ننتظر تسجيلك هنا


الإهداءات


العودة   منتدى همسات الغلا > ¨°o.O (المنتديات الاسلاميه) O.o°¨ > (همسات القرآن الكريم وتفسيره )

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-02-2021, 01:20 PM   #204


البرنس مديح ال قطب متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5942
 تاريخ التسجيل :  16 - 3 - 2015
 أخر زيارة : 26-12-2024 (03:48 PM)
 المشاركات : 873,030 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~


سبحان الله وبحمدة
سبحان الله العظيم
لوني المفضل : Darkorange
شكراً: 0
تم شكره 7 مرة في 7 مشاركة
افتراضي













.
.





.
.





.
.












تابع – سورة الجن
محاور ومقاصد السورة
قال سيد قطب
هذه السورة تبده الحس - قبل أن ينظر إلى المعاني والحقائق الواردة فيها - بشيء آخر واضح كل الوضوح فيها .. إنها قطعة موسيقية مطردة الإيقاع ، قوية التنغيم ، ظاهرة الرنين مع صبغة من الحزن في إيقاعها ، ومسحة من الأسى في تنغيمها ، وطائف من الشجى في رنينها ، يساند هذه الظاهرة ويتناسق معها صور السورة وظلالها ومشاهدها ، ثم روح الإيحاء فيها. وبخاصة في الشطر الأخير منها بعد انتهاء حكاية قول الجن ، والاتجاه بالخطاب إلى رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - هذا الخطاب الذي يثير العطف على شخص الرسول في قلب المستمع لهذه السورة ، عطفا مصحوبا بالحب وهو يؤمر أن يعلن تجرده من كل شيء في أمر هذه الدعوة إلا البلاغ ، والرقابة الإلهية المضروبة حوله وهو يقوم بهذا البلاغ :
«قُلْ : إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً .. قُلْ : إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً .. قُلْ : إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً ، إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ، حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً .. قُلْ : إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً ، عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً ، إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ، لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ ، وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ ، وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً» ..
وذلك كله إلى جانب الإيقاع النفسي للحقائق التي وردت في حكاية قول الجن ، وبيانهم الطويل المديد.
وهي حقائق ذات ثقل ووزن في الحس والتصور والاستجابة لها تغشى الحس بحالة من التدبر والتفكير ، تناسب مسحة الحزن ورنة الشجى المتمشية في إيقاع السورة الموسيقي! وقراءة هذه السورة بشيء من الترتيل الهادئ ، توقع في الحس هذا الذي وصفناه من المسحة الغالبة عليها ..

إذا تجاوزنا هذه الظاهرة التي تبده الحس إلى موضوع السورة ومعانيها واتجاهها فإننا نجدها حافلة بشتى الدلالات والإيحاءات.
إنها ابتداء شهادة من عالم آخر بكثير من قضايا العقيدة التي كان المشركون يجحدونها ويجادلون فيها أشد الجدل ، ويرجمون في أمرها رجما لا يستندون فيه إلى حجة ، ويزعمون أحيانا أن محمدا - صلى اللّه عليه وسلم - يتلقى من الجن ما يقوله لهم عنها! فتجيء الشهادة من الجن أنفسهم بهذه القضايا التي يجحدونها ويجادلون فيها وبتكذيب دعواهم في استمداد محمد من الجن شيئا. والجن لم يعلموا بهذا القرآن إلا حين سمعوه من محمد - صلى اللّه عليه وسلم - فهالهم وراعهم ومسهم منه ما يدهش ويذهل ، وملأ نفوسهم وفاض حتى ما يملكون السكوت على ما سمعوا ، ولا الإجمال فيما عرفوا ، ولا الاختصار فيما شعروا. فانطلقوا يحدثون في روعة المأخوذ ، ووهلة المشدوه ، عن هذا الحادث العظيم ، الذي شغل السماء والأرض والإنس والجن والملائكة والكواكب.
وترك آثاره ونتائجه في الكون كله! .. وهي شهادة لها قيمتها في النفس البشرية حتما.
ثم إنها تصحيح لأوهام كثيرة عن عالم الجن في نفوس المخاطبين ابتداء بهذه السورة ، وفي نفوس الناس جميعا من قبل ومن بعد ووضع حقيقة هذا الخلق المغيب في موضعها بلا غلو ولا اعتساف. فقد كان العرب المخاطبون بهذا القرآن أول مرة يعتقدون أن للجن سلطانا في الأرض ، فكان الواحد منهم إذا أمسى بواد أو قفر ، لجأ إلى الاستعاذة بعظيم الجن الحاكم لما نزل فيه من الأرض ، فقال : أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه .. ثم بات آمنا! كذلك كانوا يعتقدون أن الجن تعلم الغيب وتخبر به الكهان فيتنبأون بما يتنبأون. وفيهم من عبد الجن وجعل بينهم وبين اللّه نسبا ، وزعم له سبحانه وتعالى زوجة منهم تلد له الملائكة! والاعتقاد في الجن على هذا النحو أو شبهه كان فاشيا في كل جاهلية ، ولا تزال الأوهام والأساطير من هذا النوع تسود بيئات كثيرة إلى يومنا هذا!!! وبينما كانت الأوهام والأساطير تغمر قلوب الناس ومشاعرهم وتصوراتهم عن الجن في القديم ، وما تزال ..
نجد في الصف الآخر اليوممنكرين لوجود الجن أصلا ، يصفون أي حديث عن هذا الخلق المغيب بأنه حديث خرافة ..


وبين الإغراق في الوهم ، والإغراق في الإنكار ، يقرر الإسلام حقيقة الجن ، ويصحح التصورات العامة عنهم ، ويحرر القلوب من خوفها وخضوعها لسلطانهم الموهوم :
فالجن لهم حقيقة موجودة فعلا وهم كما يصفون أنفسهم هنا : «وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً» .. ومنهم الضالون المضلون ومنهم السذج الأبرياء الذين ينخدعون : «وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً ، وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً» .. وهم قابلون للهداية من الضلال ، مستعدون لإدراك القرآن سماعا وفهما وتأثرا : «قُلْ : أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا : إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ، وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً» .. وأنهم قابلون بخلقتهم لتوقيع الجزاء عليهم وتحقيق نتائج الإيمان والكفر فيهم : «وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ ، فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً. وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ ، فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً ، وَأَمَّا الْقاسِطُونَ ، فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً» .. وأنهم لا ينفعون الإنس حين يلوذون بهم بل يرهقونهم : «وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً» .. وأنهم لا يعلمون الغيب ، ولم تعد لهم صلة بالسماء : «وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً ، وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ ، فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً ، وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً» .. وأنهم لا صهر بينهم وبين اللّه - سبحانه وتعالى - ولا نسب : «وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً» ..
وأن الجن لا قوة لهم مع قوة اللّه ولا حيلة : «وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً»
( يتبع )



















.
.




