ننتظر تسجيلك هنا


الإهداءات


العودة   منتدى همسات الغلا > ¨°o.O (المنتديات الاسلاميه) O.o°¨ > (همسات القرآن الكريم وتفسيره )

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 25-01-2021, 07:38 PM   #127


البرنس مديح ال قطب متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5942
 تاريخ التسجيل :  16 - 3 - 2015
 أخر زيارة : يوم أمس (03:48 PM)
 المشاركات : 873,030 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~


سبحان الله وبحمدة
سبحان الله العظيم
لوني المفضل : Darkorange
افتراضي














تابع – سورة المنافقون

محور مواضيع السورة :
وهكذا يتوافى على هذه الوسيلة الخسيسة كل خصوم الإيمان ، من قديم الزمان ، إلى هذا الزمان .. ناسين الحقيقة البسيطة التي يذكرهم القرآن بها قبل ختام هذه الآية :
«وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ» ..
ومن خزائن اللّه في السماوات والأرض يرتزق هؤلاء الذين يحاولون أن يتحكموا في أرزاق المؤمنين ، فليسوا هم الذين يخلقون رزق أنفسهم. فما أغباهم وأقل فقههم وهم يحاولون قطع الرزق عن الآخرين! وهكذا يثبت اللّه المؤمنين ويقوي قلوبهم على مواجهة هذه الخطة اللئيمة والوسيلة الخسيسة ، التي يلجأ أعداء اللّه إليها في حربهم. ويطمئنهم إلى أن خزائن اللّه في السماوات والأرض هي خزائن الأرزاق للجميع. والذي يعطي أعداءه لا ينسى أولياءه. فقد شاءت رحمته ألا يأخذ حتى أعداءه من عباده بالتجويع وقطع الأرزاق.

وقد علم أنهم لا يرزقون أنفسهم كثيرا ولا قليلا لو قطع عنهم الأرزاق! وهو أكرم أن يكل عباده - ولو كانوا أعداءه - إلى ما يعجزون عنه البتة. فالتجويع خطة لا يفكر فيها إلا أخس الأخساء وألأم اللؤماء!


ثم قولتهم الأخيرة :
«يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ» ..

وقد رأينا كيف حقق ذلك عبد اللّه بن أبي! وكيف لم يدخلها الأذل إلا بإذن الأعز! «وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ. وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ» ..


ويضم اللّه - سبحانه - رسوله والمؤمنين إلى جانبه ، ويضفي عليهم من عزته ، وهو تكريم هائل لا يكرمه إلا اللّه! وأي تكريم بعد أن يوقف اللّه - سبحانه - رسوله والمؤمنين معه إلى جواره. ويقول : ها نحن أولاء! هذا لواء الأعزاء.

وهذا هو الصف العزيز! وصدق اللّه. فجعل العزة صنو الإيمان في القلب المؤمن. العزة المستمدة من عزته تعالى. العزة التي لا تهون ولا تهن ، ولا تنحني ولا تلين. ولا تزايل القلب المؤمن في أحرج اللحظات إلا أن يتضعضع فيه الإيمان. فإذا استقر الإيمان ورسخ فالعزة معه مستقرة راسخة ..
«وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ» ..

وكيف يعلمون وهم لا يتذوقون هذه العزة ولا يتصلون بمصدرها الأصيل؟
لهؤلاء المؤمنين الذين أوقفهم اللّه في صفه مع رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وجعل عزتهم من عزته يوجه النداء الأخير في السورة ، ليرتفعوا إلى هذا المكان الكريم ، ويبرأوا من كل صفة تشبه صفات المنافقين ، ويختاروا ذلك المقام الأسنى على الأموال والأولاد ، فلا يدعوها تلهيهم عن بلوغ ذلك المقام الوضي ء :
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ. وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ. وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ، فَيَقُولَ : رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها ، وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ» ..

والأموال والأولاد ملهاة ومشغلة إذا لم يستيقظ القلب ، ويدرك غاية وجوده ، ويشعر أن له هدفا أعلى يليق بالمخلوق الذي نفخ اللّه فيه من روحه ، فأودع روحه الشوق إلى تحقيق بعض صفاته الإلهية في حدود طاقته البشرية. وقد منحه الأموال والأولاد ليقوم بالخلافة في الأرض لا لتلهيه عن ذكر اللّه والاتصال بالمصدر الذي تلقى منه ما هو به إنسان. ومن يغفل عن الاتصال بذلك المصدر ، ويلهه عن ذكر اللّه ليتم له هذا الاتصال «فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ» .. وأول ما يخسرونه هو هذه السمة. سمة الإنسان. فهي موقوفة على الاتصال بالمصدر الذي صار به الإنسان إنسانا. ومن يخسر نفسه فقد خسر كل شيء. مهما يملك من مال ومن أولاد.
ويلمسهم في موضوع الإنفاق لمسات متنوعة في آية واحدة ..
«وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ» .. فيذكرهم بمصدر هذا الرزق الذي في أيديهم. فهو من عند اللّه الذي آمنوا به والذي يأمرهم بالإنفاق.
«مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ...» ..
فيترك كل شيء وراءه لغيره وينظر فلا يجد أنه قدم شيئا لنفسه ، وهذا أحمق الحمق وأخسر الخسران.

ثم يرجو حينئذ ويتمنى أن لو كان قد أمهل ليتصدق وليكون من الصالحين! وأنى له هذا؟ : «وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها»؟
وأنى له ما يتقدم به؟ «وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ»؟
إنها اللمسات المنوعة في الآية الواحدة. في مكانها المناسب بعد عرض سمات المنافقين وكيدهم للمؤمنين.
ولو إذ المؤمنين بصف اللّه الذي يقيهم كيد المنافقين .. فما أجدرهم إذن أن ينهضوا بتكاليف الإيمان ، وألا يغفلوا عن ذكر اللّه. وهو مصدر الأمان ..
وهكذا يربي اللّه المسلمين بهذا القرآن الكريم ..

( يتبع - سورة التغابن )





 

رد مع اقتباس
قديم 25-01-2021, 07:42 PM   #128


البرنس مديح ال قطب متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5942
 تاريخ التسجيل :  16 - 3 - 2015
 أخر زيارة : يوم أمس (03:48 PM)
 المشاركات : 873,030 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~


سبحان الله وبحمدة
سبحان الله العظيم
لوني المفضل : Darkorange
افتراضي















سورة التغابن

التعريف بالسورة


سورة مدنية .
من المفصل .
آياتها 18 .
ترتيبها الرابعة والستون .
نزلت بعد التحريم .
بدأت بفعل مضارع " يسبح " وهو أحد أساليب الثناء والتسبيح والتغابن اسم من أسماء يوم القيامة .

سبب التسمية

سميت ‏بهذا ‏الاسم ‏لاشتمال ‏السورة ‏على ‏التغابن ‏من ‏جانب ‏كلا ‏من ‏المؤمنين ‏بعدم ‏زيادة ‏الطاعة ‏والكافر ‏لتركه ‏الإيمان‎ .‎‏

سبب نزول السورة

1) قال ابن عباس : كان الرجل يسلم فإذا أراد أن يهاجر منعه أهله ولده ، وقالوا ننشدك الله أن تذهب فتدع أهلك وعشيرتك وتصبر إلى المدينة ، بلا أهل ولا مال فمنهم من يرق لهم ويقيم ولا يهاجر ، فأنزل الله تعالى هذه الآية .

2) عن إسماعيل بن أبي خالد قال : كان الرجل يسلم فيلومه أهله وبنوه ، فنزلت هذه الآية (إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم ) . قال عكرمة عن ابن عباس : وهؤلاء الذي منعهم أهلهم عن الهجرة لما هاجروا ورأوا الناس قد فقهوا في : وهؤلاء الذي منعهم أهلهم عن الهجرة لما هاجروا ورأوا الناس قد فقهوا في الدين هموا أن يعاقبوا أهليهم الذين منعوهم ، فأنزل الله تعالى ( وأن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم ) .


