ننتظر تسجيلك هنا


الإهداءات


العودة   منتدى همسات الغلا > ¨°o.O (المنتديات الاسلاميه) O.o°¨ > (همسات القرآن الكريم وتفسيره )

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-03-2021, 09:29 PM   #379


البرنس مديح ال قطب متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5942
 تاريخ التسجيل :  16 - 3 - 2015
 أخر زيارة : يوم أمس (03:48 PM)
 المشاركات : 873,030 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~


سبحان الله وبحمدة
سبحان الله العظيم
لوني المفضل : Darkorange
افتراضي


















تابع – سورة التين

محور مواضيع السورة :

ومن ثم تتجلى قيمة الإيمان في حياة الإنسان .. إنه المرتقى الذي تصل فيه الفطرة القويمة إلى غاية كمالها.
إنه الحبل الممدود بين الفطرة وبارئها. إنه النور الذي يكشف لها مواقع خطاها في المرتقى الصاعد إلى حياة الخالدين المكرمين.
وحين ينقطع هذا الحبل ، وحين ينطفئ هذا النور ، فالنتيجة الحتمية هي الارتكاس في المنحدر الهابط إلى أسفل سافلين ، والانتهاء إلى إهدار الآدمية كلية ، حين يتمحض الطين في الكائن البشري ، فإذا هو وقود النار مع الحجارة سواء بسواء! وفي ظل هذه الحقيقة ينادى «الْإِنْسانَ» :
«فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ؟ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ؟» ..
فما يكذبك بالدين بعد هذه الحقيقة؟ وبعد إدراك قيمة الإيمان في حياة البشرية؟ وبعد تبين مصير الذين لا يؤمنون ، ولا يهتدون بهذا النور ، ولا يمسكون بحبل اللّه المتين؟
«أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ؟» .. أليس اللّه بأعدل العادلين حين يحكم في أمر الخلق على هذا النحو؟
أو أليست حكمة اللّه بالغة في هذا الحكم على المؤمنين وغير المؤمنين؟
والعدل واضح. والحكمة بارزة .. ومن ثم ورد في الحديث المرفوع عن أبي هريرة : «فإذا قرأ أحدكم «وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ» فأتى آخرها : «أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ؟» .. فليقل .. بلى وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ» ..


قال محمد الغزالي:
{والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين}.
أيمان أربع متتابعة على أن الله خلق الإنسان في أحسن تقويم. {والتين والزيتون} ثمرات معروفة ويرى جماعة من العلماء أن الله أراد القسم بهذا الثمر، ولو أقسم بغيره جاز، فكل ما تنبت الأرض من دلائل القدرة. وهل أروع وأبرع من أن ينشق الطين عن طعم حلو ورائحة زكية ولون زاه؟ ولعله مروى ومسمد بالأقذاء. من الذي أخرج من الحمأ المسنون هذه الثمرات الشهية؟ إنه الله. ويرى المحققون أن القسم هو بمواطن الشرائع الأولى، وهذا أوفق في الجمع بينها. ويؤيده ما روى عن ابن عباس أن التين هو مسجد نوح الذي بناه على الجودى بعد انتهاء الطوفان. وأن الزيتون هو المسجد الأقصى الذي بناه إبراهيم بعدما بنى الكعبة. {وطور سنين} مكان تجلى الله على موسى وتشريفه بالرسالة. و{البلد الأمين} مكة موطن الإسلام ومشرق أنواره. والمقسم عليه هو خلق الإنسان في أحسن تقويم! هل حسن التقويم صورته الحسنة وقامته المديدة؟ لا، ليس ذاك ما يشرف به الإنسان. وفى الحديث: «إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم». قد يكون القوام الممشوق بعض ما امتاز به بنو آدم، ولكن امتيازهم الأول، ولعله أيضا الأخير، هو ذكاء العقل واستقامة الفطرة. إن نفخة من روح الله الأعلى سرت في أوصال الإنسان فجعلته كائنا خطير الشأن، وفى تكوينه الأول إشارة إلى أنه يولد بالتوحيد، والاستقامة؟ ثم تعدو عليه البيئة الرديئة، فإذا هو يميل ويعوج وينسى أصله الرفيع. وفي الآية: {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون}. ولكن الناس عندما ينسون ربهم وتفسد فطرتهم، يقترفون آثاما تقشعر منها الأبدان. لم إذا توءد الطفلة؟ لم إذا تحرق الزوجة السليمة مع زوجها الذي سبقها بالموت؟ لم إذا يعذب سجين حتى يهلك؟ لم إذا يكتم بعض الناس الحق؟ لم إذا يضن البخيل بالعطاء وهو مستغن عنه؟ لم إذا ننكر أن الله هو خالقنا؟ هذه كلها سفالات يرتكس البشر فيها، ويبتعدون بها عن فطرة الله..إن الفطرة الجميلة تبقى مع الحفاظ على الصلاح والتقوى، وتضيع إذا جف الإيمان. وهذا معنى الآيات: {ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون}. مقطوع. {فما يكذبك بعد} أيها الإنسان {بالدين أليس الله بأحكم الحاكمين}. لم إذا ينكر البعض الإسلام ويحاربه ويصد عنه؟ بأى فكر يفعل ذلك؟ وقد تركت شعوب حكمة الحكيم واستبدلت بالإسلام شرائع مغموصة لا تثمر خيرا أبدا فيا عجبا! جاء في الحديث: «من قرأ منكم {والتين والزيتون} فانتهى إلى قول: {أليس الله بأحكم الحاكمين}، فليقل: وأنا على ذلك من الشاهدين».


الأحاديث الواردة في السورة الكريمة:
قال الزيلعي:
سورة التين ذكر فِيهَا أَرْبَعَة أَحَادِيث:
الحَدِيث الأول:
رُوِيَ «أَنه أهدي لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم طبق من تين فَأكل مِنْهُ وَقال لأَصْحَابه كلوا فَلَو قلت إِن فَاكِهَة نزلت من الْجنَّة لَقلت هَذِه لِأَن فَاكِهَة الْجنَّة بِلَا عجم فَإِنَّهَا تقطع البواسير وَتَنْفَع من النقرس».
قلت رَوَاهُ أَبُو نعيم الْحَافِظ فِي كتاب الطِّبّ لَهُ حَدثنَا أَبُو زرْعَة مُحَمَّد بن مُحَمَّد ابْن عبد الْوَهَّاب بن أبي عصمَة العكبري ثَنَا عبد الله بن الْحسن بن نصر الوَاسِطِيّ نَثَا إِسْحَاق بن وهيب الوَاسِطِيّ ثَنَا أَحْمد بن نصر الْخُرَاسَانِي ثَنَا عبد الله بن مُحَمَّد الْكُوفِي ثَنَا عِيسَى بن يُونُس عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن يَحْيَى بن أبي كثير عَن أبي سَلمَة عَن أبي ذَر قال: «أهدي إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم طبق من تين»... إِلَى آخِره سَوَاء... ثمَّ رَوَاهُ بِهَذَا الْإِسْنَاد عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا نَحوه سَوَاء.
وَرَوَاهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه الْمُسَمَّى بِلَفْظ الْمَنَافِع فِي الطِّبّ من طَرِيق أبي بكر مُحَمَّد بن إِسْحَاق السّني ثَنَا الْقَاسِم بن أبي الْحسن الزبيرِي ثَنَا سهل بن إِبْرَاهِيم الوَاسِطِيّ عَن عِيسَى بن يُونُس عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن يَحْيَى بن أبي كثير قال ثني الثِّقَة عَن أبي ذَر قال أهدي إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم... فَذكره وَبِهَذَا الْإِسْنَاد رَوَاهُ الثَّعْلَبِيّ فِي تَفْسِيره.



الأحاديث الواردة في السورة الكريمة:

الحَدِيث الثاني:
عَن معَاذ بن جبل أَنه مر بشجرة الزيتون فَأخذ مِنْهَا قَضِيبًا وَاسْتَاك بِهِ وَقال سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقول «نعم السِّوَاك الزيتون من الشَّجَرَة الْمُبَارَكَة تطيب الْفَم وَتذهب بِالْحُفْرَةِ» وسمعته يَقول «هِيَ سِوَاكِي وَسوَاك الْأَنْبِيَاء من قبلي».
قلت رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي كِتَابه مُسْند الشاميين وَفِي مُعْجَمه الْوسط حَدثنَا أَحْمد بن علي الْأَبَّار ثَنَا مُعَلل بن نفَيْل الْحَرَّانِي ثَنَا مُحَمَّد بن مُحصن عَن إِبْرَاهِيم ابْن أبي عبلة عَن عبد الله بن الديلمي عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم عَن معَاذ بن جبل قال سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقول «نعم السِّوَاك الزيتون من الشَّجَرَة الْمُبَارَكَة تطيب الْفَم وَتذهب بِالْحفرِ» وسمعته يَقول «هِيَ سِوَاكِي وَسوَاك الْأَنْبِيَاء من قبلي» انتهى.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الثَّعْلَبِيّ تَفْسِيره عَن مُعَلل بن نفَيْل بِهِ.

