ننتظر تسجيلك هنا


الإهداءات


العودة   منتدى همسات الغلا > ¨°o.O (المنتديات الاسلاميه) O.o°¨ > (همسات القرآن الكريم وتفسيره )

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 25-01-2021, 08:06 PM   #134


البرنس مديح ال قطب متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5942
 تاريخ التسجيل :  16 - 3 - 2015
 أخر زيارة : يوم أمس (03:48 PM)
 المشاركات : 873,030 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~


سبحان الله وبحمدة
سبحان الله العظيم
لوني المفضل : Darkorange
افتراضي




















تابع – سورة الطلاق

محور مواضيع السورة :

يقف الإنسان مدهوشا أمام هذا الحشد من الحقائق الكونية الكبرى في معرض الحديث عن الطلاق أمام هذا الاحتفال والاهتمام - حتى ليوجه الخطاب إلى النبي - صلى اللّه عليه وسلم - بشخصه ، وهو أمر عام للمؤمنين وحكم عام للمسلمين ، زيادة في الاهتمام وإشعارا بخطورة الأمر المتحدث فيه. وأمام هذا التفصيل الدقيق للأحكام حالة حالة ، والأمر المشدد في كل حكم بالدقة في مراعاته ، وتقوى اللّه في تنفيذه ، ومراقبة اللّه في تناوله. والإطالة في التعقيب بالترغيب والترهيب ، إطالة تشعر القلب كأن هذا الأمر هو الإسلام كله! وهو الدين كله! وهو القضية التي تفصل فيها السماء ، وتقف لتراقب تنفيذ الأحكام! وتعد المتقين فيها بأكبر وأسمى ما يتطلع إليه المؤمن وتوعد الملتوين والمتلكئين والمضارّين بأعنف وأشد ما يلقاه عاص وتلوح للناس بالرجاء الندي والخير المخبوء وراء أخذ الأمر بالمعروف والسماحة والتجمل والتيسير.

ويقرأ القارئ في هذه السورة .. «وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ» .. «وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ» .. «لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً» .. «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ» ..
«ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ» .. «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ .. وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ. قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً» .. «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً». «ذلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ» «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً» ..
«سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً» ..

كما يقرأ ذلك التهديد العنيف الطويل المفصل : «وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً ، وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً. فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً. أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً» ..
يعقبه التحذير من مثل هذا المصير ، والتذكير بنعمة اللّه بالرسول وما معه من النور ، والتلويح بالأجر الكبير : «فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا ، قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً : رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ. وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً» ..


ثم يقرأ هذا الإيقاع الهائل الضخم في المجال الكوني الكبير : «اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ، يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ ، لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً» ..

يقرأ هذا كله تعقيبا على أحكام الطلاق. ويجد سورة كاملة في القرآن ، من هذا الطراز ، كلها موقوفة على تنظيم هذه الحالة ومتخلفاتها كذلك! وربطها هكذا بأضخم حقائق الإيمان في المجال الكوني والنفسي.

وهي حالة تهدم لا حالة بناء ، وحالة انتهاء لا حالة إنشاء .. لأسرة .. لا لدولة .. وهي توقع في الحس أنها أضخم من إنشاء دولة! علام يدل هذا؟

إن له عدة دلالات تجتمع كلها عند سمو هذا الدين وجديته وانبثاقه من نبع غير بشري على وجه التأكيد.
حتى لو لم تكن هناك دلالة أخرى سوى دلالة هذه السورة! إنه يدل ابتداء على خطورة شأن الأسرة في النظام الإسلامي :
فالإسلام نظام أسرة. البيت في اعتباره مثابة وسكن ، في ظله تلتقي النفوس على المودة والرحمة والتعاطف والستر والتجمل والحصانة والطهر وفي كنفه تنبت الطفولة ، وتدرج الحداثة ومنه تمتد وشائج الرحمة وأواصر التكافل.

ومن ثم يصور العلاقة البيتية تصويرا رفافا شفيفا ، يشع منه التعاطف ، وترف فيه الظلال ، ويشيع فيه الندى ، ويفوح منه العبير : «وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً» .. «هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ» .. فهي صلة النفس بالنفس ، وهي صلة السكن والقرار ، وهي صلة المودة والرحمة ، وهي صلة الستر والتجمل. وإن الإنسان ليحس في الألفاظ ذاتها حنوا ورفقا ، ويستروح من خلالها نداوة وظلا. وإنها لتعبير كامل عن حقيقة الصلة التي يفترضها الإسلام لذلك الرباط الإنساني الرفيق الوثيق. ذلك في الوقت الذي يلحظ فيه أغراض ذلك الرباط كلها ، بما فيها امتداد الحياة بالنسل ، فيمنح هذه الأغراض كلها طابع النظافة والبراءة ، ويعترف بطهارتها وجديتها ، وينسق بين اتجاهاتها ومقتضياتها. ذلك حين يقول : «نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ». فيلحظ كذلك معنى الإخصاب والإكثار.

ويحيط الإسلام هذه الخلية ، أو هذا المحضن ، أو هذه المثابة بكل رعايته وبكل ضماناته. وحسب طبيعة الإسلام الكلية ، فإنه لا يكتفي بالإشعاعات الروحية ، بل يتبعها التنظيمات القانونية والضمانات التشريعية .

الذي ينظر في تشريعات الأسرة في القرآن والسنة في كل وضع من أوضاعها ولكل حالة من حالاتها ، وينظر في التوجيهات المصاحبة لهذه التشريعات ، وفي الاحتشاد الظاهر حولها بالمؤثرات والمعقبات وفي ربط هذا الشأن باللّه مباشرة في كل موضع ، كما هو الحال في هذه السورة وفي غيرها .. يدرك إدراكا كاملا ضخامة شأن الأسرة في النظام الإسلامي ، وقيمة هذا الأمر عند اللّه ، وهو يجمع بين تقواه - سبحانه - وتقوى الرحم في أول سورة النساء حيث يقول : «يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ، وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً ، وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً» ..

كما يجمع بين عبادة اللّه والإحسان للوالدين في سورة الإسراء وفي غيرها : «وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً» .. وبين الشكر للّه والشكر للوالدين في سورة لقمان : «أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ» ..

وإن هذه العناية القصوى بأمر الأسرة لتتناسق مع مجرى القدر الإلهي بإقامة الحياة البشرية ابتداء على أساس الأسرة ، حين جرى قدر اللّه أن تكون أول خلية في الوجود البشري هي أسرة آدم وزوجه ، وأن يتكاثر الناس بعد ذلك من هذه الخلية الأولى. وكان اللّه - سبحانه - قادرا على أن يخلق الملايين من الأفراد الإنسانيين دفعة واحدة. ولكن قدره جرى بهذا لحكمة كامنة في وظيفة الأسرة الضخمة في حياة هذا المخلوق ، حيث تلبي حياة الأسرة فطرته واستعداداته ، وحيث تنمي شخصيته وفضائله ، وحيث يتلقى فيها أعمق المؤثرات في حياته.

ثم جرت هذه العناية في النظام الإسلامي - منهج اللّه الأخير في الأرض - مع القدر الإلهي في خلقة الإنسان ابتداء. كما هو الشأن في تناسق كل ما يصدر عن اللّه بلا تفاوت ولا اختلاف.

والدلالة الثانية لسياق السورة ، وللاحتفال بشأن العلاقات الزوجية والعائلية هذا الاحتفال في القرآن كله ، هي اتجاه النظام الإسلامي لرفع هذه العلاقات الإنسانية إلى مستوى القداسة المتصلة باللّه واتخاذها وسيلة للتطهر الروحي والنظافة الشعورية - لا كما كان ينظر إليها في العقائد الوثنية ، وعند أتباع الديانات المحرفة ، البعيدة بهذا التحريف عن فطرة اللّه التي فطر الناس عليها.


إن الإسلام لا يحارب دوافع الفطرة ولا يستقذرها ، إنما ينظمها ويطهرها ، ويرفعها عن المستوي الحيواني ، ويرقيها حتى تصبح هي المحور الذي يدور عليه الكثير من الآداب النفسية والاجتماعية. ويقيم العلاقات الجنسية على أساس من المشاعر الإنسانية الراقية ، التي تجعل من التقاء جسدين ، التقاء نفسين وقلبين وروحين. وبتعبير شامل التقاء إنسانين ، تربط بينهما حياة مشتركة ، وآمال مشتركة ، وآلام مشتركة ، ومستقبل مشترك ، يلتقي في الذرية المرتقبة ، ويتقابل في الجيل الجديد ، الذي ينشأ في العش المشترك ، الذي يقوم عليه الوالدان حارسين لا يفترقان.

ويعد الإسلام الزواج وسيلة للتطهر والارتفاع فيدعو الأمة المسلمة لتزويج رجالها ونسائها إذا قام المال عقبة دون تحقيق هذه الوسيلة الضرورية لتطهير الحياة ورفعها : «وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ ، إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ. وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ» .. ويسمي الزواج إحصانا أي وقاية وصيانة. ويستقر في أخلاد المؤمنين أن البقاء بدون إحصان ولو فترة قصيرة لا ينال رضى اللّه. فيقول الإمام علي - كرم اللّه وجهه - وقد سارع بالزواج عقب وفاة زوجه فاطمة بنت الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - : «لقد خشيت أن ألقى اللّه وأنا عزب» .. فيدخل الزواج في عرف المؤمن في الطاعات التي يتقرب بها إلى ربه. وترتفع هذه الصلة إلى مكان القداسة في ضميره بما أنها إحدى الطاعات لربه.

والدلالة الثالثة لسياق سورة الطلاق ونظائرها هي واقعية هذا النظام الإسلامي ومعاملته للحياة وللنفس البشرية كما هي في فطرتها ، مع محاولة رفعها إلى ذلك المستوي الكريم ، عن طريق استعداداتها وملابسات حياتها.
ومن ثم لا يكتفي بالتشريع الدقيق في هذا الأمر الموكول إلى الضمير. ولا يكتفي بالتوجيه. ويستخدم هذا وذاك في مواجهة واقع النفس وواقع الحياة.

( يتبع )





 

رد مع اقتباس
قديم 25-01-2021, 08:10 PM   #135


البرنس مديح ال قطب متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5942
 تاريخ التسجيل :  16 - 3 - 2015
 أخر زيارة : يوم أمس (03:48 PM)
 المشاركات : 873,030 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~


سبحان الله وبحمدة
سبحان الله العظيم
لوني المفضل : Darkorange
افتراضي

























تابع – سورة الطلاق
محور مواضيع السورة :

إن الأصل في الرابطة الزوجية هو الاستقرار والاستمرار. والإسلام يحيط هذه الرابطة بكل الضمانات التي تكفل استقرارها واستمرارها. وفي سبيل هذه الغاية يرفعها إلى مرتبة الطاعات ، ويعين على قيامها بمال الدولة للفقراء والفقيرات ، ويفرض الآداب التي تمنع التبرج والفتنة كي تستقر العواطف ولا تتلفت القلوب على هتاف الفتنة المتبرجة في الأسواق! ويفرض حد الزنا وحد القذف ويجعل للبيوت حرمتها بالاستئذان عليها والاستئذان بين أهلها في داخلها.