تعني بالتشريع ولكن جوها جو السور المكية التي تعالج أصول العقيدة الإسلامية .
ومقصودها الإبلاغ في التحذير مما حذرت منه المنافقون بإقامة الدليل القاطع على أنه لابد من العرض على الملك الدنيونية على النقير والقطمير يوم القيامة يوم الجمع الأعظم، واسمها التغابن واضح الدلالة على ذلك، وهو أدل ما فيها عليه فلذلك سميت به.

و معظم مقصود السّورة بيان تسبيح المخلوقات، والحكمة في تخليق الخلْق، والشكاية من القرون الماضية، وإِنكار الكفّار البعث والقيامة، وبيان الثواب والعقاب، والإِخبار عن عداوة الأهل والأولاد، والأمر بالتّقوى حسب الاستطاعة، وتضعيف ثواب المتّقين، والخبر عن اطِّلاع الحقّ على علم الغيب في قوله: {عالِمُ الغيْبِ} الآية.

قال ابن عاشور:

سميت هذه السورة (سورة التغابن)، ولا تعرف بغير هذا الاسم ولم ترد تسميتها بذلك في خبر مأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى ما ذكره ابن عطية عن الثعلبي عن ابن عمر من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مولود إلا وفي تشابيك مكتوب خمسُ آيات فاتحةُ سورة التغابن». والظاهر أن منتهى هذه الآيات قوله تعالى: {والله عليم بذات الصدور} (التغابن: 4) فتأمله.
ورواه القرطبي عن ابن عمر ولم ينسبه إلى التعليق فلعله أخذه من تفسير ابن عطية.
ووجه التسمية وقوع لفظ {التغابن} (التغابن: 9) فيها ولم يقع في غيرها من القرآن.
وهي مدنية في قول الجمهور وعن الضحاك هي مكية.
وروى الترمذي عن عكرمة عن ابن عباس: أن تلك الآيات نزلت في رجال أسلموا من أهل مكة وأرادوا الهجرة فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعُوهم يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث.
وقال مجاهد: نزلت في شأن عوف الأشجعي
وهي معدودة السابعة والمائة في ترتيب نزول السور نزلت بعد سورة الجُمعة وقبل سورة الصّف بناء على أنها مدنية.
وعدد آيها ثماني عشرة.

قال سيد قطب:

هذه السورة أشبه شيء بالسور المكية في موضوعها وفي سياقها وفي ظلالها وإيحاءاتها، وبخاصة المقاطع الأولى منها. فلا يكاد الجو المدني يتبين إلا في فقراتها الأخيرة.

والفقرات الأولى إلى ابتداء النداء: {يا أيها الذين آمنوا..} تستهدف بناء أسس العقيدة، وإنشاء التصور الإسلامي في القلوب بأسلوب السور المكية التي تواجه الكفار المشركين ابتداء، وتخاطبهم بهذا التصور خطاب المبتدئ في مواجهته. ثم هي تستخدم المؤثرات الكونية والنفسية كما تستعرض مصائر الغابرين من المكذبين قبلهم؛ وتعرض عليهم مشاهد القيامة لإثبات البعث، وتوكيده توكيدا شديدا، يدل على أن المخاطبين به من المنكرين الجاحدين.
فأما الفقرات الأخيرة فهي تخاطب الذين آمنوا بما يشبه خطابهم في السور المدنية، لحثهم على الإنفاق، وتحذرهم فتنة الأموال والأولاد. وهي الدعوة التي تكررت نظائرها في العهد المدني بسبب مقتضيات الحياة الإسلامية الناشئة فيها. كما أن فيها ما قد يكون تعزية عن مصاب أو تكاليف وقعت على عاتق المؤمنين، ورد الأمر فيها إلى قدر الله، وتثبيت هذا التصور.. وهو ما يتكرر في السور المدنية وبخاصة بعد الأمر بالجهاد وما ينشأ عنه من تضحيات.

ولقد وردت روايات أن السورة مكية، ووردت روايات أخرى أنها مدنية مع ترجيحها. وكدت أميل إلى اعتبارها مكية تأثرا بأسلوب الفقرات الأولى فيها وجوها. ولكني أبقيت اعتبارها مدنية- مع الرأي الراجح فيها- لأنه ليس ما يمنع أن تكون الفقرات الأولى فيها خطابا للكفار بعد الهجرة سواء كانوا كفار مكة أم الكفار القريبين من المدينة. كما أنه ليس ما يمنع أن يستهدف القرآن المدني في بعض الأحيان جلاء أسس العقيدة، وإيضاح التصور الإسلامي، بهذا الأسلوب الغالب على أسلوب القرآن المكي.. والله أعلم..

والمقطع الأول في السورة يستهدف بناء التصور الإيماني الكوني، وعرض حقيقة الصلة بين الخالق- سبحانه- وهذا الكون الذي خلقه. وتقرير حقيقة بعض صفات الله وأسمائه الحسنى وأثرها في الكون وفي الحياة الإنسانية: {يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير خلق السماوات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير يعلم ما في السماوات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور}..

وهذا التصور الكوني الإيماني هو أدق وأوسع تصور عرفه المؤمنون في تاريخ العقيدة. ولقد جاءت الرسالات الإلهية كلها بوحدانية الله، وإنشائه لهذا الوجود ولكل مخلوق، ورعايته لكل كائن في الوجود.. لا نشك في هذا لأن القرآن يحكيه عن الرسل وعن الرسالات كلها. ولا عبرة بما نجده في الكتب المفتراة والمحرفة؛ أو فيما يكتبه عن الديانات المقارنة أناس لا يؤمنون بالقرآن كله أو بعضه. إنما جاء الانحراف عن العقيدة الإيمانية من أتباعها، فبدا أنها لم تأت بالتوحيد الخالص، أو لم تأت بهيمنة الله واتصاله بكل كائن. فهذا من التحريف الطارئ لا من أصل الديانة. فدين الله واحد منذ أولى الرسالات إلى خاتمة الرسالات. ويستحيل أن ينزل الله دينا يخالف هذه القواعد، كما يزعم الزاعمون بناء على ما يجدونه في كتب مفتراة أو محرفة باسم الدين!

ولكن تقرير هذه الحقيقة لا ينافي أن التصور الإسلامي عن الذات الإلهية، وصفاتها العلوية، وآثار هذه الصفات في الكون وفي الحياة الإنسانية.. أن هذا التصور أوسع وأدق وأكمل من كل تصور سابق في الديانات الإلهية.. وهذا متفق مع طبيعة الرسالة ومهمتها الأخيرة. ومع الرشد البشري الذي جاءت هذه الرسالة لتخاطبه وتوجهه؛ وتنشئ فيه هذا التصور الشامل الكامل بكل مقتضياته وفروعه وآثاره.

