ننتظر تسجيلك هنا


الإهداءات



إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 23-06-2023, 04:16 PM   #274


البراء الحريري غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 9970
 تاريخ التسجيل :  4 - 6 - 2023
 أخر زيارة : 04-12-2024 (09:22 PM)
 المشاركات : 18,999 [ + ]
 التقييم :  1141996468
 الدولهـ
Syria
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Darkmagenta
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
افتراضي



تابع – البر

وصاحب البر يتعدى بره الوالدين والأبناء إلى الأرحام والأقارب، ولأن الوفاء والإحسان أصيل فيه، فإنه يتميز به مع جميع الناس الذين يتعامل معهم، وفي مقدمتهم الأقرب فالأقرب، ولذلك حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على توثيق هذه الصلات فقال: " اتقوا الله وصلوا أرحامكم"، وهذه الصلة من أحب الأعمال إلى الله: " أحب الأعمال إلى الله: إيمان بالله ثم صلة الرحم ..." وهي من أبواب الجنة لقوله صلى الله عليه وسلم: " أطب الكلام، وأفش السلام، وصل الأرحام، وصل بالليل والناس نيام، ثم ادخل الجنة بسلام".

ولما لبر الأرحام وصلتهم من المنزلة عند الله، فقد أخذ على نفسه –سبحانه- أن يصل البار الواصل، كما جاء في الحديث من قول الله للرحم: " أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فهو لك" وجعل الوصل من أسباب البركة في العمر، كما جاء على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سره أن يُبسط له في رزقه، وأن يُنسأ له في أثره، فليصلْ رحمه". هذا بالإضافة إلى أثرها الاجتماعي في التأليف والمحبة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: " صلة القرابة مثراة في المال، محبة في الأهل، منسأة في الأجل". وكما يعجل الله عقوبة العاق والقاطع فإنه ليعجل المثوبة في الدنيا للبار الواصل، كما في الحديث: "... وإن أعجل الطاعة ثوابا لصلة الرحم، حتى إن أهل البيت ليكونوا فجرة، فتنموا أموالهم، ويكثر عددهم، إذا تواصلوا" وهذا رغم فجورهم.

وقد يقابل الواصل بالجفاء، مما قد يغريه بالقطيعة، ولكن الله نصيره إذا ما داوم الصلة، جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا رسول الله: إن لي قرابة، أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليّ، فقال: "لئن كنت كما قلت، فكأنما تُسفُّهم الملّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك".

وخير الوصل، والخالص لوجه الله، ما كان بالبر والإحسان إلى من يقابلك بالعداوة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: " إن أفضل الصدقة، الصدقة على ذي الرحم الكاشح"، أي المعادي، يقول ابن الجوزي في بيان علة الأفضلية: ( وإنما فُضّلت الصدقة عليه لمكان مخالفة هوى النفس، فأما من أعطى من يحب إنما ينفق على قلبه وهواه)، وقد كان حال البارّين الواصلين لأرحامهم على هذه الصورة من الإحسان، حتى مع اختلاف الدين، ويشهد لذلك ما ورد من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُهديت إليه حُلل كان قد قال عن مثلها: " إنما يلبس هذه من لا خلاق له". فأهدى منها إلى عمر، فقال عمر: كيف ألبسها وقد قلبت فيها ما قلت؟ قال: إني لم أعطكها لتلبسها، ولكن تبيعها أو تكسوها، فأرسل بها عمر إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يُسلم.

ويجب على البار أن يستمر في صلة أرحامه ولو بأدنى صور الوصل، كما قال صلى الله عليه وسلم: " بُلُّوا أرحامكم ولو بالسلام " –أي صلوا أرحامكم-. وتتسع دائرة البر لتشمل الجيران، وقد أوصى بهم جبريل كثيرا: " لقد أوصاني جبريل بالجار، حتى ظننت أنه يورثه"، وقال صل الله عليه وسلم: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحسن إلى جاره ...." ونفى الإيمان الكامل عمن " لا يأمن جاره بوائقه " و " من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به" . وفي وصيته صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: " يا أبا ذر ٌ! إذا طبخت فأكثر المرقة، وتعاهد جيرانك أو اقسم بين جيرانك" وقد ذُكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة تقوم الليل، وتصوم النهار، وتفعل وتصّدّق، وتؤذي جيرانها بلسانها، قال صلى الله عليه وسلم: " لا خير فيها، هي من أهل النار".

