ننتظر تسجيلك هنا


الإهداءات


العودة   منتدى همسات الغلا > O.o°¨( منتدي الحصريات الأدبيه )¨°o.O > دآر عمدآء الأدب

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-08-2018, 09:24 PM   #78


الصورة الرمزية تيماء
تيماء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7482
 تاريخ التسجيل :  27 - 10 - 2016
 أخر زيارة : 02-01-2023 (09:51 PM)
 المشاركات : 106,303 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Lebanon
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Floralwhite
افتراضي



فصل في الفصاحة
من كتاب المستطرف في كل فن مستظرف للإبشيهي


قال الإمام فخر الدين الرازي رحمة الله تعالى عليه: إعلم أن الفصاحة خلوص الكلام من التعقيد، وأصلها من قولهم أفصح اللبن إذا أخذت عنه الرغوة. وأكثر البلغاء لا يكادون يفرقون بين البلاغة والفصاحة، بل يستعملونهما استعمال الشيئين المترادفين على معنى واحدة في تسوية الحكم بينهما. ويزعم بعضهم أن البلاغة في المعاني، والفصاحة في الألفاظ، ويستدل بقولهم معنى بليغ ولفظ فصيح.
وقال يحيى بن خالد: ما رأيت رجلا قط إلا هبته حتى يتكلم، فإن كان فصيحا عظم في صدري، وإن قصر سقط من عيني.
وقد اختلف الناس في الفصاحة، فمنهم من قال: إنها راجعة إلى الألفاظ دون المعاني، ومنهم من قال: إنها لا تخص الألفاظ وحدها. واحتج من خص الفصاحة بالألفاظ بأن قال: نرى الناس يقولون هذا لفظ فصيح، وهذه الألفاظ فصيحة، ولا نرى قائلا يقول: هذا معنى فصيح، فدل على أن الفصاحة من صفات الألفاظ دون المعاني.
وإن قلنا إنها تشمل اللفظ والمعنى لزم من ذلك تسمية المعنى بالفصيح، وذلك غير مألوف في كلام الناس، والذي أراه في ذلك أن الفصيح هو اللفظ الحسن المألوف في الاستعمال بشرط أن يكون معناه المفهوم منه صحيحا حسنا.
ومن المستحسن في الألفاظ تباعد مخارج الحروف، فإذا كانت بعيدة المخارج جاءت الحروف متمكنة في مواضعها غير قلقة ولا مكدودة، والمعيب من ذلك كقول القائل:
لو كنت كنت كتمت الحبّ كنت كما ... كنّا وكنت ولكن ذاك لم يكن
وكقول بعضهم أيضا:
ولا الضعف حتى يبلغ الضعف ضعفه ... ولا ضعف ضعف الضعف بل مثله ألف
وكقول الآخر:
وقبر حرب بمكان قفر ... وليس قرب قبر حرب قبر
قيل: إن هذا البيت لا يمكن إنشاده في الغالب عشر مرات متوالية إلا ويغلط المنشد فيه لأن القرب في المخارج يحدث ثقلا في النطق به.
وقيل: من عرف بفصاحة اللسان لحظته العيون بالوقار.
وبالفصاحة والبيان استولى يوسف الصديق عليه الصلاة والسلام على مصر وملك زمام الأمور وأطلعه ملكها على الخفي من أمره والمستور.
قال الشاعر:
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ... فلم يبق إلّا صورة اللّحم والدّم
وسمع النبي صلى الله عليه وسلم من عمه العباس كلاما فصيحا فقال: بارك الله لك يا عم في جمالك. أي فصاحتك.
وعرضت على المتوكل جارية شاعرة، فقال أبو العيناء يستجيزها: أحمد الله كثيرا. فقالت: حيت أنشاك ضريرا. فقال: يا أمير المؤمنين قد أحسنت في إساءتها فاشترها.
وقال فيلسوف: كما أن الآنية تمتحن بأطيانها، فيعرف صحيحها من مكسورها، فكذلك الإنسان يعرف حاله من منطقه.
