ننتظر تسجيلك هنا


الإهداءات


العودة   منتدى همسات الغلا > ¨°o.O (المنتديات الاسلاميه) O.o°¨ > (همسات القرآن الكريم وتفسيره )

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-08-2017, 01:33 PM   #22


تيماء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7482
 تاريخ التسجيل :  27 - 10 - 2016
 أخر زيارة : 02-01-2023 (09:51 PM)
 المشاركات : 106,303 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Lebanon
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Floralwhite
شكراً: 445
تم شكره 511 مرة في 344 مشاركة
افتراضي




الثواب في القرآن



ألفاظ (الثواب) في القرآن






مبدأ الثواب والعقاب، سواء أكان الثواب والعقاب ماديًا أم معنويًا، أمر قررته شرائع السماء، وأقرته شرائع الأرض، وقامت عليه حياة الناس في الأولى والآخرة، وفي القديم والحديث؛ قال تعالى: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} (النحل:97) .
وقد حفل القرآن الكريم بالعديد من الألفاظ المتعلقة بمبدأ (الثواب) و(العقاب)؛ فمن تلك الألفاظ المتعلقة بمبدأ (الثواب)، لفظ (لأجر، وقد ورد هذا اللفظ في أكثر من تسعين موضعًا في القرآن الكريم، من ذلك قوله تعالى: {بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه} (البقرة2)؛ ومنها لفظ (الحساب)، وقد ورد في القرآن - كاسم - في نحو سبعة وثلاثين موضعًا، منها قوله تعالى: {والله يرزق من يشاء بغير حساب} (البقرة:212)؛ ومنها لفظ ( الجزاء )، وورد في القرآن - كاسم - في أكثر من ثلاثين موضعًا، من ذلك قوله سبحانه: {وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى} (الكهف)؛ ناهيك عن لفظ ( الثواب )، الذي ذُكر في القرآن - كاسم - في تسعة مواضع، منها قوله سبحانه: {ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها} (آل عمران:145) .
والحديث عن هذه الألفاظ الأربعة، يتركز على ثلاثة جوانب، أولها: معناها اللغوي؛ وثانيها: معناها القرآني؛ وثالثها: ما جاء بينها من فروق معتبرة.
الأجر
لفظ ( أجر ) من حيث اللغة، يفيد أمرين؛ أحدهما: الكراء على العمل؛ يقال: أجر فلان فلانًا، يأجره أجرًا: أعطاه الشيء بأجرة؛ ويقال: آجر فلان فلانًا: أعطاه الأجرة؛ ويقال: آجره الله، وأجره الله، كلاهما بمعنى. وثانيهما: جبر العظم المكسور؛ يقال: أُجرت يده، إذا جُبر عظمها المكسور. والمعنى الجامع بينهما: أن أجرة العامل كأنها شيء يُجبر به حاله، فيما لحقه من تعب وكد فيما عمله.
ثم إن مصطلح (الأجر) في القرآن، جاء على أربعة معان:
أحدها: بمعنى مهور الزوجات، ومنه قوله تعالى: {فآتوهن أجورهن فريضة} (النساء:24) أي: مهورهن.
ثانيها: بمعنى ثواب الطاعة، ومنه قوله سبحانه: {ولنجزين الذين صبروا أجرهم} (النحل:96) أي: ثوابهم؛ ومصطلح (الأجر) بمعنى (الثواب) إطلاقه كثير في القرآن.
ثالثها: بمعنى المقابل المادي على عمل ما، ومنه قوله تعالى: {وما تسألهم عليه من أجر} (يوسف)، وقوله سبحانه: {أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون} (الطور:40).
رابعها: بمعنى نفقة المرضعات، كقوله تعالى: {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} (الطلاق:6)، أي: نفقة الرضاع.
الحساب
لفظ (حسب) لغة، يدل على أمور أربعة:
أولها: العد والعدد؛ يقال: حسبت الشيء أحسبه حَسبًا وحُسبانًا؛ ومن هذا الباب (الحَسَب) الذي يعد منه الإنسان؛ يقال: فلان ذو حسب: إذا انتسب إلى عائلة شريفة. ومنه قولهم: احتسب فلان ابنه: إذا مات ولده، فإنه يحسبه ذخرًا له عند الله؛ ومنه أيضًا، قولهم: فلان حسن الحسبة بالأمر: إذا كان حسن التدبير له، والقيام به على الوجه المطلوب والمأمول.
ثانيها: الكفاية؛ تقول: شيء حساب، أي: كاف؛ ويقال: أحسبت فلانًا: إذا أعطيته ما يرضيه؛ ومن هذا الباب، قولهم: حسبك هذا: أي يكفيك.
ثالثها: الحسبان، جمع حُسبانة؛ وهي الوسادة الصغيرة، التي يتكئ عليها الإنسان؛ يقال: حسَّبتُ الرجل أُحَسِّبه: إذا أجلسته ووسَّدته الوسادة.
رابعها: الأحسب، الذي ابيضت جلدته من داء، ففسدت شعرته، كأنَّه أبرص .
وأكثر نصوص الشرع وردت على المعنى الأول والثاني؛ فمن الأول، قوله تعالى: {الشمس والقمر بحسبان} ( الرحمن:5)؛ ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (من نوقش الحساب عذب) متفق عليه؛ ومن الثاني، قوله تعالى: {وقالوا حسبنا الله} (آل عمران:173)، أي: كافينا؛ ومنه ما في "الصحيحين"، من قول عائشة رضي الله عنها: (حسبكم القرآن)، أي: يكفيكم كتاب الله، فيما أنتم فيه مختلفون.
ثم إن لفظ (الحساب) في القرآن، جاء على معان عديدة:
أولها: بمعنى الكثرة، ومنه قوله تعالى: {عطاء حسابا} (النبأ:36)، أي: كثيرًا.
ثانيها: بمعنى الأجر والثواب، ومنه قوله تعالى: {إن حسابهم إلا على ربي} (الشعراء3)، أي: أجرهم.
ثالثها: بمعنى العقوبة والعذاب، ومنه قوله تعالى: {إنهم كانوا لا يرجون حسابا} (النبأ:27)، أي: لا يخافون عذابًا.
رابعها: بمعنى الكفاية، ومنه قوله تعالى: {قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا} (المائدة4)، أي: يكفينا ما وجدنا عليه الاباء والأجداد من الطرائق والمسالك.
خامسها: بمعنى الحفيظ، ومنه قوله تعالى: {إن الله كان على كل شيء حسيبا} (النساء:68)، أي: حفيظًا.
سادسها: بمعنى الشاهد الحاضر، ومنه قوله تعالى: {كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} (الإسراء:14)، أي: شهيدًا.
سابعها: بمعنى العرض على الملك الأكبر، ومنه قوله تعالى: {يوم يقوم الحساب} (إبراهيم:41)، أي: العرض على الرحمن.
ثامنها: بمعنى العدد، ومنه قوله تعالى: {لتعلموا عدد السنين والحساب} (يونس:5)، أي: عدد الأيام.
تاسعها: بمعنى المنَّة، ومنه قوله تعالى: {يرزقون فيها بغير حساب} (غافر:40)، أي: بغير منِّة عليهم، ولا تقتير؛ وهذا معنى من المعاني الذي فسرت به الآية.
عاشرها: دوران الكواكب في الفلك، ومنه قوله تعالى: {الشمس والقمر بحسبان} (الرحمن:5)، أي: يدوران حول القطب كدوران الرحى.
حادي عاشرها: الحِسبان، بمعنى الظن، ومنه قوله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا} (آل عمران:169)، أي: لا تظنوا ذلك؛ وهذا الاستعمال في القرآن كثير .
الجزاء
(الجزاء) لغة يطلق على معان ثلاثة؛ أولها: الكفاية، يقال: جازيك فلان، أي: كافيك؛ وثانيها: المكافأة بالشيء، يقال: جزيته كذا وبكذا؛ وثالثها: المقابلة على الفعل، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر. ولم يجئ في القرآن إلا (جزى) دون (جازى)؛ وذاك أن (المجازاة) هي المكافأة، والمقابلة بين طرفين، وهي مقابلة نعمة بنعمة هي كفؤها. ونعمة الله تتعالى عن ذلك، ولهذا لا يستعمل لفظ (المكافأة) في حق الله سبحانه.
ولفظ (الجزاء) ورد في القرآن على ستة معان:
أولها: بمعنى المكافأة والمقابلة، ومنه قوله تعالى: {وما لأحد عنده من نعمة تجزى} (الليل:19)، أي: تقابل وتكافأ.
ثانيها: بمعنى الأداء والقضاء، ومنه قوله تعالى: {واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا} (البقرة:48)، أي: لا تقضي ولا تؤدي.
ثالثها: بمعنى: الغُنية والكفاية، ومنه قوله تعالى: {واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده} (لقمان:33)، أي: لا يغني ولا يكفي.
رابعها: بمعنى العوض والبدل، ومنه قوله تعالى: {فجزاء مثل ما قتل من النعم} (المائدة:95)، أي: فبدله ومبدله.
خامسها: المبلغ الذي يدفعه أهل الذمة المقيمين في دار الإسلام، ومنه قوله تعالى: {حتى يعطوا الجزية عن يد} (التوبة:29)، أي: حتى يدفعوا ما يقدره الإمام على فرد منهم.
سادسها: بمعنى ثواب الخير والشر، ومنه قوله تعالى: {اليوم تجزى كل نفس بما كسبت} (غافر:17)، أي: إن خيرً فخير، وإن شرًا فشر.
ثم الجزاء على الخير والشر في القرآن، يطلق على أمور؛ فمن إطلاقات الجزاء على الخير: الجزاء على الإحسان، قال تعالى: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} (الرحمن:60)؛ ومنه الجزاء على شكر الصنيع، قال تعالى: {إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا} (الإنسان:22)؛ ومنه الجزاء على الصبر، قال تعالى: {وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا} (الإنسان)، ومنه الجزاء على فعل الخيرات وعمل الصالحات، قال تعالى: {جزاء بما كانوا يعملون} (السجدة:17) .
ومن إطلاقات الجزاء على الشر: الجزاء على كسب السيئات وعمل المعاصي، قال تعالى: {هل تجزون إلا ما كنتم تعملون} (النمل:90)؛ والجزاء على عداوة أهل الحق، قال تعالى: {ذلك جزاء أعداء الله النار} (فصلت:28)؛ والجزاء على القول الباطل، قال تعالى: {اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق} (الأنعام:93).
الثواب
لفظ (ثوب) لغة، يدل على العود والرجوع؛ يقال: ثاب يثوب، إذا رجع. و(المثابة): المكان الذي يثوب إليه الناس، قال تعالى: {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا} (البقرة5)، معناه: مكانًا يثوب الناس إليه على مرور الأَوقات. و(الثواب): ما يرجع إِلى الإنسان من جزاء أعماله.
ولفظ (الثواب) ورد في القرآن على خمسة معان:
أولها: بمعنى جزاء الطاعة، ومنه قوله تعالى: {نعم الثواب وحسنت مرتفقا} (الكهف:31)، أي: نعم الأجر والثواب.
ثانيها: بمعنى الفتح والظفر والغنيمة، ومنه قوله تعالى: {فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة} (آل عمران:148)، فثواب الدنيا: هو الفتح والنصر والغنيمة.
ثالثها: بمعنى وعد الكرامة، ومنه قوله تعالى: {فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار} (المائدة5)، أي: وعدهم.
رابعها: بمعنى الزيادة على الزيادة، ومنه قوله تعالى: {فأثابكم غما بغم} (آل عمران:153)، أي: زادكم غمًا على غم.
خامسها: بمعنى الراحة والخير، ومنه قوله تعالى: {من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة} (النساء:134)، أي: عند الله الراحة والخير.
ثم إن أهل العلم يذكرون فروقًا بين بعض هذه الألفاظ؛ من ذلك، أن لفظ (الثواب) يقال في الخير والشر، لكن الأكثر استعماله في الخير، قال تعالى: {ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب} (آل عمران:195)؛ وكذلك لفظ (المثوبة)، قال تعالى: {ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير} (البقرة3)؛ وقال سبحانه: {قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله} (آل عمران:60)؛ و( الإثابة ) تستعمل في المحبوب كثيرًا، قال تعالى: {فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار} (المائدة5)، وفي المكروه قليلاً، قال تعالى: {فأثابكم غما بغم} (آل عمران:153)؛ ولفظ (التثويب) لم يرد في القرآن إلا فيما يكره، قال تعالى: {هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون} (المطففين:36) .
ولفظ (الثواب)، وإن كان في اللغة يطلق على الجزاء الدنيوي والأخروي، إلا أنه قد اختص في العرف بالجزاء الأخروي على الأعمال الصالحة من العقائد الحقة، والأعمال البدنية والمالية، بحيث لا يتبادر منه عند الإطلاق إلا هذا المعنى؛ في حين أن مصطلح (الأجر) يطلق على الجزاء الدنيوي والأخروي معًا.
ومن الفروق بينهما، أن (الأجر) يكون قبل الفعل المأجور عليه؛ لأنك تقول: ما أعمل حتى آخذ أجري، ولا تقول: لا أعمل حتى آخذ ثوابي؛ لأن الثواب لا يكون إلا بعد العمل، قال تعالى: {يا أبت استأجره إن خير من استأجرت} (القصص:26)، وقال أيضًا: {على أن تأجرني ثماني حجج} (القصص:27).
والأصل في معنى (الأجر) ما يعود من ثواب العمل، دنيويًا أو أَخرويًا؛ لكن جرى استعمال (الأجرة) في الثواب الدنيوي، واستعمال (الأجر) في الثواب الأخروي.
وذكروا من الفروق بين لفظ (الأجر) ولفظ (الجزاء)، أن (الأجر) يقال فيما كان من عقد، كالإجارة على عمل ما؛ وما كان يجري مجرى العقد، كإعطاء أجر مادي لمن يقوم بخدمة ما، من غير اتفاق مسبق؛ أما (الجزاء)، فيقال فيما كان من عقد، كأن تعطي عاملاً يعمل لديك جزاءً على عمله، أي: أجرًا؛ ويقال كذلك في غير العقد، كأن تعطي الطالب جزاء ما، بسبب جده ونشاطه؛ وثمة فارق آخر بينهما، وهو أن لفظ (الأجر) لا يقال إلا في النفع دون الضر؛ أما لفظ (الجزاء)، فيقال في النافع والضار.