ان كثير من صور البر تقتضي جودا وإنفاقا، ومما حث به رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: " نفقة الرجل على أهله صدقة" ، " وأفضل الدنانير دينار ينفقه الرجل على عياله، ودينار ينفقه الرجل على دابته، ودينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل الله، وأي رجل أعظم أجرا من رجل ينفق على عيال صغار، يعفهم الله ويغنيهم به؟!" كل هذه الصور إنما هي أمثلة من حياة البار، وإن كانت مظاهر بره تسع جميع المتعاملين معه من القريبين منه والمحتكين به. والبر يولّد البر، والصلة تستدعي مزيدا من الصلة، وتلتحم أواصر الأسر، وتتوثق العلاقات الاجتماعية، فإلى مزيد من البر والصلة.

( يتبع )


 

رد مع اقتباس
قديم 23-06-2023, 04:20 PM   #275


البراء الحريري غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 9970
 تاريخ التسجيل :  4 - 6 - 2023
 أخر زيارة : 04-12-2024 (09:22 PM)
 المشاركات : 18,999 [ + ]
 التقييم :  1141996468
 الدولهـ
Syria
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Darkmagenta
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
افتراضي



تابع – البر

البر في القرآن الكريم

مِن لطائف القرآن ومزاياه أن تأتيَ الكلمة الواحدة فيه متصرِّفةً على وجوهٍ كثيرة، ومعانٍ عِدة قد تكون متغايرةً، وقد تكون متقاربةً أو متوافقة، وقد جعَل بعض العلماء ذلك من أنواع إعجاز القرآن؛ حيث كانتِ الكلمة الواحدة تنصرِف إلى عشرين وجهًا وأكثر وأقل، وقلَّما يوجد ذلك في كلامِ البشر.

وسأتناول بالدراسة بعضَ الكلمات القرآنية وموارد استعمالاتها في المواضِع المتعدِّدة؛ كي يكونَ قارئ القرآن ودارسه على بيِّنة من أمر هذه الكلمات ومعانيها.

من هذه الكلمات الثرة:
كلمة "البر"، وقدْ جاءت في الكتاب الكريم على وجوه كثيرة، إلا أنَّها تدور حول معاني الخير والعمل الصالح، والحق والعدل، والثواب الجزيل والإحسان إلى ذوي القربى واليتامَى والأرامل والمساكين والمحتاجين، ففي سورة البقرة المدنية: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 44]، فالبر المراد به الإيمان والعمل الصالح، ذلك أنَّ بعض أحبار اليهود كانوا يأمرون أتباعهم سرًّا بالإيمان بنبينا محمَّد - صلوات الله وسلامه عليه - ولا يتبعونه، ويأمرونهم بالتصدُّق ولا يتصدَّقون، وبالعمل الصالح ولا يفعلون، فوبَّخهم الحق - تبارك وتعالى - على نِسيان أنفسهم، ومخالفة أقوالهم لأفعالهم.

وقال - تعالى -: في هذه السورة أيضًا: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177].