.
.



 

رد مع اقتباس
قديم 03-02-2021, 01:24 PM   #205


البرنس مديح ال قطب متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5942
 تاريخ التسجيل :  16 - 3 - 2015
 أخر زيارة : 26-12-2024 (03:48 PM)
 المشاركات : 873,030 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~


سبحان الله وبحمدة
سبحان الله العظيم
لوني المفضل : Darkorange
شكراً: 0
تم شكره 7 مرة في 7 مشاركة
افتراضي











.
.





.
.





.
.













تابع – سورة الجن
محاور ومقاصد السورة
وهذا الذي ذكر في هذه السورة عن الجن بالإضافة إلى ما جاء في القرآن من صفات أخرى كتسخير طائفة من الشياطين لسليمان - وهم من الجن - وأنهم لم يعلموا بموته إلا بعد فترة ، فدل هذا على أنهم لا يعلمون الغيب :
«فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ ، فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ «1»» ..
ومثل قوله تعالى عن خصيصة من خصائص إبليس وقبيله - وهو من الجن - غير أنه تمحض للشر والفساد والإغراء : «إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ «2»» .. وما يدل عليه من أن كيان الجن غير مرئي للبشر ، في حين أن كيان الإنس مرئي للجن.
هذا بالإضافة إلى ما قرره في سورة الرحمن عن المادة التي منها كيان الجن والمادة التي منها كيان الإنسان في قوله : «خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ ، وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ» .. يعطي صورة عن ذلك الخلق المغيب ، تثبت وجوده ، وتحدد الكثير من خصائصه وفي الوقت ذاته تكشف الأوهام والأساطير ، العالقة بالأذهان عن ذلك الخلق ، وتدع تصور المسلم عنه واضحا دقيقا متحررا من الوهم والخرافة ، ومن التعسف في الإنكار الجامح كذلك! وقد تكفلت هذه السورة بتصحيح ما كان مشركو العرب وغيرهم يظنونه عن قدرة الجن ودورهم في هذا الكون. أما الذين ينكرون وجود هذا الخلق إطلاقا ، فلا أدري علام يبنون هذا الإنكار ، بصيغة الجزم والقطع ، والسخرية من الاعتقاد بوجوده ، وتسميته خرافة! ألأنهم عرفوا كل ما في هذا الكون من خلائق فلم يجدوا الجن من بينها؟! إن أحدا من العلماء لا يزعم هذا حتى اليوم. وإن في هذه الأرض وحدها من الخلائق الحية لكثيرا مما يكشف وجوده يوما بعد يوم ، ولم يقل أحد إن سلسلة الكشوف للأحياء في الأرض وقفت أو ستقف في يوم من الأيام! ألأنهم عرفوا كل القوى المكنونة في هذا الكون فلم يجدوا الجن من بينها؟! إن أحدا لا يدعي هذه الدعوى.
.هناك قوى مكنونة تكشف كل يوم وهي كانت مجهولة بالأمس. والعلماء جادون في التعرف إلى القوى الكونية ، وهم يعلنون في تواضع قادتهم إليه كشوفهم العلمية ذاتها ، أنهم يقفون على حافة المجهول في هذا الكون ، وأنهم لم يكادوا يبدأون بعد! ألأنهم رأوا كل القوى التي استخدموها ، فلم يروا الجن من بينها؟! ولا هذه. فإنهم يتحدثون عن الكهرب بوصفه حقيقة علمية منذ توصلوا إلى تحطيم الذرة. ولكن أحدا منهم لم ير الكهرب قط. وليس في معاملهم من الأجهزة ما يفرزون به كهربا من هذه الكهارب التي يتحدثون عنها! ففيم إذن هذا الجزم بنفي وجود الجن؟ ومعلومات البشر عن هذا الكون وقواه وسكانه من الضآلة بحيث لا تسمح لإنسان يحترم عقله أن يجزم بشي ء؟ ألأن هذا الخلق المسمى الجن تعلقت به خرافات شتى وأساطير كثيرة؟ إن طريقنا في هذه الحالة هو إبطال هذه الخرافات والأساطير كما صنع القرآن الكريم ، لا التبجح بنفي وجود هذا الخلق من الأساس ، بلا حجة ولا دليل! ومثل هذا الغيب ينبغي تلقي نبئه من المصدر الوحيد الموثوق بصحته ، وعدم معارضة هذا المصدر بتصورات سابقة لم تستمد منه. فما يقوله هو كلمة الفصل في مثل هذا الموضوع


والسورة التي بين أيدينا بالإضافة إلى ما سبق - تساهم مساهمة كبيرة في إنشاء التصور الإسلامي عن حقيقة الألوهية ، وحقيقة العبودية ، ثم عن هذا الكون وخلائقه ، والصلة بين هذه الخلائق المنوعة.
وفي مقالة الجن ما يشهد بوحدانية اللّه ، ونفي الصاحبة والولد ، وإثبات الجزاء في الآخرة وأن أحدا من خلق اللّه لا يعجزه في الأرض ولا يفلت من يديه ويفوته ، فلا يلاقي جزاءه العادل. وتتكرر بعض هذه الحقائق فيما يوجه للرسول - صلى اللّه عليه وسلم - من الخطاب : «قُلْ : إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً» ... «قُلْ : إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً» .. وذلك بعد شهادة الجن بهذه الحقيقة شهادة كاملة صريحة.
كما أن تلك الشهادة تقرر أن الألوهية للّه وحده ، وأن العبودية هي أسمى درجة يرتفع إليها البشر : «وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً» .. ويؤكد السياق هذه الحقيقة فيما يوجه للرسول - صلى اللّه عليه وسلم - من خطاب : «قُلْ : إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً» ..
والغيب موكول للّه وحده لا تعرفه الجن : «وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً» .. ولا تعرفه الرسل إلا ما يطلعهم اللّه عليه منه لحكمة يعلمها : «قُلْ : إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً. عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً ، إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ ، فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ...» ..
أما العباد والعبيد في هذا الكون ، فقد علمتنا السورة أن بين بعضها والبعض الآخر مشاركات ومنافذ ، ولو اختلف تكوينها ، كالمشاركات التي بين الجن والإنس ، مما حكته السورة وحكاه القرآن في مواضع أخرى.
فالإنسان ليس بمعزل - حتى في هذه الأرض - عن الخلائق الأخرى. وبينه وبينها اتصال وتفاعل في صورة من الصور. وهذه العزلة التي يحسها الإنسان بجنسه - بله العزلة الفردية أو القبلية أو القومية - لا وجود لها في طبيعة الكون ولا في واقعه. وأحرى بهذا التصور أن يفسح في شعور الإنسان بالكون وما يعمره من أرواح وقوى وأسرار. قد يجهلها الإنسان ، ولكنها موجودة بالفعل من حوله ، فهو ليس الساكن الوحيد لهذا الكون كما يعن له أحيانا أن يشعر!! ثم إن هناك ارتباطا بين استقامة الخلائق على الطريقة ، وتحركات هذا الكون ونتائجها ، وقدر اللّه في العباد : «وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ. وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً» .. وهذه الحقيقة تؤلف جانبا من التصور الإسلامي للارتباطات بين الإنسان والكون وقدر اللّه.
( يتبع )













.
.