الأحاديث الواردة في السورة الكريمة:

الحَدِيث الثَّالِث:
عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «كَانَ إِذا قرأهَا قال بلَى وَأَنا عَلَى ذَلِك من الشَّاهِدين».
قلت رَوَاهُ الطَّبَرِيّ فِي تَفْسِيره أخبرنَا بشر بن معَاذ ثَنَا يزِيد بن هَارُون ثَنَا سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة فِي قوله تعالى: {أَلَيْسَ الله بِأَحْكَم الحاكمين} وَقال ذكر لنا «أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا قرأهَا قال بلَى وَأَنا عَلَى ذَلِك من الشَّاهِدين» انتهى.
وَرَوَى الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك من حَدِيث يزِيد بن عِيَاض عَن إِسْمَاعِيل.
ابْن أُميَّة عَن أبي اليسع عَن أبي هُرَيْرَة «أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا قرأ {أَلَيْسَ ذَلِك بِقَادِر عَلَى أَن يحيي الْمَوْتَى} قال بلَى وَإِذا قرأ {أَلَيْسَ الله بِأَحْكَم الحاكمين} قال بلَى» انتهى.
وَقال صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ.

الأحاديث الواردة في السورة الكريمة:

الحَدِيث الرَّابِع:
عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ سُورَة والتين أعطَاهُ الله خَصْلَتَيْنِ الْعَافِيَة وَالْيَقِين مَا دَامَ فِي دَار الدُّنْيَا فَإِذا مَاتَ أعطَاهُ الله من الْأجر بِعَدَد من قرأهَا».
قلت رَوَاهُ الثَّعْلَبِيّ من حَدِيث سَلام بن سليم ثَنَا هَارُون بن كثير عَن زيد بن أسلم عَن أَبِيه عَن أبي أمامة عَن أبي بن كَعْب قال قال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم... فَذكره إِلَّا أَنه قال: «بِعَدَد من قرأهَا صِيَام يَوْم» وَهَذِه الزِّيَادَة لم أَجدهَا فِي نسخ الْكَشَّاف وَرَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره بسنديه فِي آل عمرَان بِلَفْظ الثَّعْلَبِيّ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الواحدي فِي الْوَسِيط بِسَنَدِهِ فِي يُونُس بِلَفْظ الثَّعْلَبِيّ.

( يتبع – سورة العلق )














 

رد مع اقتباس
قديم 12-03-2021, 12:37 PM   #380


البرنس مديح ال قطب متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5942
 تاريخ التسجيل :  16 - 3 - 2015
 أخر زيارة : يوم أمس (03:48 PM)
 المشاركات : 873,030 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~


سبحان الله وبحمدة
سبحان الله العظيم
لوني المفضل : Darkorange
افتراضي









سورة العلق
التعريف بالسورة :
سورة العلق .
من المفصل .
آياتها 19 .
ترتيبها بالمصحف السادسة والتسعون .
هى أول ما نزل من القرآن الكريم .
بدأت بفعل أمر " اقرأ "و السورة بها سجدة في الآية رقم 19 .

سبب التسمية :
تُسَمَّى ‏سُورَةُ ‏اقْرَأْ.

سبب نزول السورة :

نزول هذه السورة من قوله تعالى " فليدع ناديه سندع الزبانية " إلى آخر الآية نزلت في أبي جهل . عن ابن عباس قال كان النبي يصلي فجاء أبو جهل فقال ألم أنهك عن هذا فانصرف اليه النبي فزجره فقال أبو جهل والله إنك لتعلم ما بها ناد أكثر مني فأنزل الله تعالى (فليدع ناديه سندع الزبانية ) قال ابن عباس والله لو دعا ناديه لأخذته زبانية الله تبارك وتعالى .


محور مواضيع السورة

يَدُورُ مِحْوَرُ السُّورَةِ حَوْلَ القَضَايَا الآتـِيَةِ :
أَوَّلاً : َوْضُوع بَدْءِ نُزُولِ الوَحْيِ عَلَى خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ محَمَّدٍ .
ثَانِيَاً : مَوْضُوعُ طُغْيَانِ الإِنْسَانِ بالمَالِ وَتَمَرُّدِهِ عَلَى أَوَامِرِ الَّلهِ .
ثَالِثَاً : قِصَّةُ الشَّقِيِّ ( أَبِي جَهْلٍ ) وَنَهْيـُهُ الرَّسُولَ عَنِ الصَّلاَةِ.

.قال البقاعي:
سورة العلق وتسمى اقرأ، مقصودها الأمر لاسيما للمقصود بالتفضيل في سورة التين بعبادة من له الخلق والأمر، شكرا لأحسانه واجتنابا لكفرانه ن طمعا في جنانه وخوفا من نيرانه، لما ثبت أنه يدين العباد يوم المعاد، وكل من اسميها دال على ذلك لأن المربي يجب شكره، ويحرم غاية التحريم كفره، على أن {اقرأ}: يشير إلى الأمر، و{العلق} يشير غلى الخلق، و{اقرأ}: يدل على البداية وهي العبادة بالمطابقة، وعلى النهاية وهي النمجاة يوم الدين باللازم، والعلق يدل على كل من النهاية ثم البداية بالالتزام، لأن من عرف أنه مخلوق من دم عرف أن خالقه قادر على إعادته من تراب، فإن التراب أقبل للحياة من الدم، ومن صدق بالإعادة عمل لها، وخص العلق لأنه مركب الحياة، ولذلك سمي نفسا.
و معظم مقصود السّورة ابتداءٌ في جميع الأُمور باسم الخالق الربّ- تعالى- جلَّت عظمته، والمِنَّة على الخلق بتعليم الكتابة، والحكمة، والشكايةُ من أَهل الضَّلالة، وتهديد أَهل الكفر والمعصية، وتخويف الأَجانب بالعقوبة، وبشارة السّاجدين بالقُرْبة، في قوله: {وَاسْجُدْ واقترب}.




قال ابن عاشور:
اشتهرت تسمية هذه السورة في عهد الصحابة والتابعين باسم (سورة اقرأ باسم ربك).
روي في (المستدرك) عن عائشة: (أول سورة نزلت من القرآن اقرأ باسم ربك) فأخبرت عن السورة بـ: {اقرأ باسم ربك} (العلق: 1). وروي ذلك عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وأبي رجاء العطاردي ومجاهد والزهري، وبذلك عنونها الترمذي.
وسميت في المصاحف ومعظم التفاسير (سورة العلق) لوقوع لفظ (العلق) في أوائلها، وكذلك سميت في بعض كتب التفسير.
وعنونها البخاري: (سورة اقرأ باسم ربك الذي خلق).
وتسمى: (سورة اقرأ)، وسماها الكواشي في (التخليص) (سورة اقرأ والعلق).
وعنونها ابن عطية وأبو بكر بن العربي: (سورة القَلم) وهذا اسم سميت به: (سورة ن والقَلم) ولكن الذين جعلوا اسم هذه السورة (سورة القلم) يسمون الأخرى (سورة ن). ولم يذكرها في (الإِتقان) في عداد السور ذات أكثر من اسم.
وهي أول سورة نزلت في القرآن كما ثبت في الأحاديث الصحيحة الواضحة، ونزل أولها بغار حراء على النبي صلى الله عليه وسلم وهو مجاور فيه في رمضان ليلة سبع عشرة منه من سنة أربعين بعد الفيل إلى قوله: {علم الإنسان ما لم يعلم} (العلق: 5). ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة عن عائشة. وفيه حديث عن أبي موسى الأشعري وهو الذي قاله أكثر المفسرين من السلف والخلف.
وعن جابر أول سورة المدثر، وتؤول بأن كلامه نص أن سورة المدثر أول سورة نزلت بعد فترة الوحي كما في (الإِتقان) كما أن سورة الضحى نزلت بعد فترة الوحي الثانية.
وعدد آيها في عدّ أهل المدينة ومكة عشرون، وفي عدّ أهل الشام ثمان عشرة، وفي عد أهل الكوفة والبصرة تسع عشرة.


