03-08-2017, 01:49 PM | #36 |
| النذر في القرآن لفظ (النذر) في القرآن الكريم تحدث القرآن الكريم عن البشارة والبشير والبشرى، وتحدث بالمقابل عن (النذير) و(الإنذار) و(النُّذُر)، فما هو معنى هذا اللفظ لغة، وما هي دلالاته في القرآن الكريم؟ مادة (نذر) لغة ذكر صاحب معجم مقاييس اللغة أن (النون)، و(الذال)، و(الراء) كلمة تدل على تخويف، أو تَخَوُّف. ومنها الإنذار: الإبلاغ؛ ولا يكاد يكون إلا في التخويف. وتناذروا: خوَّف بعضهم بعضاً. ومنها النُّذُر، وهو أنه يخاف إذا أخلف. يقال: نذرت بهم، فاستعددت لهم، وحذرت منهم. ويقال: قد نذرت، أي: علمت ذلك وحذرت. والنذير: المنذر، ويقع على كل شيء فيه إنذار؛ إنساناً كان أو غيره. والجمع النُّذُر. والنَّذْرُ: أن توجب على نفسك ما ليس بواجب لحدوث أمر، يقال: نذرت لله لأن شفاني الله لأتصدق للفقراء، أو لأصومن شهراً تطوعاً لله. والإنذار: إخبار فيه تخويف، كما أن التبشير إخبار فيه سرور. والنَّذارة: الإنذار. والنَّذِيرة: ما يعيطه المرء نذراً. ونذيرة الجيش: طليعته. والجمع: نذائر. لفظ (نذر) في القرآن الكريم ورد لفظ (نذر) بمشتقاته في القرآن الكريم في واحد وثلاثين ومائة (131) موضع، جاء في تسعة وأربعين موضعاً بصيغة الفعل، من ذلك قوله تعالى: {إني نذرت للرحمن صوما} (مريم:26)، وجاء في اثنين وثمانين موضعاً بصيغة الاسم، من ذلك قوله سبحانه: {هذا نذير من النذر الأولى} (النجم:56). وأكثر الاشتقاقات توارداً من هذا اللفظ لفظ (النذير)، فقد ورد في أكثر من ثلاثين موضعاً، من ذلك قوله تعالى: {فقد جاءكم بشير ونذير} (المائدة:19). وقد اقترن (التبشير) مع (الإنذار) في القرآن الكريم في ستة عشر (16) موضعاً، منها قوله سبحانه: {إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا} (البقرة9). دلالات لفظ (النذر) في القرآن الكريم جاء لفظ (نذر) وما اشتق منه في القرآن الكريم يفيد خمسة معانٍ، هي: الأول: تحذير الخلق وتنبيههم، من ذلك قوله سبحانه: {أن أنذر الناس} (يونس:2)، أي: حذرهم من مغبة مخالفة أمر الله. ونظير هذا قوله تعالى: {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم} (البقرة:6)، أي: يستوي عندهم تحذيرك إياهم من مخالفة أمر وعدم تحذيرك. الثاني: بمعنى الخبر، منه قوله عز وجل: {هذا نذير من النذر الأولى} (النجم:56)، يعني: هذا خبر من أخبار الأمم الماضية. ونظير هذا قوله تعالى: {ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم} (التوبة2)، أي: وليخبروا قومهم بواجبات دينهم. الثالث: الرسل، وهذا كثير في القرآن الكريم، من ذلك قوله سبحانه: {كذبت ثمود بالنذر} (القمر:23)، أي: بالرسل؛ بدليل قوله سبحانه في آية أخرى: {كذبت ثمود المرسلين} (الشعراء:141). ونظير هذا قوله تعالى: {ألم يأتكم نذير} (الملك)، أي: رسولي، بدليل قوله سبحانه في آية أخرى: {ألم يأتكم رسل} (الزمر:71). ومثل ذلك قوله عز وجل: {إنما أنت نذير} (هود). الرابع: النَّذْر الذي يوجبه العبد على نفسه، من ذلك قوله سبحانه: {وليوفوا نذورهم} (الحج:29)، يعني: ما أوجبوه على أنفسهم من التزامات. ونظير هذا المعنى قوله عز وجل: {وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر} (البقرة:270)، أي: ما أوجبتم على أنفسكم، مما لم يوجبه الله عليكم. ومنه قوله تعالى مادحاً عباده