وينظم الارتباطات الزوجية بشريعة محددة ، ويقيم نظام البيت على أساس قوامة أحد الشريكين وهو الأقدر على القوامة ، منعا للفوضى والاضطراب والنزاع .. إلى آخر الضمانات والتنظيمات الواقية من كل اهتزاز.
فوق التوجيهات العاطفية. وفوق ربط هذه العلاقة كلها بتقوى اللّه ورقابته.

ولكن الحياة الواقعية للبشر تثبت أن هناك حالات تتهدم وتتحطم على الرغم من جميع الضمانات والتوجيهات.
وهي حالات لا بد أن تواجه مواجهة عملية ، اعترافا بمنطق الواقع الذي لا يجدي إنكاره حين تتعذر الحياة الزوجية ، ويصبح الإمساك بالزوجية عبثا لا يقوم على أساس! «والإسلام لا يسرع إلى رباط الزوجية المقدسة فيفصمه لأول وهلة ، ولأول بادرة من خلاف. إنه يشد على هذا الرباط بقوة ، فلا يدعه يفلت إلا بعد المحاولة واليأس.

إنه يهتف بالرجال : «وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ، فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً» .. فيميل بهم إلى التريث والمصابرة حتى في حالة الكراهية ، ويفتح لهم تلك النافذة المجهولة :
«فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً» فما يدريهم أن في هؤلاء النسوة المكروهات خيرا ، وأن اللّه يدخر لهم هذا الخير. فلا يجوز أن يفلتوه. إن لم يكن ينبغي لهم أن يستمسكوا به ويعزوه! وليس أبلغ من هذا في استحياء الانعطاف الوجداني واستثارته ، وترويض الكره وإطفاء شرته.

فإذا تجاوز الأمر مسألة الحب والكره إلى النشوز والنفور ، فليس الطلاق أول خاطر يهدي إليه الإسلام.

بل لا بد من محاولة يقوم بها الآخرون ، وتوفيق يحاوله الخيرون : «وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ ، وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً» .. «وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً. فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ» ..

فإذا لم تجد هذه الوساطة ، فالأمر إذن جد ، وهناك ما لا تستقيم معه هذه الحياة ، ولا يستقر لها قرار.
وإمساك الزوجية على هذا الوضع إنما هو محاولة فاشلة ، يزيدها الضغط فشلا ، ومن الحكمة التسليم بالواقع ، وإنها هذه الحياة على كره من الإسلام ، فإن أبغض الحلال إلى اللّه الطلاق .

فإذا أراد أن يطلق فليس في كل لحظة يجوز الطلاق. إنما السنة أن يكون في طهر لم يقع فيه وطء .. وفي هذا ما يؤجل فصم العقدة فترة بعد موقف الغضب والانفعال. وفي خلال هذه الفترة قد تتغير النفوس ، وتقر القلوب ، ويصلح اللّه بين المتخاصمين فلا يقع الطلاق! ثم بعد ذلك فترة العدة. ثلاثة قروء للتي تحيض وتلد. وثلاثة أشهر للآيسة والصغيرة. وفترة الحمل للحوامل.

وفي خلالها مجال للمعاودة إن نبضت في القلوب نابضة من مودة ، ومن رغبة في استئناف ما انقطع من حبل الزوجية.

ولكن هذه المحاولات كلها لا تنفي أن هناك انفصالا يقع ، وحالات لا بد أن تواجهها الشريعة مواجهة عملية واقعية ، فتشرع لها ، وتنظم أوضاعها ، وتعالج آثارها. وفي هذا كانت تلك الأحكام الدقيقة المفصلة ، التي تدل على واقعية هذا الدين في علاجه للحياة ، مع دفعها دائما إلى الأمام. ورفعها دائما إلى السماء.

والدلالة الرابعة للسورة وما فيها من الترغيب والترهيب والتعقيب والتفصيل الشديد والتوكيد ، هو أنها كانت تواجه حالات واقعة في الجماعة المسلمة متخلفة من رواسب الجاهلية ، وما كانت تلاقيه المرأة من العنت والخسف ، مما اقتضى هذا التشديد ، وهذا الحشد من المؤثرات النفسية ، ومن التفصيلات الدقيقة ، التي لا تدع مجالا للتلاعب والالتواء مع ما كان مستقرا في النفوس من تصورات متخلفة عن علاقات الجنسين ، ومن تفكك وفوضى في الحياة العائلية

ولم يكن الحال هكذا في شبه الجزيرة وحدها ، إنما كان شائعا في العالم كله يومذاك. فكان وضع المرأة هو وضع الرقيق أو ما هو أسوأ من الرقيق في جنبات الأرض جميعا. فوق ما كان ينظر إلى العلاقات الجنسية نظرة استقذار ، وإلى المرأة كأنها شيطان يغري بهذه القذارة.


من هذه الوهدة العالمية ارتفع الإسلام بالمرأة وبالعلاقات الزوجية إلى ذلك المستوي الرفيع الطاهر الكريم الذي سبقت الإشارة إليه. وأنشأ للمرأة ما أنشأ من القيمة والاعتبار والحقوق والضمانات .. وليدة لا توأد ولا تهان. ومخطوبة لا تنكح إلا بإذنها ثيبا أو بكرا. وزوجة لها حقوق الرعاية فوق ضمانات الشريعة. ومطلقة لها هذه الحقوق المفصلة في هذه السورة وفي سورة البقرة وغيرها ..

شرع الإسلام هذا كله. لا لأن النساء في شبه الجزيرة أو في أي مكان في العالم حينذاك شعرن بأن مكانهن غير مرض! ولا لأن شعور الرجال كذلك قد تأذى بوضع النساء. ولا لأنه كان هناك اتحاد نسائي عربي أو عالمي! ولا لأن المرأة دخلت دار الندوة أو مجلس الشورى! ولا لأن هاتفا واحدا في الأرض هتف بتغيير الأحوال .. إنما كانت هي شريعة السماء للأرض. وعدالة السماء للأرض. وإرادة السماء بالأرض .. أن ترتفع الحياة البشرية من تلك الوهدة ، وأن تتطهر العلاقات الزوجية من تلك الوصمة ، وأن يكون للزوجين من نفس واحدة حقوق الإنسان وكرامة الإنسان.
..
هذا دين رفيع .. لا يعرض عنه إلا مطموس. ولا يعيبه إلا منكوس ، ولا يحاربه إلا موكوس. فإنه لا يدع شريعة اللّه إلى شريعة الناس إلا من أخلد إلى الأرض واتبع هواه.


والآن نستعرض الأحكام في سياق السورة - بعد هذا الاستطراد الذي لا يبعد كثيرا عن جو هذا الجزء وما فيه من تنظيم وبناء للجماعة المسلمة - والأحكام في سياق السورة شيء آخر غير ذلك التلخيص. شيء حي. فيه روح. وفيه حركة. وفيه حياة. وفيه إيحاء .. وله إيقاع. وهذا هو الفارق الأصيل بين مدارسة الأحكام في القرآن ومدارستها في كتب الفقه والأصول.

«يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ، وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ، وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ، لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ ، وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ. وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ، وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ. لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً» ..

هذه هي أول مرحلة وهذا هو أول حكم يوجه الخطاب به إلى النبي - صلى اللّه عليه وسلم - «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ» ..
ثم يظهر أن الحكم خاص بالمسلمين لا بشخصه - صلى اللّه عليه وسلم - : «إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ... إلخ» فيوحي هذا النسق من التعبير بما وراءه ، وهو إثارة الاهتمام ، وتصوير الجدية. فهو أمر ذو بال ، ينادي اللّه نبيه بشخصه ليلقي إليه فيه بأمره ، كما يبلغه لمن وراءه. وهي إيحاءات نفسية واضحة الدلالة على ما يراد بها من احتفال واحتشاد.
«إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ» ..

وقد ورد في تحديد معنى هذا النص حديث صحيح رواه البخاري ولفظه : «حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث ، حدثني عقيل ، عن ابن شهاب ، أخبرني سالم ، أن عبد اللّه بن عمر أخبره أنه طلق امرأة له وهي حائض ، فذكر عمر لرسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - فتغيظ رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - ثم قال : «ليراجعها ، ثم يمسكها حتى تطهر ، ثم تحيض فتطهر ، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا قبل أن يمسها ، فتلك العدة التي أمر بها اللّه عز وجل» ..
ورواه مسلم ولفظه : «فتلك العدة التي أمر اللّه أن يطلق لها النساء» ..

( يتبع )



مديح





 

رد مع اقتباس
قديم 25-01-2021, 08:17 PM   #136


البرنس مديح ال قطب متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5942
 تاريخ التسجيل :  16 - 3 - 2015
 أخر زيارة : يوم أمس (03:48 PM)
 المشاركات : 873,030 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~


سبحان الله وبحمدة
سبحان الله العظيم
لوني المفضل : Darkorange
افتراضي




























تابع – سورة الطلاق
محور مواضيع السورة :

ومن ثم يتعين أن هناك وقتا معينا لإيقاع الطلاق وأنه ليس للزوج أن يطلق حينما شاء إلا أن تكون امرأته في حالة طهر من حيض ، ولم يقع بينهما في هذا الطهر وطء. وتفيد آثار أخرى أن هناك حالة ثانية يجوز فيها الطلاق ، وهو أن تكون الزوجة حاملا بينة الحمل. والحكمة في ذلك التوقيت هي أولا إرجاء إيقاع الطلاق فترة بعد اللحظة التي تتجه فيها النفس للطلاق وقد تسكن الفورة إن كانت طارئة وتعود النفوس إلى الوئام.

كما أن فيه تأكدا من الحمل أو عدمه قبل الطلاق. فقد يمسك عن الطلاق لو علم أن زوجه حامل. فإذا مضى فيه وقد تبين حملها دل على أنه مريد له ولو كانت حاملا. فاشتراط الطهر بلا وطء هو للتحقيق من عدم الحمل ، واشتراط تبين الحمل هو ليكون على بصيرة من الأمر.

وهذه أول محاولة لرأب الصدع في بناء الأسرة ، ومحاولة دفع المعول عن ذلك البناء.
وليس معنى هذا أن الطلاق لا يقع إلا في هذه الفترة. فهو يقع حيثما طلق . ولكنه يكون مكروها من اللّه ، مغضوبا عليه من رسول اللّه. وهذا الحكم يكفي في ضمير المؤمن ليمسك به حتى يأتي الأجل. فيقضي اللّه ما يريد في هذه المسألة.

«وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ» ..
كي لا يكون في عدم إحصائها إطالة للأمد على المطلقة ، ومضارة لها بمنعها من الزواج بعد العدة. أو نقص في مدتها لا يتحقق به الغرض الأول ، وهو التأكد من براءة رحم المطلقة من الحمل المستكن حفظا للأنساب.
ثم هو الضبط الدقيق الذي يوحي بأهمية الأمر ، ومراقبة السماء له ، ومطالبة أصحابه بالدقة فيه! «وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ. لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ ، وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ».

