ننتظر تسجيلك هنا


الإهداءات


العودة   منتدى همسات الغلا > O.o°¨( منتدي الحصريات الأدبيه )¨°o.O > دآر عمدآء الأدب

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-08-2018, 10:03 PM   #106


الصورة الرمزية تيماء
تيماء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7482
 تاريخ التسجيل :  27 - 10 - 2016
 أخر زيارة : 02-01-2023 (09:51 PM)
 المشاركات : 106,303 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Lebanon
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Floralwhite
شكراً: 445
تم شكره 511 مرة في 344 مشاركة
افتراضي



ما جاء وصفًا من المصادر
من كتاب تصحيح الفصيح وشرحه لابن درستويه



اعلموا أن الصفات إنما هي الأسماء المشتقة للموصوف من أفعال فعلها هو، أو فعلت به، أو من أسماء ما فيه، من حلية أو نسب أو عيب، أو ما ضارع ذلك في المعنى كقولك: ضارب ومضروب. وتاجر وخشاب ونجار، وأعرج وأعور وأحمر وأبيض، وبصري وكوفي وتميمي وبكري، وشديد وظريف. فأما خصم ودنف وصعب وخدل ونحو ذلك مما وضع موضع الصفات، فهي الأسماء والمصادر كقولهم: رجل عدل، يريدون: عادل، ورجل رضي، يريدون: مرضي: فإنما فعل ذلك لما كان أصل الصفة من المصدر. وكان تأويل الفاعل والمفعول وسائر الصفات تأويل ذي الفعل، فإذا قلت عادل فمعناه ذو عدل. ومرضي معناه ذو رضي، فوضع اسم واحد موضع اسمين اختصارا.
ومن كلامهم أن يحذف المضاف إيجازا، أو يقام المضاف إليه مقامه، إذا كان مما لا يلبس، كما قال الله عز وجل: (واسْأَلِ القَرْيَةَ) أي أهل القرية، وكما تقول العرب: اجتمعت اليمامة، يريدون: اجتمع أهل اليمامة؛ وذلك أنه قد علم أن القرية لا تسأل، واليمامة لا تجتمع، وإنما الاجتماع والمسألة لأهلهما، فلم يلبس، وكذلك إذا قلت رجل عدل فمعناه ذو عدل، وامرأة رضي معناه ذات رضي. فكما وضعت الفاعل والمفعول موضع الصفة، كذلك وضعت المصدر الذي هو أصل جميع ذلك؛ إذ لم يلبس؛ لأنه قد علم أن الرجل جسم، وأن العدل عرض، فلا يجوز أن يكون الرجل هو العدل فيشك فيه. وإنما معناه ذو عدل، فعلى هذا المضهب جاءت المصادر صفات طلبا للإيجاز والاختصار، فإذا جعلت المصادر صفات، فالوجه فيها الأجود، ألا تثنى ولا تجمع ولا تؤنث؛ لأن المصادر أنفسها قبل أن يوصف بها لا تثنى ولا تجمع ولا تؤنث. وربما ثنوا منها وجمعوا وأنثوا الشيء، إذا كثر استعماله في الوصف، ودام الاستماع له وألف واعتيد، حتى يزول عن شبه المصادر ويدخل ف باب الأسماء والصفات بطول العادة، وذلك في الكلام قليل، وليس من المصادر شيء إلا ووضعه موضع الصفات جائز فيه مطرد منقاس غير منكسر، وإنما ذكر ثعلب أحرفا قليلة يتوهم من نظر فيها أن الوصف بغيرها من المصادر لا يجوز؛ فلذلك بينا ما بينا.
ونحن مفسرون ما ذكره إن شاء الله.
أما قوله: تقول هو خصم وهي خصم وهم خصم، للواحد والاثنين والجميع، على حال واحدة، فليس ذلك بلازم فيه كما قال. بل يجوز تثنيته وجمعه وتأنيه على ما شرطناه. ومن الدليل على ذلك قول الله عز وجل: (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ)، وقوله تعالى: (خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ) فثنى الخصم، وذلك من الدليل على أن الخصم يقع على الجماعة قوله عز وجل: (اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) بالواو، وقد ثنى الاسم فقال: (هَذَانِ خَصْمَانِ) لأن كل خصم من الخصمين كان جماعة وطائفة. وكذلك قوله: (وهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الخَصْمِ إذْ تَسَوَّرُوا المِحْرَابَ (21) إذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ) فبدأ بالخصم على لفظ واحد، فأوقعه على طائفتين، ثم بين ذلك في الفعل حين قال (تَسَوَّرُوا) فأتى بواو الجميع، وقال: (دَخَلُوا) فأتى بالواو أيضا، وقال: (فَفَزِعَ مِنْهُمْ) فأتى بالهاء والميم، وهما علامة الجمع، وقال أيضا: (قَالُوا لا تَخَفْ) فأتى بالواو، فهذا كله يدل على أنه يجوز التثنية والجمع والتأنيث في مثل هذا، وأنه لا يلزم لزوم لفظ الواحد فيه كما ذكر ثعلب.
فأما قوله تعالى: (إنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وتِسْعُونَ نَعْجَةً) فإنما حكى عن الرجلين أو الملكين المتقدمين إلى داود خاصة، دون الطائفتين، فإن أردت أن تأتي بالصفة الصحيحة بدل المصدر ههنا، جئت بالمخاصم والخصيم؛ لأن الفعل من اثنين، فهو على المفاعل والفعيل، وقد يجيء منه بعضه على الفعل، بالكسر أيضا نحو: قرن وخل وخدن، فعلى هذا يجوز أن يقال: خصم، بكسر الأول وهو قول العامة. وإلى رد هذا أومأ ثعلب، والفعل من هذا: خاصم الرجل أخاه، يخاصمه مخاصمة وخصاما وخصومة، وقد اختصما وهما يختصمان اختصاما، وهم خصوم وخصماء؛ فالخصوم جمع الخصم، والخصماء جمع الخصيم، وهم المتنازعون في الدعاوى والمطالبات بالحقوق وغيرها. وإنما سموا بذلك؛ لأن كل خصم مقابل لخصمه، وفاعل مثل فعله، وقائل مثل قوله: فاشتق ذلك من خصمي الرواية، والإداوة ونحوهما، وهو الطرف الذي بحيال العزلاء في الرواية، والذي عند الكُلْية من المزادة، كل واحد مقابل لما في الناحية الأخرى. وجمعه: الأخصام، والواحد: خصم، بضم الخاء وسكون الصاد، فإن قلت: خاصمته فخصمته فاسم الفاعل من خصمته: خاصم. والمفعول: مخصوم، مثل غالبته فغلبته فأنا غالب، وهو مغلوب.
وأما قوله: وكذلك رجل دنف، وقوم ونسوة دنف، فإن قلت: دنف ثنيت وجمعت، فإن قوله دنف، بفتح النون مصدر موضوع موضع الوصف ودنف، بكسر النون هو الصفة نفسها، فليس في جواز تثنية الصفة الخاصلة وجمعها اختلاف. وإنما الكلام في المصدر، وهو على ما بينا في الخصم، إلا أن الدنف، بفتح النون أقل استعمالا في باب الوصف من الخصم، ولا يكاد يتكلم به إلا فصحاء العرب الخطباء والشعراء، كقول العجاج:
والشمس قد كادت تكون دنفا
وعامتهم إنما يستعملون الوصف بعينه، بكسر النون، ولذلك قل استعمال التثنية والجمع في الدنف، وهو جائز في القياس، على الشرط الذي قدمنا؛ من كثرة الاستعمال والدخول في باب الأسماء والصفات. والفعل من هذا: دنف يدنف دنفا، على وزن: عمل يعمل عملا، ومرض يمرض مرضا. واسم الفاعل: دنف، بكسر النون. ومصدره: دنف، بفتح النون، على قياس نظائره. وقد يقال: أدنف الرجل يدنف إدنافا، وهو مدنف؛ فالمدنف اسم المفعول، كأن المعنى؛ أدنفه الله، فدنف. والمعنى فيه شدة المرض، وبلوغ الغاية في الضعف، وتغير اللون، حتى يشرف على الموت. وقد يستعار في غير المرض، كما قال العجاج في اصفرار الشمس للمغيب وقلة ضوئها.
وأما قوله: وكذلك أنت حرى من ذلك، وفمن، لا يثنى ولا يجمع، فإن قلت: حر أو حري، أو قمن أو قمين، ثنيت وجمعت؛ فإن حري، بفتح الراء والقصر وقمناً، بفتح الميم مصدران وصف بهما، فالوجه فيهما ترك التثنية والجمع، إلا أن يدخلهما كثرة الاستعمال في باب الأسماء والصفات الخالصة. وأما حر، بكسر الراء، وقمن، بكسر الميم فصفتان خالصتان بمنزلة: دنف، وتقدير فعلهما كتقدير فعل دنف، كأن المعنى حري يحرى حرى،فهو حَرٍ، وقمن يقمن قمنا، فهو قمن. وكذلك حري بتشديد الياء وقمين بالياء هما صفتان على فعيل؛ ولذلك كانت التثنية والجمع فيها. ومعنى ذلك كله كمعنى خليق وجدير وحقيق. وقال الشاعر:
من كان يسأل عنا أين منزلنا فالأقحوانة منا منزل قمن
يروى هذا بفتح الميم وكسرها. وقال الآخر:
إذا جاوز الاثنين سر فإنه بنث وتكثير الوشاة قمين
واشتقاق هذا من مقاربة الشيء، والدنو منه، حتى يرجى تحققه؛ ولذلك قيل: خبز قمن، وقد قمن الخبز، إذا بدأ فيه التكرج؛ لأنه قد دنا من الفساد والتكرج؛ وهي القمنة. وأهل ديار ربيعة يسمون "الفوذج" الذي يتخذ منه الكواميخ: القمن. وأما الحري؛ فمأوى الشيء وكانه، الذي يستوطنه؛ ولذلك قيل لمأوى الطير: حراه، ولموضع بيضه: الحرى. وإذا توخى الإنسان أمراً وطلبه قيل: قد تحرى الأمر، وهو يتحرى مسرة فلان. وقال الشاعر:
فإن نتجت مهرا كريما فبالحري وإن يك إقراف فمن قبل الفحل
وقال الأعشى أو غيره:
إن تقل هن من بني عبد شمس فحري أن يكون ذاك وكانا ومن هذا قولهم: أحر به أن يفعل كذا وكذا، أي أخلق به. ومنه قول الشاعر:
لئن كانت توعدنا بالهجاء فأحر بمن رامنا أن يخيبا
وأما قوله: وكذلك رجل زور وفطر وصوم وعدل ورضى، لا يثنى ولا يجمع؛ لأنه فعل. ورجل ضيف وامرأة ضيف، وقوم ضيف، وإن شئت ثنيت وجمعت، فقد قالوا: أضياف وضيوف وضيفان. وما أتى من هذا الباب/ فهو مثله؛ فإن الزور مصدر قولك: زار يزور زورا فهو زائر، من الزيارة والإلمام، والوصف منه: زائر ومزور، ولكن قد وضع المصدر منه موضع الفاعل للإيجاز. وقد يسمى الزائر: زيرا، على فعل، بكسر الأول، مثل: خل وخدن، يقال: إنه لزير نساء، إذا كان يزورهن كثيرا. وقال الشاعر:
من يك في السواد والدد والإغـ ـرام زيرا فإنني غير زير