.
.



 

رد مع اقتباس
قديم 06-02-2021, 05:40 PM   #206


البرنس مديح ال قطب متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5942
 تاريخ التسجيل :  16 - 3 - 2015
 أخر زيارة : 26-12-2024 (03:48 PM)
 المشاركات : 873,030 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~


سبحان الله وبحمدة
سبحان الله العظيم
لوني المفضل : Darkorange
شكراً: 0
تم شكره 7 مرة في 7 مشاركة
افتراضي







[ALIGN=center]





تابع – سورة نوح


محور مواضيع السورة :
وعلى أية حال فقد وجه نوح قومه إلى النظر في أنفسهم ، وأنكر عليهم أن يكون اللّه خلقهم أطوارا ، ثم هم بعد ذلك لا يستشعرون في أنفسهم توقيرا للجليل الذي خلقهم .. وهذا أعجب وأنكر ما يقع من مخلوق! كذلك وجههم إلى كتاب الكون المفتوح : «أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً؟ وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً؟» .. والسماوات السبع لا يمكن حصرها في مدلول مما تقول به الفروض العلمية في التعريف بالكون. فهي كلها مجرد فروض. إنما وجه نوح قومه إلى السماء وأخبرهم - كما علمه اللّه - أنها سبع طباق. فيهن القمر نور وفيهن الشمس سراج. وهم يرون القمر ويرون الشمس ، ويرون ما يطلق عليه اسم السماء. وهو هذا الفضاء ذو اللون الأزرق. أما ما هو؟ فلم يكن ذلك مطلوبا منهم. ولم يجزم أحد إلى اليوم بشيء في هذا الشأن .. وهذا التوجيه يكفي لإثارة التطلع والتدبر فيما وراء هذه الخلائق الهائلة من قدرة مبدعة .. وهذا هو المقصود من ذلك التوجيه. ثم عاد نوح فوجه قومه إلى النظر في نشأتهم من الأرض وعودتهم إليها بالموت ليقرر لهم حقيقة إخراجهم منها بالبعث : «وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً ، ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً» ..
والتعبير عن نشأة الإنسان من الأرض بالإنبات تعبير عجيب موح. وهو يكرر في القرآن في صور شتى.
كقوله تعالى : «وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً». وهو يشير في هذا إلى نشأة الناس كنشأة النبات. كما يقرن نشأة الإنسان بنشأة النبات في مواضع متفرقة : ففي سورة الحج يجمع بينهما في آية واحدة في صدد البرهنة على حقيقة البعث فيقول : «يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ، لِنُبَيِّنَ لَكُمْ ، وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ، ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ، وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً. وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً ، فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ» .. وفي سورة «المؤمنون» يذكر أطوار النشأة الجنينية قريبا مما ذكرت في سورة الحج ويجيء بعدها : «فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ» .. وهكذا.




هي ظاهرة تستدعي النظر ولا ريب. فهي توحي بالوحدة بين أصول الحياة على وجه الأرض ، وأن نشأة الإنسان من الأرض كنشأة النبات. من عناصرها الأولية يتكون. ومن عناصرها الأولية يتغذى وينمو ، فهو نبات من نباتها. وهبه اللّه هذا اللون من الحياة كما وهب النبات ذلك اللون من الحياة. وكلاهما من نتاج الأرض ، وكلاهما يرضع من هذه الأم! وكذلك ينشئ الإيمان في المؤمن تصورا حقيقيا حيا لعلاقته بالأرض وبالأحياء. تصورا فيه دقة العلم وفيه حيوية الشعور. لأنه قائم على الحقيقة الحية في الضمير. وهذه ميزة المعرفة القرآنية الفريدة.
والناس الذين نبتوا من الأرض يعودون إلى جوفها مرة أخرى. يعيدهم اللّه إليها كما أنبتهم منها. فيختلط رفاتهم بتربتها ، وتندمج ذراتهم في ذراتها ، كما كانوا فيها من قبل أن ينبتوا منها! ثم يخرجهم الذي أول مرة وينبتهم كما أنبتهم أول مرة .. مسألة سهلة يسيرة لا تستدعي التوقف عندها لحظة ، حين ينظر الإنسان إليها من هذه الزاوية التي يعرضها القرآن منها! ونوح - عليه السلام - وجه قومه إلى هذه الحقيقة لتستشعر قلوبهم يد اللّه وهي تنبتهم من هذه الأرض نباتا ، وهي تعيدهم فيها مرة أخرى. ثم تتوقع النشأة الأخرى وتحسب حسابها ، وهي كائنة بهذا اليسر وبهذه البساطة.
بساطة البداهة التي لا تقبل جدلا! وأخيرا وجه نوح قلوب قومه إلى نعمة اللّه عليهم في تيسير الحياة لهم على هذه الأرض وتذليلها لسيرهم ومعاشهم وانتقالهم وطرائق حياتهم : «وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً ، لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجاً» ..
وهذه الحقيقة القريبة من مشاهدتهم وإدراكهم تواجههم مواجهة كاملة ، ولا يملكون الفرار منها كما كانوا يفرون من صوت نوح وإنذاره. فهذه الأرض بالقياس إليهم مبسوطة ممهدة - حتى جبالها قد جعل لهم عبرها دروبا وفجاجا ، كما جعل في سهولها من باب أولى. وفي سبلها ودروبها يمشون ويركبون وينتقلون ويبتغون من فضل اللّه ، ويتعايشون في يسر وتبادل للمنافع والأرزاق.
وهم كانوا يدركون هذه الحقيقة المشاهدة لهم بدون حاجة إلى دراسات علمية عويصة ، يدرسون بها النواميس التي تحكم وجودهم على هذه الأرض ، وتيسر لهم الحياة فيها. وكلما زاد الإنسان علما أدرك من هذه الحقيقة جوانب جديدة وآفاقا بعيدة