وهذا أول تنبيه - بعد وهلة النداء الأول - وأول تحذير من اللّه وتقديم تقواه. قبل الأمر بعدم إخراجهن من بيوتهن - وهي بيوت أزواجهن ولكنه يسميها بيوتهن لتوكيد حقهن في الإقامة بها فترة العدة - لا يخرجن منها ولا يخرجن ، إلا في حالة وقوع فاحشة ظاهرة منهن. وقد ورد أن هذه الفاحشة قد تكون الزنا فتخرج للحد : وقد تكون إيذاء أهل الزوج. وقد تكون هي النشوز على الزوج - ولو أنه مطلق - وعمل ما يؤذيه.

ذلك أن الحكمة من إبقاء المطلقة في بيت الزوج هي إتاحة الفرصة للرجعة ، واستثارة عواطف المودة ، وذكريات الحياة المشتركة. حيث تكون الزوجة بعيدة بحكم الطلاق قريبة من العين فيفعل هذا في المشاعر فعله بين الاثنين! فأما حين ترتكس في حمأة الزنا وهي في بيته! أو تؤذي أهله ، أو تنشز عليه ، فلا محل لاستحياء المشاعر الطيبة ، واستجاشة المودة الدفينة. ولا حاجة إلى استبقائها في فترة العدة. فإن قربها منه حينذاك يقطع الوشائج ولا يستحييها! «وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ. وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ» ..

وهذا هو التحذير الثاني. فالحارس لهذا الحكم هو اللّه. فأي مؤمن إذن يتعرض لحد يحرسه اللّه؟! إنه الهلاك والبوار .. «وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ» .. ظلم نفسه لتعريضها هكذا لبأس اللّه القائم على حدوده يحرسها ويرعاها. وظلم نفسه بظلم زوجه. وهي وهو من نفس واحدة ، فما يظلمها يظلمه كذلك بهذا الاعتبار .. ثم ..
«لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً».


إنها لمسة موحية مؤثرة. فمن ذا الذي يعلم غيب اللّه وقدره المخبوء وراء أمره بالعدة ، وأمره ببقاء المطلقات في بيوتهن .. إنه يلوح هناك أمل ، ويوصوص هناك رجاء. وقد يكون الخير كله. وقد تتغير الأحوال وتتبدل إلى هناءة ورضى. فقدر اللّه دائم الحركة ، دائم التغيير ، ودائم الأحداث. والتسليم لأمر اللّه أولى ، والرعاية له أوفق ، وتقواه ومراقبته فيها الخير يلوح هناك! والنفس البشرية قد تستغرقها اللحظة الحاضرة ، وما فيها من أوضاع وملابسات ، وقد تغلق عليها منافذ المستقبل ، فتعيش في سجن اللحظة الحاضرة ، وتشعر أنها سرمد ، وأنها باقية ، وأن ما فيها من أوضاع وأحوال سيرافقها ويطاردها .. وهذا سجن نفسي مغلق مفسد للأعصاب في كثير من الأحيان.

وليست هذه هي الحقيقة. فقدر اللّه دائما يعمل ، ودائما يغير ، ودائما يبدل ، ودائما ينشئ ما لا يجول في حسبان البشر من الأحوال والأوضاع. فرج بعد ضيق. وعسر بعد يسر. وبسط بعد قبض. واللّه كل يوم هو في شأن ، يبديه للخلق بعد أن كان عنهم في حجاب.

ويريد اللّه أن تستقر هذه الحقيقة في نفوس البشر ، ليظل تطلعهم إلى ما يحدثه اللّه من الأمر متجددا ودائما.

ولتظل أبواب الأمل في تغيير الأوضاع مفتوحة دائمة. ولتظل نفوسهم متحركة بالأمل ، ندية بالرجاء ، لا تغلق المنافذ ولا تعيش في سجن الحاضر. واللحظة التالية قد تحمل ما ليس في الحسبان .. «لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً» ..





«فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ، وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ، وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ. ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ. وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ. قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً» ..

وهذه هي المرحلة الثانية وهذا هو حكمها. وبلوغ الأجل آخر فترة العدة. وللزوج ما دامت المطلقة لم تخرج من العدة - على آجالها المختلفة التي سبق بيانها - أن يراجعها فتعود إلى عصمته بمجرد مراجعتها - وهذا هو إمساكها - أو أن يدع العدة تمضي فتبين منه ولا تحل له إلا بعقد جديد كالزوجة الجديدة. وسواء راجع أم فارق فهو مأمور بالمعروف فيهما. منهي عن المضارة بالرجعة ، كأن يراجعها قبيل انتهاء العدة ثم يعود فيطلقها الثانية ثم الثالثة ليطيل مدة بقائها بلا زواج! أو أن يراجعها ليبقيها كالمعلقة ، ويكايدها لتفتدي منه نفسها - وكان كلاهما يقع عند نزول هذه السورة ، وهو ما يزال يقع كلما انحرفت النفوس عن تقوى اللّه. وهي الضمان الأول لأحكامه في المعاشرة والفراق. كذلك هو منهي عن المضارة في الفراق بالسب والشتم والغلظة في القول والغضب ، فهذه الصلة تقوم بالمعروف وتنتهي بالمعروف استبقاء لمودات القلوب فقد تعود إلى العشرة ، فلا تنطوي على ذكرى رديئة ، لكلمة نابية ، أو غمزة شائكة ، أو شائبة تعكر صفاءها عند ما تعود. ثم هو الأدب الإسلامي المحض الذي يأخذ الإسلام به الألسنة والقلوب.

وفي حالتي الفراق أو الرجعة تطلب الشهادة على هذه وذاك. شهادة اثنين من العدول. قطعا للريبة. فقد يعلم الناس بالطلاق ولا يعلمون بالرجعة ، فتثور شكوك وتقال أقاويل. والإسلام يريد النصاعة والطهارة في هذه العلاقات وفي ضمائر الناس وألسنتهم على السواء. والرجعة تتم وكذلك الفرقة بدون الشهادة عند بعض الفقهاء ولا تتم عند بعضهم إلا بها. ولكن الإجماع أن لا بد من الشهادة بعد أو مع الفرقة أو الرجعة على القولين.

( يتبع )


مديح







 

رد مع اقتباس
قديم 25-01-2021, 08:21 PM   #137


البرنس مديح ال قطب متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5942
 تاريخ التسجيل :  16 - 3 - 2015
 أخر زيارة : يوم أمس (03:48 PM)
 المشاركات : 873,030 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~


سبحان الله وبحمدة
سبحان الله العظيم
لوني المفضل : Darkorange
افتراضي


























تابع – سورة الطلاق

محور مواضيع السورة :

وعقب بيان الحكم تجيء اللمسات والتوجيهات تترى :
«وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ» ..
فالقضية قضية اللّه ، والشهادة فيها للّه ، هو يأمر بها ، وهو يراقب استقامتها ، وهو يجزي عليها. والتعامل فيها معه لا مع الزوج ولا الزوجة ولا الناس! «ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ».

والمخاطبون بهذه الأحكام هم المؤمنون المعتقدون باليوم الآخر. فهو يقول لهم : إنه يعظهم بما هو من شأنهم.
فإذا صدقوا الإيمان به وباليوم الآخر فهم إذن سيتعظون ويعتبرون. وهذا هو محك إيمانهم ، وهذا هو مقياس دعواهم في الإيمان! «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ» ..

مخرجا من الضيق في الدنيا والآخرة ، ورزقا من حيث لا يقدر ولا ينتظر. وهو تقرير عام ، وحقيقة دائمة.
ولكن إلصاقها هنا بأحكام الطلاق يوحي بدقة انطباقها وتحققها عند ما يتقي المتقون اللّه في هذا الشأن بصفة خاصة. وهو الشأن الذي لا ضابط فيه أحس ولا أدق من ضابط الشعور والضمير ، فالتلاعب فيه مجاله واسع ، لا يقف دونه إلا تقوى اللّه وحساسية الضمير.

«وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ، إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ» ..
فمجال الكيد في هذه العلاقة واسع ، ومسالكه كثيرة ، وقد تؤدي محاولة اتقاء الكيد إلى الكيد! فهنا إيحاء بترك هذه المحاولة ، والتوكل على اللّه ، وهو كاف لمن يتوكل عليه. فاللّه بالغ أمره. فما قدر وقع ، وما شاء كان فالتوكل عليه توكل على قدرة القادر ، وقوة القاهر. الفعال لما يريد. البالغ ما يشاء.

والنص عام. والمقصود به هو إنشاء التصور الإيماني الصحيح في القلب ، بالنسبة لإرادة اللّه وقدره .. ولكن وروده هنا بمناسبة أحكام الطلاق له إيحاؤه في هذا المجال وأثره.

«قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً» ..
فكل شيء مقدر بمقداره ، وبزمانه ، وبمكانه ، وبملابساته ، وبنتائجه وأسبابه. وليس شيء مصادفة ، وليس شيء جزافا. في هذا الكون كله ، وفي نفس الإنسان وحياته .. وهي حقيقة ضخمة يقوم عليها جانب كبير من التصور الإيماني. (و قد فصلنا الحديث عنها عند استعراض قوله تعالى : «وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً» في سورة الفرقان. وعند قوله تعالى : «إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ» .. في سورة القمر). ولكن ذكر هذه الحقيقة الكلية هنا يربط بها ما قدره اللّه عن الطلاق وفترته ، والعدة ووقتها ، والشهادة وإقامتها. ويطبع هذه الأحكام بطابع السنة الإلهية النافذة ، والناموس الكلي العام. ويوقع في الحس أن الأمر جد من جد النظام الكوني المقدر في كل خلق اللّه.

«وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ - إِنِ ارْتَبْتُمْ - فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ. وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ. وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً. ذلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ ، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً».

وهذا تحديد لمدة العدة لغير ذوات الحيض والحمل. يشمل اللواتي انقطع حيضهن ، واللاتي لم يحضن بعد لصغر أو لعلة. ذلك أن المدة التي بينت من قبل في سورة البقرة كانت تنطبق على ذوات الحيض - وهي ثلاث حيضات أو ثلاثة أطهار من الحيضات. حسب الخلاف الفقهي في المسألة - فأما التي انقطع حيضها والتي لم تحض أصلا فكان حكمها موضع لبس : كيف تحسب عدتها؟ فجاءت هذه الآية تبين وتنفي اللبس والشك ، وتحدد ثلاثة أشهر لهؤلاء وهؤلاء ، لاشتراكهن في عدم الحيض الذي تحسب به عدة أولئك. أما الحوامل فجعل عدتهن هي الوضع. طال الزمن بعد الطلاق أم قصر. ولو كان أربعين ليلة فترة الطهر من النفاس. لأن براءة الرحم بعد الوضع مؤكدة ، فلا حاجة إلى الانتظار. والمطلقة تبين من مطلقها بمجرد الوضع ، فلا حكمة في انتظارها بعد ذلك ، وهي غير قابلة للرجعة إليه إلا بعقد جديد على كل حال. وقد جعل اللّه لكل شيء قدرا. فليس هناك حكم إلا ووراءه حكمة.

