلسلة الصحيحة [ جزء 4 - صفحة 425 ]

6- الطبقات الكبرى [ جزء 3 - صفحة 510 ]


 
 توقيع : ريحانة بغداد




رد مع اقتباس
قديم 03-04-2018, 05:51 PM   #65


الصورة الرمزية ريحانة بغداد
ريحانة بغداد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 6091
 تاريخ التسجيل :  16 - 5 - 2015
 أخر زيارة : 10-09-2024 (01:40 AM)
 المشاركات : 184,955 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Iraq
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Darkorange
افتراضي





صحابة و صحابيات

البراء بن عازب
رضى الله عنه


مقدمة :

البراء بن عازب بن حارث بن الخزرج الأنصاري ويكنى أبا عمارة ...

ولد رضي الله عنه قبل الهجرة بعشر سنوات ، قال رضي الله عنه :
استصغرني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر أنا وابن عمر فرَدّنا
فلم نشهدها ، وقال محمد بن عمر: أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم
البراء بن عازب يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة ولم يجز قبلها .


من مواقفه مع الرسول صلى الله عليه وسلم :

عن البراء بن عازب قال لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدي
فصافحني فقلت يا رسول الله إن كنت أحسب المصافحة إلا في العجم قال
نحن أحق بالمصافحة منهم ما من مسلمين يلتقيان فيأخذ أحدهما بيد
صاحبه بمودة ونصيحة ، إلا ألقى الله ذنوبهما بينهما .

و عنه رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم ينقل التراب
يوم الخندق حتى أغمر بطنه أو اغبر بطنه يقول :


" و الله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينـا

فأنزلن سـكينة علينـا وثبت الأقدام إن لاقينا

إن الألى قد بغوا علينـا إذا أرادوا فتنة أبينـا "

ورفع بها صوته " أبينا أبينا "

وفي البخاري عن سعد بن عبيدة قال حدثني البراء بن عازب رضي الله عنهما قال :

قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :

( إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن
وقل اللهم أسلمت نفسي إليك و فوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك
رهبة ورغبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت
وبنبيك الذي أرسلت فإن مت مت على الفطرة فاجعلهن آخر ما تقول "
فقلتُ أستذكرهن وبرسولك الذي أرسلت قال " لا وبنبيك الذي أرسلت )

من مواقفه مع الصحابة رضي الله عنهم :

روى البخاري بسنده عن أبي إسحاق قال : سمعت البراء يحدث قال ابتاع
أبو بكر من عازب رحلا فحملته معه . قال : فسأله عازب عن مسير
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أخذ علينا بالرصد فخرجنا ليلا
فأحثثنا ليلتنا ويومنا حتى قام قائم الظهيرة ثم رفعت لنا صخرة فأتيناها
ولها شيء من ظل قال : ففرشت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فروة
معي ثم اضطجع عليها النبي صلى الله عليه وسلم .

فانطلقت أنفض ما حوله فإذا أنا براع قد أقبل في غنيمة يريد من الصخرة

مثل الذي أردنا فسألته : لمن أنت يا غلام ؟

فقال : أنا لفلان .

فقلت له : هل في غنمك من لبن ؟

قال : نعم .

قلت له : هل أنت حالب ؟

قال : نعم .

فأخذ شاة من غنمه فقلت له : انفض الضرع .

قال : فحلب كثبة من لبن و معي إداوة من ماء عليها خرقة قد روأتها
لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصببت على اللبن حتى برد أسفله ،
ثم أتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : اشرب يا رسول الله ،
فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رضيت ، ثم ارتحلنا والطلب
في إثرنا ، قال البراء : فدخلت مع أبي بكر على أهله ، فإذا عائشة ابنته
مضطجعة قد أصابتها حمى فرأيت أباها فقبل خدها وقال كيف أنت يا بنية .

وروى البخاري بسنده عن البراء رضي الله عنه قال :

أول من قدم علينا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير
وابن أم مكتوم فجعلا يقرئاننا القرآن ثم جاء عمار وبلال وسعد ثم جاء
عمر بن الخطاب في عشرين ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فما رأيت
أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم به حتى رأيت الولائد والصبيان يقولون
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاء فما جاء
حتى قرأت سبح اسم ربك الأعلى في سور مثلها .

وكان البراء بن عازبٍ رضي الله عنه من قادة الفتوح ، وقد عينه عثمان
بن عفان رضي الله عنه في خلافته على الري سنة 24هـ فغزا قزوين
وما والاها , و فتحها و فتح زنجان عنوة .

و قد شهد البراء بن عازبٍ رضي الله عنه غزوة تستر مع أبي موسى
و شهد أيضًا وقعتي الجمل وصفين و قتال الخوارج ونزل الكوفة
وابتنى بها دارًا ...

من مواقفه مع التابعين :

عن أبي داود قال لقيني البراء بن عازب فأخذ بيدي وصافحني
وضحك في وجهي ثم قال : تدري لم أخذت بيدك ؟


قلت : لا إلا إني ظننتك لم تفعله إلا لخير .
فقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم لقيني ففعل بي ذلك
ثم قال : أتدري لم فعلت بك ذلك ؟ قلت : لا .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم :

( إن المسلِمَين إذا التقيا وتصافحا وضحك كل واحد منهما
في وجه صاحبه لا يفعلان ذلك إلا لله لم يتفرقا حتى يغفر لهما ).


أثره في الآخرين دعوته وتعليمه :

عن أبي إسحاق قال : قال لي البراء بن عازب : ألا أعلمك دعاء علمنيه
رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

قال : إذا رأيت الناس قد تنافسوا الذهب والفضة فادع بهذه الدعوات :

اللهم إني أسألك الثبات في الأمر وأسألك عزيمة الرشد
وأسألك شكر نعمتك والصبر على بلائك وحسن عبادتك والرضا بقضائك
وأسألك قلبا سليما ولسانا صادقا وأسألك من خير ما تعلم
وأعوذ بك من شر ما تعلم وأستغفرك

لما تعلم بعض الأحاديث التي رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم :

روى البخاري بسنده عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس ستة عشر
أو سبعة عشر شهرا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أو يوجه
إلى الكعبة فأنزل الله

{ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ } .

فتوجه نحو الكعبة . وقال السفهاء من الناس وهم اليهود


{ مَا وَلاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ
يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } .

فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم رجل ثم خرج بعدما صلى فمر على
قوم من الأنصار في صلاة العصر نحو بيت المقدس فقال وهو يشهد أنه
صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه توجه نحو الكعبة فتحرف
القوم حتى توجهوا نحو الكعبة

}يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ{

وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم
يوم الإضحى بعد الصلاة فقال :

(من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك
ومن نسك قبل الصلاة فإنه قبل الصلاة ولا نسك له )

عن البراء بن عازب رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال

( إذا أقعد المؤمن في قبره أتي
ثم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فذلك قوله ) .

عن البراء بن عازب قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع
ونهانا عن سبع أمرنا بعيادة المريض و إتباع الجنائز وإفشاء السلام
وإجابة الداعي وتشميت العاطس ونصر المظلوم وإبرار القسم ونهانا عن
الشرب في الفضة فإنه من يشرب فيها في الدنيا لا يشرب فيها في الآخرة
وعن التختم بالذهب وركوب المياثر و لباس القسي والحرير والديباج
والإستبرق .


من أقواله رضي الله عنه :

عن البراء بن عازب قال : من تمام التحية أن تصافح أخاك

وعنه رضي الله عنه قال : كان رجل يقرأ سورة الكهف وإلى جانبه حصان
مربوط بشطنين فتغشته سحابة فجعلت تدنو وتدنو وجعل فرسه ينفر فلما
أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال :
تلك السكينة تنزلت بالقرآن .

وفاته :

توفي رضي الله عنه وأرضاه بالكوفة سنة 72 هـ = في إمارة مصعب بن الزبير .

المراجع :

الاستيعاب..................... ابن عبد البر
الإصابة في تمييز الصحابة........ ابن حجر العسقلاني .