الصالحين بأنهم: {يوفون بالنذر} (الإنسان:7). وليس غير هذه الآيات الثلاث على هذا المعنى في القرآن. الخامس: النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا المعنى قوله سبحانه: {وجاءكم النذير} (فاطر:37)، قال أكثر المفسرين: المراد النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل: القرآن. وقال عكرمة، وسفيان بن عيينة، ووكيع: هو الشيب. والحاصل هنا، أن المعنى الرئيس الذي يدور حوله هذا اللفظ في القرآن الكريم، هو معنى التخويف والتحذير والتنبيه على مآلات الأقوال والأفعال التي لا ترضي الله سبحانه وتعالى. أما معنى (النَّذْر) وهو ما يوجبه الإنسان على نفسه من التزامات فقد جاء في القرآن في مواضع معدودة بالنظر إلى العديد من المواضع التي ورد فيها هذا اللفظ مفيداً المعنى الرئيس الذي ذكرناه آنفاً. |
|
03-08-2017, 01:53 PM | #37 |
| البشارة في القرآن لفظ (البشارة) في القرآن الكريم يختار القرآن الكريم من الألفاظ ما هو أوقع في القلوب، وأدل على المطلوب؛ إذ اللفظ هو صلة الوصل بين المتكلم والمخاطب، وبقدر ما يكون هذا اللفظ واضحاً ومشرقاً، بقدر ما يحدث أثراً في النفس، فتسرع لقبوله، والأخذ بمضمونه ومدلوله. ومن الألفاظ القرآنية المتصفة بما ذكرنا لفظ (البشارة)، فما دلالة هذا اللفظ في القرآن، نعرف ذلك بعد أن نطل سريعاً على تحديد المعنى اللغوي لهذا اللفظ. تفيد معاجم العربية أن الجذر (بشر) يدل على ظهور الشيء مع حسن وجمال. فـ (البشرة) ظاهر جلد الإنسان، ومنه باشر الرجل المرأة، وذلك إفضاؤه ببشرته إلى بشرتها. وسمي البشر بشراً؛ لظهورهم. و(البشير) الحسن الوجه. و(البشارة) الجمال. قال الأعشى: ورأت بأن الشيب جانبه البشاشة والبشارة أي: جانبه الحسن والجمال. ويقال: بشرت فلاناً أبشره تبشيراً، وذلك يكون بالخير، وربما حُمِل عليه غيره من الشر. ويقال: أبشرت الأرض، إذا أخرجت نباتها. ويقال: بَشَرْتُ الأديم، إذا قشرت وجهه. وفلان مؤدم مبشر، إذا كان كاملاً من الرجال، كأنه جمع لين الأُدْمة، وخشونة البشرة. و(البشارة) أصلها الخبر بما يُسَرُّ به المُخبَرُ، إذا كان سابقاً به كل مخبِر سواه. و(التبشير) الإخبار بما يظهر أثره على البشرة، وهي ظاهر الجلد؛ لتغيرها بأول خبر يرد عليك. والغالب أن يستعمل في السرور مقيداً بالخير المبشر به، وغير مقيد أيضاً. ولا يستعمل في الغم والشر إلا مقيداً منصوصاً على الشر المبشر به؛ قال تعالى: {فبشرهم بعذاب أليم} (آل عمران:21). ويقال: بَشَرْتُه وبَشَّرْتُه بِشارة فأبشر واستبشر. وبشر يبشر، إذا فرح. ووجه بشير، إذا كان حسناً بيِّنَ البَشارة. و(البشرى): ما يعطاه المُبَشَّر. وتباشير الشيء: أوله. ولفظ (بشر) ومشتقاته ورد في القرآن الكريم في ثلاثة وعشرين ومائة موضع، ورد في ثمانية وأربعين موضعاً بصيغة الفعل، من ذلك قوله تعالى: {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات} (البقرة:25)، وهذا الفعل هو أكثر أفعال هذه اللفظ وروداً في القرآن الكريم، حيث ورد في ثلاثة عشر موضعاً. وورد هذا اللفظ بصيغة الاسم في خمسة وسبعين موضعاً، منها قوله سبحانه: {وهدى وبشرى للمؤمنين} (البقرة:97)، وأكثر الأسماء وروداً لهذا اللفظ لفظ (البشر)، حيث ورد في سبعة وثلاثين موضعاً، منها قوله عز وجل: {وقلن حاش لله ما هذا بشرا} (يوسف:31). وخُص في