هذا هو الحكم ثم تجيء اللمسات والتعقيبات :
«وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً» ..
واليسر في الأمر غاية ما يرجوه إنسان. وإنها لنعمة كبرى أن يجعل اللّه الأمور ميسرة لعبد من عباده. فلا عنت ولا مشقة ولا عسر ولا ضيقة. يأخذ الأمور بيسر في شعوره وتقديره. وينالها بيسر في حركته وعمله. ويرضاها بيسر في حصيلتها ونتيجتها. ويعيش من هذا في يسر رخي ندي ، حتى يلقى اللّه .. ألا إنه لإغراء باليسر في قضية الطلاق مقابل اليسر في سائر الحياة! «ذلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ» ..

وهذه لمسة أخرى في جانب آخر. لمسة الجد والانتباه إلى مصدر الأمر .. فقد أنزله اللّه. أنزله للمؤمنين به ، فطاعته تحقيق لمعنى الإيمان ، ولحقيقة الصلة بينهم وبين اللّه.

ثم عودة إلى التقوى التي يدق عليها دقا متواصلا في هذا المجال :
«وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً» ..
فالأولى تيسير للأمور. والثانية تكفير للسيئات وإعظام للأجر بعد التكفير .. فهو الفيض المغري والعرض المثير. وهو حكم عام ووعد شامل. ولكنه يخلع على موضوع الطلاق ظلاله ، ويغمر القلب بالشعور باللّه وفضله العميم. فما له إذن يعسر ويعقد واللّه يغمره بالتيسير والمغفرة والأجر الكبير؟


«أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ، وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ. وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ. فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ، وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ ، وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى . لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ، وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ ، لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها ، سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً» ..

وهذا هو البيان الأخير لتفصيل مسألة الإقامة في البيوت ، والإنفاق في فترة العدة - على اختلاف مدتها.
فالمأمور به هو أن يسكنوهن مما يجدون هم من سكنى. لا أقل مما هم عليه في سكناهم ، وما يستطيعونه حسب مقدرتهم وغناهم. غير عامدين إلى مضارتهم سواء بالتضييق عليهن في فسحة المسكن أو مستواه أو في المعاملة فيه. وخص ذوات الأحمال بذكر النفقة - مع وجوب النفقة لكل معتدة - لتوهم أن طول مدة الحمل يحدد زمن الإنفاق ببعضه دون بقيته ، أو بزيادة عنه إذا قصرت مدته. فأوجب النفقة حتى الوضع ، وهو موعد انتهاء العدة لزيادة الإيضاح التشريعي.

ثم فصل مسألة الرضاعة فلم يجعلها واجبا على الأم بلا مقابل. فما دامت ترضع الطفل المشترك بينهما ، فمن حقها أن تنال أجرا على رضاعته تستعين به على حياتها وعلى إدرار اللبن للصغير ، وهذا منتهى المراعاة للأم في هذه الشريعة. وفي الوقت ذاته أمر الأب والأم أن يأتمرا بينهما بالمعروف في شأن هذا الوليد ، ويتشاورا في أمره ورائدهما مصلحته ، وهو أمانة بينهما ، فلا يكون فشلهما هما في حياتهما نكبة على الصغير البريء فيهما! وهذه هي المياسرة التي يدعوهما اللّه إليها. فأما إذا تعاسرا ولم يتفقا بشأن الرضاعة وأجرها ، فالطفل مكفول الحقوق : «فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى » .. دون اعتراض من الأم ودون تعطيل لحق الطفل في الرضاعة ، بسبب تعاسرهما بعد فشلهما! ثم يفصل الأمر في قدر النفقة. فهو اليسر والتعاون والعدل. لا يجور هو ، ولا تتعنت هي. فمن وسع اللّه عليه رزقه فلينفق عن سعة. سواء في السكن أو في نفقة المعيشة أو في أجر الرضاعة. ومن ضيق عليه في الرزق ، فليس عليه من حرج ، فاللّه لا يطالب أحدا أن ينفق إلا في حدود ما آتاه. فهو المعطي ، ولا يملك أحد أن يحصل على غير ما أعطاه اللّه. فليس هناك مصدر آخر للعطاء غير هذا المصدر ، وليست هناك خزانة غير هذه الخزانة : «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها» ..
ثم لمسة الإرضاء ، وإفساح الرجاء ، للاثنين على السواء :
«سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً» ..
فالأمر منوط باللّه في الفرج بعد الضيق ، واليسر بعد العسر. فأولى لهما إذن أن يعقدا به الأمر كله ، وأن يتجها إليه بالأمر كله ، وأن يراقباه ويتقياه والأمر كله إليه. وهو المانح المانع. القابض الباسط. وبيده الضيق والفرج ، والعسر واليسر ، والشدة والرخاء.


وإلى هنا يكون قد تناول سائر أحكام الطلاق ومتخلفاته ، وتتبع كل أثر من آثاره حتى انتهى إلى حل واضح ولم يدع من البيت المتهدم أنقاضا ولا غبارا يملأ النفوس ويغشى القلوب ، ولم يترك بعده عقابيل غير مستريحة بعلاج ، ولا قلاقل تثير الاضطراب.

وكذلك يكون قد عالج جميع الوساوس والهواجس التي تثور في القلوب ، فتمنعها من السماحة والتيسير والتجمل للأمر. فأبعد أشباح الفقر والضيق وضياع الأموال من نفس الزوج إذا هو أسكن وأنفق ووسع على مطلقته أو مرضعة ولده. ومن نفس الزوجة التي تضيق بنفقة الإعسار ، أو تطمع في زيادة ما تصيب من مال زوجها السابق. فأكد اليسر بعد العسر لمن اتقى ، والضيق بعد الفرج ، والرزق من حيث لا يحتسب ، وفوق رزق الدنيا رزق الآخرة والأجر الكبير هناك بعد التكفير.

كما عالج ما تخلفه حالة الخلاف والشقاق التي أدت إلى الطلاق. من غيظ وحنق ومشادة وغبار في الشعور والضمير .. فمسح على هذا كله بيد الرفق والتجمل ، ونسم عليه من رحمة اللّه والرجاء فيه ومن ينابيع المودة والمعروف التي فجرها في القلوب بلمسات التقوى والأمل في اللّه وانتظار رضاه.

وهذا العلاج الشامل الكامل ، وهذه اللمسات المؤثرة العميقة ، وهذا التوكيد الوثيق المتكرر .. هذه كلها هي الضمانات الوحيدة في هذه المسألة لتنفيذ الشريعة المقررة. فليس هناك ضابط إلا حساسية الضمائر وتقوى القلوب. وإن كلا الزوجين ليملك مكايدة صاحبه حتى تنفقئ مرارته إذا كانت الحواجز هي فقط حواجز القانون!! وبعض الأوامر من المرونة بحيث تسع كل هذا. فالأمر بعدم المضارة : «وَلا تُضآرُّوهُنَّ» يشمل النهي عن ألوان من العنت لا يحصرها نص قانوني مهما اتسع. والأمر فيه موكول إلى هذه المؤثرات الوجدانية ، وإلى استجاشة حاسة التقوى وخوف اللّه المطلع على السرائر ، المحيط بكل شيء علما. وإلى التعويض الذي يعده اللّه للمتقين في الدنيا والآخرة. وبخاصة في مسألة الرزق التي تكرر ذكرها في صور شتى ، لأنها عامل مهم في تيسير الموقف ، وتندية الجفاف الذي تنشئه حالة الطلاق ..

وإن الزوجين ليفارقان - في ظل تلك الأحكام والتوجيهات - وفي قلوبهما بذور للود لم تمت ، ونداوة قد تحيي هذه البذور فتنبت .. ذلك إلى الأدب الجميل الرفيع الذي يريد الإسلام أن يصبغ به حياة الجماعة المسلمة ، ويشيع فيها أرجه وشذاه.


فإذا انتهى السياق من هذا كله ساق العبرة الأخيرة في مصير الذين عتوا عن أمر ربهم ورسله ، فلم يسمعوا ولم يستجيبوا. وعلق هذه العبرة على الرؤوس ، تذكرهم بالمصير البائس الذي ينتظر من لا يتقي ولا يطيع.

كما تذكرهم بنعمة اللّه على المؤمنين المخاطبين بالسورة والتشريع :
«وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ ، فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً. فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها ، وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً. أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً. فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا ، قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً : رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ. وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً. قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً» ..

وهو إنذار طويل وتحذير مفصل المشاهد. كما أنه تذكير عميق بنعمة اللّه بالإيمان والنور ، ووعده بالأجر في الآخرة وهو أحسن الرزق وأكرمه.

فأخذ اللّه لمن يعتو عن أمره ولا يسلم لرسله هو سنة متكررة : «وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً». وتفصيل أخذها وذكر الحساب العسير والعذاب النكير ، ثم تصوير العاقبة وسوء المصير : «فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً» .. ثم تأخير صورة هذه العاقبة الخاسرة في الآية التالية : «أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً» .. كل هذا لإطالة المشهد وتفصيل خطواته ومراحله. وهي طريقة من طرق الأسلوب القرآني في تعميق الأثر في الحس وإطالة مكثه في الأعصاب .

ونقف لحظة أمام هذا التحذير فنرى أن اللّه أخذ القرى واحدة بعد واحدة كلما عتت عن أمر ربها ورسله ..

ونجد أن هذا التحذير يساق هنا بمناسبة الطلاق وأحكامه ، فيرتبط الطلاق وحكمه بهذه السنة الكلية. ويوحي هذا الارتباط أن أمر الطلاق ليس أمر أسر أو أزواج. إنما هو أمر الأمة المسلمة كلها. فهي المسئولة عن هذا الأمر. وهي المسئولة فيه عن شريعة اللّه. ومخالفتها عن أمر اللّه فيه - أو مخالفتها عن أمر اللّه في غيره من أحكام هذا النظام ، أو هذا المنهج الإلهي المتكامل للحياة - هي عتو عن أمر اللّه ، لا يؤاخذ به الأفراد الذين يرتكبونه ، إنما تؤاخذ به القرية أو الأمة التي تقع فيها المخالفة ، والتي تنحرف في تنظيم حياتها عن نهج اللّه وأمره فقد جاء هذا الدين ليطاع ، ولينفذ كله ، وليهيمن على الحياة كلها. فمن عتا عن أمر اللّه فيه - ولو كان هذا في أحوال الأفراد الشخصية - فقد تعرض لما تعرضت له القرى من سنة اللّه التي لا تتخلف أبدا.