 

رد مع اقتباس
قديم 03-08-2017, 01:34 PM   #23


تيماء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7482
 تاريخ التسجيل :  27 - 10 - 2016
 أخر زيارة : 02-01-2023 (09:51 PM)
 المشاركات : 106,303 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Lebanon
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Floralwhite
شكراً: 445
تم شكره 511 مرة في 344 مشاركة
افتراضي




الكثرة في القرآن



من ألفاظ (الكثرة) في القرآن





من الألفاظ القرآنية التي تشترك في معنى واحد من حيث الأصل اللغوي، مع وجود بعض الفوارق من حيث المعنى الدلالي، نقف على الألفاظ التالية: (جمَّ)، و(غدق)، و(لبد)، و(كثر).
وقد ورد اللفظ الأول (جمَّ) في موضع واحد في القرآن، وهو قوله تعالى: {وتحبون المال حبا جما} (الفجر:20)، وورد اللفظ الثاني (غدق) في موضع واحد أيضًا، وذلك في قوله تعالى: {لأسقيناهم ماء غدقا} (الجن:16)؛ وورد لفظ (لبد) في موضعين؛ الأول: في قوله تعالى: {كادوا يكونون عليه لبدا} (الجن:19)، والثاني: في قوله سبحانه: {يقول أهلكت مالا لبدا} (البلد:6)؛ أما لفظ (كثر) ومشتقاته، فقد توارد في القرآن في نحو تسعين موضعاً، كقوله تعالى: {أضعافا كثيرة} (البقرة:245)، وغير هذا كثير.
وللوقوف على حقيقة هذه الألفاظ، لا بد من الرجوع إلى معاجم اللغة؛ لمعرفة الأصل اللغوي لتلك الكلمات، ومن ثم النظر في استعمالاتها في القرآن والسنة .
أما لفظ (جمم) فيفيد معنى الكثرة والاجتماع؛ يقال: جَم يَجِم ويَجُم جُمُومًا: كثر واجتمع؛ وجم المال وغيره: إذا كثر.
ومنه قول أبي خِراشٍ الهذلي:
إن تغفر اللهم تغفر جماً وأيُّ عبد لك لا أَلَمَّا
وفي صلح الحديبية، جاء قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا فقد جموا)، رواه البخاري؛ قال ابن منظور: أي: استراحوا وكثروا.