 
 توقيع : ريحانة بغداد




رد مع اقتباس
قديم 03-04-2018, 05:54 PM   #66


الصورة الرمزية ريحانة بغداد
ريحانة بغداد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 6091
 تاريخ التسجيل :  16 - 5 - 2015
 أخر زيارة : 10-09-2024 (01:40 AM)
 المشاركات : 184,955 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Iraq
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Darkorange
افتراضي





من علماء اللغة
الخليل بن أحمد



اسمه ونسبه :

هو أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفَرَاهِيديُّ ،
ويقال : الفُرْهودِي ، الأزدي . و الفراهيدي نسبة إلى فراهيد ،
وهي بطن من الأزد . والفرهود : ولد الأسد بلغة أزد شَنُوءة ،
و قيل : إن الفراهيد صغار الغنم [1] .

وقال أبو بكر بن أبي خيثمة :
" أول من سُمِّي في الإسلام أحمد (بعد رسول الله) ، أبو الخليل بن أحمد العروضي " [2] .

مولده وبلده :

كان مولده في العام المتم مائة من الهجرة (100هـ) في زمن الخليفة
الأموي العادل عمر بن عبد العزيز [3] .
و لا يُعلم على التحقيق أين كان مولده ، وإن كان بعضهم يقول إنه ولد
بمدينة عُمان على شاطئ الخليج العربي [4] ، وعاش في البصرة [5] .

ملامح شخصيته وأخلاقه :
كان الخليل بن أحمد - رحمه الله- رجلاً صالحًا عاقلاً ، وقورًا كاملاً ،
مفرط الذكاء ، وأكثر ما كان من صفاته بعد سيادته في العلم وانقطاعه له
ما كان من زهده وورعه ؛ إذ كان متقللاً من الدنيا جدًّا ، متقشفًا متعبدًا ،
صبورًا على خشونة العيش وضيقه ، وكان يقول :
" إني لأغلق عليَّ بابي فما يجاوزه همي " [6] .

وليس أدل على ذلك مما حكاه عنه تلميذه النضر بن شميل حيث قال :
" أقام الخليل في خُصٍّ من أخصاص البصرة ، لا يقدرُ على فَلْسَيْنِ ،
وأصحابه يكسبون بعلمه الأموال " [7] .

هذا، وقد رُوِي له في الزهد:



و قبلك داوى الطبيبُ المريضَ *** فعاش المريض و مات الطبيـب

فكن مستعدًّا لـداء الفنـا *** فإن الـذيهـو آتٍ قريـب

ويُحكى عنه أيضًا أنه كان كثيرًا ما ينشد بيت الأخطل:

وإذا افتقرت إلى الذَّخائر لم تجدْ *** ذُخْرًا يكون كصالح الأعمال

و من حكايات زهده أن سليمان بن عليٍّ والي البصرة وجَّه إليه يلتمس
منه الشخوص إليه وتأديب أولاده نظير راتب يُجرِيه عليه ، فأخرج الخليل
إلى رسول سليمان خبزًا يابسًا ، وقال : ما عندي غيره ، وما دمت أجده
فلا حاجة لي في سليمان . فقال الرسول : فماذا أبلغه عنك ؟ فأنشأ يقول :

أبلغ سليمان أني عنـه في سعـةٍ *** وفي غِنًى غير أني لسـت ذا مـالِ

سخَّى بنفسيَ أني لا أرى أحـدًا *** يموت هزلاً ولا يبقي على حـالِ

و الفقر في النفس لا في المال نعرفه *** ومثل ذاك الغنى في النفس لا المـالِ

فالرزق عن قَدَرٍ لا العجز ينقصـه *** ولا يزيـدك فيه حَـْولُ محتـال[8]

فقطع عنه سليمان الراتب، فقال الخليل :

إن الذي شقَّ فمي ضامن *** للـرزق حتى يتوفـاني

حرمتني خيرًا قليلاً فما *** زادك في مالك حرمـاني



فبلغت سليمان ، فأقامته وأقعدته ، وكتب إلى الخليل يعتذر إليه ،
وأضعف راتبه ، فقال الخليل :

وزَلَّة يكثر الشيطان إن ذكرت *** منها التعـجب جاءت من سليمـانا

لا تعجبَنَّ لخيرٍ زلَّ عن يـده *** فالكوكب النحس يسقي الأرض أحيانا[9]

وفوق زهده وورعه ، وتقواه وعلمه ، فقد كان الخليل رجلاً ظريفًا
متواضعًا حسن الخُلُق ؛ ومما ذُكر في ذلك أنه اشتغل عليه رجل في
العروض وكان بعيد الفهم ، فأقام مدةً ولم يعلق على خاطره شيء منه ،
قال الخليل : فقلت له يومًا : كيف تقطِّع هذا البيت ؟

إذا لم تستطع شيئًا فدعـه *** وجاوزه إلى ما تستطيـع

قال الخليل : " فشرع معي في تقطيعه على قدر معرفته ، ثم إنه نهض من
عندي فلم يعُدْ إليَّ ، وكأنه فهم ما أشرت إليه " [10] . و هنا يتجلَّى أدب
الخليل وحسن خُلُقه مع تلامذته ، وكيف كان يستعمل منهجًا تربويًّا فريدًا
في تعليمه إياهم .

و من أفضل ما عُلم عن أدب الخليل وتواضعه ما حكاه عنه أيوب بن
المتوكل حيث يقول :

" وكان الخليل إذا أفاد إنسانًا شيئًا لم يُرِه أنه أفاده ، وإن استفاد من أحدٍ
شيئًا أراه بأنه استفاد منه " [11] . وفي ذلك ما فيه من سموٍّ نفسي
وإنكارٍ للذات ، فضلاً عن احترام المعلم والإقرار بفضله على المتعلم ؛
إذ ذاك من بعض حقوقه .

وفي مثل ذلك أيضًا ما أخبر به تلميذه النضر بن شميل حيث قال:
" ما رأيت أحدًا يُطلب إليه ما عنده أشد تواضعًا منه " [12] .

وفي موقفٍ يجسِّد صفة التواضع هذه يحكي الفضل بن محمد اليزيدي
فيقول : " قدم الخليل بن أحمد عليَّ وأنا على طِنْفسةٍ ، فأوسعت له عليها
، فأبى إلا القعود معي عليها ، ثم قال : مهلاً ، إن الموضع الضيق يتسع
بالمتحابين ، و إن الواسع من الأرض ليضيق بالمتباغضين ؛
ثم أنشأ الخليل بن أحمد يقول :

يقولون لي دار المحبين قد دنـت*** وإني كئيب إن ذا لعجـيب

فقلت : وما يغني الديار وقربها*** إذا لم يكن بين القلوب قريب[13]

شيوخه :

كغيره من أقرانه وعلماء عصره ، فقد أخذ الخليل وتتلمذ على أكثر من
شيخ وأستاذ ، وكان منهم أيوب السختياني البصري ، وقد فقه اللغة عليه
، وأيضًا عاصم الأحول بن النضر البصري ، والعوام بن حوشب ،
وغالب بن خطاف القطان البصري[14] ، وكذلك أبو عمرو بن العلاء ،
وعثمان بن حاضر الأزدي ، وغيرهم [15] .

تلاميذه :

كان تلاميذه - رحمه الله - من الكثرة والنجابة بمكان ، وكان أبرزهم
(سيبويه) النحوي البصري حُجَّة العربية ، وعبد الملك بن قريب الأصمعي
، وحماد بن يزيد ، وأيوب بن المتوكل البصري القارئ ، وبَدَل بن المحبَّر
، وداود بن المحبر ، وعلي بن نصر الجهضمي الكبير ، وعون بن عمارة
، و المُؤَرِّج بن عمرو السدوسي ، وموسى بن أيوب ، و النضر بن شميل
، وهارون بن موسى النحوي الأعور، ووهب بن جرير بن حازم ،
ويزيد بن مرة الذَّارع ، والليث بن المظفر [16] .

وإذا كان من أكبر أسباب شهرة الخليل بن أحمد هو تلميذه سيبويه في
مؤلَّفه الشهير (الكتاب) ؛ إذ عامَّة الحكاية فيه عن الخليل ، وكلما قال
سيبويه في كتابه : " وسألته " من غير أن يذكر قائله، فإنما يعني بذلك الخليل [17] .