وقال المبرد: قلت للمجنون: أجزني هذا البيت:
أرى اليوم يوما قد تكاثف غيمه ... وإبراقه فاليوم لا شك ماطر
فقال:
وقد حجبت فيه السحائب شمسه ... كما حجبت ورد الخدود المحاجر
وقال عبد الملك لرجل: حدثني، فقال: يا أمير المؤمنين افتتح، فإن الحديث يفتح بعضه بعضا.
وقال الهيثم بن صالح لابنه: يا بني إذا أقللت من الكلام أكثرت من الصواب، قال: يا أبت فإن أنا أكثرت وأكثرت؟، يعني كلاما وصوابا، قال: يا بني، ما رأيت موعوظا أحق بأن يكون واعظا منك.
وقال الشعبي: كنت أحدث عبد الملك بن مروان وهو يأكل فيحبس اللقمة فأقول: أجزها أصلحك الله، فإن الحديث من وراء ذلك، فيقول: والله لحديثك أحب إليّ منها.
وقال ابن عيينة: الصمت منام العلم، والنطق يقظته، ولا منام إلا بتيقظ ولا يقظة إلا بمنام.
قال ابن المبارك:
وهذا اللسان بريد الفؤاد ... يدلّ الرجال على عقله
ومر رجل بأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، ومعه ثوب، فقال له أبو بكر رضي الله عنه: أتبيعه؟ فقال: لا، رحمك الله، فقال أبو بكر: لو تستقيمون لقوّمت ألسنتكم، هلّا قلت: لا ورحمك الله.
ومنه: ما حكي أن المأمون سأل يحيى بن أكثم عن شيء، فقال: لا، وأيد الله أمير المؤمنين، فقال المأمون:
ما أظرف هذه الواو وأحسن موقعها.
وكان الصاحب يقول: هذه الواو أحسن من واوات الأصداغ. ويقال: اللسان سبع صغير الجرم عظيم الجرم .
وقال بعضهم شعرا:
سحبان يقصر عن بحور بيانه ... عجزا ويغرق منه تحت عباب
وكذاك قسّ ناطق بعكاظه ... يعيا لديه بحجة وجواب
وقيل أنه حج مع ابن المنكدر شابان، فكانا إذا رأيا امرأة جميلة قالا: قد أبرقنا، وهما يظنان أن ابن المنكدر لا يفطن، فرأيا قبة فيها امرأة، فقالا: بارقة، وكانت قبيحة، فقال ابن المنكدر: بل صاعقة.
وكان أصحاب أبي علي الثقفي إذا رأوا امرأة جميلة يقولون: حجّة، فعرضت لهم قبيحة، فقالوا: داحضة .
وكتب إبراهيم بن المهدي: إياك والتتبع لوحشيّ الكلام طمعا في نيل البلاغة، فإن ذلك العناء الأكبر، وعليك بما سهل مع تجنبك الألفاظ السفل.
ويقال: القول على حسب همة القائل يقع والسيف بقدر عضد الضارب يقطع.
وقال الأحنف: سمعت كلام أبي بكر حتى مضى، وكلام عمر حتى مضى، وكلام عثمان حتى مضى، وكلام علي حتى مضى رضي الله تعالى عنهم، ولا والله ما رأيت فيهم أبلغ من عائشة.
وقال معاوية رضي الله تعالى عنه: ما رأيت أبلغ من عائشة رضي الله تعالى عنها، ما أغلقت بابا فأرادت فتحه إلا فتحته، ولا فتحت بابا فأرادت إغلاقه إلا أغلقته.
ومن غريب الكنايات الواردة على سبيل الرمز، وهو من الذكاء والفصاحة: ما حكي أن رجلا كان أسيرا في بني بكر بن وائل وعزموا على غزو قومه، فسألهم في رسول يرسله إلى قومه، فقالوا: لا ترسله إلا بحضرتنا لئلا تنذرهم وتحذرهم، فجاءوا بعبد أسود، فقال له: أتعقل ما أقوله لك، قال: نعم إني لعاقل، فأشار بيده إلى الليل، فقال: ما هذا؟ قال: الليل. قال: ما أراك إلا عاقلا، ثم ملأ كفيه من الرمل وقال: كم هذا؟ قال: لا أدري وإنه لكثير، فقال: أيما أكثر، النجوم أم النيران؟ قال: كلّ كثير، فقال: أبلغ قومي التحية، وقل لهم يكرموا فلانا يعني أسيرا كان في أيديهم من بكر بن وائل، فإن قومه لي مكرمون، وقل لهم إن العرفج قد دنا وشكت النساء، وأمرهم أن يعروا ناقتي الحمراء فقد أطالوا ركوبها، وأن يركبوا جملي الأصهب بأمارة ما أكلت معكم حيسا، واسألوا عن خبري أخي الحارث. فلما أدى العبد الرسالة إليهم قالوا: لقد جنّ الأعور، والله ما نعرف له ناقة حمراء ولا جملا أصهب، ثم دعوا بأخيه الحارث فقصوا عليه القصة، فقال: قد أنذركم، أما قوله: قد دنا العرفج، يريد أن الرجال قد استلأموا ولبسوا السلاح وأما قوله: شكت النساء أي أخذت الشكاء للسفر، وأما قوله: أعروا ناقتي الحمراء أي ارتحلوا عن الدهناء، واركبوا الجمل الأصهب، أي الجبل. وأما قوله: أكلت معكم حيسا، أي أن أخلاطا من الناس قد عزموا على غزوكم لأن الحيس يجمع التمر والسمن والأقط، فامتثلوا أمره وعرفوا لحن الكلام وعملوا به فنجوا.
وأسرت طيء غلاما من العرب، فقدم أبوه ليفديه، فاشتطوا عليه، فقال أبوه: والذي جعل الفرقدين يمسيان ويصبحان على جبل طيء ما عندي غير ما بذلته ثم انصرف، وقال: لقد أعطيته كلاما إن كان فيه خير فهمه، فكأنه قال له: إلزم الفرقدين يعني في هروبك على جبل طيء، ففهم الإبن ما أراده أبوه وفعل ذلك فنجى.
وكانت علية بنت المهدي تهوى غلاما خادما اسمه طل، فحلف الرشيد أن لا تكلمه ولا تذكرة في شعرها، فاطلع الرشيد يوما عليها وهي تقرأ في آخر سورة البقرة، فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ
، فالذي نهى عنه أمير المؤمنين.
ومن ذلك قولهم: تركت فلانا يأمر وينهى وهو على شرف الموت، أي يأمر بالوصية وينهى عن النوح، ويقال:
ما رأيت فلانا، أي ما ضربته في رئته، ولا كلّمته أي ما جرحته، فإن الكلوم الجراح، وما رأيت ربيعا، فالربيع حظ الأرض من الماء، والربيع النهر، وما رأيت كافرا ولا فاسقا، فالكافر السحاب والفاسق الذي تجرد من ثيابه، وما رأيت فلانا راكعا ولا ساجدا ولا مصلّيا، فالراكع العاثر الذي كبا لوجهه، والساجد المدمن النظر، والمصلّي الذي يجيء بعد السابق، وما أخذت لفلان دجاجة ولا فروجا،
فالدجاجة الكبة من الغزل، والفروجة الدراعة، وما أخذت لفلان بقرة ولا ثورا. فالبقرة العيال الكثيرة. يقال: جاء فلان يسوق بقرة، أي عياله، والثور القطعة الكبيرة من الأقط.
وحكي أن معاوية رضي الله تعالى عنه بينما هو جالس في بعض مجالسه وعنده وجوه الناس فيهم الأحنف بن قيس إذ دخل رجل من أهل الشام، فقام خطيبا، وكان آخر كلامه أن لعن عليا رضي الله تعالى عنه ولعن لاعنه، فقال الأحنف: يا أمير المؤمنين إن هذا القائل لو يعلم أن رضاك في لعن المرسلين للعنهم، فاتق الله يا أمير المؤمنين ودع عنك عليا رضي الله تعالى عنه، فلقد لقي ربه، وأفرد في قبره، وخلا بعمله، وكان والله المبرور سيفه الطاهر ثوبه العظيمة مصيبته، فقال معاوية: يا أحنف لقد تكلمت بما تكلمت، وأيم الله لتصعدن على المنبر فتلعنه طوعا أو كرها، فقال له الأحنف: يا أمير المؤمنين إن تعفي فهو خير لك وإن تجبرني على ذلك، فو الله لا تجري شفتاي به أبدا، فقال: قم فاصعد، قال: أما والله لأنصفنك في القول، والفعل، قال: وما أنت قائل إن أنصفتني، قال:
أصعد المنبر، فأحمد الله وأثني عليه، وأصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ثم أقول: أيها الناس، إن أمير المؤمنين معاوية أمرني أن ألعن عليا، ألا وإن معاوية وعليا اقتتلا فاختلفا، فادعى كل واحد منهما أنه مبغي عليه وعلى فئته، فإذا دعوت فأمنوا رحمكم الله، ثم أقول اللهم العن أنت وملائكتك وأنبياؤك وجميع خلقك الباغي منهما على صاحبه، والعن الفئة الباغية، اللهم العنهم لعنا كثيرا أمنوا رحمكم الله. يا معاوية لا أزيد على هذا ولا أنقص حرفا ولو كان فيه ذهاب روحي. فقال معاوية: إذا نعفيك يا أبا بحر.
وقال معاوية لعقيل بن أبي طالب: إن عليا قد قطعك وأنا وصلتك ولا يرضيني منك إلا أن تلعنه على المنبر قال: أفعل، فصعد المنبر، ثم قال بعد أن حمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم: أيها الناس إن معاوية بن أبي سفيان قد أمرني أن ألعن علي بن أبي طالب، فالعنوه فعليه لعنة الله، ثم نزل، فقال له معاوية: إنك لم تبين من لعنت منهما بيّنه، فقال: والله لا زدت حرفا ولا نقصت حرفا، والكلام إلى نية المتكلّم.
ودخلت امرأة على هرون الرشيد وعنده جماعة من وجوه أصحابه، فقالت: يا أمير المؤمنين: أقر الله عينك، وفرحك بما آتاك، وأتم سعدك لقد حكمت فقسطت، فقال لها: من تكونين أيتها المرأة. فقالت: من آل برمك ممن قتلت رجالهم، وأخذت أموالهم، وسلبت نوالهم.
فقال: أما الرجال فقد مضى فيهم أمر الله، ونفذ فيهم قدره، وأما المال فمردود إليك، ثم التفت إلى الحاضرين من أصحابه، فقال: أتدرون ما قالت هذه المرأة، فقالوا:
ما نراها قالت إلا خيرا. قال: ما أظنكم فهمتم ذلك، أما قولها أقر الله عينك، أي أسكنها عن الحركة، وإذا سكنت العين عن الحركة عميت، وأما قولها: وفرّحك بما آتاك، فأخذته من قوله تعالى: حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً
وأما قولها: وأتم الله سعدك، فأخذته من قول الشاعر:
إذا تمّ أمر بدا نقصه ... ترقّب زوالا إذا قيل، تم
وأما قولها لقد حكمت فقسطت، فأخذته من قوله تعالى: أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً 15
، فتعجبوا من ذلك.
وحكي: أن بعضهم دخل على عدوه من النصارى، فقال له: أطال الله بقاءك، وأقر عينك، وجعل يومي قبل يومك، والله إنه ليسرني ما يسرك، فأحسن إليه، وأجازه على دعائه، وأمر له بصلة، وكان ذلك دعاء عليه لأن معنى قوله: أطال الله بقاءك، حصول منفعة المسلمين به في أداء الجزية، وأما قوله: وأقر عينك، فمعناه سكن الله حركتها أي أعماها، وأما قوله: وجعل يومي قبل يومك، أي جعل الله يومي الذي أدخل فيه الجنة قبل يومك الذي تدخل فيه النار، وأما قوله: إنه ليسرني ما يسرك، فإن العافية تسره كما تسر الآخر. فانظر إلى الاشتراك وفائدته، ولولا الاشتراك ما تهيأ لمتستر مراد ولا سلم له في التخلص قياد.
وكان حماد الراوية لا يقرأ القرآن، فكلفه بعض الخلفاء القراءة في المصحف، فصحف في نيف وعشرين موضعا من جملتها قوله تعالى: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ 68
بالغين المعجمة والسين المهملة . وقوله: وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ


 
 توقيع : تيماء









z.s




رد مع اقتباس
قديم 08-08-2018, 09:24 PM   #79


الصورة الرمزية د/ نور اليقين
د/ نور اليقين غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 8086
 تاريخ التسجيل :  15 - 9 - 2017
 أخر زيارة : 17-10-2018 (11:29 PM)
 المشاركات : 10,789 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Morocco
 الجنس ~
Female
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Navajowhite
افتراضي





 
 توقيع : د/ نور اليقين


.
.







رد مع اقتباس
قديم 08-08-2018, 09:25 PM   #80


الصورة الرمزية تيماء
تيماء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7482
 تاريخ التسجيل :  27 - 10 - 2016
 أخر زيارة : 02-01-2023 (09:51 PM)
 المشاركات : 106,303 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Lebanon
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Floralwhite
افتراضي



لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ
بالباء الموحدة لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً
بالباء الموحدة. وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ
بالجيم والباء الموحدة هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً
بالزاي وترك الهمزة عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ
بالسين المهملة صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً
بالنون والعين المهملة.
سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي
بإسقاط التاء. بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ
بالغين المعجمة والراء المهملة قرن الشقاق بالغرة، وهذا لا يقع إلا من الأذكياء.
وحكي أن المأمون ولّى عاملا على بلاد، وكان يعرف منه الجور في حكمه، فأرسل إليه رجلا من أرباب دولته ليمتحنه، فلما قدم عليه أظهر له أنه قدم في تجارة لنفسه، ولم يعلمه أن أمير المؤمنين عنده علم منه، فأكرم نزله وأحسن إليه، وسأله أن يكتب كتابا إلى أمير المؤمنين المأمون يشكر سيرته عنده ليزداد فيه أمير المؤمنين رغبة، فكتب كتابا فيه بعد الثناء على أمير المؤمنين: أما بعد، فقد قدمنا على فلان، فوجدناه آخذا بالعزم، عاملا بالحزم، قد عدل بين رعيته، وساوى في أقضيته، أغنى القاصد، وأرضى الوارد، وأنزلهم منه منازل الأولاد، وأذهب ما بينهم من الضغائن والأحقاد، وعمّر منهم المساجد الدائرة، وأفرغهم من عمل الدنيا، وشغلهم بعمل الآخرة، وهم مع ذلك داعون لأمير المؤمنين يريدون النظر إلى وجهه والسلام. فكان معنى قوله: اخذا بالعزم، أي إذا عزم على ظلم أو جور، فعله في الحال، وقوله: قد عدل بين رعيته وساوى في أقضيته، أي أخذ كل ما معهم حتى ساوى بين الغني والفقير، وقوله: عمّر منهم المساجد الدائرة، وأفرغهم من عمل الدنيا، وشغلهم بعمل الآخرة، يعني أن الكل صاروا فقراء لا يملكون شيئا من الدنيا، ومعنى قوله: يريدون النظر إلى وجه أمير المؤمنين، أي ليشكوا حالهم وما نزل بهم. فلما جاء الكتاب إلى المأمون عزله عنهم لوقته، وولّى عليهم غيره.