وقوله سبحانه وتعالى: {وتحبون المال حبا جما} أي: تحبون المال حبًا كثيرًا؛ وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره، في معنى الآية، قال: يحبون كثرة المال.
أما لفظ (غدق) فيدل أصله على الغزرة والكثرة؛ فـ (الغَدَق): الغزير الكثير، يقال: غَدِقت عين الماء تَغدَق غَدَقًا، أي: غزرت وكثر ماؤها. و(الغَدَق): المطر الكثير العام.
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستسقاء: (اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا مريئًا طبقًا مريعًا غدقًاً)، رواه ابن ماجه.
وقوله تعالى: {وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا}؛ أي: كثيراً.
وأما لفظ (لبد)، فأصل هذه المادة في اللغة، يفيد معنى تجمع الشيء، وتكدسه بعضه فوق بعض، ومدلول هذه الكلمة يفيد الكثرة؛ يقال: (لبد) الشيء بالشيء يلبد، إذا ركب بعضه بعضاً؛ وأُطلق على الجماعة من الناس، يقيمون مع بعضهم: (لبدة)؛ لاجتماعهم.
وقد ورد في السنة ما يفيد هذا المعنى، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم لحفصة، وقد سألته عن سبب عدم تحلله من الحج، فأجابها: (إني لبَّدت رأسي)، رواه البخاري؛ و(التلبيد) أن يجعل المحرم على شعره شيئاً من الصمغ، ليلتصق بعضه على بعض؛ ويمنعه من التشتت والتفرق؛ ففيه معنى (الكثرة) والاجتماع.
وهذا اللفظ جاء في القرآن في موضعين - كما تقدم -؛ الأول: قوله تعالى: {كادوا يكونون عليه لبدا}، أي: كادوا يكونون على محمد صلى الله عليه وسلم جماعات بعضها فوق بعض؛ وذلك لما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو قومه إلى دين الحق، اجتمعت العرب عليه؛ لإطفاء ما جاء به من البينات والهدى، فأبى الله إلا أن ينصره ويمضيه ويُظهره على من عاده. وقد روي عن الحسن البصري، أنه قال في قوله تعالى: {كادوا يكونون عليه لبدا}، كادت العرب تكون عليه جميعًا؛ وقال سعيد بن جبير: تراكبوا عليه، ونحو هذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما.
والكلام في الآية -كما قال ابن عاشور- من باب التشبيه والتمثيل؛ أي: كاد المشركون يكونون عليه صلى الله عليه وسلم مثل اللبد، متراصين مقتربين منه، يستمعون إلى دعوته؛ وهم -في الوقت نفسه- يضمرون له الغيظ والغضب والأذى .
والموضع الثاني: قوله سبحانه: {يقول أهلكت مالا لبدا}، أَي: مالاً كثيرًا، بعضه فوق بعض.
أما مادة (كثر) فتدل على خلاف القلة؛ يقال: كَثُرَ ماله يكثُر كثرة فهو كثير، وقوم كثير.
ومما ورد في السنة حول هذه المادة، قوله صلى الله عليه وسلم مخاطبًا أصحابه، وكانوا في سفر، وكان يقرأ عليهم قول الله تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم} (الحج:1)، قال: (إنكم لمع خليقتين، ما كانتا مع شيء إلا كثرَّتاه: يأجوج ومأجوج) رواه الترمذي.
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم، واصفًا تداعي الأمم على أمة الإسلام: (بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل)، رواه أبو داود.
وقد ألمحنا إلى أن مادة (كثر) بمشتقاتها، قد تواردت في القرآن الكريم فيما يقرب من التسعين موضعًا أو يزيد؛ وقد وردت في أكثر المواضع في موضع ( صفة )، كقوله تعالى: {خيرا كثيرا} (البقرة:269)؛ ووردت في مواطن غير قليلة في موضع (الحال)، كقوله تعالى: {واذكر ربك كثيرا} (آل عمران:41)؛ ووردت في بعض المواضع في موضع (اسم)، كقوله تعالى: {منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون} (المائدة:66) ؛ ووردت في مواضع قليلة في موضع (فعل)، كقوله تعالى: {يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس} (الأنعام8)؛ ووردت على صيغة (تفاعل) في موضعين؛ الأول: قوله تعالى: {اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال} (الحديد:20)؛ وثانيهما: قوله سبحانه: {ألهاكم التكاثر} (التكاثر:1).
والمقصود من ( التكاثر ) في الآيتين، المكاثرة في الأموال والأولاد، على سبيل التباهي والتفاخر، فإن ذلك مذموم؛ لأنه يصد العبد عن أمر الآخرة، ويشغله عن واجباته الدينية .
وإذا كانت الألفاظ الثلاثة: (جمم) و(غدق) و(لبد)، تشترك فيما بينها في معنى (الكثرة) في جميع المواضع والسياقات التي أتت بها، فإن الاتفاق على هذا المعنى، لا يعني التطابق بينها من كل وجه، ولا يمنع أن يكون بينها بعض الفروق اللغوية؛ كما قالوا في الفرق بين لفظ (الجم) ولفظ (الكثرة) إن لفظ (الجم) يفيد الكثرة مع الاجتماع، في حين إن لفظ (الكثرة) قد تفيد الاجتماع، وقد لا تفيده؛ وأيضًا فإن (الجم) يفيد الكثرة مع الحرص والشره، في حين أن لفظ (الكثرة) لا يستلزم ذلك. ولفظ (الغدق) يفيد بالإضافة إلى معنى الكثرة معنى الحركة والجريان، في حين أن اللفظين (الجم) و(الكثرة) لا يستلزمان ذلك. وكذلك، فإن لفظ (لبد) يفيد بالإضافة لمعنى (الكثرة) معنى التجمع والتكدس، في حين أن الألفاظ الثلاثة الأخرى، لا تستلزم هذا المعنى بالضرورة .
وعلى العموم، فإن لفظ (كثر) يعتبر هو الأصل في موضوع (الكثرة)، والألفاظ الثلاثة الأخرى صادرة عنه، وراجعة إليه. وربما لأجل هذا السبب، كثر استعمال لفظ (الكثرة) في القرآن، دون الألفاظ الثلاثة الأخرى.



 

رد مع اقتباس
قديم 03-08-2017, 01:35 PM   #24


تيماء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7482
 تاريخ التسجيل :  27 - 10 - 2016
 أخر زيارة : 02-01-2023 (09:51 PM)
 المشاركات : 106,303 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Lebanon
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Floralwhite
شكراً: 445
تم شكره 511 مرة في 344 مشاركة
افتراضي




الأمر في القرآن



لفظ ( الأمر ) في القرآن






ورد لفظ (الأمر) بمشتقاته المختلفة في القرآن الكريم في أكثر من مائتي موضع، بين اسم وفعل، وبمعان مختلفة، بحسب السياق الذي ورد فيه؛ كقوله تعالى: {أتى أمر الله فلا تستعجلوه} (النحل:1)، وقوله سبحانه: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به} (النساء3)، وقوله تعالى: {فلا ينازعنك في الأمر} (الحج:67)، ونحو ذلك من الآيات.

وقبل الوقوف على المعاني التي ورد فيها لفظ (الأمر) في القرآن، يحسن بنا أن نعود إلى معاجم اللغة، لمعرفة معنى (الأمر) في لغة العرب:

تفيد معاجم اللغة أن لفظ (الأمر)، يأتي على خمسة معان أساسية:

الأول: (الأمر) بمعنى (الفعل) و(الشأن)، ويجمع على أمور؛ تقول: هذا أمر رضيته، وهذا أمر لا أرضاه. وعلى هذا المعنى جاء قولهم في المثل: أمر ما أتى بك.

الثاني: (الأمر) الذي هو نقيض (النهي)، ويجمع على أوامر؛ كقولك: افعل كذا، على جهة الأمر والطلب؛ وهو مقابل (النهي) عن فعل ما.

الثالث: (الأمر) بمعنى النماء والبركة؛ وعلى هذا المعنى جاء قول العرب: من قل ذلَّ، ومن أمِرَ فلَّ، أي: من كثر غلب. ومنه قولهم: لقد أمِرَ بنو فلان، أي: كثروا.

الرابع: (الأمر) بمعنى العلامة، تقول: جعلت بيني وبينك أمارة وأمارًا، أي: موعدًا وأجلاً.