( يتبع )





مديح







 

رد مع اقتباس
قديم 25-01-2021, 08:25 PM   #138


البرنس مديح ال قطب متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5942
 تاريخ التسجيل :  16 - 3 - 2015
 أخر زيارة : يوم أمس (03:48 PM)
 المشاركات : 873,030 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~


سبحان الله وبحمدة
سبحان الله العظيم
لوني المفضل : Darkorange
افتراضي




























تابع – سورة الطلاق

محور مواضيع السورة :

وتلك القرى ذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا .. ذاقته في هذه الأرض قبل يوم الحساب الأخير.
ولقد ذاقت هذا الوبال قرى وأمم وشعوب عتت عن منهج اللّه في الأرض. ونحن نشهد وأسلافنا شهدوا هذا الوبال. ذاقته فسادا وانحلالا ، وفقرا وقحطا ، وظلما وجورا ، وحياة مفزعة لا أمن فيها ولا سلام ، ولا طمأنينة فيها ولا استقرار. وفي كل يوم نرى مصداق هذا النذير! وذلك فوق العذاب الشديد الذي ينتظر العتاة عن أمر اللّه ونهجه في الحياة حيث يقول اللّه : «أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً» .. واللّه أصدق القائلين.

إن هذا الدين منهج نظام جماعي - كما أسلفنا الحديث في سورة الصف - جاء لينشئ جماعة مسلمة ذات نظام خاص. وجاء ليصرف حياة هذه الجماعة كلها. ومن ثم فالجماعة كلها مسؤولة عنه ، مسؤولة عن أحكامه.
ولن تخالف عن هذه الأحكام حتى يحق عليها هذا النذير الذي حق على القرى التي عتت عن أمر ربها ورسله.

وفي مواجهة هذا الإنذار ومشاهده الطويلة يهتف بأولي الألباب الذين آمنوا. الذين هدتهم ألبابهم إلى الإيمان.
يهتف بهم ليتقوا اللّه الذي أنزل لهم الذكر : «قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً» .. ويجسم هذا الذكر ويمزجه بشخص الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - فيجعل شخصه الكريم هو الذكر ، أو بدلا منه في العبارة : «رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ» ..
وهنا لفتة مبدعة عميقة صادقة ذات دلائل منوعة ..

إن هذا الذكر الذي جاء من عند اللّه مر إليهم من خلال شخصية الرسول الصادق حتى لكأن الذكر نفذ إليهم مباشرة بذاته ، لم تحجب شخصية الرسول شيئا من حقيقته.

والوجه الثاني لإيحاء النص هو أن شخصية الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - قد استحالت ذكرا ، فهي صورة مجسمة لهذا الذكر صنعت به فصارت هو. وهو ترجمة حية لحقيقة القرآن. وكذلك كان رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وهكذا وصفته عائشة - رضي اللّه عنها - وهي تقول : «كان خلقه القرآن» .. وهكذا كان القرآن في خاطره في مواجهة الحياة. وكان هو القرآن يواجه الحياة!
وفوق نعمة الذكر والنور والهداية والصلاح ، وعد بنعيم الجنات خالدين فيها أبدا. وتذكير بأن هذا الرزق هو أحسن الرزق ، فلا يقاس إليه رزق الأرض : «قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً» .. وهو الرازق في الدنيا والآخرة ، ولكن رزقا خير من رزق ، واختياره للأحسن هو الاختيار الحق الكريم.
وهكذا يلمس نقطة الرزق مرة أخرى ، ويهون بهذه الإشارة من رزق الأرض ، إلى جانب رزق الجنة.
بعد ما وعد في المقاطع الأولى بسعة رزق الأرض أيضا ..


وفي الختام يجيء ذلك الإيقاع الكوني الهائل ، فيربط موضوع السورة وتشريعاتها وتوجيهاتها بقدر اللّه وقدرة اللّه ، وعلم اللّه ، في المجال الكوني العريض :

«اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ، يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ ، لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً» ..

والسماوات السبع لا علم لنا بحقيقة مدلولها وأبعادها ومساحاتها. وكذلك الأراضي السبع. فقد تكون أرضنا هذه التي نعرفها واحدة منهن والباقيات في علم اللّه. وقد يكون معنى مثلهن أن هذه الأرض من جنس السماوات فهي مثلهن في تركيبها أو خصائصها .. وعلى أية حال فلا ضرورة لمحاولة تطبيق هذه النصوص على ما يصل إليه علمنا ، لأن علمنا لا يحيط بالكون ، حتى نقول على وجه التحقيق : هذا ما يريده القرآن. ولن يصح أن نقول هكذا إلا يوم يعلم الإنسان تركيب الكون كله علما يقينيا .. وهيهات ..!

فننتفع بإيحاء هذه الإشارة إلى تلك الحقيقة في مجالها النفسي ، وفي إنشاء التصور الإيماني الكوني الصحيح.

والإشارة إلى هذا الكون الهائل : «سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ» .. يهول الحس ويقف القلب وجها لوجه أمام مشهد من مشاهد قدرة الخالق ، وسعة ملكه ، تصغر أمامه هذه الأرض كلها ، فضلا على بعض ما فيها ، فضلا على حادث من أحداثها. فضلا على دريهمات ينفقها الزوج أو تتنازل عنها الزوجة! وبين هذه السماوات السبع والأرض أو الأرضين السبع يتنزل أمر اللّه - ومنه هذا الأمر الذي هم بصدده في هذا السياق. فهو أمر هائل إذن ، حتى بمقاييس البشر وتصوراتهم في المكان والزمان بقدر ما يطيقون التصور. والمخالفة عنه مخالفة عن أمر تتجاوب به أقطار السماوات والأرضين ، ويتسامع به الملأ الأعلى وخلق اللّه الآخرون في السماوات والأرضين. فهي مخالفة بلقاء شنعاء ، لا يقدم عليها ذو عقل مؤمن ، جاءه رسول يتلو عليه آيات اللّه مبينات ، ويبين له هذا الأمر ، ليخرجه من الظلمات إلى النور ..

وهذا الأمر يتنزل بين السماوات والأرض ، لينشئ في قلب المؤمن عقيدة أن اللّه على كل شيء قدير فلا يعجزه شيء مما يريد. وأنه أحاط بكل شيء علما فلا يند عن علمه شيء مما يكون في ملكه الواسع العريض ، ولا مما يسرونه في حنايا القلوب.

ولهذه اللمسة قيمتها هنا من وجهين :
الأول أن اللّه الذي أحاط بكل شيء علما هو الذي يأمر بهذه الأحكام. فقد أنزلها وهو يحيط بكل ظروفهم وملابساتهم ومصالحهم واستعداداتهم. فهي أولى بالاتباع لا يلتفتون عنها أدنى التفات وهي من وضع العليم المحيط بكل شيء علما.

والثاني أن هذه الأحكام بالذات موكولة إلى الضمائر ، فالشعور بعلم اللّه واطلاعه على كل شيء هو الضمان لحساسية هذه الضمائر ، في شأن لا يجدي فيه شيء إلا تقوى اللّه العليم بذات الصدور.
وهكذا تختم السورة بهذا الإيقاع الذي يهول ويروع ، بقدر ما يحرك القلوب لتخبت وتطيع. فسبحان خالق القلوب ، العليم بما فيها من المنحنيات والدروب!


قال الصابوني:
سورة الطلاق مدنية وآياتها اثنا عشر آية.
* سورة الطلاق مدنية وقد تناولت بعض الأحكام التشريعية المتعلقة بأحوال الزوجين، كبيان أحكام الطلاق وكيفيته، وما يترتب على الطلاق من (العدة، والنفقة، والسكنى، وأجر المرضع) إلى غير ما هنالك من أحكام.

* تناولت السورة الكريمة في البدء أحكام الطلاق (الطلاق السني) و(الطلاق البدعي) فأمرت المؤمنين بسلوك أفضل الطرق، عند تعذر استمرار الحياة الزوجية، ودعت إلى تطليق الزوجة في الوقت المناسب، وعلى الوجه المشروع، وهو أن يطلقها طاهرا من غير جماع، ثم يتركها إلى انقضاء عدتها {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن..} الآيات.

* وفي هذا التوجيه الإلهي دعوة للرجال أن يتمهلوا، ولا يتسرعوا في فصل عرى الزوجية، فإن الطلاق أبغض الحلال إلى الله، ولولا الضرورات القسرية لما أبيح الطلاق لأنه هدم للأسرة {فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف} الآيات.

* ودعت السورة إلى إحصاء العدة لضبط انتهائها، لئلا تختلط الأنساب، ولئلا يطول الأمد على المطلقة، فيلحقها الضرر، ودعت إلى الوقوف عند حدود الله، وعدم عصيان أوامره {وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه..} الآيات.

* وتناولت السورة أحكام العدة، فبينت عدة اليائس التي انقطع عنها دم الحيض لكبر أو مرض، وكذلك عدة الصغيرة، وعدة الحامل، فبينته أوضح بيان مع التوجيه والإرشاد {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن..} الآيات.


* وفي خلال تلك الأحكام التشريعية، تكررت الدعوة إلى (تقوى الله) بالترغيب تارة، وبالترهيب أخرى، لئلا يقع حيف أو ظلم من أحد الزوجين، كما وضحت أحكام السكنى والنفقة {ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا..} الآيات.

* وختمت السورة بالتحذير من تعدي حدود الله، وضربت الأمثلة بالأمم الباغية التي عتت عن أمر الله، وما ذاقت من الوبال والدمار، ثم أشارت إلى قدرة الله في خلق سبع سموات طباق، وخلق الأرضين، وكلها براهين على وحدانية رب العالمين {وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا..} الآيات إلى نهاية السورة الكريمة


قال محمد الغزالي:

سورة الطلاق تسمى سورة النساء الصغرى. وقد أودع الله فيها جملة أحكام تتصل بالأسرة، وتقيم كيانها على أسس سليمة، وتعالج ما قد يعرض لها من علل ومتاعب. وأسلوب السورة كلها وحدة موضوعية جديرة بالتأمل العميق، وتدل! على ترابط الآيات وتماسك سياقها في إبراز حقيقة معينة. وليس في السورة حكم فقهى من اجتهادى الخاص، وإنما اخترت من اجتهادات الأقدمين ما يناسب هذا التفسير وما يوافق رأيى.. ولمن شاء مخالفتى فلست مكرها أحدا على وجهة نظر لى. في صدر السورة نداء للنبى عليه الصلاة والسلام لأنه قائد الأمة وإمام الهدى! ومناداة الرسول في شأن يشيع بين أفراد الأمة كلها يشير إلى أن الأمر مهم، وأنه يخرج من النطاق الفردى الخاص إلى النطاق الجماعى العام. والواقع أن الطلاق يتجاوز الرجل الذي أوقعه، إلى امرأته، وأولادهما وأسرتيهما، فلابد من وضع ضوابط له، حتى لا يكون صدوره بإرادة مفردة بابا إلى الطيش والتظالم.. ومن هنا حدد الشارع له وقتا معينا؟ فلا يجوز في أثناء الحيض والنفاس، ولا يجوز بعد طهر مس امرأته فيه، وينبغى أن يحضره شاهدان. وعلى الزوجة إذا سمعت الطلاق، أن تبقى في بيت الزوجية، فليس ما سمعته إجهازا على الحياة الزوجية وإنما هو إنذار بالقضاء عليها، وبقاؤها حيث هي مطلوب، فقد تستأنف هذه الحياة مع تغير الظروف التي دفعت إلى الطلاق. إن ثورات الغضب قد تتلاشى وتتغلب بواعث الوئام خلال شهرين أو ثلاثة، وذاك معنى الآية الأولى {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا}.