والفطر اسم يوضع موضع المصدر، ويستغنى به عن المصدر، ثم يوصف به، ويوضع موضع المفطر، والفعل منه: أفطر يفطر إفطارا. والدليل على أن الفطر ليس بمصدر أنه لا يقال منه: فعل يفعل بغير ألف، وهو أيضا مكسور الأول، مخالف لبناء المصدر الثلاثي، ومعناه الرجوع إلى ابتداء العادة من الأكل والشرب والجماع ولذلك كان معنى فاطر السموات: مبتدئ السموات، ولذلك قيل للعجين، إذا بقي على الحالة الأولى، ولم يختمر: الفطير. والصوم: مصدر قولك: صام يصوم صوما. واسم فاعله: صائم، ومعناه: الإمساك عن الطعام والشراب والجماع، وعن كل شيء. وكذلك العدل هو مصدر قولهم: عدل يعدل عدلا، وهو ضد جار يجور جورا.
ورضا: اسم يوضع موضع المصدر أيضا، وهو اسم على فعل، بكسر الأول، ولو كان مصدرا لكان مفتوح الأول؛ لأن فعله رضي يرضي مثل عمي يعمى، وإنما وضع موضع الصفة، كما وضع قولهم: قوم عدى، فوضع موضع الوصف، وليس بوصف.
وليس قوله إن هذه الأشياء لا تثني ولا تجمع بصحيح، وإنما يجوز ذلك فيها ويمتنع، على الشروط/ التي قدمنا؛ من كثرة الاستعملا وقلته، وإدخاله في باب الأسماء وتركه، ألا ترى أنهم يقولون: رجلان عدلان، وقوم عدول، وقد ذكر هو في ضبف أنك إذا شئت ثنيت وجمعت فجعل جواز ذلك وامتناعه بمشيئة المتكلم، وليس كذلك، ولكن الضيف مما كثر استعمال الوصف به، وغلب عليه شبه الاسم، حتى استغني معه عن ذكر الموصوف فجاز فيه ما يجوز في الأسماء، من التثنية والجمع والتأنيث، وتوحيده في كل ذلك هو الأصل، كما قال الله عز وجل: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إبْرَاهِيمَ المُكْرَمِينَ) وقوله عز وجل: (إنَّ هَؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ). وقد جاء في الشعر التأنيث في قول البعيث:
لقي حملته أمه وهي ضيفة فجاءت بنز للنزالة أرشما
والفعل منه: ضاف يضيف، ضيفا، إذا زار القوم، ونزل بهم للضيافة. وأضاف يضيف إضافة، إذا أنزلهم وأطعمهم. والفاعلان منهما: ضائف ومضيف، والضيافة: اسم بمنزلة الإمارة والسيادة. وقد استعمل الضيف في موضع الضائف والمضيف والمضاف، فقيل لجميعهم: ضيف، وإنما هو مأخوذ من الميل والإمالة، يقال: أضفت الشيء، إذا أملته إلى غيره، وأسندته إليه. وضاف الشيء، إذا مال إلى الشيء واستند إليه، كما قال امرؤ القيس:
فلما نزلناه أضفنا ظهورنا إلى كل حاري حديد مشطب
وقد تقدم من شرح هذا قبل هذا مستقصى في غير هذا الباب.
وأما قوله: تقول ماء رواء، بفتح الراء ومد الألف، على بناء فعال، فهو وصف، مأخوذ من الري، وهو صفة الماء الطيب المروي شاربه، جاء على هذا المثال كما قيل جارية رداح، وأرض براح، ومكان فساح وبساط، ومثل قولهم: الجماد والموات، وليس يتبين أنه مصدر كما زعم ثعلب؛ لأن فعله إن كان للشارب، فإنما هو: روي يروي ريا، ولا يقال فيه: رواء، وإن كان منه للساقي، فإنما هو: أروى يروي إرواء، ولا يدخل في هذين الفعلين مصدر على فعال، وكذلك قوله: روى، بكسر الراء وقصر الألف؛ لأن المصادر لا تجيء على هذا المثال في فعل يفعل، ولو جاء على قياس هذا الفعل لقيل: روى، بفتح الراء مع قصر الألف، ولكن لم يسمع هذا فيه، ولكنه وصف.
وأما قوله: قوم رواء، بكسر الراء ومد الألف، فهو وصف للجماعة، ووحدهم: رو على بناء فعل أو ريان على فعلان، أو راو على بناء فاعل مثل قولك: ظماء وعطاش ونهال. وهذا الجمع يدل على أن هذين الوصفين ليسا في الأصل بمصدرين؛ لأن المصادر لا تجمع. ويقال في الإناء: كأس روية على فعيلة، وجمعها رواء على فال وروايا على فعائل، وهي المتأقة المروية، وأصل ذلك كله من راء وواو وياء وليس في شيء منه همزة أصلية. وقال الشاعر في الممدود:
من يك في شكل فهذا فلج ماء رواء وطريق نهج
وقال العجاج في المقصور:
تذكرا عينا روى وفلجا
وأما قوله في هذا الفصل: رجل له رواء بضم الراء، فهو بهمز عين الفعل وليس من الري في شيء، ولكنه من الرؤية، وأصله من رأيت مبني، ولكنه يقع موقع المصادر، وكذلك قوله: قوم رياء، أي يقابل بعضهم بعضا، هو من رأيت، مهموز؛ لأنه إذا قابل بعضهم بعضا تراءوا؛ أي رأى بعضهم بعضا، فهذا يحتمل أن يكون مصدرا لقولك: تراءوا مراءاة ورياء، بالهمز، وكذلك قوله: بيوتهم رياء، يعني أنها تتراءى مراءاة ورياء بالهمز. ومنه قولهم: فعل ذلك رياء الناس؛ لأن معناه فعله ليراه الناس، فهو يرائيهم بفعله مراءاة ورياء، كالمنافق الذي يصلي ليراه الناس، لا لله عز وجل. ومنه قوله: الرؤى جمع الرؤيا؛ لأنها أيضا من الهمز، تقول: رأيته في المنام رؤيا، وهو على فعلى، وجمعها فعل، مثل البشرى والبشر، وأما ما يروى بالبصر، فإنه بالهاء: الرؤية، وأصلها واحد.
وأما قوله: تقول: دلع فلان لسانه، أي أخرجه، ودلع لسانه، أي خرج فليس من باب المصادر، ولا باب الوصف، وكان يجب ألا يذكره في هذا الباب أو يذكر مصدره واسم فاعله ومفعوله. وإنما هو من باب الفعل الذي يستوي فيه تصريف المتعدي وغير المتعدي كقولهم: جبر الرجل وجبرته، وكسب وكسبته وما أشبه ذلك، مما قد شرحه في غير هذا الباب، وأنه جاء مخالفا للباب، والأصل والقياس؛ لأن حق هذا أن يكون في المتعدي منه همزة النقل في أوله أو باء الإضافة بعده، كقولك: أذهبته وذهبت به، فكان أصله أن يقال: دفع اللسان إذا خرج، وأدلعه صاحبه أو دلع به، كما يقال: خرج اللسان وأخرجه صاحبه أو خرج به، ولكنه شيء كثر استعماله، وعرف معناه، فحذف منه حرف التعدية والنقل تخفيفا، واستغني عنه بالتعارف لمعناه. ومصدر هذا الفعل: الدلوع، إذا لم يكن متعديا، والدلع، إذا كان متعديا، هكذا القياس، ووجوب الفرق بين المختلفين. وقال بعضهم: هما لغتان؛ فمن قال: دلع سلانه، فجعل الفعل للسان قال: أدلعت لسانه بالألف، إذا جعله مفعولا ومن قال: دلعت لسانه، قال: فاندلع لسانه، إذا جعل اللسان فاعلا.
وكذلك قوله: شحا فاه، يعني فتحه، وشحا فوه، يعنى انفتح، وكذلك قوله: فغر فاه، وفغر فوه، بمعنى شحا، والتفسير والقياس واحد، وإن اختلف ذلك في الاشتقاق. والمصدر في المتعدي: الشحو والفغر، على فعل، وفي غير المتعدي الشحو والفغور، على فعول.
وأما قوله: ذر ذا ودعه، ولا تقل: وذرته ولا ودعته؛ فليس هذا أيضا من باب المصادر ولا الصفات، ولكنه من باب ما قد أهمل استعمال ماضيه واسم فاعله ومصدره، واستغني عنه بغيره، مما هو في معناه، وليس فيه ثقل لفظه، وذلك أن الماضي من هذين الفعلين إنما هو: وذرته وودعته واسم فاعلهما: واذر ووادع، ففي أولهما واو، وهو حرف مستثقل، واستعمل في موضع لك: ترك وتارك؛ لأنهما في ذلك المعنى بعينه، وليس في أوله حرف [مستثقل]. واستعمال ما أهملوا جائز صواب، وهو الأصل، وقد جاء في الشعر منه، كقول أبي الأسود:
ليت شعري عن خليلي ما الذي غاله في الود حتى ودعه
وقرأت القراء: (مَا ودَّعَكَ رَبُّكَ ومَا قَلَى) بالتخفيف والتشديد، ولم يستعمل المصدر من هذين الفعلين أيضا، واستعمل في موضعه الترك؛ لأنه في معناهما، وهو أخف منهما، واستعمال ما لم تستعمله العرب من ذلك غير خطأ. بل هو في القياس الوجه، وهو في الشعر أحسن منه في الكلام؛ لقلة اعتياده؛ لأن الشعر أيضا اقل استعمالا من الكلام. وأما المستقبل من هذين الفعلين فإنما استعملا؛ لأن الواو تسقط منهما؛ لوقوعها بين ياء وكسرة فيخفان، وذلك قولهم: يذر ويدع وتفتح الدال من يدع؛ لأن بعدها حرفان من حروف الحلق، وأصله يودع. وقد أجرى يذر مجرى يدع، في فتح الثاني منه، وليس فيه شيء من حروف الحلق، ولكن لما كان في معنى يدع وماضيه غير مستعمل، فتح اتباعا ليدع فقيل: يذر، وإنما حقه أن يكسر مثل وزن يزن، وهذا بمنزلة قولهم: يأبى، حين فتحوه وليس ثانيه ولا ثالثه من حروف الحلق، وكان حقه أن يقال: يأبي، بكسر الباء، كما يقال يأتي؛ لأن ماضيه على فعل أيضا، فزعم "سيبويه" أنهم فتحوه من أجل أن فاء الفعل من حروف الحلق، كأنهم غلطوا في ذلك، وهذا بعيد.
وزعم أبو العباس "المبرد" إنما فتح "يأبى" لأنه إذا فتح صار لام الفعل منه من حروف الحلق، يعني الألف، وإن كان لا يكون في الكلام إلا زيادة أو بدلا ولا يعتمد به اللسان على راد، ولكنه هاو. وهذا القول خطأ، وقياسه فاسد؛ لأنه ليس من حروف العلة، إلا وهو إذا انفتح ما قبله، وتحول هو صار ألفا، فلم خص بالفتح من ذوات العلة هذه الكلمة وحدها ومع ذلك فإنه تصير العلة بعد المعلول، إذا كان إنما يفتح من أجل شيء يحدث فيه بعد انفتاحه، وهذا فاسد. وقد قالوا: يذر بالفتح وليست لامه بحرف علة، ولا فيه شيء من حروف الحلق. والعلة عندنا في "يأبى" وفتحه أنهم حملوه على ما هو في معناه وفيه حرف حلقي، وهو قولهم: يمنع، كما حمل يذر على يدع، ولو استعمل المصدر من يذر لكان قياسه أن يقال وذرته وذرا وذرة، وكذلك ودعته ودعا ودعة مثل وعدته وعدا وععدة ووزنته وزنا وزنة. وليس هذا من باب المصادر أيضا، ولا ذكر مصدره، ولا من باب الوصف به أيضا. ولكنا شرحناه لذكره إياه.
وهذا آخر تفسير هذا الباب.


