12-03-2021, 03:04 PM
|
#399 |
بيانات اضافيه [
+
] | رقم العضوية : 5942 | تاريخ التسجيل : 16 - 3 - 2015 | أخر زيارة : يوم أمس (03:48 PM) | المشاركات : 873,030 [
+
] | التقييم : 2147483647 | الدولهـ | الجنس ~ | MMS ~ | SMS ~ | | لوني المفضل : Darkorange | | سورة العصر
التعريف بالسورة :
مكية .
من المفصل .
آياتها 3 .
ترتيبها بالمصحف الثالثة بعد المائة .
نزلت بعد سورة الشرح .
بدأت السورة بقسم " والعصر " . قال عنها السلف " لو تدبرها المسلمين لكفتهم " .
قال ابن عاشور:
ذكر ابن كثير أن الطبراني روى بسنده عن عبيد الله بن حُصَيْن قال: (كان الرجلان من أصحاب رسول الله إذا التقيا لم يفترقا إلاّ على أن يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر) إلخ ما سيأتي.
وكذلك تسميتها في مصاحف كثيرة وفي معظم كتب التفسير وكذلك هي في مصحف عتيق بالخط الكوفي من المصاحف القيروانية في القرن الخامس.
وسميت في بعض كتب التفسير وفي (صحيح البخاري) (سورة والعصر) بإثبات الواو على حكاية أول كلمة فيها، أي سورة هذه الكلمة.
وهي مكية في قول الجمهور وإطلاق جمهور المفسرين.
وعن قتادة ومجاهد ومقاتل أنها مدنية. وروي عن ابن عباس ولم يذكرها صاحب (الإِتقان) في عداد السور المختلف فيها. محور مواضيع السورة
يَدُورُ مِحْوَرُ السُّورَةِ حَوْلَ سَعَادَةِ الإِنْسَانِ أَوْ شَقَائـِهِ ، وَنَجَاحِهِ في هَذِهِ الحَيَاةِ أَوْ خُسْرَانـِهِ وَدَمَارِهِ.
.قال البقاعي:
قال الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه: إنها سورة لو لم ينزل إلى الناس إلا هي لكفتهم، وهو معنى قول غيره: إنها شملت جميع علوم القرآن، مقصودها تفضيل نوع الإنسان المخلوق من علق، وبيان خلاصته وعصارته وهم الحزب الناجي يوم السؤال عن زكاء الأعمال بعد الإشارة إلى أضدادهم، والإعلام بما ينجي من الأعمال والأحوال بترك الفاني والإقبال على الباقي لأنه خلاصة الكون ولباب الوجود، واسمها العصر واضح في ذلك فإن العصر يخلص روح المعصور ويميز صفاوته، ولذلك كان وقت هذا النبي الخاتم الذي هو خلاصة الخلق وقت العصر، وكانت صلاة العصر أفضل الصلوات، وبيان اشتمالها على علوم القرآن تنزيل جملتها على ما قال الغزالي: إن القرآن كالبحر الذي فيه جزائر بها معادن ستة، منها أربعة مهمة: مهمان منها هما ياقوت أفخر فأحمره للعلم بالله، وأخضره لصفاته، وأزرقه لأفعاله، وزمرد أخضر هو العلم باليوم الآخر وما فيه، ومهمان أولهما در أنضر وهو العلم بالعبادات المقربة إليه سبحانه وتعالى، وثانيهما مسك أذفر، وهو العلم بالعبادات التي بها تهيأ العبادات، ومتمان وهما درياق أكبر وهو العلم بإزاحة الشكوك، والشبه والأوهام لأنها سموم ومهلكة للدين، وعنبر أشهب وهو الاعتبار بمن هلك باجتناب ما كان سبب هلاكه، والاقتفاء بمن نجا باتباع ما كان سبب نجاته، فالجملة الأولى للعنبر لأن فيها شم روائح الهالك وضده الناجي، وبدئ بها لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، والجملة الثانية للياقوت بصفاته الثلاث والزمرد، والثالثة للدر والمسك، وهخما عبادات مقصودة، وعادات وسيلة إليها ممدودة، والرابعة للدرياق لأن الشبه والشكوك إنما هي من أوهام عاطلة وخيالات باطلة، والخامسة وسيلة إليها ومتمة لها لأن معرفة ذلك واجتنابه لا يكون إلا ببذل الجهد في الصبر.