مؤلفاته :

إن من أهم ما طيَّر اسم الخليل وأذاع شهرته في الآفاق هو كتابه ومعجمه
البِكْر من نوعه في مصنفات اللغة العربية : (كتاب العين) ،
ولم يكن (العين) هو مصنَّفه الوحيد ، وإنما ذكرت كتب المراجع أن له
أيضًا : كتاب (فائت العين) ، و كتاب (العروض)، و كتاب (الشواهد) ،
و كتاب (النقط والشكل) ، و كتاب (النغم) ، و كتاب في (معنى الحروف) ،
و كتاب في (العوامل) ، و كتاب (الإيقاع) ، و كتاب (تصريف الفعل) ،
و كتاب (التفاحة في النحو) ، و كتاب (جملة آلات الإعراب) ،
و كتاب (شرح صرف الخليل) ، و كتاب (الجمل) ، و كتاب (المُعَمَّى) ،
وغيرها [18] .

منهجه في كتاب العين :

لقد رتَّب الخليل في (العين) الحروف العربية على مخارجها من الحلق
على النظام التالي، كما جاء في مقدمته لكتاب العين : ع ، ح ،هـ ، خ ، غ
، ق ، ك ، ج ، ش ، ض ، ص ، س ، ز ، ط ، د ، ت ، ظ ، ث ، ذ ، ر، ل
، ن ، ف ، ب ، م ، و ، ا ، ي ، همزة [19] .

وإذا كان الخليل قد عدَّ العين أقصى الحروف مخرجًا ، فإن سيبويه يذكر
أن الهمزة أقصى الحروف مخرجًا . غير أن ابن كيسان يروي أنه سمع
من يذكر عن الخليل أنه قال : " لم أبدأ بالهمزة لأنها يلحقها النقص
والتغيير والحذف ، ولا بالألف لأنها لا تكون في ابتداء الكلام ولا في اسم
ولا فعل إلا زائدة أو مُبْدَلَةً ، ولا بالهاء لأنها مهموسة خفيَّة لا صوت لها ،
فنزلتُ إلى الحيز الثاني و فيه العين والحاء فوجدتُ العين أنصع الحرفين ؛
فابتدأت به ليكون أحسنَ في التأليف " [20] .

وقد بسط الخليل في العين الكلام في هذه الحروف ومخارجها ، فعدَّها
تسعة وعشرين حرفًا، جعل منها خمسة وعشرين حرفًا صحاحًا لها أحياز
و مدارج ، كما جعل منها أربعة هوائية . ولقد وَسَم الخليل كتابه المعجم
هذا بأول حرف اعتمده ، وهو العين .

ولما كان الخليل أول واضعٍ للكلم العربي في صورة معجمية ، كان عليه
بعد ذلك أن يستقصي الكلمات بعد أن اختار الترتيب ، وكان اعتماده على
ما ساقه الصرفيون - ممن سبقه - من حصرٍ لأبنية الكلمة ، وجعلها إما
ثنائية أو ثلاثية أو رباعية أو خماسية . و على هذا وجد الخليل أن مبلغ
عدد أبنية كلام العرب المستعمل والمهمل على مراتبها الأربع من الثنائي
والثلاثي والرباعي و الخماسي من دون تكرار، اثنا عشر ألف ألف و
ثلاثمائة ألف و خمسمائة آلاف و أربعمائة و اثنا عشر (12305412) :

الثنائي : سبعمائة وست وخمسون (756) .

الثلاثي : تسعة عشر ألفًا وستمائة وست وخمسون (19656) .

الرباعي : خمسمائة ألف وأحد وتسعون ألفًا وأربعمائة (591400) .

الخماسي : أحد عشر ألف ألف ، وسبعمائة وثمانٍ وثلاثون ألفًا وستمائة (11738600) .

اعتمد الخليل في هذا الإحصاء على تنقّل الحرف في بنيته من الكلمة ،
فالحرف في الكلمة الثنائية ينتج عن تنقله صورتان يكون أولاً ويكون ثانيًا
، والحرف في الكلمة الثلاثية ينتج عن تنقله صور ثلاث يكون أولاً وثانيًا
وثالثًا ، والحرف في الكلمة الرباعية ينتج عن تنقله صور أربع ،
وفي الكلمة الخماسية صور خمس . ولا شك أن هذا الاستقصاء
ثم الاستصفاء اقتضى من الخليل جهدًا حثيثًا ، وفكرًا كبيرًا [21] .

آراء العلماء فيه :

إحقاقًا للحق ، وامتنانًا بالفضل ، وعرفانًا بالسبق فقد أثنى كثير من علماء
المسلمين على الخليل بن أحمد رحمه الله ، وأنزلوه المكانة اللائقة به ،
حتى قال عنه حمزة بن الحسن الأصبهاني في كتاب (التنبيه على حدوث
التَّصحيف) : " وبعد ، فإن دولة الإسلام لم تخرج أبدع للعلوم التي لم تكن
لها أصول عند علماء العرب من الخليل ، وليس على ذلك برهان أوضح
من علم العروض الذي لا عن حكيمٍ أخذه ، ولا على مثال تقدَّمه احتذاه ،
وإنما اخترعه من ممرّ له بالصَّفَّارين من وقع مطرقة على طست ، ليس
فيهما حجة ولا بيان يؤديان إلى غير حليتهما أو يفيدان عين جوهرهما ،
فلو كانت أيامه قديمة ، ورسومه بعيدة لشكَّ فيه بعض الأمم ؛ لصنعته ما
لم يضعه أحد منذ خلق الله الدنيا من اختراعه العلم الذي قدمت ذكره ،
ومن تأسيسه بناء كتاب (العين) الذي يحصر فيه لغة كل أمة من الأمم
قاطبة ، ثم من إمداده سيبويه في علم النحو بما صنَّف كتابه
الذي هو زينة لدولة الإسلام " [22] .

وقال عنه سفيان بن عُيَيْنة رحمه الله :
" من أحبَّ أن ينظرَ إلى رجلٍ خُلِق من الذهب والمسك ،
فلينظر إلى الخليل بن أحمد " [23] .

و يُروى عن تلميذه النضر بن شميلٍ أنه قال :

" كنا نُمَيِّل بين ابن عونٍ و الخليل بن أحمد أيهما نقدِّم في الزهد
و العبادة ، فلا ندري أيهما نقدِّم ؟! "

و كان يقول : " ما رأيت رجلاً أعلم بالسُّنَّة بعد ابن عونٍ من الخليل
بن أحمد " [24] . و كان يقول : " أُكِلَت الدنيا بأدَب الخليل و كُتُبِه و هو
في خُصٍّ لا يُشْعَر به . و كان يحج سنةً ، و يغزو سنةً ، و كان من الزهَّاد
المنقطعين إلى الله تعالى " [25] .

وقال السيرافي : " كان الغاية في تصحيح القياس ، واستخراج مسائل
النحو وتعليله " [26] . وقال إبراهيم بن إسحاق الحربي :
" كان أهل البصرة -يعني أهل العربية - من أصحاب الأهواء إلا أربعة
فإنهم كانوا أصحاب سُنَّة : أبو عمرو بن العلاء ، والخليل بن أحمد ،
ويونس بن حبيب ، والأصمعي " [27] . وقال عنه ابن حبان في كتاب
الثقات : " كان (أي الخليل) من خيار عباد الله المتقشفين في العبادة " [28] .

وفاته :

كما كان الخليل عجيبًا في حياته ، متفردًا بين بني جنسه، كانت وفاته
أيضًا كذلك ؛ فقد أراد أن يُقرِّب نوعًا جديدًا من الحساب تمضي به الجارية
إلى البائع فلا يمكنه ظلمها، فدخل المسجد وهو يُعمِل فكره في ذلك ، ولكن
أجله كان بالمرصاد ، حيث صدمته سارية وهو غافل عنها بفكره ، فانقلب
على ظهره ، فكانت سبب موته . و قيل : بل كان يقطِّع بحرًا من العروض
، وكان ذلك بالبصرة سنة سبعين و مائة من الهجرة
(170هـ) على المشهور، ودُفِن بها [29] .