وذلك أنَّه لَمَّا كثُر خوض المسلمين وأهل الكتاب في شأنِ القِبلة وتحويلها من بيتِ المقدِس إلى الكعبة المشرَّفة - أول بيت وضع في الأرض - قال الله - سبحانه - لهم: ليس أمرُ القِبلة بالأمر العظيم الذي يجِب أن تشغلوا بشأنه عن سائرِ صنوف البر وأنواعه، ولكن البرَّ الذي يجب الاهتمام به والحِرص عليه "بر" مَن آمن وقام بهذه الأعمال الصالحات التي تعود على المجتمعِ كلِّه بالخير والرخاء، والألفة والفضائل، وهذه الآية أجْمعُ آيات البِر في القرآن كله، وقد ذكَر الله سبحانه في هذه الآية الفذَّة الجامعة خمسَ عشرةَ خَصلة، وهي غرر العقائد والأعمال والفضائل والآداب، وهي تَرجِع إلى ثلاثة أنواع: فالخمس الأولى، وهي: الإيمان بالله، واليوم الآخِر، والملائكة، والكتاب، والنبيِّين تتعلَّق بالكمالات الإنسانيَّة التي هي مِن قبيل صحَّة الاعتقاد، وصِدق اليقين، والتي لا يُقبل عمل عامل مِن ذكر أو أنثى إلاَّ بعد اعتقادها.

والست التي بعدَها، وهي: ﴿ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ ﴾ [البقرة: 177] تتعلَّق بالكمالات النفسية التي هي من قَبيل حُسن معاشرة العباد وبِرهم، والاتفاق فيما بينهم، والتي تُقيم مجتمعًا اشتراكيًّا، متكافلاً متعاونًا.

والأربع الباقية، وهي:
﴿ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ﴾ [البقرة: 177]، تتعلَّق بالكمالات الإنسانيَّة التي هي من قَبيل تهذيب النفس، وتزكيتها، وتطهيرها مِن مساوئ الأخلاق، وقبائِح الأفعال، وتَطهير المجتمعات من المذاهب الهدَّامة، والآراء المنحرِفة، وإشاعة الفضائل فيها، ولا يَسع الإنسانَ ذا الحس المرهف بعد هذا المطاف في فلك الآية الكريمة ورِحابها الفسيحة، إلا أن يُردِّد قول الله: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177].

وقال - سبحانه - في سورة البقرة أيضًا: ﴿ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 189].

( يتبع )


 

رد مع اقتباس
قديم 23-06-2023, 04:23 PM   #276


البراء الحريري غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 9970
 تاريخ التسجيل :  4 - 6 - 2023
 أخر زيارة : 04-12-2024 (09:22 PM)
 المشاركات : 18,999 [ + ]
 التقييم :  1141996468
 الدولهـ
Syria
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Darkmagenta
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
افتراضي



تابع – البر

كان أهلُ الجاهلية إذا رَجعوا من حجٍّ أو عُمرة أو سفر دخلوا البيوتَ مِن ظهروها، ويعتبرون ذلك برًّا، فبيَّن الله - سبحانه - لهم أنها رُسومٌ ظاهرة ليستْ من البر في شيء، وإنما البرُّ هو بِرُّ مَن اتقى الله واتقى الفواحش ما ظهَر منها وما بطَن، فالبر هنا بمعناه العام وهو الخير والحق.

وقال - تعالى -: في سورة آل عمران: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92].

فالبر قيل:
المراد به الجَنة ونعيمها، كما رُوي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - إذ البِر سبيلُ الجنة أو الثواب الكثير، كما رُوي عن غيره، والمعنيان متقارِبان، وقيل: المراد به: كمال الإحسان، وأيًّا ما كان المراد فالآية مرغِّبة في الإنفاق، دالَّة على أنه من أفضلِ أنواع البر، وقد أرشدتِ الآية إلى أدَب من آداب الإنفاق، وهو الإنفاق ممَّا يحب لا ممَّا يُبغض ويَكره، وتلك - لعَمر الحق - أمارةٌ من أمارات الإخلاص، وفي الكتاب الكريم أيضًا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ [البقرة: 267].

وقدْ كان السَّلف الصالح - رضوان الله عليهم - أشدَّ الناس تمسُّكًا بهذا الأدَب، وأحرصَهم على هذا البر، رَوى البخاريُّ ومسلم عن أنس - رضي الله عنه - قال: "كان أبو طلحة - رضي الله عنه - أكثرَ الأنصار بالمدينة مالاً من نخل، وكان أحبّ أمواله إليه بيرحاء، وكانتْ مستقبلة المسجد، وكان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يدخلها ويشرَب مِن ماءٍ فيها طيِّب - أي: عذْب - قال أنس: فلما نزلتْ هذه الآية: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92] جاء أبو طلحة إلى رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: يا رسولَ الله، الله تعالى أنزَل عليك: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]، وإنَّ أحب أموالي إليَّ "بيرحاء" وإنَّها صدقةٌ لله تعالى أرْجو بِرَّها وذخرها عندَ الله، فضعْها يا رسول الله حيث أراكَ الله.

فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((بخ بخ، ذلك مال رابِح.. ذلك مال رابِح، وقد سمعتُ ما قلتَ وإني أرَى أن تجعلَها في الأقربين))، فقال أبو طلحة: أفعلُ يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبنِي عمِّه.

وفي الصحيحين أنَّ عمر - رضي الله تعالى عنه - قال: يا رسولَ الله، لم أصبْ مالاً قط هو أنفسُ عندي من سَهمي الذي هو بخيبر فما تأمُرني به؟ قال: ((حبس الأصل وسَبْل الثمرة))؛ أي: وقف الأصل، واجعلْ ثمرتَها للفقراء والمحتاجين، وعن حمزة بن عبدالله بن عمر قال: قال عبدالله - يعني: أباه - حضرتْني هذه الآية: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]، فذكرتُ ما أعطاني الله فلم أجدْ شيئًا أحبَّ إلي من جاريتي رُويمة، فقلتُ: هي حُرَّة لوجه الله تعالى، ولولا أنِّي لا أعود في شيءٍ جعلتُه لله لتزوجتُها، وكان عمرُ بن عبدالعزيز - رضي الله تعالى عنه - يَشتري أعدالَ السكر ويتصدَّق بها، فقيل له: لِمَ لا تتصدَّق بثمنها؟ قال: لأني أحبُّ السكر فأردتُ أن أتصدَّق ممَّا أحب".

( يتبع )


 

رد مع اقتباس
قديم 23-06-2023, 04:26 PM   #277


البراء الحريري غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 9970
 تاريخ التسجيل :  4 - 6 - 2023
 أخر زيارة : 04-12-2024 (09:22 PM)
 المشاركات : 18,999 [ + ]
 التقييم :  1141996468
 الدولهـ
Syria
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Darkmagenta
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
افتراضي



تابع – البر

قال - تعالى -: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2]، والبر هنا: جماع كل خير وطاعة؛ قال الإمام الماوردي في هذه الآية: "ندَب الله سبحانه إلى التعاون على البر وقرَنه بالتقوى له؛ لأنَّ في التقوى رضاءَ الله وفي البِر رضاء الناس، ومَن جمَع بين رِضاء الله تعالى ورِضا الناس فقد تمَّتْ سعادتُه وعمَّت نعمتُه".

وقد أوجبتِ الآية على المسلمين أن يتعاونوا على كلِّ ما فيه خيرُهم الدِّيني والدنيوي، وألاَّ يضن الفردُ على الجماعة بما يُحسن مِن علم أو صناعة أو خِبرة، وبما يملك من مال، وقد دلَّتِ الآيةُ على تأصُّل روح التعاون في الإسلام، وأنَّه دعا إلى التعاون قبل أن يعرفَ العالم الغربي ذلك ببضعة قُرون.

وقال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ [المجادلة: 9]، رغَّب الله سبحانه المؤمنين ألاَّ يكونوا كاليهود والمنافقين الذين كانوا يَتناجون بما فيه الإثم ومعصية الرسول، وأن يكون تَناجيهم بالبر والتقوى، فالبِر كل ما فيه خيرُ المسلمين ونَصرهم وطاعة الرسول.

وقال - تعالى -: ﴿ لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الممتحنة: 8].

والمراد بالبِر هنا:
الصِّلة وحُسن المعاملة، وهذا غاية السمو والتسامُح، ألاَّ يمنع الإسلام معتنقيه من الإحسان إلى مَن ليس على دِينهم ما دام مسالمًا ومِن معاملتهم بالحسنة والعدل، وقدْ كان هذا المبدأ هو السائِد والمطبَّق في الدولة الإسلامية في عصورها الذهبيَّة الأولى، ولا يزال إلى يومنا هذا.