( يتبع )







 

رد مع اقتباس
قديم 25-01-2021, 07:48 PM   #129


البرنس مديح ال قطب متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5942
 تاريخ التسجيل :  16 - 3 - 2015
 أخر زيارة : يوم أمس (03:48 PM)
 المشاركات : 873,030 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~


سبحان الله وبحمدة
سبحان الله العظيم
لوني المفضل : Darkorange
افتراضي
















تابع – سورة التغابن

محور مواضيع السورة :

ومن شأن هذا التصور أن يدرك القلب البشري- بمقدار ما يطيق- حقيقة الألوهية وعظمتها، ويشعر بالقدرة الإلهية ويراها في آثارها المشهودة في الكون، ويحسها في ذوات الأنفس بآثارها المشهودة والمدركة؛ ويعيش في مجال هذه القدرة وبين آثارها التي لا تغيب عن الحس والعقل والإلهام. ويراها محيطة بكل شيء، مهيمنة على كل شيء، مدبرة لكل شيء، حافظة لكل شيء، لا يند عنها شيء. سواء في ذلك الكبير والصغير والجليل والحقير.
ومن شأنه كذلك أن يعيش القلب البشري في حساسية مرهفة، وتوفز دائم، وخشية وارتقاب، وطمع ورجاء؛ وأن يمضي في الحياة معلقا في كل حركة وكل خالجة بالله، شاعرا بقدرته وهيمنته، شاعرا بعلمه ورقابته، شاعرا بقهره وجبروته، شاعرا برحمته وفضله، شاعرا بقربه منه في كل حال.

وأخيرا فإن من شأنه أن يحس بالوجود كله متجها إلى خالقه فيتجه معه، مسبحا بحمد ربه فيشاركه تسبيحه، مدبرا بأمره وحكمته فيخضع لشريعته وقانونه.. ومن ثم فهو تصور إيماني كوني بهذا المعنى، وبمعان أخرى كثيرة تتجلى في المواضع المتعددة في القرآن التي تضمنت عرض جوانب من هذا التصور الإيماني الشامل الكامل المحيط الدقيق. وأقرب مثل منها ما ورد في ختام سورة الحشر ،
«يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ» ..

فكل ما في السماوات والأرض متوجه إلى ربه ، مسبح بحمده وقلب هذا الوجود مؤمن ، وروح كل شيء في هذا الوجود مؤمنة ، واللّه مالك كل شيء. وكل شيء شاعر بهذه الحقيقة. واللّه محمود بذاته ممجد من مخلوقاته. فإذا وقف الإنسان وحده في خضم هذا الوجود الكبير كافر القلب جامد الروح ، متمردا عاصيا ، لا يسبح للّه ، ولا يتجه إلى مولاه ، فإنه يكون شاذا بارز الشذوذ ، كما يكون في موقف المنبوذ من كل ما في الوجود.

«وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ..
فهي القدرة المطلقة ، التي لا تتقيد بقيد. وهي حقيقة يطبعها القرآن في القلب المؤمن فيعرفها ويتأثر بمدلولها ، ويعلم أنه حين يركن إلى ربه فإنما يركن إلى قدرة تفعل ما تشاء ، وتحقق ما تريد. بلا حدود ولا قيود.
وهذا التصور لقدرة اللّه وتسبيح كل شيء له ، وتوجه الوجود إليه بالحمد .. هو طرف من ذلك التصور الإيماني الكبير.

واللمسة الثانية في صميم القلب الإنساني ، الذي يقف في خضم الوجود المؤمن المسبح بحمد اللّه. مؤمنا تارة وكافرا تارة. وهو وحده الذي يقف هذا الموقف الفريد.
«هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ» ..
فعن إرادة اللّه وعن قدرته صدر هذا الإنسان وأودع إمكان الاتجاه إلى الكفر وإمكان الاتجاه إلى الإيمان وتميز بهذا الاستعداد المزدوج من بين خلق اللّه ونيطت به أمانة الإيمان بحكم هذا الاستعداد. وهي أمانة ضخمة وتبعة هائلة. ولكن اللّه كرم هذا المخلوق فأودعه القدرة على التمييز والقدرة على الاختيار وأمده بعد ذلك بالميزان الذي يزن به عمله ويقيس به اتجاهه. وهو الدين الذي نزله على رسل منه. فأعانه بهذا كله على حمل هذه الأمانة. ولم يظلمه شيئا.

«وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» ..
فهو رقيب على هذا الإنسان فيما يعمل ، بصير بحقيقة نيته واتجاهه ، فليعمل إذن وليحذر هذا الرقيب البصير ..
وهذا التصور لحقيقة الإنسان وموقفه هو طرف من التصور الإسلامي الواضح المستقيم لموقف الإنسان في هذا الوجود ، واستعداداته وتبعاته أمام خالق الوجود.

واللمسة الثالثة تشير إلى الحق الأصيل الكامن في طبيعة الوجود ، الذي تقوم به السماوات والأرض ، كما تشير إلى صنعة اللّه المبدعة في كيان المخلوق الإنساني. وتقرر رجعة الجميع إليه في نهاية المطاف :
«خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ، وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ، وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ» ..

وصدر هذا النص : «خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ» .. يقر في شعور المؤمن أن الحق أصيل في كيان هذا الكون ، ليس عارضا وليس نافلة فبناء الكون قام على هذا الأساس. والذي يقرر هذه الحقيقة هو اللّه الذي خلق السماوات والأرض ، والذي يعلم على أي أساس قامتا. واستقرار هذه الحقيقة في الحس يمنحه الطمأنينة والثقة في الحق الذي يقوم عليه دينه ، ويقوم عليه الوجود من حوله فهو لا بد ظاهر ، ولا بد باق ، ولا بد مستقر في النهاية بعد زبد الباطل!


الحقيقة الثانية : «وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ» .. تشعر الإنسان بكرامته على اللّه ، وبفضل اللّه عليه في تحسين صورته : صورته الخلقية وصورته الشعورية. فالإنسان هو أكمل الأحياء في الأرض من ناحية تكوينه الجثماني كما أنه أرقاها من ناحية تكوينه الشعوري واستعداداته الروحية ذات الأسرار العجيبة. ومن ثم وكلت إليه خلافة الأرض ، وأقيم في هذا الملك العريض بالقياس إليه! ونظرة فاحصة إلى الهندسة العامة لتركيب الإنسان ، أو إلى أي جهاز من أجهزته ، تثبت تلك الحقيقة وتجسمها :
«وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ» .. وهي هندسة يجتمع فيها الجمال إلى الكمال. ويتفاوت الجمال بين شكل وشكل.
ولكن التصميم في ذاته جميل وكامل الصنعة ، وواف بكل الوظائف والخصائص التي يتفوق بها الإنسان في الأرض على سائر الأحياء.

«وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ» .. مصير كل شيء وكل أمر وكل خلق .. مصير هذا الكون ومصير هذا الإنسان. فمن إرادته انبثق ، وإليه - سبحانه - يعود. ومنه المنشأ وإليه المصير. وهو الأول والآخر. المحيط بكل شيء من طرفيه : مبدئه ونهايته. وهو - سبحانه - غير محدود! واللمسة الرابعة في هذا المقطع هي تصوير العلم الإلهي المحيط بكل شي ء ، المطلع على سر الإنسان وعلانيته ، وعلى ما هو أخفى من السر ، من ذوات الصدور الملازمة للصدور :
«يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ» ..
واستقرار هذه الحقيقة في القلب المؤمن يفيده المعرفة بربه ، فيعرفه بحقيقته. ويمنحه جانبا من التصور الإيماني الكوني. ويؤثر في مشاعره واتجاهاته فيحيا حياة الشاعر بأنه مكشوف كله لعين اللّه. فليس له سر يخفى عليه ، وليس له نية غائرة في الضمير لا يراها وهو العليم بذات الصدور.

وإن آيات ثلاثا كهذه لكافية وحدها ليعيش بها الإنسان مدركا لحقيقة وجوده ، ووجود الكون كله ، وصلته بخالقه ، وأدبه مع ربه ، وخشيته وتقواه ، في كل حركة وكل اتجاه ..

والمقطع الثاني في السورة يذكر بمصير الغابرين من المكذبين بالرسل والبينات ، المعترضين على بشرية الرسل.
كما كان المشركون يكذبون ويعترضون على بشرية الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - ويكفرون بما جاءهم به من البينات :
«أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ؟ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ. ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ ، فَقالُوا : أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا؟ فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا ، وَاسْتَغْنَى اللَّهُ ، وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ» ..