ومن اغراض السورة
تلقين محمد صلى الله عليه وسلم الكلام القرآني وتلاوته إذ كان لا يعرف التلاوة من قبْل.
والإِيماءُ إلى أن علمه بذلك ميسر لأن الله الذي ألهم البشر العلم بالكتابة قادر على تعليم من يشاء ابتداء.
وإيماء إلى أن أمته ستصير إلى معرفة القراءة والكتابة والعلم.
وتوجيهه إلى النظر في خلق الله الموجودات وخاصة خلقه الإنسان خلقاً عجيباً مستخرجاً من علقة فذلك مبدأ النظر.
وتهديدُ من كذَّب النبي صلى الله عليه وسلم وتعرض ليصده عن الصلاة والدعوة إلى الهدى والتقوى.
وإعلام النبي صلى الله عليه وسلم أن الله عالمٌ بأمر من يناوؤنه وأنه قامعهم وناصر رسوله.
وتثبيتُ الرسول على ما جاءه من الحق والصلاة والتقرب إلى الله.
وأن لا يَعْبأ بقوة أعدائه لأن قوة الله تقهرهم.

قال الصابوني:
* سورة العلق وتسمي (سورة إقرأ) مكية وهي تعالج القضايا الآتية:
أولا: موضوع بدء نزول الوحي على خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم.
ثانيا: موضوع طغيان الإنسان بالمال، وتمرده على أوامر الله جل وعلا ثالثا: قصة الشقي (أبي جهل) ونهيه الرسول صلى الله عليه وسلم، عن الصلاة وما نزل في حقه.
* ابتدات السورة ببيان فضل الله على رسوله الكريم، بإنزاله هذا القرآن (المعجزة الخالدة) عليه، وتذكيره بأول النعماء، وهو يتعبد ربه بغار حراء، حيث تنزل عليه الوحي بآيات الذكر الحكيم {إقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم}. ثم تحدثت عن طغيان الإنسان في هذه الحياة بالقوة والثراء، وتمرده على أوامر الله، بسبب نعمة الغنى، وكأن الواجب عليه أن يشكر ربه على أفضاله، لا أن يجحد النعماء، وذكرته بالعودة إلى ربه لينال الجزاء {كلا إن الإنسان ليطغى أن رأه استغنى إن إلى ربك الرجعى}
* ثم تناولت قصة الشقى (أبي جهل) فرعون هذه الأمة، الذي كان يتوعد الرسول صلى الله عليه وسلم ويتهدده، وينهاه عن الصلاه، انتصارا للأوثان والأصنام {أرايت الذي ينهى عبدا إذا صلى} الآيات.
*وختمت السورة بوعيد ذلك الشقي الكافر، بأشد العقاب إن إستمر على ضلاله وطغيانه، كما أمرت الرسول الكريم، بعدم الإصغاء إلى وعيد ذلك المجرم الأثيم {كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية} إلى ختام السورة الكريمة {كلا لا تطعه واسجد واقترب}.
* وقد بدأت السورة بالدعوة إلى القراءة والتعلم، وختمت بالصلاة والعبادة، ليقترن العلم بالعمل، ويتناسق البدء مع الختام، في أروع صور البيان.


قال سيد قطب
مطلع هذه السورة هو أول ما نزل من القرآن باتفاق. والروايات التي تذكر نزول غيرها ابتداء ليست وثيقة.
قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر بن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة - رضي اللّه عنها - قالت :
«أول ما بدئ به رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح. ثم حبب إليه الخلاء. وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه - وهو التعبد - الليالي ذوات العدد ، قبل أن ينزع إلى أهله ، ويتزود إلى ذلك. ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها. حتى جاءه الحق وهو في غار حراء. فجاءه الملك ، فقال : اقرأ. قال : ما أنا بقارئ ، قال : فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد. ثم أرسلني فقال : اقرأ. فقلت : ما أنا بقارئ ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : اقرأ. فقلت : ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني الثالثة ، ثم قال : «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ» .. فرجع بها رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - ترجف بوادره ، حتى دخل على خديجة ، فقال «زملوني زملوني» فزملوه حتى ذهب عنه الروع ، فقال : يا خديجة مالي؟ وأخبرها الخبر. وقال : «قد خشيت على نفسي» فقالت له : كلا. أبشر فو اللّه لا يخزيك اللّه أبدا. إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكل ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق. ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي ، وهو ابن عم خديجة أخي أبيها. وكان امرا قد تنصر في الجاهلية. كان يكتب الكتاب العربي ، وكتب العبرانية من الإنجيل - ما شاء اللّه أن يكتب - وكان شيخا كبيرا قد عمي. فقالت خديجة : أي ابن عم ، اسمع من ابن أخيك ، فقال ورقة :
ابن أخي ، ما ترى؟ فأخبره رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - بما رأى. فقال ورقة : هذا الناموس الذي أنزل على موسى. ليتني فيها جذع ، ليتني أكون حيا حين يخرجك قومك. فقال رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - :
«أو مخرجيّ هم؟» فقال ورقة : نعم. لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي ، وإن أدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا. ثم لم ينشب ورقة أن توفي ... إلخ». وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من حديث الزهري ..



يتبع







 

رد مع اقتباس
قديم 12-03-2021, 12:42 PM   #381


البرنس مديح ال قطب متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5942
 تاريخ التسجيل :  16 - 3 - 2015
 أخر زيارة : يوم أمس (03:48 PM)
 المشاركات : 873,030 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~


سبحان الله وبحمدة
سبحان الله العظيم
لوني المفضل : Darkorange
افتراضي












تابع – سورة العلق

محور مواضيع السورة

روى الطبري - بإسناده - عن عبد اللّه بن الزبير. قال :
«قال رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - : فجاءني - وأنا نائم - بنمط من ديباج فيه كتاب. فقال : اقرأ.
فقلت : ما أقرأ. فغتني حتى ظننت أنه الموت. ثم أرسلني فقال : اقرأ. فقلت : ماذا أقرأ؟ وما أقول ذلك إلا افتداء من أن يعود إليّ بمثل ما صنع بي. قال : «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ... إلى قوله : عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ» قال : فقرأته. ثم انتهى ، ثم انصرف عني. وهببت من نومي ، وكأنما كتب في قلبي كتابا.
قال : ولم يكن من خلق اللّه أبغض علي من شاعر أو مجنون. كنت لا أطيق أن أنظر إليهما ، قال : قلت :
إن الأبعد - يعني نفسه - لشاعر أو مجنون! لا تحدث بها عني قريش أبدا! لأعمدنّ إلى حالق من الجبل فلأطرحن نفسي منه فلأقتلنها فلأستريحن! قال : فخرجت أريد ذلك. حتى إذا كنت في وسط الجبل سمعت صوتا من السماء يقول : يا محمد. أنت رسول اللّه وأنا جبريل. قال فرفعت رأسي إلى السماء ، فإذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء يقول : يا محمد أنت رسول اللّه وأنا جبريل. قال : فوقفت أنظر إليه ، وشغلني ذلك عما أردت ، فما أتقدم وما أتأخر ، وجعلت أصرف وجهي عنه في آفاق السماء ، فلا أنظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك ، فما زلت واقفا ما أتقدم أمامي ، ولا أرجع ورائي ، حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي ، حتى بلغوا مكة ورجعوا إليها وأنا واقف في مكاني. ثم انصرف عني وانصرفت راجعا إلى أهلي ...» ..
وقد رواه ابن إسحاق مطولا عن وهب بن كيسان عن عبيد أيضا ..


)

وقفت هنا أمام هذا الحادث الذي طالما قرأناه في كتب السيرة وفي كتب التفسير ، ثم مررنا به وتركناه ، أو تلبثنا عنده قليلا ثم جاوزناه! إنه حادث ضخم. ضخم جدا. ضخم إلى غير حد. ومهما حاولنا اليوم أن نحيط بضخامته ، فإن جوانب كثيرة منه ستظل خارج تصورنا! إنه حادث ضخم بحقيقته. وضخم بدلالته. وضخم بآثاره في حياة البشرية جميعا .. وهذه اللحظة التي تم فيها هذا الحادث تعد - بغير مبالغة - هي أعظم لحظة مرت بهذه الأرض في تاريخها الطويل.
ما حقيقة هذا الحادث الذي تم في هذه اللحظة؟
حقيقته أن اللّه جل جلاله ، العظيم الجبار القهار المتكبر ، مالك الملك كله ، قد تكرم - في عليائه - فالتفت إلى هذه الخليقة المسماة بالإنسان ، القابعة في ركن من أركان الكون لا يكاد يرى اسمه الأرض. وكرّم هذه الخليقة باختيار واحد منها ليكون ملتقى نوره الإلهي ، ومستودع حكمته ، ومهبط كلماته ، وممثل قدره الذي يريده - سبحانه - بهذه الخليقة.
وهذه حقيقة كبيرة. كبيرة إلى غير حد. تتكشف جوانب من عظمتها حين يتصور الإنسان - قدر طاقته - حقيقة الألوهية المطلقة الأزلية الباقية. ويتصور في ظلها حقيقة العبودية المحدودة الحادثة الفانية. ثم يستشعر وقع هذه العناية الربانية بهذا المخلوق الإنساني ويتذوق حلاوة هذا الشعور ويتلقاه بالخشوع والشكر والفرح والابتهال .. وهو يتصور كلمات اللّه ، تتجاوب بها جنبات الوجود كله ، منزّلة لهذا الإنسان في ذلك الركن المنزوي من أركان الوجود الضئيلة!