 
 توقيع : ريحانة بغداد




رد مع اقتباس
قديم 03-04-2018, 05:59 PM   #67


الصورة الرمزية ريحانة بغداد
ريحانة بغداد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 6091
 تاريخ التسجيل :  16 - 5 - 2015
 أخر زيارة : 10-09-2024 (01:40 AM)
 المشاركات : 184,955 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Iraq
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Darkorange
افتراضي





من الصحابة
حرام بن ملحان رضى الله تعالى عنه


نسبه :

هو حرام بن ملحان النجاري الأنصاري خال أنس بن مالك ، واسم ملحان مالك بن خالد ،
وقد شهد حرام بدرًا وأحدًا .

من أهم ملامح شخصية حرام بن ملحان :

مدارسته للقرآن وخدمته للمسلمين :
عن أنس بن مالك قال : جاء ناس إلى النبي فقالوا : ابعث معنا رجالاً يعلمونا القرآن والسنة ,
فبعث إليهم سبعين رجلاً من الأنصار يقال لهم : القراء فيهم خالي حرام ,
كانوا يقرءون القرآن ويتدارسون بالليل ويتعلمون ،
وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه بالمسجد ويحتطبون فيبيعونه
ويشترون به الطعام لأهل الصفة والفقراء .


حرصه على تبليغ دعوة الله :

روي عن أنس في قصة أصحاب بئر معونة قال : لا أدري أربعين أو سبعين وكان على الماء
عامر بن الطفيل فخرج أولئك النفر حتى أتوا الماء فقالوا : أيكم يبلغ رسالة رسول الله
فخرج - يعني حرام بن ملحان خال أنس - حتى أتى حواء منهم فاحتبى أمام البيوت,
ثم قال: يا أهل بئر معونة إني رسول الله إليكم
إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله فآمنوا بالله ورسوله .
استشهاد حرام بن ملحان :

قدم عامر بن مالك بن جعفر أبو براء ملاعب الأسنة الكلاني على رسول الله فأهدى له فلم يقبل منه
وعرض عليه الإسلام فلم يسلم ولم يبعد , وقال : لو بعثت معي نفرًا من أصحابك إلى قومي
لرجوت أن يجيبوا دعوتك ويتبعوا أمرك , فقال : " إني أخاف عليهم أهل نجد " ,
فقال : أنا لهم جار إن يعرض لهم أحد , فبعث معه رسول الله سبعين رجلاً من الأنصار
شببة يسمون القراء , وأمر عليهم المنذر بن عمرو الساعدي , فلما نزلوا ببئر معونة
وهو ماء من مياه بني سليم , وهو بين أرض بني عامر وأرض بني سليم كلا البلدين يعد منه
وهو بناحية المعدن ، نزلوا عليها وعسكروا بها وسرحوا ظهورهم ،
وقدموا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله إلى عامر بن الطفيل ، فوثب على حرام فقتله ،
وذلك في صفر سنة 4 من الهجرة .

وقد روى البخاري بسنده عن ثمامة بن عبد الله بن أنس أنه سمع أنس بن مالك يقول :
لما طعن حرام بن ملحان وكان خاله يوم بئر معونة قال بالدم هكذا
فنضحه على وجهه ورأسه ثم قال : " فزت ورب الكعبة " .

المراجع :

الطبقات الكبرى ابن سعد .

الاستيعاب ابن عبد البر.




 
 توقيع : ريحانة بغداد




رد مع اقتباس
قديم 03-04-2018, 06:01 PM   #68


الصورة الرمزية ريحانة بغداد
ريحانة بغداد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 6091
 تاريخ التسجيل :  16 - 5 - 2015
 أخر زيارة : 10-09-2024 (01:40 AM)
 المشاركات : 184,955 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Iraq
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Darkorange
افتراضي





من الفقهاء

الإمام العز بن عبد السلام



العز بن عبد السلام نسبه و قبيلته :

هو عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن ، شيخ الإسلام وبقية الأعلام ، الشيخ عز الدين أبو محمد الدمشقيُّ الشافعيُّ . وُلِد بدمشق سنة 577هـ/ 1181م ، ونشأ فيها .


طفولة العز بن عبد السلام وتربيته :

نشأ العزُّ بن عبد السلام في أسرة فقيرة ، وكان هذا من الأسباب التي جعلته يطلب العلم بعد أن أصبح كبيرًا ، وقد أتاح له ذلك - مع اجتهاده في طلب العلم وصبره عليه - أن يتفقه كثيرًا ، وأن يعي ما يحصّله من علم أكثر من غيره .



ملامح من شخصية العز بن عبد السلام

فقه العز بن عبد السلام وعلمه :


من أهم ملامح شخصية الشيخ (رحمه الله) علمه و فقهه ، فقد تميّز الشيخ وبرع في هذه الناحية كثيرًا حتى لقبّه تلميذه الأول ابنُ دقيق العيد بسلطان العلماء . و مما يشهد بسعة علم الشيخ ما تركه للأمة من مؤلفات كثيرة عظيمة القيمة ، عميقة الدقة في مادتها ، والتي ما زال الكثير منها مخطوطًا ولم يطبع بعد .

هيبة العز بن عبد السلام وجرأته في الحق :

هذا الجانب أيضًا مما تميّز به الشيخ و بلغ فيه مبلغًا عظيمًا حتى اشتهر به ، فلا يُذكر العز بن عبد السلام إلا وتُذكر الهيبة التي يهبها الله للعاملين المخلصين من عباده ، لا يُذكر العز (رحمه الله) إلا وتُذكر معه الجرأة على كل مخالف لشرع الله ، مهما علا مكانه ، وارتفعت بين الناس مكانته .

و نظرة في أي مرحلة من حياة الشيخ نجد هذا الأمر ملازمًا له لا ينفك عنه بحالٍ من الأحوال ، وله مواقف خالدة كثيرة في ذلك ، منها :

حينما تولى (الصالح إسماعيل الأيوبي) أمر دمشق - وهو أخو الصالح أيوب الذي كان حاكمًا لمصر - فتحالف مع الصليبيين لحرب أخيه نجم الدين أيوب في مصر، وكان من شروط تحالفه مع الصليبيين أن يُعطي لهم مدينتي صيدا والشقيف ، وأن يسمح لهم بشراء السلاح من دمشق ، وأن يخرج معهم في جيش واحد لغزو مصر. وبالطبع ثار العالم الجليل العز بن عبد السلام ، ووقف يخطب على المنابر ينكر ذلك بشدة على الصالح إسماعيل ، ويعلن في صراحة ووضوح أن الصالح إسماعيل لا يملك المدن الإسلامية ملكًا شخصيًّا حتى يتنازل عنها للصليبيين ، كما أنه لا يجوز بيع السلاح للصليبيين ، وخاصةً أن المسلمين على يقين أن الصليبيين ما يشترون السلاح إلا لضرب إخوانهم المسلمين. و هكذا قال سلطان العلماء كلمة الحق عند السلطان الجائر الصالح إسماعيل ، فما كان من الصالح إسماعيل إلا أن عزله عن منصبه في القضاء ، ومنعه من الخطابة ، ثم أمر باعتقاله وحبسه .

ومن مواقفه الشهيرة أيضًا والتي اصطدم فيها مع الصالح أيوب نفسه ، أنه لما عاش في مصر اكتشف أن الولايات العامة والإمارة والمناصب الكبرى كلها للمماليك الذين اشتراهم نجم الدين أيوب قبل ذلك ؛ ولذلك فهم في حكم الرقيق والعبيد ، ولا يجوز لهم الولاية على الأحرار؛ فأصدر مباشرة فتواه بعدم جواز ولايتهم لأنهم من العبيد . واشتعلت مصر بغضب الأمراء الذين يتحكمون في كل المناصب الرفيعة، حتى كان نائب السلطان مباشرة من المماليك ، وجاءوا إلى الشيخ العز بن عبد السلام ، وحاولوا إقناعه بالتخلي عن هذه الفتوى ، ثم حاولوا تهديده ، ولكنه رفض كل هذا - مع أنه قد جاء مصر بعد اضطهادٍ شديد في دمشق - وأصرَّ على كلمة الحق .

