الإهداءات | |
( همســـــات العام ) خاص بالمواضيع العامه |
| LinkBack | أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
03-04-2018, 05:29 PM | #57 |
| ثابت بن قيس بن شماس رضى الله تعالى عنه كان من نجباء أصحاب محمد ، لم يشهد بدرًا ، ولكنه شهد أحدًا و بيعة الرضوان . أمه هند الطائية ، وقيل : كبشة بنت واقد بن الإطنابة ، أسلمت وكانت ذا عقل وافر . إخوته لأمه : عبد الله بن رواحة ، عمرة بنت رواحة . تزوج ثابت بن قيس من جميلة بنت عبد الله بن أبي بن سلول ، فولدت له محمدًا . وتزوج أيضًا من حبيبة بنت سهل ، وقد آخى رسول الله بينه وبين عمار . إسلام ثابت بن قيس : هو أحد السابقين إلى الإسلام في يثرب ، إذ ما كاد يستمع إلى آي الذكر الحكيم يرتلها الداعية المكي الشاب مصعب بن عمير بصوته الشجي وجرسه الندي حتى أسر القرآن سمعه بحلاوة وقعه ، وملك قلبه برائع بيانه ، وخلب لبه بما حفل به من هدى وتشريع . فشرح الله صدره للإيمان وأعلى قدره ورفع ذكره بالانطواء تحت لواء نبي الإسلام . أثر تربية الرسول في شخصية ثابت بن قيس : عن إسماعيل بن محمد بن ثابت بن قيس أن ثابت بن قيس قال : يا رسول الله إني أخشى أن أكون قد هلكت ، ينهانا الله أن نحب أن نحمد بما لا نفعل ، وأجدني أحب الحمد ، وينهانا الله عن الخيلاء ، وإني امرؤ أحب الجمال ، وينهانا الله أن نرفع أصواتنا فوق صوتك ، وأنا رجل رفيع الصوت ، فقال رسول الله : ( يا ثابت أما ترضى أن تعيش حميدًا وتقتل شهيدًا وتدخل الجنة ) . من ملامح شخصية ثابت بن قيس : لما نزل قوله جل شأنه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ } [الحجرات: 2] . تجنب ثابت بن قيس مجالس رسول الله على الرغم من شدة حبه له وفرط تعلقه به ولزم بيته حتى لا يكاد يبرحه إلا لأداء المكتوبة . فافتقده النبي وقال : ( من يأتيني بخبره ؟ ) , فقال رجل من الأنصار : أنا يا رسول الله وذهب إليه فوجده في منزله محزونًا منكسًا رأسه فقال له : ما شأنك يا أبا محمد ؟ قال : شر . قال : وما ذاك ؟ قال : إنك تعرف أني رجل جهير الصوت كثيرًا ما يعلو صوتي على صوت رسول الله وقد نزل من القرآن ما تعلم , وما أحسبني إلا قد حبط عملي وإنني من أهل النار، فرجع الرجل إلى الرسول وأخبره بما رأى وما سمع , فقال : ( اذهب إليه وقل له لست من أهل النار, ولكنك من أهل الجنة ) . إيثار ثابت بن قيس وإنفاقه في سبيل الله : قال رسول الله لثابت بن قيس : ( لقد ضحك الله ما فعلت بضيفك البارحة ) , ولعل هذه الواقعة هي سبب نزل قول الله : { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [الحشر: 9] . فقد روي أن رجلاً من المسلمين مكث صائمًا ثلاثة أيام يمسي فلا يجد ما يفطر فيصبح صائمًا حتى فطن له رجل من الأنصار يقال له : ثابت بن قيس , فقال لأهله : إني سأجيء الليلة بضيف لي , فإذا وضعتم طعامكم , فليقم بعضكم إلى السراج كأنه يصلحه فيطفئه , ثم اضربوا بأيديكم إلى الطعام كأنكم تأكلون فلا تأكلوا حتى يشبع ضيفنا , فلما أمسى ذهب به فوضعوا طعامهم فقامت امرأته إلى السراج كأنها تصلحه فأطفأته , ثم جعلوا يضربون أيديهم في الطعام كأنهم يأكلون ولا يأكلون حتى شبع ضيفهم, وإنما كان طعامهم ذلك خيره هو قوتهم, فلما أصبح ثابت غدًا إلى رسول الله فقال: ( يا ثابت لقد عجب الله البارحة منكم ومن ضيفكم ) , فنزلت هذه الآية : { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [الحشر: 9] . حال ثابت بن قيس مع القرآن : وعن محمد بن جرير بن يزيد " أن أشياخ أهل المدينة حدثوه : إن رسول الله قيل له : ألم تر أن ثابت بن قيس بن شماس لم تزل داره البارحة تزهر مصابيح ؟ قال : ( فلعله قرأ سورة البقرة ، فسئل ثابت, فقال: قرأت سورة البقرة ) . شجاعة ثابت بن قيس : في صحيح مسلم عن أنس أن ثابت بن قيس بن شماس جاء يوم اليمامة وقد تحنط ونشر أكفانه وقال : " اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء فقتل " . مواقف من حياة ثابت بن قيس مع الرسول : عن أنس قال: خطب ثابت بن قيس مقدم رسول الله المدينة , فقال : نمنعك مما نمنع منه أنفسنا وأولادنا ، فما لنا ؟ قال : ( الجنة ) . قالوا : رضينا . ومن مواقفه : عن ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي فقالت : يا رسول الله, ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين , ولكن أكره الكفر في الإسلام , فقال رسول الله : ( اقبل الحديقة وطلقها تطليقة ) . رواه البخاري . الرسول يزور ثابت بن قيس في مرضه : في سنن أبي داود بسنده قال ابن صالح محمد بن يوسف بن ثابت بن قيس بن شماس عن أبيه عن جده عن رسول الله أنه دخل على ثابت بن قيس - قال أحمد وهو مريض - فقال: " اكشف البأس رب الناس عن ثابت بن قيس بن شماس" , ثم أخذ ترابًا من بطحان فجعله في قدح , ثم نفث عليه بماء وصبه عليه . ومن مواقفه أيضًا : قال الزهري : قدم وفد بني تميم وافتخر خطيبهم بأمور, فقال النبي لثابت بن قيس : ( قم فأجب خطيبهم ) , فقام وحمد الله وأبلغ , وسرَّ رسول الله والمسلمون بمقامه وكان مما قال ثابت لله دره : " والحمد لله الذي السماوات والأرض خلقه قضى فيهن أمره ووسع كرسيه علمه ، ولم يك شيء قط إلا من فضله ، ثم كان من فضله أن جعلنا ملوكًا واصطفى من خيرة خلقه رسولاً ، أكرمهم نسبًا وأصدقهم حديثًا ، وأفضلهم حسبًا ، فأنزل عليه كتابه وأتمه على خلقه، فكان خيرة الله تعالى من العالمين ، ثم دعا الناس إلى الإيمان به فآمن برسول الله المهاجرون من قومه ذوي رحمه أكرم الناس حسبًا ، وأحسن وخير الناس فعالاً ، ثم كان أول الخلق إجابة واستجابة لله حين دعاهم رسول الله ، فنحن أنصار الله ووزراء رسوله نقاتل الناس حتى يؤمنوا بالله ، فمن آمن بالله ورسوله منع منا ماله ودمه ، ومن كفر جاهدناه في الله أبدًا ، وكان قتله علينا يسيرًا . أقول قولي هذا واستغفر الله لي وللمؤمنين والمؤمنات والسلام عليكم " . مواقف من حياة ثابت بن قيس مع الصحابة : عن أنس بن مالك قال : جئته وهو يتحنط فقلت : ألا ترى؟ فقال: الآن يا ابن أخي ثم أقبل فقال : هكذا عن وجوهنا تقارع القوم . بئس ما عودتم أقرانكم , ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله فقاتل حتى قتل . أثر ثابت بن قيس في الآخرين (دعوته ـ تعليمه) : قال أبو قاسم الطبراني بسنده عن عطاء الخراساني قال : قدمت المدينة فسألت عمن يحدثني بحديث ثابت بن قيس بن شماس ، فأرشدوني إلى ابنته فسألتها فقالت : سمعت أبي يقول لما أنزل على رسول الله : { إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } [لقمان : 18] , اشتدت على ثابت بن قيس وفاق عليه بابه ، وطفق يبكي فأخبر رسول الله فسأله فأخبره بما كبر عليه منها , فقال : أنا رجل أحب الجمال وأنا أسود قومي ، فقال : ( إنك لست منهم ، بل تعيش بخير وتموت بخير، ويدخلك الله الجنة ) ، فلما أنزل على رسول الله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ } [الحجرات: 2] ، فعل مثل ذلك فأخبر النبي فأرسل إليه فأخبره بما كبر عليه منها وأنه جهير الصوت ، وأنه يتخوف أن يكون من حبط عمله , فقال : ( إنك لست منهم ، بل تعيش حميدًا وتقتل شهيدًا ويدخلك الله الجنة ) . وقد روى عن ثابت بن قيس أنس بن مالك كما روى عنه ابنه محمد بن قيس وهو من الصحابة جميعًا ، و كذا روى عنه ابنه قيس بن ثابت وهو من كبار التابعين . مناقب ثابت بن قيس : عن أبي هريرة قال : قال النبي : ( نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس ) . و قد بشره النبي في أكثر من موضع بالجنة . أوصى بعد موته وجازت وصيته !! و رأى رجل من المسلمين ثابت بن قيس في منامه فقال له ثابت : إني لما قتلت بالأمس مر بي رجل من المسلمين فانتزع مني درعًا نفيسة ومنزله في أقصى العسكر وعند منزله فرس يستن في طوله وقد أكفأ على الدرع برمة وجعل فوق البرمة رحلاً وائْتِ خالد بن الوليد فليبعث إلي درعي فليأخذها , فإذا قدمت على خليفة رسول الله فأعلمه أن عليَّ من الدين كذا ولي من المال كذا وفلان من رقيقي عتيق , وإياك أن تقول هذا حلم فتضيعه , قال : فأتى خالد بن الوليد فوجه إلى الدرع فوجدها كما ذكر وقدم على أبي بكر فأخبره , فأنفذ أبو بكر وصيته بعد موته فلا نعلم أحدًا جازت وصيته بعد موته إلا ثابت بن قيس بن شماس . وفاة ثابت بن قيس : لما استنفر أبو بكر المسلمين إلى أهل الردة واليمامة ومسيلمة الكذاب ، سار ثابت بن قيس فيمن سار فلما لقوا مسيلمة وبني حذيفة هزموا المسلمين ثلاث مرات , فقال ثابت وسالم مولى أبي حذيفة : ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله فجعلا لأنفسهما حفرة , فدخلا فيها فقاتلا حتى قتلا . روى البخاري بسنده عن موسى بن أنس قال : وذكر يوم اليمامة قال: أتى أنس بن مالك ثابت بن قيس وقد حسر عن فخذيه وهو يتحنط فقال : يا عم ما يحبسك أن لا تجيء قال : الآن يا ابن أخي وجعل يتحنط يعني من الحنوط , ثم جاء فجلس , فذكر في الحديث انكشافا من الناس فقال : هكذا عن وجوهنا حتى نضارب القوم , ما هكذا كنا نفعل مع رسول الله بئس ما عودتم أقرانكم، وفي رواية فقاتل حتى قتل .المصادر : البداية والنهاية ابن كثير الدر المنثور السيوطي فرسان النهار من الصحابة الأخيار د. سيد بن حسين العفاني نزهة الفضلاء تهذيب سير أعلام النبلاء محمد بن حسن بن عقيل صور من حياة الصحابة الكاندهلوي . |
|
03-04-2018, 05:32 PM | #58 |