وفي صحيح البخاريِّ عن أسماءَ قالت: قدمتْ أمِّي مشركة في عهد قريش - يعني: بعد صُلح الحديبيَّة - فاستفتيتُ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقلت: إنَّ أمِّي قدِمت وهي راغبة - يعني: في بِري وصِلتي أو راغبة عن الإسلام - أفأصِلها؟ قال: ((نَعمْ، صِلي أمَّكِ))، وفي رواية فأنزل الله: ﴿ لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ ... ﴾ الآية.

وكما عرَض الحق - تبارك وتعالى - لمعاني البِر في القرآن الكريم عرَض للأبرار وما أعدَّه لهم مِن رفيع المنزلة، وجزيل الثواب؛ قال - تعالى - في سورة الإنسان:﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُورًا ﴾ [الإنسان: 5 - 9].

( يتبع )


 

رد مع اقتباس
قديم 23-06-2023, 04:28 PM   #278


البراء الحريري غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 9970
 تاريخ التسجيل :  4 - 6 - 2023
 أخر زيارة : 04-12-2024 (09:22 PM)
 المشاركات : 18,999 [ + ]
 التقييم :  1141996468
 الدولهـ
Syria
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Darkmagenta
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
افتراضي



تابع – البر

إن الأبرارهُم المؤمنون الذين يَعملون الصالحات التي منها هذه الأعمال، وقد أشار الله - سبحانه - إلى ما أعدَّه للأبرار مجملاً مع مقارنته بما أعدَّ للفجار، فقال: ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ﴾ [الانفطار: 13 - 14]، ثم كرَّر الله هذه العدة الجميلة والمنزلة الرفيعة بشيءٍ من التفصيل في سورة المطففين، فقال: ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 22 - 26].

ومِن لطائف القرآن أن يأتيَ هذا الوعد الكريم في السُّور الأواخر على نسَق ترتيب السور في المصحَف؛ ليكونَ بمثابة الغاية بعدَ الوسيلة، والنتيجة بعدَ المقدِّمات.

وبعدُ، فهذا لفظُ البِر، وهذه مواردُ استعمالاته، وهي تُرينا مكانة البر في الإسلام وأنَّه يكون رافدًا مِن روافد التكافُل الاجتماعي فيه، وأنَّ المسلمين الأوائل بلغوا مِن سماحة النفس، وسخاء اليد، وكرَم الطِّباع وحب الإيثار درجةً صاروا بها مثلاً في الأوَّلين والآخرين، وأنَّ الإسلام دين التعاون على البِر والخير بكلِّ ما تحمِله هاتان الكلمتان من معانٍ، وأنَّ المسلمين لا يزالون بخير ما اهتدَوا بهَدْي القرآن، والتزَمُوا سُنة خاتم الأنبياء

كلمة البر في القرآن كلمة لها مدلول واسع تشتمل على أنواع الخير والصالح من الأقوال والأعمال، وفي كتاب ربنا -جل وعلا- آية جامعة لأنواع البر كلها بجمل عظيمة وقواعد وأحكام جليلة، بيّنت فيها أصول الدين والتكاليف النفسية والمالية؛ قال الله -جل وعلا-: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ)، قال المفسرون: إن سبب نزول هذه الآية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما هاجر إلى المدينة كان يصلي نحو بيت المقدس سنة وأشهرًا، ثم إن الله نسخ ذلك وأمره باستقبال بيته الحرام: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ).