فرُفع الأمر إلى الصالح أيوب ، فاستغرب من كلام الشيخ ورفضه . فهنا وجد الشيخ العز بن عبد السلام أن كلامه لا يُسمع، فخلع نفسه من منصبه في القضاء ، فهو لا يرضى أن يكون صورة مفتي ، وهو يعلم أن الله عز وجل سائله . وركب الشيخ العز بن عبد السلام حماره ليرحل من مصر، وخرج خلف الشيخ العالم الآلافُ من علماء مصر ومن صالحيها وتجارها ورجالها ، بل خرج النساء والصبيان خلف الشيخ تأييدًا له ، وإنكارًا على مخالفيه . ووصلت الأخبار إلى الملك الصالح نجم الدين أيوب ، فأسرع بنفسه خلف الشيخ العز بن عبد السلام واسترضاه ، فقال له العزُّ : إن أردت أن يتولى هؤلاء الأمراء مناصبهم فلا بد أن يباعوا أولاً ، ثم يعتقهم الذي يشتريهم ، ولما كان ثمن هؤلاء الأمراء قد دفع قبل ذلك من بيت مال المسلمين ، فلا بد أن يرد الثمن إلى بيت مال المسلمين . و وافق الملك الصالح أيوب ، ومن يومها والشيخ العز بن عبد السلام يُعرف بـ (بائع الأمراء) .

وقد وُصف الشيخ (رحمه الله) أيضًا بالزهد والورع الشديدين ، كما وُصف بالبذل والسخاء والكرم والعطاء ، والعطف على المحتاجين ، مما يجعل من شخصيته (رحمه الله) نموذجًا رائعًا يُقتدى به في كل ميادين الحياة المختلفة .

شيوخ العز بن عبد السلام :

حضر أبا الحسين أحمد بن الموازيني ، و الخشوعي ، وسمع عبد اللطيف بن إسماعيل الصوفي ، والقاسم بن عساكر، و ابن طبرزد ، و حنبل المكبر، و ابن الحرستاني ، وغيرهم . وخرَّج له الدمياطي أربعين حديثًا عوالي . و تفقه على الإمام فخر الدين ابن عساكر .

تلاميذ العز بن عبد السلام :

روى عنه الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد ، والدمياطي ، وأبو الحسين اليونيني ، وغيرهم .

مؤلفات العز بن عبد السلام :

للعز بن عبد السلام (رحمه الله) مؤلفات كثيرة ، منها ما هو مطبوع ومنها ما هو مخطوط، فله كتاب الإلمام في أدلة الأحكام ، وترغيب أهل الإسلام في سكنى الشام ، وله كتاب في التفسير، وكتاب شجرة المعارف ، وله كتاب في العقيدة سمّاه عقائد الشيخ عز الدين ، وشرحه الإمام ولي الدين محمد بن أحمد الديباجي ، وله كتاب الفتاوى الموصلية ، وله كتاب القواعد الكبرى في فروع الشافعية ، قال عنه صاحب كشف الظنون : " وليس لأحدٍ مثله " . و كتاب كشف الأسرار عن حكم الطيور والأزهار، وله كتاب الغاية في اختصار النهاية .

وقد شملت مؤلفات الشيخ التفسير وعلوم القرآن ، والحديث والسيرة النبوية ، وعلم التوحيد ، والفقه وأصوله ، والفتوى .

منهج العز بن عبد السلام في البحث :

يدعو إلى إعمال العقل في استنباط الأحكام ، وفي التعرف على المصالح . ويرى أن الأحكام إن لم يمكن استنباطها من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس ، فيجب استنباطها بما يحقق مصلحة ويدرأ مفسدة ، والعقل هو أداة هذا الاستنباط .

ثناء العلماء على العز بن عبد السلام :

قال عنه الذهبي : " بلغ رتبة الاجتهاد ، وانتهت إليه رئاسة المذهب ، مع الزهد والورع ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصلابة في الدين ، وقصده الطلبة من الآفاق ، وتخرّج به أئمة " .

وقال عنه ابن دقيق العيد : " كان ابن عبد السلام أحد سلاطين العلماء " . وقال عنه ابن الحاجب : " ابن عبد السلام أفقه من الغزالي". وقال عنه ابن السبكي : " شيخ الإسلام والمسلمين ، وأحد الأئمة الأعلام ، سلطان العلماء ، إمام عصره بلا مدافعة ، القائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في زمانه ، المطلع على حقائق الشريعة و غوامضها ، العارف بمقاصدها " .


وفاة العز بن عبد السلام :

تُوفِّي العز بن عبد السلام (رحمه الله) سنةَ 660هـ/ 1261م ، عن ثلاثٍ وثمانين سنة .

المصادر :

- العز بن عبد السلام ، د. محمد الزحيلي .

- كشف الظنون، حاجي خليفة .

- قصة التتار من البداية إلى عين جالوت ، د. راغب السرجاني .

- أئمة الفقه التسعة ، عبد الرحمن الشرقاوي .


 
 توقيع : ريحانة بغداد




رد مع اقتباس
قديم 03-04-2018, 06:04 PM   #69


الصورة الرمزية ريحانة بغداد
ريحانة بغداد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 6091
 تاريخ التسجيل :  16 - 5 - 2015
 أخر زيارة : 10-09-2024 (01:40 AM)
 المشاركات : 184,955 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Iraq
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Darkorange
افتراضي





من الصحابة
سعد بن الربيع



نسبه
سعد بن الربيع بن عمرو بن كعب بن الخزرج ، الأنصاري الخزرجي أحد نقباء الأنصار .
الحارثي البدري النقيب الشهيد الذي آخى النبي بينه وبين عبد الرحمن بن عوف
فعزم على أن يعطي عبد الرحمن شطر ماله ويطلق إحدى زوجتيه ليتزوج بها
فامتنع عبد الرحمن من ذلك ودعا له , وكان أحد النقباء ليلة العقبة .

أثر الرسول في تربية سعد بن الربيع :
لقد كانت تربية النبي لسيدنا سعد بن الربيع أثراً كبيراً في نفسه فهو الذي استطاع أن يؤثر
أخاه عبد الرحمن بن عوف بماله وزوجته يقول أنس بن مالك :
قدم علينا عبد الرحمن بن عوف وآخى النبي بينه وبين سعد بن الربيع - وكان كثير الأموال -
فقال سعد بن الربيع : قد علمت الأنصار أني من أكثرها مالاً ، سأقسم مالي بيني وبينك شطرين ،
ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فأطلقها حتى إذا حلت تزوجتها .
فقال عبد الرحمن بن عوف :
" بارك الله لك في أهلك ومالك " .

وفي رواية البخاري:
" فقال عبد الرحمن بن عوف : لا حاجة لي في ذلك " .

ملامح من شخصية سعد بن الربيع :حبه الشديد للرسول

لقد ملك حب النبي قلوب أصحابه حتى قادهم هذا الحب إلى أن يضحوا بأنفسهم
فداء للنبي وممن ملك الحب قلوبهم سعد بن الربيع . يقول زيد بن ثابت :
" بعثني النبي يوم أحد أطلب سعد بن الربيع فقال لي :
" إن رأيته فأقرأه مني السلام ، وقل له : يقول لك رسول الله : كيف تجدك ؟ " .
يقول زيد بن ثابت : فطفت بين القتلى فأصبته وهو في آخر رمق، و به سبعون ضربة فأخبرته فقال :
على رسول الله السلام وعليك ،

قل له : يا رسول الله أجد ريح الجنة ، وقل لقومي الأنصار:

" لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله وفيكم شفر يطرف " ،
قال : وفاضت نفسه.
ونقل ابن عبد البر عن مالك بن أنس :
أن النبي قال :

( من يأتينا بخبر سعد ؟ )
فقال رجل : أنا . فذهب يطوف بين القتلى فوجده ، و به رمق ،
فقال : بعثني رسول الله لآتيه بخبرك ، قال :
" فاذهب فأقرأه مني السلام وأخبره أنني قد طعنت اثنتي عشرة طعنة ،
وقد أنفذت مقاتلي ،
وأخبر قومك أنه لا عذر لهم عند الله إن قتل رسول الله وواحد منهم حي " .

ويعلق صاحب فرسان النهار من الصحابة الأخيار بقوله :
فإنه -وهو في تلك اللحظات التي يودع فيها الدنيا لم يفكر في زوجته ولا في أولاده ،
وإنما ظل فكره مشغولاً بمصير الرسول ، فقد أنساه حبه العظيم لنبيه كل شيء حتى نفسه،
وظل حتى فارق الدنيا وهو شديد الخوف على النبي وشديد الحرص على أن لا يمس بسوء .