ومن ذلك ما حكي أن القاضي الفاضل كان له صديق خصيص به، وكان صديقه هذا قريبا من الملك الناصر صلاح الدين، وكان فيه فضيلة تامة، فوقع بينه وبين الملك أمر، فغضب عليه، وهمّ بقتله، فتسحب إلى بلاد التتر، وتوصل إلى أن صار وزيرا عندهم، وصار يعرف التتر كيف يتوصل إلى الملك الناصر بما يؤذيه، فلما بلغه ذلك نفر منه وقال للفاضل: اكتب إليه كتابا عرّفه فيه أنني أرضى عليه، واستعطفه غاية الاستعطاف إلى أن يحضر، فإذا حضر قتلته، واسترحت منه، فتحير الفاضل بين الاثنين، صديقه يعز عليه، والملك لا يمكنه مخالفته، فكتب إليه كتابا واستعطفه غاية الاستعطاف، ووعده بكل خير من الملك، فلما انتهى الكتاب ختمه بالحمدلة والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم وكتب إن شاء الله تعالى كما جرت به العادة في الكتب، فشدد «إن» ثم أوقف الملك على الكتاب قبل ختمه، فقرأه في غاية الكمال وما فهم إن، وكان قصد الفاضل إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ
، فلما وصل الكتاب إلى الرجل فهمه، وكتب جوابه بأنه سيحضر عاجلا، فلما أراد أن ينهي الكتاب، ويكتب إن شاء تعالى مد النون وجعل في آخرها ألفا وأراد بذلك إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها
فلما وصل الكتاب إلى الفاضل فهم الإشارة، ثم أوقف الملك على الجواب بخطه، ففرح بذلك.
وحكي: أن بعض الملوك طلع يوما إلى أعلى قصره يتفرج، فلاحت منه التفاتة، فرأى إمرأة على سطح دار إلى جانب قصره لم ير الراؤون أحسن منها، فالتفت إلى بعض جواريه، فقال لها: لمن هذه؟ فقالت: يا مولاي هذه زوجة غلامك فيروز، قال: فنزل الملك وقد خامره حبها، وشغف بها، فاستدعى بفيروز، وقال له: يا فيروز، قال:
لبيك يا مولاي، قال: خذ هذا الكتاب وامض به إلى البلد الفلانية، وائتني بالجواب، فأخذ فيروز الكتاب، وتوجه إلى منزله، فوضع الكتاب تحت رأسه، وجهّز أمره، وبات ليلته، فلما أصبح ودع أهله وسار طالبا لحاجة الملك، ولم يعلم بما قد دبره الملك، وأما الملك فإنه لما توجه فيروز قام مسرعا وتوجه متخفيا إلى دار فيروز، فقرع الباب قرعا خفيفا، فقالت امرأة فيروز: من بالباب؟ قال: أنا
الملك سيد زوجك، ففتحت له، فدخل وجلس، فقالت له: أرى مولانا اليوم عندنا، فقال: زائر. فقالت: أعوذ بالله من هذه الزيارة. وما أظن فيها خيرا، فقال لها:
ويحك إنني الملك سيد زوجك، وما أظنك عرفتني فقالت: بل عرفتك يا مولاي، ولقد علمت أنك الملك، ولكن سبقتك الأوائل في قولهم:
سأترك ماءكم من غير ورد ... وذاك لكثرة الورّاد فيه
إذا سقط الذباب على طعام ... رفعت يدي ونفسي تشتهيه
وتجتنب الأسود ورود ماء ... إذا كان الكلاب ولغن فيه
ويرتجع الكريم خميص بطن ... ولا يرضى مساهمة السفيه
وما أحسن يا مولاي قول الشاعر:
قل للذي شفّه الغرام بنا ... وصاحب الغدر غير مصحوب
والله لا قال قائل أبدا ... قد أكل الليث فضلة الذيب
ثم قالت: أيها الملك تأتي إلى موضع شرب كلبك تشرب منه، قال: فاستحيا الملك من كلامها وخرج وتركها، فنسي نعله في الدار، هذا ما كان من الملك.
وأما ما كان من فيروز، فإنه لما خرج وسار تفقد الكتاب، فلم يجده معه في رأسه، فتذكر أنه نسيه تحت فراشه، فرجع إلى داره، فوافق وصوله عقب خروج الملك من داره، فوجد نعل الملك في الدار، فطاش عقله، وعلم أن الملك لم يرسله في هذه السفرة إلا لأمر يفعله، فسكت ولم يبد كلاما، وأخذ الكتاب، وسار إلى حاجة الملك، فقضاها، ثم عاد إليه، فأنعم عليه بمائة دينار، فمضى فيروز إلى السوق، واشترى ما يليق بالنساء، وهيأ هدية حسنة وأتى إلى زوجته، فسلم عليها، وقال لها: قومي إلى زيارة بيت أبيك، قالت وما ذاك؟ قال: إن الملك أنعم علينا وأريد أن تظهري لأهلك ذلك.
قالت: حبا وكرامة، ثم قامت من ساعتها، وتوجهت إلى بيت أبيها، ففرحوا بها، وبما جاءت به معها، فأقامت عند أهلها شهرا، فلم يذكرها زوجها ولا ألم بها، فأتى إليه أخوها، وقال له يا فيروز: إما أن تخبرنا بسبب غضبك، وإما أن تحاكمنا إلى الملك، فقال: إن شئتم الحكم، فافعلوا، فما تركت لها عليّ حقا، فطلبوه إلى الحكم، فأتى معهم.