دلالة هذا الحادث
دلالته - في جانب اللّه سبحانه - أنه ذو الفضل الواسع ، والرحمة السابغة ، الكريم الودود المنان. يفيض من عطائه ورحمته بلا سبب ولا علة ، سوى أن الفيض والعطاء بعض صفاته الذاتية الكريمة.
ودلالته - في جانب الإنسان - أن اللّه - سبحانه - قد أكرمه كرامة لا يكاد يتصورها ، ولا يملك أن يشكرها.
وأن هذه وحدها لا ينهض لها شكره ولو قضى عمره راكعا ساجدا .. هذه .. أن يذكره اللّه ، ويلتفت إليه ، ويصله به ، ويختار من جنسه رسولا يوحي إليه بكلماته. وأن تصبح الأرض .. مسكنه .. مهبطا لهذه الكلمات التي تتجاوب بها جنبات الوجود في خشوع وابتهال.
فأما آثار هذا الحادث الهائل في حياة البشرية كلها فقد بدأت منذ اللحظة الأولى. بدأت في تحويل خط التاريخ ، منذ أن بدأت في تحويل خط الضمير الإنساني .. منذ أن تحددت الجهة التي يتطلع إليها الإنسان ويتلقى عنها تصوراته وقيمه وموازينه .. إنها ليست الأرض وليس الهوى .. إنما هي السماء والوحي الإلهي.

ومنذ هذه اللحظة عاش أهل الأرض الذين استقرت في أرواحهم هذه الحقيقة .. في كنف اللّه ورعايته المباشرة الظاهرة. عاشوا يتطلعون إلى اللّه مباشرة في كل أمرهم. كبيره وصغيره. يحسون ويتحركون تحت عين اللّه.
ويتوقعون أن تمتد يده - سبحانه - فتنقل خطاهم في الطريق خطوة خطوة. تردهم عن الخطأ وتقودهم إلى الصواب .. وفي كل ليلة كانوا يبيتون في ارتقاب أن يتنزل عليهم من اللّه وحي يحدثهم بما في نفوسهم ، ويفصل في مشكلاتهم ، ويقول لهم : خذوا هذا ودعوا ذاك! ولقد كانت فترة عجيبة حقا. فترة الثلاثة والعشرين عاما التالية ، التي استمرت فيها هذه الصلة الظاهرة المباشرة بين البشر والملأ الأعلى. فترة لا يتصور حقيقتها إلا الذين عاشوها. وأحسوها. وشهدوا بدأها ونهايتها.
وذاقوا حلاوة هذا الاتصال. وأحسوا يد اللّه تنقل خطاهم في الطريق. ورأوا من أين بدأوا وإلى أين انتهوا ..
وهي مسافة هائلة لا تقاس بأي مقياس من مقاييس الأرض. مسافة في الضمير لا تعدلها مسافة في الكون الظاهر ، ولا يماثلها بعد بين الأجرام والعوالم! المسافة بين التلقي من الأرض والتلقي من السماء. بين الاستمداد من الهوى والاستمداد من الوحي. بين الجاهلية والإسلام. بين البشرية والربانية ، وهي أبعد مما بين الأرض والسماء في عالم الأجرام! وكانوا يعرفون مذاقها. ويدركون حلاوتها. ويشعرون بقيمتها ، ويحسون وقع فقدانها حينما انتقل رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - إلى الرفيق الأعلى ، وانقطعت هذه الفترة العجيبة التي لا يكاد العقل يتصورها لولا أنها وقعت حقا.


عن أنس - رضي اللّه عنه - قال : قال أبو بكر لعمر - رضي اللّه عنهما - بعد وفاة رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - انطلق بنا إلى أم أيمن - رضي اللّه عنها - نزورها كما كان رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - يزورها. فلما أتيا إليها بكت. فقالا لها : ما يبكيك؟ أما تعلمين أن ما عند اللّه خير لرسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - ؟ قالت : بلى ، إني لأعلم أن ما عند اللّه خير لرسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء. فهيجتهما على البكاء ، فجعلا يبكيان معها ... (أخرجه مسلم) ...
ولقد ظلت آثار هذه الفترة تعمل في حياة البشر منذ تلك اللحظة إلى هذه اللحظة ، وإلى أن يرث اللّه الأرض ومن عليها.
لقد ولد الإنسان من جديد باستمداد قيمه من السماء لا من الأرض ، واستمداد شريعته من الوحي لا من الهوى
لقد تحول خط التاريخ كما لم يتحول من قبل قط ، وكما لم يتحول من بعد أيضا. وكان هذا الحدث هو مفرق الطريق. وقامت المعالم في الأرض واضحة عالية لا يطمسها الزمان ، ولا تطمسها الأحداث. وقام في الضمير الإنساني تصور للوجود وللحياة وللقيم لم يسبق أن اتضح بمثل هذه الصورة ، ولم يجيء بعده تصور في مثل شموله ونصاعته وطلاقته من اعتبارات الأرض جميعا ، مع واقعيته وملاءمته للحياة الإنسانية. ولقد استقرت قواعد هذا المنهج الإلهي في الأرض! وتبينت خطوطه ومعالمه. «ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيّ عن بينة» .. لا غموض ولا إبهام. إنما هو الضلال عن علم ، والانحراف عن عمد ، والالتواء عن قصد! إنه الحادث الفذ في تلك اللحظة الفريدة. الحادث الكوني الذي ابتدأ به عهد في هذه الأرض وانتهى عهد.
والذي كان فرقانا في تاريخ البشر لا في تاريخ أمة ولا جيل. والذي سجلته جنبات الوجود كله وهي تتجاوب به ، وسجله الضمير الإنساني. وبقي أن يتلفت هذا الضمير اليوم على تلك الذكرى العظيمة ولا ينساها. وأن يذكر دائما أنه ميلاد جديد للإنسانية لم يشهده إلا مرة واحدة في الزمان ...

ذلك شأن المقطع الأول من السورة. فأما بقيتها فواضح أنها نزلت فيما بعد. فهي تشير إلى مواقف وحوادث في السيرة لم تجىء إلا متأخرة ، بعد تكليف الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - إبلاغ الدعوة ، والجهر بالعبادة ، وقيام المشركين بالمعارضة. وذلك ما يشير إليه قوله تعالى في السورة : «أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى؟» ... إلخ ولكن هناك تناسقا كاملا بين أجزاء السورة ، وتسلسلا في ترتيب الحقائق التي تضمنتها بعد هذا المطلع المتقدم.
يجعل من السورة كلها وحدة منسقة متماسكة ..
«اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ» ..
إنها السورة الأولى من هذا القرآن ، فهي تبدأ باسم اللّه. وتوجه الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - أول ما توجه ، في أول لحظة من لحظات اتصاله بالملأ الأعلى ، وفي أول خطوة من خطواته في طريق الدعوة التي اختير لها ..
توجهه إلى أن يقرأ باسم اللّه : «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ» ..
وتبدأ من صفات الرب بالصفة التي بها الخلق والبدء : «الَّذِي خَلَقَ».
ثم تخصص : خلق الإنسان ومبدأه : «خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ» .. من تلك النقطة الدموية الجامدة العالقة بالرحم. من ذلك المنشأ الصغير الساذج التكوين. فتدل على كرم الخالق فوق ما تدل على قدرته. فمن كرمه رفع هذا العلق إلى درجة الإنسان الذي يعلم فيتعلم : «اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ» ..