| ثعلبة بن حاطب رضى الله تعالى عنه نسبه : هو ثعلبة بن حاطب بن عمرو بن عوف بن مالك الأنصاري الأوسي . قال ابن هشام : وهو من بني أمية بن زيد ومن أهل بدر، وليس من المنافقين فيما ذَكَرَ لي مَنْ أَثِقُ بِهِ من أهل العلم [1] . وقد ثبت أنه قال لا يدخل النار أحد شهد بدرًا والحديبية و حكى عن ربه أنه قال لأهل بدر: ( اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) فمن يكون بهذه المثابة كيف يعقبه الله نفاقًا في قلبه وينزل فيه ما نزله الظاهر أنه غيره والله أعلم [2] . وقد ذكر الطبرسي في مجمع البيان في أحكام القرآن " وقيل : نزلت آيات سورة التوبة في حاطب بن أبي بلتعة ، وكان له مال بالشام فأبطأ عليه وجهد لذلك جهدًا شديدًا فحلف لئن آتاه الله ذلك المال ليصدقن ، فآتاه الله تعالى ذلك ، فلم يفعل " . وقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية أنه من الذين بنوا مسجد الضرار " وكان الذين بنوه اثنا عشر رجلاً وهم خذام بن خالد وفي جنب داره كان بناء هذا المسجد وثعلبة بن حاطب". وهذا مما لا يتفق مع شهوده بدر الكبرى ، واستشهاده في أحد . افتراء.. ورد : من القصص المشهورة قصة الصحابي الجليل ثعلبة بن حاطب مع رسول الله و مع خلفائه أبي بكر وعمر وعثمان. و مع أن هذه القصة ضعيفة من ناحية إسنادها ، ومنكرة من ناحية متنها ، ومع أنه نبه على ضعفها الكثير من أهل العلم قديمًا وحديثًا ، إلا أن كثيرًا من الوعاظ والمفسرين ذكرها دون أن يقرن ذلك بذكر ضعفها . و ملخص هذه القصة : جاء ثعلبة بن حاطب الأنصاري إلى رسول الله ، وقال : يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالاً ، فقال : ( ويحك يا ثعلبة ، قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه ) ، ثم جاءه بعد مدة وكرر عليه القول فقال له : ( أمالك فيَّ أسوة حسنة ، والذي نفسي بيده لو أردت أن تسير الجبال معي ذهبًا وفضة لسارت ) ، ثم جاءه بعد مدة وكرر عليه القول وقال : والذي بعثك بالحق لئن رزقني الله مالاً لأعطين كل ذي حق حقه ، فقال له رسول الله : ( اللهم ارزق ثعلبة مالاً ) ، فاتخذ غنمًا فنمت كما ينمو الدود ، فكان يصلي مع رسول الله الظهر والعصر ويصلي عند غنمه باقي الصلوات ، ثم أصبح لا يشهد مع رسول الله سوى الجمعة ، ثم كثرت غنمه وزادت فتقاعد حتى لا يشهد الجمعة ولا الجماعة . فقال رسول الله ذات يوم : " ما فعل ثعلبة ؟ " , فقيل له : اتخذ غنمًا لا يسعها وادٍ ، فقال : " يا ويح ثعلبة ، يا ويح ثعلبة ، يا ويح ثعلبة " ، فلما وجبت الزكاة أرسل الرسول رجلان ليجمعا الصدقة وقال لهم : " مُرا بثعلبة بن حاطب وبرجل من بني سُليم فخذا صدقاتهما " . فمرا على حاطب وأمراه بدفع الزكاة فقال : ما هذه إلا جزية ، ما هذه إلا أخت الجزية ، وطلب منهما العودة إليه عند الفراغ من جمعه ، فذهبا إلى السُلمي فأخرج أطيب ما عنده ، فرجعا إلى حاطب فقال : ما هذه إلا جزية ، ما هذه إلا أخت الجزية ، اذهبا حتى أرى رأيي ، فأقبل الرجلين على رسول الله فقال قبل أن يسألهم : " يا ويح ثعلبة " ودعا للسُلمي بخير، فأنزل الله قوله : { وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ } [التوبة : 75] إلى قوله : { وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } [التوبة : 77] ، فذهب رجل من أقارب ثعلبة يخبره بأن الله أنزل فيه قرآن، فخرج ثعلبة حتى أتى رسول الله فسأله أن يقبل صدقته فقال : ( إن الله منعني أن أقبل منك صدقتك ) ، فجعل يحثي التراب على رأسه , فقال رسول الله : "هذا عملك قد أمرتك فلم تطعني " . فلما قُبض رسول الله ، وجاء أبو بكر حين استخلف ، فجاء ثعلبة بصدقته فلم يأخذها أبو بكر، وكذلك حين استخلف عمر لم يأخذها منه ، وكذلك عثمان حين استخلف رضي الله عن الجميع , ومات ثعلبة في خلافة عثمان رضي الله عن الجميع . أخرج هذه القصة ابن جرير الطبري في " تفسيره " [3] ، والطبراني في " المعجم الكبير" [4] ، و الواحدي في " أسباب النزول" [5] ، كلهم من طريق : معان بن رفاعة عن أبي عبد الملك علي بن يزيد الألهاني عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة الباهلي ، ثم ذكروا القصة . وعلي بن يزيد هذا ، اتفقت كلمة الحفاظ على ضعفه ، والقصة مروية أيضًا عن ابن عباس رضي الله عنهما وهي ضعيفة الإسناد كسابقتها . ورُويت عن الحسن رحمه الله وهي مرسلة . وإليك أخي بعضًا ممن ضعفها من أهل العلم : 1- الإمام ابن حزم . 2- الحافظ البيهقي . 3- الإمام القرطبي . 4- الحافظ الذهبي . 5- الحافظ العراقي . 6- الحافظ الهيثمي . 7- الحافظ ابن حجر . 8- العلامة المناوي . رحمهم الله جميعًا . 9- العلامة الألباني حفظه الله . - و من أراد التفاصيل في الروايات ومصادر أقوال من سبق من الأئمة فليرجع إلى : " الشهاب الثاقب في الذب عن الصحابي الجليل ثعلبة بن حاطب " للشيخ أبي أسامة سليم بن عيد الهلالي . - و أما مخالفتها من ناحية المتن فألخصه في أمرين : الأول : مخالفتها للقرآن الكريم وللسنة حيث ورد فيهما بقبول توبة التائب ، مهما كان عمله ما لم تطلع الشمس من مغربها أو يغرغر، والقصة تفيد عكس ذلك تمامًا . الثاني : مخالفتها للأحاديث الثابتة الواردة في مانع الزكاة حيث جاء الحديث عن رسول الله أن مانع الزكاة من الإبل والماشية تُؤخذ منه الزكاة ويُؤخذ شطر ماله عقوبة له . فقد أخرج أحمد، وأبو داود ، والحاكم عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن رسول الله أنه قال : ( في كل سائمة إبل ، في أربعين بنت لبون، ولا يفرق إبل عن حسابه ، من أعطاها مؤتجرًا فله أجرها ومن منعها فإنّا آخذوه ، وشطر ماله ، عزمة من عزمات ربنا ، ليس لآل محمد منها شيء ) [6] . و صفوة الكلام : إن تلك القصة باطلة عند العلماء الأعلام لخمسة أمور اختصارًا لما سقناه من تفصيل ما سبق من كلام : 1- سند الخبر منكر لا يثبت بحال . 2- ثعلبة بن حاطب بدري من الأبرار المغفور لهم عند العزيز الغفار. 3- القصة مخالفة لنصوص الشرع الثابتة الواضحة الدالة على قبول التوبة ما لم يغرر أو تطلع الشمس من مغربها . 4- القصة متناقضة حيث لم تعط ثعلبة حكم المؤمنين الأبرار ولا حكم الكافرين الفجار ولا نظير ذلك في الشريعة . 5- مخالفة تلك القصة للتاريخ ففرضية الزكاة كانت في السنة الثانية ، وسورة التوبة من أواخر ما نزل من القرآن الكريم [7] . المصادر : [1] سيرة ابن كثير - ج2 ص244. [2] الإصابة في تمييز الصحابة -ج1 ص400. [3] تفسير الطبري: 14 / 370 - رقم 16987. [4] المعجم الكبير: 8 / 260 - برقم 7873. [5] أسباب النزول للواحدي: ص252. [6] قال الحاكم : صحيح الإسناد ، ووافقه الذهبي . وحسنه الألباني ، انظر " إرواء الغليل " 3 / 263 - برقم 791. [7] ملتقى أهل الحديث . |
|
03-04-2018, 05:36 PM | #59 |
| جرير بن عبد الله البجلي رضى الله تعالى عنه نسبه و قبيلته : هو جرير بن عبد الله بن جابر البجلي سيد قبيلة بجيلة ، وكنيته أبو عمرو إسلام جرير بن عبد الله عن جرير بن عبد الله البجلي قال : لما دنوت من المدينة أنخت راحلتي فحللت عيبتي ولبست حلتي وانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فسلمت عليه وعلى المسلمين فقلت لجليسي هل ذكر رسول الله أمري نعم ذكرك بأحسن الذكر فبينما هو يخطب إذ عرض له في خطبته فقال يطلع عليكم من هذا الباب رجل من خير ذي يمن على وجهه مسحة ملك قال فحمدت الله على ما أبلاني . وقد قدم جرير بن عبد الله سنة عشر المدينة ومعه من قومه مائة وخمسون رجلا فأسلموا وبايعوا قال جرير: فبسط رسول الله فبايعني وقال : " على أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتنصح المسلم وتطيع الوالي وإن كان عبدا حبشيا " فقال: نعم ، فبايعه . قال أبو عمر: رحمه الله كان إسلامه في العام الذي توفي فيه رسول الله ، وقال جرير: أسلمت قبل موت رسول الله بأربعين يومًا أثر الرسول في تربيته : عن جرير بن عبد الله قال : سألت رسول الله عن نظرة الفجاءة ، فأمرني أن أصرف بصري . عن زياد بن علاقة قال : شهدت جرير بن عبد الله البجلي لما هلك المغيرة بن شعبة فسمعت جريرا يخطب فقال : اشفعوا لأميركم فإنه كان يحب العافية واسمعوا وأطيعوا حتى يأتيكم أميرا ما بعد فإني بايعت رسول الله على الإسلام واشترط علي النصح لكل مسلم ورب هذا المسجد إني لكم ناصح . من مواقفه مع الرسول: في البخاري بسنده عن جرير بن عبد الله قال بايعت رسول الله على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم . وروى مسلم في صحيحه عن جرير بن عبد الله البجلي قال: قال لي رسول الله: " يا جرير ألا تريحني من ذي الخلصة " - وكان بيتا يعبد في الجاهلية يقال له الكعبة اليمانية - قال فنفرت في خمسين ومائة فارس وكنت لا أثبت على الخيل فذكرت ذلك لرسول الله فضرب يده في صدري، فقال : " اللهم ثبته واجعله هاديًا مهديًا" قال: فانطلق فحرقها بالنار ثم بعث جرير إلى رسول الله رجلا يبشره يكنى أبا أرطاة منا فأتى رسول الله فقال له : ما جئتك حتى تركناها كأنها جمل أجرب فبرّك رسول الله على خيل أحمس ورجالها خمس مرات . وعن جرير بن عبد الله : ما حجبني رسول الله منذ أسلمت ولا رآني إلا ضحك . عن جرير بن عبد الله البجلي انه جاء إلى النبي وهو في بيت مدحوس من الناس فقام بالباب فنظر النبي يمينًا وشمالاً فلم ير موضعا فأخذ النبي رداءه فلفه ثم رمى به إليه فقال : اجلس عليه، فأخذه جرير فضمه وقبله ثم رده على النبي وقال : أكرمك الله يا رسول الله كما أكرمتني فقال رسول الله : ( إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه ) في البخاري عن جرير أن النبي قال له في حجة الوداع : ( استنصت الناس ) فقال : ( لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ) من مواقف جرير بن عبد الله مع الصحابة في البخاري بسنده عن جرير قال : كنت باليمن فلقيت رجلين من أهل اليمن ذا كلاع وذا عمرو فجعلت أحدثهما عن رسول الله فقال له: ذو عمرو لئن كان الذي تذكر من أمر صاحبك لقد مر على أجله منذ ثلاث ، وأقبلا معي حتى إذا كنا في بعض الطريق رفع لنا ركب من قبل المدينة فسألناهم فقالوا : قبض رسول الله واستخلف أبو بكر والناس صالحون فقالا أخبر صاحبك أنا قد جئنا ولعلنا سنعود إن شاء الله ورجعا إلى اليمن فأخبرت أبا بكر بحديثهم قال : أفلا جئت بهم فلما ؟! كان بعد أن قال لي ذو عمرو يا جرير: إن بك علي كرامة وإني مخبرك خبرًا ، إنكم معشر العرب لن تزالوا بخير ما كنتم إذا هلك أمير تأمرتم في آخر، فإذا كانت بالسيف كانوا ملوكًا يغضبون غضب الملوك ويرضون رضا الملوك . و قدم جرير بن عبد الله على عمر بن الخطاب من عند سعد بن أبي وقاص فقال له كيف تركت سعدًا في ولايته ؟ فقال : تركته أكرم الناس مقدرة ، وأحسنهم معذرة ، هو لهم كالأم البرة ، يجمع لهم كما تجمع الذرة ، مع أنه ميمون الأثر ، مرزوق الظفر ، أشد الناس عند البأس ، وأحب قريش إلى الناس . قال : فأخبرني عن حال الناس ، قال : هم كسهام الجعبة ، منها القائم الرائش ، ومنها العضل الطائش ، وابن أبي وقاص ثقافها يغمز عضلها ويقيم ميلها ، والله أعلم بالسرائر يا عمر. قال : أخبرني عن إسلامهم ، قال : يقيمون الصلاة لأوقاتها ويؤتون الطاعة لولاتها . فقال عمر الحمد الله ، إذا أقيمت الصلاة ، وأوتيت الزكاة ، وإذا كانت الطاعة ؛ كانت الجماعة ... أخرج الطبراني عن أبي البختري قال : جاء الأشعث بن قيس وجرير بن عبد الله البجلي إلى سلمان فقالا : جئناك من عند أخيك أبي الدرداء ، قال : فأين هديته التي أرسلها معكما ؟ قالا : ما أرسل معنا بهدية قال : اتقيا الله وأديا الأمانة ما جاءني أحد من عنده إلا جاء معه بهدية قالا : والله ما بعث معنا شيئا إلا أنه قال : أقرؤوه مني السلام قال : فأي هدية كنت أريد منكما غير هذه ؟ وأي هدية أفضل من السلام تحية من عند الله مباركة طيبة . وقدم جرير بن عبد الله البجلي على خالد بن الوليد وهو بالحيرة بعد الوقعات المتعددة والغنائم الكثيرة ولم يحضر شيئا منها وذلك لأنه كان قد بعثه الصديق مع خالد بن سعيد بن العاص إلى الشام فاستأذن خالد بن سعيد في الرجوع إلى الصديق ليجمع له قومه من بجيلة فيكونوا معه فلما قدم على الصديق فسأله ذلك غضب الصديق وقال أتيتني لتشغلني عما هو أرضى لله من الذي تدعوني إليه ثم سيره الصديق إلى خالد بن الوليد بالعراق ... شهد الأشعث جنازة وفيها جرير بن عبد الله البجلي فقدم الأشعث جريرًا وقال : إن هذا لم يرتد عن الإسلام وإني ارتددت ... جرير بن عبد الله يحسن التصرف عن عمر رضي الله عنه أنه صلى صلاة الصبح فسمع صوت حدث ممن خلفه فقال : عزمت على من أحدث أن يتوضأ و يعيد صلاته فلم يقم أحد فقال جرير بن عبد الله البجلي : يا أمير المؤمنين أرأيت لو توضأنا جميعا و أعدنا الصلاة فاستحسن ذلك عمر وقال له : كنت سيدا في الجاهلية فقيها في الإسلام فقاموا و أعادوا الوضوء و الصلاة . وروى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك قال خرجت مع جرير بن عبد الله البجلي في سفر فكان يخدمني فقلت له لا تفعل فقال : إني قد رأيت الأنصار تصنع برسول الله شيئا آليت أن لا أصحب أحدا منهم إلا خدمته ... وكان جرير أكبر من أنس . من ملامح شخصية جرير بن عبد الله ثباته على عقيدته : لقد ثبت جرير على عقيدته بالرغم من ارتداد معظم قومه بجيلة فكان ثباته ذا أثر كبير على إعادة بجيلة للإسلام ومن العوامل المهمة لانتصار المسلمين الحاسم على المرتدين من أهل اليمن . جهاده و شجاعته : بعث سعد بن أبي وقاص جريرًا بن عبد الله البجلي إلى حلوان فافتتحها عنوة ، وشهد مع المسلمين يوم المدائن وله فيه أخبار مأثورة وشهد غيره من فتوحات العراق والعجم وكان على الميمنة يوم القادسية ... تجرده وإخلاصه : قال ابن سعد : قال يزيد بن جرير عن أبيه أن عمر قال له والناس يتحامون العراق وقتال الأعاجم : " سر بقومك فما غلبت عليه فلك ربعه " فلما جمعت الغنائم غنائم جلولاء ادعى جرير أن له ربع ذلك كله ، فكتب سعد إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بذلك ، فكتب عمر: صدق جرير قد قلت ذلك له ، قال فإن شاء أن يكون قاتل على جعل فأعطوه جعله وان يكن إنما قاتل لله ولدينه وجنته، فهو رجل من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم ، فلما قدم الكتاب على سعد أخبر جريرًا بذلك قال جرير : صدق أمير المؤمنين ، لا حاجة لي بذلك ، أنا رجل من المسلمين . صبره عند البلاء : قاتل أهل همذان عند فتحها وأصيبت عينه بسهم فقال أحتسبها عند الله الذي زين بها وجهي ونور لي ما شاء ثم سلبنيها في سبيله . علمه : كان رضي الله عنه ذكيا محدثا عالما بأمور دينه ، روى أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، كما عده العلماء من أهل الفتيا البارزين ... أثر جرير بن عبد الله في الآخرين وبعث جرير بن عبد الله البجلي إلى ذي الكلاع الحميري وذي عمرو يدعوهما إلى الإسلام فأسلما وتوفي رسول الله وجرير عندهم ... بعض الأحاديث التي رواها عن الرسول: روى البخاري بسنده عن جرير بن عبد الله قال كنا عند النبي فنظر إلى القمر ليلة يعني البدر فقال : ( إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ثم قرأ وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب قال إسماعيل افعلوا لا تفوتنكم ) . وروى البخاري أيضًا بسنده عن زيد بن وهب قال سمعت جرير بن عبد الله عن النبي قال ( من لا يرحم لا يرحم ) وفي سنن أبي داود عن جرير قال : قال رسول الله: ( من يحرم الرفق يحرم الخير كله ) من كلمات جرير بن عبد الله: " الخرس خير من الخلابة ، والبكم خير من البذاء " ما قيل عن جرير بن عبد الله : قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أقبل وافدا عليه : ( يطلع عليكم خير ذي يمن كان على وجهه مسحة ملك ) وفيه قال الشاعر: لولا جرير هلكت بجيلة... نعم الفتى و بئست القبيلة فقال عمر بن الخطاب ما مدحه من هجى قومه وكان عمر بن الخطاب يقول : جرير بن عبد الله بن يوسف هذه الأمة يعني في حسنه . وفاة جرير بن عبد الله مات رضي الله عنه و أرضاه بقرقيسيا بين الحيرة والشام سنة إحدى وخمسين من الهجرة . المصادر : الاستيعاب - ابن عبد البر الطبقات الكبرى - ابن سعد أسد الغابة - ابن حجر البداية والنهاية - ابن كثير الثقات - ابن حبان الوافي في الوفيات - الصفدي صفة الصفوة - ابن الجوزي الدر المنثور - السيوطي فرسان النهار من الصحابة الأخيار - د. سيد بن حسين العفاني |
|
03-04-2018, 05:39 PM | #60 |
| من علماء اللغة ابن جني نسبه وموطنه : هو أبو الفتح ، عثمان بن جِنّي الموصلي النحوي اللغوي ، من أحذق أهل الأدب وأعلمهم بالنحو والتصريف ، وصاحب التصانيف الفائقة المتداولة في اللغة . ولم تذكر المصادر التاريخية وكتب التراجم نسبًا له بعد جني ؛ إذ إن أباه (جني) كان عبدًا روميًّا مملوكًا لسليمان بن فهد بن أحمد الأزدي الموصلي ، ولم يُعرف عنه شيء قبل مجيئه الموصل ، وإلى هذا أشار ابن جني نفسه بقوله في جملة أبيات : فإن أصبح بلا نسب *** فعلمي في الورى نسبي عـلى أني أءول إلى *** قرومٍ سـادة نجـب قيـاصرة إذا نطقوا *** أرَمّ الدهـر ذو الخطب أولاك دعا النبـي لهم *** كفى شرفاً دعاء نبي و كانت ولادة ابن جني بالموصل ، وفيها قضى طفولته وتلقى دروسه الأولى، وذكرت المصادر التي ترجمت له أنه ولد قبل سنة ثلاثين وثلاثمائة، فلم تحدد سنة مولده غير ما جاء بلفظ. وقيل: مولده سنة ثلاث و ثلاثمائة . وإذا كانت أغلب المصادر التاريخية على أنه توفي -كما سيأتي - سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة ، وكان آنذاك في السبعين من عمره - على قول ابن قاضي شهبة في طبقات النحاة ، والذهبي في تاريخه وفي العب ر- فإن ولادته تكون في سنة اثنتين وعشرين أو إحدى وعشرين وثلاثمائة من الهجرة . وقد أقام ابن جني بعد الموصل ببغداد ، وظل يدرس بها العلم إلى أن توفي ، وكان له من الولد : علي وعالٍ وعلاء، وكلهم أدباء فضلاء ، قد خرجهم والدهم وحسن خطوطهم ، فهم معدودون في الصحيحي الضبط وحسني الخط، بحسب تعبير ياقوت . شيوخه و تلاميذه : ذكر ياقوت في معجمه أن ابن جني صحب أبا علي الفارسي أربعين سنة، وكان السبب في صحبته له أن أبا علي اجتاز بالموصل فمر بالجامع وابن جني في حلقةٍ يُقرئ النحو وهو شاب (قيل إن عمره كان سبع عشرة سنة) ، فسأله أبو علي الفارسي عن مسألةٍ في التصريف فقصر فيها ابن جني ، فقال له أبو علي : زببت وأنت حِصرِم، فسأل عنه فقيل له : هذا أبو عليٍ الفارسي ، فلزمه من يومئذٍ وسافر معه وسكن بغداد ، واعتنى بالتصريف ، قال ياقوت : " فما أحد أعلم منه به ولا أقوم بأصوله وفروعه ، ولا أحسن أحد إحسانه في تصنيفه " . ولما مات أبو علي الفارسي تصدر أبو الفتح ابن جني في مجلسه ببغداد - وكان قد صنف في حياته - وأقرأ بها الأدب ، وقد أخذ عنه الثمانيني ، وعبد السلام البصري ، وأبو الحسن السمسمي ، وقام أيضًا بالتدريس لأبناء أخي الحاكم البويهي . هذا ، وقد كان لابن جني علاقة خاصة بأبي الطيب المتنبي، فقد صحبه دهراً طويلاً، وقرأ عليه ديوانه ثم شرحه بعد ذلك ونبه على معانيه وإعرابه، قال ابن خلكان : " ورأيت في شرحه قال : سأل شخص أبا الطيب المتنبي عن قوله : بادٍ هواك صبرت أم لم تصبرا *** ............................... فقال : كيف أثبت الألف في " تصبرا " مع وجود لم الجازمة ، وكان من حقه أن يقول " لم تصبر" ؟ فقال المتنبي : لو كان أبو الفتح ها هنا لأجابك ، يعنيني ، وهذه الألف هي بدل من نون التأكيد الخفيفة ، كان في الأصل " لم تصبرن " ، ونون التأكيد الخفيفة إذا وقف الإنسان عليها أبدل منها ألفًا ، قال الأعشى : ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا *** ............................... وكان الأصل فاعبدن فلما وقف أتى بالألف بدلاً " . فكان المتنبي يحترم ابن جني كثيرًا ويجله و يقدره ، وكان يقول عنه : " هذا رجل لا يعرف قدره كثير من الناس " ، ولتمكّن ابن جني من شعر أبي الطيب قال عنه أبو الطيب : " ابن جني أعرف بشعري " . و يبدو أنه كانت لابن جني رحلات إلى بلاد كثيرة في طلب العلم ومشافهة العلماء و الشيوخ ، والدليل على ذلك تلك الإجازة التي ذكرها ياقوت في ترجمته في معجمه ، والتي جاء فيها : " ... فليرو - أدام الله عزه - ذلك عني أجمع إذا أصبح عنده وأنس بتثقيفه وتسديده ، وما صح عنده - أيده الله - من جميع رواياتي مما سمعته من شيوخي - رحمهم الله - وقرأته عليهم بالعراق والموصل والشام ، وغير هذه البلاد التي أتيتها وأقمت بها مباركًا له فيه منفوعًا به بإذن الله ...". ابن جني .. النحوي الصرفي : كان ابن جني - كما ذكرنا - من أحذق أهل الأدب وأعلمهم بالنحو والتصريف ، إلا أن علمه بالصرف كان أقوى وأكمل من علمه بالنحو، بل لم يكن في شيءٍ من علومه أكمل منه في التصريف ، ولم يتكلم أحد - كما قال ياقوت - في التصريف أدق كلامًا منه . وكان السبب في ذلك تلك القصة التي أوردناها سابقا، والتي قال له فيها شيخه أبي علي الفارسي حين سأله عن مسألة في التصريف فقصر فيها ولم يستطع الإجابة عنها : " زببت وأنت حِصرِم " ، فمن يومئذ - وكان حينها في مقتبل شبابه - لزم نفسه شيخه هذا مدة أربعين سنة ، وقد اعتنى بالتصريف أحسن ما يكون الاعتناء ، حتى إنه لما مات شيخه أبي علي تصدر هو (ابن جني) مكانه ببغداد . وأسوة بأستاذه فقد كان ابن جني بصريا ، يجري في كتبه ومباحثه على أصول المدرسة البصرية، ولا يألو جهدا في الدفاع عنها، على أنه كان يأخذ العلم أيا كان مصدره ، وبغض النظر عن مذهب أهله ، ولهذا نجده -كما يقول الدكتور رحاب خضر- كثير النقل عن ثعلب و الكسائي وأمثالهما ، وهو حين يذكرهما في كتبه يثني عليهما ، فيقول مثلا : " باب في قلب لفظ إلى لفظ بالصنعة والتلطف لا بالإقدام والتعجرف " ، وكان هذا الرجل كبيرًا في السداد والثقة عند أصحابنا " ، يعني الكسائي . وقد يأخذ برأي البغداديين، والمدرسة البغدادية وسط بين المدرستين البصرية والكوفية ، يقول في الخصائص : " ووجه ما ذكرناه من ملالتها الإطالة - مع مجيئها بها للضرورة الداعية إليها- أنهم أكدوا فقالوا : أجمعون أكتعون أبصعون أبتعون .." ، ويقول الرضيّ في شرح الكافية : " وأما أكتع وأخواته البصريون - على ما حكى الأندلسي عنهم - جعلوا النهاية أبصع و متصرفاته ، والبغدادية جعلوا النهاية أبتع وأخواته ...". وإن من بعض آرائه النحوية - كما يقول الدكتور رحاب خضر- تجويزه إظهار متعلق الظرف الواقع خبرًا في الكون العام ، نحو " زيد عندك " ، قال ابن يعيش : " وقد صرح ابن جني بجواز إظهاره " . وهو يُجيز أيضًا أن يقال : مررت بزيد وعمرًا، بعطف عمرًا على محل زيد المجرور بالحرف ، وهذا لا يُجيزه النحويون ؛ لأن شرط العطف على المحل عندهم ظهور الإعراب المحلي في فصيح الكلام . ابن جني .. الأديب الشاعر : لم يكن ابن جني إمامًا في النحو والصرف فقط ، ولم يكن من العلماء الذين يقتصرون على مجالس العلم والتعليم ، أو حتى التأليف ، إنما كان ابن جني كمن يريد أن يملك نواصي اللغة ، فهو إلى جانب ما سبق يعد من أئمة الأدب ، جمع إتقان العلم إلى ظرف أهل الكتابة والشعر، وهو الأمر الذي جعل الثعالبي ينعته في يتيمة الدهر بقوله : " إليه انتهت الرياسة في الأدب " ، وقال الباخرزي في دمية القصر موضحًا : " ليس لأحدٍ من أئمة الأدب في فتح المقفلات ، وشرح المشكلات ما له ؛ فقد وقع عليها من ثمرات الأعراب ، ولا سيّما في علم الإعراب " . و كدليل مادي على ذلك، فقد أثبت ياقوت في معجمه عن خط أبي الفتح بن جني خطبة نكاحٍ من إنشائه يقول فيها : " الحمد لله فاطر السماء والأرض، ومالك الإبرام والنقض ، ذي العزة والعلاء، والعظمة والكبرياء ، مبتدع الخلق على غير مثالٍ ، والمشهود بحقيقته في كل حالٍ ، الذي ملأت حكمته القلوب نورًا ، فاستودع علم الأشياء كتابًا مسطورًا ، وأشرق في غياهب الشبه خصائص نعوته ، و اغترقت أرجاء الفكر بسطببة ملكوته . أحمده حمد معترف بجزيل نعمه و أحاظيه ، ملتبسًا بسني قسمه و أعاطيه ، وأؤمن به في السر والعلن ، و أستدفع بقدرته ملمات الزمن، و أستعينه على نوازل الأمور، و أدرئه في نحر كل محذور، وأشهد شهادةً تخضع لعلوها السموات وما أظلت، وتعجز عن حملها الأرضون و ما أقلت ، أنه مالك يوم البعث والمعاد ، والقائم على كل نفسٍ بالمرصاد ، وأن لا معبود سواه ، ولا إله إلا هو ، وأن محمدًا -وبحل وكرم - عبده المنتخب ، وحجته على العجم والعرب ، ابتعثه بالحق إلى أوليائه ضياءً لامعًا ، وعلى المراق من أعدائه شهابًا ساطعًا ، فابتذل في ذات الله نفسه وجهدها ، وانتحى مناهج الرشد وقصدها ، مستسهلاً ما يراه الأنام صعبًا ، و مستخصبًا ما يرعونه بينهم جدبًا ، يغامس أهل الكفر والنفاق ، ويمارس البغاة وأولى الشقاق ، بقلبٍ غير مذهولٍ ، وعزمٍ غير مفلول يستنجز الله صادق وعده ، ويسعى في خلود الحق من بعده ، إلى أن وطد بوانى الدين وأرساها ، وشاد شرف الإسلام وأسماها ، فصرم مدته التي أوتيها في طاعة الله موفقًا حميدًا ، ثم انكفأ إلى خالقه مطمئنا به فقيدًا ، ما ومض في الظلام برق ، أو نبض في الأنام عرق ، وعلى الخيرة المصطفين من آله ، والمقتدين بشرف فعاله . وإن مما أفرط الله تعالى به سابق حكمه ، وأجرى بكونه قلم علمه ، ليضم بوقوعه متباين الشمل ، ويزم به شارد الفرع إلى الأصل ، أن فلان ابن فلان وهو -كما يعلم من حضر من ذوي الستر وصدق المختبر- مشجوح الخليقة ، مأمون الطريقة ، متمسك بعصام الدين ، آخذ بسنة المسلمين ، خطب للأمر المحموم ، والقدر المحتوم ، من فلان بن فلان الظاهر العدالة والإنصاف ، أهل البر وحسن الكفالة والكفاف، عقيلته فلانة بنت فلانٍ خيرة نسائها وصفوة آبائها في زكاء منصبها وطيب مركبها ، وقد بذل لها من الصداق كذا وكذا ، فليشهد على ذلك أهل مجلسنا ، وكفى بالله شهيدًا ، ثم يقرهما ثم يقال : لاءم الله على التقوى كلمتيكما ، وأدام بالحسنى بينكما ، وخار لكما فيما قضى ، ولا أبتركما صالح ما كسا ، وهو حسبنا وكفى ". اهـ والخطبة تنبئ بنفسها على ما فيها من جزالة اللفظ وبلاغة الأسلوب وجماله . وإضافة إلى ذلك فقد كان لابن جني ملكة الشاعر وحسه ، حتى إنه ليقرض الشعر وينظمه بما يعبر عن حسن تأتِّيهِ في الصنعة على طريقة شعراء دهره ، يقول الباخرزي في دمية القصر: "... فوربيّ ، إنّه كشف الغطاء عن شعر المتنبّي ، وما كنت أعلم به أنّه ينظم القريض ، أو يسيغ ذلك المتنبّي ، وما كنت أعلم به أنّه ينظم القريض ، أو يسيغ ذلك الجريض ، حتّى قرأت له مرثيّته في المتنبّي وأوَّلها ، غاض القريض وأودت نضرة الأدب *** وصوّحت بعدري دوحة الكتب". ومن هذه المرثية أيضًا : سلبت ثوب بهاء كنت تلبسه *** لما تخطّفت بالخطّيّـة السـلب ما زلت تصطحب الجلّى إذا نزلت *** قلبًا جميعًا وعزمًا غير منشعب وقد حلبت لعمر الدّهر أشطره *** تمطـو بهمّة لا وان ونصب وقد قال الثعالبي : " ... وكان الشعر أقل خلاله لعظم قدره ، وارتفاع حاله " . ومما أنتجته قريحته أيضًا قوله في الغزل : غزال غير وحشي *** حكى الوحشي مقلته رآه الورد يجني الور *** د فاستكساه حلته وشم بأنفه الريحا *** ن فاستهداه زهرته وذاقت ريقه الصهبا *** ء فاختلسته نكهته الخصائص .. وأصول النحو : ما إن يذكر ابن جني حتى يشرد الذهن عفو الخاطر إلى كتابه الشهير " الخصائص" ، وبالمثل إذا كان الحديث عن " الخصائص" فإنه يذهب إلى مؤلفه ابن جني، والخصائص هذا هو أجلّ تآليف ابن جني التي أبر بها على المتقدمين وأعجز المتأخرين ، والتي عناها في بائيته بقوله : تناقلها الرواة لها *** على الأجفان من حدب فيرتع في أزاهرها*** ملوك العجم والعرب فمن مغن إلى مدنٍ *** إلى مثنٍ إلى طرب وهو كتاب في أصول النحو على مذهب أصول الكلام والفقه ، احتذى ابن جني في مباحثه النحوية منهج الحنفية في أصول الفقه ، وقد بناه على اثنين وستين ومائة بابا ، تبدأ بباب القول على الفصل بين الكلام والقول ، وتنتهي بباب في المستحيل وصحة قياس الفروع على فساد الأصول ، وقد أهداه لبهاء الدولة البويهي ، الذي ولي السلطنة من سنة تسع وسبعين وثلاثمائة إلى ثلاث وأربعمائة من الهجرة ، وذلك بعد وفاة أستاذه أبي علي الفارسي (ت 377هـ) . والكتاب وإن كان يبحث في خصائص اللغة العربية، وتهتم أغلب مباحثه بما يخص فلسفة تلك اللغة ومشكلاتها ، إلا إنه اشتمل أيضا على أبواب من شأنها أن تخرج عن هذا النطاق ، وذلك كبحثه في الفرق بين الكلام والقول ، وبحثه في أصل اللغة: إلهام هي أم اصطلاح ؟ وغيرها ، وفي ذلك يقول ابن جني : "... وليكون هذا الكتاب ذاهبًا في جهات النظر؛ إذ ليس غرضنا فيه الرفع والنصب والجرّ والجزم ؛ لأن هذا أمر فُرغ منه في أكثر الكتب المصنَّفة فيه ، وإنما هذا الكتاب مبنيّ على إثارة معادن المعاني ، وتقرير حال الأوضاع والمبادئ ، وكيف سرت أحكامها في الأحناء والحواشي ...". ومما يُعد من النوادر في كتابه هذا مثل هذه الأبواب : الباب الخامس والأربعون بعد المائة في القول على فوائت الكتاب لسيبويه ، الباب الحادي والخمسين بعد المائة فيما يؤمنه علم العربية من الاعتقادات الدينية، الباب الثامن والخمسين بعد المائة في سقطات العلماء . وقد طبع الخصائص لأول مرة في مصر سنة (1331هـ/ 1913م) (جزء منه) ، ثم طبع كاملاً بتحقيق الأستاذ محمد على النجار في ثلاثة أجزاء ما بين (1952 و1955م) ، مع مقدمة جليلة، وضح فيها أثر الكتاب في أعمال النحويين من بعده ، وقد عقد فصلاً نبه فيه إلى كثرة النصوص التي نقلها عنه ابن سيده بلا عزو ، حتى إنه استعار عبارته ذاتها في وصف حاله فقال : (فوجدت الدواعي و الخوالج قوية التجاذب... إلخ) . وفي عام سبعة وتسعين وتسعمائة وألف من الميلاد أصدر معهد المخطوطات العربية في القاهرة (الفهارس المفصلة لابن جني) ، وكانت الحلقة الأولى ضمن سلسلة (كشافات تراثية) صنعه د. عبد الفتاح السيد سليم ، ويضم ستة عشر فهرسًا ، منها : إحدى وتسعين مسألة في أصول اللغة ، وخمس وخمسين مسألة في العلل النحوية ، وإحدى وثمانين مسألة في اللغات ، وأيضا فهرس الآيات المحتج بها في الخصائص وهي ست وعشرين وثلاثمائة أية ، وكذلك فهرس الكتب المذكورة في الكتاب ، وهي إحدى وثلاثين كتابًا، وفيه أيضا ما يختص بنقوله عن العلماء في الكتاب ، وكان ذلك في ثمان وتسعين وثلاثمائة مسألة ، الغالب منها عن شيخه أبي علي الفارسي ، ثم عن سيبويه و الأخفش والأصمعي والمازني وأبي زيد والفراء والمبرد والخليل وثعلب و الكسائي ، وغيرهم . مؤلفاته : في معجمه أورد ياقوت إجازة كتبها ابن جني لأحد تلاميذه ، وهو الشيخ أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن نصر، وذلك في آخر جمادى الآخرة من سنة أربع وثمانين وثلاثمائة من الهجرة ، أي قبل وفاته بنحو ثماني سنوات ، أورد فيها معظم تواليفه إن لم يكن كلها ، وقد جاء في أولها : " قد أجزت للشيخ أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن نصر - أدام الله عزه - أن يروي عني مصنفاتي وكتبي مما صححه وضبطه عليه أبو أحمد عبد السلام بن الحسين البصري - أيد الله عزه - عنده منها ..."، ثم ذكر من الكتب التالية : الخصائص - التمام في تفسير أشعار هذيل مما أغفله السكري - سر الصناعة - تفسير تصريف المازني - شرح المقصور والممدود لابن السكيت - تعاقب العربية - تفسير ديوان المتنبي الكبير، ويسمى الفسْر - تفسير معاني ديوان المتنبي ، وهو شرح ديوان المتنبي الصغير - اللمع في العربية - مختصر التصريف المشهور بالتصريف الملوكي - مختصر العروض والقوافي - الألفاظ المهموزة - المتقضب - تفسير المذكر والمؤنث ليعقوب (ذكر أنه لم يتمه) ... إلخ . هذا وغيره مما لم نرد حصره ، وقد ذكر ياقوت أن له كتبًا أخرى لم تتضمنه هذه الإجازة منها : كتاب المحتسب في شرح الشواذ ، وكتاب تفسير أرجوزة أبي نواس ، وكتاب تفسير العلويات وهي أربع قصائد للشريف الرضي كل واحدةٍ في مجلدٍ ، وهي قصيدة رثى بها أبا طاهر إبراهيم ابن نصر الدولة أولها : ألق الرماح ربيعة بن نزار *** أودى الردى بقريعك المغوار ومنها قصيدته التي رثى بها الصاحب بن عبادٍ، وأولها : أكذا المنون تقطر الأبطالا *** أكذا الزان يضعضع الأجيالا و قصيدته التي رثى بها الصابئ أولها: أعلمت من حملوا على الأعواد *** أرأيت كيف خبا زناد النادي و كتاب البشرى والظفر صنعه لعضد الدولة ومقداره خمسون ورقةً في تفسير بيتٍ من شعر عضد الدولة . أهلاً وسهلاً بذي البشرى ونوبتها *** و باشمال سرايانا على الظفر وكتاب رسالةٍ في مد الأصوات ومقادير المدات كتبها إلى أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري مقدارها ست عشرة ورقةً بخط ولده عالٍ : كتاب المذكر والمؤنث ، كتاب المنتصف، كتاب مقدسات أبواب التصريف ، وكتاب النقض على ابن وكيعٍ في شعر المتنبي وتخطئته ، كتاب المغرب في شرح القوافي ، كتاب الفصل بين الكلام الخاص والكلام العام ، كتاب الوقف والابتداء كتاب الفرق ، كتاب المعاني المجردة ، كتاب الفائق ، كتاب الخطيب، كتاب الأراجيز، كتاب ذي القد في النحو، وكتاب شرح الفصيح ، وكتاب شرح الكافي في القوافي وجد على ظهر نسخةٍ ذكر ناسخها أنه وجده بخط أبي الفتح عثمان بن جني - رحمه الله - على ظهر نسخة كتاب المحتسب في علل شواذ القراءات . وفاته : في بغداد ، وفي خلافة القادر ، وتحديدًا يوم الجمعة لليلتين بقيتا من صفر، سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة من الهجرة (392هـ) رحل ابن جني عن دنيا الناس ، تاركًا مؤلفاته وذخائره العلمية تتحدث عنه، وتحييه بينهم من جديد . المراجع : - اليافعي: مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان (1/394) . - ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة (1/457) . - الثعالبي: يتيمة الدهر (1/33) . - ياقوت الحموي: معجم الأدباء (2/1) . - الباخرزي : دمية القصر و عصرة أهل العصر (1/230) . - ابن خلكان : وفيات الأعيان (3/246) . - ابن الجوزي : المنتظم (4/297) . - الذهبي : سير أعلام النبلاء (17/17) . - الذهبي: العبر في خبر من غبر (1/172) . - الذهبي : تاريخ الإسلام (6/370) . - الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد (5/163) . - ابن كثير: البداية والنهاية (11/379) . - الباباني : هدية العارفين (1/345) . - ابن النديم : الفهرست (1/95) . - القنوجي : أبجد العلوم (3/32) . - الزركلي : الأعلام (4/204) . - رحاب خضر عكاوي : موسوعة عباقرة الإسلام (3/100) . - موقع الموسوعة العربية العالمية . |
|
03-04-2018, 05:41 PM | #61 |
| من علماء اللغة ابن سيده نسبه وموطنه : هو علي بن إسماعيل ، أبو الحسن ، اللغوي الأندلسيّ المُرْسيّ (نسبة إلى مرسية ، وهي مدينة في شرق الأندلس) ، المعروف بابن سيده ، إمام اللغة وآدابها ، وأحد من يضرب بذكائه المثل . وقد اختلف المؤرخون في اسم أبيه، فقال ابن بشكوال في (الصلة) أنه إسماعيل ، وقال الفتح بن خاقان في (مطمح الأنفس) أنه أحمد ، ومثل ذلك قال الحُمَيْدي ، كما ذكر ياقوت في (معجم الأدباء) ، وقد اعتمدنا (إسماعيل) على الأشهر ، مع أنه قد غلبت كنيته (ابن سِيدَه) على اسم أبيه ، وإن كانت المصادر وكتب التراجم لم تذكر سبب تكنيته تلك . ولد ابن سِيدَه في مرسية ، ونسب إليها كما أشرنا ، وهي من أعمال تدمير، في شرق الأندلس ، وكان ذلك في سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة من الهجرة . نشأته وصفاته : نشأ ابن سِيدَه في بيت علم ولغة، حيث كان أبوه من النحاة من أهل المعرفة والذكاء ، وقد تعهد ابنه هذا بالرعاية والتعليم ، وصقله صغيرًا وشبّعه بحب اللغة وعلومها، وإن العجب ليس في أن أبيه هذا كان ضريرًا ، بل العجب كل العجب من أن الابن أيضًا (ابن سيده) كان ضريرًا مثل أبيه ، فهو أعمى ابن أعمى ، ولكنه ورغم عمى بصره فقد كان نيّر القلب كأبيه ، قد رزقه الله عوضًا عن فقدان بصره حافظة قوية وذهنًا متوقدًا ، وذكاءً حادًّا . وقد شهد بذلك أبو عمر الطلمنكي يوم أن قال : دخلت مرسية فسألني أهلها أن يسمعوا مني " الغريب المصنف " (هو من كتب اللغة التي تُعنى بالغريب ، ومصنفه هو أبو عبيد القاسم بن سلام) ، قال أبو عمر: فقلت : احضروا من يقرؤه ، فجاءوا برجل أعمى يقال له ابن سيده فقرأه عليّ كله من حفظه وأنا ممسك بالأصل ، فتعجبت من حفظه . شيوخه : بعد وفاة والده النحوي الضرير، الذي اشتغل عليه في بداية حياته ، وروى عنه ، كان أن اشتغل ابن سيده بنظم الشعر مدة ، وتلقى اللغة على يد شيخه صاعد بن الحسن اللغوي البغدادي ، وكان من الوافدين على الأندلس ، وقرأ أيضًا على أبي عمر الطلمنكي -كما أشرنا إلى ذلك- وكان لغويًّا مفسرًا محدثًا ، ثم انقطع للأمير أبي الجيش مجاهد العامري صاحب دانية (شرق الأندلس) ، وكان محبًّا للعلم مكرمًا لأهله ، وعنده أدرك ابن سيده أمانيه وألف أعظم كتبه . ذكر ذلك المقّري التلمساني في (نفح الطيب) فقال : وكان - ابن سِيدَه - منقطعًا إلى الموفق صاحب دانية ، و بها أدرك أمانيه ، ووجد تجرده للعلم وفراغه ، وتفرد بتلك الإراغة ، ولا سيما كتابه المسمى بالمحكم ، فإنه أبدع كتاب وأحكم " . ثم قال : ولما مات الموفق رائش جناحه ، ومثبت غرره و أوضاحه ، خاف من ابنه إقبال الدولة ، و أطاف به مكروهًا بعض من كان حوله ؛ إذ أهل الطلب كحيات مساورة ، ففر إلى بعض الأعمال المجاورة ، وكتب إليه منها مستعطفًا : ألا هل إلى تقبيل راحتك اليمنى *** سبيل فإنّ الأمن في ذلك واليمنا فتنضى همومٌ طلّحته خطوبه *** و لا غاربًا يبقين منه ولا متنا غريبٌ نأى أهلوه عنه وشفّه *** هواهم فأمسى لا يقرّ ولا يهنا فيا ملك الأملاك إني محل*** عن الورد لا عنه أذاد ولا أدنى تحققت مكروهًا فأقبلت شاكي *** لعمري أمأذونٌ لعبدك أن يعنى وإن تتأكد في دمي لك نيةٌ *** فإني سيف لا أحبّ له جفنا إذا ما غدا من حرّ سيفك بارد *** فقدمًا غدا من برد نعماكم سخنا وهل هي إلاّ ساعةٌ ثمّ بعده *** ستقرع ما عمّرت من ندمٍ سنّا . و مالي من دهري حياةٌ ألذّه *** فتجعلها نعمى عليّ وتمتنّا إذا ميتةٌ أرضتك عنّا فهاته *** حبيبٌ إلينا ما رضيت به عنّا وهي طويلة ، وقد جاء أنه وقع عنه الرضا مع وصولها إليه فرجع إليها . مؤلفاته : بذاكرته اللاقطة التي منّ الله بها عليه استطاع ابن سيده أن يُلمّ بعلوم اللغة العربية وينبغ في آدابها ومفرداتها ، فكان -كما قال الحميدي- إمامًا في العربية حافظ للغة ، وله في الشعر حظ وتصرف ، وقد وصفه القاضي الجياني وكان معاصرًا له (ت 486هـ) فقال : " لم يكن في زمنه أعلم منه بالنحو واللغة والأشعار وأيام العرب وما يتعلق بعلومها، وكان حافظًا " . هذا ويبدو أن ابن سيده لم يقتصر في تحصيله للعلوم وتأليفه فيها على علوم اللغة العربية وحدها ، شأنه في ذلك شأن أغلب علماء المسلمين المتقدمين ؛ فكان أيضًا متوفرًا على علوم الحكمة والمنطق ، تلك التي كانت ذائعة الصيت في ذلك الوقت ، وقد قال عنه القاضي الجياني في ذلك : " كان مع إتقانه لعلم الأدب والعربية متوفرًا على علوم الحكمة ، وألف فيها تأليفات كثيرة " ، وقد وصفه صاعد اللغوي بأنه من حُذّاق المنطق ، وقال فيه ابن قاضي شهبة في طبقاته : " ومن وقف على خطبة كتاب المُحْكَم علم أنه من أرباب العلوم العقلية ، وكتب خطبة كتاب في اللغة إنما تصلح أن تكون خطبة لكتاب الشفاء لابن سينا " . وأما ما أُثر عنه من مصنفات فكان منها : كتاب " المحكم والمحيط الأعظم" ، وكتاب " المخصص " وسنعرج عليهما بعد قليل ؛ إذ هما اللذان طيّرا شهرة ابن سيده وأنزلاه بين صانعي المعاجم العربية منزلة سامقة رفيعة، باعتباره واحدا من صناعها العظام . وله أيضًا كتاب " شرح إصلاح المنطق " ، وكتاب " الأنيق في شرح الحماسة " ، وكتاب " شرح ما أشكل من شعر المتنبي " ، وكتاب " العلام في اللغة على الأجناس " وقد قال عنه ياقوت الحموي : " في غاية الإيعاب ، نحو مائة سفر، بدأ بالفلك وختم بالذرة " ، وكتاب " العالم والمتعلم " على المسألة والجواب ، وكتاب " الوافي في علم أحكام القوافي" ، وكتاب "شاذ اللغة " ، ويقع في خمس مجلدات ، وكتاب " العويص في شرح إصلاح المنطق " ، وكتاب " شرح كتاب الأخفش " ، وغير ذلك . وإنه ورغم كثرة مؤلفاته تلك وأهمية مواضيعها ، فإنه لم يصلنا منها إلا ثلاثة منها فقط هي : المشكل من شعر المتنبي ، والمحكم والمحيط الأعظم ، والمخصص ، أما عن باقي تواليفه فهو إما أنه فقد مع ما فقد من مخطوطات التراث ، أو أنه ما زال في غياهب دور الكتب والمحفوظات ، ولم تمتد إليه بعد يد البحث وأيدي الباحثين . المحكم و المحيط الأعظم .. مصنع اللغة : في دولة علي بن مجاهد ألف ابن سيده كتاب " المحكم والمحيط الأعظم " على نحو ترتيب الخليل في معجمه " العين " ، وقد زاد فيه التعرض لاشتقاقات الكلم و تصاريفها فجاء من أحسن الدواوين ، بحسب تعبير القونجي . " وقد التزم ابن سيده في ترتيب مواد " المحكم " الترتيب الذي اخترعه الخليل بن أحمد في معجمه العين ، وكانت طريقته تقوم على ترتيب الحروف تبعا لمخارجها مبتعدا بالأعمق في الحلق ، ومنتهيا بما يخرج من الشفتين ، فاستقام له الترتيب التالي : ع ح هـ خ غ ق ك ج ش ض ص س ز ط د ت ذ ث ر ل ن ف ب م و ي ا ء ، وسمى كل حرف منها كتابا ، مع تقسيم كل كتاب إلى أبواب حسب أبنية الألفاظ من حيث كونها ثنائية أو ثلاثية أو رباعية أو خماسية ، والأخذ بمبدأ التقاليب ، فمثلاً حرف العين الذي استهل به معجمه يمكن أن يتغير موضعه في البناء الثنائي مرتين ، فيأتي أول البناء الثنائي أو ثانيه ، وفي البناء الثلاثي يمكن أن يكون العين في أوله أو ثانيه أو ثالثه ، وفي البناء الرباعي يكون أربعا ، وفي الخماسي يكون خمسا ، فإذا كان الحرف الثاني مع العين في البناء الثنائي باء ، فإنه لا يمكن أن يأتي منهما إلا صورتان هما عب وبع ، فإذا كانت العين في البناء الثلاثي ومعها حرفان كالباء والدال ، أمكن أن يأتي منها ست صور هي : عبد بعد بدع عدب ، دعب ، دبع ، وترتفع هذه الصور في البناء الرباعي إلى أربع وعشرين صورة ، وفي الخماسي إلى عشرين ومائة صورة . وقد أراد ابن سِيده أن يجمع في كتابه ما تشتت من المواد اللغوية في الكتب والرسائل ، وتصحيح ما ورد فيها من أخطاء ، وربط اللغة بالقرآن والحديث ، مع العناية بالتنظيم والاختصار في ترتيب المواد ، كتقديم المجرد على المزيد والمفرد على الجمع وتحاشي التكرار ، وبذلك يكون ابن سيده قد خطا بمناهج تأليف المعاجم خطوة مفيدة إلى الأمام ، غير أن طريقة هذه المعاجم في ترتيب موادها كانت تلقى صعوبة في الكشف والاستخدام ، الأمر الذي أدى إلى ظهور مدارس أخرى في المعاجم لتيسير البحث في الكشف عن المواد اللغوية ، حتى استقرت إلى ما هو متبع الآن في المعاجم الحديثة مثل المعجم الوسيط " . وفي مادة " المحكم " وما جاء فيه فقد طعن فيه السهيلي في " الروض الأنف " عند الكلام على نقض الصحيفة فقال : وَمَا زَالَ ابْنُ سِيدَهْ يَعْثِرُ فِي هَذَا الْكِتَابِ - يعني المحكم - وَغَيْرِهِ عَثَرَاتٌ يَدْمِي مِنْهَا الْأَظَلّ ، وَيَدْحَضُ دَحَضَاتٍ تُخْرِجُهُ إلى سَبِيلِ مَنْ ضَلّ ، أَلَا تَرَاهُ قَالَ فِي هَذَا الْبَابِ وَذَكَرَ بُحَيْرَةَ طَبَرِيّةَ فَقَالَ : هِيَ مِنْ أَعْلَامِ خُرُوجِ الدّجّالِ ، وَأَنّ مَاءَهَا يَيْبَسُ عِنْدَ خُرُوجِهِ ، وَالْحَدِيثُ إنّمَا جَاءَ فِي غَيْرِ زُغَرٍ، وَإِنّمَا ذَكَرْت بُحَيْرَةَ طَبَرِيّةَ فِي حَدِيثِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَأَنّهُمْ يَشْرَبُونَ مَاءَهَا ، وَقَالَ فِي الْجِمَارِ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ : إنّمَا هِيَ الّتِي تُرْمَى بِعَرَفَةَ ؟ ! وَهَذِهِ هَفْوَةٌ لَا تُقَالُ وَعَثْرَةُ لَا لَعًا لَهَا ، وَكَمْ لَهُ مِنْ هَذَا إذَا تَكَلّمَ فِي النّسَبِ وَغَيْرِه " . وقد رد عليه ابن حجر في " ميزان الاعتدال " فقال بعد ما أورد جزءا من النص السابق له : ".. و الغالط في هذا يعذر لكونه لم يكن فقيها ولم يحج ، ولا يلزم من ذلك أن يكون غلط في اللغة التي هي فنه الذي يحقق به من هذا القبيل " . و في وصف خبير فقد قال ابن منظور عن " المحكم " : " ولم أجد في كتب اللغة أجمل من تهذيب اللغة للأزهري ، ولا أكمل من المحكم لابن سيده ... وما عداهما ثنيات الطريق " . وقد لخص " المحكم " محمد بن أبي الحسن ، صاحب المستنصر من ملوك الدولة الحفصية بتونس ، وقلب ترتيبه إلى ترتيب كتاب الصحاح في اعتبار أواخر الكلم وبناء التراجم عليها ، فكانا توءمي رحم وسليلي أبوة ، بحسب تعبير القونجي . المخصص .. أثمن كنوز العربية : يعتبر كتاب " المخصص " لابن سيده أضخم المعاجم العربية التي تعنى بجمع ألفاظ اللغة وتكوينها حسب معانيها لا تبعًا لحروفها الهجائية ، فلم يكن الغرض من تأليفها جمع اللغة واستيعاب مفرداتها شأن المعاجم الأخرى ، وإنما كان الهدف هو تصنيف الألفاظ داخل مجموعات وفق معانيها المتشابهة ، بحيث تنضوي تحت موضوع واحد . وقد قسم ابن سيده كتابه إلى أبواب كبيرة سماها كتبًا تتناول موضوعًا محددًا ، ورتب هذه الكتب ترتيبًا منطقيًّا ، فبدأ بالإنسان ثم الحيوان ثم الطبيعة فالنبات ، وأعطى كل كتاب عنوانًا خاصًّا به مثل : خلق الإنسان والنساء واللباس والطعام والأمراض والسلاح والخيل والإبل والغنم والوحوش والحشرات والطير والسماء والفلك . ثم قسم كل كتاب بدوره إلى أبواب صغيرة حسبما يقتضيه المقام إمعانًا في الدقة ومبالغة في التقصي والتتبع، فيذكر في باب الحمل والولادة أسماء ما يخرج مع الولد أولاً ، ثم يذكر الرضاع والفطام والغذاء وسائر ضروب التربية ، ويتحدث عن غذاء الولد وأسماء أول أولاد الرجل وآخرهم، ثم أسماء ولد الرجل في الشباب والكبر ، وهكذا . ويلتزم ابن سيده في شرح الألفاظ ببيان الفروق بين الألفاظ والمترادفات وتفسيرها بوضوح ، مع الإكثار من الشواهد ، وذكر العلماء الذين استقى عنهم مادته . و قد طُبع المخصص في سنة ست عشرة وثلاثمائة وألف من الهجرة في سبعة عشر جزءًا ، ونشر معهد المخطوطات العربية معجم المحكم بعناية عدد من كبار المحققين " . وفاته : بعد رحلة علمية حافلة تُوفي ابن سِيدَه في " دانية " بالأندلس عشية يوم الأحد ، لأربع بقين من شهر ربيع الآخر، سنة ثمان وخمسين وأربعمائة من الهجرة ، وعمره ستون سنة أو نحوها . وفي قصة وفاته فقد ذكر الصفدي أن ابن سيده كان يوم الجمعة قبل يوم الأحد المذكور صحيحًا سويًّا إلى وقت صلاة المغرب ، فدخل المتوضأ فأخرج منه وقد سقط لسانه وانقطع كلامه ، فبقي على تلك الحال إلى العصر من يوم الأحد ، ثم قضى نحبه رحمه الله تعالى . المراجع : - الصفدي : نكث الهميان في نكت العميان . - المقري : نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب . - اليافعي : مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان . - ابن كثير : البداية والنهاية . - الذهبي : سير أعلام النبلاء . - ابن خلكان : وفيات الأعيان . - ياقوت الحموي : معجم الأدباء . - القنوجي : أبجد العلوم . - ابن حجر : لسان الميزان . - ابن بشكوال : الصلة . - الباباني : هدية العارفين . - السهيلي : الروض الأنف . - الزركلي : الأعلام . |
|
03-04-2018, 05:43 PM | #62 |
