03-08-2017, 01:21 PM | #15 |
| السوء في القرآن لفظ (السوء) في القرآن الكريم متابعة لمقال تقدم حول الألفاظ المتعددة المعاني في القرآن، نقف في هذا المقال عند لفظ (السوء) لنرى المعاني المتعددة والمختلفة التي يفيدها هذا اللفظ، باختلاف ضبط حركة السين فيه، ووفق اختلاف السياق الذي سِيق فيه . في القواميس اللغوية نقرأ حول هذه المادة ما يلي: (السَّوء) بفتح السين: مصدر ساءَه يسوُءه سَوْءًا، فعل به ما يكره، وهو نقيض سرَّه، فهو مصدر، وغلب عليه أن يضاف إليه ما يراد ذمُّه، تقول: هذا رجل سَوْء، وهذه امرأة سَوْء، ونحو هذا؛ ويقال: ساء ما فعل فلان صنيعًا، يسوء: أي قبح صنيعه صنعًا، وفي التنـزيل: {ساء مثلاً القوم الذين كذبوا بآيتنا} (الأعراف:177). و(السُّوء) بضم السين: الاسم من السَّوء، جرى مجرى الشر، وكلاهما في الأصل مصدر؛ فتقول من السُّوء: استاء فلان في الصنيع، كما تقول في الغم: اغتم. وهذا اللفظ في القرآن الكريم ورد بمعان عدة، نستعرض بعضًا منها فيما يلي: و(السُّوء) بالضم: بمعنى الشدة، ومنه قوله تعالى: {يسومونكم سوء العذاب} (البقرة:49). و(السُّوء) بالضم: بمعنى العَقْر - وهو الجرح للبعير - ومنه قوله تعالى في قصة ناقة صالح عليه السلام: {ولا تمسوها بسوء} (هود:64). و(السُّوء) بالضم أيضًا: يطلق على البرص، وعليه قوله تعالى: {تخرج بيضاء من غير سوء} (طه:22). و(السُّوء) بالضم: الشر، قال تعالى: {ما كنا نعمل من سوء} (النحل:28). و(السُّوء) بالضم: الشتم والكلام القبيح، ومنه قوله تعالى: {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول} (النساء:148). و(السُّوء) بالضم: الذنب، وعليه قوله تعالى: {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب} (النساء:17). و(السُّوء) بالضم: الضر، ومنه قوله تعالى: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء} (النمل:62). و(السُّوء) بالضم: القتل والهزيمة، وبه فُسِّر قوله تعالى: {لم يمسسهم سوء} (آل عمران:174). و(السُّوء) بالضم: بمعنى بئس، قال تعالى في حق الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل، ويفسدون في الأرض، قال: {ولهم سوء الدار} (الرعد:25). و(السَّوء) بالفتح: الزنا، ومنه قوله تعالى، مخاطبًا مريم عليها السلام: {ما كان أبوك امرأ سوء} (مريم:28)، ولا يصح بحال ضم السين في الآية، ولا في قوله تعالى: {وظننتم ظن السوء} (الفتح)؛ لأن (السُّوء) لا يضاف إلى الرجل، ولا إلى الظن، وإنما يضاف إلى الأفعال، فتقول: عَمِل عَمَل سُوء. و(السُّوأى) في قوله تعالى: {ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى} (الروم) تأنيث الأسوأ، خلاف الحسنى؛ أو مصدر، كالبشرى، وهي في الآية بمعنى جهنم، أعاذنا الله منها. و(السوأة): العورة والفاحشة، قال تعالى: {بدت لهما سوآتهما} (الأعراف:22) قال ابن الأثير: السوأة في الأصل الفرج، ثم نُقل إلى كل ما يُستحيا منه إذا ظهر وبدا، من قول وفعل. وقال الفراء في سورة براءة عند قوله تعالى: {عليهم دائرة السوء} (التوبة: 98) قال: قرأ القُراء بنصب السين {السوء} والمراد بالسوء المصدر، من سُؤْته سَوْءًا، ومساءَة؛ فهذه مصادر؛ قال: ومن قرأ بضم السين {السوء} جعله اسمًا، كقولك: عليهم دائرة البلاء والعذاب، والمعنى هنا: عليهم الهزيمة والشر. وكما نلاحظ، فإن المعاني المتعددة والمتنوعة للفظ (السوء) تفيد معنى الشر والأذى، والسياق هو الذي يحدد نوعًا خاصًا ومعينًا من أنواع الأذى والشر. فكن على بينة من هذا، ففي ذلك عون لك على فهم كتاب الله، وبه تعرف - فوق ذلك - وجهًا من وجوه اختلاف القراءات القرآنية. |
|
03-08-2017, 01:25 PM | #16 |
| الجدال في القرآن لفظ (الجدال) في القرآن الكريم الأصل اللغوي لمادة (جدل) استحكام الشيء في استرسال يكون فيه، وامتداد الخصومة، ومراجعة الكلام. و(الجدال) المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة، وأصله من جدلت الحبل، أي: أحكمت فتله. وجدلت البناء: أحكمته، ودرع مجدولة: المحكمة العمل. ويقال: جدل الحَبُّ في سنبله: قوي. والأجدل: الصقر المحكم البنية. والمجدل: القصر المحكم البناء، ومنه: الجدال، فكأن المتجادلين يفتل كل واحد الآخر عن رأيه. وقيل: الأصل في الجدال: الصراع وإسقاط الإنسان صاحبه على الجدالة، وهي الأرض الصلبة. ولفظ (الجدل) ورد في القرآن في تسعة وعشرين موضعاً، جاء في خمسة وعشرين موضعاً بصيغة الفعل، من ذلك قوله تعالى: {يجادلونك في الحق بعدما تبين} (الأنفال:6)، وجاء في أربعة مواضع بصيغة الاسم، من ذلك قوله سبحانه: {ولا جدال في الحج} (البقرة:197). وفي القرآن الكريم سورة تسمى (المجادلة) تضمنت خبر المرأة التي جاءت رسول الله صلى الله عليها وسلم تشتكي زوجها. ومادة (جدل) وما اشتق منها وردت في القرآن على ثلاثة معان، هي: الأول: بمعنى الخصومة، وهذا المعنى أكثر ما جاء عليه هذا اللفظ، من ذلك قوله تعالى: {ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا} (غافر:4)، أي: ما يخاصم في حجج الله وأدلته على وحدانيته بالإنكار لها، إلا الذين جحدوا توحيده. ونحوه قوله سبحانه: {قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا} (هود:32)، أي: قد خاصمتنا فأكثرت خصومتنا. ومنه أيضاً عز وجل: {ومن الناس من يجادل في الله بغير علم} (الحج:3)، أي: يخاصم في الله. أما قوله تعالى: {فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط} (هود:74)، عن مجاهد: {يجادلنا}، يخاصمنا. وتفسير (الجدال) هنا بمعنى السؤال والطلب من الله -كما ذهب إلى ذلك بعضهم- غير مستقيم، واعتبر الطبري هذا التفسير جهلاً بالكلام، قال: لأن الله تعالى أخبرنا في كتابه أنه يجادل في قوم لوط، فقول القائل: "إبراهيم لا يجادل"، موهماً بذلك أن قول من قال في تأويل قوله: {يجادلنا}، يخاصمنا، أن "إبراهيم كان يخاصم ربه، جهل من الكلام، وإنما كان جداله الرسل على وجه المحاجة لهم. ومعنى ذلك: وجاءته البشرى يجادل رسلنا، ولكنه لما عُرِف المراد من الكلام حذف "الرسل". الثاني: بمعنى المراء، من ذلك قوله عز وجل: {ولا جدال في الحج} (البقرة:197)، يعني: لا مراء في الحج، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (الجدال) أن تماري