القرآن كل موضع اعتبر من الإنسان جثته وظاهره بلفظ (البشر)، نحو قوله تعالى: {وهو الذي خلق من الماء بشرا} (الفرقان:54). ولفظ (البشارة) ورد في القرآن الكريم على وجوه، هي وفق التالي: الأول: بشارة أصحاب الإنابة بالهداية: قال تعالى: {والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله} (الزمر:17-18)، فقد بشرت الآية المنيبين إلى الله والخاضعين لأمره بالهداية، التي يلزم عنها التوفيق في الدنيا والآخرة. الثاني: بشارة المخبتين والمخلصين بالحفظ والرعاية، قال سبحانه: {وبشر المخبتين} (الحج:34)، الآية لم تتحدث عن طبيعة هذه البشارة، لكن يستفاد من آيات أُخر أنها بشارة بالجنة التي أعدت للمتقين، وبشارة برضا الله عنهم. الثالث: بشارة المستقيمين بتأييد الله لهم، وتثبيتهم على الحق: قال تعالى: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون} (فصلت:30). أي: الذين أخلصوا العمل لله، وعملوا بطاعته على ما شرع الله لهم، فلا خوف عليهم مما يقدمون عليه من أمر الآخرة، ولا يحزنون على ما خلفوه من أمر الدنيا، من ولد وأهل ومال، فإن الله يخلفهم فيه، وتبشرهم الملائكة بذهاب الشر وحصول الخير. الرابع: بشارة المتقين بالفوز والحماية: قال سبحانه: {الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة} (يونس:62-63)، فالآية تبشر المتقين بخيري الدنيا والآخرة. الخامس: بشارة المذنبين بالمغفرة والوقاية: قال تعالى: {إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم} (يس)، تبشر الآية المذنبين بمغفرة ذنوبهم، وتعدهم بالأجر الكبير الواسع الحسن الجميل. السادس: بشارة المجاهدين بالرضا والعناية: قال سبحانه: {الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون * يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم} (التوبة:20-21)، فالمجاهدون في سبيل الله أعظم فضيلة عند الله من الذين افتخروا بسقاية الحاج، وعمارة المسجد الحرام، ويبشرهم ربهم برحمة منه يوم القيامة، ورضوان من الله أكبر، والنعيم المقيم في جنات الخلد. السابع: بشارة المطيعين بالجنة والسعادة: قال سبحانه: {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات} (البقرة:25)، تبشر الآية المؤمنين بالله رباً والعاملين بشرعه بالجنات والرزق الحسن والسعادة الأبدية. الثامن: بشارة المؤمنين بالعطاء والشفاعة: قال تعالى: {وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم} (يونس:2)، تبشر الآية الكريمة المؤمنين بالله بأن لهم أعمالاً صالحة عند الله، يستوجبون بها منه الثواب. التاسع: بشارة المنكرين بالعذاب والعقوبة: قال سبحانه: {بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما} (النساء:138)، قال ابن عاشور: لما كان التظاهر بالإيمان، ثم تعقيبه بالكفر ضرباً من التهكم بالإسلام وأهله، جيء في جزاء عملهم بوعيد مناسب؛ لتهكمهم بالمسلمين، فجاء به على طريقة التهكم، إذ قال: {بشر المنافقين}، فإن البشارة هي الخبر بما يَفرحَ المخبَر به، وليس العذاب كذلك. ونحو هذا قوله سبحانه: {فبشرهم بعذاب أليم} (آل عمران:21). العاشر: بشارة الصابرين بالدعاء لهم والرحمة: قال تعالى: {وبشر الصابرين} (البقرة:155)، إلى قوله تعالى: {أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} (البقرة:157)، تبشر الآية