ومعظم .مقصود السّورة بيان خسران الكفَّار والفجّار، وذكر سعادة المؤمنين الأَبرار، وشرح حال المسلم الشكور الصبّار، في قوله: {وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ}.
قال ابن عاشور:
عدت الثالثة عشرة في عداد نزول السور نزلت بعد سورة الانشراح وقبل سورة العاديات. وآيُهَا ثلاث آيات.
وهي إحدى سور ثلاث هُنَّ أقصر السور عَدد آيات: هي، والكوثر وسورة النصر.
أغراضها:
واشتملت على إثبات الخسران الشديد لأهل الشرك ومن كان مثلهم من أهل الكفر بالإِسلام بعد أن بلغت دعوته، وكذلك من تقلد أعمال الباطل التي حذر الإِسلام المسلمين منها.
وعلى إثبات نجاة وفوز الذين آمنوا وعملوا الصالحات والداعين منهم إلى الحق.
وعلى فضيلة الصبر على تزكية النفس ودعوة الحق.
وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذوها شعارًا لهم في ملتقاهم. روى الطبراني بسنده إلى عبيد الله بن عبد الله بن الحُصين الأنصاري (من التابعين) أنه قال: كان الرجلان من أصحاب رسول الله إذا التقيا لم يفترقا إلاّ على أن يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر إلى آخرها ثم يسلم أحدهما على الآخر (أي سلام التفرق وهو سنة أيضًا مثل سلام القُدوم).
وعن الشافعي: لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم. وفي رواية عنه: لو لم ينزل إلى الناس إلا هي لكفتهم.
وقال غيره: إنها شملت جميع علوم القرآن. وسيأتي بيانه.
.قال الصابوني:
* سورة العصر مكية، وقد جاءت في غاية الإيجاز والبيان، لتوضيح سبب سعادة الإنسان أو شقاوته، ونجاحه في هذه الحياة أو خسرانه ودماره.
* أقسم تعالى بالعصر وهو الزمان الذي ينتهي فيه عمر الإنسان، وما فيه من أصناف العجائب، والعبر الدالة على قدرة الهت وحكمته، على أن جنس الإنسان في خسارة ونقصان، إلا من اتصف بالأوصاف الأربعة وهى (الإيمان) و(العمل الصالح) و(التواصي بالحق) و(الاعتصام بالصبر) وهي أسس الفضيلة، وأساس الدين، ولهذا قال الإمام الشافعي رحمه الله: لو لم ينزل إلها سوى هذه السورة لكفت الناس.
قال سيد قطب
في هذه السورة الصغيرة ذات الآيات الثلاث يتمثل منهج كامل للحياة البشرية كما يريدها الإسلام. وتبرز معالم التصور الإيماني بحقيقته الكبيرة الشاملة في أوضح وأدق صورة. إنها تضع الدستور الإسلامي كله في كلمات قصار. وتصف الأمة المسلمة : حقيقتها ووظيفتها. في آية واحدة هي الآية الثالثة من السورة .. وهذا هو الإعجاز الذي لا يقدر عليه إلا اللّه ..
والحقيقة الضخمة التي تقررها هذه السورة بمجموعها هي هذه :
إنه على امتداد الزمان في جميع الأعصار ، وامتداد الإنسان في جميع الأدهار ، ليس هنالك إلا منهج واحد رابح ، وطريق واحد ناج. هو ذلك المنهج الذي ترسم السورة حدوده ، وهو هذا الطريق الذي تصف السورة معالمه. وكل ما وراء ذلك ضياع وخسار ..
«وَالْعَصْرِ ، إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ، وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ، وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ».
إنه الإيمان. والعمل الصالح. والتواصي بالحق. والتواصي بالصبر ..
فما الإيمان؟؟
نحن لا نعرّف الإيمان هنا تعريفه الفقهي ولكننا نتحدث عن طبيعته وقيمته في الحياة.
إنه اتصال هذا الكائن الإنساني الفاني الصغير المحدود بالأصل المطلق الأزلي الباقي الذي صدر عنه الوجود.
ومن ثم اتصاله بالكون الصادر عن ذات المصدر ، وبالنواميس التي تحكم هذا الكون ، وبالقوى والطاقات المذخورة فيه. والانطلاق حينئذ من حدود ذاته الصغيرة إلى رحابة الكون الكبير. ومن حدود قوته الهزيلة إلى عظمة الطاقات الكونية المجهولة. ومن حدود عمره القصير إلى امتداد الآباد التي لا يعلمها إلا اللّه .