ولا أدل على ذلك من أنه قبل أن تصعد روحه إلى بارئها حمل الأنصاري
رسالة إلى الرسول ملؤها المحبة، والإخلاص ، والوفاء .

الإيثار في حياة سعد بن الربيع :
وما يدل على ذلك ما حدث بينه وبين عبد الرحمن بن عوف لما طلب من سيدنا عبد الرحمن
أن يقاسمه في أمواله وأن يطلق له زوجته ليتزوجها سيدنا عبد الرحمن .

بعض مواقف سعد بن الربيع من مع الصحابة :موقفه مع زوجته

نزلت هذه الآية :

{ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ }
[النساء: 34]

في سعد بن الربيع , وكان من النقباء , وفي امرأته حبيبة بنت زيد بن أبي زهير، قاله مقاتل .

وقال الكلبي : امرأته حبيبة بنت محمد بن مسلمة ، وذلك أنها نشزت عليه فلطمها ،
فانطلق أبوها معها إلى النبي فقال : أفرشته كريمتي فلطمها ،
فقال النبي :

( لتقتص من زوجها ) ،

فانصرفت مع أبيها لتقتص منه ، فجاء جبريل عليه السلام ،
فقال النبي :

( ارجعوا هذا جبريل أتاني بشيء )
فأنزل الله هذه الآية ،
فقال النبي :

( أردنا أمرًا وأراد الله أمرًا ، والذي أراد الله خير )
ورُفع القصاص .

استشهاد سعد بن الربيع :
ذكر ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه عن جده في هذا الخبر
أن رسول الله قال يوم أحد :

( من يأتيني بخبر سعد بن الربيع فإني رأيت الأسنة قد أشرعت إليه )
فقال أبي بن كعب: أنا, وذكر الخبر , وفيه : اقرأ على قومي السلام ,
وقل لهم : يقول لكم سعد بن الربيع :
" الله الله وما عاهدتم عليه رسول الله ليلة العقبة ,
فو الله ما لكم عند الله عذر إن خلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف .
وقال أبي بن كعب : فلم أبرح حتى مات ,
فرجعت إلى النبي فأخبرته فقال :

( رحمه الله نصح لله حيًّا وميتًا ) .
استشهد سعد بن الربيع في غزوة أحد في السنة الثالثة من الهجرة


 
 توقيع : ريحانة بغداد




رد مع اقتباس
قديم 03-04-2018, 06:09 PM   #70


الصورة الرمزية ريحانة بغداد
ريحانة بغداد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 6091
 تاريخ التسجيل :  16 - 5 - 2015
 أخر زيارة : 10-09-2024 (01:40 AM)
 المشاركات : 184,955 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Iraq
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Darkorange
افتراضي





من علماء التفسير

الإمام الألوسيّ



اسمه ومولده :

هو محمود بن عبد الله الحسيني الألوسيّ ، شهاب الدين أبو الثناء، مفسِّر محدِّث أديب من المجددين [1] . وُلِد في بغداد [2] سنة 1217هـ/ 1802م [3] ، وعاش بها [4] .

نشأته :

ذكر الإمام الألوسي في مقدمته أنه منذ عهد الصغر، لم يزل متطلبًا لاستكشاف سر كتاب الله المكتوم، مترقبًا لارتشاف رحيقه المختوم ، وأنه طالما فرَّق نومه لجمع شوارده ، وفارق قومه لوصال فرائده ، لا يَرْفَلُ في مطارف الله و كما يرفل أقرانه ، ولا يهب نفائس الأوقات لخسائس الشهوات كما يفعل إخوانه ؛ وبذلك وفَّقه الله للوقوف على كثيرٍ من حقائقه ، وحلِّ وفير من دقائقه . و ذكر أنه قبل أن يكمل سنَّه العشرين ، شرع يدفع كثير من الإشكالات التي ترد على ظاهر النظم الكريم ، ويتجاهر بما لم يُظفر به في كتابٍ من دقائق التفسير .

ثم ذكر أنه كثيرًا ما خطر له أن يُحرِّر كتابًا يجمع فيه ما عنده من ذلك ، وأنه كان يتردد في ذلك ، إلى أن رأى في بعض ليالي الجمعة من شهر رجب سنة 1252هـ أن الله جلَّ شأنه أمره بطيِّ السموات والأرض ،

ورتق فتقها على الطول والعرض ، فرفع يدًا إلى السماء ، وخفض الأخرى إلى مستقر الماء ، ثم انتبه من نومه وهو مستعظم لرؤيته ، فجعل يفتِّش لها عن تعبير ، فرأى في بعض الكتب أنها إشارة إلى تأليف تفسير، فشرع فيه في الليلة السادسة عشرة من شهر شعبان من السنة المذكورة ، وكان عمره إذ ذاك أربعًا وثلاثين سنة ، وذلك في عهد محمود خان ابن السلطان عبد الحميد خان . وذكر في خاتمته أنه انتهى منه ليلة الثلاثاء لأربعٍ خلون من شهر ربيع الآخر سنة 1267هـ ، ولما انتهى منه سمَّاه (روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني) .
كما اشتغل الألوسي بالتدريس والتأليف وهو ابن ثلاث عشرة سنة ، فدرس في عدَّة مدارس، وقُلِّد إفتاء الحنفية سنة 1248هـ ، فشرع يدرِّس سائر العلوم في داره الملاصقة لجامع الشيخ عبد الله العاقولي في الرُّصافة ، وقد تتلمذ له وأخذ عنه خلقٌ كثير من قاصي البلاد ودانيها .
وله حاشية على شرح قطر الندى لابن هشام ألَّفها وعمره لا يتجاوز ثلاث عشرة سنة [5] .

ملامح شخصيته وأخلاقه :

كان -رحمه الله- عالمًا باختلاف المذاهب ، مطلعًا على الملل والنحل ، شافعيَّ المذهب ، إلا أنه في كثير من المسائل يقلد الإمام أبا حنيفة رحمه الله ، وكان آخر أمره يميل إلى الاجتهاد .

وكان -رحمه الله- شيخ العلماء في العراق ، سلفيَّ الاعتقاد ، مجتهدًا ، نادرةً من نوادر الأيام ، جمع كثيرًا من العلوم حتى أصبح علاَّمة في المنقول والمعقول ، فهَّامة في الفروع والأصول ، محدِّثًا لا يُجارى ، ومفسرًا لكتاب الله لا يبارى .

وكان - رحمه الله - يواسي طلبته في ملبسه ومأكله ، ويُسكِنهم البيوت الرفيعة من منزله ، حتى صار في العراق العلم المفرد ، وانتهت إليه الرياسة لمزيد فضله الذي لا يحمد ، وكان نسيجًا وحده في النثر وقوة التحرير ، وغزارة الإملاء ، وجزالة التعبير.

كما كان مجاهدًا في نشر الحق والرد على الباطل ، فشنَّ غاراته على الخرافات المتأصلة في النفوس ، فكتب الرسائل ، وألَّف المؤلفات التي زعزعت أسس الباطل ، وأحدثت دويًّا وإصلاحًا عظيمًا ، وارتفع صوته كمصلح ديني يدوِّي في المطالبة بتطهير الدين مما لحقه من البدع .
وكان ذا حافظة عجيبة، فكثيرًا ما كان يقول : " ما استودعتُ ذهني شيئًا فخانني ، ولا دعوتُ فكري لمعضلة إلا وأجابني "[6] .

وكان - رحمه الله- أحد أفراد الدنيا ، يقول الحق ، ولا يحيد عن الصدق ، متمسكًا بالسنن ، متجنبًا عن الفتن ، حتى جاء مجددًا ، وللدين الحنفي مسددًا ، وكان جُلُّ ميله لخدمة كتاب الله ، وحديث جَدِّه رسول الله ؛ لأنهما المشتملان على جميع العلوم ، وإليهما المرجع في المنطوق والمفهوم . وكان غايةً في الحرص على تزايد علمه ، وتوفير نصيبه منه وسهمه [7] .
كَلِف بالعلوم منذ حداثة سنِّه ، وبذل النفس والنفيس في إحراز جواهرها ، حتى إن رغبته في طلب المعارف شغلته عن حُطام الدنيا ، وأَنْستهُ هناء العيش وملاذ الحياة ، وبرز في العلوم الدينية فصار إمامًا في التفسير والإفتاء ، وكان مع ذلك كاتبًا بليغًا وخطيبًا مِصْقَعًا .