هكذا سلك نوح - أو حاول أن يسلك - إلى آذان قومه وقلوبهم وعقولهم بشتى الأساليب ، ومتنوع الوسائل في دأب طويل ، وفي صبر جميل ، وفي جهد نبيل ، ألف سنة إلا خمسين عاما. ثم عاد إلى ربه الذي أرسله إليهم ، يقدم حسابه ، ويبث شكواه ، في هذا البيان المفصل ، وفي هذه اللهجة المؤثرة. ومن هذا البيان الدقيق نطلع على تلك الصورة النبيلة من الصبر والجهد والمشقة ، وهي حلقة واحدة في سلسلة الرسالة السماوية لهذه البشرية الضالة العصية! فماذا كان بعد كل هذا البيان؟
«قالَ نُوحٌ : رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي ، وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً. وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً. وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ ، وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً. وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً. وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا» ..
رب إنهم عصوني! بعد كل هذا الجهاد ، وبعد كل هذا العناء. وبعد كل هذا التوجيه. وبعد كل هذا التنوير. وبعد الإنذار والإطماع والوعد بالمال والبنين والرخاء .. بعد هذا كله كان العصيان. وكان السير وراء القيادات الضالة المضللة ، التي تخدع الأتباع بما تملك من المال والأولاد ، ومظاهر الجاه والسلطان. ممن لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً» فقد أغراهم المال والولد بالضلال والإضلال ، فلم يكن وراءهما إلا الشقاء والخسران.
هؤلاء القادة لم يكتفوا بالضلال .. «وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً». مكرا متناهيا في الكبر. مكروا لإبطال الدعوة وإغلاق الطريق في وجهها إلى قلوب الناس. ومكروا لتزيين الكفر والضلال والجاهلية التي تخبط فيها القوم.
وكان من مكرهم تحريض الناس على الاستمساك بالأصنام التي يسمونها آلهة : «وَقالُوا : لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ» ..
بهذه الإضافة : «آلِهَتَكُمْ» لإثارة النخوة الكاذبة والحمية الآثمة في قلوبهم. وخصصوا من هذه الأصنام أكبرها شأنا فخصوها بالذكر ليهيج ذكرها في قلوب العامة المضللين الحمية والاعتزاز .. «وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا ، وَلا سُواعاً ، وَلا يَغُوثَ ، وَيَعُوقَ ، وَنَسْراً» .. وهي أكبر آلهتهم التي ظلت تعبد في الجاهليات بعدهم إلى عهد الرسالة المحمدية.
وهكذا تلك القيادات الضالة المضللة تقيم أصناما ، تختلف أسماؤها وأشكالها ، وفق النعرة السائدة في كل جاهلية وتجمع حواليها الأتباع ، وتهيج في قلوبهم الحمية لهذه الأصنام ، كي توجههم من هذا الخطام إلى حيث تشاء ، وتبقيهم على الضلال الذي يكفل لها الطاعة والانقياد : «وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً» ككل قيادة ضالة تجمع الناس حول الأصنام .. أصنام الأحجار. وأصنام الأشخاص. وأصنام الأفكار .. سواء!! للصد عن دعوة اللّه ، وتوجيه القلوب بعيدا عن الدعاة ، بالمكر الكبّار ، والكيد والإصرار! هنا انبعث من قلب النبي الكريم نوح - عليه السلام - ذلك الدعاء على الظالمين الضالين المضلين ، الماكرين الكائدين :
«وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا» ..
ذلك الدعاء المنبعث من قلب جاهد طويلا ، وعانى كثيرا ، وانتهى - بعد كل وسيلة - إلى اقتناع بأن لا خير في القلوب الظالمة الباغية العاتية وعلم أنها لا تستحق الهدى ولا تستأهل النجاة.


( يتبع )






[/




 

رد مع اقتباس
قديم 06-02-2021, 05:44 PM   #207


البرنس مديح ال قطب متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5942
 تاريخ التسجيل :  16 - 3 - 2015
 أخر زيارة : 26-12-2024 (03:48 PM)
 المشاركات : 873,030 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~


سبحان الله وبحمدة
سبحان الله العظيم
لوني المفضل : Darkorange
شكراً: 0
تم شكره 7 مرة في 7 مشاركة
افتراضي

















تابع – سورة نوح


محور مواضيع السورة :
وقبل أن يعرض السياق بقية دعاء نوح - عليه السلام - يعرض ما صار إليه الظالمون الخاطئون في الدنيا والآخرة جميعا! فأمر الآخرة كأمر الدنيا حاضر بالقياس إلى علم اللّه ، وبالقياس إلى الوقوع الثابت الذي لا تغيير فيه :
«مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً. فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصاراً».
فبخطيئاتهم وذنوبهم ومعصياتهم أغرقوا فأدخلوا نارا. والتعقيب بالفاء مقصود هنا ، لأن إدخالهم النار موصول بإغراقهم والفاصل الزمني القصير كأنه غير موجود ، لأنه في موازين اللّه لا يحسب شيئا. فالترتيب مع التعقيب كائن بين إغراقهم في الأرض وإدخالهم النار يوم القيامة. وقد يكون هو عذاب القبر في الفترة القصيرة بين الدنيا والآخرة .. «فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصاراً» ..
لا بنون ولا مال ولا سلطان ولا أولياء من الآلهة المدعاة! وفي آيتين اثنتين قصيرتين ينتهي أمر هؤلاء العصاة العتاة ، ويطوى ذكرهم من الحياة! وذلك قبل أن أن يذكر السياق دعاء نوح عليهم بالهلاك والفناء .. ولا يفصل هنا قصة غرقهم ، ولا قصة الطوفان الذي أغرقهم. لأن الظل المراد إبقاؤه في هذا الموقف هو ظل الإجهاز السريع ، حتى ليعبر المسافة بين الإغراق والإحراق في حرف الفاء! على طريقة القرآن في إيقاعاته التعبيرية والتصويرية المبدعة. فنقف نحن في ظلال السياق لا نتعداها إلى تفصيل قصة الإغراق .. ولا الإحراق ..!

ثم يكمل دعاء نوح الأخير وابتهاله إلى ربه في نهاية المطاف :
«وَقالَ نُوحٌ : رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً. إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً. رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ ، وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً ، وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً» ..
فقد ألهم قلب نوح أن الأرض تحتاج إلى غسل يطهر وجهها من الشر العارم الخالص الذي انتهى إليه القوم في زمانه. وأحيانا لا يصلح أي علاج آخر غير تطهير وجه الأرض من الظالمين ، لأن وجودهم يجمد الدعوة إلى اللّه نهائيا ، ويحول بينها وبين الوصول إلى قلوب الآخرين. وهي الحقيقة التي عبر عنها نوح ، وهو يطلب الإجهاز على أولئك الظالمين إجهازا كاملا لا يبقي منهم ديارا - أي صاحب ديار - فقال : «إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ» .. ولفظة «عِبادَكَ» توحي بأنهم المؤمنون. فهي تجيء في السياق القرآني في مثل هذا الموضع بهذا المعنى. وذلك بفتنتهم عن عقيدتهم بالقوة الغاشمة ، أو بفتنة قلوبهم بما ترى من سلطان الظالمين وتركهم من اللّه في عافية! ثم إنهم يوجدون بيئة وجوا يولد فيها الكفار ، وتوحي بالكفر من الناشئة الصغار ، بما يطبعهم به الوسط الذي ينشئه الظالمون ، فلا توجد فرصة لترى الناشئة النور ، من خلال ما تغمرهم به البيئة الضالة التي صنعوها.
وهي الحقيقة التي أشار إليها قول النبي الكريم نوح عليه السلام ، وحكاها عنه القرآن : «وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً» .. فهم يطلقون في جو الجماعة أباطيل وأضاليل ، وينشئون عادات وأوضاعا ونظما وتقاليد ، ينشأ معها المواليد فجارا كفارا ، كما قال نوح ..