وفضلا عما يمنحه هذا الاتصال للكائن الإنساني من قوة وامتداد وانطلاق ، فإنه يمنحه إلى جانب هذا كله متاعا بالوجود وما فيه من جمال ، ومن مخلوقات تتعاطف أرواحها مع روحه. فإذا الحياة رحلة في مهرجان إلهي مقام للبشر في كل مكان وفي كل أوان .. وهي سعادة رفيعة ، وفرح نفيس ، وأنس بالحياة والكون كأنس الحبيب بالحبيب. وهو كسب لا يعدله كسب. وفقدانه خسران لا يعدله خسران ..
إن مقومات الإيمان هي بذاتها مقومات الإنسانية الرفيعة الكريمة ..
التعبد لإله واحد ، يرفع الإنسان عن العبودية لسواه ، ويقيم في نفسه المساواة مع جميع العباد ، فلا يذل لأحد ، ولا يحني رأسه لغير الواحد القهار .. ومن هنا الانطلاق التحرري الحقيقي للإنسان. الانطلاق الذي ينبثق من الضمير ومن تصور الحقيقة الواقعة في الوجود. إنه ليس هناك إلا قوة واحدة وإلا معبود واحد.
فالانطلاق التحرري ينبثق من هذا التصور انبثاقا ذاتيا ، لأنه هو الأمر المنطقي الوحيد.
والربانية التي تحدد الجهة التي يتلقى منها الإنسان تصوراته وقيمه وموازينه واعتباراته وشرائعه وقوانينه ، وكل ما يربطه باللّه ، أو بالوجود ، أو بالناس. فينتفي من الحياة الهوى والمصلحة ، وتحل محلهما الشريعة والعدالة.
وترفع من شعور المؤمن بقيمة منهجه ، وتمده بالاستعلاء على تصورات الجاهلية وقيمها واعتباراتها ، وعلى القيم المستمدة من الارتباطات الأرضية الواقعة .. ولو كان فردا واحدا ، لأنه إنما يواجهها بتصورات وقيم واعتبارات مستمدة من اللّه مباشرة فهي الأعلى والأقوى والأولى بالاتباع والاحترام.
ووضوح الصلة بين الخالق والمخلوق ، وتبين مقام الألوهية ومقام العبودية على حقيقتهما الناصعة ، مما يصل هذه الخليقة الفانية بالحقيقة الباقية في غير تعقيد ، وبلا وساطة في الطريق. ويودع القلب نورا ، والروح طمأنينة ، والنفس أنسا وثقة. وينفي التردد والخوف والقلق والاضطراب كما ينفي الاستكبار في الأرض بغير الحق ، والاستعلاء على العباد بالباطل والافتراء! والاستقامة على المنهج الذي يريده اللّه. فلا يكون الخير فلتة عارضة ، ولا نزوة طارئة ، ولا حادثة منقطعة.
ينبعث الخير عن دوافع ، ويتجه إلى هدف ، ويتعاون عليه الأفراد المرتبطون في اللّه ، فتقوم الجماعة المسلمة ذات الهدف الواحد الواضح ، والراية الواحدة المتميزة. كما تتضامن الأجيال المتعاقبة الموصولة بهذا الحبل المتين.
والاعتقاد بكرامة الإنسان على اللّه ، يرفع من اعتباره في نظر نفسه ، ويثير في ضميره الحياء من التدني عن المرتبة التي رفعه اللّه إليها. وهذا أرفع تصور يتصوره الإنسان لنفسه .. أنه كريم عند اللّه .. وكل مذهب أو تصور يحط من قدر الإنسان في نظر نفسه ، ويرده إلى منبت حقير ، ويفصل بينه وبين الملأ الأعلى .. هو تصور أو مذهب يدعوه إلى التدني والتسفل ولو لم يقل له ذلك صراحة! ومن هنا كانت إيحاءات الدارونية والفرويدية والماركسية هي أبشع ما تبتلى به الفطرة البشرية والتوجيه الإنساني ، فتوحي إلى البشر بأن كل سفالة وكل قذارة وكل حقارة هي أمر طبيعي متوقع ، ليس فيه ما يستغرب ، ومن ثم ليس فيه ما يخجل .. وهي جناية على البشرية تستحق المقت والازدراء.