الخامس: (الإمْر) بكسر الهمزة، كـ (الإصر) بمعنى (العَجَب)؛ يقال: شيء إمْر، أي: عجب ومنكر، ومنه قول الشاعر:

لقد لقي الأقران مني نكرًا داهية دهياء إدًّا إمْرًا

أما في القرآن الكريم، فقد جاء لفظ (الأمر) على عدة معان مختلفة:

فجاء بمعنى (الوعد)، ومنه قوله تعالى: {أتى أمر الله فلا تستعجلوه} فـ (الأمر) هنا (الوعد)، أي: ما وعدهم به من المجازاة؛ ومثله قوله سبحانه: {حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور} (هود:40) أي: جاء وعد الله، بإرسال الطوفان على قوم نوح.

وجاء (الأمر) في القرآن بمعنى (الدين)، ومنه قوله تعالى: {حتى جاء الحق وظهر أمر الله} (التوبة:48)، يعني دين الله الإسلام؛ ومثله قوله سبحانه: {فلا ينازعنك في الأمر} (الحج:67) فـ (الأمر) في الآيتين يراد به دين الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.

وجاء (الأمر) في القرآن بمعنى (الشأن) و(الفعل)؛ ومنه قوله تعالى: {وما أمر فرعون برشيد} (هود:97)، أي: وما فعل فرعون وشأنه برشيد؛ ومنه قوله سبحانه: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره} (النور:63) أي: عن سبيله، ومنهاجه، وطريقته، وسنته.

وجاء (الأمر) بمعنى (القول)، ومنه قوله تعالى عن قوم فرعون، حين اختلفت أقوالهم حول موسى عليه السلام، وما جاءهم به: {فتنازعوا أمرهم بينهم} (طه:62)، أي: تنازعوا القول بينهم، واختلفوا في أمر موسى؛ وقوله سبحانه عن أصحاب الكهف: {إذ يتنازعون بينهم أمرهم} (الكهف:21)، أي: اختلف قول علية القوم في شأن الفتية المؤمنة، الذين فروا بدينهم ولجؤوا إلى الكهف.

وجاء (الأمر) بمعنى (الحساب)، ومنه قوله تعالى: {وقال الشيطان لما قضي الأمر} (إبراهيم:22) أي: انتهي من الحساب، وبيان كل إنسان ما له وما عليه؛ وقوله سبحانه: {وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر} (مريم:39)، أي: فُرغ من الحساب، وأدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار.

وجاء (الأمر) بمعنى (الذنب)، ومنه قوله تعالى: {ليذوق وبال أمره} (المائدة:95)، وقوله سبحانه: {ذاقوا وبال أمرهم} (الحشر:15)، فـ (الأمر) في الآيتين وما شابههما معناه (الذنب)، أي: نالهم عاقبة ما ارتكبوه من الذنوب والمعاصي.

وجاء (الأمر) بمعنى القضاء والقدر، ومنه قوله تعالى: {يدبر الأمر} (يونس:3)، وقوله سبحانه: {ومن يدبر الأمر} (يونس:31)، قال مجاهد: يقضيه ويقدره وحده.

وأخيرًا لا آخرًا، فقد جاء (الإمْر) بكسر الهمزة، في القرآن بمعنى (العجب)، ومنه قوله تعالى: {لقد جئت شيئا إمرا} (الكهف:71)، أي: لقد جئت شيئًا عجبًا ومنكراً.

ولا يقتصر لفظ (الأمر) في القرآن على المعاني السابقة، بل قد يأتي على معان أُخر، يحددها السياق والموضوع. والمهم في هذا الصدد، أن نعلم أن هذه المعاني المذكورة للفظ (الأمر)، ليست معان متعينة، لا يحتمل المقام غيرها، وإنما هي معان يحتملها اللفظ، ويحتمل غيرها، وقد يرجح السياق الذي ورد فيه لفظ (الأمر) معنى على آخر.



 

رد مع اقتباس
قديم 03-08-2017, 01:36 PM   #25


تيماء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7482
 تاريخ التسجيل :  27 - 10 - 2016
 أخر زيارة : 02-01-2023 (09:51 PM)
 المشاركات : 106,303 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Lebanon
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Floralwhite
شكراً: 445
تم شكره 511 مرة في 344 مشاركة
افتراضي




العقاب في القرآن



ألفاظ (العقاب) في القرآن




ليس بخاف أن مبدأ الثواب والعقاب مبدأ أقرته شرائع السماء، وقامت عليه شرائع الأرض؛ وأنه سنة كونية جارية في الدنيا قبل الآخرة؛ وقوانين الأرض ضمَّنت قوانينها الجزائية، مادة تنص على أن (لا عقوبة من غير ذنب)؛ والقرآن يقرر عقوبة الدنيا قبل عقوبة الآخرة، لمن عصى أمره، وخالف نهجه، يقول تعالى: {سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم} (التوبة1).

والقرآن الكريم استعمل عدة ألفاظ، محورها مبدأ العقوبة؛ نذكر منها الألفاظ التالية: (العقاب، العذاب، الرجز، النكال). والمعنى المشترك لهذه الألفاظ يدل على العقوبة، سواء كانت في الدنيا أم كانت في الآخرة. وإليك مزيد تفصيل لما يتعلق بهذه الألفاظ الأربعة.

العذاب

وردت مادة (عذب) في القرآن كاسم في أكثر من ثلاثة مائة موضع، منها قوله تعالى: {فذوقوا العذاب} (آل عمران6)؛ ووردت كفعل في ستة وعشرين موضًعا، منها قوله تعالى: {يعذب من يشاء} (المائدة:40)؛ ووردت كاسم فاعل في ثمانية مواضع، منها قوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} (الإسراء:14).

وقد جاء وصف (العذاب) في القرآن بـأنه (أليم) في ثلاثين موضعًا تقريبًا، منها قوله تعالى في المنافقين: {ولهم عذاب أليم} (البقرة)؛ وبأنه (شديد)، في نحو خمسة عشر موضعًا، منها قوله تعالى: {إن عذابي لشديد} (إبراهيم:7)؛ وبأنه (عظيم) في خمسة عشر موضعًا، منها قوله تعالى في المنافقين: {ولهم عذاب عظيم} (البقرة:7).

و(العذاب) في اللغة: هو الإيجاع الشديد؛ يقال: عذبه تعذيبًا، أي: عاقبه، أو أكثر حبسه في العذاب. وقد قال بعض أهل اللغة: أصل (العذاب) الضرب؛ ثم استعير ذلك في كل شدة.

ثم إن (العذاب) في القرآن جاء على تسعة أوجه:

أولها: العقوبة في الآخرة، وهذا الوجه هو الأكثر استعمالاً في القرآن والأغلب، منه قوله تعالى في وصف جهنم: {إن عذابها كان غراما} (الفرقان:65)، أي: إن عقوبتها؛ وقوله سبحانه: {ولعذاب الآخرة أشق} (الفرقان:34)، أي: إن عقوبة الآخرة أشد من عقوبة الدنيا.

ثانيها: العقوبة في الدنيا، ومنه قوله تعالى: {أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم} (الأنعام:65)، كما فعل بقوم لوط، حيث قلب عليهم القرية التي كانوا يسكنون فيها، وجعل عاليها سافلها؛ وقوله تعالى: {أو من تحت أرجلكم} (الأنعام:65)، كما فعل بـ قارون، حيث خسف به وبداره الأرض.

ثالثها: حد الزنى، ومنه قوله تعالى: {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} (النور:2)، يعني: حدهما؛ وكذلك قوله سبحانه: {ويدرأ عنها العذاب} (النور)، أي: الحد.

رابعها: المسخ، ومنه قوله تعالى: {وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس} (الأعراف:165)، أي: مسخناهم.

خامسها: الاستئصال والقتل، ومنه قوله تعالى: {وما كان الله ليعذبهم} (الأنفال:33)، أي: عذاب القتل المهين بأيدي المسلمين يوم بدر؛ ونحوه قوله سبحانه: {ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا} (الحشر:3)، يعني: لقتلوا بالسيف.

سادسها: الجوع والمجاعة، ومنه قوله تعالى: {حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب} (المؤمنون:64)، أي: ابتليناهم في الدنيا بالجوع، والقحط؛ ونحوه قوله سبحانه: {ولقد أخذناهم بالعذاب} (المؤمنون:76)، أي: بالجوع.