 
 توقيع : تيماء









z.s




رد مع اقتباس
قديم 08-08-2018, 10:04 PM   #107


الصورة الرمزية تيماء
تيماء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7482
 تاريخ التسجيل :  27 - 10 - 2016
 أخر زيارة : 02-01-2023 (09:51 PM)
 المشاركات : 106,303 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Lebanon
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Floralwhite
شكراً: 445
تم شكره 511 مرة في 344 مشاركة
افتراضي



تطبيق ابن مضاء للنحو من غير عامل في باب الاشتغال
من كتاب الرّد عَلى النّحاة لابن مضاء




ومن الأبواب التي يظن أنها تعسر على من أراد تفهيمها أو تفهمها، لأنها موضع عامل ومعمول، ولا داعية لي إلى إنكار العامل والمعمول، باب اشتغال الفعل عن المفعول بضميره مثل قولنا (زيداً ضربته).
وأقول: إن كل فعل تقدمه اسم وعاد منه على الاسم ضمير مفعول، أو ضمير متصل بمفعول، أو بمخفوض، أو بحرف من الحروف التي يخفض ما بعدها، فإن ذلك الفعل لا يخلو أن يكون خبراً أو غير خبر، وغير الخبر يكون أمراً. أو نهياً، أو مستفهماً عنه، أو محضوضاً عليه، أو متعجباً منه. فإن كان أمراً أو نهياً فالاختيار في النصب، ويجوز رفعه، كقوله (زيداً أضرِبْه)، وكذلك (زيداً اضرِبْ غلامه)، وكذلك (زيداً امرُرْ به)، والنهي كالأمر، قال الأعشى:
هريرةَ ودَّعْها وإن لام لائمُ ... غداة غدٍ أم أنت للبين واجمُ
وكذلك إن كان الأمر باللام، كقولك (زيداً ليضرِبْه عمرو).
وإن دخلت أمَّا قبل الاسم فكذلك، تقول (أمَّا زيداً فأكرمْهُ) (وأمَّا عمراً فلا تهنه) والدعاء يجري مجرى الأمر والنهي في اللفظ، يقال (اللهم زيداً ارحمْه، واللهم عبدَ الله لا تعذبْه) وكذلك (زيداً سُقياً له وعمراً رَعْياً له، وأما الكافر فجَدْباً له) لأنه دعاء، وقال أبو الأسود الدؤلي:
أميرانِ كانا آخياني كلاهما ... فكُلا جزاه اللهُ عني بما فَعَلْ
وإذا قلت (زيداً فاضرِبْه)، فلا يجوز في زيد إلا النصب، ولا يجوز فيه الرفع على الابتداء، كما يجوز في (زيدٌ اضربْه)، فإن جعل خبر مبتدأٍ محذوف جاز، كأنه قال: (هذا زيد فاضرِبْه). ولا يجوز (زيدٌ فاضرِبْه) على أن يكون زيد مبتدأً. واضرِبْه خبره، كما لا يجوز زيد فمنطلق وقال الشاعر:
وقائلةٍ خَولانُ فانْكح فتاتَهُمْ ... وأُكرُوْمَةُ الحيَّيْنِ خِلْوٌ كما هيا
فخولان خبر مبتدأ محذوف تقديره هذه خولان.
وأما قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ
وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا}، وقوله {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ}. فإن سيبويه - رحمه الله - جعلهما مبتدأين، ولم يجعل فعلى الأمر خبرين عنهما، لكنه جعل الخبرين محذوفين، تقديرهما: في الفرائض أو فيما فرض عليكم الزانية والزاني. ويظهر إنهما مبتدآن وخبرهما الفعلان ودخلت الفاء في الخبر، كما تدخل في خبر (الذي سرق فاقطع يده)، لأن معنى السارق الذي سرق، وليس بمزلة (زيد فمنطلق)، لأن زيداً لا يدل على معنى، يستحق أن يكون الخبر مسبباً له، كما في السارق، فإن في السارق معنى ترتَّب عليه قطعُ يده، وقد قرئ بالنصب. وقال سيبويه: وهو في العربية على ما ذكرت لك من القوة ولكن أبت العامة إلا الرفع. وأما إن كان الفعل مستفهماً عنه بالهمزة، فإن الاختيار نصبه، ويجوز رفعه، كقولك (أزيداً أكرمته)، قال الله عز وجل {أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ}
وكذلك (أزيداً ضربت أخاه، وأزيداً مررت به، وأزيدًا مررت بأخيه)، وقال:
أثعلبةَ الفوارسِ أم رياحاً ... عدلْتَ بهم طُهَيَّةَ والخِشابا
وتقول: (أعبد الله كنت مثله، وأزيداً لست مثله) بناء على أن كان وليس فعلان. وهذا لا يجوز عندي، حتى يسمع من العرب. وتقول: (ما أدري أزيداً ما مررت به أم عمراً، وما أبالي أعبد الله لقيت أم أخاه عمراً).
وإن كان العائد على الاسم المقدم قبل الفعل ضمير رفع، فإن الاسم يرتفع كما أن ضميره في موضع رفع. ولا يضمر رافع كما لا يضمر ناصب، إنما يرفعه المتكلم وينصبه إتباعا لكلام العرب، وذلك كقولك (أزيدٌ قام)، وقال الله تعالى: {قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ}.
وقولنا إنه تارة منصوب على أنه غير مبتدأ، وتارة مرفوع على أنه مبتدأ، فلا منفعة في ذلك. وقال تبارك وتعالى: {أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ، أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ} فأنتم في موضع رفع، وكذلك (أزيدٌ ضرب أبوه عمراً). وكذلك (أزيدٌ ضُرب) و (أزيدٌ ذُهبَ به)، لأنه في موضع رفع، وكذلك (أزيدٌ مُرّ
بغلامه)، وقال عدي بن زيد في الأمر:
أَرواحٌ مودَّعٌ أم بكورُ ... أنت فانظر لأيِّ ذاك تصيرُ
فإن عاد عليه ضميران احدهما في موضع مرفوع، والآخر في موضع منصوب، أو أحدهما متصل بمرفوع، والآخر متصل بمنصوب، كقولك (أعبد الله ضرب أخوه غلامه) لك في عبد الله الرفعُ والنصبُ، إن رُوعي المرفوع رُفِع وجُعل المنصوب كالأجنبي، وإن رُوعي المنصوب نُصب.
وقال أبو الحسن الأخفش تقول: (أزيداً لم يضربه إلا هو)، لا يكون فيه إلا النصب، وان كانا جميعاً من سببه، لأن المنصوب ها هنا اسم ليس بمنفصل من الفعل وإنما يكون الأول على الذي ليس بمنفصل لأن المنفصل يعمل كعمل سائر الأسماء ويكون هو في مواضعها، وغير المنفصل لا يكون هكذا. وكذلك (أزيد لم يضرب إلا أباه) لأن الفعل زيد، إذا كان مع اسم - يعني ضمير الفاعل الذي في يضرب - غير منفصل، لم يتعدّ إلى زيد، ولم يتعدّ فعل زيد إليه، ألا ترى أنك لا تقول (أزيداً ضرب) وأنت تريد أزيداً ضرب نفسه، ولا (أزيد ضربه) وأنت تريد أن توقع فعل زيد على الهاء، والهاء لزيد، فلذلك لم يعمل في زيد.
قال المؤلف رضي الله عنه: هذا بناء على أن المرفوع يرتفع بفعل مضمر، والمنصوب ينتصب كذلك أيضاً. فإذا قيل (أزيداً لم يضربه إلا هو) فتقدير المحذوف (ألم يضرب زيداً إلا هو)، وهذا جيد، لأن الفاعل مضمر منفصل. ولو رَفَع (زيداً) حملاً على الضمير المنفصل، فقال (أزيد لم يضربه إلا هو) لكان تقدير المحذوف (ألم يضربه إلا زيد)، وهذا لا يجوز، لأن فعل زيد لا يتعلق به ضمير زيد المتصل، لا تقول (ما ضربه إلا زيد) والضمير لزيد، فإن قيل: لمَ لا يكون التقدير (ما ضرب إلا إياه زيد) قيل: لأن معنى المحذوف يكون مخالفاً لمعنى المنفى المذكور، لأن إلا إذا دخلت على الفاعل، كان المعنى أن المفعول لم