إن نظافة المشاعر تجيء نتيجة مباشرة للشعور بكرامة الإنسان على اللّه. ثم برقابة اللّه على الضمائر واطلاعه على السرائر. وإن الإنسان السوي الذي لم تمسخه إيحاءات فرويد وكارل ماركس وأمثالهما ، ليستحيي أن يطلع إنسان مثله على شوائب ضميره وخائنة شعوره. والمؤمن يحس وقع نظر اللّه - سبحانه - في أطواء حسه إحساسا يرتعش له ويهتز. فأولى أن يطهر حسه هذا وينظفه! والحاسة الأخلاقية ثمرة طبيعية وحتمية للإيمان بإله عادل رحيم عفو كريم ودود حليم ، يكره الشر ويحب الخير. ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
وهناك التبعة المترتبة على حرية الإرادة وشمول الرقابة ، وما تثيره في حس المؤمن من يقظة وحساسية ، ومن رزانة وتدبر. وهي ليست تبعة فردية فحسب ، إنما هي كذلك تبعة جماعية ، وتبعة تجاه الخير في ذاته ، وإزاء البشرية جميعا .. أمام اللّه .. وحين يتحرك المؤمن حركة فهو يحس بهذا كله ، فيكبر في عين نفسه ، ويقدر نتيجة خطوه قبل أن يمد رجله .. إنه كائن له قيمة في الوجود ، وعليه تبعة في نظام هذا الوجود ..
والارتفاع عن التكالب على أعراض الحياة الدنيا - وهو بعض إيحاءات الإيمان - واختيار ما عند اللّه ، وهو خير وأبقى. «وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ» .. والتنافس على ما عند اللّه يرفع ويطهر وينظف .. يساعد على هذا سعة المجال الذي يتحرك فيه المؤمن .. بين الدنيا والآخرة ، والأرض والملأ الأعلى. مما يهدئ في نفسه القلق على النتيجة والعجلة على الثمرة. فهو يفعل الخير لأنه الخير ، ولأن اللّه يريده ، ولا عليه ألا يدرّ الخير خيرا على مشهد من عينيه في عمره الفردي المحدود. فاللّه الذي يفعل الخير ابتغاء وجهه لا يموت - سبحانه - ولا ينسى ، ولا يغفل شيئا من عمله. والأرض ليست دار جزاء. والحياة الدنيا ليست نهاية المطاف. ومن ثم يستمد القدرة على مواصلة الخير من هذا الينبوع الذي لا ينضب. وهذا هو الذي يكفل أن يكون الخير منهجا موصولا ، لا دفعة طارئة ، ولا فلتة مقطوعة. وهذا هو الذي يمد المؤمن بهذه القوة الهائلة التي يقف بها في وجه الشر. سواء تمثل في طغيان طاغية ، أو في ضغط الاعتبارات الجاهلية ، أو في اندفاع نزواته هو وضغطها على إرادته. هذا الضغط الذي ينشأ أول ما ينشأ من شعور الفرد بقصر عمره عن استيعاب لذائذه وتحقيق أطماعه ، وقصره كذلك عن رؤية النتائج البعيدة للخير ، وشهود انتصار الحق على الباطل! والإيمان يعالج هذا الشعور علاجا أساسيا كاملا .
إن الإيمان هو أصل الحياة الكبير ، الذي ينبثق منه كل فرع من فروع الخير ، وتتعلق به كل ثمرة من ثماره ، وإلا فهو فرع مقطوع من شجرته ، صائر إلى ذبول وجفاف. وإلا فهي ثمرة شيطانية ، وليس لها امتداد أو دوام! وهو المحور الذي تشد إليه جميع خيوط الحياة الرفيعة. وإلا فهي مفلتة لا تمسك بشي ء ، ذاهبة بددا مع الأهواء والنزوات ..
وهو المنهج الذي يضم شتات الأعمال ، ويردها إلى نظام تتناسق معه وتتعاون ، وتنسلك في طريق واحد ، وفي حركة واحدة ، لها دافع معلوم ، ولها هدف مرسوم ..
ومن ثم يهدر القرآن قيمة كل عمل لا يرجع إلى هذا الأصل ، ولا يشد إلى هذا المحور ، ولا ينبع من هذا المنهج. والنظرية الإسلامية صريحة في هذا كل الصراحة .. جاء في سورة إبراهيم : «مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ. لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْ ءٍ» .. وجاء في سورة النور :
«وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً ، حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً» .. وهي نصوص صريحة في إهدار قيمة العمل كله ، ما لم يستند إلى الإيمان ، الذي يجعل له دافعا موصولا بمصدر الوجود ، وهدفا متناسقا مع غاية الوجود. وهذه هي النظرة المنطقية لعقيدة ترد الأمور كلها إلى اللّه. فمن انقطع عنه فقد انقطع وفقد حقيقة معناه .