الكريمة الصابرين بالدعاء لهم والرحمة من ربهم، ومن تولاه الله بالدعاء والرحمة فقد فاز فوزاً عظيماً. الحادي عشر: بشارة المؤمنين بلقاء ربهم، والعيش في روضات الجنات: قال سبحانه: {وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا} (الأحزاب:47)، و(الفضل الكبير) الذي بشر الله به عباده المؤمنين في هذه الآية، جاء شرحه في قوله سبحانه: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير} (الشورى:22). فهذه الآية شارحة لما أبهمته الآية الأخرى. وعلى العموم، فإن لفظ (البشارة) من الألفاظ المركزية في القرآن الكريم، وهو لفظ يتجه في الأغلب إلى المؤمنين الذين يعملون الصالحات، ويدل على وَعْدٍ بالخير، حصل أو سيحصل لهم. وما جاء من الآيات على خلاف هذا الأصل، فبقصد التهكم، أو لمعنى آخر مراد. |
|
03-08-2017, 01:54 PM | #38 |
| الرجز في القرآن لفظ (الرجز) في القرآن من الألفاظ التي استخدمها القرآن لبيان ما يصيب الكافرين والمعرضين عن حكمه لفظ (الرجز)، وهو قريب من لفظ (الرجس)، وبينهما فرق، نوقفك عليه بعد بيان المراد من هذه المادة لغة، ثم بيان دلالاتها في القرآن الكريم. تذكر معاجم اللغة أن مادة (رجز) تدل على اضطراب في الشيء. من ذلك الرجز: داء يصيب الإبل في أعجازها، فإذا ثارت الناقة اضطربت فخذاها. ومن هذه المادة أيضاً اشتق بحر الرجز من الشعر؛ لتقارب أجزائه، وحدوث رجز في اللسان عند إنشاده، ويقال لنحوه من الشعر: أرجوزة وأراجيز، ورجز فلان وارتجز، إذا عمل ذلك، أو أنشد. والرجازة: كساء يُجعل فيه أحجار يعلق بأحد جانبي الهودج إذا مال، فيحدث اضطراباً. فمرجع هذه المادة كما ترى إلى الاضطراب. ومادة (الرجز) وردت في القرآن الكريم في عشرة مواضع فقط، ووردت في جميع تلك المواضع بصيغة الاسم، كقوله تعالى: {ويذهب عنكم رجز الشيطان} (الأنفال)، ولم يأت هذا اللفظ بصيغة الفعل في القرآن الكريم. ولفظ (الرجز) ورد في القرآن الكريم على ثلاثة معان: أولها: بمعنى (العذاب). وثانيها: بمعنى (الكيد). وثالثها: بمعنى (الصنم). وتفصيل ذلك يستبين بالوقوف على الآيات التي ورد فيها هذا اللفظ: قوله تعالى: {فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء} (البقرة:59)، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كل شيء في كتاب الله من (الرِّجز)، بكسر الراء، يعني به: العذاب. ونحو ذلك قال قتادة ومجاهد وغيرهما. وقال أبو العالية: الرجز: الغضب. وقال ابن جبير: الرجز: الطاعون. ونحو ذلك قال الشعبي. وقال ابن زيد: لما قيل لبني إسرائيل: {ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة} (البقرة:58)، {فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم} (البقرة:59)، بعث الله جل وعز عليهم الطاعون، فلم يُبْق منهم أحداً. وقرأ الآية. قال الطبري: يغلب على النفس صحة ما قاله ابن زيد؛ لإخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون أنه رجز، وأنه عُذب به قوم قبلنا. وقال ابن عاشور: الرجز من أسماء الطاعون. ونحو ذلك يقال في قوله تعالى: { فأرسلنا عليهم رجزا من السماء} (الأعراف:162). وقوله تعالى: {ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك} (الأعراف:134). روى الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: {لئن كشفت عنا الرجز} قال: الطاعون. وروي عن مجاهد وقتادة أن (الرجز) هنا: العذاب. ونحو ذلك يقال في قوله تعالى: {فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون} (الأعراف:135). وقوله تعالى: {ويذهب عنكم رجز الشيطان} (الأنفال)، قال مجاهد: {رجز الشيطان}: وسوسته. وروى الطبري عن ابن إسحاق، قال: شك الشيطان. وقال ابن عاشور: {الرجز} هنا: القَذَر، والمراد: الوسخ الحسي وهو النجس، والمعنوي المعبر عنه في كتب الفقه بالحدث. والمراد الجنابة. وقيل: (الرجز) هنا: الكيد. قال ابن قتيبة: وسمي كيد الشيطان: رجزاً؛ لأنه سبب العذاب. وقوله تعالى: {إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء} (العنكبوت:34)، قال الطبري وغيره: عذاباً. وقوله تعالى: {والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم} (سبأ:5)، قال الطبري: الرجز هنا: سوء العذاب. ونحو ذلك قوله تعالى: {والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم} (الجاثية). وقوله تعالى: {والرجز فاهجر} (المدثر:5)، روى الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: {الرجز}: الأصنام. وقال مجاهد وعكرمة: الرجز: الأوثان، وهو قريب من قول ابن عباس رضي الله عنهما. وقال النخعي والضحاك: {الرجز}: المعصية. وهذه الأقوال في الآية على قراءة من قرأ {الرجز} بضم الراء. أما من قرأها بالكسر، فقد قال: {الرجز}: العذاب. ومعنى الآية بحسب هذه القراءة: ما أوجب لك العذاب من الأعمال فاهجر. والقراءتان متواترتان. ولعلك تلاحظ أن أقوالالمفسرين قد تتعدد في معنى (الرجز) في الآية الواحدة، وهي في المحصلة لا تخرج عن المعاني الثلاثة التي ورد عليها لفظ (الرجز) في القرآن الكريم، وهي: العذاب، والكيد، والأصنام. هذا، وأكثر أهل العلم على أن لفظ (الرجز) ولفظ (الرجس) سواء من حيث المعنى، وهما: العذاب، قال الفراء: (الرجز) هو (الرجس). وكان أبو عمرو بن العلاء يزعم أن (الرجز) و(الرجس) بمعنى واحد، وأنه مقلوب، قُلبت السين زاياً. وأثبت بعض أهل العلم فرقاً بينهما، فقال: (الرجز): العذاب لا غير. و(الرجس) يقال للعذاب وغيره. ولا شك أن الدلالات القرآنية لكلا اللفظين تثبت أن بينهما فرقاً، وإن كان بينهما قاسم مشترك من حيث المعنى وهو معنى العذاب. |
|
03-08-2017, 01:55 PM | #39 |
| السلام في القرآن لفظ (السلام) في القرآن الكريم لفظ (الإسلام) مأخوذ من السلام، والسلام غاية كل عاقل؛ ولهذا كان من دخل في الإسلام في سلام وأمان، إن لم يكن في هذه العاجلة على التحقيق، فهو في تلك الآجلة على التأكيد. ولفظ (السلام) في أصل اللغة - كما يقول اللغويون - يدل على الصحة والعافية، فالسلامة: أن يسلم الإنسان من العاهة والأذى. ومن أسمائه تعالى: السلام؛ لسلامته مما يلحق المخلوقين من العيب والنقص والفناء. ومن لفظ السلام أيضاً اشتق لفظ الإسلام، وهو الانقياد؛ لأنه يسلم من الإباء والامتناع. ولفظ (السلام) ورد في القرآن الكريم بصيغ مختلفة في أربعين ومائة موضع، ورد في اثني عشر ومائة موضع بصيغة الاسم، من ذلك قوله عز وجل: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا} (النساء:94)، وورد في ثمانية وعشرين موضعاً بصيغة الفعل، منها قوله سبحانه: {لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها} (النور:27). ولفظ (السلام) ورد في القرآن الكريم على