وقد لاحظت أن الإيمان بالغيوب والانبعاث عن تقوى الله تكرر خلال الآيات والأحكام الفقهية، حتى يمكن تفريج الأزمات العائلية الباعثة على الشقاق بالاعتماد على الله ومغالبة الأمر الواقع {ومن يتق الله يجعل له مخرجا}. وذكر الوحى الكريم تفصيلات للإنفاق في السراء والضراء وبيانات لحالات الإرضاع وغيرها. وبدا من الإرشاد الإلهى أن الله سبحانه لا يريد أن يتحول الطلاق إلى كارثة اجتماعية كالحة، وألا يفقد المسلمون أدبهم وتواصلهم مع هذه المحنة.. ومع ذلك كله، فإن الطلاق كما مارسه المسلمون اقترن بمآس كئيبة. فمن الناحية الفقهية وقع الاعتراف بالطلاق البدعى، وانتشر الحلف بالطلاق، كما انتشر تعليقه على التوافه المحقرة، وسطرت في كتب الفقه نوادر لوقوع الطلاق تستدعى العجب. ولا يزال الأوروبيون ينظرون إلى سهولة الطلاق وميوعة حدوده عندنا نظرة إنكار، وهى ميوعة اختلقها الناس ولا يعرفها الإسلام. ويكاد يستحيل أن تسمع امرأة الطلاق وتبقى في البيت، كما يكاد يندر وقوع الطلاق داخل النطاق الذي رسمته السنة النبوية من طهر، واعتزال! وإشهاد.. والفقهاء المتربصون بمصير الأسرة المرحبون بتمزيق عراها لأتفه الأسباب والأقوال، لا حصر لهم.. وقد أضر ذلك إضرارا بليغا بسمعة الإسلام وانتشار رسالته، واستغله أعداؤه استغلالا واسعا.. ولذلك فأنا انظر إلى النصف الثانى من السورة على أنه امتداد وتكميل لنصفها الأول، وتحذير لأمتنا من العبث بأحكام الطلاق. ويبدأ، ذلك بقوله تعالى: {وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا فذاقت وبال أمرها...}. إلخ. وليتدبر القارئ قوله تعالى في إحكام الطلاق: {ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا}. وقوله بعد ذلك {وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله..} إن السياق متماسك، ولفظ الأمر واحد. ولا يجوز لأمة شرفها الله بالوحى والهدى أن تفرط وتعبث وتجعل نظام الأسرة في مجتمعها لغوا!! كما لا يجوز أن تبعثر العقبات في طريق الدعوة وانتشار الرسالة بسوء تطبيقها للإسلام وسوء تنفيذها لأحكامه!
وأخيرا تختم السورة بهذه الآية الدالة على أن الله خلق الكون لنعرفه، وأنزل الوحى لنتبعه؟ وبين الكون الدال على الله بصمته، والوحى الهادر بنطقه يعرف المسلمون طريقهم {الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما}. هذه سورة الطلاق أدعو كل مسلم لقراءتها مرة أخرى، على ضوء ما شرحت لعله واجد فيها ما يهدى ويجدى.

يتبع – سورة التحريم





مديح





 

رد مع اقتباس
قديم 25-01-2021, 08:33 PM   #139


البرنس مديح ال قطب متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5942
 تاريخ التسجيل :  16 - 3 - 2015
 أخر زيارة : يوم أمس (03:48 PM)
 المشاركات : 873,030 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~


سبحان الله وبحمدة
سبحان الله العظيم
لوني المفضل : Darkorange
افتراضي




























سورة التحريم

التعريف بالسورة

مدنية .
من المفصل .
آياتها 12 .
ترتيبها السادسة والستون .
نزلت بعد الحجرات .
بدأت باسلوب النداء " يا أيها النبي " اسم السورة " التحريم " .

سبب التسمية


سُميت ‏بهذا ‏الاسم ‏لبيان ‏شأن ‏التحريم ‏الذي ‏حرمه ‏النبي ‏ ‏على ‏نفسه ‏من ‏غير ‏أن ‏يحرمه ‏الله‎

سبب نزول السورة :


1) عن ابن عباس عن عمر قال دخل رسول الله بأم ولده مارية في بيت حفصة ، فوجدته حفصة معها ، فقالت : لم تدخلها بيتي ؟ ما صنعت بي هذا من بين نسائك إلا من هواني عليك . فقال لها : لا تذكري هذا لعائشة هي على حرام إن قربتها . قالت حفصة : وكيف تحرم عليك وهى جاريتك ؟ فحلف لها لا يقربها . وقال لها: لا تذكريه لأحد . فذكرته لعائشة ، فأبى أن لا يدخل على نسائه شهرا واعتزلهن تسعا وعشرين ليلة ، فأنزل الله تبارك وتعالى ( لم تحرم ما أحل الله لك ) الآية .


2) عن عائشة قالت : كان رسول الله يحب الحلواء والعسل ، وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه ، فدخل على حفصة بنت عمر واحتبس عندها أكثر مما كان يحتبس ، فعرفت ، فسألت عن ذلك، فقيل لى : أهدت امرأة من قومها عكة عسل فسقت منه النبي شربة . قلت : أما والله لنحتال له . فقلت لسودة بنت زمعة : إنه سيدنو منك إذا دخل عليك فقولى له يا رسول الله أكلت مغافير ؟ فإنه سيقول لك : سقتنى حفصة شربة عسل . فقولى " جرست نحلة العرفط " وسأقول ذلك ، وقولى أنت يا صفية ذلك . قالت : تقول سودة : " فوالله ما هو إلا أن قام على الباب فكدت أن أبادئه بما أمرتني به ، فلما دنا منها قالت له سودة : يا رسول الله أكلت مغافير ؟ قال : لا . قالت : فما هذه الريح التي أجد منك ؟ قال: سقتني حفصة شربة عسل . قالت : جرست نحلة العرفط . قالت : فلما دخل على قلت له مثل ذلك ، فلما دار إلى صفية قالت له مثل ذلك ، فلما دار إلى حفصة قالت : يا رسول الله أسقيك منه ؟ قال : لا حاجة لي فيه . تقول سودة ، لقد حرمناه . قالت لها : اسكتي .( رواه البخاري عن فرقد ورواه مسلم عن سويد ابن سعيد كلاهما عن على بن مسهر ).


3) لما حلف أبو بكر أن لا ينفق على مسطح أنزل الله هذه الآية .


4) عن ابن عباس قال وجدت حفصة رسول الله مع أم إبراهيم في يوم عائشة ، فقالت :لأخبرنها . فقال رسول الله هى على حرام إن قربتها . فأخبرت عائشة بذلك ، فأعلم الله رسولَه ذلك ، فعرف حفصة بعض ما قالت، فقالت له : من أخبرك ؟ قال : نبأني العليم الخبير . فآلى رسول الله من نسائه شهرا ، فأنزل الله تبارك وتعالى( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما الآية ).


5) عن ابن عباس وابن عمر في قوله تعالى ( وصالح المؤمنين ) قالا : نزلت في أبي بكر وعمر .


تناول السورة الشئون التشريعية وهي هنا تعالج قضايا وأحكاما تتعلق " بيت النبوة " وبأمهات المؤمنين أزواج رسول الله الطاهرات وذلك في إطار تهيئة البيت المسلم والنموذج الأكمل للأسرة السعيدة .


قال البقاعي


مقصودها الحث على تقدير التدبير في الأدب مع الله ومع رسوله صلى الله عليه وسلم ومع سائر العباد والندب إلى التخلق بالأدب الشرعي وحسن المباشرة لاسيما لمن شاء اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في حسن عشرته وكريم صحبته وبيان أن الأب الشرعي تارة يكون باللين والأناة، وأخرى بالسوط وما داناه ومرة بالسيف وما والاه، وكل من اسميها التحريم والنبي صلى الله عليه وسلم موضح لذلك.


ومعظم مقصود السّورة عتاب الرّسول- صلى الله عليه وسلم- في التّحريم والتحليل قبل ورود وحْى سماوىّ، وتعيير الأزواج الطّاهرات على إِيذائه وإِظهارِ سرّه، والأمر بالتحرّز والتجنّب من جهنّم، والأمر بالتّوبة النّصُوح، والوعد بإِتمام النُّور في القيامة، والأمر بجهاد الكفّار بطريق السّياسة، ومع المنافقين بالبرهان والحجّة، وبيان أنّ القرابة غير نافعة بدون الإِيمان والمعرفة، وأن قرب المفسدين لا يضُرّ مع وجود الصّدق والإِخلاص، والخبر عن الفُتُوّة، وتصديق مريم بقوله: {وصدّقتْ بِكلِماتِ ربِّها}.


قال ابن عاشور:

سورة {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} (التحريم: 1) إلخ سميت (سورة التحريم) في كتب السنة وكتب التفسير. ووقع في رواية أبي ذرّ الهروي (لصحيح البخاري) تسميتها باسم (سورة لم تُحرّم) بتشديد اللاّم، وفي (الإِتقان) وتسمى (سورة لم تحرّم)، وفي (تفسير الكواشي) (أي بهمزة وصل وتشديد اللام مكسورة) وبفتح الميم وضم التاء محققة وتشديد الراء مكسورة بعدها ميم على حكاية جملة{لم تحرم}وجعْلِها بمنزلة الاسم وإدخال لام تعريف العهد على ذلك اللفظ وإدغام اللامين.

وتسمى (سورة النبي) صلى الله عليه وسلم وقال الألوسي: إن ابن الزبير سماها (سورة النساء).
قلت ولم أقف عليه ولم يذكر صاحب (الإِتقان) هذين في أسمائها.
واتفق أهل العدد على أن عدة آيها اثنتا عشرة.
وهي مدنيّة.


قال ابن عطية: بإجماع أهل العلم وتبعه القرطبي.
وقال في (الإِتقان) عن قتادة: إن أولها إلى تمام عشر آيات وما بعدها مكي، كما وقعت حكاية كلامه. ولعله أراد إلى عشر آيات، أي أن الآية العاشرة من المكي إذ من البعيد أن تكون الآية العاشرة مدنيّة والحادية عشرة مكيّة.

وهي معدودة الخامسة بعد المائة في عداد نزول سور القرآن نزلت بعد سورة الحجرات وقبل سورة الجمعة.
ويدل قوله: {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم} (التحريم: 2) أنها نزلت بعد سورة المائدة.