سابعها: سلب المال وإهلاكه، ومنه قوله تعالى في أصحاب البستان الذين منعوا زكاة محصوله ونتاجه: {كذلك العذاب} (القلم:33).

ثامنها: نتف الريش وقص الجناح، وهو قوله تعالى في هدهد سليمان عليه السلام: {لأعذبنه عذابا شديدا } (النمل:21)، أي: لأنتفن ريشه. روى ذلك الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما، ومجاهد وقتادة.

تاسعها: جاء العذاب بمعنى عذاب القبر، ومنه قوله تعالى: {ولنذيقنهم من العذاب الأدنى} (السجدة:21)، أي: عذاب القبر.

العقاب

مادة (عقب) في أصلها اللغوي تدل على (التلو)، وهو أن يتلو الثاني الأولَ ويتبعه، يقال: عقب الثاني الأول، إذا تلاه. وهذه المادة تدل على أمرين؛ أحدهما: تأخير شيء، وإتيانه بعد غيره؛ تقول: فعلتُ ذلك بعاقبة، أي: بآخرة؛ و(التعقيب): أن يأتي بشيء بعد آخر. ومن هذا الأصل، سمي رسول الله صلى الله عليه وسلم (العاقب)؛ لأنه عقب من كان قبله من الأنبياء عليهم السلام. الثاني: تدل على ارتفاع وشدة وصعوبة، ومنه سميت (العقبة) التي تكون في الجبل، لصعوبة الوصول إليها. ثم ردَّ إلى هذا المعنى كل أمر فيه شدة.

وقد تواردت هذه المادة في القرآن كاسم (العقاب)، في أربعة وعشرين موضعًا، منها قوله تعالى: {واعلموا أن الله شديد العقاب} (البقرة:196)؛ وجاء اسم (العاقبة) في واحد وثلاثين موضعًا، منها قوله تعالى: {والعاقبة للمتقين} (الأعراف)؛ وجاء اسم (العقبى) في أربعة مواضع، منها قوله تعالى: {أولئك لهم عقبى الدار} (الرعد:22)؛ وكفعل في نحو ستة مواضع، منها قوله تعالى: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم} (النحل6).

ولفظ (عقب) ومشتقاته، جاء في القرآن على ستة أوجه:

أولها: بمعنى العذاب، وهذا المعنى هو الأكثر استعمالاً في القرآن؛ من ذلك قوله تعالى: {فكيف كان عقاب} (الرعد:32)، أي: عذابي؛ ونحوه قوله سبحانه: {أن الله شديد العقاب} (البقرة:196).

ثانيها: بمعنى الغنيمة، من ذلك قوله تعالى: {وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم} (الممتحنة)، أي: غنمتم.

ثالثها: بمعنى القتل، من ذلك قوله تعالى: {ومن عاقب بمثل ما عوقب به} (الحج:60)، أي: قَتل بمثل ما قُتل به.

رابعها: بمعنى المثلة، من ذلك قوله تعالى: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم} (النحل6)، أي: إن مثلتم بمثل ما مثِّل بكم.

خامسها: بمعنى العاقبة، آخر الشيء، من ذلك قوله تعالى: {فكان عاقبتهما} (الحشر:17)، أي: فكان آخر أمرهما.

سادسها: بمعنى العقبى، أي: المأوى، من ذلك قوله تعالى: {أولئك لهم عقبى الدار} (الرعد:22)، أي: المأوى في الآخرة.

الرجز

أصل مادة (رجز) الاضطراب، ومنه قيل: رجز البعير رجزًا، فهو أرجز، وناقة رجزاء: إذا تقارب خطوها واضطرب لضعف فيها. ومن هذه المادة اشتق (الرجز) في الشعر.

ولفظ (الرجز) ورد في القرآن تسع مرات كاسم، ولم يرد كفعل مطلقًا، ومن مواضع وروده، قوله تعالى في حق قوم موسى عليه السلام: {ولما وقع عليهم الرجز} (الأعراف:134).

و(الرجز) في القرآن ورد على معنيين:

أحدهما: بمعنى العذاب، وهذا هو الغالب في استعمال هذا اللفظ في القرآن، من ذلك خبر القرآن عن طلب قوم موسى عليه السلام: {لئن كشفت عنا الرجز} (الأعراف:134)، أي: العذاب.

ثانيهما: بمعنى الصنم، جاء هذا المعنى في قوله سبحانه: {والرجز فاهجر} (المدثر:5)، يعني: دع عنك عبادة الأصنام.

النكال

مادة (نكل) في أصلها اللغوي، تفيد المنع والامتناع، وإلى هذا الأصل ترجع مشتقات هذه المادة؛ يقال: نكل عن الأمر: إذا امتنع، ومنه النكول في اليمين، وهو الامتناع منها، وترك الإقدام عليها؛ ونكل عن الشيء: إذا ضعف عنه وعجز؛ ونكلته: قيدته؛ والنكل: قيد الدابة، وحديدة اللجام؛ لكونهما مانعين، والجمع: الأنكال؛ قال تعالى: {إن لدينا أنكالا وجحيما} (المزمل)؛ ونكلت به: إذا عاقبته بما يردعه، ويرُوع غيره من إتيان مثل ما صنع. والاسم من ذلك الفعل (النكال)، قال تعالى: {فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها} (البقرة:66).

ولفظ (نكل) كاسم، ورد في القرآن في خمسة مواضع، منها قوله تعالى في حق السارق والسارقة: {فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله} (المائدة:38)؛ ولم يرد في القرآن كفعل قط.

وبالتتبع وجدنا أن (النكال) في القرآن، قد جاء على معان ثلاثة:

أولها: بمعنى القيد والأغلال، كما في قوله تعالى: {إن لدينا أنكالا وجحيما}، قال الحسن: قيودًا.

ثانيها: بمعنى العبرة والموعظة، كما في قوله تعالى: { فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها}، أي: عبرة تنكل من اعتبر بها، وتمنعه عن مثل ذلك الفعل؛ ومنه أيضًا قوله تعالى في حق فرعون: {فأخذه الله نكال الآخرة والأولى} (النازعات:25)، أي: انتقم الله منه انتقامًا، جعله به عبرة ونكالاً لأمثاله من المتمردين.

ثالثها: بمعنى العقوبة والجزاء، كما في قوله تعالى: {فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله}، أي: عقوبة وجزاء على فعلهما.

ثم إن العلماء ذكروا بعض الفروق بين هذه الألفاظ؛ من ذلك أن (العقاب) يكون عن استحقاق لذنب ارتكبه الإنسان؛ أما (العذاب) فقد يكون نتيجة ذنب مرتكب، وقد لا يكون نتيجة عن ذنب، وإنما لمجرد التشهي أو غير من ذلك. وهذا الفرق يستقيم في (عذاب) البشر، أما في (عذاب) الله، فلا يكون (عذاب) سبحانه إلا عن استحقاق ذنب مرتكب.

وذكروا كذلك من الفروق بين (العقاب) و(النكال)؛ أن (العقاب) هو جزاء الشر، و(النكال) أخص منه، أي: أنه عقاب من نوع خاص؛ فبين اللفظين عموم وخصوص، فكل نكال عقاب، وليس كل عقاب نكالاً؛ فقد يعاقب الإنسان عقابًا، لا يكون فيه نكال، وإنما مجرد عقاب عام؛ وقد يعاقب عقابًا على وجه خاص فيه تنكيل.