والخطاب هنا للمشركين - غالبا - وهو تذكير لهم بعاقبة المكذبين وتحذير لهم من مثل هذه العاقبة. والاستفهام قد يكون لإنكار حالهم بعد ما جاءهم من نبأ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم. وقد يكون للفت أنظارهم إلى هذا النبأ الذي يقصه عليهم. وهم كانوا يعرفون ويتناقلون أنباء بعض الهلكى من الغابرين. كعاد وثمود وقرى لوط. وهم يمرون عليها في شبه الجزيرة ، في رحلاتهم للشمال والجنوب.

ويضيف القرآن إلى المعروف من مآلهم في الدنيا ما ينتظرهم هنالك في الآخرة : «وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» .. ثم يكشف عن السبب الذي استحقوا به ما نالهم وما ينتظرهم : «ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا : أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا؟» .. وهو الاعتراض ذاته الذي يعترضه المشركون على الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - وهو اعتراض فج ناشئ عن الجهل بطبيعة الرسالة ، وكونها منهجا إلهيا للبشر ، فلا بد أن تتمثل واقعيا في بشر ، يحيا بها ، ويكون بشخصه ترجمانا لها فيصوغ الآخرون أنفسهم على مثاله بقدر ما يستطيعون. ولا ينعزل هو عنهم بجنسه ، فيتعذر أن يجدوا للرسالة صورة واقعية يحاولون تحقيقها في ذوات أنفسهم ، وفي حياتهم ومعاشهم. وناشئ كذلك من الجهل بطبيعة الإنسان ذاته ورفعة حقيقته بحيث يتلقى رسالة السماء ويبلغها ، بدون حاجة إلى أن يحملها إلى الناس ملك كما كانوا يقترحون. ففي الإنسان تلك النفخة من روح اللّه ، وهي تهيئه لاستقبال الرسالة من اللّه ، وأدائها كاملة كما تلقاها من الملأ الأعلى. وهي كرامة للجنس البشري كله لا يرفضها إلا جاهل بقدر هذا الإنسان عند اللّه ، حين يحقق في ذاته حقيقة النفخة من روح اللّه! وناشئ في النهاية من التعنت والاستكبار الكاذب عن اتّباع رسول من البشر. كأن في هذا غضا من قيمة هؤلاء الجهال المتكبرين! فجائز في عرفهم أن يتبعوا رسولا من خلق آخر غير جنسهم بلا غضاضة. أما أن يتبعوا واحدا منهم فهي في نظرهم حطة وقلة قيمة! ومن ثم كفروا وتولوا معرضين عن الرسل وما معهم من البينات ، ووقفت في صدورهم هذه الكبرياء وذلك الجهل. فاختاروا لأنفسهم الشرك والكفر ..

( يتبع )






 

رد مع اقتباس
قديم 25-01-2021, 07:53 PM   #130


البرنس مديح ال قطب متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5942
 تاريخ التسجيل :  16 - 3 - 2015
 أخر زيارة : يوم أمس (03:48 PM)
 المشاركات : 873,030 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~


سبحان الله وبحمدة
سبحان الله العظيم
لوني المفضل : Darkorange
افتراضي























تابع – سورة التغابن

محور مواضيع السورة :



«وَاسْتَغْنَى اللَّهُ. وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ» .. استغنى اللّه عنهم وعن إيمانهم وعن طاعتهم .. وما هو - سبحانه - بمحتاج إلى شيء منهم ولا من غيرهم ، ولا بمحتاج أصلا : «وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ».
فهذا نبأ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم. وهذا سبب ما ذاقوا وما ينتظرهم. فكيف يكذب بعد هذا النبأ مكذبون جدد؟ أليلقوا مصيرا كهذا المصير؟



والمقطع الثالث بقية للمقطع الثاني يحكي تكذيب الذين كفروا بالبعث - وظاهر أن الذين كفروا هم المشركون الذين كان الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - يواجههم بالدعوة - وفيه توجيه للرسول أن يؤكد لهم أمر البعث توكيدا وثيقا. وتصوير لمشهد القيامة ومصير المكذبين والمصدقين فيه ودعوة لهم إلى الإيمان والطاعة ورد كل شيء للّه فيما يقع لهم في الحياة.



«زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا. قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ، ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ. وَذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ. فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا. وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ، ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ ، وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ ، وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً. ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ. ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ، وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ، وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ، فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ. اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» ..



ومنذ البدء يسمي مقالة الذين كفروا عن عدم البعث زعما ، فيقضي بكذبه من أول لفظ في حكايته. ثم يوجه الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - إلى توكيد أمر البعث بأوثق توكيد ، وهو أن يحلف بربه. وليس بعد قسم الرسول بربه توكيد : «قل : بلى وربي لتبعثن» .. «ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ» .. فليس شيء منه بمتروك. واللّه أعلم منهم بعملهم حتى لينبئهم به يوم القيامة! «وَذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ» .. فهو يعلم ما في السماوات والأرض ويعلم السر والعلن وهو عليم بذات الصدور. وهو على كل شيء قدير. كما جاء في مطلع السورة تمهيدا لهذا التقرير.
وفي ظل هذا التوكيد الوثيق يدعوهم إلى الإيمان باللّه ورسوله والنور الذي أنزله مع رسوله. وهو هذا القرآن.


ويعقب على دعوتهم إلى الإيمان ، بما يشعرهم أنهم مكشوفون لعين اللّه لا يخفى عليه منهم شي ء : «وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ» ..
وبعد هذه الدعوة يعود إلى استكمال مشهد البعث الذي أكده لهم أوثق توكيد :
«يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ : ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ» ..



فأما أنه يوم الجمع فلأن جميع الخلائق في جميع الأجيال تبعث فيه ، كما يحضره الملائكة وعددهم لا يعلمه إلا اللّه. ولكن قد يقربه إلى التصور ما جاء في حديث رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - عن أبي ذر رضي اللّه عنه - قال : قال رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - : «إني أرى ما لا ترون ، وأسمع ما لا تسمعون.
أطت السماء وحق لها أن تيط ، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك واضع جبهته للّه تعالى ساجدا. واللّه لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيرا ، ولما تلذذتم بالنساء على الفرش ، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى اللّه تعالى. لوددت أني شجرة تعضد والسماء التي ليس فيها موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك. هي هذا الاتساع الهائل الذي لا يعرف له البشر حدودا. والذي تبدو فيه شمس كشمسنا ذرة كالهباءة الطائرة في الفضاء! فهل هذا يقرب شيئا للتصور البشري عن عدد الملائكة؟ إنهم من بين الجمع في يوم الجمع! وفي مشهد من هذا الجمع يكون التغابن! والتغابن مفاعلة من الغبن. وهو تصوير لما يقع من فوز المؤمنين بالنعيم وحرمان الكافرين من كل شيء منه ثم صيرورتهم إلى الجحيم. فهما نصيبان متباعدان. وكأنما كان هناك سباق للفوز بكل شي ء ، وليغبن كل فريق مسابقه! ففاز فيه المؤمنون وهزم فيه الكافرون! فهو تغابن بهذا المعنى المصور المتحرك! يفسره ما بعده :
«وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً. ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ» ..