يتبع







 

رد مع اقتباس
قديم 12-03-2021, 12:46 PM   #382


البرنس مديح ال قطب متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5942
 تاريخ التسجيل :  16 - 3 - 2015
 أخر زيارة : يوم أمس (03:48 PM)
 المشاركات : 873,030 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~


سبحان الله وبحمدة
سبحان الله العظيم
لوني المفضل : Darkorange
افتراضي











تابع – سورة العلق

محور مواضيع السورة

إنها لنقلة بعيدة جدا بين المنشأ والمصير. ولكن اللّه قادر. ولكن اللّه كريم. ومن ثم كانت هذه النقلة التي تدير الرؤوس! وإلى جانب هذه الحقيقة تبرز حقيقة التعليم .. تعليم الرب للإنسان «بِالْقَلَمِ» ... لأن القلم كان وما يزال أوسع وأعمق أدوات التعليم أثرا في حياة الإنسان .. ولم تكن هذه الحقيقة إذ ذاك بهذا الوضوح الذي نلمسه الآن ونعرفه في حياة البشرية. ولكن اللّه - سبحانه - كان يعلم قيمة القلم ، فيشير إليه هذه الإشارة في أول لحظة من لحظات الرسالة الأخيرة للبشرية. في أول سورة من سور القرآن الكريم .. هذا مع أن الرسول الذي جاء بها لم يكن كاتبا بالقلم ، وما كان ليبرز هذه الحقيقة منذ اللحظة الأولى لو كان هو الذي يقول هذا القرآن.
لولا أنه الوحي ، ولولا أنها الرسالة! ثم تبرز مصدر التعليم .. إن مصدره هو اللّه. منه يستمد الإنسان كل ما علم ، وكل ما يعلم. وكل ما يفتح له من أسرار هذا الوجود ، ومن أسرار هذه الحياة ، ومن أسرار نفسه. فهو من هناك. من ذلك المصدر الواحد ، الذي ليس هناك سواه.
وبهذا المقطع الواحد الذي نزل في اللحظة الأولى من اتصال الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - بالملأ الأعلى ، بهذا المقطع وضعت قاعدة التصور الإيماني العريضة ..
كل أمر. كل حركة. كل خطوة. كل عمل. باسم اللّه. وعلى اسم اللّه. باسم اللّه تبدأ. وباسم اللّه تسير.
وإلى اللّه تتجه ، وإليه تصير.
واللّه هو الذي خلق. وهو الذي علم. فمنه البدء والنشأة ، ومنه التعليم والمعرفة .. والإنسان يتعلم ما يتعلم ، ويعلم ما يعلم .. فمصدر هذا كله هو اللّه الذي خلق والذي علم .. «عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ» ..
وهذه الحقيقة القرآنية الأولى ، التي تلقاها قلب رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - في اللحظة الأولى هي التي ظلت تصرف شعوره ، وتصرف لسانه ، وتصرف عمله واتجاهه ، بعد ذلك طوال حياته. بوصفها قاعدة الإيمان الأولى.

قال الإمام شمس الدين أبو عبد اللّه محمد بن قيم الجوزية في كتابه : «زاد المعاد في هدي خير العباد» يلخص هدي رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) في ذكر اللّه :
«كان النبي صلى اللّه عليه وسلم أكمل الخلق ذكرا للّه عز وجل. بل كان كلامه كله في ذكر اللّه وما والاه.
وكان أمره ونهيه وتشريعه للأمة ذكرا منه للّه ، وإخباره عن أسماء الرب وصفاته وأحكامه وأفعاله ووعده ووعيده ذكرا منه له ، وثناؤه عليه بآلائه وتمجيده وتحميده وتسبيحه ذكرا منه له ، وسؤاله ودعاؤه إياه ورغبته ورهبته ذكرا منه له. وسكوته وصمته ذكرا منه له بقلبه. فكان ذاكرا للّه في كل أحيانه وعلى جميع أحواله. وكان ذكره للّه يجري مع أنفاسه قائما وقاعدا وعلى جنبه ، وفي مشيته وركوبه ، وسيره ونزوله ، وظعنه وإقامته.
«وكان إذا استيقظ قال : الحمد للّه الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور. وقالت عائشة كان إذا هب من الليل كبر عشرا ، وهلل عشرا ، ثم قال : اللهم إني أعوذ بك من ضيق الدنيا وضيق يوم القيامة عشرا ، ثم يستفتح الصلاة. وقالت أيضا : كان إذا استيقظ من الليل قال : لا إله إلا أنت سبحانك. اللهم أستغفرك لذنبي وأسألك رحمتك. اللهم زدني علما ، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة ، إنك أنت الوهاب «ذكرها أبو داود». وأخبر أن من استيقظ من الليل فقال : «لا إله إلا اللّه وحده ، لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، الحمد للّه وسبحان اللّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم ثم قال : اللهم اغفر لي ، أو دعاء آخر استجيب له. فإن توضأ وصلى قبلت صلاته «ذكره البخاري».


وقال ابن عباس عنه - صلى اللّه عليه وسلم - ليلة مبيته عنده : إنه لما استيقظ رفع رأسه للسماء ، وقال العشر الآيات الخواتيم من سورة آل عمران .. «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...» إلخ ثم قال .. «اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن. ولك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن. ولك الحمد أنت الحق ، ووعدك الحق ، وقولك الحق ، ولقاؤك حق ، والجنة حق ، والنار حق ، والنبيون حق ، ومحمد حق ، والساعة حق. اللهم لك أسلمت ، وبك آمنت ، وعليك توكلت ، وإليك أنبت ، وبك خاصمت ، وإليك حاكمت ، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت. أنت إلهي لا إله إلا أنت ، ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم.
«وقد قالت عائشة - رضي اللّه عنها - كان إذا قام من الليل قال : اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهداني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم». وربما قالت : كان يفتتح صلاته بذلك.
«وكان إذا أوتر ختم وتره بعد فراغه بقوله : سبحان اللّه القدوس (ثلاثا) ويمد بالثالثة صوته.
«وكان إذا خرج من بيته يقول : بسم اللّه توكلت على اللّه ، اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل ، أو أزل ، أو أظلم أو أظلم ، أو أجهل ، أو يجهل علي (حديث صحيح).

«وقال - صلى اللّه عليه وسلم - من قال إذا خرج من بيته بسم اللّه توكلت على اللّه ولا حول ولا قوة إلا باللّه يقال له : هديت وكفيت ووقيت وتنحى عنه الشيطان» (حديث حسن).
«وقال ابن عباس عنه - ليلة مبيته عنده - : إنه خرج إلى صلاة الفجر وهو يقول : اللهم اجعل في قلبي نورا ، واجعل في لساني نورا ، واجعل في سمعي نورا ، واجعل في بصري نورا ، واجعل من خلفي نورا ، ومن أمامي نورا ، واجعل من فوقي نورا ، واجعل من تحتي نورا. اللهم أعظم لي نورا».
«وقال فضل بن مرزوق عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخدري : قال : قال رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - : «ما خرج رجل من بيته إلى الصلاة فقال : اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك ، وبحق ممشاي إليك ، فإني لم أخرج بطرا ولا أشرا ولا رياء ولا سمعة ، وإنما خرجت اتقاء سخطك ، وابتغاء مرضاتك ، أسألك أن تنقذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي ، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. إلا وكل اللّه به سبعين ألف ملك يستغفرون له ، وأقبل اللّه عليه بوجهه حتى يقضي صلاته».
وذكر أبو داود عنه - صلى اللّه عليه وسلم - أنه كان إذا دخل المسجد قال أعوذ باللّه العظيم ، وبوجهه الكريم ، وسلطانه القديم ، من الشيطان الرجيم. فإذا قال ذلك قال الشيطان : حفظ مني سائر اليوم».
وقال - صلى اللّه عليه وسلم - : «إذا دخل أحدكم المسجد فليصل وليسلم على النبي - صلى اللّه عليه وسلم - وليقل : اللهم افتح لي أبواب رحمتك ، فإذا خرج فليقل : اللهم إني أسألك من فضلك» .. وذكر عنه أنه كان إذا دخل المسجد صلى على محمد وآله وسلم ، ثم يقول : اللهم اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب رحمتك. فإذا خرج صلى على محمد وآله وسلم ، ثم يقول : اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي باب فضلك».