| صحابة و صحابيات جابر بن عبد الله رضى الله تعالى عنه نسب جابر بن عبد الله وكنيته : هو جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي من بني سلمة، يكنى أبا عبد الله . وأمه نسيبة بنت عقبة بن عدي ، وهي من بني سلمة أيضًا . و أبوه هو عبد الله بن عمرو بن حرام الصحابي الجليل الذي استشهد في غزوة أُحد . قصة إسلام جابر بن عبد الله : كان ممن أسلم مبكرًا ، وهو أحد الستة الذين شهدوا العقبة ، وذلك حينما لقي رسول الله عند العقبة في الموسم نفرًا من الأنصار، كلهم من الخزرج وهم : أبو أمامة أسعد بن زرارة بن عدس ، وعوف بن الحارث بن رفاعة وهو ابن عفراء ، ورافع بن مالك بن العجلان ، و قطبة بن عامر بن حديدة ، وعقبة بن عامر بن نابي ، وجابر بن عبد الله ؛ فدعاهم رسول الله إلى الإسلام ، فأسلموا مبادرة إلى الخير، ثم رجعوا إلى المدينة فدعوا إلى الإسلام ، ففشا الإسلام فيها حتى لم تبق دار إلا وقد دخلها الإسلام. وكان جابر من المكثرين الحفّاظ للسنن ، وكُفّ بصره في آخر عمره . أثر الرسول في تربية جابر بن عبد الله : أسلم جابر وأبوه عبد الله - رضي الله عنهما - مبكرين ، و نال جابر من عطف النبي وحنانه الكثير . ولقد اهتم به النبي اهتمامًا كبيرًا ، و كان يسأله عن حياته و معاشه وأحواله كلها ، ويوجِّهه دائمًا نحو الخير . عن جابر قال : قال رسول الله : ( إذا خطب أحدكم المرأة ، فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل ) . قال : فخطبت جارية من بني سلمة ، فكنت أختبئ لها تحت الكرب حتى رأيت منها بعض ما دعاني إلى نكاحها ، فتزوجتها . وفي البخاري عن جابر بن عبد الله قال : كان رسول الله يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن ، يقول : ( إذا همَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ، ثم ليقل : اللهم إني أستخيرك بعلمك و أستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم ، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب ، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال : عاجل أمري و آجله - فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه ، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال : في عاجل أمري و آجله - فاصرفه عني واصرفني عنه ، واقدر لي الخير حيث كان ، ثم أرضني به " . قال : " ويسمِّي حاجته " .) أهم ملامح شخصية جابر بن عبد الله : حرصه على الجهاد : لقد أقبل جابر على الجهاد من أول فرصة واتته للجهاد ، لقد منعه أبوه عبد الله من الخروج إلى بدر وأُحد ، واستأثر بذلك الخروج لنفسه ، وترك جابرًا الشاب لأخواته الست ، ولما استشهد أبوه في غزوة أُحد بادر إلى الخروج إلى الجهاد لا تفوته غزوة مع رسول الله ؛ نصرةً لدين الله وإعلاء لكلمته . قال جابر : " غزا رسول الله إحدى وعشرين غزوة ، غزوت معه تسع عشرة غزوة ، ولم أشهد بدرًا ولا أحدًا، منعني أبي ، حتى إذا قُتل أبي يوم أُحد لم أتخلف عن غزوة غزاها " . بعض مواقف جابر بن عبد الله مع الرسول: عن جابر بن عبد الله قال : لما قتل أبي جعلت أكشف الثوب عن وجهه أبكي وينهوني عنه ، والنبي لا ينهاني، فجعلت عمتي فاطمة تبكي ، فقال النبي : ( تبكين أو لا تبكين ، ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه ). وروى البخاري بسنده عن جابر قال : جاء رسول الله يعودني وأنا مريض لا أعقل ، فتوضأ وصبَّ عليَّ من وضوئه فعقلت ، فقلت : يا رسول الله ، لمن الميراث ؟ إنما يرثني كلالة . فنزلت آية الفرائض . بعض مواقف جابر بن عبد الله مع الصحابة : مع أبيه : في البخاري بسنده عن جابر قال : لما حضر أُحد دعاني أبي من الليل ، فقال : " ما أراني إلا مقتولاً في أول من يقتل من أصحاب النبي ، وإني لا أترك بعدي أعز عليَّ منك غير نفس رسول الله ، فإن عليَّ دينًا فاقضِ واستوصِ بأخواتك خيرًا ". فأصبحنا فكان أول قتيل ، ودفن معه آخر في قبر، ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع الآخر، فاستخرجته بعد ستة أشهر، فإذا هو كيوم وضعته هُنَيَّةً غير أُذُنه . مع أبي بكر الصديق : عن جابر بن عبد الله الأنصاري - رضي الله عنهما - أنه قال : دخلت على رسول الله فقال لي : ( يا جابر، لو قد جاءنا مال لحثيت لك ثم حثيت لك ). قال : فقبض رسول الله قبل أن ينجز لي تلك العدة ، فأتيت أبا بكر فحدثته فقال أبو بكر: ونحن لو قد جاءنا شيء لحثيت لك ثم حثيت لك ثم حثيت لك . قال : فأتاه مال فحثي لي حثية ثم حثية ثم قال : ليس عليك فيها صدقة حتى يحول الحول . قال : فوزنتها فكانت ألفًا وخمسمائة . مع عبد الله بن أنيس : عن جابر بن عبد الله قال : بلغني حديث عن رجل من أصحاب النبي سمعه من النبي لم أسمعه منه ، فسرت شهرًا إليه حتى قدمت الشام فإذا هو عبد الله بن أنيس ، فأرسلت إليه أن جابرًا على الباب ، فرجع إليَّ الرسول فقال : أجابر بن عبد الله؟ قلت : نعم . فخرج إليَّ فاعتنقني واعتنقته . قال : قلت : حديث بلغني أنك سمعته من رسول الله لم أسمعه منه في المظالم ؛ فخشيت أن أموت أو تموت . قال : سمعت النبي يقول : ( يحشر الناس - أو العباد - عراة غرلاً بهما ، فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب : أنا الملك أنا الديان لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة وأحد من أهل النار يطلبه بمظلمة ، ولا ينبغي لأحد من أهل النار يدخل النار وأحد من أهل الجنة يطلبه بمظلمة حتى يقتصه منه حتى اللطمة . قال : وكيف وإنما نأتي عراة غرلاً ؟ قال :" بالحسنات والسيئات ). مع جابر بن عمير : عن عطاء أنه رأى جابر بن عبد الله وجابر بن عمير الأنصاريين -رضي الله عنهما - يرتميان ، فملَّ أحدهما فجلس ، فقال له صاحبه : كسلت ؟ قال : نعم . فقال أحدهما للآخر: أما سمعت رسول الله يقول : ( كل شيء ليس من ذكر الله فهو لعب ، إلا أن يكون أربعة : ملاعبة الرجل امرأته، وتأديب الرجل فرسه ، ومشي الرجل بين الغرضين ، وتعلم الرجل السباحة ) . بعض مواقف جابر بن عبد الله مع التابعين : مع سعيد بن الحارث : قال سعيد بن الحارث : دخلنا على جابر بن عبد الله وهو يصلي في ثوب واحد ملتحفًا به ، ورداؤه قريب لو تناوله بلغه ، فلما سلم سألناه عن ذلك ، فقال : " إنما أفعل هذا ليراني الحمقى أمثالكم، فيفشوا على جابر رخصة رخصها رسول الله " . ثم قال جابر: " خرجت مع رسول الله في بعض أسفاره ، فجئته ليلة وهو يصلي في ثوب واحد وعليَّ ثوب واحد فاشتملت به ، ثم قمت إلى جنبه ، قال : ( يا جابر، ما هذا الاشتمال ؟ إذا صليت وعليك ثوب واحد فإن كان واسعًا فالتحف به ، وإن كان ضيقًا فأتزر به ) . بعض الأحاديث التي رواها جابر بن عبد الله عن النبي : عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله : ( أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي : كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى كل أحمر وأسود ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ، وجعلت لي الأرض طيبة طهورًا ومسجدًا ، فأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان ، ونصرت بالرعب بين يدي مسيرة شهر، وأعطيت الشفاعة ). وعن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : سمعت رسول الله قبل موته بثلاثة أيام يقول : ( لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله ) . أثر جابر بن عبد الله في الآخرين : روى عنه أحاديث النبي أكثر من مائة وعشرين من الصحابة والتابعين؛ فمن من روى عنه من الصحابة : أنس بن مالك، وعبد الله بن ثعلبة ، ومحمود بن لبيد ، وماعز التميمي ، ومحمود بن عبد الرحمن التميمي وغيرهم . وممن روى عنه من التابعين : واسع بن حبان بن قرمز، ومعاذ بن رفاعة بن رافع ، ويزيد بن صهيب ، والحارث بن رافع ، وغيرهم الكثير . و كان يعلِّم غيره وينشر ما تعلمه من رسول الله ، وكان أحد المفتين بعد رسول الله ، وكانت له حلقة في المسجد النبوي ، يعلِّم فيها الناس ويفقههم . من كلمات جابر بن عبد الله : قال جابر بن عبد الله : " ما منا أحد إلا مالت به الدنيا ومال بها ، ما خلا عمر وابنه عبد الله " . و قال عندما سمع بموت ابن عباس وصفق بإحدى يديه على الأخرى : " مات أعلم الناس ، وأحلم الناس ، ولقد أصيبت به هذه الأمة مصيبة لا ترتق " . وفاة جابر بن عبد الله : تُوُفِّي جابر بن عبد الله سنة أربع و سبعين ، وهو ابن أربع وتسعين سنة ، وصلى عليه أبان بن عثمان . |
|
03-04-2018, 05:46 PM | #63 |