 

رد مع اقتباس
قديم 03-08-2017, 01:37 PM   #26


تيماء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7482
 تاريخ التسجيل :  27 - 10 - 2016
 أخر زيارة : 02-01-2023 (09:51 PM)
 المشاركات : 106,303 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Lebanon
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Floralwhite
شكراً: 445
تم شكره 511 مرة في 344 مشاركة
افتراضي




الإلزام في القرآن



ألفاظ (الإلزام) في القرآن





ورد في القرآن الكريم عدد من الألفاظ، يجمعها قاسم لغوي مشترك، يدل على الارتباط، والالتزام، والإحكام؛ كألفاظ: (العقد) و(العهد) و(البيع) و(الميثاق) و(الإصر).
والحديث حول هذه الألفاظ الخمسة، يتناول دلالتها اللغوية، والمعاني التي أتت عليها في القرآن، وبعض الفروق الدلالية بينها.
الإصر
أصل هذه المادة مأخوذ من الضيق والحبس، يقال: أصره يأصره، إذا حبسه وضيق عليه؛ فـ (الإصر) ما يؤصر به، أي، ما تربط به الأشياء، واشتقاقه من (الإصار) وهو ما يُعقد ويُسد به؛ ثم استعمل مجازًا في العهد والميثاق المؤكد.
وهذا اللفظ ورد في القرآن ثلاث مرات فقط، جاء في كل مرة بمعنى:
الأول: العهد، وعلى هذا المعنى جاء قوله تعالى: {وأخذتم على ذلكم إصري} (آل عمران1)، أي: عهدي.
الثاني: العقوبة على الذنب، وعليه جاء قوله تعالى: {ربنا ولا تحمل علينا إصرا} (البقرة:286)، أي: عقوبة ذنب يشق علينا.
الثالث: الشدة والثقل في الأحكام، وعليه قوله تعالى: {ويضع عنهم إصرهم} (الأعراف:157)، أي: ما كلفوا به من تكاليف ثقيلة وشديدة، يشق عليهم القيام بها.
البيع
(البيع): إعطاء المثمَّن وأخذ الثمن، والشراء: عكسه، ويقال للبيع: الشراء، وللشراء: البيع، وذلك بحسب ما يتصور من الثمن والمثمَّن؛ وبايع الناس السلطان: إذا التزموا بذل الطاعة له، ويقال لذلك: بيعة ومبايعة. ومن هذا اللفظ اشتق مصطلح (البيعة) و(المبايعة) وهما مصطلحان إسلاميان يدلان على العملية التي يتم من خلالها اختيار إمام المسلمين.
ولفظ (البيع) كاسم، ورد في القرآن ثلاث مرات، منها قوله تعالى: {وأحل الله البيع} (البقرة:275)؛ وورد كفعل خمس مرات، منها قوله سبحانه: {وأشهدوا إذا تبايعتم} (البقرة:282).
ولفظ (البيع) في القرآن، ورد على أربعة أوجه:
أولها: معنى الفداء، ومنه قوله تعالى: {من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه} (البقرة:254)، أي: لا فداء فيه؛ ومثله في سورة إبراهيم.
ثانيها: معنى البيعة، وهي أخذ المواثيق والعهود، ومنه قوله تعالى: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله} (الفتح)؛ إشارة إلى ما جرى في بيعة الرضوان، وأخبر عنه القرآن في قوله تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} (الفتح:18).
ثالثها: عملية البيع نفسها، ومنه قوله تعالى: {وأحل الله البيع}، وهو البيع المعروف المقابل للشراء.
رابعها: البِيعة، بكسر الباء، مكان عبادة النصارى، وقد جاء في قوله تعالى: {لهدمت صوامع وبيع} (الحج:40).
العقد
(العقد) لغة: الجمع بين أطراف الشيء، ويستعمل ذلك في الأجسام الصلبة، كعقد الحبل، تقول: عقدت الحبل أعقده عقدًا، إذا شددت بعضه إلى بعض، وربطته ربطًا محكمًا، ومنه العقدة؛ ثم استعير ذلك المعنى المادي للعقد لمعان معنوية، كعقد البيع، وعقد النكاح، وعقد اليمين، بمعنى الحلف؛ فيقال: عاقدته، وعقدته، وتعاقدنا، وعقدت يمينه. و(العقد) يجمع على عقود؛ و(المعاقدة): المعاهدة.
ولفظ (العقد) جاء في القرآن في سبعة مواضع؛ وجاء في جميع تلك المواضع بمعناه المعنوي، إلا موضعًا واحدًا، جاء بمعناه المادي؛ أما مواضعه المعنوية، فجاء في موضعين منها كفعل، أحدهما: قوله تعالى: {والذين عقدت أيمانكم} (النساء:33)؛ وجاء في أربعة منها كاسم؛ منه قوله تعالى: {ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله} (البقرة:235)؛ أما المعنى المادي الذي جاء عليه هذا اللفظ، فهو قوله تعالى: {ومن شر النفاثات في العقد} (الفلق:4)، و(العُقَد) جمع عقدة، وذلك أنهن كن ينفثن في عقد الخيوط حين يسحرن بها.
والمواضع المعنوية التي جاء فيها لفظ (العقد) في القرآن، أفادت المعاني التالية:
أولاً: عقد اليمين، بمعنى الحَلِف؛ ومنه قوله تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} (المائدة9)، أي: اليمين التي يؤاخذ بها الإنسان في حال عدم الالتزام بها.
ثانيًا: عقد النكاح، بمعنى عقد الزواج الذي يكون بين الرجل والمرأة، وعليه قوله سبحانه: {ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله} (البقرة:235)، أي: لا تعقدوا عقد النكاح حتى تُنْهِيَ المرأة المعتدة من وفاةٍ عدتها المقررة شرعًا.
ثالثًا: بمعنى حبس اللسان عن الكلام، وعليه قوله تعالى، فيما قصه علينا من دعاء موسى عليه السلام: {واحلل عقدة من لساني} (طه:27)، أي: أطلق عن لساني العقدة التي فيه.
العهد
(العهد) لغة: حفظ الشيء ومراعاته حالاً بعد حال، وسمي الموثق الذي يلزم مراعاته عهدًا؛ ومنه قولهم: عهد الرجل يعهد عهدًا؛ والجمع: عهود؛ ومنه اشتقاق العهد الذي يُكتب للولاة؛ و(المعاهد) في عرف الشرع، يختص بمن يدخل من الكفار في عهد المسلمين.
و(أهل العهد) هم المعاهدون، والمصدر المعاهدة، أي: إنهم يعاهدون على ما عليهم من جزية. فإذا أسلموا ذهب عنهم اسم المعاهدة. و(العهدة): الكتاب الذي يستوثق به في البيعات.
ولفظ (العهد) ورد في القرآن في نحو أربعين موضعًا، منها أربعة عشر موضعًا ورد كفعل، كما في قوله تعالى: {أو كلما عاهدوا عهدا} (البقرة0)، وورد في المواضع المتبقية كاسم، منها قوله سبحانه: {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} (البقرة:40).
ولفظ (العهد) في القرآن ورد على ستة أوجه:
أحدها: الإمامة؛ وعليه فُسِّر قوله تعالى: {لا ينال عهدي الظالمين} (البقرة4)، قال مجاهد: لا يكون إمام ظالمًا. وهذا على قول في تفسير (العهد) في الآية.
ثانيها: الميثاق؛ ومنه قوله تعالى: {الذين ينقضون عهد الله} (البقرة:27)، يعني: ميثاقه الذي واثقهم به؛ ومثله قوله سبحانه: {أتخذتم عند الله عهدا} (البقرة0)، أي: موثقاً.
ثالثها: الأمر، ومنه قوله تعالى: {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل} (البقرة5)، أي: أمرنا إبراهيم وإسماعيل بتطهير البيت الحرام من الأوثان والأنجاس.
رابعها: الحلف، ومنه قوله تعالى: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم} (النحل:15)، أي: أوفوا بالأيمان التي تحلفون بها، ولا تنكثوا بها؛ ومنه أيضًا، قوله سبحانه: {ومنهم من عاهد الله} (التوبة:75)، أي: حلف بالله.
خامسها: التوحيد، وعليه قوله تعالى: {لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا} (مريم7)، يعني: التوحيد والعمل الصالح؛ قال ابن عباس رضي الله عنه: العهد شهادة أن لا إله إلا الله، ويبرأ إلى الله من الحول والقوة، ولا يرجو إلا الله سبحانه.
سادسها: الوفاء بالأمانة؛ ومنه قوله سبحانه: {وما وجدنا لأكثرهم من عهد} (الأعراف)، أي: وفاء وأمانة.
الميثاق
أصل مادة (وثق) يدل على العقد والإحكام، تقول: وثقت به أثق ثقة: إذا سكنت إليه، واعتمدت عليه؛ وتقول: أوثقته: إذا شددته برباط؛ والوَثاق والوِثاق: اسمان لما يوثق به الشيء؛ والميثاق: العهد المحكم، ويجمع على مواثيق؛ والوثقى: تأنيث الأوثق.
وهذا اللفظ ورد في القرآن في تسعة وعشرين موضعًا كاسم؛ (الميثاق) في ثلاثة وعشرين موضعًا، منها قوله تعالى: {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه} (البقرة:27)، و(الموثق) ورد في موضعين، أحدهما: قوله سبحانه: {حتى تؤتون موثقا من الله} (يوسف:66)؛ و( الوثاق ) ورد أيضًا في موضعين، أحدهما: قوله تعالى: {فشدوا الوثاق} (محمد:4)؛ و(الوثقى) في موضعين، أحدهما: قوله سبحانه: {فقد استمسك بالعروة الوثقى} (البقرة:256)؛ ولم يرد هذا اللفظ كفعل إلا في موضعين، أحدهما: قوله سبحانه: {وميثاقه الذي واثقكم به} (المائدة)؛ وثانيهما: قوله تعالى: {ولا يوثق وثاقه أحد} (الفجر:26).
وتفسير لفظ (الميثاق) في القرآن جاء على وجوه:
أحدها: بمعنى العهد المؤكد باليمين، من ذلك قوله تعالى: {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه}، أي: لا يوفون بما عاهدوا الله عليه من الالتزام بأحكام ما شرعه لهم. وعلى هذا المعنى جاء أغلب استعمال هذا اللفظ في القرآن.
ثانيها: بمعنى الحَلِف، وعليه قوله تعالى: {حتى تؤتون موثقا من الله}، أي: حتى تحلفوا بالله لتأتني بيوسف عليه السلام.
ثالثها: بمعنى العقد، وعليه قوله تعالى: {وأخذن منكم ميثاقا غليظا} (النساء:21)، أي: عقد الزواج الذي يجرى بين الزوجين؛ وهذا المعنى مروي عن ابن عباس رضي الله عنه ومجاهد وغيرهما.
رابعها: بمعنى الهدنة والمعاهدة، ومنه قوله سبحانه: {فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق} (الأنفال:72)، أي: بينكم وبينهم هدنة ومعاهدة؛ ومثله قوله سبحانه في كفارة القتل: {وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق} (النساء:92) .
خامسها: بمعنى اسم الشيء الذي يُشدُّ به؛ ومنه قوله تعالى: {فشدوا الوثاق}، أي: أحيطوهم ربطًا بالوثاق.
سادسها: بمعنى الربط والشد بإحكام، وهو قوله سبحانه: {ولا يوثق وثاقه أحد}، أي: لا يتولى ربط الكافر بالوثاق أحدٌ غيره سبحانه.
سابعها: بمعنى الإيمان والإسلام؛ وعليه قوله سبحانه: {فقد استمسك بالعروة الوثقى}، أي: استمسك بالإيمان والإسلام، فلا يضل بعدُ. وهذا على وجه في تفسير (الوثقى).
ثم ها هنا بعض الفروق التي تذكر بين هذه الألفاظ؛ فالفرق بين (العقد) و(العهد) يظهر من وجوه ثلاثة؛ أحدها: أن العقد أبلغ من العهد؛ فأنت تقول: عهدت إلى فلان بكذا، أي: ألزمته إياه؛ وعقدت عليه وعاقدته ألزمته باستيثاق؛ وثانيها: أن العقد يكون بين اثنين أو أكثر، ولا يكون من واحد؛ والعهد قد ينفرد به الواحد، وقد يكون بين اثنين أو أكثر؛ وثالثها: أن العقد إنما يكون بين الناس، والعهد قد يكون بين المخلوق والخالق، وقد يكون بين الناس؛ قال تعالى: {ألم أعهد إليكم يا بني آدم} (يس:60)؛ وقال سبحانه: {ومنهم من عاهد الله} (التوبة:75).
وتذكر كتب الفروق فرقاً بين (الميثاق) و(العهد)، وهو أن الميثاق توكيد العهد، فهو أبلغ من العهد، يرشد لذلك قوله سبحانه {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه}، أي: من بعد توكيده.