سبع معان رئيسة، هي: اسم من أسماء الله، الإسلام، التحية المعروفة، السلامة من الشر، الثناء الحسن، الخير، خلوص الشيء من كل شائبة. وفيما يلي تفصيل ذلك: السلام بمعنى (اسم من أسماء الله)، من ذلك قوله تعالى: {هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام} (الحشر:33)، فـ {السلام} في الآية اسم من أسمائه سبحانه؛ ومن هذا القبيل قوله عز وجل: {لهم دار السلام عند ربهم} (الأنعام7)، قال السدي: الله هو السلام، والدار الجنة. وأكثر المفسرين على أن {السلام} في هذه الآية هو الله، وداره الجنة. السلام بمعنى (الإسلام)، من ذلك قوله سبحانه: {يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام} (المائدة:16)، قال السدي: سبيل الله الذي شرعه لعباده ودعاهم إليه، وابتعث به رسله، وهو الإسلام الذي لا يقبل من أحد عملاً إلا به، لا اليهودية، ولا النصرانية، ولا المجوسية؛ ونحو ذلك قوله سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة} (البقرة:208)، يعني: الإسلام، كما قاله ابن عباس رضي الله عنهما وغيره. السلام بمعنى (التحية المعروفة)، من ذلك قوله تعالى: {وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم} (الأنعام:54)، قال عكرمة: نزلت في الذين نهى الله عز وجل نبيه عن طردهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآهم بدأهم بالسلام. وقال ابن كثير: فأكرمهم برد السلام عليهم، وبشرهم برحمة الله الواسعة الشاملة لهم؛ ونحو هذا قوله سبحانه: {فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم} (النور:61). السلام بمعنى (السلامة من الشر)، من ذلك قوله سبحانه: {قيل يا نوح اهبط بسلام منا} (هود:48)، أي: بأمن منا أنت ومن معك من إهلاكنا، قال القرطبي: أي: بسلامة وأمن؛ ومن هذا القبيل قوله سبحانه: {ادخلوها بسلام آمنين} (الحجر:46)، أي: سالمين من عقاب الله. السلام بمعنى (الثناء الحسن)، من ذلك قوله سبحانه: {سلام على نوح في العالمين} (الصافات:79)، قال ابن كثير: مفسِّر لما أبقى عليه من الذكر الجميل والثناء الحسن، أنه يُسلَّم عليه في جميع الطوائف والأمم؛ ونحو ذلك قوله تعالى: {سلام على إبراهيم} (الصافات9)، قال الشوكاني: السلام: الثناء الجميل. وقد يراد بـ (السلام) في هاتين الآيتين ونحوهما: السلامة من الآفات والشرور، وهو قول في تفسير الآيتين ونحوهما. السلام بمعنى (الخير)، من ذلك قوله تعالى: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} (الفرقان:63)، قال الطبري: إذا خاطبهم الجاهلون بالله بما يكرهونه من القول، أجابوهم بالمعروف من القول، والسداد من الخطاب. وقال مجاهد: قالوا سداداً من القول؛ ونحو هذا قوله سبحانه: {فاصفح عنهم وقل سلام} (الزخرف)، قال ابن كثير: لا تجاوبهم بمثل ما يخاطبونك به من الكلام السيء، ولكن تألفهم واصفح عنهم فعلاً وقولاً. السلام بمعنى (خلوص الشيء من كل شائبة)، وذلك في قوله تعالى: {ورجلا سلما لرجل} (الزمر:29)، أي: رجلاً خالصاً لرجل. رُوي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما. وليس غيره في القرآن على هذا المعنى. ولا يخفى، أن المفسرين قد يرجحون معنى على معنى، لدليل شرعي، أو نقل لغوي، أو مقتضى سياقي، ولا غرابة في ذلك، ما دام اللفظ يحتمل هذه المعاني المتعددة. |
|
03-08-2017, 01:56 PM | #40 |