( يتبع )


 

رد مع اقتباس
قديم 23-06-2023, 04:29 PM   #279


البراء الحريري غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 9970
 تاريخ التسجيل :  4 - 6 - 2023
 أخر زيارة : 04-12-2024 (09:22 PM)
 المشاركات : 18,999 [ + ]
 التقييم :  1141996468
 الدولهـ
Syria
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Darkmagenta
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
افتراضي



تابع – البر

فعند ذلك غار المنافقون واليهود كما قال الله: (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، فبيّن تعالى أن البر والإيمان ليس خاصًا بجهة معينة، إنما هو امتثال أمر الله، فأية جهة أمرنا الله باستقبالها فهو الحق الذي يجب التقيد به والعمل به، وهذه الآية بيَّنت البر في أصول خمسة جمعت أنواع البر:

الأصل الأول: الإيمان بالله، ويشتمل على خمسة أمور:

الأول: الإيمان بالله، فأعظم البر إيمانك بالله ربًا وخالقًا ومدبرًا، إيمانك به خالقًا ورازقًا، وأنه لا رب غيره ولا خالق سواه، فإن هذا أصل الإيمان والأعمال الصالحة: تؤمن باليوم الآخر بذلك اليوم الذي أخبر الله فيه وعن قيام ذلك اليوم: (رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ)، تؤمن بهذا اليوم العظيم، وعدل الله بين عباده في ذلك اليوم العظيم: (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) تؤمن بذلك.

وتؤمن بأن ملائكة الرحمن أجسام نورانية خلقهم الله لعبادته: (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ)، (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنْ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ)، وكلهم الله بأمور العباد، فهم موكلون بأعمالنا الصالحة والسيئة وأقوالنا، وموكلون بحفظ العباد، وموكلون بشؤون الخلق كلهم؛ قال الله -جل وعلا-: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)، وقال: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)، وقال: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ)، فتؤمن بهم أنهم وسطاء بين الله وبين رسوله في تبليغ الشرائع؛ قال الله -جل وعلا-: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ)، وقال: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ).

وتؤمن بكتب الله التي أنزلها على الأنبياء قبلنا وذكر منها ما ذكر؛ ولكن القرآن العظيم خاتمها وأجمعها وأشملها، جمع معاني ما سبقها من الكتب: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ).

وتؤمن بأنبياء الله ورسله الذين أرسلهم الله إلى خلقه لهداية الخلق ودعوتهم، وأنهم كلهم دعوا إلى عبادة الله -جل وعلا-: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ)، إلا أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- خاتمهم وسيدهم وأكملهم وأفضلهم -صلوات الله وسلامه عليه- القائل: "أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلاَ فَخْرَ".

( يتبع )


 

رد مع اقتباس
قديم 23-06-2023, 04:30 PM   #280


البراء الحريري غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 9970
 تاريخ التسجيل :  4 - 6 - 2023
 أخر زيارة : 04-12-2024 (09:22 PM)
 المشاركات : 18,999 [ + ]
 التقييم :  1141996468
 الدولهـ
Syria
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Darkmagenta
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
افتراضي



تابع – البر

ثم تأتي في الأمور المالية قال الله: (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ)، حب المال غريزة في النفوس: (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً)، (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ)، ولكن هؤلاء مع حبهم لهذا المال إلا أن حب هذا المال لم يحُل بينهم وبين الفضائل والأعمال الصالحة والإنفاق في وجوه الخير، فلهذا قال الله: (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ)، مع محبته الشديدة للمال؛ لكن تغلب على تلك المحبة بالإيمان واليقين ورجاء ما عند الله من الثواب للمنفقين.



(وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى) فبدأ بالقرابة، فإن القريب أحق بمعروف قريبه، إذ إن إعطاء الأقارب يسبب صلة الرحم وارتباط المجتمع، فإن الأسرة وتنظيمها هي اللبنة في بناء المجتمع فتعطي القريب منك، لهذا يقول -صلى الله عليه وسلم-: "صدقتك عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَعَلَى ذِوي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ: صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ"، فتفقُّد أقاربك وسؤالك عنهم وإعطاؤهم ومواساتهم مما يقوي صلة الرحم وارتباط بعضهم ببعض، إذ يشعر القريب أن قريبه الغني يواسيه ويبحث عنه ويضمد جراحه ويسأل عن حاجته، فتزاد القلوب محبة، والنفوس مجبولة على حب من أحسن إليها.