وقبل أن يكمل نداءه إليهم بالإيمان يقرر قاعدة من قواعد التصور الإيماني في القدر ، وفي أثر الإيمان باللّه في هداية القلب :
«ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ. وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ، وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» ..
ولعل مناسبة ذكر هذه الحقيقة هنا هي مجرد بيانها في صدد عرض حقيقة الإيمان الذي دعاهم إليه في هذا المقطع. فهو الإيمان الذي يرد كل شيء إلى اللّه ، ويعتقد أن كل ما يصيب من خير ومن شر فهو بإذن اللّه.
وهي حقيقة لا يكون إيمان بغيرها. فهي أساس جميع المشاعر الإيمانية عند مواجهة الحياة بأحداثها خيرها وشرها. كما يجوز أن تكون هناك مناسبة حاضرة في واقع الحال عند نزول هذه السورة. أو هذه الآية من السورة ، فيما كان يقع بين المؤمنين والمشركين من وقائع.

وعلى أية حال فهذا جانب ضخم من التصور الإيماني الذي ينشئه الإسلام في ضمير المؤمن. فيحس يد اللّه في كل حدث ، ويرى يد اللّه في كل حركة ، ويطمئن قلبه لما يصيبه من الضراء ومن السراء. يصبر للأولى ويشكر للثانية. وقد يتسامى إلى آفاق فوق هذا ، فيشكر في السراء وفي الضراء إذ يرى في الضراء كما في السراء فضل اللّه ورحمته بالتنبيه أو بالتكفير أو بترجيح ميزان الحسنات ، أو بالخير على كل حال.
وفي الحديث المتفق عليه : «عجبا للمؤمن! لا يقضي اللّه قضاء إلا كان خيرا له. إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له. وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن» ..
«وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ» ..
وقد فسرها بعض السلف بأنها الإيمان بقدر اللّه والتسليم له عند المصيبة. وعن ابن عباس يعني يهدي قلبه هداية مطلقة. ويفتحه على الحقيقة اللدنية المكنونة. ويصله بأصل الأشياء والأحداث ، فيرى هناك منشأها وغايتها. ومن ثم يطمئن ويقر ويستريح. ثم يعرف المعرفة الواصلة الكلية فيستغني عن الرؤية الجزئية المحفوفة بالخطأ والقصور.




وهو هذا الدين الذي يبشر به القرآن. وهو نور في حقيقته بما أنه من عند اللّه. واللّه نور السماوات والأرض.
وهو نور في آثاره إذ ينير القلب فيشرق بذاته ويبصر الحقيقة الكامنة فيه هو ذاته.


ومن ثم يكون التعقيب عليها :
«وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» ..
فهي هداية إلى شيء من علم اللّه ، يمنحه لمن يهديه ، حين يصح إيمانه فيستحق إزاحة الحجب ، وكشف الأسرار .. بمقدار ..
ويتابع دعوتهم إلى الإيمان فيدعوهم إلى طاعة اللّه وطاعة الرسول :
«وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ، فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ» ..
وقد عرض عليهم من قبل مصير الذين تولوا. وهنا يقرر لهم أن الرسول مبلغ. فإذا بلغ فقد أدى الأمانة ، ونهض بالواجب ، وأقام الحجة. وبقي ما ينتظرهم هم من المعصية والتولي ، مما ذكروا به منذ قليل.

ثم يختم هذا المقطع بتقرير حقيقة الوحدانية التي ينكرونها ويكذبونها ، ويقرر شأن المؤمنين باللّه في تعاملهم مع اللّه :
«اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» ..
وحقيقة التوحيد هي أساس التصور الإيماني كله. ومقتضاها أن يكون التوكل عليه وحده. فهذا هو أثر التصور الإيماني في القلوب.
وبهذه الآية يدخل السياق في خطاب المؤمنين. فهي وصلة بين ما مضى من السورة وما يجيء.
وفي النهاية يوجه الخطاب إلى المؤمنين يحذرهم فتنة الأزواج والأولاد والأموال ، ويدعوهم إلى تقوى اللّه ، والسمع والطاعة والإنفاق ، كما يحذرهم شح الأنفس ، ويعدهم على ذلك مضاعفة الرزق والمغفرة والفلاح.




ويذكرهم في الختام بعلم اللّه للحاضر والغائب ، وقدرته وغلبته ، مع خبرته وحكمته :
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ، وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ، وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ. فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ، وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا ، وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ ، وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ ، وَيَغْفِرْ لَكُمْ ، وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ. عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» ..

وقد ورد عن ابن عباس - رضي اللّه عنه - في الآية الأولى من هذا السياق وقد سأله عنها رجل فقال : فهؤلاء رجال أسلموا من مكة ، فأرادوا أن يأتوا إلى رسول اللّه - صلى اللّه تعالى عليه وسلم - فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم. فلما أتوا رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - رأوا الناس قد فقهوا في الدين ، فهموا أن يعاقبوهم ، فأنزل اللّه هذه الآية : «وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» .. وهكذا رواه الترمذي بإسناد آخر وقال : حسن صحيح. وهكذا قال عكرمة مولى ابن عباس.

ولكن النص القرآني أشمل من الحادث الجزئي وأبعد مدى وأطول أمدا. فهذا التحذير من الأزواج والأولاد كالتحذير الذي في الآية التالية من الأموال والأولاد معا : ِإنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ»
.. والتنبيه إلى أن من الأزواج والأولاد من يكون عدوا .. إن هذا يشير إلى حقيقة عميقة في الحياة البشرية. ويمس وشائج متشابكة دقيقة في التركيب العاطفيو في ملابسات الحياة سواء. فالأزواج والأولاد قد يكونون مشغلة وملهاة عن ذكر اللّه. كما أنهم قد يكونون دافعا للتقصير في تبعات الإيمان اتقاء للمتاعب التي تحيط بهم لو قام المؤمن بواجبه فلقي ما يلقاه المجاهد في سبيل اللّه! والمجاهد في سبيل اللّه يتعرض لخسارة الكثير ، وتضحية الكثير. كما يتعرض هو وأهله للعنت. وقد يحتمل العنت في نفسه ولا يحتمله في زوجه وولده. فيبخل ويجبن ليوفر لهم الأمن والقرار أو المتاع والمال! فيكونون عدوا له ، لأنهم صدوه عن الخير ، وعوقوه عن تحقيق غاية وجوده الإنساني العليا. كما أنهم قد يقفون له في الطريق يمنعونه من النهوض بواجبه ، اتقاء لما يصيبهم من جرائه ، أو لأنهم قد يكونون في طريق غير طريقه ، ويعجز هو عن المفاصلة بينه وبينهم والتجرد للّه .. وهي كذلك صور من العداوة متفاوتة الدرجات .. وهذه وتلك مما يقع في حياة المؤمن في كل آن.

( يتبع )









 

رد مع اقتباس
قديم 25-01-2021, 07:56 PM   #131


البرنس مديح ال قطب متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5942
 تاريخ التسجيل :  16 - 3 - 2015
 أخر زيارة : يوم أمس (03:48 PM)
 المشاركات : 873,030 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~


سبحان الله وبحمدة
سبحان الله العظيم
لوني المفضل : Darkorange
افتراضي


























تابع – سورة التغابن

محور مواضيع السورة :


ومن ثم اقتضت هذه الحال المعقدة المتشابكة ، التحذير من اللّه ، لإثارة اليقظة في قلوب الذين آمنوا ، والحذر من تسلل هذه المشاعر ، وضغط هذه المؤثرات.
ثم كرر هذا التحذير في صورة أخرى من فتنة الأموال والأولاد. وكلمة فتنة تحتمل معنيين :
الأول أن اللّه يفتنكم بالأموال والأولاد بمعنى يختبركم ، فانتبهوا لهذا ، وحاذروا وكونوا أبدا يقظين لتنجحوا في الابتلاء ، وتخلصوا وتتجردوا للّه. كما يفتن الصائغ الذهب بالنار ليخلصه من الشوائب! والثاني أن هذه الأموال والأولاد فتنة لكم توقعكم بفتنتها في المخالفة والمعصية ، فاحذروا هذه الفتنة لا تجرفكم وتبعدكم عن اللّه.
وكلا المعنيين قريب من قريب.