«وكان إذا صلى الصبح جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس يذكر اللّه عز وجل. وكان يقول إذا أصبح :
اللهم بك أصبحنا ، وبك أمسينا ، وبك نحيا ، وبك نموت ، وإليك النشور. (حديث صحيح). وكان يقول : «أصبحنا وأصبح الملك للّه ، والحمد للّه ، ولا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. رب أسألك خير ما في هذا اليوم وخير ما بعده ، وأعوذ بك من شر هذا اليوم ، وشر ما بعده رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر ، رب أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر. وإذا أمسى قال : أمسينا وأمسى الملك للّه .. إلخ (ذكره مسلم).
«وقال له أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه - مرني بكلمات أقولهن إذا أصبحت وإذا أمسيت. قال : قل :
اللهم فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، رب كل شيء مليكه ومالكه. أشهد أن لا إله إلا أنت ، أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه ، وأن أقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم. قال : قلها إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك» (حديث صحيح). «ثم ذكر أحاديث كثيرة في هذا الباب».
... «وكان - صلى اللّه عليه وسلم - إذا استجد ثوبا سماه باسمه عمامة أو قميصا أو رداء. ثم يقول : «اللهم لك الحمد ، أنت كسوتنيه ، أسألك خيره وخير ما صنع له ، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له. (حديث صحيح).
«ويذكر عنه - صلى اللّه عليه وسلم - أنه كان يقول إذا انقلب إلى بيته : «الحمد للّه الذي كفاني وآواني ، والحمد للّه الذي أطعمني وسقاني ، والحمد للّه الذي منّ علي. أسألك أن تجيرني من النار».


«وثبت عنه في الصحيحين أنه كان يقول عند دخوله الخلاء : اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث».
«وكان إذا خرج من الخلاء قال : «غفرانك» ويذكر عنه أنه كان يقول : الحمد للّه الذي أذهب عني الأذى وعافاني (ذكره ابن ماجه).
«وثبت عنه أنه وضع يدهفي الإناء الذي فيه الماء ، ثم قال للصحابة : توضأوا باسم اللّه.
«ويذكر عنه أنه كان يقول «عند رؤية الهلال» : «اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان ، والسلامة والإسلام ، ربي وربك اللّه (قال الترمذي حديث حسن).
«وكان إذا وضع يده في الطعام قال : باسم اللّه. ويأمر الآكل بالتسمية ويقول : إذا أكل أحدكم فليذكر اسم اللّه تعالى ، فإن نسي أن يذكر اسم اللّه في أوله فليقل : باسم اللّه في أوله وآخره» (حديث صحيح).
وهكذا كانت حياته كلها - صلى اللّه عليه وسلم - بدقائقها متأثرة بهذا التوجيه الإلهي الذي تلقاه في اللحظة الأولى. وقام به تصوره الإيماني على قاعدته الأصيلة العريقة ..
ولقد كان من مقتضيات تلك الحقيقة : حقيقة أن اللّه هو الذي خلق. وهو الذي علم. وهو الذي أكرم.
أن يعرف الإنسان. ويشكر. ولكن الذي حدث كان غير هذا ، وهذا الانحراف هو الذي يتحدث عنه المقطع الثاني للسورة :
«كَلَّا! إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى . أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى . إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى » ..
إن الذي أعطاه فأغناه هو اللّه. كما أنه هو الذي خلقه وأكرمه وعلمه. ولكن الإنسان في عمومه - لا يستثنى إلا من يعصمه إيمانه - لا يشكر حين يعطى فيستغني ولا يعرف مصدر النعمة التي أغنته ، وهو المصدر الذي أعطاه خلقه وأعطاه علمه .. ثم أعطاه رزقه .. ثم هو يطغى ويفجر ، ويبغي ويتكبر ، من حيث كان ينبغي أن يعرف ثم يشكر.

يتبع










 

رد مع اقتباس
قديم 12-03-2021, 12:49 PM   #383


البرنس مديح ال قطب متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5942
 تاريخ التسجيل :  16 - 3 - 2015
 أخر زيارة : يوم أمس (03:48 PM)
 المشاركات : 873,030 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~


سبحان الله وبحمدة
سبحان الله العظيم
لوني المفضل : Darkorange
افتراضي










تابع – سورة العلق

محور مواضيع السورة

وحين تبرز صورة الإنسان الطاغي الذي نسي نشأته وأبطره الغنى ، يجيء التعقيب بالتهديد الملفوف : «إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى »
فأين يذهب هذا الذي طغى واستغنى؟
وفي الوقت ذاته تبرز قاعدة أخرى من قواعد التصور الإيماني. قاعدة الرجعة إلى اللّه. الرجعة إليه في كل شيء وفي كل أمر ، وفي كل نية ، وفي كل حركة ، فليس هناك مرجع سواه. إليه يرجع الصالح والطالح.
والطائع والعاصي. والمحق والمبطل. والخير والشرّير. والغني والفقير .. وإليه يرجع هذا الذي يطغى أن رآه استغنى. ألا إلى اللّه تصير الأمور .. ومنه النشأة وإليه المصير ..
وهكذا تجتمع في المقطعين أطراف التصور الإيماني .. الخلق والنشأة. والتكريم والتعليم .. ثم .. الرجعة والمآب للّه وحده بلا شريك : «إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى »
ثم يمضي المقطع الثالث في السورة القصيرة يعرض صورة من صور الطغيان : صورة مستنكرة يعجب منها ، ويفظع وقوعها في أسلوب قرآني فريد.
«أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى؟ أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى ؟ أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى؟ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى ؟».
والتشنيع والتعجيب واضح في طريقة التعبير ، التي تتعذر مجاراتها في لغة الكتابة. ولا تؤدّى إلا في أسلوب الخطاب الحي. الذي يعبر باللمسات المتقطعة في خفة وسرعة! «أَرَأَيْتَ»؟ أرأيت هذا الأمر المستنكر؟ أرأيته يقع؟ «أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى؟».


أرأيت حين تضم شناعة إلى شناعة؟ وتضاف بشاعة إلى بشاعة؟ أرأيت إن كان هذا الذي يصلي ويتعرض له من ينهاه عن صلاته .. إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى؟ ثم ينهاه من ينهاه. مع أنه على الهدى ، آمر بالتقوى؟.
أرأيت إن أضاف إلى الفعلة المستنكرة فعلة أخرى أشد نكرا؟ «أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى؟».
هنا يجيء التهديد الملفوف كما جاء في نهاية المقطع الماضي : «أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى ؟» يرى تكذيبه وتوليه.
ويرى نهيه للعبد المؤمن إذا صلى ، وهو على الهدى ، آمر بالتقوى. يرى. وللرؤية ما بعدها! «أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى !».
وأمام مشهد الطغيان الذي يقف في وجه الدعوة وفي وجه الإيمان ، وفي وجه الطاعة ، يجيء التهديد الحاسم الرادع الأخير ، مكشوفا في هذه المرة لا ملفوفا : «كَلَّا. لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ. ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ. فَلْيَدْعُ نادِيَهُ. سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ».
إنه تهديد في إبانه. في اللفظ الشديد العنيف : «كَلَّا. لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ». هكذا «لَنَسْفَعاً» بهذا اللفظ الشديد المصور بجرسه لمعناه. والسفع : الأخذ بعنف. والناصية : الجبهة.
أعلى مكان يرفعه الطاغية المتكبر. مقدم الرأس المتشامخ : إنها ناصية تستحق السفع والصرع : «ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ»! وإنها للحظة سفع وصرع. فقد يخطر له أن يدعو من يعتز بهم من أهله وصحبه : «فَلْيَدْعُ نادِيَهُ» أما نحن فإننا «سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ» الشداد الغلاظ .. والمعركة إذن معروفة المصير! وفي ضوء هذا المصير المتخيل الرعيب ..

تختم السورة بتوجيه المؤمن الطائع إلى الإصرار والثبات على إيمانه وطاعته ..
«كَلَّا. لا تُطِعْهُ ، وَاسْجُدْ ، وَاقْتَرِبْ.»
كلا! لا تطع هذا الطاغي الذي ينهى عن الصلاة والدعوة. واسجد لربك واقترب منه بالطاعة والعبادة.
ودع هذا الطاغي. الناهي. دعه للزبانية! ولقد وردت بعض الروايات الصحيحة بأن السورة - عدا المقطع الأول منها - قد نزلت في أبي جهل إذ مر برسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وهو يصلي عند المقام. فقال (يا محمد. ألم أنهك عن هذا؟ وتوعده.
فأغلظ له رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وانتهره ..) ولعلها هي التي أخذ فيها رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - بخناقه وقال له : «أولى لك ثم أولى» فقال : يا محمد بأي شيء تهددني؟ أما واللّه إني لأكثر هذا الوادي ناديا ، فأنزل اللّه : «فَلْيَدْعُ نادِيَهُ ...» وقال ابن عباس لو دعا ناديه لأخذته ملائكة العذاب من ساعته.
ولكن دلالة السورة عامة في كل مؤمن طائع عابد داع إلى اللّه. وكل طاغ باغ ينهى عن الصلاة ، ويتوعد على الطاعة ، ويختال بالقوة .. والتوجيه الرباني الأخير : «كَلَّا! لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ» ..
وهكذا تتناسق مقاطع السورة كلها وتتكامل إيقاعاتها ...