إن الإيمان دليل على صحة الفطرة وسلامة التكوين الإنساني ، وتناسقه مع فطرة الكون كله ، ودليل التجاوب بين الإنسان والكون من حوله. فهو يعيش في هذا الكون ، وحين يصح كيانه لا بد أن يقع بينه وبين هذا الكون تجاوب. ولا بد أن ينتهي هذا التجاوب إلى الإيمان ، بحكم ما في الكون ذاته من دلائل وإيحاءات عن القدرة المطلقة التي أبدعته على هذا النسق. فإذا فقد هذا التجاوب أو تعطل ، كان هذا بذاته دليلا على خلل ونقص في الجهاز الذي يتلقى ، وهو هذا الكيان الإنساني. وكان هذا دليل فساد لا يكون معه إلا الخسران. ولا يصح معه عمل ولو كان في ظاهره مسحة من الصلاح.
وإن عالم المؤمن من السعة والشمول والامتداد والارتفاع والجمال والسعادة بحيث تبدو إلى جانبه عوالم غير المؤمنين صغيرة ضئيلة هابطة هزيلة شائهة شقية .. خاسرة أي خسران! والعمل الصالح وهو الثمرة الطبيعية للإيمان ، والحركة الذاتية التي تبدأ في ذات اللحظة التي تستقر فيها حقيقة الإيمان في القلب. فالإيمان حقيقة إيجابية متحركة. ما إن تستقر في الضمير حتى تسعى بذاتها إلى تحقيق ذاتها في الخارج في صورة عمل صالح .. هذا هو الإيمان الإسلامي .. لا يمكن أن يظل خامدا لا يتحرك ، كامنا لا يتبدى في صورة حية خارج ذات المؤمن .. فإن لم يتحرك هذه الحركة الطبيعية فهو مزيف أو ميت.
شأنه شأن الزهرة لا تمسك أريجها. فهو ينبعث منها انبعاثا طبيعيا. وإلا فهو غير موجود! ومن هنا قيمة الإيمان .. إنه حركة وعمل وبناء وتعمير .. يتجه إلى اللّه .. إنه ليس انكماشا وسلبية وانزواء في مكنونات الضمير. وليس مجرد النوايا الطيبة التي لا تتمثل في حركة وهذه طبيعة الإسلام البارزة التي تجعل منه قوة بناء كبرى في صميم الحياة.
وهذا مفهوم ما دام الإيمان هو الارتباط بالمنهج الرباني. وهذا المنهج حركة دائمة متصلة في صميم الوجود.
صادرة عن تدبير ، متجهة إلى غاية. وقيادة الإيمان للبشرية هي قيادة لتحقيق منهج الحركة التي هي طبيعة الوجود. الحركة الخيرة النظيفة البانية المعمرة اللائقة بمنهج يصدر عن اللّه.
أما التواصي بالحق والتواصي بالصبر فتبرز من خلالها صورة الأمة المسلمة - أو الجماعة المسلمة - ذات الكيان الخاص ، والرابطة المميزة ، والوجهة الموحدة. الجماعة التي تشعر بكيانها كما تشعر بواجبها. والتي تعرف حقيقة ما هي مقدمة عليه من الإيمان والعمل الصالح ، الذي يشمل فيما يشمل قيادة البشرية في طريق الإيمان والعمل الصالح فتتواصى فيما بينها بما يعينها على النهوض بالأمانة الكبرى.
فمن خلال لفظ التواصي ومعناه وطبيعته وحقيقته تبرز صورة الأمة - أو الجماعة - المتضامة المتضامنة. الأمة الخيرة. الواعية. القيمة في الأرض على الحق والعدل والخير .. وهي أعلى وأنصع صورة للأمة المختارة .. وهكذا يريد الإسلام أمة الإسلام .. هكذا يريدها أمة خيرة قوية واعية قائمة على حراسة الحق والخير ، متواصية بالحق والصبر في مودة وتعاون وتآخ تنضح بها كلمة التواصي في القرآن ..