وقد روى الإمام أحمد - بإسناده - عن عبد اللّه بن بريدة : سمعت أبي بريدة يقول : «كان رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - يخطب ، فجاء الحسن والحسين - رضي اللّه عنهما - عليهما قميصان أحمران ، يمشيان ويعثران فنزل رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - من المنبر فحملهما ، فوضعهما بين يديه. ثم قال : «صدق اللّه ورسوله. إنما أموالكم وأولادكم فتنة. نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران ، فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما» .. ورواه أهل السنة من حديث ابن واقد. فهذا رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وهذان ابنا بنته .. وإنه لأمر إذن خطير. وخطر. وإن التحذير والتنبيه فيه لضرورة يقدرها من خلق قلوب الناس ، وأودعها هذه المشاعر ، لتكفكف نفسها عن التمادي والإفراط ، وهي تعلم أن هذه الوشائج الحبيبة قد تفعل بها ما يفعل العدو ، وتؤدي بها إلى ما تؤدي إليه مكايد الأعداء! ومن ثم يلوح لها بما عند اللّه بعد التحذير من فتنة الأموال والأولاد ، والعداوة المستسرة في بعض الأبناء والأزواج. فهذه فتنةَ اللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ»


ويهتف للذين آمنوا بتقوى اللّه في حدود الطاقة والاستطاعة ، وبالسمع والطاعة :
«فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ - وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا» ..
وفي هذا القيد : «مَا اسْتَطَعْتُمْ» يتجلى لطف اللّه بعباده ، وعلمه بمدى طاقتهم في تقواه وطاعته. وقد قال رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - : «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه» فالطاعة في الأمر ليس لها حدود ، ومن ثم يقبل فيها ما يستطاع. أما النهي فلا تجزئة فيه فيطلب بكامله دون نقصان.
ويهيب بهم إلى الإنفاق :



«وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ» ..

فهم ينفقون لأنفسهم. وهو يأمرهم أن ينفقوا الخير لأنفسهم. فيجعل ما ينفقونه كأنه نفقة مباشرة لذواتهم ، ويعدها الخير لهم حين يفعلون.


ويريهم شح النفس بلاء ملازما. السعيد السعيد من يخلص منه ويوقاه والوقاية منه فضل من اللّه :
«وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» ..


ثم يمضي في إغرائهم بالبذل وتحبيبهم في الإنفاق ، فيسمي إنفاقهم قرضا للّه. ومن ذا الذي لا يربح هذه الفرصة التي يقرض فيها مولاه؟ وهو يأخذ القرض فيضاعفه ويغفر به ، ويشكر المقرض ، ويحلم عليه حين يقصر في شكره. وهو اللّه! «إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ. وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ» ..

وتبارك اللّه. ما أكرمه! وما أعظمه! وهو ينشئ العبد ثم يرزقه. ثم يسأله فضل ما أعطاه. قرضا. يضاعفه ..


ثم .. يشكر لعبده الذي أنشأه وأعطاه! ويعامله بالحلم في تقصيره هو عن شكر مولاه ..! يا للّه!!! إن اللّه يعلمنا - بصفاته - كيف نتسامى على نقصنا وضعفنا ، ونتطلع إلى أعلى دائما لنراه - سبحانه - ونحاول أن نقلده في حدود طاقتنا الصغيرة المحدودة. وقد نفخ اللّه في الإنسان من روحه. فجعله مشتاقا أبدا إلى تحقيق المثل الأعلى في حدود طاقته وطبيعته ، ومن ثم تبقى الآفاق العليا مفتوحة دائما ليتطلع هذا المخلوق إلى الكمال المستطاع ، ويحاول الارتفاع درجة بعد درجة ، حتى يلقى اللّه بما يحبه له ويرضاه.
ويختم هذه الجولة بعد هذا الإيقاع العجيب ، بصفة اللّه التي بها الإطلاع والرقابة على القلوب :
«عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» ..

فكل شيء مكشوف لعلمه ، خاضع لسلطانه ، مدبر بحكمته. كي يعيش الناس وهم يشعرون بأن عين اللّه تراهم ، وسلطانه عليهم ، وحكمته تدبر الأمر كله حاضره وغائبه. ويكفي أن يستقر هذا التصور في القلوب ، لتتقي اللّه وتخلص له وتستجيب.

( يتبع )







 

رد مع اقتباس
قديم 25-01-2021, 07:59 PM   #132


البرنس مديح ال قطب متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5942
 تاريخ التسجيل :  16 - 3 - 2015
 أخر زيارة : يوم أمس (03:48 PM)
 المشاركات : 873,030 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~


سبحان الله وبحمدة
سبحان الله العظيم
لوني المفضل : Darkorange
افتراضي






















تابع – سورة التغابن

محور مواضيع السورة :




قال الصابوني:

* سورة التغابن من السور المدنية التي تعنى بالتشريع، ولكن جوها جو السور المكية التي تعالج أصول العقيدة الإسلامية.

* تحدثت السورة الكريمة عن جلال الله وعظمته وآثار قدرته، ثم تناولت موضوع الإنسان المعترف بربه، والإنسان الكافر الجاحد بآلاء الله {يسبح لله ما في السموات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن..} الآيات.

* وضربت الأمثال بالقرون الماضية، والأمم الخالية، التي كذبت رسل الله، وما حل بهم من العذاب والدمار، نتيجة لكفرهم وعنادهم وضلالهم {ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم..} الآيات.

* وأقسمت السورة على أن البعث حق لابد منه، أقر به المشركون أو أنكروه {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربى لتبعثن..} الآيات.

* وأمرت بطاعة الله وطاعة رسوله، وحذرت من الإعراض عن دعوة الله {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين}.

* كما حذرت من عداوة بعض الزوجات والأولاد، فإنهم كثيرا ما يمنعون الإنسان عن الجهاد والهجرة {يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم..} الآيات.

* وختمت السورة بالأمر بالإنفاق في سبيل الله لإعلاء دينه، وحذرت من الشح والبخل، فإن من صفات المؤمن، الإنفاق في سبيل الله ابتغاء مرضاته، وهو شطر الجهاد، حيث ينقسم إلى قسمين: جهاد بالنفس، وجهاد بالمال {وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون..} الآيات إلى نهاية السورة الكريمة.

قال محمد الغزالي:

{يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير}
الكون يعرف ربه، يعرف أن وجوده منه وبقاءه به، ولذلك يسبح بحمده وينقاد لأمره أما الناس فلهم شأن آخر. ما أكثر الذين يتجرءون عليه ويجحدون حقوقه ويحاربون رسله: {خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين}. أى عقوق هذا وأى إسفاف؟! فيا عجبا، كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد؟ وفي كل شيء له آية! تدل على أنه الواحد! وقد بدأت سورة (التغابن) بهذا التسبيح تنبيها إلى شذوذ المعصية ووضاعة متركبها {هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير}. ومن النقائض أن يحسن الله تصويرك فتسيء تقديره! وأن يسبغ عليك النعمة فتطيل الغفلة والإنكار! وقد أنكر الناس الوحى لأن حملته بشر مثلهم. حتى عاد وثمود في القرون الغابرة قالوا: {لو شاء ربنا لأنزل ملائكة..}. إنه صعب على الإنسان أن يعترف بامتياز شخص آخر. إنه يريد أن يذهب بنفسه ويتطاول على غيره! خصوصا الأغبياء، فإن لذتهم في احتقار الذكاء وإهانة أهله {ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد}.