قال محمد الغزالي:


كان النبي صلى الله عليه وسلم يذهب إلى غار حراء بين الحين والحين، يخلو بنفسه بعيدا عن لغط الجاهلية ويرسل النظر عميقا في آفاق الكون مستشعرا اليقين والخشوع أمام مبدع هذا الملكوت. إنه يزدرى الأصنام وعبادتها، ويكره ما قام في ظلها من مراسم وتقاليد، ولكنه لا يدرى أكثر من هذا!! حتى فجأه صوت غريب (اقرأ...) قال ما أنا بقارئ! وتكرر الصوت والرد. ثم استمع إلى تمام الأمر {اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم}. هذه الآيات الخمس هي أول ما نزل على قلب الرسول من قرأن، ثم نزلت بقايا السورة بعد ذلك. إن الذي خلق الإنسان من علقة، قادر على أن يجعل الأمى عالما. ومحمد ما تطلع إلى وحى أو رسالة، فقد بوغت بما كان، فلما استيقن من اصطفاء الله له شرع يبنى الأمة الجديدة كما فعل من قبل إبراهيم وموسى. والباحث النزيه في سيرته وفى كتابه وفى جهاده يدرك أن محمدا بلغ المدى وزاد، ويوقن بأن العالم لم يعرف أماما يدانيه في شمائله وفضائله. وبعد فترة نزلت الآيات {كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى إن إلى ربك الرجعى}. إن الحاجة قد تذل إنسانا، لكن لم إذا يطغى إذا اغتنى؟ حسبه أن يعتدل فلا يصغر ولا يكبر. بيد أن كثيرا من الناس إذا أثرى احتقر الآخرين وتمرد على الحق! حساب أولئك في الآخرة! وذكرت السورة الكافر الذي يكذب بآيات ربه وينهى عن الصلاة والطهارة {أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى...}. وفى سورة المدثر، ذكرت هذه الصفات وزيادة {ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين}. على هذا دارت المعركة بين محمد وخصومه بضعة عشر عاما في مكة..وستبقى دائرة إلى يوم الدين، لأن جماهير الكافرين ترفض الصلاة والزكاة. إنها تمارى في وجود الله وفى لقائه وفى الاستماع إلى أمره ونهيه. والإسلام بخاصة موضع السخط، لأنه لا يهادن في وجوب السمع والطاعة {أرأيت إن كذب وتولى ألم يعلم بأن الله يرى}. وستنشب المعركة حتما بين فريقين: أحدهما مرتبط بالحلال والحرام والحق والواجب. والآخر يرى الإنسان سيد نفسه، وليس لأحد عليه سلطان توجيه!! {كلا لئن لم ينته لنسفعن بالناصية}. السفع القبض على المرء مع جذبه من ناصيته على نحو لا يستطيع معه الإفلات. {ناصية كاذبة خاطئة}. وقد سمع رؤساء مكة هذا التحدى ولم يصنعوا شيئا.

الأحاديث الواردة في السورة الكريمة:
قال الزيلعي:
سورة العلق ذكر فِيهَا سِتَّة أَحَادِيث:
الحَدِيث الأول:
رُوِيَ أَن أَبَا جهل قال لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم أتزعم أَن من استغنى طَغى فَاجْعَلْ لنا جبال مَكَّة ذَهَبا وَفِضة لَعَلَّنَا نَأْخُذ مِنْهَا فَنَطْغَى فَنَدَع ديننَا وَنَتبع دينك فَنزل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقال إِن شِئْت فعلنا ذَلِك ثمَّ إِن لم يُؤمنُوا فعلنَا بهم مَا فعلنَا بِصَاحِب الْمَائِدَة فَكف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ عَن الدُّعَاء إبْقَاء عَلَيْهِم.
الحَدِيث الثاني:
رُوِيَ أَن أَبَا جهل قال لقريش هَل يعفر مُحَمَّد وَجهه بَين أظهركم قالوا نعم قال فوالذي يحلف بِهِ لَئِن رَأَيْته لَأَطَأَن عُنُقه فَجَاءَهُ ثمَّ نكص عَلَى عَقِبَيْهِ فَقالوا مَالك يَا أَبَا الحكم قال إِن بيني وَبَينه لَخَنْدَقًا من نَار وَهولا وَأَجْنِحَة.
قلت رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه فِي صفة الْقِيَامَة من حَدِيث أبي حَازِم عَن أبي هُرَيْرَة قال قال أَبُو جهل هَل يعفر مُحَمَّد وَجهه بَين أظهركم قالوا نعم. قال وَاللات والعزى لَئِن رَأَيْته يفعل ذَلِك لَأَطَأَن عَلَى رقبته أَو لأُعَفِّرَنَّ وَجهه فِي التُّرَاب قال فَأَتَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلِّي زعم ليَطَأ عَلَى رقبته قال فَمَا فَجِئَهُمْ إِلَّا وَهُوَ يَنْكص عَلَى عَقِبَيْهِ وَيَتَّقِي بيدَيْهِ فَقيل لَهُ مَالك قال إِن بيني وَبَينه لَخَنْدَقًا من نَار وَهولا وَأَجْنِحَة فَقال النَّبِي صلى الله عليه وسلم: «لَو دنا مني لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَة عضوا عضوا» قال وَأنزل الله تعالى: {كلا إِن الإنسان ليطغى} إِلَى آخرهَا انتهى.

الأحاديث الواردة في السورة الكريمة:

الحَدِيث الثَّالِث:
رُوِيَ أَن أَبَا جهل مر برَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلِّي فَقال ألم أَنْهَك فَأَغْلَظ لَهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقال أَتُهَدِّدُنِي وَأَنا أَكثر أهل الْوَادي نَادِيًا فَنزلت {فَليدع ناديه} الْآيَة.
قلت رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ بتغيير يسير من حَدِيث أبي خَالِد الْأَحْمَر سُلَيْمَان ابْن حبَان ثَنَا دَاوُد بن أبي هِنْد عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قال كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فجَاء أَبُو جهل فَقال الم أَنْهَك عَن هَذَا فنهره النَّبِي صلى الله عليه وسلم قال أَبُو جهل إِنَّه ليعلم مَا بهَا نَاد أَكثر مني فَأنزل الله تعالى: {فَليدع ناديه} الْآيَة قال ابْن عَبَّاس وَالله لَو دَعَا ناديه لَأَخَذته زَبَانِيَة الله انتهى.
قال التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب انتهى.
رَوَاهُ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك وَقال صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ، وَعَن الْحَاكِم رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة، وَرَوَاهُ احْمَد وَابْن أبي شيبَة وَالْبَزَّار فِي مسانيدهم، وَرَوَاهُ الطَّبَرِيّ فِي تَفْسِيره... فَذكره بِلَفْظ المُصَنّف سَوَاء زَاد عَلَيْهِ قول ابْن عَبَّاس أَيْضا.
وَكَذَلِكَ ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره عن علي بن مسْهر عَن دَاوُد بن أبي هِنْد بِلَفْظ المُصَنّف سَوَاء.

( يتبع )










 

رد مع اقتباس
قديم 12-03-2021, 12:51 PM   #384


البرنس مديح ال قطب متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5942
 تاريخ التسجيل :  16 - 3 - 2015
 أخر زيارة : يوم أمس (03:48 PM)
 المشاركات : 873,030 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~


سبحان الله وبحمدة
سبحان الله العظيم
لوني المفضل : Darkorange
افتراضي










تابع – سورة العلق

الأحاديث الواردة في السورة الكريمة:

الحَدِيث الرَّابِع:
عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قال: «لَو دَعَا ناديه لَأَخَذته الزبانية عيَانًا».
قلت رَوَاهُ النَّسَائِيّ من طَرِيق عبد الرَّزَّاق أَنا معمر عَن عبد الْكَرِيم الْجَزرِي عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قوله تعالى: {سَنَدع الزبانية} قال قال النَّبِي صلى الله عليه وسلم: «لَو فعل أَبُو جهل لَأَخَذته الْمَلَائِكَة عيَانًا» انتهى وَتقدم هَذَا من قول ابْن عَبَّاس.
وَرَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره من طرق بِلَفْظ النَّسَائِيّ سَوَاء.
الحَدِيث الْخَامِس:
فِي الحَدِيث «اقْربْ مَا يكون العَبْد من ربه إِذا سجد».
قلت رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه فِي الصَّلَاة من حَدِيث أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة قال قال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «اقْربْ مَا يكون العَبْد من ربه وَهُوَ ساجد فَأَكْثرُوا الدُّعَاء» انتهى.
الحَدِيث السَّادِس:
عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ سُورَة العلق أعطي من الْأجر كَأَنَّمَا قرأ الْمفصل كُله»
قلت رَوَاهُ الثَّعْلَبِيّ من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَمْرو ثَنَا يُوسُف بن عَطِيَّة ثَنَا هَارُون بن كثير عَن زيد بن أسلم عَن أَبِيه عَن أبي أمامة عَن أبي بن كَعْب قال قال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ {اقرأ باسم رَبك...}...» إِلَى آخِره، وَرَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره بسنديه فِي آل عمرَان، وَرَوَاهُ الواحدي فِي الْوَسِيط بِسَنَدِهِ فِي يُونُس.