وفي 1262هـ/1845م سافر برفقة عبدي باشا المشير إلى الموصل ، ثم إلى ماردين فديار بكر فأُرزوم فسيواس فالأستانة ، واجتمع حيث دخل بأعلام العلماء وأئمة الأدباء ، وكانوا يتهافتون إليه؛ ليقتبسوا من أنواره ، ويغرفوا من بحاره . فلما عاد إلى وطنه سنة 1269هـ انقطع إلى التأليف .
وكان الألوسي سريع الخاطر، ونسيج وحده في قوة التحرير وسهولة الكتابة ومسارعة القلم ؛ قيل : إنه كان لا يقصر تأليفه في اليوم والليلة عن أقل من ورقتين كبيرتين [8] . كما كان شاعرًا له شعر قليل إلا أنه غاية في الرقة ، منها هذه الأبيات يذكر العراق في غربته :


أهيمُ بآثار العـراقِ وذكـره *** وتغدو عيـوني من مسرَّتـها عَبْـرَى
وألثم إخـفاقًا وطـنَ ترابـه *** وأكحـلُ أجفـانًا بتربتـه العَطْـرَى
وأسهر أرعى في الدياجي كواكبًا *** تمرُّ إذا سارت علـى ساكني الزورا
وأنشقُ ريح الشرق عند هبوبها *** أداوي بها يا ميُّ مُهجتي الحَرّا


وقال في وصف بغداد وفراقه لها:

أرضٌ إذا مرَّت بها ريحُ الصبـا *** حملت من الأرجاء مسكـًا أذفـرا
لا تسمعَنَّ حديث أرضٍ بعدها *** يُروى فكل الصيد في جوف الفـرا
فارقتها لا عن رضًى وهجـرتها *** لا عن قلًى ورحلـتُ لا متخيَّـرا
لكنـها ضاقـت عليَّ برحبـها *** لمـا رأيتُ بها الزمـان تنكَّـرا


ومن حسن قوله وصفه لشاعر سهل الألفاظ بعيد المعاني:

تتحيَّرُ الشعراء إن سمعوا به *** في حسن صنـعته وفي تأليفـه
فكأنهُ في قربه من فهمهم *** و نكولهم في العجز عن ترصيفـهِ
شجرٌ بدا للعين حسنُ نباتهِ *** ونأى عن الأيدي جَنَى مقطوفهِ


وقال مستغفرًا وقد افتتح به كتاب مقاماته :

أنا مذنبٌ أنا مجرمٌ أنا خاطئ *** هو غافرٌ هو راحمٌ هو عافـي
قابلتهـنَّ ثلاثـةٌ بثلاثـةٍ *** وستغلبَن أوصـافُهُ أوصـافـي[9]

شيوخه :

أخذ الألوسي العلم عن فحول العلماء ، منهم والده العلاَّمة ، والشيخ خالد النقشبندي ، والشيخ على السويدي[10] ، والشيخ علي الموصلي ، والشيخ يحيى المروزي العمادي [11] ، ومحمد بن أحمد التميمي الخليلي المصري [12] .

كما روى عن عبد الرحمن الكزبري ، وعبد اللطيف بن حمزة فتح الله البيروتي ، والشمس محمد أمين بن عابدين مكاتبةً ، واجتمع في إسطنبول بشيخ الإسلام عارف الله بن حكمة الله ، وأجاز كل منهما صاحبه، والشمس محمد التميمي الحنفي ، وأخذ في العراق عن علاء الدين عليّ الموصلي ، وعلي بن محمد سعيد السويدي ، وعبد العزيز بن محمد الشواف ، والمعمر يحيى المروزي العمادي ، والشيخ عبد الفتاح شوَّاف زاده [13] ، وغيرهم .



تلاميذه :

أخذ عنه كثيرون ، ونتصل بمروياته ومؤلفاته من طرقٍ منها : عن إبراهيم بن سليمان الحنفي المكي عن محمد بن حميد الشرقي مفتي الحنابلة بمكة المكرمة عنه ، ومنها عن الشيخ أحمد أبي الخير المكي عن نعمان الألوسي عن أبيه ، ومنها بأسانيدنا إلى عارف الله بن حكمة الله عنه [14] . ومن أشهر تلاميذه صالح بن يحيى بن يونس الموصلي السعدي ، وغيرهم [15].

مؤلفاته :

ألف الألوسي كتبًا عديدة في التفسير والفقه والمنطق والأدب واللغة، وخلَّف رحمه الله تعالى ثروة علمية كبيرة ونافعة ، بَيْدَ أنَّه يأتي على رأس هذه المؤلفات كتابه : (روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني) ، و(نشوة الشمول في السفر إلى إسطنبول) رحلته إلى الأستانة ، و(نشوة المدام في العود إلى دار السلام) ،

و(غرائب الاغتراب) ضمَّنه تراجم الذين لقيهم ، وأبحاثًا ومناظرات ، و(دقائق التفسير) ، و(الخريدة الغيبية) شرح به قصيدة لعبد الباقي الموصلي ، و(كشف الطرة عن الغرة) شرح به درة الغواص للحريري، و(المقامات) في التصوف والأخلاق، عارض بها مقامات الزمخشري، و(الأجوبة العراقية عن الأسئلة الإيرانية) ، و(حاشية على شرح القطر) لابن هشام ألَّفها وعمره لا يتجاوز ثلاث عشرة سنة في النحو، و(الرسالة اللاهورية) ، و(التبيان في مسائل إيران) ، و(شرح السلم في المنطق) [16] ، و(شهي النغم في ترجمة عارف الحكم) [17] .

تفسير روح المعاني ونهج مؤلفه فيه :

كان الألوسي - رحمه الله - شيخ العلماء في العراق في عصره ، ونادرة من النوادر التي جادت بها الأيام ؛ جمع كثيرًا من علوم المنقول والمعقول ، وأحكم فهم علمي الفروع والأصول ، وكان مع هذا وذاك مفسرًا لكتاب الله لا يُبارى ، ومحدِّثًا للسُّنَّة لا يُجارى .

ومع أنه - رحمه الل ه- كان شافعيَّ المذهب إلا أنه في كثير من المسائل كان يقلد الإمام أبا حنيفة ، وكان عالمًا باختلاف المذاهب ، ومطلعًا على الملل والنحل ، وكان في آخر حياته يميل إلى الاجتهاد ، وقد خلَّف ثروةً علمية كبيرة ونافعة ، يأتي في مقدمتها تفسيره المسمى (روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني) .

و هذا التفسير -كما يتبين للناظر فيه - قد أفرغ فيه مؤلِّفه وسعه ، وبذل جهده ، حتى أخرجه للناس تفسيرًا جامعًا لآراء السلف روايةً ودرايةً، ومشتملاً على أقوال الخلف بكل أمانة وعناية ، فهو تفسير - والحق يقال - جامعٌ لخلاصة ما سبقه من التفاسير .

ثم إن المؤلف - رحمه الله - إذ ينقل من تفاسير مَن سبقه من المفسرين ، لم يكن مجرَّد ناقل فحسب ، بل كان يُنَصِّب من نفسه حَكَمًا عدلاً على كل ما ينقل ، ويجعل من نفسه ناقدًا مدقِّقًا وممحصًا لكل رأي وقول ، ثم هو بعدُ يُبدِي رأيه حرًّا فيما ينقل . ويلاحظ على مؤلِّفنا أنه كان كثيرًا ما يتعقب الرازي في العديد من المسائل الفقهية ، ويخالفه الرأي فيها ، لكن إن استصوب رأيًا لبعض مَن ينقل عنهم انتصر له ، ونافح عنه بكل ما أُوتى من قوة .