إن استكثار التفوق على الغير والسعى في هدمه وهزيمته طبيعة في بعض الأفراد، بل يخيل إلى أنه طبيعة في بعض الشعوب! ولو أن الأنبياء والمصلحين يدلون بما أوتوا من مواهب ويجنحون إلى الكبر والاستعلاء، لقلنا إنهم استثاروا غيرهم وألجئوه إلى الكبر والكفر. أما والرسل من أشد الناس تواضعا وألينهم عريكة، فإن تحديهم منكر مضاعف ومعصية سافرة..


{زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير}. إنكار البعث جريمة قديمة. ولكنها لم تلق الانتشار الذي أتيح لها في هذا العصر، فالحضارة التي تظلنا زينت الحياة الدنيا وأهالت التراب على ما بعدها، بل إن الكلام عن اليوم الآخر وهم لا يجوز أن يجرى على ألسنة العقلاء! وأهل الكتاب يقودهم اليهود في هذا الإنكار، وملاحدة العرب يجرئون الجماهير على نسيان الله وجحد لقائه، ويضيقون بالقرآن وهو يصور مشاهد الآخرة. إن قضايا الدين كلها تحتاج إلى عرض جديد يقاوم الإلحاد السائد. {فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا}. النور هو القرآن، وقد سقى كذلك في آيات كثيرة {ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا}. ولا يوجد كلام موثق من ألفه إلى يائه صادر عن الله سبحانه إلا هذا الكتاب، وقد أحصى العقائد المنجية وساقها في حشد من الأدلة تورث اليقين. وليت المسلمين يرتفعون إلى مستوى كتابهم ويؤدون رسالته. {يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن}. شعور الناس يوم البعث يحتاج إلى شرح. سيقول البعض {يا ليتني قدمت لحياتي}. وسيندم كثير على أنهم أضاعوا أوقاتا طويلة في غير طائل وأوتوا الصحة فلم ينتفعوا بها في طاعة، كما جاء في الحديث: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ». وسيندم آخرون على أنهم صادقوا فلانا الكبير وخاصموا فلانا الضعيف! إن فرصا كثيرة للنجاة أفلتت منهم بغباء شديد! {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين}. وهيهات لقد مضت أيام العمل وأتت أيام الحساب..



ولما كانت السورة مدنية، وكان المهاجرون والأنصار مكلفين بإقامة دولة الإسلام في وجه صعوبات بالغة وخصومات عنيفة، فقد قال! الله تعالى تصبيرا للقوم وتقوية للإيمان: {ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم}. إن إكراه المرء على ترك وطنه نصرة لدينه شيء شاق، وليس يتحمل ذلك كل إنسان.


قال أبو الطيب:

لولا المشقة ساد الناس كلهم
الجود يفقر والإقدام قتال!!

وقد لبى نداء الهجرة أناس فسبقوا سبقا بعيدا، وتقاعس آخرون ليستريحوا مع زوجاتهم وأولادهم ففقدوا هذا الشرف. وكثير أولئك الذين يصفون آذانهم عن نداء الواجب ليحيوا مع من يحبون! لهؤلاء يقول الله: {يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم}. قد يكون التعلق بالحياة طريق الخيانة والضياع {إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم}.

والحق أن مقاومة الضلال! والعدوان تحتاج إلى مغارم وتضحيات ينبغي أن يتحملها أهل الإيمان بجلد ورضا. وقد رأينا في عصرنا مبطلين لا يبالون بشيء يستحيل أن يقهرهم إلا رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه. أما أن يتجرأ اللصوص ويتقهقر رجال الشرطة، فلا أمان ولا إيمان!! ولذلك ختمت السورة بضرورة البذل والكفاح {فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}.


( يتبع - سورة الطلاق )









 

رد مع اقتباس
قديم 25-01-2021, 08:03 PM   #133


البرنس مديح ال قطب متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5942
 تاريخ التسجيل :  16 - 3 - 2015
 أخر زيارة : يوم أمس (03:48 PM)
 المشاركات : 873,030 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~


سبحان الله وبحمدة
سبحان الله العظيم
لوني المفضل : Darkorange
افتراضي

























سورة الطلاق

التعريف بالسورة

مدنية .
من المفصل .
آياتها 12 .
ترتيبها الخامسة والستون .
نزلت بعد الإنسان .
بدأت باسلوب النداء " يا أيها النبي " .

سبب التسمية

سميت ‏بهذا ‏الاسم ‏حيث ‏تضمنت ‏السورة ‏ ‏أحكام ‏الطلاق ‏‏ ‏الطلاق ‏السني ‏‏، ‏والطلاق ‏البدعي ‏‏ ‏‏. ‏وتسمى ‏النساء ‏القُصرى‎ .‎‏

سبب نزول السورة

1) روى قتادة عن أنس قال طلق رسول الله حفصة فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وقيل له : " راجعها فإنها صوامة قوامة " وهى من إحدى أزواجك ونسائك في الجنة وقال السدي : نزلت في عبد الله بن عمر وذلك أنه طلق امرأته حائضا ، فأمره رسول الله أن يراجعها ويمسكها حتى تطهر ثم تحيض حيضة أخرى فإذا طهرت طلقها إن شاء قبل أن يجامعها فإنها العدة التي أمر الله بها .

2) نزلت الآية في عوف بن مالك الأشجعي وذلك أن المشركين أسروا ابنا له فأتى رسول الله وشكا إليه الفاقة ، وقال : إن العدو أسر ابني وجزعت الأم فما تأمرني فقال النبي اتق الله واصبر وآمرك وإياها أن تستكثر من قول لا حول ولا قوة الا بالله فعاد إلى بيته ، وقال لامرأته : إن رسول الله أمرني وإياك أن نستكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله . فقالت : نِعْمَ ما أمرنا به . فجعلا يقولان فغفل العدو عن ابنه فساق غنمهم وجاء بها إلى أبيه ، وهى أربعة آلاف شاة فنزلت هذه الآية .

3) عن جابر بن عبد الله قال نزلت هذه الآية ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ) في رجل من أشجع كان فقيرا خفيف ذات اليد ، كثير العيال فأتى رسول الله فسأله فقال : اتق الله واصبر فرجع إلى أصحابه فقالوا : ما أعطاك رسول الله فقال ما أعطاني شيئا . قال : اتق الله واصبر . فلم يلبث إلا يسيرا حتى جاء ابن له بغنم ، وكان العدو أصابوه ، فأتى رسول الله فسأله عنها وأخبره خبرها . فقال رسول الله إياكها .

4) قال مقاتل لما نزلت ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ) الآية قال خلاد بن النعمان بن قيس الأنصاري : يا رسول الله فما عدة التي لا تحيض ، وعدة التي لم تحض وعدة الحبلى ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية .

5) عن أبي عثمان عمرو بن سالم قال لما نزلت عدة النساء في سورة البقرة في المطلقة والمتوفي عنها زوجها قال أبي ابن كعب يا رسول الله إن نساء من أهل المدينة يقلن قد بقى من النساء من لم يذكر فيها شيء ! قال : وما هو . قال : الصغار والكبار وذوات الحمل . فنزلت هذه الآية ( واللائي يئسن ) إلى آخرها .


تناولت السورة بعض الأحكام التشريعية المتعلقة بأحوال الزوجين كبيان أحكام الطلاق السني وكيفيته وما يترتب على الطلاق من العدة والنفقة والسكنى وأجر المرضع إلى غير ما هنالك من أحكام .