من أجل هذا دعا نوح - عليه السلام - دعوته الماحقة الساحقة. ومن أجل هذا استجاب اللّه دعوته ، فغسل وجه الأرض من ذلك الشر وجرف العواثير التي لا تجرفها إلا قوة الجبار القدير.
وإلى جانب الدعوة الساحقة الماحقة التي جعلها خاتمة دعائه وهو يقول : «وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً» - أي هلاكا ودمارا - إلى جانب هذا كان الابتهال الخاشع الودود :
«رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ ، وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً ، وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ...» ..
ودعاء نوح النبي لربه أن يغفر له .. هو الأدب النبوي الكريم في حضرة اللّه العلي العظيم .. أدب العبد في حضرة الرب. العبد الذي لا ينسى أنه بشر ، وأنه يخطئ ، وأنه يقصر ، مهما يطع ويعبد ، وأنه لا يدخل الجنة بعمله إلا أن يتغمده اللّه بفضله ، كما قال أخوه النبي الكريم محمد - صلى اللّه عليه وسلم - وهذا هو الاستغفار الذي دعا قومه العصاة الخاطئين إليه ، فاستكبروا عليه .. وهو هو النبي يستغفر بعد كل هذا الجهد وكل هذا العناء. يستغفر وهو يقدم لربه سجل الحساب! ودعاؤه لوالديه .. هو بر النبوة بالوالدين المؤمنين - كما نفهم من هذا الدعاء - ولو لم يكونا مؤمنين لروجع فيهما كما روجع في شأن ولده الكافر الذي أغرق مع المغرقين (كما جاء في سورة هود).
ودعاؤه الخاص لمن دخل بيته مؤمنا .. هو بر المؤمن بالمؤمن وحب الخير لأخيه كما يحبه لنفسه ، وتخصيص الذي يدخل بيته مؤمنا ، لأن هذه كانت علامة النجاة ، وحصر المؤمنين الذين سيصحبهم معه في السفينة.
ودعاؤه العام بعد ذلك للمؤمنين والمؤمنات .. هو بر المؤمن بالمؤمنين كافة في كل زمان ومكان. وشعوره بآصرة القربى على مدار الزمن واختلاف السكن. وهو السر العجيب في هذه العقيدة التي تربط بين أصحابها برباط الحب الوثيق ، والشوق العميق ، على تباعد الزمان والمكان. السر الذي أودعه اللّه هذه العقيدة ، وأودعه هذه القلوب المربوطة برباط العقيدة ..
وفي مقابل هذا الحب للمؤمنين ، كان الكره للظالمين.
«وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً» ..
وتختم السورة ، وقد عرضت تلك الصورة الوضيئة لجهاد النبي الكريم نوح عليه السلام. وتلك الصورة المطموسة لإصرار المعاندين الظالمين .. وقد تركت هذه وتلك في القلب حبا لهذا الروح الكريم وإعجابا بهذا الجهاد النبيل ، وزادا للسير في هذا الطريق الصاعد ، أيا كانت المشاق والمتاعب. وأيا كانت التضحيات والآلام.
فهو الطريق الوحيد الذي ينتهي بالبشرية إلى أقصى الكمال المقدر لها في هذه الأرض. حين ينتهي بها إلى اللّه ، العلي الأعلى ، الجليل العظيم ..
( يتبع )










 
التعديل الأخير تم بواسطة البرنس مديح ال قطب ; 06-02-2021 الساعة 05:48 PM

رد مع اقتباس
قديم 06-02-2021, 05:47 PM   #208


البرنس مديح ال قطب متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5942
 تاريخ التسجيل :  16 - 3 - 2015
 أخر زيارة : 26-12-2024 (03:48 PM)
 المشاركات : 873,030 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~


سبحان الله وبحمدة
سبحان الله العظيم
لوني المفضل : Darkorange
شكراً: 0
تم شكره 7 مرة في 7 مشاركة
افتراضي











[ALIGN=center]








تابع – سورة نوح
محور مواضيع السورة :
قال محمد الغزالي:
من عجائب سيرة نوح أنه ظل تسعة قرون ونصف يدعو قومه، وهم لا يستجيبون! إن هذا الزمان الطويل يتسع لازدهار دول! وانهيارها، ونضارة مبادئ وذبولها، بيد أن قوم نوح ظلوا على ضلالهم لا يتوبون ولا يفكرون في توبة! إن الرجل الوثيق العزم الواسع الحلم عاد إلى ربه يشكو سوء اللقاء وعناد الكفر {قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا}. هل للكفر شبهة عقلية تجعل إنسانا ما يعبد حجرا، ويذر عبادة رب العالمين؟ لقد راقبت مسالك كفار، فوجدت العلل النفسية لا الفكرية هي التي تغرى بالجحود، وتصرف الناس عن ربهم العظيم! وكيف تفسر سلوك امرئ يرفض التدين ويبطن الولاء لبشر تافه؟ إن مئات الكتب ألفت في تمجيد (ستالين) ونسيان الله!! والأدلة على وجود الله ليست معادلات رياضية عسرة، إنها تنبيهات للعقل النائم كى يصحو ويرى {ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا}. إننا ما نزال نأكل نبات الأرض فيتحول في أجسامنا إلى عضلات ودماء، أنحن الذين نقوم بهذا التحويل؟ أم اللطيف الخبير؟ من الذي يدير الأفلاك؟ أهو الله أم ود أم سواع؟ من آلهة قوم نوح! إن غباء الكفر عجيب وليس أعجب منه إلا كبرياؤه وصلفه، ولذلك دعا نوح ربه بعد القرون الطوال التي أنفقها في البلاغ والتذكير {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا}. إن الكفر على مر الأيام يتحول إلى تقاليد معوجة، وإلى جيل من الناس {لم يزده ماله وولده إلا خسارا}، أو إلى أسر تقول للمصلحين {نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين} والأخطر من هذا البلاء أن يضن الكفار على المؤمنين بحق الحياة والاستقرار {وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا}. إن طبيعة الضلال لا تلزم طورا واحدا. والمؤمنون في هذا العصر يعالجون الدواهى من الإلحاد والإحراج والفتنة!.