وكان القاضي إذ ذاك عند الملك جالسا إلى جانبه، فقال أخو الصبية: أيد الله مولانا قاضي القضاة إني أجّرت هذا الغلام بستانا سالم الحيطان ببئر ماء معين عامرة، وأشجار مثمرة، فأكل ثمره، وهدم حيطانه، وأخرب بئره، فالتفت القاضي إلى فيروز، وقال له: ما تقول يا غلام؟
فقال فيروز: أيها القاضي قد تسلمت هذا البستان وسلمته إليه أحسن ما كان، فقال القاضي: هل سلم إليك البستان كما كان؟
قال: نعم، ولكن أريد منه السبب لرده.
قال القاضي: ما قولك؟
قال: والله يا مولاي ما رددت البستان كراهة فيه، وإنما جئت يوما من الأيام، فوجدت فيه أثر الأسد، فخفت أن يغتالني، فحرمت دخول البستان إكراما للأسد، قال:
وكان الملك متكئا فاستوى جالسا، وقال: يا فيروز ارجع إلى بستانك آمنا مطمئنا، فو الله إن الأسد دخل البستان ولم يؤثر فيه أثرا، ولا التمس منه ورقا، ولا ثمرا ولا شيئا، ولم يلبث فيه غير لحظة يسيرة، وخرج من غير بأس، وو الله ما رأيت مثل بستانك، ولا أشد احترازا من حيطانه على شجره، قال: فرجع فيروز إلى داره، ورد زوجته، ولم يعلم القاضي ولا غيره بشيء من ذلك والله أعلم.
وهذا كله مما يأتي به الإنسان من غرائب الكنايات الواردة على سبيل الرمز، ومنه ما يجده المتستر في أمره من الراحة في كتمان حاله مع لزوم الصدق، ورضا الخصم بما وافق مراده لأن في المعاريض مندوحة عن الكذب.
كما روي في غزوة بدر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان سائرا بأصحابه يقصد بدرا، فلقيهم رجل من العرب فقال: ممن القوم؟
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: من ماء. أخذ ذلك الرجل يفكر ويقول: من ماء من ماء يرددها لينظر أي العرب يقال لهم ماء، فسار النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه لوجهته، وكان قصده أن يكتم أمره وقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله، فإن الله عز وجل قال: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ 5 خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ 6
وكما روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال للكافر الذي سأله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت ذهابهما إلى الغار: هو رجل يهديني السبيل، وقد صدق فيما قال رضي الله عنه، فقد هداه الله وهدانا السبيل، ولا سبيل أوضح ولا أقوم من الإسلام.
وكما حكي عن الإمام الشافعي رضي الله عنه أنه لما سأله بعض المعتزلة بحضرة الرشيد ما تقول في القرآن؟
فقال الشافعي: إياي تعني، قال: نعم. قال: مخلوق، فرضي خصمه منه بذلك، ولم يرد الشافعي إلا نفسه.
وكما حكي عن ابن الجوزي رحمه الله تعالى أنه سئل وهو على المنبر وتحته جماعة من مماليك الخليفة وخاصته، وهم فريقان قوم سنية وقوم شيعة، فقيل له: من أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر أم علي رضي الله عنهما، فقال: أفضلهما بعده من كانت ابنته تحته، فأرضى الفريقين ولم يرد إلا أبا بكر رضي الله عنه لأن الضمير في ابنته يعود إلى أبي بكر رضي الله عنه، وهي عائشة رضي الله عنها، وكانت تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والشيعة ظنوا أن الضمير في ابنته يعود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي فاطمة رضي الله عنها، وكانت تحت علي رضي الله عنه، فهذه منه جيدة حسنة وكلمة باتت جفون الفريقين منها وسنة، والله أعلم.