صاحبك حتى تغضبه. وعن مجاهد: {ولا جدال في الحج} قال: المراء. ونحو هذا قوله تعالى: {ما ضربوه لك إلا جدلا} (الزخرف:58)، أي: مراء، قاله ابن كثير. ومثله أيضاً قوله عز وجل: {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} (الكهف:54)، قال الطبري: وكان الإنسان أكثر شيء مراء وخصومة، لا يُنيب لحق، ولا ينـزجر لموعظة. الثالث: بمعنى الحِجَاج والمناظرة، من ذلك قوله سبحانه: {وجادلهم بالتي هي أحسن} (النحل)، قال ابن كثير: أي: من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال، فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحُسْنِ خطاب. وقد يكون المراد بـ (الجدل) في هذه الآية الدعوة إلى الدين، قال القرطبي: أمره أن يدعو إلى دين الله وشرعه بتلطف ولين دون مخاشنة وتعنيف. ومما جاء بلفظ الحِجَاج والمناظرة قوله عز وجل: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن} (العنكبوت:46). وقد ذكر بعض أهل العلم فرقاً بين لفظ (الجدال) ولفظ (الحِجَاج)، فقال: "المطلوب بـ (الحِجَاج) هو ظهور الحُجة. والمطلوب بـ (الجدال) الرجوع عن المذهب، وذلك أن دأب الأنبياء عليهم السلام كان ردع القوم عن المذاهب الباطلة، وإدخالهم في دين الله ببذل القوة والاجتهاد في إيراد الأدلة والحجج". نخلص مما تقدم أن لفظ (الجدال) أكثر ما جاء في القرآن الكريم بمعنى (الخصومة)، وجاء أيضاً بمعنى (المراء)، وبمعنى (المناظرة) و(الحِجَاج)، وهو بحسب هذا المعنى الأخير محمود ومرغوب فيه، وهو بحسب المعنيين الأول والثاني مذموم ومرغوب عنه. |
|
03-08-2017, 01:26 PM | #17 |
| الأمن في القرآن ألفاظ (الأمن) في القرآن الإيمان والأمانة والأمن مصطلحات قرآنية محورية، تحمل دلالات شرعية معينة، وهي في أصلها اللغوي مشتقة من مادة (أمن)، وهذه المادة تدل على ثلاثة أمور: أحدها: الأمانة، يقال: أمُن أمانة: كان أميناً. ثانيها: التصديق، يقال: آمن به: إذا وثق به وصدقه. ثالثها: الأمن الذي هو ضد الخوف، يقال: أمِن أمناً وأماناً وأمنة: إذا اطمأن، ولم يخف، فهو آمن. وأصل (الأمن) طمأنينة في النفس، وزوال الخوف عنها؛ يقال: أمن يأمن أمناً وأَمَنَة وأماناً. والمأمن: موضع الأمن. والأمنة: اسم من أمنت. والأمان: إعطاء الأمنة. والعرب تقول: رجل أُمَّانٌ، إذا كان أميناً. وبيت آمن ذو أمن. ورجل أُمَنَة - بضم الهمزة - إذا كان يأمنه الناس، ولا يخافون شره؛ ورجل أَمَنَة - بفتح الهمزة - إذا كان يُصدق ما سمع، ولا يكذب بشيء. والأمانة: نقيض الخيانة، والمفعول: مأمون وأمين. ولفظ (الأمن) تارة يكون اسماً للحالة التي يكون عليها الإنسان في الأمن، وتارة يكون اسماً لما يؤتمن عليه الإنسان من مال ونحوه؛ ولفظ (الإيمان) أيضاً على صلة وثيقة بهذه المادة؛ إذ الإيمان لغة يعني: التصديق، والتصديق وعدم الخوف والأمانة يجمعها قاسم مشترك هو سكون النفس واطمئنانها. بعد هذه الجولة اللغوية السريعة حول مادة (أمن)، نتوجه بعدُ للتعرف على مدلولات هذه الألفاظ الثلاثة: (الإيمان) و(الأمان) و(الأمن) في القرآن، والبداية مع (الإيمان). الإيمان لفظ (الإيمان) تواتر مجيئه في القرآن الكريم، وليس من المبالغة القول: إن هذا اللفظ هو الأكثر حضوراً في القرآن، ولا غرابة في ذلك، فإن الدعوة إلى الإيمان قطب أساس في القرآن؛ إذ هو خطاب للمؤمنين أولاً {يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل} (الفتح:4)، ثم هو ثانياً خطاب للعالمين {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا...فآمنوا بالله ورسوله} (الأعراف:158). وقد ورد لفظ (الإيمان) في القرآن فيما يزيد عن خمسمائة موضع، وبعدة اشتقاقات؛ فجاء (اسماً) في أربعة عشر موضعاً، منها قوله تعالى: {ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل} (البقرة8). وجاء (مصدراً) في ثلاثة عشر موضعاً، منها قوله سبحانه: {فزادهم إيمانا} (آل عمران:173). وجاء (صفة) في نحو مائتي موضع، منها قوله تعالى: {ولعبد مؤمن خير من مشرك} (البقرة:221)، وأكثر ما جاء هذا اللفظ في القرآن (فعلاً)، حيث جاء في أزيد من ستين ومائتي موضع، منها قوله سبحانه: {وبشر الذين آمنوا} (البقرة:25)، جاء في نحو تسعين موضعاً منها خطاباً مباشراً للمؤمنين، منها قوله سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة} (البقرة:153). ولفظ (الإيمان) في القرآن ورد على خمسة معان: أولها: الإيمان الشرعي، وهو إقرار باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح، من ذلك قوله سبحانه: {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات}؛ وقوله عز وجل: {وبشر المؤمنين} (البقرة:223). وأكثر ما جاء في القرآن من لفظ (الإيمان) جاء على هذا المعنى. ثانيها: التوحيد، ومنه قوله تعالى {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله} (المائدة، أي: من يكفر بالله الذي يجب الإيمان به فقد حبط عمله. ونحوه قوله سبحانه: {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} (النحل، وقوله تعالى: {إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون} (غافر). ثالثها: التصديق، الذي هو خلاف التكذيب، ومنه قوله سبحانه: {وما نحن لكما بمؤمنين} (يونس:78)، أي: ما نحن لكما بمصدقين؛ ومثله قوله تعالى: {وما نحن لك بمؤمنين} (هود:53)، أي: ما نحن لك بمصدقين؛ وكذلك قوله عز وجل: {وما أنت بمؤمن لنا} (يوسف:17)، أي: ما أنت بمصدق لنا. رابعها: الإقرار باللسان من غير تصديق القلب، وعلى حسب هذا المعنى فُسر قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله}، معناه: يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم، آمنوا بقلوبكم وأعمالكم. وهذا على قول من ثلاثة أقوال في معنى الآية. وعلى وفق هذا المعنى فسر أيضاً قوله تعالى: {ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا} (المنافقون:3). خامسها: الصلاة، ومنه قوله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} (البقرة:143)، أي: صلاتكم إلى بيت المقدس. الأمانة ورد لفظ (الأمانة) في القرآن في نحو عشرة مواضع؛ جاء في موضعين منها (اسماً) مفرداً؛ أحدهما: قوله سبحانه: {فليؤد الذي اؤتمن أمانته} (البقرة:283)، وثانيهما: قوله تعالى: {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال} (الأحزاب:72)، وجاء في أربعة منها (اسماً) جمعاً، من ذلك قوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} (النساء:58). وجاء في موضعين (فعلاً) مضارعاً مبنياً للمعلوم، وذلك قوله تعالى: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك} (آل عمران:75)، وجاء في موضع واحد (فعلاً) ماضياً مبنياً للمعلوم، وذلك قوله سبحانه: {فإن أمن بعضكم بعضا} (البقرة:283)، وجاء في موضع واحد (فعلاً) ماضياً مبنياً للمجهول، وذلك قوله سبحانه: {فليؤد الذي اؤتمن أمانته} (البقرة:283). ولفظ (الأمانة) في القرآن ورد على ثلاثة معان: أحدها: الفرائض التي افتراضها الله على عباده، ومنه قوله تعالى: {لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم} (الأنفال:27)، أي: لا تضيعوا ما فرضه الله عليكم من فرائض. قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا تخونوا الله بترك فرائضه، والرسول بترك سنته؛ وقال السدي: إذا خانوا الله والرسول، فقد خانوا أماناتهم. وعلى حسب هذا المعنى، يُفهم قوله تعالى: { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال} (الأحزاب:72)، أراد بـ {الأمانة}: الطاعة والفرائض التي فرضها الله على عباده، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما. ثانيها: الوديعة ونحوها، ومنه قوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} (النساء:58)، فالآية يدخل في مفهومها كل ما يؤتمن عليه الإنسان، من وديعة ورهن ولُقَطة ونحوها. ووفق هذا المعنى قوله سبحانه: {والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون} (المؤمنون)، أي: إذا اؤتمنوا على شيء لم يخونوا، بل يؤدونه إلى أهله. ثالثها: العفة، وعلى هذا المعنى فُسر قوله تعالى: {إن خير من استأجرت القوي الأمين} (القصص:26)، أي: القوي في بدنه، الأمين في عفافه. ذكره الماوردي كأحد قولين في معنى الآية. الأمن وردت لفظ (الأمن) في القرآن في نحو سبعة وعشرين موضعاً، وباشتقاقات متعددة؛ فورد على صيغة (المصدر) في أربعة مواضع، منها قوله تعالى: {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا} (البقرة5)، وجاء على صيغة اسم الفاعل، كـ (صفة) في خمسة مواضع، منها قوله سبحانه: {رب اجعل هذا بلدا آمنا} (البقرة6)، وجاء (اسماً) في أربعة مواضع، منها قوله تعالى: {وإذا جاءهم أمر من الأمن} (النساء3)، وجاءت (فعلاً) في أربعة عشر موضعاً، منها قوله سبحانه: {فإذا أمنتم} (البقرة:196). ولفظ (الأمن) جاء في القرآن الكريم على معان ثلاثة: أحدها: بمعنى الأمانة الذي هو ضد الخيانة، وعليه قوله سبحانه: {فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته} (البقرة:283)، يعني: فليعطِ المؤتمن ما اؤتمن عليه من أمانة. ونحوه قوله سبحانه: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك} (آل عمران:75)، أي: إن بعض أهل الكتاب فيهم أمانة، يؤدونها مهما كثرت. ثانيها: بمعنى الأمن المقابل للخوف، ومنه قوله تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن} (الأنعام2)، والمعنى: أن الذين آمنوا بالله، ولم يشركوا به، آمنون من عذابه يوم القيامة، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. ونحو ذلك قوله سبحانه: {ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا} (آل عمران:154)، يعني: أمناً، والأمن والأَمَنَة بمعنى واحد، أي: أنزل على المؤمنين أماناً بعد الخوف الذي حصل لهم من كثرة عدوهم وقلة عَددهم وعُددهم. ثالثها: بمعنى المكان الآمن، ومنه قوله سبحانه: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه} (التوبة:6)، أي: أبلغه موضع أمنه: وهو دار قومه، أو منـزله الذي فيه أمنه. ونحو ذلك قوله تعالى: {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا} (البقرة5)، أي: مكاناً آمناً للناس. والمتأمل في هذه الألفاظ القرآنية الثلاثة، يجد أنها على صلة وثيقة فيما بينها؛ فكل لفظ منها يتضمن معنى اللفظ الآخر بنحو ما؛ فـ (الإيمان) يفيد الطمأنينة والسكينة والأمان؛ و(الأمانة) تفيد التصديق بمن تأمنه على شيء، والاطمئنان له؛ و(الأمن) يفيد أن تصدِّق بمن يؤمِّنك على نفسك وأهلك، وتأمنه في كل ما تملك. |
|
03-08-2017, 01:27 PM | #18 |
| الظن في القرآن لفظ (الظن) في القرآن (الظن) درجة من درجات العلم، فهو فوق الشك، ودون اليقين، وبعبارة أخرى: هو اعتقاد وقوع الشيء اعتقاداً راجحاً. أو: هو العلم المستند إلى دليل راجح، مع احتمال الخطأ احتمالاً ضعيفاً. وقد عرفه الجرجاني بأنه: "الاعتقاد الراجح مع احتمال النقيض". وعرفه الراغب بأنه: "اسم لما يحصل عن أمارة، ومتى قويت أدت إلى العلم، ومتى ضعفت جداً لم يتجاوز حد التوهم". وعرفه ابن عاشور بأنه: "علم لم يتحقق؛ إما لأن المعلوم به لم يقع بعد، ولم يخرج إلى عالم الحس؛ وإما لأن علم صاحبه مخلوط بشك". ولا تعارض بين هذه التعريفات، بل هي عند التحقيق والتدقيق متفقة على أن (الظن) غير اليقين وغير الشك. وإذا يممنا وجهنا نحو اللغويين، وجدناهم انقسموا فريقين من حيث دلالة مادة (ظن): الأول: يرى أن إطلاق (الظن) على (اليقين) إطلاق حقيقي، بمعنى أن (الظن) قد يُطلق ويراد به اليقين من حيث الوضع اللغوي. ومن هذا الفريق: الأزهري. والفريق الثاني: يرى أن إطلاق (الظن) على (اليقين) إطلاق مجازي، بمعنى أن (الظن) من حيث الوضع اللغوي لا يفيد معنى (اليقين)، وإنما إفادته لذلك تحصل على سبيل المجاز لقرينة تدل عليه. ومن هذا الفريق: الجوهري، وابن سيده، والفيروزابادي. ومعاجم العربية تعرف (الظن) بأنه: العلم بالشيء على غير وجه اليقين. ويقال: رجل ظنون: لا يوثق بخبره. ورجل فيه ظنة: أي: تهمة. وهو ظنتي: أي: موضع تهمتي. ويقال أيضاً: هو مظنة للخير. وظننت به الخير فكان عند ظني. وبئر ظنون: لا يوثق بمائها. وتذكر تلك المعاجم أن (الظن) قد يأتي بمعنى اليقين، ويستدلون لذلك بالقرآن وبالشعر. وقد وردت مادة (ظن) في القرآن الكريم في نحو ستين موضعاً، نصفها ورد كـ (اسم)، نحو قوله تعالى: {إن يتبعون إلا الظن} (الأنعام6)، ونصفها الآخر ورد كـ (فعل)، مثل قوله سبحانه: {الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم} (البقرة:46). ثم إن لفظ (الظن) في القرآن الكريم ورد على عدة معان: الأول: بمعنى اليقين، ورد على هذا المعنى في مواضع عديدة، منها قوله تعالى: {الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم}، قال أبو حيان: "معناه: يوقنون، قاله الجمهور؛ لأن من وصف بالخشوع لا يشك أنه ملاق ربه، ويؤيده أن في مصحف عبد الله بن مسعود: الذين يعلمون". وقال ابن كثير في معنى الآية: "يعلمون أنهم محشورون إليه يوم القيامة، معروضون عليه، وأنهم إليه راجعون". ونحو هذا قوله تعالى: {وإنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض} (الجن)، قال القرطبي: "الظن هنا بمعنى العلم واليقين ". وبحسب هذا المعنى يُفهم قوله تعالى: {إني ظننت أني ملاق حسابيه} (الحاقة:20)؛ وقوله سبحانه: {وظن أنه الفراق} (القيامة:28) . قال الطبري ما معناه: العرب قد تسمي اليقين ظناً، والشك ظنًا، نظير تسميتهم المغيث صارخاً، والمستغيث صارخًا... قال: والشواهد من أشعار العرب وكلامها على أن الظن في معنى اليقين، أكثر من أن تحصر. الثاني: بمعنى الشك، من ذلك قوله عز وجل: {وإن هم إلا يظنون} (البقرة:78)، قال أبو حيان بعد أن نقل أقوالاً في معنى (الظن) هنا: "وقال آخرون: يشكون". والمتأمل في الآيات التي ورد فيها (الظن) على معنى (اليقين)، أو الآيات التي ورد فيها (الظن) على معنى الشك، يجد أن الحمل على أحد المعنيين مستفاد من المعنى الكلي للآيات، وليس بمقتضى الوضع اللغوي؛ فقوله تعالى: {إني ظننت أني ملاق حسابيه}، لا يستقيم أن يفسر (الظن) هنا بمعنى الشك، أو العلم الذي لا يفيد اليقين؛ وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قوله: {إني ظننت أني ملاق حسابيه}، يقول: أيقنت. ويكون المعنى: أنه ما نجا إلا بخوفه من يوم الحساب، لأنه تيقن أن الله يحاسبه، فعمل للآخرة. الثالث: بمعنى التهمة، ومنه قوله تعالى: {الظانين بالله ظن السوء} (الفتح:6)، قال ابن كثير: "أي: يتهمون الله في حكمه". وعلى هذا المعنى قرئ قوله تعالى: {وما هو على الغيب بظنين} (سورة التكوير:24)، بـ (الظاء)، وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي؛ والمعنى: وما محمد صلى الله عليه وسلم على ما أنزله الله إليه بمتهم. وقد رجح الآلوسي هذه القراءة، من جهة أنها أنسب بالمقام؛ لاتهام الكفرة له صلى الله عليه وسلم، ونفي (التهمة) أولى من نفي (البخل). ومن قرأها بـ (الضاد)، وهم الجمهور، فمعناها: وما محمد صلى الله عليه وسلم ببخيل، بل يبذل ما أعطاه الله لكل أحد. الرابع: بمعنى الوهم والتوهم، ومنه قوله سبحانه: {إن نظن إلا ظنا} (الجاثية:32)، قال ابن كثير: "أي: إن نتوهم وقوعها إلا توهماً، أي: مرجوحاً". وقال الخازن: " أي ما نعلم ذلك إلا حدساً وتوهماً"؛ وعلى هذا المعنى يُحمل قوله تعالى: {وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه} (الأنبياء7)، قال الراغب: "الأولى: أن يكون من الظن الذي هو التوهم، أي: ظن أن لن نضيِّق عليه"، وهو قول كثير من العلماء في معنى الآية. ويكون معنى {نقدر}، من (القَدْر) الذي هو المنع والتضيق، كقوله تعالى: {ومن قدر عليه رزقه} (الطلاق:7)، وليس من (القدرة)؛ لاختلال المعنى؛ إذ لا يليق بالأنبياء - فضلاً عن غيرهم من البشر - أن يظنوا أن الله غير قادر عليهم. الخامس: بمعنى الحسبان، ومنه قوله تعالى: {وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا} (الجن:5)، قال الطبري: "قالوا: وأنا حسبنا أن لن تقول بنو آدم والجن على الله كذباً من القول ". وقال ابن كثير: "أي: ما حسبنا أن الإنس والجن يتمالؤون على الكذب على الله في نسبة الصاحبة والولد إليه". السادس: الاعتقاد الخاطئ، كما في قوله تعالى: {فما ظنكم برب العالمين} (الصافات7)، قال ابن عاشور : "أريد بالظن: الاعتقاد الخطأ؛ والمعنى: أن اعتقادكم في جانب رب العالمين جهل منكر". ومن هذا القبيل قوله سبحانه: {إن بعض الظن إثم} (الحجرات)، وقوله تعالى: {إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون} (الأنعام6)، وقوله عز وجل: {إن الظن لا يغني من الحق شيئا} (يونس:36). وقد ذكر ابن عاشور أن "الظن كثر إطلاقه في القرآن والسنة على العلم المخطئ، أو الجهل المركب، والتخيلات الباطلة". ثم ها هنا قولان منقولان عن السلف بخصوص معنى (الظن) في القرآن؛ أحدهما: عن الضحاك قال: كل ظن في القرآن من المؤمن فهو يقين، ومن الكافر فهو شك. وثانيهما: عن مجاهد قال: كل ظن في القرآن فهو يقين. وقول الضحاك أقرب إلى ما تقرر بخصوص معنى (الظن)؛ أما قول مجاهد فهو يشكل بكثير من الآيات التي تفيد أن المقصود بالظن معناه الحقيقي، الذي هو غير اليقين، كما تبين قريباً. وقد يُحمل قول مجاهد على أن (الظن) الذي يفيد اليقين، هو ما كان متعلقاً بأمور الآخرة، أما ما كان متعلقاً بأمور الدنيا فيفيد الشك، وقد رويت رواية ثانية عن مجاهد تدل على هذا المعنى، وفيها: ظن الآخرة يقين، وظن الدنيا شك؛ ونحو هذا قول قتادة : ما كان من ظن الآخرة فهو علم. وقد وضع الزركشي ضابطين للتفريق بين اليقين والشك؛ أحدهما: أن (الظن) حيث وُجد محموداً مثاباً عليه فهو (اليقين)، وحيث وُجد مذموماً متوعداً عليه بالعذاب فهو (الشك). وهذا الضابط يفيد أن السياق هو المعول عليه في تحديد معنى (الظن)، وليس اللفظ نفسه. الضابط الثاني: أن كل (ظن) يتصل به (أن) المخففة فهو (شك)، كقوله سبحانه: {بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول} (الفتح)، وكل (ظن) يتصل به (أن) المشددة فهو (يقين)، كقوله تعالى: {إني ظننت أني ملاق حسابيه}. والمعنى في ذلك: أن (أنَّ) المشددة للتأكيد، فدخلت في (اليقين)، و(أن) المخففة بخلافها، فدخلت في (الشك). ومما هو جدير بالذكر هنا، أن (الظن) في القرآن الكريم، ورد في مواطن عديدة مذموماً، كما في قوله تعالى: {وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا} (يونس:36)، وقوله سبحانه: {وأنهم ظنوا كما ظننتم} (الجن:7)، وقوله عز وجل: {وتظنون بالله الظنونا} (الأحزاب)، وأغلب ما جاء ذلك في سياق ما يتعلق بباب العقائد التي لا يعول فيها إلا على اليقين. ويُشار هنا إلى فائدتين تتعلقان بلفظ (الظن): أولهما: أن (الظن) في جميع القرآن جاء بـ (الظاء)، لكن اختلف القراء في قوله تعالى: {بضنين}، فقرأها جمهورهم بـ (الضاد)، وقرأها ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بـ (الظاء)، والقراءتان متواترتان عن النبي صلى الله عليه وسلم. ثانيهما: أن فعل (الظن) إذا عُدي بحرف (الباء) أشعر غالباً بظن صادق، كما في قوله تعالى: {وتظنون بالله الظنونا} (الأحزاب)، وقال سبحانه: {وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم} (فصلت:23)، أفادها ابن عاشور. وعلى ضوء ما تقدم من معانى الظن في القرآن الكريم، يتبين أن السياق العام للآيات هو الذي يقود إلى تحديد المعنى المراد من لفظ (الظن)، أهو اليقين؟ أم الشك؟ أم التوهم؟ أم غيرها من المعاني التي أتينا عليها. |