يصل إليه فعل أحد، إلا فعل الفاعل، والفاعل يحتمل أن يكون فعلُه وصل إلى غير ذلك المفعول، ويحتمل أنه لم يصل إلا إلى ذلك المفعول، وإذا أدخلت إلا على المفعول نفيت عن الفاعل أن يفعل بغير المفعول، وجائز أن يوقع الفعل بالمفعول غير الفاعل، وجائز أن لا يوقعه إلا ذلك الفاعل. وإذا قلت (أزيد لم يضرب إلا إياه) فالرفع في زيد، لا غير، لأن تقدير المحذوف (ألم يضرب زيد إلا إياه)، وهذا حسن. ولا يجوز النصب في هذه المسألة، كما لا يجوز الرفع في الأول، لأنه لو نَصَب (زيداً) لكان التقدير (ألم يضرب إلا زيداً) لأن ضمير الفاعل في الفعل الظاهر متصل، ولا يجوز ذلك، لا يجوز (ما ضرب إلا زيداً) ولا (ما إلا زيداً ضرب). ولا يجوز إدخال إلا على ضمير الرفع حتى يقال (ألم يضرب زيداً إلا هو) لأن معنى المحذوف يجب أن يكون كمعنى المنفي المذكور. وهذا ليس كذلك لما تقدم في المسالة الأولى.
وهذا كله بناء على مذهب الإضمار، وما من يرى أن العرب إنما راعت المعاني، وجعلت اختلاف الألفاظ في الغالب دايلاً على اختلاف المعاني. وعدم اتفاقها، فإنه يجيز النصب والرفع في كل واحدة من المسالتين، لأن زيداً فاعلاً ومفعول، فالرفع باعتبار كونه فاعلاً، والنصب باعتبار كونه مفعولاً، ألا ترى انك تقول: (أزيد لم يضرب عمراً إلا هو)، فتحمل على المنفصل و (أزيداً لم يضرب عمراً إلا إياه) حملاً على المنفصل، ولو قلت (أزيداً لم يضرب عمراً إلا هو) لم يجز. وإذا قدرت عاملاً على مذهبهم، لم يكن بد من أن تقول (ألم يضرب عمراً إلا زيد لم يضربه إلا هو)، وهذا من الأدلة البينة على أن العرب لم تُضمر شيئاً.
وتقول (أخواك ظناهما منطلقين) فللأخوين هنا ضميران مرفوع ومنصوب، وهما متصلان، فحملت الأول على المرفوع من قِبل أن الظاهر يتعدى فعله في هذا الباب إلى مضمره، نحو (ظنهما أخواك منطلقين)، إذا ظنا أنفسهما، ولا يتعدى
فعل المضمر إلى الظاهر، نحو قولك (زيداً ظَنَّ عالماً)، إذا ظنَّ نفسه ولكن يتعدى فعل المضمر إلى المضمر، مثل قولك (أظنني ذاهباً). وهذا بناء أيضاً على أن المرتفع والمنتصب، ارتفاعه وانتصابه بفعل مضمر، وأما على ترك الإضمار، فإن الرفع والنصب جائزان، إلا أن ما لا اختلاف فيه أولى مما فيه خلاف، في هذه المسألة، وفي المسالتين المتقدمتين. والإطالةُ في هذه المسائل - وهي مظنونة غير مستعملة، ولا محتاج إليها - لا تنبغي لمن رأى أن لا ينظر، إلا فيما تمس الحاجة إليه، وحذفُ هذه وأمثالها من صناعة النحو مقوٍّ لها، ومسهَّل، ومع هذا فالخوض في أمثال هذه المسائل التي تفيد نطقاً أولى من الاشتغال بما لا يفيد نطقاً كقولهم: بِمَ نُصِب المفعول: بالفاعل، أم بالفعل، أم بهما!.
وتقول (أأنت عبد الله ضربته) الاختيار عند سيبويه رفعُ عبد الله، لأن حرف الاستفهام قد حال بينه وبين عبد الله قوله (أنت)، لكنك إن شئت أن تنصبه، كما نصبت (زيداً ضربته)، جاز.
وقال أبو الحسن الأخفش وأبو العباس بن يزيد النصب أجود، لأن (أنت) ينبغي أن يرتفع بفعل، إذا كان له فعل في آخر الكلام، وينبغي أن يكون الفعل الذي يرتفع به (أنت) ساقطاً على (عبد الله)، على أصلهم في إضمار الفعل في هذا الباب. واحتجَّ أبو العباس احمد بن ولاد عليهما لسيبويه بان قال: إنما يُرْفَع الاسم الواقع قبل الفعل، وينصب، بإضمار فعل، إذا كان الفعل خبراً عنه، كقولك (أزيداً ضربته) لو رفعته بالابتداء لكان (ضربته) خبراً له، وكذلك (أزيد قام) لو رُفِع (زيد) بالابتداء لكان (قام) خبراً له، وأنت إذا قلت (أأنت عبد الله ضربته)، ورفعت (أنت) بالابتداء، لم يكن (ضربته) خبراً عنه، وإنما خبره الجملة التي هي (عبد الله ضربته)، فهي بمنزلة قولك (أزيد أخوه قائم). وما قاله محتجَّاً عن سيبويه، مردود بما ذكره سيبويه في باب ما جرى في الاستفهام من أسماء الفاعلين والمفعولين مجرى الفعل، قال فيه: (أزيداً أنت ضاربه) إن
(زيداً) يختار فيه النصب، كما يختار في (أزيداً تضربه)، إذا كان اسم الفاعل يراد به الفعل. ولو كان ما قاله ابن ولاد صحيحاً، لكان (زيد) مرفوعاً، لأنك لو رفعته بالابتداء، لكانت الجملة من المبتدأ والخبر خبره. ولسيبويه أن يقول: إني لم أمنع نصب زيد من أجل هذا، و (أنت) عندي فاعل بفعل مضمر، لكن الفعل المضمر في هذا الباب لا يعمل إلا في معمول واحد. ويلزمه على هذا أن لا يجيز (أزيداً درهماً أعطيته إياه)، على أن ينصب (زيداً ودرهماً)، بفعل مضمر تقديره (أأعطيت زيداً درهماً). ونقول لو جاز هذا لجاز (أزيداً عمراً قائما أعلمته إياه!)، فإنه إذا جاز أن يعمل في اثنين، جاز أن يعمل في ثلاثة.
وإن كان الفعل محضوضاً عليه بألا أو هلا أو لوما أو لولا، لم يكن في الاسم إلا النصب، تقول (هلاَّ زيداً أكرمته)، وكذلك سائرها. وإن كان متعجبَّاً منه فلا يجوز فيه إلا الرفع، وذلك قولك (زيد ما أحسَنَه) و (زيد أحْسِن به).
وإن كان الفعل خبراً فإنه يكون موجباً ومنفيَّا وشرطاً، فإن كان موجباً، وكان الاسم مقدمّاً مبتدأ به، جاز فيه الرفع والنصب، والرفع أحسن، تقول (زيدٌ لقيته، وزيداً لقيته). فإن كان منفيَّاً بما أو لا جاز في الاسم الرفع، والنصب أحسن، قال الشاعر:
فلا ذا جلالٍ هبنَهُ لجلالِهِ ... ولا ذا ضياعٍ هنّ يتركْنَ للفقرِ
وقال آخر:
فلا حسَبَاً فخرْتَ به لتيمٍ ... ولا جدًّا إذا ازدحم الجدود
وكذلك تقول (ما زيداً ضربته)، إذا لم يكن التي تكن يكون بعدها الاسم مرفوعاً، وخبره منصوباً. وان كان الفعل شرطا بدخول (إنْ) عليه كان الاسم منصوباً، وفي رفعه خلاف، وقال الشاعر:
لا تجزعي ان منفساً أهلكتُهُ ... وإذا هلكتُ فعند ذلك فاجزعى
ولا يكون تقديم الاسم على الفعل في شيء من أدوات الجزاء - إلا في إن وحدها - إلا في ضرورة الشعر.


 
 توقيع : تيماء









z.s




رد مع اقتباس
قديم 08-08-2018, 10:05 PM   #108


الصورة الرمزية تيماء
تيماء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7482
 تاريخ التسجيل :  27 - 10 - 2016
 أخر زيارة : 02-01-2023 (09:51 PM)
 المشاركات : 106,303 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Lebanon
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Floralwhite
شكراً: 445
تم شكره 511 مرة في 344 مشاركة
افتراضي