والتواصي بالحق ضرورة. فالنهوض بالحق عسير. والمعوقات عن الحق كثيرة : هوى النفس ، ومنطق المصلحة ، وتصورات البيئة. وطغيان الطغاة ، وظلم الظلمة ، وجور الجائرين .. والتواصي تذكير وتشجيع وإشعار بالقربى في الهدف والغاية ، والأخوة في العبء والأمانة. فهو مضاعفة لمجموع الاتجاهات الفردية ، إذ تتفاعل معا فتتضاعف. تتضاعف بإحساس كل حارس للحق أن معه غيره يوصيه ويشجعه ويقف معه ويحبه ولا يخذله .. وهذا الدين - وهو الحق - لا يقوم إلا في حراسة جماعة متعاونة متواصية متكافلة متضامنة على هذا المثال.
والتواصي بالصبر كذلك ضرورة. فالقيام على الإيمان والعمل الصالح ، وحراسة الحق والعدل ، من أعسر ما يواجه الفرد والجماعة. ولا بد من الصبر. لا بد من الصبر على جهاد النفس ، وجهاد الغير. والصبر على الأذى والمشقة. والصبر على تبجح الباطل وتنفج الشر. والصبر على طول الطريق وبطء المراحل ، وانطماس المعالم ، وبعد النهاية! والتواصي بالصبر يضاعف المقدرة ، بما يبعثه من إحساس بوحدة الهدف ، ووحدة المتجه ، وتساند الجميع ، وتزودهم بالحب والعزم والإصرار .. إلى آخر ما يثيره من معاني الجماعة التي لا تعيش حقيقة الإسلام إلا في جوها ، ولا تبرز إلا من خلالها .. وإلا فهو الخسران والضياع.
وننظر اليوم من خلال هذا الدستور الذي يرسمه القرآن لحياة الفئة الرابحة الناجية من الخسران ، فيهولنا أن نرى الخسر يحيق بالبشرية في كل مكان على ظهر الأرض بلا استثناء. يهولنا هذا الضياع الذي تعانيه البشرية في الدنيا - قبل الآخرة - يهولنا أن نرى إعراض البشرية ذلك الإعراض البائس عن الخير الذي أفاضه اللّه عليها مع فقدان السلطة الخيرة المؤمنة القائمة على الحق في هذه الأرض .. هذا والمسلمون - أو أصحاب دعوى الإسلام بتعبير أدق - هم أبعد أهل الأرض عن هذا الخير ، وأشدهم إعراضا عن المنهج الإلهي الذي اختاره اللّه لهم ، وعن الدستور الذي شرعه لأمتهم ، وعن الطريق الوحيد الذي رسمه للنجاة من الخسران والضياع. والبقاع التي انبعث منها هذا الخير أول مرة تترك الراية التي رفعها لها اللّه ، راية الإيمان ، لتتعلق برايات عنصرية لم تنل تحتها خيرا قط في تاريخها كله. لم يكن لها تحتها ذكر في الأرض ولا في السماء. حتى جاء الإسلام فرفع لها هذه الراية المنتسبة للّه ، لا شريك له ، المسماة باسم اللّه لا شريك له ، الموسومة بميسم اللّه لا شريك له .. الراية التي انتصر العرب تحتها وسادوا وقادوا البشرية قيادة خيرة قوية واعية ناجية لأول مرة في تاريخهم وفي تاريخ البشرية الطويل ..
يقول الأستاذ أبو الحسن الندوي في كتابه القيم : «ما ذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟» .. عن هذه القيادة الخيرة الفذة في التاريخ كله ، وتحت عنوان «عهد القيادة الإسلامية» : «الأئمة المسلمون وخصائصهم» :
«ظهر المسلمون ، وتزعموا العالم ، وعزلوا الأمم المزيفة من زعامة الإنسانية التي استغلتها وأساءت عملها ، وساروا بالإنسانية سيرا حثيثا متزنا عادلا ، وقد توفرت فيهم الصفات التي تؤهلهم لقيادة الأمم ، وتضمن سعادتها وفلاحها في ظلهم وتحت قيادتهم.
«أولا : أنهم أصحاب كتاب منزل وشريعة إلهية ، فلا يقننون ولا يشترعون من عند أنفسهم. لأن ذلك منبع الجهل والخطأ والظلم ، ولا يخبطون في سلوكهم وسياستهم ومعاملتهم للناس خبط عشواء ، وقد جعل اللّه لهم نورا يمشون به في الناس ، وجعل لهم شريعة يحكمون بها الناس «أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها؟» وقد قال اللّه تعالى : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ ، وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا. اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى ، وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ».
( يتبع ) ell="filter:;"]
|
|
|
| [/cell] |
| |