كذلك اليتيم فاقد الأب الذي لم يخلِّف أبوه مالاً فإن المجتمع المسلم يحل محل أبيه، فكلهم يشعرونه أنهم أب له، يحسن إليه ويمنحه من الخير؛ يقول -صلى الله عليه وسلم-: "أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ"، وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى وفرق بينهما، فهذا اليتيم الذي فقد أباه وحنانه وشفقته وإحسانه وجد من إخوانه المسلمين آباءً له يفرحونه ويواسونه ويربونه ويعلمونه ويثقفونه، إذ المجتمع المسلم مرتبط بعضه ببعض، يشفق بعضه على بعض، ويحنو بعضه على بعض، ويرحم بعضه بعضًا: (رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ).



(وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ)، يعطي المسكين، ذلك المسكين الذي لا يجد مالاً يغنيه، ذلك المسكين الذي لا يُعرَف فيعطى، ذلك المسكين يمنعه الحياء من سؤال الناس كما قال -جل وعلا-: (لِلفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً)، وفي الحديث: "ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان، إنما المسكين الذي لا يجد ما يغنيه ولا يسأل الناس ولا يفطن فيتصدق عليه"، هذا العفيف المتعفف الذي أثقلته الديون والهموم والمصاريف اليومية والتكاليف المعيشية، هذا المسكين هو الذي ينظر إليه، عفيف متعفف، دخله لا يغطي مصاريفه وحاجاته اليومية، يراعي أمور الناس ويخرج بين الناس مخرج الغني الواجد، والله أعلم ما وراء ذلك، فقر وقلة مال وتكاليف عائلية أتعبته، هذا المسكين هو الذي يحق لنا أن نبدأ به وأن نتواصى به، فإن هؤلاء الذين لا يسألون الناس ولا يتعرضون لهم، هؤلاء هم الذين يهتمون بهم ويعطون ما يعينهم على تكاليف هذه الحياة، فإن المؤمن إذا اهتمّ بهذا النوع استطاع بتوفيق الله أن يوطن العلاقة بينه وبين إخوانه المسلمين.



أما السائل الذي يمد يديه شاحذًا فإنه يُعطى؛ لأن الله يقول: (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ)، لكن هذا السائل إن وجدت عليه علامة الغنى والجد والسعة والقوة والنشاط فإني لا أعينه على كسله، ولا أعينه على باطله، أحثه على العمل وأرشده إلى الاكتساب وأحذره من ذلة السؤال، فإنه ذلة وهوان؛ يقول -صلى الله عليه وسلم-: "من سأل الناس أموالاً تكثرًا جاء يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم"، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "من سأل الناس تكثرًا فإنه جمر فليأخذه أو ليدعه"، فإذا سألني السائل وأنا أرى إشارة القوة فعليّ أن أنصحه وأوجهه وأحذره من هذه الصفة الذميمة، جاء رجلان للنبي -صلى الله عليه وسلم- يسألانه، فقلّب فيهما النظر، فرآهما جلدين فقال: "إن شئتما أعطيتكما ولا تحل صدقة لغني ولا لذي قوة مكتسب"، أحثّه على العمل وأرشده على التكسب المشروع، وأحذّره من ذلة السؤال الذي لا يفيده بل يزيد ذلاً وخمولاً؛ بل أحثه على العمل وأوجهه، فإن هذا هو المطلوب.

( يتبع )


 

رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الأخلاق , المحمودة , الاسلام , سلسلة , في


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الدعوة الى الاسلام بEnglish ميارا (همســـــات English word) 15 30-05-2023 08:13 PM
الانحراف عن الأخلاق الإسلامية البرنس مديح ال قطب ( همســـــات الإسلامي ) 16 16-09-2021 03:35 PM
الأخلاق في الاسلام 2 الورّاق ( همســـــات الإسلامي ) 8 15-09-2015 07:01 AM
الأخلاق في الاسلام 1 الورّاق ( همســـــات الإسلامي ) 11 21-08-2015 04:27 AM
سلسلة الأخلاق التي يحث عليها الإسلام شـوش آلشـريف ( همســـــات الإسلامي ) 26 25-07-2015 06:30 AM

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

الساعة الآن 12:04 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010