وإن عطفت الجملة التي تقدم فيها الاسم على الفعل، على جملة أخرى، صدرها فعل، كان الاختيار النصب، والرفع جائز، نحو قولك (ضربت زيداً، وعمراً أكرمته) وقال الله تبارك وتعالى: {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا، وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا}، وقال تعالى: {يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً}، وهو في القرآن كثير، وقال الشاعر:
أصبحتُ لا احمل السلاحَ ولا ... املك رأسَ البعير إن نَفَرا
والذئبَ أخشاه إن مررتُ به ... وحدي واخشي الرياحَ والمطرا
عطف (والذئب أخشاه) على قوله (لا أحمل السلاح).
وإن عطفت على جملة من مبتدأ وخبر، والخبر جملة من فعل وفاعل، كقولك (زيد أكرمته، وعبد الله لقيته)، فسيبويه يختار الرفع إن عطفت على جملة المبتدأ وخبره، والنصب، إن عطفت على جملة الفعل، وخالفه غيره في ذلك، وقال: إنه لا يجوز أن يعطف على الجملة من الفعل والفاعل، لأنها خبر للمبتدأ وموضعها رفع، وما عُطف على الخبر فهو خبر، ولا يصح أن تكون الجملة المعطوفة خبراً، لأنه لا ضمير فيها يعود على المبتدأ. وقول المخالف أظهر، إذ الإعراب إنما هو لتبيين المعاني، ولا نقول في الشيء إذا تقدمه أمران: إنه معطوف على أحدهما دون الآخر، وأنه جائز عطفه على كل واحد منهما، إلا بحسب المعاني، كقولنا (زيد قائم أبوه، وعمرو)، ونقول إن (عمراً) معطوف على (الأب)، ولا يجوز عطفه على (قائم)، لكون (قائم) خبراً عن (زيد)، وليس (عمرو) خبراً عنه إنما عمرو مخبَر عنه بالقيام، ويجوز عطف (عمرو) على (زيد)، ويكون القائمان أبا زيد وأبا عمرو. ولو قيل (زيد شجاع وكريم) كان (كريم) معطوفاً على (شجاع)
لا على (زيد)، لأنه خبر عن (زيد)، كما أن (كريماً) كذلك، فإذا قلنا في قولنا (زيد ضربته، وعمراً أكرمته): إن هذه الجملة الثانية يجوز أن تعطف على المبتدأ أو خبره، ويجوز أن تعطف على الجملة من الفعل والفاعل، والجملتان مختلفتان، إحداهما خبر عن المبتدأ، والثانية ليست كذلك، والكبرى منهما ليس لها عندهم موضع من الإعراب، والصغرى لها موضع من الإعراب، فأي فائدة في أن تخيَّر في العطف عليهما، ألا ترى أنَّا إذا قلنا (زيد أكرمته، وعمرو أهنته إعظاماً له)،فلا خلاف في أنه يجوز عطف الجملة، التي هي (عمرو أهنته إعظاماً له) على المبتدأ وخبره وهو جملة الفعل الفاعل، فإذا عطفت على الكبرى، لم يكن لها موضع من الإعراب. وإن عطفت على الصغرى كان لها موضع من الإعراب، وجاز أن تحذف الأولى، التي هي (أكرمته) وتُحل الثانية محلها، فتقول (زيد عمرو أهنته إعظاماً له)، والواو تُدخل الثاني فيما دخل فيه الأول، وكل معطوف عليه، فجائز أن يحذف، ويحل المعطوف محله، إلا ما شذ نحو: (وأيُّ فَتَى هيجاءَ وأنت وجارِها). ولا يحمل على الشاذ. وكما انه لا يجوز أن يعطف على الخبر المفرد إلا ما هو خبر، فكذلك الجملة، ولا فرق بينهما في أن كل واحد منهما خبر، ولم يمتنع الخبر المفرد أن لا يعطف عليه إلا ما هو خبر لا من جهة أنه مفرد بل من جهة ما هو خبر.
وقد احتج ابن ولاد لسيبويه فأطال بأمور أكثرها خارج عن المسألة، والذي يقرب من المسالة منها قوله: إن النحويين مجمعون على إجازة قولك (مررت برجل قام أبوه، وقعد عمرو) فقام أبوه جملة في موضع جر، لأنها نعت لرجل، (وقعد عمرو) معطوفة عليها، وليست في موضع جر، لأنك لا تقول (مررت برجل قعد عمرو)، إذ ليس في الجملة الثانية ضمير يعود على رجل، فيكون نعتاً له، وكذلك إذا قلت (زيد يضرب غلامه،فيغضب عمرو) فيضرب غلامه في موضع رفع،
وقوله (فيغضب عمرو) معطوف عليه، وليس في موضع رفع لأنه لا عائد فيه على المبتدأ. قيل: أما قياس الخبر على النعت، فليس بالبين، لأن حكميها مختلفان. وأيضاً فإن لقائل أن يقول: إن قوله (وقعد عمرو) معطوف على الجملة الكبرى، لا على الصغرى، فإن قال: المعنى على غير ذلك، وذلك: إن المتكلم لم يرد أن يخبر بخبرين، لا رابط بينهما، وإنما أراد أن قيام الأب اقترن بقعود عمرو، ودلت الواو على ذلك، فكأنه قال: كان من أبيه قيام مع قعود عمرو، فصارت الجملة الثانية مرتبطة بالأولى، وصارتا جميعاً في حكم الجملة الواحدة، قيل: إن الواو إنما معناها أن تُدخل الثاني فيما دخل فيه الأول، وقد قال سيبويه: ولو قلت (أزيداً ضربت عمراً وضربت أخاه) يعني والضمير عائد على زيد لم يكن كلاماَ، لأن عمراً ليس فيه من سبب الأول شيء، ولا ملتبساً به، ألا ترى أنك لو قلت (مررت برجل قائم عمرو وقائم أخوه) لم يجز، لأن أحدهما ملتبس بالأول، والآخر ليس ملتبساً به. وإنما منع سيبويه - رحمة الله - من جواز المسألة الأولى، على أن يكون (زيداً) نُصِب بفعل مضمر، دل عليه الفعل الذي يليه، لأنه ليس فيه ضمير على زيد، ولا ينتصب الاسم بفعل مضمر، عند سيبويه، إلا أن يكون المفسر له فعلاً، على الشرط الذي قدمناه. ولو قلت (أزيداً ضربت عمراً) لم يجز، فإن قيل: فقد عاد في الجملة الثانية على (زيد) ضمير،قيل: الحملة الثانية لا تفسر الضمير الذي نصب (زيداً)، إنما يفسر الضمير ما يلي معموله من الأفعال، فالواو - على هذا - لا تربط الجملة الثانية بالجملة الأولى ربطاً يجعلهما في حكم الجملة الواحدة. ولا فرق بين مذهب سيبويه وبين ما قيل، إلا أن سيبويه يُضمِر الفعل، وحيث يَنصب يَنصب، وحيث يَرفع يرفع، وحيث يختار أحدهما على الآخر يختاره، وإن خالف مذهبُه هذا المذهبَ نبَّه عليه.
وأما قوله (زيد يضرب غلامه، فيغضب عمرو) فظاهر هذا أنَّ يغب معطوف
على يضرب، لكن لما كان الضرب سبباً للغضب، ارتبطت الجملتان، وصارتا بمنزلة الشرط والجزاء، وإن كانتا جملتين فإنهما في حكم الواحدة، ألا ترى انك تقول (زيد أن تكرمه يكرمك عمرو)، وتكتفي بالضمير العائد من الجملة الأولى، ولا خلاف في جواز هذه. وقد خرجت عما أراه وأحضُّ عليه، من الإيجاز والاقتصار، في هذه الصناعة على ما لابد منه. ويكفي في المسالة المختلف فيها أن يقال: إن الرفع والنصب جائزان، والرفع الوجه، والنصب جائز بإجماع منهم، إلا أنه دون الرفع. وسيبويه يقول: إن الرفع أجود على وجه، والنصب على وجه آخر. فإن قيل: لم تُرك الاحتجاج لسيبويه بقول الله تبارك وتعالى: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ، وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ، وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ}فنصب السماء، وإنما يحسن النصب إذا كان العطف على الجملة الفعلية، لا على الجملة المبتدئية، فقد عطف على الخبر، الذي هو يسجدان ما ليس فيه ضمير، يعود غلى المبتدأ.
وللرَّادِّ على سيبويه أن يقول نصب، وعطف على الجملة المبتدئية، وان كان الرفع أحسن على مذاهب النحويين، كما جاءت الآية {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}، والرفع عند سيبويه أوجه، ولا حجة قاطعة لسيبويه في هذا.
ويجري مجرى الأفعال في هذا الباب أسماء الفاعلين والمفعولين والمعدولة عن أسماء الفاعلين للمبالغة نحو فعَّال وفَعول ومفعال تقول (أزيداً أنت ضاربه) و (أزيداً أنت ضرَّابه)، وكذلك (مِضرابه) و (ضَروبه).
وإن جئت بعد الاسم الذي يعود عليه من الفعل ضمير نصب بشرط وجزاء، لم يجز فيه إلا الرفع، نحو (زيدٌ إن تكرمه بكرمك)، وكذلك إن جئت بعده بحرف أو اسم للاستفهام نحو (زيد كَمْ مرة لقيته؟)، وكذلك (عمرو هل رأيته؟) و (زيد مَن ضربه؟) و (عبد الله ما أصابه؟). وكذلك إن كان الفعل في موضع الصفة نحو (أزيد أنت رجل تكرمه)، وقال الشاعر:
أكلَّ عامٍ نَعَمٌ تَحْوُوْنَهُ ... يَلْقِحُهُ قومٌ وتَنْتِجُوْنَهُ
وقال زيد الخيل:
أفي كلِّ عامٍ مَأْتَمٌ تبعثونَهُ ... على مِحْمَرٍ ثَوَّبْتُمُوه وما رَضَا
تحوونه في موضع الصفة لنَعَم، ونَعَم مبتدأ، وخبره كل عام، وهو على حدِّ حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه، لأن كل عام من ظروف الزمان، وظروف الزمان لا تكون أخباراً عن الجثث، إنما تكون أخباراً عن المصادر. ولو رُوي بالنصب لجاز، ويكون الفعل لا موضع له من الإعراب، وكذلك مأتم يجوز فيه النصب، على أن لا يكون الفعل صفة، وقال الشاعر جرير:
أبَحْتَ حِمَى تهامةَ بعد نَجْدٍ ... وما شيءٌ حميتَ بمستباحِ
فحميت في موضع الصفة ولا يجوز نصب (شيء) لفساد المعنى، ودخول الباء على مستباح، وقال الشاعر:
وما ادري أغيَّرهم تَنَاءٍ ... وطولُ العهد أم مالٌ أصابوا
فأصابوا في موضع الصفة، ولا يجوز صرفه إلى غير ذلك، لأن الشاعر جهل الأمر الذي غيَّرهم، ولم يدر أهو البعد وطول العهد، أم مال أصابوه، فمال معطوف على تناء، ويجوز النصب على مذهب قومْ وكذلك إن كان الفعل صلة لموصول، نحو قولنا (أزيد الذي رأيت) لا يكون في زيد إلا الرفع، وليس بمنزلة قولنا (أزيداً العاقلَ ضربته)، لأن ضربته ليس صلة ولا صفة. وكذلك، إن أبدلت منه، أو وكدته. ومثله (زيد أَنْ تكرمه خير من أن تُهينه)، لأن ما ينصب بعد أَنْ فهو من صلتها، وكذلك زيد أنت الضاربه لا يجوز في زيد إلا الرفع، لأن الألف واللام بمعنى الذي، فتجرى مجري الذي.قد أتيتُ في هذا الباب على ما يُحتاج إليه، ويُستغني به، وزدت توجيهَ الأقوال والاحتجاجَ على سيبويه وله، ليعلم القارئ أني قد وقفت على أقوالهم، وعرفت ما
اثبتُّ، ولم احتج إلى إضمار ما الكلامُ تامٌّ دونه، وإظهاره عيٌّ مخالف لغرض القائل. هذا في كلام الناس، فأما في كلام الله تعالى فحرام. واللهَ اسأله العون والتوفيق، وقد قلت قولا في هذا الباب يليق بما أحضّ عليه، وأدعو إليه، لأني لم ادخل فيه محالاً، ولا ظنَّاً ضعيفاً، ولا فضلاً لا يُحتاج إليه.