 

رد مع اقتباس
قديم 03-08-2017, 01:39 PM   #27


تيماء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7482
 تاريخ التسجيل :  27 - 10 - 2016
 أخر زيارة : 02-01-2023 (09:51 PM)
 المشاركات : 106,303 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Lebanon
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Floralwhite
شكراً: 445
تم شكره 511 مرة في 344 مشاركة
افتراضي




الروح في القرآن


لفظ (الروح) في القرآن الكريم



(الروح) من الألفاظ التي خاض الناس في تعريفها وبيان طبيعتها، وتخبط الفلاسفة في تحديد ماهيتها والوقوف على حقيقتها، وهي في النهاية من المعاني التي استأثر الله بعلمها، ولم يجعل للإنسان سبيلا إلى معرفتها، عرف ذلك من عرف، وجهله من جهل، وكابر فيه من كابر، قال تعالى: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} (الإسراء5).

وتخبرنا معاجم اللغة العربية عن مادة (روح) بأنها أصل كبير مطرد، يدل على سعة وفسحة واطراد. وأصل ذلك كله الريح. وأصل (الياء) في الريح (الواو)؛ وإنما قُلبت ياء لكسرة ما قبلها. و(الروح) - بضم الراء المشددة -: ما به حياة الأنفس، يؤنث ويذكر، ويُجمع على (أرواح).

هذا عن لفظ (الروح) لغة، أما ما وراء اللغة، فقد قال بعض أهل العلم: (الروح) جسم لطيف، أجرى الله العادة بأن يخلق الحياة في البدن مع ذلك الجسم.

ولفظ (الروح) ورد في القرآن الكريم في ثلاثة وعشرين موضعاً، وردت جميعها بصيغة الاسم، من ذلك قوله سبحانه: {ينزل الملائكة بالروح من أمره} (النحل:2). ولم يرد لهذا الاسم صيغة فعلية في القرآن. أما قوله سبحانه: {ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون} (النحل:6)، فهو مأخوذ من راح يروح: إذا رجع وهو مقابل لـ غدا يغدو: إذا ذهب. وعلى هذا أيضاً قوله عز وجل: {ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر} (سبأ).

ولفظ (الروح) ورد في القرآن على عدة معان، نذكر منها:

- الروح بمعنى (الحياة التي يكون بها قِوام الكائنات)، ومنه قوله تعالى: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي} (الإسراء5)، فُسِّر (الروح) في الآية هنا على أنه العنصر المركب في الخلق الذي يحيا به الإنسان. قال الشوكاني: "اختلف الناس في الروح المسؤول عنه، فقيل: هو الروح المدبر للبدن الذي تكون به حياته، وبهذا قال أكثر المفسرين". ونقل الشوكاني أقوالاً أُخر في معنى الآية، ثم قال: "والظاهر القول الأول"، يعني ما تقدم.

- الروح بمعنى (بمعنى مَلَك من الملائكة)، ومنه قوله تعالى: {يوم يقوم الروح والملائكة صفا} (النبأ:38)، قيل في معنى الآية: إنه ملك من الملائكة. وقد نقل الطبري أقوالاً أخر في الآية، بيد أنه لم يقطع بواحد منها. ومال ابن كثير إلى أن يكون المقصود بـ (الروح) في الآية بني آدم.

- الروح بمعنى (القرآن والوحي)، ومنه قوله تعالى: {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا} (الشورى:52)، قال ابن كثير: يعني القرآن. ونحوه قوله سبحانه: {ينزل الملائكة بالروح من أمره} (النحل:2)، قال القرطبي: الروح: الوحي.

- الروح بمعنى (جبريل)، ومنه قوله تعالى: {قل نزله روح القدس من ربك} (النحل2)، يعني: جبريل عليه السلام. ومن هذا القبيل قوله سبحانه: {وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس} (البقرة7)، قال الطبري: الروح في هذا الموضع: جبريل.

- الروح بمعنى (النصر)، ومنه قوله تعالى: {وأيدهم بروح منه} (المجادلة:22)، قال الشوكاني: قواهم بنصر منه على عدوهم في الدنيا، وسمى نصره لهم روحاً؛ لأن به يحيا أمرهم. وقيل: (الروح) في الآية هنا بمعنى: البرهان.

- الروح بمعنى (الرحمة)، ومنه قوله تعالى: {ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} (يوسف 7)، قال قتادة: أي: من رحمة الله. ومن هذا القبيل قوله سبحانه: {وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه} (النساء:171)، قيل في معنى الآية: معناه في هذا الموضع: ورحمة منه. قالوا: فجعل الله عيسى عليه السلام رحمة منه على من اتبعه وآمن به وصدقه؛ لأنه هداهم إلى سبيل الرشاد. وهذا على قول في معنى الآية.

- الروح بمعنى (الراحة من الدنيا)، ومنه قوله تعالى: {فروح وريحان وجنة نعيم} (الواقعة9)، قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: فراحة من الدنيا. وقال الشوكاني: معناه الراحة من الدنيا، والاستراحة من أحوالها.