|
03-08-2017, 01:28 PM | #19 |
| الخير في القرآن لفظ (الخير) في القرآن من الألفاظ المركزية في القرآن لفظ (الخير)، حيث ورد هذا اللفظ ما يقرب من مئة وثمانين مرة، جاء في معظمها (اسماً)، كقوله تعالى: {ذلكم خير لكم} (البقرة:45)، وجاء في سبعة مواضع فقط (فعلاً)، منها قوله تعالى: {وربك يخلق ما يشاء ويختار} (القصص:66). ولفظ (الخير) في الأصل اللغوي يدل على العطف والميل، وعليه قالوا: (الخير) ضد الشر؛ لأن كل أحد يميل إليه، ويعطف على صاحبه؛ وعليه أيضاً قالوا: (الاستخارة) وهي الاستعطاف، لأن المستخير يسأل خير الأمرين، ويُقدِم عليه؛ و(الخِيَرة): الاختيار؛ لأن المختار لأمر إنما هو مائل إليه، ومنعطف عليه دون غيره. ثم توسعوا في هذا الأصل اللغوي، فقالوا: رجل خيِّر، أي: فاضل؛ وقوم خيار وأخيار، أي: من أفاضل الناس. و(الخير) من أسماء المال، والعرب تسمِّى الخيل: الخير؛ لما فيها من الخير. ثم إن (الخير) في التعريف الاصطلاحي: ما يرغب فيه كل الناس، كالعقل، والعدل، والفضل، والشيء النافع، وضده: الشر . و(الخير) يطلق على نوعين: أحدهما: خير مطلق، وهو أن يكون مرغوباً فيه بكل حال، كطلب الجنة. وثانيهما: خير نسبيٌّ، ويكون مقابلاً للشر، كالمال يكون خيراً للبعض، ويكون شراً لآخرين. ولفظ (الخير) في القرآن على وجهين: أحدهما: أن يكون (اسماً)، كقوله تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير} (آل عمران4). ثانيهما: أن يكون (وصفاً)، على تقدير صيغة (أفعل)، كقوله تعالى: {وأن تصوموا خير لكم} (البقرة:184)، أي: الصيام للمسافر أفضل من الفطر، ونحو ذلك قوله تعالى: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} (البقرة:197)، أي: أفضل ما يتزود به قاصد البيت الحرام تقوى الله. وورد لفظ (الخير) مقابلاً لـ (الشر) مرة، وورد مقابلاً لـ (الضُرِّ) مرة أخرى، فمن أمثلة مقابلته لـ (الشر)، قوله سبحانه: {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره} (الزلزلة:7-8)، ومن أمثلة مقابلته لـ (الضر) قوله تعالى: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير} (الأنعام:17). أما من حيث المعنى، فإن لفظ (الخير) في القرآن أطلق على معان، منها: الأول: المال، كقوله تعالى: {إن ترك خيراً} (البقرة:180)، فـ (الخير) هنا - كما قال القرطبي - المال من غير خلاف. وعلى هذا المعنى جاء أكثر استعمال القرآن للفظ (الخير). الثاني: الطعام، كقوله تعالى على لسان موسى عليه السلام: {رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير} (القصص:24)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: سار موسى من مصر إلى مدين ليس له طعام إلا البقل وورق الشجر، وكان حافياً، فما وصل إلى مدين حتى سقطت نعل قدميه، وجلس في الظل وهو صفوة الله من خلقه، وإن بطنه للاصق بظهره من الجوع، وإن خضرة البقل لترى من داخل جوفه، وإنه لمحتاج إلى شق تمرة. الثالث: القوة، كقوله سبحانه في حق مشركي العرب: {أهم خير أم قوم تبع} (الدخان:37)، قال البغوي : يعني: أقوى، وأشد، وأكثر من قوم تُبَّع، وقال ابن عاشور: "المراد بالخيرية: التفضيل في القوة والمَنَعَة". وعلى هذا المعنى قوله تعالى: {أكفاركم خير من أولئكم} (القمر:43). الرابع: العبادة والطاعة، كقوله سبحانه: {وأوحينا إليهم فعل الخيرات} (الأنبياء:73)، قال القرطبي: "أي: أن يفعلوا الطاعات". الخامس: حُسْن الحالة، كقوله تعالى حاكياً قصة شعيب عليه السلام مع قومه: {إني أراكم بخير} (هود:48)، قال الطبري: "يدخل في خير الدنيا: المال، وزينة الحياة الدنيا، ورخص السعر، ولا دلالة على أنه عنى بقيله ذلك بعض خيرات الدنيا دون بعض، فذلك على كل معاني خيرات الدنيا"، وقال ابن عاشور: "الخير: حسن الحالة". السادس: التفضيل، من ذلك قوله تعالى: {أولئك هم خير البرية} (البينة:7)، أي: المؤمنون بالله حق الإيمان أفضل الخلق أجمعين. السابع: القرآن، وذلك في قوله تعالى: {وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا} (النحل:30)، قال القرطبي: "المراد: القرآن". وعلى ضوء هذه المعاني للفظ (الخير)، نسلط الضوء على بعض الآيات التي هي على صلة وثيقة بهذا اللفظ، لننظر ماذا تفيد من معنى. فقوله تعالى: {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير} (الأعراف:188)، المراد بـ (الخير) في هذه الآية الكريمة: المال - على ما رجحه الشنقيطي وغيره - ويدل على ذلك كثرة ورود الخير بمعنى (المال) في القران، كقوله تعالى: {وإنه لحب الخير لشديد} (العاديات)، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، في معنى الآية، قال: {لاستكثرت من الخير}، أي: من المال. وقوله سبحانه: {لا يسأم الإنسان من دعاء الخير} (فصلت:49)، قال الطبري: "الخير في هذا الموضع: المال وصحة الجسم"، وقال القرطبي: "والخير هنا: المال، والصحة، والسلطان، والعز"، ويقوي هذا المعنى قراءة ابن مسعود رضي الله عنه لهذه الآية: (لا يسأم الإنسان من دعاء المال). وقوله تعالى: {والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير} (الحج:36)، قال الطبري: {لكم فيها خير}: الأجر في الآخرة بنحرها والصدقة بها، وفي الدنيا: الركوب إذا احتاج إلى ركوبها. ونحو هذا قال البغوي. وقوله سبحانه: {أشحة على الخير} (الأحزاب:19)، قال بعض المفسرين: الخير هنا: الغنيمة التي يصيبها المسلمون في المعركة. وقال آخرون: الخير