الأحاديث الواردة في السورة الكريمة:
قال الزيلعي:
سورة نوح عليه السلام ذكر فِيها ثلاثة أحادِيث:
قوله:
عن عمر رضِي اللّهُ عنْه «انه خرج يسْتسْقِي فما زاد على الاسْتِغْفار فقيل لهُ ما رأيْناك اسْتسْقيْت فقال لقد اسْتسْقيْت بِمجادِيح السّماء الّتِي يسْتنْزل بها الْمطر».
قلت رواهُ عبد الرّزّاق وابْن أبي شيبة فِي مصنفيهما فِي الاسْتِسْقاء والطّبرانِيّ فِي كتاب الدُّعاء لهُ والْبيْهقِيّ فِي سننه والطبري والثعلبي فِي تفسيريهما كلهم من حديث سُفْيان بن عُييْنة عن مطرف عن الشّعبِيّ أن عمر خرج يسْتسْقِي... إِلى آخِره وزادُوا ثمّ قرأ {اسْتغْفرُوا ربكُم...} إِلى آخر الْآية، وكذلِك رواهُ الواحدي فِي تفْسِيره الْوسِيط.
قال النّووِيّ فِي الْخُلاصة إِسْناده صحِيح لكنه مُرْسل فإِن الشّعبِيّ لم يدْرك عمر انْتهى.
قوله: عن ابْن عبّاس وابْن عمر إِن الشّمْس والْقمر وُجُوههما مِمّا يلِي السّماء وظُهُورهما مِمّا يلِي الأرْض.
قلت غرِيب روى ابْن مرْدويْه فِي تفْسِيره فِي أول سُورة يُونُس من حديث حمّاد بن سلمة عن علّي بن زيد عن يُوسُف بن مهْران عن ابْن عبّاس فِي قوله تعالى: {هُو الّذِي جعل الشّمْس ضِياء والْقمر نورا} قال وُجُوههما إِلى السّماء وأقْفِيتهما إِلى الأرْض.
ورُوِي أيْضا من حديث حمّاد بن سلمة عن عبد الْجلِيل عن شهر بن حوْشب عن عبد الله بن عمْرو نحوه.
وروى عبد الرّزّاق فِي تفْسِيره أخبرنا معمر عن قتادة قال قال عبد الله بن عمْرو بن الْعاصِ إِن الشّمْس والْقمر وُجُوههما قبل السّماء وأقْفِيتهما قبل الأرْض انتهى.
ورواهُ الطّبرِيّ فِي تفْسِيره اُخْبُرْنا يُونُس بن عبد الْأعْلى ثنا ابْن ثوْر عن معمر بِهِ.
حدثنا مُحمّد بن يسار ثنا معاذ بن هِشام الدستوائي ثنا أبي عن قتادة عن شهر بن حوْشب عن عبد الله بن عمْرو... فذكره.
وروى الْحاكِم فِي الْمُسْتدْرك من حديث يُوسُف بن مهْران عن ابْن عبّاس فِي قوله: {وجعل الْقمر فِيهِنّ نورا} قال وجهه إِلى الْعرْش وقفاهُ إِلى الأرْض انْتهى.
وقال صحِيح على شرط مُسلم ولم يخرجاهُ.


الأحاديث الواردة في السورة الكريمة:
الحديث الأول:
قال عليه السلام «من قتل قتِيلا فلهُ سلبه».
قلت رواهُ البُخارِيّ ومُسلم وتقدم أول الْبقرة.
الحديث الثّانِي:
قال النّبِي عليه السلام «يهْلكُون مهْلكا واحِدا ويصْدُرُون مصادر شتّى».
قلت رواهُ مُسلم فِي صحِيحه فِي الْفِتن فِي باب فتح ردم يأْجُوج ومأْجُوج من حديث عبد الله بن الزُّبيْر عن عائِشة قالت «عبث النّبِي صلى الله عليه وسلم فِي منامه فقُلْنا لهُ يا رسُول الله صنعت فِي منامك شيْئا لم تكن تفْعلهُ قال الْعجب أن أُناسا من أمتِي يؤمُّون هذا الْبيْت لرجل من قُريْش قد لجأ بِالْبيْتِ حتّى إِذا كانُوا بِالْبيْداءِ خسف بهم فقُلْنا يا رسُول الله إِن الطّرِيق قد يجمع النّاس فقال نعم فيهم الْمُسْتنْصر والْمجْبُور وابْن السّبِيل ويهْلِكُون مهْلكا واحِدا ويصْدُرُون مصادر شتّى يبْعثهُم الله على نياتهم».
وعزاهُ الْمزي فِي أطْرافه لمُسلم فِي الْحج وما وجدته إِلّا فِي الْفِتن.
الحديث الثّالِث:
عن رسُول الله صلى الله عليه وسلم «من قرأ سُورة نوح كان من الْمُؤمنِين الّذين تُدْرِكهُمْ دعْوة نوح».
قلت رواهُ الثّعْلبِيّ اخبرني مُحمّد بن الْقاسِم ثنا مُحمّد بن مُحمّد بن شادّة ثنا احْمد بن مُحمّد بن الْحسن ثنا مُحمّد بن يحْيى ثنا سلم بن قُتيْبة عن سعيد عن عاصِم بن بهْدلة عن زر بن حُبيْش عن أبي بن كعْب قال قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم... فذكره.
ورواهُ ابْن مرْدويْه فِي تفْسِيره بسنديه فِي آل عمران.
ورواهُ الواحدي فِي الْوسِيط بِسند يُونُس.


فضل السّورة:
فيه من الأحاديث الواهية حديث أُبي: «منْ قرأها كان من المؤمنين الّذين تدركهم دعوة نوح».
وحديث علي: «يا علي منْ قرأها كان في الجنّة رفيق نوح وله ثواب نوح وله بكلّ آية قرأها مثل ثواب سام ابن نوح»


( يتبع – سورة الجن )







[/






 

رد مع اقتباس
قديم 06-02-2021, 05:54 PM   #209


البرنس مديح ال قطب متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5942
 تاريخ التسجيل :  16 - 3 - 2015
 أخر زيارة : 26-12-2024 (03:48 PM)
 المشاركات : 873,030 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~


سبحان الله وبحمدة
سبحان الله العظيم
لوني المفضل : Darkorange
شكراً: 0
تم شكره 7 مرة في 7 مشاركة
افتراضي



















سورة الجن

التعريف بالسورة :
مكية .
من المفصل .
آياتها 28 .
ترتيبها الثانية والسبعون .
نزلت بعد الأعراف .
بدأت بفعل أمر " قُلْ أُوحِيَ إٍلَيَّ "

سبب التسمية :
سميت ‏بهذا ‏الاسم ‏لأنها ‏ذُكر ‏فيها ‏أوصاف ‏الجن ‏وأحوالهم ‏وطوائفهم ‏وأيضا ‏سورة ‏‏( ‏قُلْ ‏أُوْحِيَ ‏إَلَىَّ‎ ) .
وسميت في كتب التفسير وفي المصاحف التي رأيناها ومنها الكوفي المكتوب بالقيروان في القرن الخامس (سورة الجن). وكذلك ترجمها الترمذي في كتاب التفسير من (جامعه)، وترجمها البخاري في كتاب التفسير (سورة قل أوحي إليّ).
واشتهرت على ألسنة المُكتِّبين والمتعلمين في الكتاتيب القرآنية باسم {قل أوحي} (الجن: 1).
ولم يذكرها في (الإِتقان) في عداد السور التي لها أكثر من اسم ووجه التسميتين ظاهر.