 
 توقيع : تيماء









z.s




رد مع اقتباس
قديم 08-08-2018, 10:06 PM   #109


الصورة الرمزية تيماء
تيماء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7482
 تاريخ التسجيل :  27 - 10 - 2016
 أخر زيارة : 02-01-2023 (09:51 PM)
 المشاركات : 106,303 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Lebanon
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Floralwhite
شكراً: 445
تم شكره 511 مرة في 344 مشاركة
افتراضي



أنواع التشبيه عند العرب
من كتاب المصون في الأدب للعسكري



العرب تشبّه على أربعة أضرب: تشبيه مفرط وتشبيه مصيب، وتشبيه مقارب، وتشبيه يحتاج إلى التفسير ولا يقوم بنفسه فمن المفرط قولهم للسخىّ: هو كالبحر، وسما حتّى بلغ النجم ثم زادوا في ذلك فمنه قول بعضهم:
له هممٌ لا منتهى لكبارها ... وهمّته الصغرى أجلُّ من الدّهرِ
له راحةٌ لو أنّ معشارَ جودها ... على البرّ كان البرُّ أندى من البحر
ولو أنَّ خلق الله في مسكِ فارسٍ ... وبارزَه كان الخلىَّ من الذُّعر
ومن تشبيههم المتجاوز الجيد قوله:
أضاءت لهم أحسابُهم ووجوههم ... دحى الليَّل حتى نظَّم الجزعَ ثاقبه
قالت امرأةٌ لعمران بن حطّان: زعمت أنك لم تكذب في شعر قطُّ، وقد قلت:
فهناك مجزأةُ بن ثّو ... رٍ كان أشجعَ من أُسامه
أفيكون رجلٌ أشجع من الأسد؟ قال: أنا رأيت مجزأة فتح مدينةً، والأسدُ لا يفتح مدينة: ومن التشبيه القاصد الصحيح قوله:
وعيدُ أبي قابوسَ في غير كنههِ ... أتاني ودوني راكسلٌ فالضَّواجعُ
فبتُّ كأني ساورتني ضئيلةٌ ... من الرُّقش في أنيابها السمُّ ناقعُ
يُسهَّد من ليل التمام سليمها ... لحلى النِّساء في يديه قعاقعُ
تناذَرها الراقونَ من سوءِ سمّها ... تطلّقه طوراً وطوراً تراجعُ فهذه صفة الخائف المهموم.
ومنه قول الآخر:
تبيت الهموم الطارقات يعُدنني ... كما تعترى الأهوال رأْسَ المطلَّقِ
وأما التشبيه البعيد الذي لا يقوم بنفسه فكقوله:
بل لو رأتني أخت جيراننا ... إذ أنا في الحيّ كأنّي حمارْ
أراد الصحة. وهذا بعيدٌ لأنّ السامع إنما يستدلّ عليه بغيره وقد وقع على ألسن الناس من التشبيه المستحسن عندهم وعن أصل أخذوه، أن يشبّهوا عين المرأة وعين الرجل بعين الظبية أو البقرة الوحشية، والأنف بحدّ السيف، والفم بالخاتم، والشعر بالعناقيد، والعنق بإبريق فضّة، والساق بالجمّارة.
من عجيب التشبيه
قوله:
لعينُك يوم البين أسرعُ واكفاً ... من الغصُن الممطور وهو مروحُ
وقال الأصمعي: سمعت أعرابياً يقول: إنكم معاشر أهل الحضر لتخطئون المعنى. وإنّ أحدكم ليصف الرجل بالشجاعة فيقول: كأنه الأسد؛ ويصف المرأة بالحسن فيقول: كأنّها الشمس، لم تجعلون هذه الأشياءَ بهم أشبه؟ ثم قال: لأنشدنّك شعراً يكون لك إماماً: ثم أنشدني:
إذا سألت الورى عن كلِّ مكرمةٍ ... لم تلف نسبتَها إلاّ إلى الهَوْلِ
فتى جواداً أنال النَّيْل نائله ... فالنَّيْل يشكر منه كثرةَ النَّيْلِ
والموت يرهب أن يلقى منيّتَه ... في شدَّة عند لفّ الخيل بالخيل
لو بارز الليلَ غطّتهُ قوادمُه ... دون الخوافي كمثل الليل في الليل
أمضى من النَّجم إن نابتْه نائبة ... وعند أعدائه أجرى من السَّيل
أخبرنا أبو بكر بن دريد قال: أخبرنا عبد الأول بن مرثد، أحد بنى أنف الناقة، عن ابن عائشة عن أبيه قال: قال عبد الملك يوماً وقد اجتمع الشعراءُ عنده: تشبّهوننا بالأسد والأسد أبْخر، وبالبحر والبحر أجاج، وبالجبل مرّةً والجبلُ أوعر، ألاَّ قلتم كما قال أيمن بن خريم ابن فاتك لبنى هاشم:
نهاركُم مكابدةٌ وصومٌ ... وليلكمُ صلاةٌ واقتراءُ
أأجعلكم سواءً ... وبينكمُ وبينهمُ هواءُ
وهم أرضٌ أرجلكمْ وأنتمْ ... لأعينهم وأرؤسهم سماءُ
قال: أخبرني أبي قال: أخبرني محمد بن الوليد العقيلي قال: أخبرنا أبو بكر البصري عن الهيثم بن عدى قال: دخل الأخطل على عبد الملك بن مروان فقال: يا أمير المؤمنين، قد امتدحتك فاستمع منّي. فقال عبد الملك: إن كنت إنّما شبهّتني بالصّقر والأسد فلا حاجة لي في مدحتك، وإن كنت قلت كما قالت أختُ بني الشَّريد لأخيها صخر فهات. فقال الأخطل: وما قالت يا أمير المؤمنين؟ قال: هي التي تقول:
وما بلغتْ كفُّ امرئٍ متناولٍ ... من المجد إلا حيثُ ما نلتَ أطولُ
وما بلغَ المهدونَ في القول مدحةً ... ولو أطنبوا إلاّ الذي فيك أفضلُ
وجارك محفوظٌ منيعٌ بنجوةٍ ... من الضَّيم لا يبكي ولا يتذلّلُ
قال الأخطل: والله لقد أحسنت القول، ولقد قلت فيك بيتين ما هما بدون قولها. فقال: هات فأنشأ يقول:
إذا مُتَّ مات الجودُ وانقطع الندى ... من الناس إلا من قليل مصرَّدِ
ورُدّت أكفُّ السائلين وأمسكوا ... من الدِّين والدنيا بخلْف مجدَّد
وأخبرني أبي قال: أخبرني العقيلي قال: أخبرنا ابن عائشة قال: دخل جرثومة الشاعر على عبد الملك بن مروان، فأنشده والأخطلُ حاضر، فلما بلغ إلى قوله:
إليك أميرَ المؤمنينَ بعثتُها ... وكلّفتُها خرقاً من الأَرض بلقعا
فما تجدُ الحاجاتُ دونَك منتهىً ... سواكَ ولا تلقَى وراءَك مطلعا
قال عبد الملك للأخطل: هذا المدحُ ويلك يا ابن النَّصرانية!
كتب إسماعيل بن صبيح إلى بعض الرؤساء: " في شكر ما تقدَّم من إحسان الأمير شاغلٌ عن استبطاءِ ما تأخَّر منه ".
فأخذه أحمد بن يوسف فكتب إلى بعضهم: " أحقُّ من أثبت لك العذرَ في حال شغلكَ من لم يخلُ ساعةً من برِّك وقت فراغك ".
ثم أخذه من أحمد بن يوسف سعيدُ بن حميد فكتب: لست مستقلاً بشكر ما مضى من بلائك فأستبطئ درك ما أؤمّل من مزيدك.
ثم أخذه حمد بن مهران فكتب في فصل: " ولئن تعذّرتْ حاجتي قبلك لطال ما تيَّسَر لي أمثالها عندك. ولستُ أجمع إلى العجز عن شكر ما أمكنَ التسُّرع إلى الاستبطاءِ فيما تعذّر ".
أخذ هذا كلُّه من قول علي بن أبي طالب صلى الله عليه: " لا تكوننَّ كمن يعجز عن شكر ما أوتيَ ويبتغي الزيادةَ فيما بقي أول من بدأَ بتشبيه شيئين بشيئين في بيت واحد امرؤ القيس فقال:
كأنَّ قلوبَ الطّير رطباً ويابساً ... لدى وكرها العُنَّابُ والحشفُ البالي
وقال منصورٌ النمري:
ليلٌ من النَّقْع لا شمسٌ ولا قمرٌ ... إلاّ جبينك والمذروبة الشُّرعُ
ثم تبعه بشارٌ فقال:
كأَنَّ مثارَ النقع فوق رؤُسهم ... وأسيافنا ليلٌ تهاوتْ كواكبه
وقال العتّابي:
تبنى سنابكها من فوق أرؤسِهم ... سقفاً كواكبُه البيضُ المباتيرُ
وأنشدني أبو الحسن أحمد بن هشام الشاعر، وشبّه ثلاثة أشياء بثلاثة أشياء في بيت يصف شعر امرأة وبياضها ويصف نفسه:
فكأّنني وكأنَّها وكأنّه ... صبحان باتا تحت ليلٍ مُطبقِِ
واستحس الناس قول النابغة:
فإنَّك كالليل الذي هو مدرِكي ... وإن خلتُ أنّ المنتأَى عنك واسعُ
خطاطيف حجنٌ في حبالِ متينةِ ... تمَدُّ بها أيدٍ إليك نوازعُ
تبعه سلم الخاسر فقال:
وأنت الدَّهرِ مبثوثاً حبائله ... والدهرُ لا ملجأُ منه ولا هربُ
ولو ملكتُ عنانَ الرِّيح أصرفه ... في كلِّ ناحية ما فاتكَ الطَّلَبُ
وقال علي بن جبلة يمدح حميداً الطّوسيّ:
وما لامرئ حاولتَه منك مهرب ... ولو رفعتْه في السِّماء المطالعُ
بلى هاربٌ لا يهتدي لمكانه ... ظلامٌ ولا ضوءٌ من الصبح ساطعُ
وسرقاه جميعاً من قول الفرزدق:
ولو حملتني الريحُ ثم طلبتني ... لكنتُ كشيءٍ أدركته مقادرُه
وقال البحتريّ:
سلبوا وأشرقت الدماءُ عليهمُ ... محمرَّةً فكأنّهم لم يسلبوا
ولو أنّهم ركبوا الكواكب لم يكن ... لمجدِّهمْ من أخذ بأْسك مهربُ
قول سلم: " وأنت كالدهر " مأخوذ من قول الأخطل:
وإن أمير المؤمنين وفعله ... كالدهر لا عارٌ بما فعل الدهرُ
أنشد أبو عبد الله نفطويه قال: أنشدنا أحمد بن يحيى لعديّ بن زيد:
قد يدرِك المبطئ من حظِّه ... والخير قد يسبق جهد الحريصْ
فسرقه القطاميّ فقال:
قد يدرِك المتأَنِّي بعضَ حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزّللُ
وأنشد لعلقمة بن عبدة:
تراءتْ وأستارٌ من الليل دونها ... إلينا وحانتْ غفلةُ المتفقِّدِ
بعينَىْ مهاةِ تحدُر الدمعَ منهما ... برِيمَينِ شتَّى من دموع وإِثمدِ
فسرقه ابن ميّادة فقال:
وما أنس مِ الأشياءِ لا أنسَ قولَها ... وأدمعُها يُذرين حشو المكاحل
تمتَّعْ بذا اليومِ القصيرِ فإنّه ... رهينٌ بأَيام البلاءِ الأَطاولِ
فسرقَه بعضُ المحدَثين فقال:
خذِي أُهبةً للبين إنّيَ راحلٌ ... قرا أمل يُحْييك والله صانعُ
فسحَّتْ بسِمطَيْ لؤلؤٍ خلطَ إِثمد ... على الخدِّ إلا ما تكفُّ الأصابعُ
قال الشمّاخ:
وتقسِم طرف العين نصفاً أمامَها ... ونصفاً تراه خشيةَ السَّوط أزورا
أخذه مسلم بن الوليد فقال:
تمشِي العِرضْنةَ قد تقسَّمَ طرفها ... وضحُ الطريق وخوفُ وقْع المحصَدِ
وأنشدنا محمد بن القاسم الأنباري قال: أنشدني أحمد بن يحيى، لزياد بن منقذ أخي المرّار:
لا حبّذا أنتِ يا صنعاءُ من بلد ... ولا شعُوبُ هوىً منَّا ولا نقُمُ
ولا أحبُّ بلاداً قد رأيتُ بها ... عَنْساً ولا بلداً حلَّتْ به قدَمُ
وحبّذا حينَ تمسِي الريح باردةً ... وادي أشيٍّ وفتيانٌ به هضُم
مخدَّمون كرامٌ في مجالسهم ... وفي الرِّحال إذا صاحبتَهم خدَم
كم فيهم من فتىً حلوٍ شمائلُه ... جمُّ الرَّمادِ إذا ما أّخْمد البرَمُ
غمرِ الندي لا يبيت الحقّ يثْمُده ... إلاّ غدَا وهو سامي الطَّرف يبتسم
إلى المكارم يبنيها ويعمُرها ... حتّى ينالَ أموراً دونها قحمُ
يا روْقُ إنِّى وما حجَّ الحجيجُ له ... وما أهَلَّ يجنبىْ نخلةَ الحرُمُ
لم ألقَ بعدهُمُ حيّاً فأخبُرَهم ... إلاّ يزيدُهم حبّاً إلىّ همُ
أنشدنا أبو بكر محمد بن يحيى، لمحمود بن مروان بن أبي حفصة:
وقد كنتُ أخشى من هواهُنَّ عقرباً ... فقد لسعتني من هواهُنَّ عقربُ
بخِلْنَ بدرياقٍ على مَن لسعْنَه ... ألا حبّذا درياقُهنَّ المجرَّبُ
أخذه ابن المعتزّ فقال:
وكأنّ عقربَ صدغه وقفتْ ... لمّا دنتْ من نار وجنتِه
وأنشدني أبو نضلة مهلهل بن يموت لنفسه:
كأن أجفانه من جسم عاشقِهِ ... قد رُكِّبت فهي في الأَسقام تحكيه
في صدغه عقربٌ للقلب لادغةٌ ... درياقٌ لدغتها يا قومِ من فيه
أنشدنا أبو بكر بن دريد قال: أنشدنا أبو حاتم عن الأصمعي:
أطلسُ يخفى شخصَه غُبارُه ... في شدقه شفرتُه ونارُه هو الخبيثُ عينُه فرارُه .