هنا: المال المنفق في سبيل الله. وقال فريق ثالث: الخير هنا: المودة بالمسلمين، والشفقة عليهم. ويكون معنى الآية عموماً: أن المنافقين لا يروق لهم أن تكون الغنائم للمسلمين، بل يريدونها خاصة لهم من دون المؤمنين. وأيضاً، فإن المنافقين يقبضون أيديهم عن الإنفاق في سبيل الله، حرصاً على ما في أيديهم من المال. وهم فوق هذا وذاك لا يوادون المسلمين، ولا يشفقون بهم حال اشتداد القتال. وقريب من هذه الآية قوله تعالى: {ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم} (البقرة5)، فالمراد بـ (الخير) هنا: شرعة الإسلام، قال ابن كثير: "ينبه تعالى على ما أنعم به على المؤمنين من الشرع التام الكامل، الذي شرعه لنبيهم محمد صلى الله عليه وسلم". وقوله تعالى: {إني أحببت حب الخير} (ص:32)، قال ابن العربي: "يعني: الخيل، وسماها (خيراً)؛ لأنها من جملة المال الذي هو خير بتسمية الشارع له بذلك". وفي قراءة ابن مسعود رضي الله عنه: (إني أحببت حب الخيل). وقوله تعالى: {فيهن خيرات حسان} (الرحمن:70)، فـ (الخيرات) في الآية: حور العين، وصفن بذلك: إما لأنهن خيِّرات الأخلاق. وإما لأنهن مختارات، اختارهن الله، فأبدع خلقهن باختياره. ختاماً، فإن لفظ (الخير) كغيره من ألفاظ القرآن، لا يُفهم المراد منه تماماً إلا من خلال معرفة السياق الذي ورد فيه، فعلى الرغم من أنه قد ورد في كثير من الآيات القرآنية بمعنى (المال)، إلا أنه قد ورد في آيات غير قليلة على غير هذا المعنى، مما يحتم ضرورة معرفة السياق الذي ورد فيه هذا اللفظ أو ذاك. |
|
03-08-2017, 01:29 PM | #20 |
| الظلم في القرآن ألفاظ (الظلم) في القرآن من الألفاظ الواردة في معرض الذم والنكير والرفض في القرآن، تستوقفنا الألفاظ التالية: (الظلم)، و(الجور)، و(الرهق)، و(الهضم)، و(الضيزى)، وهي ألفاظ يجمعها قاسم مشترك، يدل على عمل غير مناسب شرعاً أو عرفاً أو عادة. وسوف نقف مع كل لفظ من هذه الألفاظ، متتبعين معناه في اللغة، وناظرين مواضع توارده في القرآن؛ ليستبين لنا على ضوء ذلك دلالة هذه الألفاظ، وما يجمعها من معان، وما يفرقها من دلالات. ظلم (الظلم) في أصله اللغوي يدل على وضع الشيء في غير موضعه، إما بنقصان أو بزيادة، وإما بعدول عن وقته أو مكانه. يقال: ظَلَم يَظْلِم ظَُلْماً -بفتح الظاء وضمها- فهو ظالم وظلوم؛ وظَلَمَهُ حقه: أي: منعه حقه كله أو بعضه؛ وتظلم فلان: أي: نفى الظلم عن نفسه؛ وتظلم من فلان: شكا من ظلمه. ومعنى قول العرب في أمثالها: من أشبه أباه فما ظلم: أي: ما وضع الشبه في غير موضعه. وقد جاء لفظ (ظلم) في القرآن باشتقاقاته المختلفة في أكثر من مائتي موضع؛ وأكثر ما جاء بصيغة الفعل، كـقوله تعالى: {ظلم} (الكهف)، و{أظلم} (البقرة:20)، و{يظلمون} (البقرة:57)، و{تظلمون} (البقرة:279)، و{يظلم} (النساء:40)، و{ليظلمهم} (التوبة:70)، و{ظلمتم} (البقرة:54)، و{ظلمهم} (آل عمران7)، و{ظلموا} (البقرة:59)، {ظلمت} (يونس:54)، {ظلمناهم} (هود1)، و{ظلمونا} (البقرة:57)، و{ظلمك} (ص:24)؛ وجاء بصيغة اسم الفاعل بدرجة أقل، كـقوله سبحانه: {ظالم} (الكهف:35), و{ظالمون} (البقرة:51)، و{ظالمة} (هود2)؛ وجاء بصيغة الاسم في ستة عشر موضعاً، من ذلك قوله تعالى: {فبظلم من الذين هادوا} (النساء:160)، وجاء بصيغة الاسم المشبه بالفعل في موضعين، أحدهما: قوله تعالى: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} (النساء:97)؛ وجاء مرة واحدة بصيغة اسم المفعول، وهو قوله تعالى: {ومن قتل مظلوما} (الإسراء:33). وتوارد هذا اللفظ في القرآن على هذه الشاكلة، من حيث الكثرة، ومن حيث تنوع الاشتقاقات، لا بد أنه يحمل دلالات عدة، يبدو لنا منها أمران: أحدهما: أن القرآن الكريم أراد أن يصف كل عمل لا يوافق ما أمر الله به ورسوله بأنه ظلم؛ لأنه خروج وإعراض عن أمر الله ورسوله؛ ويكون ذلك إما بظلم الإنسان لنفسه، كتركه للأوامر، وإتيانه للنواهي؛ وإما بظلمه لغيره، كأكله أموال الناس بالباطل. ثانيهما: دعوة القرآن المسلم إلى تجنب الظلم ومحاربته؛ لأن الظلم ليس من صفات المؤمن الحق. ثم إن الظلم ليس على درجة واحدة، بل هو درجات ومراتب؛ فمنه ظلم بين الإنسان وبين خالقه، وأعظمه الكفر، والشرك، والنفاق، قال تعالى: {إن الشرك لظلم عظيم} (لقمان:13)، وقال سبحانه: {والكافرون هم الظالمون} (البقرة:254)؛ وظلم بين الإنسان وبين الناس، قال تعالى: {إنما السبيل على الذين يظلمون الناس} (الشورى:42)؛ وظلم بين الإنسان ونفسه، بإرهاقها بالذنوب والمعاصي، وتفريطها في حق الله، قال تعالى: {فمنهم ظالم لنفسه} (فاطر:32). وهذه الأقسام الثلاثة عند التحقيق والتدقيق ظلم للنفس؛ فإن الإنسان أول ما يهمُّ بالظلم فقد ظلم نفسه، فالظالم -بداية ونهاية- ظالم لنفسه؛ لذلك قال تعالى في أكثر من موضع من كتابه: {وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون} (آل عمران7). بقي أن نعلم، أن مادة (ظلم) في القرآن وردت على معنى آخر مغاير لما نحن فيه، وهو معنى (الظلمة) المقابل لمعنى (النور)، وحديثنا هنا لا يتناول هذا المعنى. جور و(الجور) في أصله اللغوي: العدول عن الطريق، يقال: جار جوراً، إذا مال عن الجادة؛ ثم جُعل ذلك أصلاً في كل عدول عن الحق؛ فقالوا: جار القاضي في حكمه: إذا فارق جادة الاستقامة، ومال إلى أحد الطرفين. وهذا اللفظ لم يرد إلا مرة واحدة في القرآن، وجاء بصيغة اسم الفاعل، وذلك قوله تعالى: {وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر} (النحل:9)؛ و(القصد): هو استقامة الطريق؛ يقال: طريق قاصد: أي: مستقيم. و(السبيل) هنا: الهداية والرشاد. و(الجائر): الحائد والمائل والزائغ عن الحق؛ وهو هنا في مقابلة (القصد)؛ كنى به عن طريق غير موصل إلى المقصود، أي: إلى الخير، وهو المفضي إلى ضر، فهو جائر بسالكه. قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: هي الطرق المختلفة، والآراء والأهواء المتفرقة، كاليهودية، والنصرانية، والمجوسية. رهق هذه المادة اللغوية تدل على أمرين: أحدهما: غشيان شيء لآخر؛ يقال: رهقه الأمر: إذا غشيه بقهر، وأرهق القوم الصلاة: إذا أخروها عن وقتها، حتى يقترب وقت الصلاة الأخرى؛ ورهقه: دنا منه، وصبي مراهق: قارب البلوغ؛ ويقال: رجل