وسبب نزولها حادثتان حدثتا بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم:
إحداهما: ما ثبت في (الصحيح) عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان شرِب عسلا عند إحدى نسائه اختلف في أنها زينب بنت جحش، أو حفصة، أو أم سلمة، أو سودة بنت زمعة. والأصح أنها زينب. فعلمت بذلك عائشة فتواطأت هي وحفصة على أن أيّتهما دخل عليها تقول له: إني أجد منك ريح مغافير أكلْت مغافير. (والمغافير صمغ شجر العُرفط وله رائحة مختمرة) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكره أن توجد منه رائحة وإنما تواطأتا على ذلك غيرة منهما أن يحتبس عند زينب زمانا يشرب فيه عسلا. فدخل على حفصة فقالت له ذلك، فقال:«بل شربتُ عسلا عند فلانة ولن أعود له»، أراد بذلك استرضاء حفصة في هذا الشأن وأوصاها أن لا تخبر بذلك عائشة (لأنه يكره غضبها) فأخبرت حفصة عائشة فنزلت الآيات.

هذا أصح ما روي في سبب نزول هذه الآيات. والتحريم هو قوله: «ولن أعود له» (لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقول إلا صدقا وكانت سودة تقول: لقد حرمْناه).


والثانية: ما رواه ابن القاسم في (المدونة) عن مالك عن زيد بن أسلم قال: حرّم رسول الله أم إبراهيم جاريته فقال: «والله لا أطؤك» ثم قال: «هي عليّ حرام» فأنزل الله تعالى: {يأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك} (التحريم: 1).


وتفصيل هذا الخبر ما رواه الدارقطني «عن ابن عباس عن عمر قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم ولده مارية في بيت حفصة فوجدتْه حفصة معها، وكانت حفصة غابت إلى بيت أبيها. فقالت حفصة: تُدخلها بيتي ما صنعت بي هذا من بين نسائك إلا من هوانِي عليك. فقال لها: لا تذكري هذا لعائشة فهي عليّ حرام إن قربتُها. قيل: فقالت له حفصة: كيف تحْرُم عليك وهي جاريتُك فحلف لها أن لا يقْربها فذكرته حفصة لعائشة فآلى أن لا يدخل على نسائه شهرا فأنزل الله تعالى: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك}». وهو حديث ضعيف.

قال سيد قطب

عند ما جرى قدر اللّه أن يجعل الإسلام هو الرسالة الأخيرة وأن يجعل منهجه هو المنهاج الباقي إلى آخر الخليقة وأن تجري حياة المؤمنين به وفق الناموس الكوني العام وأن يكون هذا الدين هو الذي يقود حياة البشرية ويهيمن على نشاطها في كل ميدان ..


عند ما جرى قدر اللّه بهذا كله جعل اللّه هذا المنهج في هذه الصورة ، شاملا كاملا متكاملا ، يلبي كل طاقات البشر واستعداداتهم ، في الوقت الذي يرفع هذه الطاقات وهذه الاستعدادات إلى الأفق اللائق بخليفة اللّه في الأرض ، وبالكائن الذي كرمه اللّه على كثير من عباده ، ونفخ فيه من روحه.


وجعل طبيعة هذا الدين الانطلاق بالحياة إلى الأمام : نموا وتكاثرا ، ورفعة وتطهرا ، في آن واحد. فلم يعطل طاقة بانية ، ولم يكبت استعدادا نافعا. بل نشط الطاقات وأيقظ الاستعدادات وفي الوقت ذاته حافظ على توازن حركة الاندفاع إلى الأمام مع حركة الارتفاع إلى الأفق الكريم ، الذي يهيئ الأرواح في الدنيا لمستوى نعيم الآخرة ، ويعد المخلوق الفاني في الأرض للحياة الباقية في دار الخلود.


وعند ما جرى قدر اللّه أن يجعل طبيعة هذه العقيدة هكذا جرى كذلك باختيار رسولها - صلى اللّه عليه وسلم - إنسانا تتمثل فيه هذه العقيدة بكل خصائصها ، وتتجسم فيه بكل حقيقتها ، ويكون هو بذاته وبحياته الترجمة الصحيحة الكاملة لطبيعتها واتجاهها. إنسانا قد اكتملت طاقاته الإنسانية كلها. ضليع التكوين الجسدي ، قوي البنية ، سليم البناء صحيح الحواس ، يقظ الحس ، يتذوق المحسوسات تذوقا كاملا سليما. وهو في ذات الوقت ضخم العاطفة ، حي الطبع ، سليم الحساسية ، يتذوق الجمال ، متفتح للتلقي والاستجابة. وهو في الوقت ذاته كبير العقل ، واسع الفكر ، فسيح الأفق ، قوي الإرادة ، يملك نفسه ولا تملكه .. ثم هو بعد ذلك كله .. النبي .. الذي تشرق روحه بالنور الكلي ، والذي تطيق روحه الإسراء والمعراج ، والذي ينادى من السماء ، والذي يرى نور ربه ، والذي تتصل حقيقته بحقيقة كل شيء في الوجود من وراء الأشكال والظواهر ، فيسلم عليه الحصى والحجر ، ويحن له الجذع ، ويرتجف به أحد - الجبل ..! .. ثم تتوازن في شخصيته هذه الطاقات كلها. فإذا هو التوازن المقابل لتوازن العقيدة التي اختير لها ..

ثميجعل اللّه حياته الخاصة والعامة كتابا مفتوحا لأمته وللبشرية كلها ، تقرأفيه صور هذه العقيدة ، وترى فيه تطبيقاتها الواقعية. ومن ثم لا يجعل فيهاسرا مخبوءا ، ولا سترا مطويا. بل يعرض جوانب كثيرة منها في القرآن ، ويكشفمنها ما يطوى عادة عن الناس في حياة الإنسان العادي. حتى مواضع الضعفالبشري الذي لا حيلة فيه لبشر. بل إن الإنسان ليكاد يلمح القصد في كشف هذهالمواضع في حياة الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - للناس! إنه ليس له في نفسه شيء خاص. فهو لهذه الدعوة كله. فعلام يختبئ جانب من حياته - صلى اللّه عليه وسلم - أو يخبأ؟ إن حياته هي المشهد المنظور القريب الممكن التطبيق منهذه العقيدة وقد جاء - صلى اللّه عليه وسلم - ليعرضها للناس في شخصه ، وفيحياته ، كما يعرضها بلسانه وتوجيهه. ولهذا خلق. ولهذا جاء.

ولقدحفظ عنه أصحابه - صلى اللّه عليه وسلم - ونقلوا للناس بعدهم - جزاهم اللّه خيرا - أدق تفصيلات هذه الحياة. فلم تبق صغيرة ولا كبيرة حتى في حياته اليومية العادية ، لم تسجل ولم تنقل .. وكان هذا طرفا من قدر اللّه فيتسجيل حياة هذا الرسول ، أو تسجيل دقائق هذه العقيدة مطبقة في حياة الرسول. فكان هذا إلى جانب ما سجله القرآن الكريم من هذه الحياة السجل الباقي للبشرية إلى نهاية الحياة.


وهذه السورة تعرض في صدرها صفحة من الحياة البيتية لرسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وصورة من الانفعالات والاستجابات الإنسانية بين بعض نسائه وبعض، وبينهن وبينه! وانعكاس هذه الانفعالات والاستجابات في حياته - صلى اللّه عليه وسلم - وفي حياة الجماعة المسلمة كذلك .. ثم في التوجيهات العامة للأمة على ضوء ما وقع في بيوت رسول اللّه وبين أزواجه.


والوقت الذي وقعت فيه الأحداث التي تشير إليها السورة ليس محددا. ولكن بالرجوع إلى الروايات التي جاءت عنه يتأكد أنه بعد زواج رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - من زينب بنت جحش قطعا.

ولعله يحسن أن نذكر هنا ملخصا عن قصة أزواج النبي ، وعن حياته البيتية يعين على تصور الحوادث والنصوص التي جاءت بصددها في هذه السورة. ونعتمد في هذاالملخص على ما أثبته الإمام ابن حزم في كتابه : «جوامع السيرة» .. وعلى السيرة لابن هشام مع بعض التعليقات السريعة :

أولأزواجه - صلى اللّه عليه وسلم - خديجة بنت خويلد. تزوجها رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وهو ابن خمس وعشرين سنة وقيل ثلاث وعشرون ، وسنها - رضي اللّه عنها - أربعون أو فوق الأربعين ، وماتت - رضي اللّه عنها - قبل الهجرة بثلاث سنوات ، ولم يتزوج غيرها حتى ماتت. وقد تجاوزت سنه الخمسين.

فلما ماتت خديجة تزوج عليه السلام سودة بنت زمعة - رضي اللّه عنها - ولم يرو أنها ذات جمال ولا شباب.
إنما كانت أرملة للسكران بن عمرو بن عبد شمس. كان زوجها من السابقين إلى الإسلام من مهاجري الحبشة.
فلما توفي عنها ، تزوجها رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم.




ثم يجعل اللّه حياته الخاصة والعامة كتابا مفتوحا لأمته وللبشرية كلها ، تقرأ فيه صور هذه العقيدة ، وترى فيه تطبيقاتها الواقعية. ومن ثم لا يجعل فيها سرا مخبوءا ، ولا سترا مطويا. بل يعرض جوانب كثيرة منها في القرآن ، ويكشف منها ما يطوى عادة عن الناس في حياة الإنسان العادي. حتى مواضع الضعف البشري الذي لا حيلة فيه لبشر. بل إن الإنسان ليكاد يلمح القصد في كشف هذه المواضع في حياة الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - للناس! إنه ليس له في نفسه شيء خاص. فهو لهذه الدعوة كله. فعلام يختبئ جانب من حياته - صلى اللّه عليه وسلم - أو يخبأ؟ إن حياته هي المشهد المنظور القريب الممكن التطبيق من هذه العقيدة وقد جاء - صلى اللّه عليه وسلم - ليعرضها للناس في شخصه ، وفي حياته ، كما يعرضها بلسانه وتوجيهه. ولهذا خلق. ولهذا جاء.

ولقد حفظ عنه أصحابه - صلى اللّه عليه وسلم - ونقلوا للناس بعدهم - جزاهم اللّه خيرا - أدق تفصيلات هذه الحياة. فلم تبق صغيرة ولا كبيرة حتى في حياته اليومية العادية ، لم تسجل ولم تنقل .. وكان هذا طرفا من قدر اللّه في تسجيل حياة هذا الرسول ، أو تسجيل دقائق هذه العقيدة مطبقة في حياة الرسول. فكان هذا إلى جانب ما سجله القرآن الكريم من هذه الحياة السجل الباقي للبشرية إلى نهاية الحياة.

وهذه السورة تعرض في صدرها صفحة من الحياة البيتية لرسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وصورة من الانفعالات والاستجابات الإنسانية بين بعض نسائه وبعض ، وبينهن وبينه! وانعكاس هذه الانفعالات والاستجابات في حياته - صلى اللّه عليه وسلم - وفي حياة الجماعة المسلمة كذلك .. ثم في التوجيهات العامة للأمة على ضوء ما وقع في بيوت رسول اللّه وبين أزواجه.

والوقت الذي وقعت فيه الأحداث التي تشير إليها السورة ليس محددا. ولكن بالرجوع إلى الروايات التي جاءت عنه يتأكد أنه بعد زواج رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - من زينب بنت جحش قطعا.