سبب نزول السورة :
عن عبد الله بن عباس قال : انطلق النبي في طائفة من أصحابه إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأُرسلت عليهم الشهب فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا : مال لكم ؟ فقالوا : حيل بيننا وبين خبر السماء وأُرسلت علينا الشهب قالوا : ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شئ حدث فاضربوا مشارق الارض ومغاربها فانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء فانصرف اولئك الذين توجهوا نحو تهامة إلى النبي وهو بنخلة عامدين إلى سوق عكاظ وهو يصلى بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن استمعوا له فقالوا : هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء فهنالك حين رجعوا إلى قومهم وقالوا :" يا قومنا إنا سمعنا قرأنا عجبا يهدى إلى الرشد فأمنا به ولن نشرك بربنا أحدا " فأنزل الله على نبيه" قل أوحي إليّ أنه استمع نفر من الجن " ( البخاري ).
ويظهر أنها نزلت في حدود سنة عشر من البعثة. ففي (الصحيحين) و(جامع الترمذي) من حديث ابن عباس أنه قال: انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سُوق عكاظ بنخلة وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر وأنه استمع فريق من الجن إلى قراءته فرجعوا إلى طائفتهم فقالوا: {إنا سمعنا قرآنا عجبا} (الجن: 1) وأنزل الله على نبيئه {قل أوحي إليّ أنه استمع نفر من الجن} (الجن: 1).
وذكر ابن إسحاق أن نزول هذه السورة كان بعد سفر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف يطلب النصرة من ثقيف، أي وذلك يكون في سنة عشر بعد البعثة وسنة ثلاث قبل الهجرة.
وقد عُدّت السورة الأربعين في نزول السور نزلتْ بعد الأعراف وقبل يس.

محاور ومقاصد السورة
تعالج السورة أصول العقيدة الإسلامية "الوحدانية ، الرسالة ، البعث ، والجزاء " ومحور السورة يدور حول الجن وما يتعلق بهم من أمور خاصة، بدءا من استماعهم للقرآن إلى دخلوهم في الإيمان، وقد تناولت السورة بعض الأنباء العجيبة الخاصة بهم : كاستراقهم للسمع ، ورميهم بالشهب المحرقة ، وإطلاعهم على بعض الأسرار الغيبية ، إلى غير ذلك من الأخبار المثيرة .
قال البقاعي:
سورة الجن وتسمى {قل أوحى} مقصودها إظهار الشرف لهذا النبي الكريم الفاتح صلى الله عليه وسلم وعلى أنه وأصحابه وذريته، أهل بيته حيث لين له قلوب الإنس والجن وغيرهما، فصار مالكا لقلوب المجانس وغيره، وذلك لعظمة هذا القرآن، ولطف ما له من غريب الشأن، هذا والزمان في آخره وزمان لبثه في قومه دون ربع العشر من زمن نوح عليه السلام أول نبي بعثه الله تعالى إلى المخالفين وما آمن معه من قومه إلا قليل، وعلى ذلك دلت تسميتها بالجن ويقل أوحي، وبتأمل الآية المشتملة على ذلك وما فيها من لطيف المسالك، أعاذنا الله بمنه وكرمه من الوقوع في المهالك.
ومعظم مقصود السّورة عجائب علوم القرآن، وعظمة سلطان الملِك الدّيّان، وتعدّى الجنِّ على الإِنسان، ومنعهم عن الوصول إِلى السّماءِ بالطّيران، والرّشد والصّلاح لأهل الإِيمان، وتهديدُ الكفّار بالجحيم والنيران، وعِلْم الله تعالى بالإِسرار والإِعلان، وكيفية تبليغ الوحى من الملائكة إِلى الأنبياءِ بالإِتقان، وحصْر المعلومات في علم خالق الخلْق في قوله: {وأحْصى كُلّ شيء عددا}.


قال الصابوني:
* سورة الجن مكية وهي تعالج أصول العقيدة الإسلامية (الوحدانية، الرسالة، البعث والجزاء) ومحور السورة يدور حول الجن، وما يتعلق بهم من أمور خاصة، بدءا من استماعهم للقرآن، إلى دخولهم في الإيمان، وقد تناولت السورة بعض الأنباء العجيبة الخاصة بهم، كاستراقهم للسمع، ورميهم بالشهب المحرقة، واطلاعهم على بعض الأسرار الغيبية، إلى غير ذلك من الأخبار المثيرة.
* ابتدأت السورة الكريمة بالإخبار عن استماع فريق من الجن للقرآن، وتأثرهم بما فيه من روعة البيان، حتى آمنوا به فور استماعه، ودعوا قومهم إلى الإيمان {قل أوحي إليّ أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا..} الآيات.
* ثم انتقلت للحديث عن تمجيدهم وتنزيههم لله جل وعلا، وإفرادهم له بالعبادة، وتسفيههم لمن جعل لله ولدا {وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا..} الآيات.
* ثم تحدثت السورة عن استراق الجن للسمع، وإحاطة السماء بالحرس من الملائكة، وإرسال الشهب على الجن، بعد بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، خاتم النبيين، وتعجبهم من هذا الحدث الغريب {وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا وإنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا..} الآيات.
* ثم تحدثت السورة عن انقسام الجن إلى فريقين: مؤمنين، وكافرين ومآل كل من الفريقين {وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا}.
* ثم انتقلت للحديث عن دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن التفاف الجن حوله حين سمعوه يتلو القرآن {وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا قل إنما أدعو ربى ولا أشرك به أحدا}.
* ثم أمرت الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يعلن استسلامه وخضوعه لله، ويفرده جل وعلا بإخلاص العمل، وأن يتبرأ من الحول والطول {قل إنما أدعو ربى ولا أشرك به أحدا قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا}.
وختمت السورة ببيان اختصاص الله جل وعلا بمعرفة الغيب، وإحاطته بعلم جميع ما في الكائنات {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا..} الآيات إلى آخر السورة الكريمة.