 
 توقيع : تيماء









z.s




رد مع اقتباس
قديم 08-08-2018, 10:08 PM   #110


الصورة الرمزية تيماء
تيماء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7482
 تاريخ التسجيل :  27 - 10 - 2016
 أخر زيارة : 02-01-2023 (09:51 PM)
 المشاركات : 106,303 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Lebanon
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Floralwhite
شكراً: 445
تم شكره 511 مرة في 344 مشاركة
افتراضي



باب تمييز ما يدخله التصريف مما لا يدخله
من كتاب الممتع الكبير في التصريف لابن عصفور



اعلم أن التصريف لا يدخل في أربعة أشياء. وهي: الأسماء الأعجمية التي عجمتها شخصية، كـ"إسماعيل" ونحوه؛ لأنها نقلت من لغة قوم ليس حكمها كحكم هذه اللغة. والأصوات كـ"غاق"ونحوه؛ لأنها حكاية ما يصوت به، وليس لها أصل معلوم، والحروف. وما شُبِّه بها من الأسماء المتوغلة في البناء، نحو "من" و"ما"؛ لأنها لافتقارها بمنزلة جزء من الكلمة التي تدخل عليها. فكما أن جزء الكلمة، الذي هو حرف الهجاء، لا يدخله تصريف فكذلك ما هو بمنزلته.
وقد جاء بعض الكلمات المبنية مشتقًا، نحو "قَطُّ"؛ لأنها من "قططتُ" أي: قطعت؛ لأن قولك: "ما فعلته قط" معناه: "فيما انقطع من عمري. وكذلك "ذا" و"ذي" و"الذي" ونحو ذلك، مما يدخله التحقير، ويستعمل استعمال المتصرف، وليس ذلك بالكثير، وكلما كان الاسم من شبه الحرف أقرب كان من التصريف أبعد.
ومما يدلك على أن الحرف لا يدخله تصريف، وجود "ما" و"لا" ونحوهما من الحروف؛ ألا ترى أن الألف لا تكون فيهما منقلبة، كالألف التي في عصا ورحى؟ لأنها لو كان أصلها واوًا أو ياء لظهرتا؛ لسكونهما، كما ظهرتا في نحو: كي وأي ولو. فلو كان أصل ألف "ما" واوًا لقلت "مَوْ" كـ"لو". ولو كان ياء لقلت "مَيْ" كـ"كي"؛ لأن حرف العلة إنما كان يقلب، لو كان متحركًا وقبله مفتوح.
فإن قيل: فهلا قُدرت الألف، في "ما" وأشباهها، منقلبة من حرف علة متحرك. فالجواب أن ذلك لا يمكن تقديره؛ لأن "ما" حرف مبني، والحروف لا تُبنى إلا على السكون، ولا يحرك آخرها إلا عند التقاء الساكنين نحو "ثم"، أو إذا كان على حرف واحد نحو واو العطف وفائه، وليس شيء من ذلك في "ما". ولا يمكن أن تكون الألف في "ما" وأمثالها زائدة؛ لأنه إنما تعرف الزيادة من غيرها، بالاشتقاق والتصريف وسائر الأدلة التي تذكر بعد -إن شاء الله- ولا يوجد شيء من ذلك في الحرف.
وما عدا ما ذكر، من الأسماء العربية والأفعال، يدخله التصريف.


 
 توقيع : تيماء









z.s




رد مع اقتباس
قديم 08-08-2018, 10:09 PM   #111


الصورة الرمزية تيماء
تيماء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7482
 تاريخ التسجيل :  27 - 10 - 2016
 أخر زيارة : 02-01-2023 (09:51 PM)
 المشاركات : 106,303 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Lebanon
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Floralwhite
شكراً: 445
تم شكره 511 مرة في 344 مشاركة
افتراضي



التقارض بين اللفظين في الهيئة والشكل
من كتاب ظاهرة التقارض في النحو العربي




الأول:- التقارض بين اللفظين في الأحكام الإِعرابية، كالتقارض ببن إلاَّ (وغير) وكالتقارض بين أنْ (وما) ... الخ
:- التقارض بين اللفظين في الهيئة، والشكل، كالتقارض بين الحال والتمييز في الإشتقاق والجمود ... الخ
والحديث الآن في النوع الثالث:
النوع الثالث: التقارض بين اللفظين في المعاني:
يذكر النحاة أن كل حرف من حروف المعاني يفيد- بطريق الأصالة- معنى أو عدة معان، تعد من لوازم هذا الحرف غالباً، غير أنه في بعض الأحيان قد يفيد الحرف معنى من المعاني ليس أصلاً في إفادته، وإفادة الحرف معنى يختص به حرف آخر يعد عند بعض العلماء من باب التقارض بينهما، فكأنَّ الحرف الآخر أقرضه هذا المعنى، وربما عدَّه بعضهُم من باب نيابة الحرف مكان الحرف الآخر، وهذه مسألة خلافية بين البصريين والكوفيين فالبصريون يرون (أن أحرف الجر لا ينوب بعضها عن بعض بقياس، كما أن أحرف الجزم وأحرف النصب كذلك، وما أوهم ذلك فهو عندهم محمول على ما يلي:
1- إما مؤول تأويلاً يقبله اللفظ، كما قيل في قوله تعالى {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} (طه: 20) إنَّ (في) ليست بمعنى على، ولكن شبِّه المصلوب لتمكنه من الجذع بالحالِّ في الشيء.
2- وإمَّا على تضمين الفعل معنى فعل يتعدى بذلك الحرف، كما ضمَّن بعضهم (شربن) في قول أبي ذؤيب الهذلي:
شربن بماء البحر ثم ترفعت
متى لحج خضر لهنَّ نئيج
3- وإمّا على شذوذ إنابة كلمة عن أخرى:
وقد ذهب الكوفيون إلى جواز نيابة الحرف عن الحرف أي أن يقترض الحرف من الحرف الآخر معناه.
أما المالقى فقد وقف بين الفريقين موقفاً وسطاً حيث قال:
"إن نيابة الحرف مكان الحرف الآخر موقوفة على السماع، لأن الحروف لا يوضع بعضها موضع بعض قياساً إلا إذا كان معناهما واحداً ومعنى الكلام الذي لا يدخلان عليه واحداً " .
وغير خاف أن مذهب الكوفيين بعيد عن التكلف والتعسف ومن ثم فهو جدير بالإتباع لذا سوف نسوق أمثلة متنوعة لبعض الحروف التي تفيد معاني أصيلة ومعاني أخرى غير أصيلة اقترضتها من الحروف الأخرى.