( يتبع – سورة القدر )









 

رد مع اقتباس
قديم 12-03-2021, 12:57 PM   #385


البرنس مديح ال قطب متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5942
 تاريخ التسجيل :  16 - 3 - 2015
 أخر زيارة : يوم أمس (03:48 PM)
 المشاركات : 873,030 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~


سبحان الله وبحمدة
سبحان الله العظيم
لوني المفضل : Darkorange
افتراضي




















سورة القدر

التعريف بالسورة :
مكية .
من المفصل .
آياتها 5 .
ترتيبها بالمصحف السابعة والتسعون .
نزلت بعد سورة عبس .
بدأت باسلوب توكيد " إِنَّا أنزلناه في ليلة القدر "

سبب التسمية :
سُميت ‏‏ ‏سُورَةُ ‏القَدْرِ ‏‏ ؛ ‏لِتِكْرَارِ ‏ذِكْرِ ‏لَيْلَةِ ‏القَدْرِ ‏فِيهَا ‏‏، ‏وَعِظَمِ ‏شَرَفِهَا.

سبب نزول السورة :

أخرج ابن أبي حاتم والواحدي عن مجاهد : أن رسول الله ذكر رجلاً من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر ، فعجب المسلمون من ذلك فأنزل الله ( إنا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر ) التي لبس ذلك الرجل السلاح فيها في سبيل الله.

محور مواضيع السورة :

يَدُورُ مِحْوَرُ السُّورَةِ حَوْلَ بَدْءِ نُزُولِ القُرآنِ العَظِيمِ ، وَعَنْ فَضْلِ لَيْلَةِ القَدْرِ عَلَى سَائِرِ الأَيـَّامِ وَالشُّهُورِ ، لمَا فِيهَا مِنَ الأَنْوَارِ وَالتَّجَلِّيَاتِ القُدْسِيـَّةِ ، وَالنَّفَحَاتِ الرَّبـَّانِيـَّةِ ، الَّتِي يُفِيضُهَا البَارِي جَلَّ وَعَلاَ عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ ؛ تَكْرِيمَاً لِنُزُولِ القُرآنِ المُبِينِ ، كَمَا تَحَدَّثَتْ عَنْ نُزُولِ المَلاَئـِكَةِ الأَبْرَارِ حَتَّى طُلُوعِ الفَجْرِ فَيَا لَهَا مِنْ لَيْلَةٍ عَظِيمَةِ القَدْرِ ، هِيَ خَيْرٌ عِنْدَ الَّلهِ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ
قال البقاعي:
سورة القدر مقصودها تفصيل الأمر الذي هو أحد قسمي ما ضمنه مقصود {اقرأ} وعلى ذلك دل اسمها لأن الليلة فضلت به، فهو من إطلاق المسبب على السبب، وهو دليل لمن يقول باعتبار تفضيل الأوقات لأجل ما كان فيها، كما قال ذلك اليهودي في اليوم الذي نزل فيه قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم} [المائدة: 3] وأفرده الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه على ذلك وأعلمه أنه صار لنا عيدين: عيدا من جهة كونه يوم عرفة، وعيدا من جهة كونه يوم جمعة.
و معظم مقصود السورة بيان شرف ليلة القدر في نصِّ القرآن، ونزول الملائكة المقرّبين من عند الرحمن، واتصال سلامهم طَوال الليل على أَهل الإِيمان، في قوله: {حَتَّى مَطْلَعِ الفجر}.


قال ابن عاشور:
سميت هذه السورة في المصاحف وكتب التفسير وكتب السنة (سورة القَدْر) وسماها ابن عطية في (تفسيره) وأبو بكر الجصّاص في (أحكام القرآن) (سورة ليلة القدر).
وهي مكية في قول الجمهور وهو قول جابر بن زيد ويُروى عن ابن عباس.
وعن ابن عباس أيضًا والضحاك أنها مدنية ونسبه القرطبي إلى الأكثر.
وقال الواقدي: هي أول سورة نزلت بالمدينة ويرجحه أن المتبادر أنها تتضمن الترغيب في إحياء ليلة القدر وإنما كان ذلك بعد فرض رمضان بعدَ الهجرة.
وقد عدها جابر بن زيد الخامسة والعشرين في ترتيب نزول السور، نزلت بعد سورة عبس وقبل سورة الشمس، فأما قول من قالوا إنها مدنية فيقتضي أن تكون نزلت بعد المطففين وقبل البقرة.
وآياتها خمس في العدد المدني والبصري والكوفي، وستّ في العدّ المكي والشامي.
ومن أغراض السورة :
التنويه بفضل القرآن وعظمتِه بإسناد إنزاله إلى الله تعالى...
والردُّ على الذين جحدوا أن يكون القرآن منزلًا من الله تعالى.
ورفع شأن الوقت الذي أنزل فيه ونزول الملائكة في ليلةِ إنزاله.
وتفضيلُ الليلة التي توافق ليلةَ إنزاله من كل عام.
ويستتبع ذلك تحريض المسلمين على تحيّن ليلة القدر بالقيام والتصدق. اهـ.


.قال الصابوني:
* سورة القدر مكية، وقد تحدثت عن بدء نزول القرآن العظيم، وعن فضل ليلة القدر، على سأئر الأيام والشهور، لا فيها من الأنوار والتجليات القدسية، والنفحات الربانية، التي يفيضها الباري جل وعلا على عباده المؤمنين، تكريما لنزول القرآن المبين، كما تحدثت عن نزول الملائكة الأبرار حتى طلوع الفجر، فيا لها من ليلتة عظيمة القدر، هي خير عند الها من ألف شهر.

قال سيد قطب
الحديث في هذه السورة عن تلك الليلة الموعودة المشهودة التي سجلها الوجود كله في فرح وغبطة وابتهال.
ليلة الاتصال المطلق بين الأرض والملأ الأعلى. ليلة بدء نزول هذا القرآن على قلب محمد - صلى اللّه عليه وسلم - ليلة ذلك الحدث العظيم الذي لم تشهد الأرض مثله في عظمته ، وفي دلالته ، وفي آثاره في حياة البشرية جميعا.
العظمة التي لا يحيط بها الإدراك البشري : «إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ؟» .. «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ»


والنصوص القرآنية التي تذكر هذا الحدث تكاد ترف وتنير. بل هي تفيض بالنور الهادئ الساري الرائق الودود. نور اللّه المشرق في قرآنه : «إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ» ونور الملائكة والروح وهم في غدوهم ورواحهم طوال الليلة بين الأرض والملأ الأعلى :
«تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ» .. ونور الفجر الذي تعرضه النصوص متناسقا مع نور الوحي ونور الملائكة ، وروح السلام المرفرف على الوجود وعلى الأرواح السارية في هذا الوجود : «سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ».
والليلة التي تتحدث عنها السورة هي الليلة التي جاء ذكرها في سورة الدخان : «إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ، إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ، فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ. أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ. رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» .. والمعروف أنها ليلة من ليالي رمضان ، كما ورد في سورة البقرة : «شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ، هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ» .. أي التي بدأ فيها نزول القرآن على قلب الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - ليبلغه إلى الناس. وفي رواية ابن إسحاق أن أول الوحي بمطلع سورة العلق كان في شهر رمضان ، ورسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - يتحنث في غار حراء.

( يتبع )






..









 

رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
التعريف , الصور , النزول , القرآن , الكريم , بصور , ومحاور , وأسباب , ومقاصد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
معلومات قرآنية البرنس مديح ال قطب (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) 16 29-11-2020 01:14 PM
ختم القرآن من الأعمال الجليلة البرنس مديح ال قطب (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) 16 06-07-2020 06:12 PM
معجزة الإسلام الخالدة البرنس مديح ال قطب (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) 18 05-03-2020 09:14 PM
تعرف على القرآن الكريم 2 تيماء (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) 24 29-12-2018 10:05 PM
أسرار التكرار في القرآن الكريم ميارا (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) 11 13-02-2013 11:33 PM

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

الساعة الآن 10:33 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010