فيه رَهَقٌ: إذا كان يخف إلى الشر ويغشاه. ثانيهما: العجلة والظلم. ولفظ (رهق) ورد في القرآن في عشرة مواضع؛ جاء في ثمانية منها بصيغة الفعل، من ذلك قوله تعالى: {ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة} (يونس:26)؛ وجاء في موضعين بصيغة الاسم، أحدهما: قوله سبحانه: {فزادوهم رهقا} (الجن:6)، وثانيهما: قوله تعالى: {فلا يخاف بخسا ولا رهقا} (الجن:13). ومعنى قوله: {فزادوهم رهقا}، أي: فزادوهم سفهاً وطغياناً، أو تكبراً وعتواً. ومعنى قوله: {فلا يخاف بخسا ولا رهقا}، أي: لا يخاف نقصاً في عمله وثوابه، ولا ظلماً ومكروهاً يغشاه. وثمة أقوال أُخر في تفسير الآيتين. هضم أصل (الهضم) في العربية: النقصان، ومنه قيل للمنخفض من الأرض: هضم، والجمع أهضام. ومادة هذا اللفظ تدل على كسر وضغط وتداخل؛ تقول: هضمت الشيء هضماً: إذا كسرته، ويقال: هضم فلان فلاناً: إذا ظلمه وغصبه حقه، فهو هضيم؛ ويقال: امرأة هضيم: أي: ضامرة البطن، ومنه قولهم: قد هضم الطعام: إذا ذهب. وهضمت لك من حقك: أي: أنقصتك؛ والمتهضم: الظالم. وهذا اللفظ ورد في القرآن مرتين؛ أولهما: قوله تعالى: {ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما} (طه2). قال الماوردي في تفسير قوله تعالى: {فلا يخاف ظلما ولا هضما}، فيه وجهان: أحدهما: فلا يخاف الظلم بالزيادة في سيئاته، ولا هضماً بالنقصان من حسناته، قاله ابن عباس رضي الله عنهما، والحسن، وقتادة. الثاني: لا يخاف ظلماً بأن لا يجزى بعمله، ولا هضماً بالانتقاص من حقه، قاله ابن زيد. قال ابن عاشور ما حاصله: ويجوز أن يكون (الظلم) في الآية بمعنى النقص الشديد؛ كما في قوله تعالى: {ولم تظلم منه شيئا} (الكهف:33)، أي: لا يخاف إحباط عمله، وعليه يكون (الهضم) بمعنى: النقص الخفيف، وعطفه على الظلم على هذا التفسير من باب تأكيد نفي وجود أي ظلم كان. والموضع الثاني الذي ورد فيه هذا اللفظ، قوله سبحانه: {وزروع ونخل طلعها هضيم} (الشعراء:148) (الهضيم): بمعنى المهضوم، وأصل الهضم كسر الشيء حتى يلين، والمراد هنا أنه يخرج تمراً جيداً. ضيز أصل هذا اللفظ يدل على المنع والنقص؛ قال الكسائي: يقال: ضاز يضيز ضيزاً: إذا ظلم، وتعدى، وبخس، وانتقص. وهذا اللفظ لم يرد في القرآن إلا مرة واحدة، وذلك قوله تعالى: {تلك إذا قسمة ضيزى} (النجم:22). وقد ذكر الماوردي في تفسير هذا اللفظ أربعة أقوال: أحدها: قسمة عوجاء، قاله مجاهد. الثاني: قسمة جائرة، قاله قتادة. الثالث: قسمة منقوصة، قاله سفيان وأكثر أهل اللغة. الرابع: قسمة مخالفة، قاله ابن زيد. والمتأمل في هذه الألفاظ التي أتينا عليها، يجد أن ثمة معنى مشتركاً يجمع بينها، وهو عدم القيام بالأعمال على الوجه المطلوب، ومنافاتها لمنطق العدل، ومجانبتها لمبدأ الصواب. وعلى الرغم من وجود هذا القاسم المشترك بين هذه الألفاظ، إلا أن بينها أيضاً فروقاً لغوية مبثوثة في كتب أهل اللغة؛ من ذلك ما ذكروه من فرق بين الجور والظلم، فقالوا: إن الجور خلاف الاستقامة في الحكم وفي السيرة، تقول: جار الحاكم في حكمه، والسلطان في سيرته، إذا فارق كل منهما الاستقامة في ذلك؛ والظلم ضرر لا يمكن تعويضه غالباً، سواء كان من سلطان أو حاكم أو غيرهما؛ ألا ترى أن الخيانة في المال تسمى ظلماً، ولا تسمى جوراً، فإن أُخذ ذلك المال على وجه القهر أو الميل سمي جوراً. ومن أوجه الفرق بينهما أيضاً، الافتراق في نقيضهما؛ فقيل في نقيض الظلم: الإنصاف، وهو إعطاء الحق على التمام؛ وفي نقيض الجور: العدل، وهو العدول بالفعل إلى الحق. وقالوا في الفرق بين الهضم والظلم: إن الهضم نقصان بعض الحق، ولا يقال لمن أُخذ جميع حقه: قد هُضم. والظلم يكون في البعض والكل، ويقال في الكثير والقليل، وفي الذنب الكبير والذنب الصغير؛ ولذلك قيل لآدم عليه السلام في تعديه: ظالم. وقيل لإبليس: ظالم، وإن كان بين ظلميهما من البون ما لا يخفى. وقال بعض أهل التفسير، وظاهر قوله تعالى: {فلا يخاف ظلما ولا هضما} أن بينهما فرقاً؛ وذلك أن الظلم منع الحق كله، والهضم منع بعضه، فكل هضم ظلم، ولا ينعكس. |
|
03-08-2017, 01:30 PM | #21 |
| الدعاء في القرآن لفظ (الدعاء) في القرآن صح في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة)، رواه أصحاب السنن إلا النسائي؛ والدعاء هو صلة الوصل بين العبد وربه، والرابطة التي تربط المسلم بخالقه، قال تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} (غافر:60)، فعلَّق الاستجابة الحاصلة من الخالق، على الدعاء الذي هو من فعل العبد. والأصل اللغوي لـ (الدعاء) طلب الفعل، من دعا يدعو، إذا طلب من آخر فعل شيء؛ وتداعى البناء، إذا دعا بعضه بعضاً إلى السقوط. ولفظ (الدعاء) ورد في القرآن في نحو تسعين موضعاً؛ جاء كـ (اسم) في ثمانية وأربعين موضعاً، منها قوله تعالى: {إن ربي لسميع الدعاء} (إبراهيم:39)، وجاء كـ (فعل) في أربعة وأربعين موضعاً، منها قوله تعالى: {والله يدعو إلى الجنة والمغفرة} (البقرة:221). ولفظ (الدعاء) في القرآن الكريم ورد على عدة معان، نذكر منها ما يلي: - الدعاء بمعنى (التعبد والعبادة)، ومنه قوله تعالى: {قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا} (الأنعام:71)، أي: أنعبد من دون الله ما لا يملك لنا نفعاً ولا ضراً؛ ومنه قوله سبحانه: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} (غافر:60)، أي: اعبدوني وأخلصوا لي العبادة، أتقبل عبادتكم، وأغفر لكم. وقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: {قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله} (الأعراف:37)، وورد فيه أيضاً قوله سبحانه: {وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون} (الشعراء:92)، فهذه الآية الأخيرة تدل على أن (الدعاء) يأتي بمعنى (العبادة). و(الدعاء) بمعنى (العبادة) كثير في القرآن. - الدعاء بمعنى (التسمية)، ومنه قوله تعالى: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا} (النور:63)، أي: لا تنادوا الرسول كما ينادي بعضكم بعضاً؛ روى ابن كثير عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: كانوا يقولون: يا محمد! يا أبا القاسم! فنهاهم الله عز وجل عن ذلك؛ إعظاماً لنبيه صلى الله عليه وسلم، قال: فقولوا: يا نبي الله! يا رسول الله! وهكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير . - الدعاء بمعنى (الاستعانة والاستغاثة)، ومنه قوله تعالى: {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون} (الأنعام:40)، أي: أغير الله هناك تستغيثون وتطلبون منه أن يكشف ما نزل بكم من البلاء؟ ومنه قوله سبحانه: {وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه} (الإسراء:67)، أي: عند الحاجة تتضرعون إلى الله وحده، وتستغيثون بمن لا مغيث غيره؛ ومنه قوله تعالى: {يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه} (الحج)، أي: من الأصنام والأنداد، يستغيث بها ويستنصرها ويسترزقها، وهي لا تنفعه ولا تضره . - الدعاء بمعنى (السؤال والاستفهام)، ومنه قوله تعالى: {قالوا ادع لنا ربك} (البقرة:68)، أي: فاسأل لنا ربك يبين لنا هذه البقرة: ما صفتها؟ ما لونها؟ ما طبيعتها ؟ - الدعاء بمعنى (الحث على فعل شيء)، ومنه قوله تعالى: {قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه} (يوسف:33)، أي: أن أكون في السجن أحب إلي مما تطلبه مني تلك المرأة من الرذيلة والفاحشة وتحثني عليه؛ ومنه قوله تعالى أيضاً: {والله يدعو إلى دار السلام} (يونس:25)، أي: يحث عباده على فعل الطاعات من أجل دخول الجنة؛ ومثله قوله سبحانه: {ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار} (غافر:41)، أي: ما لي أحثكم على فعل ما ينجيكم من عذاب الله، وأنتم تحثونني على فعل ما يدخلني النار. - الدعاء بمعنى (النداء)، ومنه قوله تعالى: {ولا تسمع الصم الدعاء} (النمل0)، قال قتادة: (الأصم) إذا ولى مدبراً ثم ناديته لم يسمع، كذلك الكافر، لا يسمع ما يدعى إليه من الإيمان . - الدعاء بمعنى (العذاب والعقوبة)، ومنه قوله تعالى: {تدعو من أدبر وتولى} (المعارج:17)، قال بعض أهل اللغة: {تدعو}، أي، تهلك؛ تقول العرب: دعاك الله. وقال الخليل: إنه ليس كالدعاء: تعالوا، ولكن دعوتها إياهم تمكنها من تعذيبهم. وهذا على قول في تفسير الآية . - الدعاء بمعنى (التمني)، ومنه قوله تعالى: {ولهم ما يدَّعون} (يس:57)، أي: لهم في الجنة ما يتمنون ويشتهون . - الدعاء بمعنى (القول)، ومنه قوله تعالى: {فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا} (الأعراف:5)، قال ابن كثير: فما كان قولهم عند مجيء العذاب إلا اعترافهم بأنهم كانوا ظالمين . - الدعاء بمعنى (الطلب)، ومنه قوله تعالى: {ولكم فيها ما تدعون} (فصلت:31)، أي: ما طلبتم شيئاً إلا وجدتموه حاضراً بين أيديكم . - الدعاء بمعنى (الادعاء)، ومنه قوله تعالى: {فما كان دعواهم} (الأعراف:5)، أي: انقطعت كل الدعاوى التي كانوا يدعونها من تحقيق تعدد الآلهة، وأن دينهم حق، فلم تبق لهم دعوى، بل اعترفوا بأنهم ظالمون. وهذا على قول في تفسير الآية . - والدعاء يستعمل بمعنى (طلب حضور المدعو)، ومنه قوله تعالى: {وادعوا شهداءكم} (البقرة:23)، أي: أحضروا من تعبدون من دون الله، لنرى ما هم فاعلون بشأنكم. وهذا على قول في تفسير الآية . - (الدعوى) بمعنى (الدعاء)، وهو كثير في القرآن، ومنه قوله تعالى: {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} (يونس)، أي: آخر دعائهم قولهم: الحمد لله رب العالمين؛ وقوله سبحانه: {دعواهم فيها سبحانك اللهم} (يونس)، أي: دعائهم في الجنة: {سبحانك اللهم}. قال سيبويه: تقول العرب: اللهم أشركنا في صالح دعوى المسلمين، أي: في دعائهم. هذا، ومن مشتقات لفظ (الدعاء) لفظ (الدعوة)، وقد ورد في القرآن على وجوه، منها: - دعوة (دعاء) العباد ربهم، قال تعالى: {ادعوني أستجب لكم} (غافر:60). - دعوة الخالق لعباده، قال تعالى: {والله يدعو إلى دار السلام} (يونس:25)، وقوله سبحانه: {والله يدعو إلى الجنة والمغفرة} (البقرة:221). - دعوة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم للخلق كافة، قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك} (النحل5). - دعوة المؤمنين إلى الدين المبين، قال تعالى: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله} (فصلت:33) . - دعوة نوح عليه السلام لقومه، قال تعالى: {إني دعوت قومي ليلا ونهارا} (نوح:5). - دعوة إسرافيل يوم القيامة مَن في القبور، قال تعالى: {يوم يدعو الداعي} (القمر:6). - دعوة المتبوعين المضلين أتباعهم الضالين، قال تعالى: {وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار} (القصص:41). - دعوة (دعاء) الكفرة الضالين، قال تعالى: {وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} (الرعد:14) . - دعوة إبليس حزبه، قال تعالى: {إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير} (فاطر:6) . وأخيراً لا آخراً، فإن (الدعوة) و(الدعاء) من أصل واحد، وأشبه العبادات بعبادة الدعوة هي عبادة الدعاء، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله في كل أحواله، وعلى كل أحواله؛ وكان يدعو ربه تضرعاً وخفية آناء الليل وأطراف النهار. ونحن اليوم بقدر ما أننا بحاجة إلى قيام الدعوة، فإننا بحاجة إلى قيام الدعاء، لكن ما نحتاج إليه حقيقة هو الدعوة القائمة الدائمة، لا إلى الدعوة الجامدة النائمة، {قم فأنذر} (المدثر:2)؛ والدعاء الحي النابض، لا الدعاء الميت الجامد، {ادعوا ربكم تضرعا وخفية} (الأعراف:55). |
|
الكلمات الدلالية (Tags) |
ألفاظ , القرآن , الكريم , في |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
تأملات من القرآن | ريحانة بغداد | (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) | 94 | 29-04-2019 06:05 PM |
المشكاة في القرآن الكريم | نسيم فلسطين | (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) | 15 | 28-07-2017 06:12 PM |
الفاظ الشتاء في القرآن الكريم | مبارك آل ضرمان | ( همســـــات الإسلامي ) | 13 | 29-06-2017 02:45 AM |
معلومـــات رائعـــة عن القُرآن... | عِطرِ آلجَنُوبَ | (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) | 31 | 03-03-2015 08:01 AM |
أسرار التكرار في القرآن الكريم | ميارا | (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) | 11 | 13-02-2013 11:33 PM |