 
 توقيع : تيماء









z.s




رد مع اقتباس
قديم 08-08-2018, 10:10 PM   #112


الصورة الرمزية تيماء
تيماء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7482
 تاريخ التسجيل :  27 - 10 - 2016
 أخر زيارة : 02-01-2023 (09:51 PM)
 المشاركات : 106,303 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Lebanon
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Floralwhite
شكراً: 445
تم شكره 511 مرة في 344 مشاركة
افتراضي



نشأة الشعر الأندلسي وتطوره
من كتاب تاريخ الأدب الأندلسي



في معرض الحديث عن فضل الأندلس في الشعر بين سائر المظاهر الأدبية والثقافية قال ابن حزم يذكر أقدم شعراء الأندلس: " ونحن إذا ذكرنا أبا الأجرب جعونة بن الصمة الكلابي في الشعر لم نباه به الا جيرا والفرزدق لكونه في عصرهما، ولو أنصف لاستشهد بشعره فهو جار على مذهب الأوائل لا على طريقة المحدثين " وجعونة هذا الذي ذكره كان من العرب الطارئين على الأندلس، مداحا للصميل وزير يوسف بن عبد الرحمن الفهري في عهد الولاة، وكان فارسا شجاعا يسمونه عنترة الأندلس، ولم يبق من شعره إلا أبيات يسيرة لا تدل على هذا الذي قاله ابن حزم، محاولا في كلمته أن يجعل للشعر الأندلسي موروثا أندلسيا قديما، في موضع المباهاة، وهو من أعرف الناس بقيمة الموروث ومن أكثرهم تعلقا به. وتتبقى أمامنا، بعد ذلك، حقيقة هامة في نشأة الشعر الأندلسي، وفي النماذج التي احتذاها، والمجالات التي كان يرودها، وهي انه يتكون حين كان الشعر المشرقي يشهد تجديد بشار وأبي نواس، ويقف على مفترق الطريق بين مذهبي أبي تمام والبحتري، ولما كان سكان الأندلس يلتفتون في كل شيء إلى المشرق، فقد اتخذوا من شعر المشارقة المحدثين مثالا يقلدونه، ونورا يهتدون به، أي انهم جعلوا المحدث؟ لا شعر العرب الأوائل - موروثا لهم ينسجون على منواله، ويستوحون ما فيه، وهذه الحقيقة كفيلة بتفسير جانب كبير من مظاهر الشعر الأندلسي في هذا الدور.
المؤدبون؟ أثرهم في نشأة الأدب والمقاييس النقدية
وقد كان القائم بأمر هذا الشعر المحدث وتقريبه إلى دارسي الأدب طبقة من المؤدبين، ارتحل أكثرهم إلى المشرق، واعترف مما فيه من علم وأدب، وعاد يدرس في جامع قرطبة، وقرطبة يومئذ " دار القوم "، فإلى هؤلاء وإلى المهاجرين من طلاب الحاجات، والى تشجيع الحاكمين يومئذ، يعزى في إدخال ضروب الثقافة المشرقية بلاد الأندلس، من حديث وفقه ولغة وشعر وسير. وكان من أوائل الكتب اللغوية التي هاجرت بصحبتهم كتب الأصمعي والكسائي والفراء والرياشي وأبي حاتم وابن الأعرابي وكتابا الفرش والمثال في العروض للخليل بن احمد وكتاب يعقوب بن السكيت في إصلاح المنطق ومؤلفات ابن قتيبة وأبي عبيد القاسم بن سلام، كما كان النحوي وابن قاسم أول من ادخلا كتاب العين للخليل أما في الشعر فان محمد بن عبد الله الغازي (- 269) جلب الأشعار المشروحات كلها، وهاجر عباس بن ناصح لما سمع بنجوم أبي نواس، وروى شعره. ويجب ان ننوه هنا بمقدار ما أحرزه شعر أبي تمام من قبول في البيئة الأندلسية، فقد توفر على نقله اثنان من المؤدبين هاجرا إلى المشرق وروياه عن صاحبه واقرءاه بالأندلس وهما عثمان ابن المثنى النحوي، ومؤمن بن سعيد وللأول منهما قصة طريفة: فيقال انه اجتمع مع أبي تمام في مركب ببحر القزم فأنشده أبو تمام شعره الذي يقول فيه:
الله أكبر جاء اكبر من مشى ... فتعثرت في كنهه الأوهام وكان هذا البيت مبتدأ الشعر فقال له ابن المثنى: شعر حسن لولا انه لا ابتداء له فوقذت في نفس حبيب وابتدأ الشعر بقوله:
دمن ألم بها فقال سلام ... كم حل عقدة صبره الإلمام ثم أنشده في اليوم الثاني بهذا الابتداء إلى تمامه، فقال له ابن المثنى: أنت أشعر الناس، فمعظم في نفس حبيب، ثن لقيه حبيب في انصرافه وحبيب قد عظم قدره وجل خطره فكان يؤثره ويعرف له فضله، وكان اول من ادخل شعره وأقرأ أبو عبد الله الغابي ديوان أبي تمام وعنه أخذه أبو العباس الطبيخي وهذا الثاني شرحه كما شرح شعر صريع الغواني وأمر الخليفة عبد الرحمن الناصر بانتساخ شعر حبيب وجمع لذلك جماعة من أدباء الأندلس يومئذ، لتحقيق ذلك، وإزاء هذه العصبية لأبي تمام وجد أيضاً من يتعصب للبحتري ويدين بتفصيله. وهذا كله ينبئ عما كان للشعر من مقام بين عرب الأندلس، ولم يمض وقت طويل حتى كان الذوق الأندلسي قد ألف هذا النوع من الشعر، وجعله مقياسا للجودة، ولم يألف ما عداه كثيرا، وأصبح المتأدبون هنالك يضعون خطأ فاصلا بين طريقتين في الشعر: طريقة العرب وطريقة المحدثين، فيقولون مثلا أن فلانا الشاعر كان اكثر أشعاره على مذاهب العرب، وكانوا هم أميل إلى تفضيل ما جرى على مثال الشعر المحدث، حتى أن الرياحي الشاعر (- 358) حين نظم قصيدة في الرثاء، وبناها على مذاهب العرب، وخرج فيها على مذاهب المحدثين، لم يرضها العامة ولم يجد من يعجب بها إلا أبا علي القالي ومن يذهب في طريقته.
فعلى أيدي هؤلاء المؤدبين تم، أذن، شيء من تبلور الذوق الأندلسي، بقبول ما يقبل ورفض ما يرفض، وفي مجالس تدريسهم تكونت نواة حركة نقدية ساذجة، فهم الذين كانوا يشرحون الشعر لطلبتهم ويتكلمون في معانيه ويقربونها ويضربون الأمثال فيها، ويتتبعون ما فيها من المآخذ اللغوية والنحوية، ومما يلفت النظر انهم كانوا يتدارسون شعر شعرائهم كما يتدارسون شعر المشارقة. فكان عباس بن ناصح، وهو أحد هؤلاء المؤدبين، ومذهبه في شعره مذهب العرب الأول في أشعارهم، كما ورد قرطبة، جلس في جامعها يقرأ على الطلبة ما كان نظمه من شعر. ووفد مرة على قرطبة فجاء أدباؤها للأخذ عنه فمرت عليهم قصيدته:
لعمرك ما البلوى بعار ولا العدم ... إذا المرء لم يعدم تقى الله والكرم حتى انتهى إلى قوله:
تجاف عن الدنيا فما لمعجز ... ولا حازم إلا الذي خط بالقلم فاعترضه يحبى الغزال وقال: وما الذي يصنع مفعل مع فاعل. قال: فكيف تقول أنت، قال: تجاف عن الدنيا فليس لعاجز، فاستحسن عباس ذلك منه وقال " والله لقد طلبها عمك ليالي فما وجدها "
وأنكر على عباس أيضا في مجلس أحد النحويين أنه خفف ياء النسب في قوله:
يشهد بالإخلاص نوتيها ... لله فيها وهو نصراني فاحتج عباس على المنكرين، بقول عمران بن حطان:
يوما يمان إذا لاقيت ذا يمن ... وان لقيت معديا فعدناني وكاد الذوق في هذه البيئة يجمع على ان الشعر إنما يتقدم غرابته وحسن معناه، وان من خير الشعر وصف أبي تمام للقلم لما فيه من غرابة. على أننا يجب ألا نغلو في تقدير ما كان يحسنه هؤلاء المؤدبين، فانهم؟ في الأكثر - كانوا سطحيين حتى في ميدانهم من لغة ونحو، قال الزبيدي يصفهم: " وذلك ان المؤدبين إنما كانوا يعانون إقامة الصناعة في تلقين تلاميذهم العوامل وما شاكلها، وتقريب المعاني لهم في ذلك، ولم يأخذوا أنفسهم بعلم دقائق العربية وغوامضها، والاعتدال لمسائلها، ثم كانوا لا ينظرون في إمالة ولا إدغام ولا تصريف ولا ابنية "، وهذا كلام يصدق عليهم حتى منتصف القرن الرابع، على وجه التقريب.
وقد ساعد بعض المهاجرين من غير الأندلسيين على ترسيخ اثر المحدثين في البيئة الأندلسية مثل إبراهيم بن سليمان الشامي الذي دخل الأندلس في أخريات أيام الحكم بن هشام، وكان قد أدرك بالمشرق كبار المحدثين كأبي العتاهية، ومثل أبي اليسر إبراهيم بن احمد الشيباني الذي لقي من الشعراء أبا تمام والبحتري ودعبلا وابن الجهم، وقدم الأندلس في إمارة محمد عبد الرحمن، وعنه رواية لشعر أبي تمام بالأندلس.


 
 توقيع : تيماء









z.s




رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
سطور , في , كتاب


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

الساعة الآن 12:53 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010