- الروح بمعنى (القدرة الإلهية على الخلق)، ومنه قوله تعالى: {فإذا سويته ونفخت فيه من روحي} (الحجر:29)، أي: إن الإنسان مخلوق من خلق الله وكائن بقدرته.

هذه أهم المعاني التي ورد عليها لفظ (الروح) في القرآن الكريم، والمهم في هذا السياق أن ندرك أن معرفة حقيقة (الروح) ليس لأحد من سبيل إليها، بل هي مما اختص الله سبحانه بعلمها. ولعل الحكمة من إخفاء علمها عن المخلوقات، أن يتأمل الإنسان ويتحقق أن الروح التي جعل الله بها الحياة والراحة والقوة والقدرة والحس والحركة والفهم والفكر والسمع والبصر...هي من أمر الله، وهو يباشرها ويعايشها مدة حياته وطول عمره، ومع ذلك لا يصل علمه إلى شىء من كنه حقيقتها ودرك معرفتها، فكيف يطمع في الوصول إلى حقيقة خالقها وبارئها، {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير} (الأنعام3).


 

رد مع اقتباس
قديم 03-08-2017, 01:39 PM   #28


تيماء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7482
 تاريخ التسجيل :  27 - 10 - 2016
 أخر زيارة : 02-01-2023 (09:51 PM)
 المشاركات : 106,303 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Lebanon
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Floralwhite
شكراً: 445
تم شكره 511 مرة في 344 مشاركة
افتراضي




الفتنة في القرآن


لفظ (الفتنة) في القرآن




الفتنة سنة كونية في هذه الحياة، لا تخلو منها حياة الأمم والأفراد على حد سواء، دل على ذلك قوله عز وجل: {أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون} (العنكبوت:2). وهي عادة ما تدل على شر ينزل بالإنسان، وقد تدل أحياناً على خير يراد به، أرشد لذلك قوله تعالى: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} (الأنبياء:35).
ولفظ (الفتنة) ورد في القرآن الكريم في ستين موضعاً؛ ورد في ستة وثلاثين موضعاً بصيغة الاسم، من ذلك قوله تعالى: {والفتنة أشد من القتل} (البقرة:191)، وورد في أربعة وعشرين موضعاً بصيغة الفعل، من ذلك قوله سبحانه: {ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا} (النحل0).
ولأهمية هذا اللفظ في منظومة المفاهيم القرآنية، ومعرفة مدلولاته نعقد السطور التالية، بادئين بوقفة لغوية نحدد من خلالها الأصل اللغوي لهذا اللفظ، ثم نعطف على تلك الوقفة بوقفة ثانية، نستبين من خلالها أهم المعاني التي ورد عليها لفظ (الفتنة) في القرآن الكريم.

الأصل اللغوي لمادة (فتن) يدل على ابتلاء واختبار. وأصل الفتن: إدخال الذهب النار؛ لتظهر جودته من رداءته، واستعمل في إدخال الإنسان النار. قال تعالى: {يوم هم على النار يفتنون} (الذاريات:13)، يقال: فتنت أفتن فتناً. وفتنت الذهب بالنار، إذا امتحنته. وهو مفتون وفتين. والفتان: الشيطان. والفتن: الإحراق. وشيء فتين: أي محرق.

هذا هو الأصل اللغوي لمادة (فتن)، أما المعاني التي ورد عليها هذا اللفظ في القرآن الكريم فهي عديدة، نذكر منها:

- الفتنة بمعنى (الابتلاء والاختبار)، من ذلك قوله تعالى: {أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون} (العنكبوت:2)، معناه: أن الله سبحانه وتعالى لا بد أن يبتلي ويختبر عباده المؤمنين بحسب ما عندهم من الإيمان. ونحو ذلك قوله سبحانه: {وفتناك فتونا} (طه:40)، أي: اختبرناك اختباراً حتى صَلَحت للرسالة. وعلى حسب هذا المعنى جاء أكثر استعمال هذا اللفظ في القرآن الكريم.

- الفتنة بمعنى (الشرك)، من ذلك قوله تعالى: {والفتنة أشد من القتل} (البقرة:191)، أي: الشرك بالله أعظم من أي فعل آخر. نُقل هذا عن عدد من التابعين. ومن هذا القبيل قوله سبحانه: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} (البقرة:193)، أي: حتى لا يكون شرك، كما قاله غير واحد من المفسرين.

- الفتنة بمعنى (الكفر)، من ذلك قوله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة} (النور:63)، قال الطبري: الفتنة ها هنا: الكفر. ونحو قول الطبري قال ابن كثير. وقال بعض المفسرين: (الفتنة) في الآية بمعنى (العقوبة في الدينا). وقيل غير ذلك.

- الفتنة بمعنى (أذى الناس)، من ذلك قوله تعالى: {جعل فتنة الناس كعذاب الله} (العنكبوت)، قال البغوي: أي: جعل أذى الناس وعذابهم كعذاب الله في الآخرة. ونحو ذلك قوله عز وجل: { ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا } (النحل0)، أي: عُذبوا ومُنعوا من الإسلام.

- الفتنة بمعنى (التعذيب بالنار)، من ذلك قوله تعالى: {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات} (البروج)، قال ابن عباس رضي الله عنه وغيره: حَرقوا. ومن هذا القبيل قوله عز وجل: {ذوقوا فتنتكم} (الذاريات:14)، قال مجاهد: حريقكم.

- الفتنة بمعنى (القتل)، من ذلك قوله تعالى: {إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} (النساء1)، قال البغوي: أي: يغتالكم ويقتلكم. ونحوه قوله سبحانه: { فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم } (يونس3)، أي: يقتلهم.

- الفتنة بمعنى (العدول عن الحق)، من ذلك قوله تعالى: {واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك} (المائدة:49)، قال الرازي: أي: يردوك إلى أهوائهم؛ فإن كل من صُرف من الحق إلى الباطل فقد فُتن. ومنه قوله عز وجل: {وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك} (الإسراء:73).

- الفتنة بمعنى (الضلالة)، من ذلك قوله تعالى: {ومن يرد الله فتنته} (المائدة:41)، قال الشوكاني: أي: ضلالته. ونحو هذا قوله سبحانه: {ما أنتم عليه بفاتنين} (الصافات:162)، أي: بمضلين.

- الفتنة بمعنى (الحُجَّة والمعذرة)، من ذلك قوله تعالى: {ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا} (الأنعام:23)، أي: لم تكن حجتهم ومعذرتهم إلا قولهم: {والله ربنا ما كنا مشركين}، وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما.

- الفتنة بمعنى (الجنون)، من ذلك قوله تعالى: {بأيكم المفتون} (القلم:6)، أي: بأيكم الجنون، كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، واختاره الطبري، على اعتبار كون {المفتون} بمعنى (الفتون)، من باب حمل اسم المفعول على معنى المصدر. وكون (الجنون) فتنة؛ من جهة أن العدول عن سبيل أهل العقول هو محنة وفتنة.

هذه أهم المعاني التي ورد عليها لفظ (الفتنة) في القرآن. ويبقى وراء ذلك أن نقول: إن الفتنة من الأفعال التي تكون من الله تعالى، ومن العبد كالبلية والمصيبة، والقتل والعذاب وغير ذلك من الأفعال المكروهة، ومتى كانت (الفتنة) من الله، فإنها تكون على وجه الحكمة، كما قال تعالى: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة}؛ ومتى كانت (الفتنة) من الإنسان كانت على عكس ذلك، كما قال سبحانه: {يا قوم إنما فتنتم به} (طه:9)؛ ولهذا يذم الله الإنسان بأنواع الفتنة نحو قوله: {والفتنة أشد من القتل}.


 

رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
ألفاظ , القرآن , الكريم , في


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تأملات من القرآن ريحانة بغداد (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) 94 29-04-2019 06:05 PM
المشكاة في القرآن الكريم نسيم فلسطين (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) 15 28-07-2017 06:12 PM
الفاظ الشتاء في القرآن الكريم مبارك آل ضرمان ( همســـــات الإسلامي ) 13 29-06-2017 02:45 AM
معلومـــات رائعـــة عن القُرآن... عِطرِ آلجَنُوبَ (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) 31 03-03-2015 08:01 AM
أسرار التكرار في القرآن الكريم ميارا (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) 11 13-02-2013 11:33 PM

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

الساعة الآن 01:29 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010