لكن مما يُؤخذ على الألوسي أنه كان مترددًا في مسائل الأسماء والصفات بين مذهبي السلف والخلف ؛ فهو أحيانًا يميل إلى مذهب السلف ويقرره وينسب نفسه إليه ، كما فعل عند تفسيره لصفة الحياء في قوله تعالى :

{ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً }
[البقرة: 26] ،

وأحيانًا أخرى نجده يميل لمذهب الأشاعرة وينتصر لهم كما فعل عند تفسيره لصفة الكلام في قوله تعالى :

{ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ }
[البقرة: 253] .

ونحن في حينٍ ثالث نجده يُظهِر نوعًا من التحفُّظ وعدم الصراحة الكاملة ، كما فعل عند حديثه على صفة الفوقية في قوله تعالى :

{ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ }
[الفتح: 10]،

وفي حينٍ آخر نجده يقرر مذهب السلف والخلف ويرجِّح مذهب الخلف، كما فعل في صفة الاستواء في قوله تعالى :

{ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى }
[طه: 5] .

وهكذا نجده متردِّدًا - رحمه الله - بين مذهب السلف والخلف ؛ ولأجل هذا عدَّه بعضهم من أصحاب التفسير بالمعقول .
ثم إننا نلحظ من منهجه في تفسيره - فوق ما تقدم - الأمور التالية :


- استطراده كثيرًا في المسائل الكونية التي ليس لها علاقة وثيقة بعلم التفسير.

- وكان له استطراد أيضًا في ذكر المسائل النحوية ، إذ كان يتوسع بها أحيانًا إلى درجة يكاد يخرج بها عن وصف كونه مفسِّرًا .

- أما المسائل الفقهية فمنهجه فيها أن يستوفي أقوال أهل العلم في المسألة موضوع البحث ، ومن ثَمَّ يختار منها ما يؤيده الدليل ، من غير تعصب لمذهب معين ، بل رائده في ذلك : أن الحق أحق أن يُتَّبع .

- وكانت للمؤلف - رحمه الله - عناية ملحوظة بنقد الروايات الإسرائيلية ، وتفنيد الأخبار المكذوبة التي ساقها بعض المفسرين السابقين له ، فنحن - مثلاً - نجده يُعَقِّب بعد أن ساق قصة من القصص الإسرائيلي ، فيقول : " وليس العجب من جرأة من وضع هذا الحديث ، وكذب على الله تعالى ، إنما العجب ممن يُدخِل هذا الحديث في كتب العلم من التفسير وغيره، ولا يُبيِّن أمره "[18] . وعلى هذا المجرى يجري في تفنيده لتلك المرويات والأخبار .

- وكغيره من المفسرين السابقين ، نجد الألوسي يعرض للقراءات القرآنية الواردة في الآية الكريمة ، بيد أنه لا يتقيد بالمتواتر منها ، بل ينقل غير المتواتر لفائدة يراها ، ولكن يُنبِّه عليه .

- ويُلاحظ أن للألوسي عناية ملحوظة بذكر أوجه المناسبات بين الآيات والسور، مع تعرضه لذكر أسباب النزول لفَهْم الآيات وفق أسباب نزولها .
- وأخيرًا، فإن الألوسي في تفسيره كان ميَّالاً إلى التفسير الإشاري ، وهذا ما أُخذ عليه ؛ فهو بعد أن يفرغ من الكلام عن كل ما يتعلق بظاهر الآيات ، تُراه يذكر لها تفسيرًا إشاريًّا ، أي يفسرها تفسيرًا يخرج بها عن ظاهرها ، وهذا فيه ما هو مقبول ، وفيه ما هو مردود ، لا يُوافَق عليه .

و مهما يكن ، فإن تفسير (روح المعاني) يبقى موسوعة تفسيرية قيِّمة ، جمعت جُلَّ ما قاله علماء التفسير المتقدمين ، وامتازت بالنقد الحر، والترجيح المعتمد على الدليل ، والرأي البنَّاء ، والاتزان في تناول المسائل التفسيرية وغيرها ، مما له ارتباط بموضوع التفسير . فجزى الله مؤلِّفه خير الجزاء ، ونفع المسلمين بعلمه [19] .

وفاته :

تُوفِّي - رحمه الله تعالى - يوم الجمعة 25 من ذي القعدة سنة 1270هـ الموافق 1854م . وقيل : توفي في 21 من ذي القعدة ، ودُفِن بالقرب من الشيخ معروف الكرخي ، وقبره مشهور يُزار[20] .
وقد أرَّخ وفاته الإمام الأديب الشيخ عبد الباقي أفندي العمري بقوله :


قبر به قد توارى خير مفقـود *** فاغتم حزنًا عليه كل موجـود
أبو الثناء شهاب الدين فيه ثوى *** فيا لمثوى برفد الفضل مرفـود
كجَدِّه كان سيفًا يستضاء به *** فحاز في الرشد حدًّا غير محـدود
مضى تغمده المـولى برحمتـه *** فليفتخر لحـده فيـه بمغمـود
من بعده لا فقدنا من بنيه فتى *** لم يبك ميت ولم يفرح بمولـود
تفسير روح معاني الذكر نضدها *** كعِقْد دُرٍّ بأيدي الفكر منضود
على تبحره في العلم شاهـدة *** كفى بها شاهدًا في حق مشهـود
أجاب أعلام إيـران بأجـوبة *** برهانها غير مدفـوع ومـردود
حور الجنان به حفت مؤرخـة *** جنات روح المعاني قبر محمـود[21]


المصادر :
[1] الزركلي : الأعلام 7/176.
[2] الزركلي : السابق نفسه ، الصفحة نفسها. لويس شيخو: السابق نفسه 1/48.
[3] السابق نفسه ، الصفحة نفسها. لويس شيخو: تاريخ الآداب العربية 1/54.
[4] الزركلي : السابق نفسه ، الصفحة نفسها .
[5] لويس شيخو: تاريخ الآداب العربية 1/48.
[6] د/محمد حسين الذهبى : التفسير والمفسرون ، مكتبة وهبة ، القاهرة، الطبعة السابعة ، 2000م، 1/251.
[7] عبد الرزاق البيطار: حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر 2/125.
[8] لويس شيخو: تاريخ الآداب العربية ص90.
[9] لويس شيخو: تاريخ الآداب العربية ، دار المشرق ، بيروت ، طبعة ثالثة ، 1991م ، ص91.
[10] عبد الرزاق البيطار: حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر 2/125.
[11] لويس شيخو: تاريخ الآداب العربية 1/54.
[12] الكتاني: فهرس الفهارس و الإثبات ومعجم المعاجم و المشيخات والمسلسلات 1/267.
[13] لويس شيخو: تاريخ الآداب العربية 1/52.
[14] الكتاني: فهرس الفهارس والإثبات ومعجم المعاجم و المشيخات والمسلسلات 1/140
[15] السابق نفسه ، الصفحة نفسها . الزركلي : الأعلام 3/198.


[16] الزركلي : السابق نفسه 7/176. لويس شيخو : تاريخ الآداب العربية 1/48.
[17] الزركلي : السابق نفسه 1/141.
[18] الألوسي : روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، بدون تاريخ ، 6/86.
[19] موقع الشبكة الإسلامية
[20] عمر كحالة : معجم المؤلفين 12/175. لويس شيخو: تاريخ الآداب العربية 1/48. عبد الرزاق البيطار: حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر 2/125، 126.
[21] عبد الرزاق البيطار: السابق نفسه ، الصفحة نفسها .


 
 توقيع : ريحانة بغداد




رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
متجدد , الله , بإذن , شخصيات


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
وصفات طبعيه لكي نعالج انفسنا بشئ طبيعي ..متجدد بإذن الله..,~ احمدالعلي (همســـات الصحه والطب) 188 25-07-2021 12:19 AM
ربِّ زدني علمًا وفقهني في الدين { متجدد إن شاء الله } قطرات احزان ( قسم الفتاوي الاسلامية ) 31 14-01-2019 10:30 PM
شخصيات نوقف لها وقفةة شموخ ., عششقـ ـآلبدووو عشق البدو (همســـات جـسـر الـتـواصــل ) 23 04-05-2015 06:41 PM
خمس شخصيات من تختار ؟؟..... محمدعبدالحميد (همســـــات الحوار والنقاش الجاد) 9 12-04-2014 01:37 AM

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

الساعة الآن 06:17 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010