ومقصودها تقدير حسن التدبير في المفارقة والمهاجرة بتهذيب الأخلاق، بالتقوى لاسيما في الإنفاق، لاسيما إن كان ذلك عند الشقاق، لاسيما إن كان في أمر النساء لاسيما عند الطلاق، ليكون الفراق على نحو التواصل والتلاق، واسمها الطلاق أجمع ما يكون لذلك، فلذا سميت به وكذا سورة النساء القصرى لأن العدل في الفراق بعض مطلق العدل الذي هو محط مقصود سورة النساء.

ومعظم مقصود السّورة بيان طلاق السُنّة، وأحكام العِدّة، والتّوكُّل على الله تعالى في الأُمور، وبيان نفقة النِّساءِ حال الحمل والرّضاع، وبيان عُقُوبة المتعدِّين وعذابِهم، وأنّ التّكليف على قدْر الطاقة، وللصّالحين الثوابُ والكرامة، وبيان إِحاظة العلم، والقُدْرة، في قوله: {لتعْلمُواْ}

قال ابن عاشور:

سورة {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء} [الطلاق: 1] إلخ شاعت تسميتها في المصاحف وفي كتب التفسير وكتب السنة: سورة الطلاق ولم ترد تسميتها بهذا في حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم موسوم بالقبول.
وذكر في (الإتقان) أن عبد الله بن مسعود سماها سورة النساء القُصرى أخذا مما أخرجه البخاري وغيره عن مالك بن عامر قال: كنّا عند عبد الله بن مسعود فذُكر عنده أن الحامل المتوفى عنها تعتد أقصى الأجلين (أي أجل وضع الحمل إن كان أكثر من أربعة أشهر وعشرٍ، وأجلل الأربعة الأشهر وعشرٍ) فقال: أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون عليها الرخصة لنزلتْ سورة النساء القُصرى بعد الطُّولى {وأولاتُ الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} (الطلاق: 4).

وفي (الإتقان) عن الداودي إنكار أن تُدعى هذه السورة بالقصرى للتنزه عن وصف القرآن بصفة نقص، ورده ابن حجر بأن القِصر أمر نسبي أي ليس مشعرا بنقص على الإطلاق. وابن مسعود وصفها بالقُصرى احترازا عن السورة المشهورة باسم سورة النساء التي هي السورة الرابعة في المصحف التي أولها{يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة}(النساء: 1). وأما قوله الطُولى فهو صفة لموصوف محذوف أي بعد السورة الطولى يعني سورة البقرة لأنها أطول سور القرآن ويتعين أن ذلك مراده لأن سورة البقرة هي التي ذكرت فيها عدة المتوفى عنها. وقد يُتوهم أن سورة البقرة تسمى سورة النساء الطولى من مقابلتها بسورة النساء القصرى في كلام ابن مسعود. وليس كذلك كما تقدم في سورة النساء.
وهي مدنية بالاتفاق.
وعدد آيها اثنتا عشرة آية في عدد الأكثر. وعدها أهل البصرة إحدى عشرة آية.
وهي معدودة السادسة والتسعين في ترتيب نزول السور عند جابر بن زيد نزلت بعد سورة الإِنسان وقبل سورة البينة.

وسبب نزولها ما رواه مسلم عن طريق ابن جريج عن أبي الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن يسأل ابن عمر كيف ترى في الرجل طلق امرأته حائضا؟ فقال: طلق ابنُ عمر امرأته حائضا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: ليراجعها، فردّها وقال: إذا طهرت فليطلق أو ليُمسك. قال ابن عمر وقرأ النبي: {يأيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} (الطلاق: 1).

وظاهر قوله: وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم إلخ. إنها نزلت عليه ساعتئذٍ. ويحتمل أن تكون نزلت قبل هذه الحادثة. وقال الواحدي عن السدي: إنها نزلت في قضية طلاق ابن عمر، وعن قتادة أنها نزلت بسبب أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ولم يصح. وجزم أبو بكر بن العربي بأن شيئا من ذلك لم يصح وأن الأصح أن الآية نزلت بيانا لشرع مبتدإ.

قال سيد قطب
هذه سورة الطلاق ، يبين اللّه فيها أحكامه ، ويفصل فيها الحالات التي لم تفصل في السورة الأخرى (سورة البقرة) التي تضمنت بعض أحكام الطلاق ويقرر فيها أحكام الحالات المتخلفة عن الطلاق من شؤون الأسرة.
وقد تضمنت هذه السورة بيان الوقت الذي يمكن أن يقع فيه الطلاق الذي يقبله اللّه ويجري وفق سنته : «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ» ..

وحق المطلقة وواجبها في البقاء في بيتها - وهو بيت مطلقها - فترة العدة لا تخرج ولا تخرج إلا أن تأتي بفاحشة مبينة : «لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ» ..
وحقها بعد انقضاء العدة في الخروج لتفعل بنفسها ما تشاء ، ما لم يكن الزوج قد راجعها وأمسكها في فترة العدة ، لا ليضارها ويؤذيها بهذا الإمساك ويعطلها عن الزواج ، ولكن لتعود الحياة الزوجية بينهما بالمعروف :
«فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ» .. وهذا مع الإشهاد على الإمساك أو الفراق :
«وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» ..

وفي سورة البقرة بين مدة العدة للمطلقة ذات الحيض - وهي ثلاثة قروء بمعنى ثلاث حيضات أو ثلاثة أطهار من الحيضات على خلاف فقهي - وهنا بين هذه المدة بالنسبة للآيسة التي انقطع حيضها وللصغيرة التي لم تحض : «وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ» ..
وبين عدة الحامل : «وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ» ..

ثم فصل حكم المسكن الذي تعتد فيه المعتدة ونفقة الحمل حتى تضع : «أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ، وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ. وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ» ..
ثم حكم الرضاعة لولد المطلقة حين تضعه ، وأجر الأم على الرضاعة في حالة الاتفاق بينها وبين أبيه على مصلحة الطفل بينهما ، وفي حالة إرضاعه من أخرى : «فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ. وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى » ..

ثم زاد حكم النفقة والأجر في جميع الحالات تفصيلا ، فجعله تابعا لحالة الزوج وقدرته : «لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ، وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ. لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها» ..
وهكذا تتبعت النصوص سائر الحالات ، وما يتخلف عنها ، بأحكام مفصلة دقيقة ، ولم تدع شيئا من أنقاض الأسرة المفككة بالطلاق إلا أراحته في مكانه ، وبينت حكمه ، في رفق وفي دقة وفي وضوح ..
ويقف الإنسان مدهوشا أمام هذه السورة وهي تتناول أحكام هذه الحالة ومتخلفاتها. وهي تحشد للأمر هذا الحشد العجيب من الترغيب والترهيب ، والتعقيب على كل حكم ، ووصل هذا الأمر بقدر اللّه في السماوات والأرضين ، وسنن اللّه في هلاك العاتين عن أمره ، وفي الفرج والسعة لمن يتقونه. وتكرار الأمر بالمعروف والسماحة والتراضي ، وإيثار الجميل. والإطماع في الخير. والتذكير بقدر اللّه في الخلق وفي الرزق ، وفي اليسر والعسر ..

( يتبع )








 

رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
التعريف , الصور , النزول , القرآن , الكريم , بصور , ومحاور , وأسباب , ومقاصد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
معلومات قرآنية البرنس مديح ال قطب (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) 16 29-11-2020 01:14 PM
ختم القرآن من الأعمال الجليلة البرنس مديح ال قطب (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) 16 06-07-2020 06:12 PM
معجزة الإسلام الخالدة البرنس مديح ال قطب (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) 18 05-03-2020 09:14 PM
تعرف على القرآن الكريم 2 تيماء (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) 24 29-12-2018 10:05 PM
أسرار التكرار في القرآن الكريم ميارا (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) 11 13-02-2013 11:33 PM

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

الساعة الآن 10:49 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010