( يتبع )







[/





 
التعديل الأخير تم بواسطة البرنس مديح ال قطب ; 06-02-2021 الساعة 05:56 PM

رد مع اقتباس
قديم 06-02-2021, 06:00 PM   #210


البرنس مديح ال قطب متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5942
 تاريخ التسجيل :  16 - 3 - 2015
 أخر زيارة : 26-12-2024 (03:48 PM)
 المشاركات : 873,030 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~


سبحان الله وبحمدة
سبحان الله العظيم
لوني المفضل : Darkorange
شكراً: 0
تم شكره 7 مرة في 7 مشاركة
افتراضي























تابع – سورة الجن
محاور ومقاصد السورة
قال سيد قطب
هذه السورة تبده الحس - قبل أن ينظر إلى المعاني والحقائق الواردة فيها - بشيء آخر واضح كل الوضوح فيها .. إنها قطعة موسيقية مطردة الإيقاع ، قوية التنغيم ، ظاهرة الرنين مع صبغة من الحزن في إيقاعها ، ومسحة من الأسى في تنغيمها ، وطائف من الشجى في رنينها ، يساند هذه الظاهرة ويتناسق معها صور السورة وظلالها ومشاهدها ، ثم روح الإيحاء فيها. وبخاصة في الشطر الأخير منها بعد انتهاء حكاية قول الجن ، والاتجاه بالخطاب إلى رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - هذا الخطاب الذي يثير العطف على شخص الرسول في قلب المستمع لهذه السورة ، عطفا مصحوبا بالحب وهو يؤمر أن يعلن تجرده من كل شيء في أمر هذه الدعوة إلا البلاغ ، والرقابة الإلهية المضروبة حوله وهو يقوم بهذا البلاغ :
«قُلْ : إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً .. قُلْ : إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً .. قُلْ : إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً ، إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ، حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً .. قُلْ : إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً ، عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً ، إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ، لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ ، وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ ، وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً» ..
وذلك كله إلى جانب الإيقاع النفسي للحقائق التي وردت في حكاية قول الجن ، وبيانهم الطويل المديد.
وهي حقائق ذات ثقل ووزن في الحس والتصور والاستجابة لها تغشى الحس بحالة من التدبر والتفكير ، تناسب مسحة الحزن ورنة الشجى المتمشية في إيقاع السورة الموسيقي! وقراءة هذه السورة بشيء من الترتيل الهادئ ، توقع في الحس هذا الذي وصفناه من المسحة الغالبة عليها ..
إذا تجاوزنا هذه الظاهرة التي تبده الحس إلى موضوع السورة ومعانيها واتجاهها فإننا نجدها حافلة بشتى الدلالات والإيحاءات.
إنها ابتداء شهادة من عالم آخر بكثير من قضايا العقيدة التي كان المشركون يجحدونها ويجادلون فيها أشد الجدل ، ويرجمون في أمرها رجما لا يستندون فيه إلى حجة ، ويزعمون أحيانا أن محمدا - صلى اللّه عليه وسلم - يتلقى من الجن ما يقوله لهم عنها! فتجيء الشهادة من الجن أنفسهم بهذه القضايا التي يجحدونها ويجادلون فيها وبتكذيب دعواهم في استمداد محمد من الجن شيئا. والجن لم يعلموا بهذا القرآن إلا حين سمعوه من محمد - صلى اللّه عليه وسلم - فهالهم وراعهم ومسهم منه ما يدهش ويذهل ، وملأ نفوسهم وفاض حتى ما يملكون السكوت على ما سمعوا ، ولا الإجمال فيما عرفوا ، ولا الاختصار فيما شعروا. فانطلقوا يحدثون في روعة المأخوذ ، ووهلة المشدوه ، عن هذا الحادث العظيم ، الذي شغل السماء والأرض والإنس والجن والملائكة والكواكب.
وترك آثاره ونتائجه في الكون كله! .. وهي شهادة لها قيمتها في النفس البشرية حتما.
ثم إنها تصحيح لأوهام كثيرة عن عالم الجن في نفوس المخاطبين ابتداء بهذه السورة ، وفي نفوس الناس جميعا من قبل ومن بعد ووضع حقيقة هذا الخلق المغيب في موضعها بلا غلو ولا اعتساف. فقد كان العرب المخاطبون بهذا القرآن أول مرة يعتقدون أن للجن سلطانا في الأرض ، فكان الواحد منهم إذا أمسى بواد أو قفر ، لجأ إلى الاستعاذة بعظيم الجن الحاكم لما نزل فيه من الأرض ، فقال : أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه .. ثم بات آمنا! كذلك كانوا يعتقدون أن الجن تعلم الغيب وتخبر به الكهان فيتنبأون بما يتنبأون. وفيهم من عبد الجن وجعل بينهم وبين اللّه نسبا ، وزعم له سبحانه وتعالى زوجة منهم تلد له الملائكة! والاعتقاد في الجن على هذا النحو أو شبهه كان فاشيا في كل جاهلية ، ولا تزال الأوهام والأساطير من هذا النوع تسود بيئات كثيرة إلى يومنا هذا!!! وبينما كانت الأوهام والأساطير تغمر قلوب الناس ومشاعرهم وتصوراتهم عن الجن في القديم ، وما تزال ..
نجد في الصف الآخر اليوممنكرين لوجود الجن أصلا ، يصفون أي حديث عن هذا الخلق المغيب بأنه حديث خرافة


وبين الإغراق في الوهم ، والإغراق في الإنكار ، يقرر الإسلام حقيقة الجن ، ويصحح التصورات العامة عنهم ، ويحرر القلوب من خوفها وخضوعها لسلطانهم الموهوم :
فالجن لهم حقيقة موجودة فعلا وهم كما يصفون أنفسهم هنا : «وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً» .. ومنهم الضالون المضلون ومنهم السذج الأبرياء الذين ينخدعون : «وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً ، وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً» .. وهم قابلون للهداية من الضلال ، مستعدون لإدراك القرآن سماعا وفهما وتأثرا : «قُلْ : أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا : إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ، وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً» .. وأنهم قابلون بخلقتهم لتوقيع الجزاء عليهم وتحقيق نتائج الإيمان والكفر فيهم : «وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ ، فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً. وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ ، فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً ، وَأَمَّا الْقاسِطُونَ ، فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً» .. وأنهم لا ينفعون الإنس حين يلوذون بهم بل يرهقونهم : «وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً» .. وأنهم لا يعلمون الغيب ، ولم تعد لهم صلة بالسماء : «وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً ، وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ ، فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً ، وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً» .. وأنهم لا صهر بينهم وبين اللّه - سبحانه وتعالى - ولا نسب : «وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً» ..
وأن الجن لا قوة لهم مع قوة اللّه ولا حيلة : «وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً»
..
( يتبع )













 

رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
التعريف , الصور , النزول , القرآن , الكريم , بصور , ومحاور , وأسباب , ومقاصد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
معلومات قرآنية البرنس مديح ال قطب (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) 16 29-11-2020 01:14 PM
ختم القرآن من الأعمال الجليلة البرنس مديح ال قطب (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) 16 06-07-2020 06:12 PM
معجزة الإسلام الخالدة البرنس مديح ال قطب (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) 18 05-03-2020 09:14 PM
تعرف على القرآن الكريم 2 تيماء (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) 24 29-12-2018 10:05 PM
أسرار التكرار في القرآن الكريم ميارا (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) 11 13-02-2013 11:33 PM

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

الساعة الآن 02:59 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010