ولعله يحسن أن نذكر هنا ملخصا عن قصة أزواج النبي ، وعن حياته البيتية يعين على تصور الحوادث والنصوص التي جاءت بصددها في هذه السورة. ونعتمد في هذا الملخص على ما أثبته الإمام ابن حزم في كتابه : «جوامع السيرة» .. وعلى السيرة لابن هشام مع بعض التعليقات السريعة :

أول أزواجه - صلى اللّه عليه وسلم - خديجة بنت خويلد. تزوجها رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وهو ابن خمس وعشرين سنة وقيل ثلاث وعشرون ، وسنها - رضي اللّه عنها - أربعون أو فوق الأربعين ، وماتت - رضي اللّه عنها - قبل الهجرة بثلاث سنوات ، ولم يتزوج غيرها حتى ماتت. وقد تجاوزت سنه الخمسين.

فلما ماتت خديجة تزوج عليه السلام سودة بنت زمعة - رضي اللّه عنها - ولم يرو أنها ذات جمال ولا شباب.
إنما كانت أرملة للسكران بن عمرو بن عبد شمس. كان زوجها من السابقين إلى الإسلام من مهاجري الحبشة.

فلما توفي عنها ، تزوجها رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم.

يتبع

مديح







 

رد مع اقتباس
قديم 25-01-2021, 08:37 PM   #140


البرنس مديح ال قطب متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5942
 تاريخ التسجيل :  16 - 3 - 2015
 أخر زيارة : يوم أمس (03:48 PM)
 المشاركات : 873,030 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~


سبحان الله وبحمدة
سبحان الله العظيم
لوني المفضل : Darkorange
افتراضي

























تابع – سورة التحريم
محور مواضيع السورة :

ثم تزوج عائشة - رضي اللّه عنها - بنت الصديق أبي بكر - رضي اللّه عنه وأرضاه - وكانت صغيرة فلم يدخل بها إلا بعد الهجرة. ولم يتزوج بكرا غيرها. وكانت أحب نسائه إليه ، وقيل كانت سنها تسع سنوات وبقيت معه تسع سنوات وخمسة أشهر. وتوفي عنها رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - .

ثم تزوج حفصة بنت عمر - رضي اللّه عنه وعنها - بعد الهجرة بسنتين وأشهر. تزوجها ثيبا. بعد ما عرضها أبوها على أبي بكر وعلى عثمان فلم يستجيبا. فوعده النبي خيرا منهما وتزوجها! ثم تزوج زينب بنت خزيمة. وكان زوجها الأول عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب قد قتل يوم بدر.

وتوفيت زينب هذه في حياته - صلى اللّه عليه وسلم - . وقيل كان زوجها قبل النبي هو عبد اللّه بن جحش الأسدي المستشهد يوم أحد. ولعل هذا هو الأقرب.

وتزوج أم سلمة. وكانت قبله زوجا لأبي سلمة ، الذي جرح في أحد ، وظل جرحه يعاوده حتى مات به.
فتزوج رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - أرملته. وضم إليه عيالها من أبي سلمة.

وتزوج زينب بنت جحش. بعد أن زوجها لمولاه ومتبناه زيد بن حارثة فلم تستقم حياتهما فطلقها. وقد عرضنا قصتها في سورة الأحزاب في الجزء الثاني والعشرين ، وكانت جميلة وضيئة. وهي التي كانت عائشة - رضي اللّه عنها - تحس أنها تساميها ، لنسبها من رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وهي بنت عمته ، ولو ضاءتها! ثم تزوج جويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق بعد غزوة بني المصطلق في أواسط السنة السادسة الهجرية.
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي اللّه عنها.

قالت : «لما قسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سبايا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في أسهم الثابت ابن قيس بن الشماس أو لابن عم له فكاتبته على نفسها ، وكانت امرأة حلوة مليحة ملاحة لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه ، فأتت رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - تستعينه في كتابتها. قالت عائشة : فو اللّه ما هو إلا أن رأيتها على باب حجرتي فكرهتها! وعرفت أنه سيرى منها - صلى اللّه عليه وسلم - ما رأيت ، فدخلت عليه فقالت : يا رسول اللّه. أنا جويرية بنت الحارث بن أبي صرار سيد قومه. وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن الشماس - أو لابن عم له - فكاتبته على نفسي ، فجئت أستعينك على كتابتي. قال : «فهل لك في خير من ذلك؟ قالت : وما هو يا رسول اللّه؟ قال : «أقضي عنك كتابتك وأتزوجك؟» قالت : نعم يا رسول اللّه. قال : «قد فعلت» ..


ثم تزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان بعد الحديبية. وكانت مهاجرة مسلمة في بلاد الحبشة ، فارتد زوجها عبد اللّه بن جحش إلى النصرانية وتركها. فخطبها النبي - صلى اللّه عليه وسلم - وأمهرها عنه نجاشي الحبشة.
وجاءت من هناك إلى المدينة.

وتزوج إثر فتح خيبر بعد الحديبية صفية بنت حيي بن أخطب زعيم بني النضير. وكانت زوجة لكنانة ابن أبي الحقيق وهو من زعماء اليهود أيضا. ويذكر ابن إسحاق في قصة زواجه - صلى اللّه عليه وسلم - منها :
أنه أتي بها وبأخرى معها من السبي ، فمر بهما بلال - رضي اللّه عنه - على قتلى من قتلى اليهود فلما رأتهم التي مع صفية صاحت وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها. فقال - صلى اللّه عليه وسلم - : «اعزبوا عني هذه الشيطانة» وأمر بصفية فحيزت خلفه ، وألقى عليها رداءه فعرف المسلمون أن رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - قد اصطفاها لنفسه. فقال رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - لبلال - فيما بلغني - حين رأى بتلك اليهودية ما رأى : «أنزعت منك الرحمة يا بلال؟ حين تمر بامرأتين على قتلى رجالهما؟».

ثم تزوج ميمونة بنت الحارث بن حزن. وهي خالة خالد بن الوليد وعبد اللّه بن عباس. وكانت قبل رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - عند أبي رهم بن عبد العزى. وقيل حويطب بن عبد العزى. وهي آخر من تزوج صلى اللّه عليه وسلم.

وهكذا ترى أن لكل زوجة من أزواجه - صلى اللّه عليه وسلم - قصة وسببا في زواجه منها. وهن فيمن عدا زينب بنت جحش ، وجويرية بنت الحارث ، لم يكن شواب ولا ممن يرغب فيهن الرجال لجمال. وكانت عائشة - رضي اللّه عنها - هي أحب نسائه إليه. وحتى هاتان اللتان عرف عنهما الجمال والشباب كان هناك عامل نفسي وإنساني آخر - إلى جانب جاذبيتهن - ولست أحاول أن أنفي عنصر الجاذبية الذي لحظته عائشة في جويرية مثلا ، ولا عنصر الجمال الذي عرفت به زينب. فلا حاجة أبدا إلى نفي مثل هذه العناصر الإنسانية من حياة النبي - صلى اللّه عليه وسلم - وليست هذه العناصر موضع اتهام يدفعه الأنصار عن نبيهم. إذا حلا لأعدائه أن يتهموه! فقد اختير ليكون إنسانا. ولكن إنسانا رفيعا. وهكذا كان. وهكذا كانت دوافعه في حياته وفي أزواجه - صلى اللّه عليه وسلم - على اختلاف الدوافع والأسباب.

ولقد عاش في بيته مع أزواجه بشرا رسولا كما خلقه اللّه ، وكما أمره أن يقول : «قل : سبحان ربي! هل كنت إلا بشرا رسولا؟» ..


استمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأزواجه وأمتعهن ، كما قالت عائشة - رضي اللّه عنها - عنه : «كان إذا خلا بنسائه ألين الناس.
وأكرم الناس ضحاكا بساما .. ولكنه إنما كان يستمتع بهن ويمتعهن من ذات نفسه ، ومن فيض قلبه ، ومن حسن أدبه ، ومن كريم معاملته. فأما حياتهن المادية فكانت في غالبها كفافا حتى بعد أن فتحت له الفتوح وتبحبح المسلمون بالغنائم والفيء. وقد سبق في سورة الأحزاب قصة طلبهن الوسعة في النفقة ، وما أعقب هذا الطلب من أزمة ، انتهت بتخييرهن بين اللّه ورسوله والدار الآخرة ، أو المتاع والتسريح من عصمته - صلى اللّه عليه وسلم - فاخترن اللّه ورسوله والدار الآخرة .

ولكن الحياة في جو النبوة في بيوت رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - لم تكن لتقضي على المشاعر البشرية ، والهواتف البشرية في نفوس أزواجه - رضي اللّه عنهن - فقد كان يبدر أو يشجر بينهن ، ما لا بد أن يشجر في قلوب النساء في مثل هذه الحال. وقد سلف في رواية ابن إسحاق عن عائشة - رضي اللّه عنها - أنها كرهت جويرية بمجرد رؤيتها لما توقعته من استملاح رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - لها إذا رآها. وصح ما توقعته فعلا! وكذلك روت هي نفسها حادثا لها مع صفية. قالت. «قلت للنبي - صلى اللّه عليه وسلم : حسبك من صفية كذا وكذا. قال الراوي : تعني قصيرة! فقال صلى اللّه عليه وسلم : «لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته «3»» .. كذلك روت عن نفسها أن النبي - صلى اللّه عليه وسلم - حين نزلت آية التخيير التي في الأحزاب ، فاختارت هي اللّه ورسوله والدار الآخرة ، طلبت إليه ألا يخبر زوجاته عن اختيارها! - وظاهر لماذا طلبت هذا! - فقال - صلى اللّه عليه وسلم - : «إن اللّه تعالى لم يبعثني معنفا ، ولكن بعثني معلما ميسرا.
لا تسألني امرأة منهن عما اخترت إلا أخبرتها ..

وهذه الوقائع التي روتها عائشة - رضي اللّه عنها - عن نفسها - بدافع من صدقها ولتربيتها الإسلامية الناصعة - ليست إلا أمثلة لغيرها تصور هذا الجو الإنساني الذي لا بد منه في مثل هذه الحياة. كما تصور كيف كان الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - يؤدي رسالته بالتربية والتعلية في بيته كما يؤديها في أمته سواء.

( يتبع )



مديح







 

رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
التعريف , الصور , النزول , القرآن , الكريم , بصور , ومحاور , وأسباب , ومقاصد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
معلومات قرآنية البرنس مديح ال قطب (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) 16 29-11-2020 01:14 PM
ختم القرآن من الأعمال الجليلة البرنس مديح ال قطب (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) 16 06-07-2020 06:12 PM
معجزة الإسلام الخالدة البرنس مديح ال قطب (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) 18 05-03-2020 09:14 PM
تعرف على القرآن الكريم 2 تيماء (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) 24 29-12-2018 10:05 PM
أسرار التكرار في القرآن الكريم ميارا (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) 11 13-02-2013 11:33 PM

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

الساعة الآن 10:17 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010