| الرجس في القرآن لفظ (الرجس) في القرآن الكريم من الألفاظ التي وصف الله بها أهل الشرك والكفر، ونزه عنها عباده المؤمنين لفظ (الرجس)، وهو لفظ يحمل دلالات متعددة، منها مادية ومنها معنوية. فما هي دلالة هذا اللفظ، وهل ثمة من فرق بينه وبين (الرجز)؟ جواب هذين السؤالين هو مضمون السطور التالية: ذكر صاحب معجم "مقاييس اللغة" أن (الراء، والجيم، والسين) أصل يدل على اختلاط، يقال: هم في مرجوسة من أمرهم، أي: اختلاط. والرجس: صوت الرعد؛ وذلك أنه يتردد. والرجس: هدير البعير. ويقال: سحاب رجاس، وبعير رجاس. وهذا راجس حسن، أي: راعد حسن. والرجس: القذر؛ لأنه لطخ وخلط. وواضح أن الأصل اللغوي لهذا اللفظ يتعلق بما هو مادي محسوس، لكن توسعوا بعدُ في استعمال هذا اللفظ، فأصبح يُستعمل فيما هو معنوي أيضاً، كما سيتضح لك قريباً. ولفظ (الرجس) ورد في القرآن الكريم في عشرة مواضع فقط، منها قوله تعالى: {كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون} (الأنعام5). ولم يأت هذا اللفظ في القرآن إلا بصيغة الاسم. وهو في المواضع التي جاء فيها، لم يأت على معنى واحد، بل جاء على أكثر من معنى، نستجليها فيما يأتي: قال سبحانه في وصف الخمر والميسر: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان} (المائدة:90)، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن (الرجس) هنا هو: السَّخَط. وروي عن ابن زيد، قال: (الرجس)، الشر. وقال سعيد بن جبير: الإثم. وقال الطبري: إثم ونَتْن. وقال البغوي: أي: خبيث مستقذر. و(الرجس) في قوله تعالى: {كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون} (الأنعام5)، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن (الرجس) هنا: الشيطان. وروي عن مجاهد، قال: (الرجس): ما لا خير فيه. وقال ابن زيد: الرجس: عذاب الله. ورجح الطبري قول ابن عباس رضي الله عنهما في الآية. و(الرجس) في قوله تعالى: {فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به} (الأنعام:145)، الحرام، كما قال البغوي. وقال ابن عاشور: الرجس هنا: الخبيث والقَذر. و(الرجس) في قوله تعالى: {قد وقع عليكم من ربكم رجس} (الأعراف:71)، السَخَط، وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقال الطبري والبغوي: الرجس هنا: العذاب. وهو بمعنى كلام ابن عباس رضي الله عنهما. وفسر الطبري (الرجس) في قوله تعالى: {فأعرضوا عنهم إنهم رجس} (التوبة:95)، بأنه: النجس. وفسره القرطبي و البغوي بأنه: العمل القبيح. وقال ابن كثير: خبثاء نجس بواطنهم واعتقاداتهم. وقال ابن عاشور: الرجس هنا: الخبث. والمراد: تشبيههم بالرجس في الدناءة ودَنَس النفوس. فهو رجس معنوي. و(الرجس) في قوله تعالى: {فزادتهم رجسا إلى رجسهم} (التوبة5)، الشر والضلال. قال ابن زيد في معنى الآية: زادهم شراً إلى شرهم، وضلالة إلى ضلالتهم. وقال ابن كثير: أي: زادتهم شكا إلى شكهم، وريبا إلى ريبهم. وقال الكسائي: أي: نتناً إلى نتنهم. وقال مقاتل: إثماً إلى إثمهم. وقال القرطبي: أي: شكاً إلى شكهم، وكفراً إلى كفرهم. وقال ابن عاشور: الرجس هنا: الكفر. والمعنى في الجميع متقارب. وفسر كثير من المفسرين (الرجس) في قوله تعالى: {ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون} (يونس0)، بأنه: العذاب. وقال ابن كثير: الخبال والضلال. وأغلب المفسرين على أن المراد من (الرجس) في قوله تعالى: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان} (الحج:30)، عبادة الأوثان، قال ابن عباس رضي الله عنهما: فاجتنبوا طاعة الشيطان في عبادة الأوثان. وقال ابن كثير : اجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان. وقال ابن عاشور: وَصْفُ الأوثان بالرجس أنها رجس معنوي؛ لكون اعتقاد إلهيتها في النفوس بمنزلة تعلق الخبث بالأجساد، فإطلاق الرجس عليها تشبيه بليغ. و(الرجس) في قوله تعالى: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت} (الأحزاب:33)، عمل الشيطان، وما ليس لله فيه رضى. قاله ابن عباس رضي الله عنهما. وقال قتادة: السوء. وقال مجاهد: الشك. وقال ابن زيد: الرجس ها هنا: الشيطان، وسوى ذلك من الرجس: الشرك. وقال مقاتل: الإثم. وقال ابن عاشور: المراد به هنا: الخبيث في النفوس، واعتبار الشريعة. وهذا القول يجمع الأقوال السابقة. وأنت تلحظ أن لفظ (الرجس) في الآيات السابقة قد جاء على عدة معان، فجاء بمعنى الإثم، والشرك، والشر، والعذاب، والشك، والشيطان، والنجس، والخبث، والسَّخَط، وهي معان تجمع بين ما هو مادي حسي وما هو معنوي، ويصب كلها في النهاية في المعنى اللغوي وهو معنى الخبث والقَذَر. ثم ها هنا سؤال قد يرد، وهو عن الفرق بين (الرجس) و(الرجز)، فاعلم أن أنظار أهل اللغة قد اختلفت هنا، فقال بعضهم: (الرجز): العذاب لا غير. و(الركس): العذرة لا غير. و(الرجس) يقال للأمرين. وجعل بعضهم: (الرجس)، و(الرجز)، سواء، وهما: العذاب. قال الفراء: (الرجز) هو (الرجس). وقال أبو عبيد: كما يقال: السدغ والزدغ، كذا يقال: (رجس) و(رجز) بمعنى. وكان أبو عمرو بن العلاء يزعم أن (الرجز) و(الرجس) بمعنى واحد، وأنها مقلوبة، قُلبت السين زاياً. وتتبع دلالات لفظ (الرجز) في القرآن قد يكشف على وجه الفرق بين اللفظين. وهو ما نأمل أن نقف عليه في مقال غير هذا. |
|
29-08-2017, 02:45 PM | #41 |
| جزاك الله كل خير وحسنه ببركة هدا الشهر الكريم ربي يسلم هالديات تحياتي الك |
|
15-10-2017, 02:50 AM | #42 |
| جزآك الله جنةٍ عَرضها آلسَموآت وَ الأرض بآرك الله فيك على الطَرح القيم في ميزآن حسناتك ان شاء الله ,, آسأل الله أن يَرزقـك فسيح آلجنات !! وجَعل مااقدمتٍ في مَيزانْ حسَناتكِ وعَمر آلله قلبكَ بآآآلايمَآآنْ علىَ طرحَكَ آالمحمَل بنفحآتٍ إيمآنيهِ دمتـمّ بـِ طآعَة الله |
|
الكلمات الدلالية (Tags) |
ألفاظ , القرآن , الكريم , في |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
تأملات من القرآن | ريحانة بغداد | (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) | 94 | 29-04-2019 06:05 PM |
المشكاة في القرآن الكريم | نسيم فلسطين | (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) | 15 | 28-07-2017 06:12 PM |
الفاظ الشتاء في القرآن الكريم | مبارك آل ضرمان | ( همســـــات الإسلامي ) | 13 | 29-06-2017 02:45 AM |
معلومـــات رائعـــة عن القُرآن... | عِطرِ آلجَنُوبَ | (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) | 31 | 03-03-2015 08:01 AM |
أسرار التكرار في القرآن الكريم | ميارا | (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) | 11 | 13-02-2013 11:33 PM |