| صحابة و صحابيات المقداد بن الأسود رضى الله تعالى عنه نسب المقداد بن الأسود : هو المقداد بن عمرو بن ثعلبة ، من قضاعة ، وقيل : من كندة . أبو معبد أو أبو عمرو . نسب إلى الأسود بن عبد يغوث الزهري ; لأنه تبناه في الجاهلية . - قال ابن الكلبي : كان عمرو بن ثعلبة أصاب دمًا في قومه ، فلحق بحضرموت ، فحالف كندة ، فكان يقال له : الكندي، وتزوج هناك امرأة فولدت له المقداد . - فلما كبر المقداد وقع بينه وبين أبي شمر بن حجر الكندي ، فضرب رجله بالسيف وهرب إلى مكة ، فحالف الأسْود بن عبد يغوث الزهري ، وكتب إلى أبيه، فقدم عليه ، فتبنى الأسود المقداد ، فصار يقال : المقداد بن الأسود ، وغلبت عليه واشتهر بذلك ؛ فلما نزلت : { ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ } [الأحزاب: 5] , قيل له : المقداد بن عمرو ، واشتهرت شهرته بابن الأسود . - وكان المقداد يكنى أبا الأسود ، وقيل : كنيته أبو عمر ، وقيل : أبو سعيد . وأسلم قديمًا ، و تزوج ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ابنة عم النبي ، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرًا والمشاهد بعدها ، وكان فارسًا يوم بدر حتى إنه لم يثبت أنه كان فيها على فرس غيره . - وكان فارسًا شجاعًا " يقوم مقام ألف رجل " على حد تعبير عمرو بن العاص وكان من الرماة المذكورين من أصحاب رسول الله وهو أول فارس في الإسلام وكان من الفضلاء النجباء الكبار الخيار من أصحاب النبي سريع الإجابة إذا دعي إلى الجهاد حتى حينما تقدمت به سنه ، وكان يقول في ذلك : أبت علينا سورة البحوث { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً } [التوبة: 41] , وكان إلى جانب ذلك رفيع الخلق ، عالي الهمة ، طويل الأناة ، طيب . قصة إسلام المقداد بن الأسود : الذي يظهر من مجمل النصوص أن المقداد كان من المبادرين الأُول لاعتناق الإسلام، فقد ورد فيه : أنه أسلم قديمًا ، وذكر ابن مسعود أن أول من أظهر إسلامه سبعة ، وعدّ المقداد واحدًا منهم . إلا أنه كان يكتم إسلامه عن سيده الأسود بن عبد يغوث خوفًا منه على دمه شأنه في ذلك شأن بقية المستضعفين من المسلمين الذين كانوا تحت قبضة قريش عامة ، وحلفائهم و ساداتهم خاصة ، أمثال: عمار وأبيه وبلالٍ وغيرهم ممن كانوا يتجرعون غصص المحنة ؛ فما الذي يمنع الأسود بن عبد يغوث من أن يُنزل أشد العقوبة بحليفه إن هو أحس منه أنه قد صبأ إلى دين محمد ؟ سيما وأن الأسود هذا كان أحد طواغيت قريش و جباريهم ، وأحد المعاندين لمحمد والمستهزئين به وبما جاء ، إنه - ولا شك - في هذا الحال لن يكون أقل عنفًا مع حليفه من مخزوم مع حلفائها . لأجل هذا كان المقداد يتحين الفرص لانفلاته من ربقة " الحلف " الذي أصبح فيما بعد ضربًا من العبودية المقيتة ، ولونًا من ألوان التسخير المطلق للمحالف يجرده عن كل قيمة ، ويُحرم معه من أبسط الحقوق . أهم ملامح شخصية المقداد بن الأسود : حبه للإسلام : حب المقداد للإسلام ملأ قلبه بمسئولياته عن حماية الإسلام ، ليس فقط من كيد أعدائه ، بل ومن خطأ أصدقائه ، فقد خرج يومًا في سريَّة تمكن العدو فيها من حصارهم، فأصدر أمير السرية أمره بألا يرعى أحد دابته ، ولكن أحد المسلمين لم يحِط بالأمر خُبْرا فخالفه ، فتلقى من الأمير عقوبة أكثر مما يستحق ، أو لا يستحقها على الإطلاق ، فمر المقداد بالرجل يبكي ويصيح فسأله فأنبأه ما حدث ، فأخذ المقداد بيمينه ومضيا صوب الأمير، وراح المقداد يناقشه حتى كشف له خطأه وقال له : " والآن أقِدْهُ من نفسك ، ومَكِّنْهُ من القصاص " , وأذعن الأمير، بيد أن الجندي عفا وصفح وانتشى المقداد بعظمة الموقف وبعظمة الدين الذي أفاء عليهم هذه العزة ، فراح يقول : " لأموتَنَّ والإسلام عزيز " . بعض مواقف المقداد بن الأسود مع الرسول : يروي عبد الرحمن بن أبي ليلى عن المقداد بن الأسود قال : قدمت المدينة أنا وصاحبان فتعرضنا للناس فلم يضفنا أحد فأتينا إلى النبي فذكرنا له فذهب بنا إلى منزله وعنده أربعة أعنز فقال : ( احلبهن يا مقداد وجزئهن أربعة أجزاء وأعط كل إنسان جزءا ) فكنت أفعل ذلك فرفعت للنبي ذات ليلة فاحتبس واضطجعت على فراشي فقالت لي نفسي إن النبي قد أتى أهل بيت من الأنصار, فلو قمت فشربت هذه الشربة فلم تزل بي حتى قمت فشربت جزءًا , فلما دخل في بطني و معائي أخذني ما قدم وما حدث، فقلت يجيء الآن النبي جائعًا ظمآنًا فلا يرى في القدح شيئًا فسجيت ثوبًا على وجهي , وجاء النبي فسلم تسليمة تسمع اليقظان ولا توقظ النائم .. فكشف عنه فلم ير شيئًا فرفع رأسه إلى السماء ، فقال : ( اللهم اسق من سقاني وأطعم من أطعمني ) فاغتنمت دعوته وقمت فأخذت الشفرة فدنوت إلى الأعنز فجعلت أجسهن أيتهن أسمن لأذبحها فوقعت يدي على ضرع إحداهن , فإذا هي حافل ونظرت إلى الأخرى فإذا هي حافل فنظرت فإذا هن كلهن حفل, فحلبت في الإناء فأتيته به فقلت : اشرب , فقال : ( ما الخبر يا مقداد ) فقلت: اشرب ثم الخبر ، فقال : ( بعض سوآتك يا مقداد ) فشرب ثم قال : ( اشرب ) فقلت : اشرب يا نبي الله فشرب حتى تضلع ثم أخذته فشربته ثم أخبرته الخبر، فقال النبي : ( هيه ) فقلت كان كذا وكذا, فقال النبي : ( هذه بركة منزلة من السماء أفلا أخبرتني حتى أسقي صاحبيك ) فقلت : إذا شربت البركة أنا وأنت فلا أبالي من أخطأت . - ومن طريق يعقوب بن سليمان، عن ثابت البناني ، قال : كان المقداد وعبد الرحمن بن عوف جالسَين فقال له مالك : ألا تتزوج ؟ قال : زوجني ابنتك . فغضب عبد الرحمن وأغلظ له ، فشكا ذلك للنبي ، فقال : أنا أزوجك , فزوجه بنت عمه ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب . ولما بلغ رسول الله عرق الظبية دون بدر استشار الناس فقال: أشيروا علي أيها الناس! فقام أبو بكر فقال وأحسن , ثم قام عمر فقال مثل ذلك , ثم قام المقداد بن الأسود فقال : يا رسول الله ! امض بنا لأمر الله فنحن معك , والله لا نقول لك مثل ما قالت بنو إسرائيل لموسى : اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون , ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون , والذي بعثك بالحق! لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تنتهي إليه رسول الله ! فقال له رسول الله خيرًا ودعا له بخير . أثر الرسول في تربية المقداد بن الأسود : ولاّه الرسول إحدى الإمارات يومًا، فلما رجع سأله النبي : ( كيف وجدت الإمارة ؟ ) فأجاب : لقد جَعَلتني أنظر إلى نفسي كما لو كنت فوق الناس ، وهم جميعًا دوني ، والذي بعثك بالحق ، لا أتأمرن على اثنين بعد اليوم أبداً . وروى ثابت البناني عن أنس بن مالك عن المقداد بن الأسود أنه قال : والله لا أشهد لأحد أنه من أهل الجنة حتى أعلم ما يموت عليه, فإني سمعت رسول الله يقول : ( لقلب ابن آدم أسرع انقلابًا من القدر إذا استجمعت غليًا ). بعض مواقف المقداد بن الأسود مع التابعين : يقول صفوان بن عمرو، حدثنا عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه قال : جلسنا إلى المقداد يومًا، فمر به رجل ، فقال : طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله , والله لوددنا أنا رأينا ما رأيت ، فاستمعت ، فجعلت أعجب ، ما قال إلا خيرًا، ثم أقبل عليه ، فقال : ما يحمل أحدكم على أن يتمنى محضرًا غيبه الله عنه ، لا يدري لو شهده كيف كان يكون فيه . والله لقد حضر رسول الله أقوام كبهم الله على مناخرهم في جهنم ، لم يجيبوه ، ولم يصدقوه ، أو لا تحمدون الله ، إذ أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعرفون إلا ربكم , مصدقين بما جاء به نبيكم ، وقد كفيتم البلاء بغيركم ؟ والله لقد بعث النبي على أشد حال بعث عليه نبي في فترة وجاهلية ، ما يرون دينًا أفضل من عبادة الأوثان ، فجاء بفرقان حتى إن الرجل ليرى والده ، أو ولده ، أو أخاه كافرًا ، وقد فتح الله قفل قلبه للإيمان ، ليعلم أنه قد هلك من دخل النار، فلا تقر عينه وهو يعلم أن حميمه في النار، و أنها للتي قال الله تعالى : { رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ } [الفرقان : 74] . أثر المقداد بن الأسود في الآخرين : دعوته وتعليمه : يحدث أبو بلال عن أبي راشد الحبراني أنه وافى المقداد بن الأسود ، وهو يجهز، قال : فقلت : يا أبا الأسود قد أعذر الله إليك، أو قال: قد عذرك الله ، يعني في القعود عن الغزو ; فقال : أتت علينا سورة براءة : { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً } [التوبة: 41] . بعض الأحاديث التي نقلها المقداد بن الأسود عن الرسول : عن أبي النضر، عن سليمان بن يسار، عن المقداد بن الأسود : أن علي بن أبي طالب أمره أن يسأل رسول الله عن الرجل إذا دنا من امرأته فخرج منه المذي: ماذا عليه ؟ فإن عندي ابنته وأنا أستحي أن أسأله ! فسألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذلك فقال : ( إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه وليتوضأ وضوءه للصلاة ) . ما قيل عن المقداد بن الأسود : وقال أبو ربيعة الأيادي، عن عبد الله بن بُرَيدة ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه و سلم : ( إن الله أمرني بحب أربعة ، وأخبرني أنه يحبهم : علي ، والمقداد , وأبو ذر، وسلمان ) , أخرجه التِّرمِذي وابن ماجه ؛ وسنده حسن . وفاة المقداد بن الأسود : - أخرج يعقوب بن سفيان ، وابن شاهين ، من طريقه بسنده إلى كريمة بنت المقداد قالت : كان المقداد عظيم البطن ، وكان له غلام روميّ ، فقال له : أشق بطنك فأخرج من شحمه حتى تلطف ، فشق بطنه ، ثم خاطه ؛ فمات المقداد ، وهرب الغلام . - واتفقوا على أنه مات سنة ثلاث وثلاثين في خلافة عثمان . قيل : وهو ابن سبعين سنة . - مات في سنة ثلاث و ثلاثين ، وصلى عليه عثمان بن عفان وقبره بالبقيع . المصادر : الإصابة في تمييز الصحابة . الاستيعاب . البداية و النهاية . السيرة لابن حبان . |
|
الكلمات الدلالية (Tags) |
متجدد , الله , بإذن , شخصيات |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
وصفات طبعيه لكي نعالج انفسنا بشئ طبيعي ..متجدد بإذن الله..,~ | احمدالعلي | (همســـات الصحه والطب) | 188 | 25-07-2021 12:19 AM |
ربِّ زدني علمًا وفقهني في الدين { متجدد إن شاء الله } | قطرات احزان | ( قسم الفتاوي الاسلامية ) | 31 | 14-01-2019 10:30 PM |
شخصيات نوقف لها وقفةة شموخ ., عششقـ ـآلبدووو | عشق البدو | (همســـات جـسـر الـتـواصــل ) | 23 | 04-05-2015 06:41 PM |
خمس شخصيات من تختار ؟؟..... | محمدعبدالحميد | (همســـــات الحوار والنقاش الجاد) | 9 | 12-04-2014 01:37 AM |