 
 توقيع : تيماء









z.s




رد مع اقتباس
قديم 08-08-2018, 09:27 PM   #81


الصورة الرمزية تيماء
تيماء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7482
 تاريخ التسجيل :  27 - 10 - 2016
 أخر زيارة : 02-01-2023 (09:51 PM)
 المشاركات : 106,303 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Lebanon
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Floralwhite
افتراضي





نوركِ أبلغ من كل الكلام
يا عميدتي وأستاذتي
وغاليتي الدكتور ألماسة
من القلب لكِ المحبة والسلام





 
 توقيع : تيماء









z.s




رد مع اقتباس
قديم 08-08-2018, 09:28 PM   #82


الصورة الرمزية تيماء
تيماء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7482
 تاريخ التسجيل :  27 - 10 - 2016
 أخر زيارة : 02-01-2023 (09:51 PM)
 المشاركات : 106,303 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Lebanon
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Floralwhite
افتراضي



باب كيف يقال العدد
من كتاب إصلاح المنطق لابن السكِّيت


وتقول: صُمْنا خمساً من الشهر، فيغلبون الليالي على الأيام إذا لم يذكروا الأيام، وإنما يَقَع الصِّيَام على الأيام ليلة كل يوم قبله, فإذا أظهروا الأيام قالوا: صُمنا خمسة أيام, وكذلك: أَقَمنا عنده عشراً، فإذا قالوا: أقمنا عنده عشراً بين يوم وليلة، غلبوا التأنيث, قال الجعدي:
أقامت ثلاثاً بين يوم وليلة ... وكان النكيرُ أن تضيف وَتَجْأَرَا
وتقول: له خمس من الإبل، وإن عنيت أجمالاً؛ لأن الإبل مؤنثة، وكذلك له خمس من الغنم، وإن عنيت أكبشاً؛ لأن الغنم مؤنثة, وتقول للمذكر: واحد، واثنان، وثلاثة، إلى العشرة، تثبت الهاء, فمن ذلك ثلاثة أفلس، وثلاثة دراهم، وأربعة أكلب، وخمسة قراريط، وستة أبيات، فكله بالهاء, ومن كلام العامة، أن يحذفوا الهاء, وإذا أردت المؤنث قلت: واحدة، واثنتان، وثنتان، وثلاث، وأربع، إلى العشر، بإسقاط الهاء, تقول: ثلاث أَدْؤُر، وأربع نِسْوة، وخمس أَيْنُق, فإذا جاوزت العشرة قلت في المذكر: أحد عشر، ومن العرب من يسكن العين أحد عُشَر، وكذلك يسكنها إلى تسعة عشر، إلا الاثنى عشر، فإن العين لا تسكن لسكون الألف والياء قبلها, والعدد منصوب ما بين أحد عشر إلى تسعة عشر في الرفع والنصب والخفض، إلا اثنى عشر فإنه يعرب؛ لأنه على هجاءين، وإنما نصب لأن الأصل أحدٌ وعشرة، فأسقطت الواو وصيرا جميعاً اسماً واحداً، كما تقول: هو جاري بيتَ بيتَ، منصوب غير منون، والأصل بيتٌ لبيتٍ، أو بيت إلى بيت، فأَلْقَيْت الصفة وصيرا جميعاً اسماً واحداً, وكذلك: لَقِيتُهُ كفةَ كفةَ، فإذا جاءوا باللام أعربوا ونونوا، قالوا: لقيته كفة لكفةٍ, وتقول في المؤنث: إحدى عشرة، ومن العرب من يكسر الشين فيقول: عَشِرةَ، وكذلك اثنتا عَشِرة وثنتا عَشِرة, وتسقط الهاء من النيف فيما بين ثلاث عشرة، إلى تسع عشرة، وتثبتها في العَشَرة, والواحد المفسر منصوب فإذا صرت إلى العشرين وسائر العقود استوى المذكر والمؤنث، فقلت: عِشْرون رجلاً وعِشْرون امرأة، والمفسر منصوب في ذلك كله، فإذا بلغت المائة كان المفسر مخفوضاً، فقلت: مائة رجلٍ ومائة امرأةٍ، فيستوي في ذلك المذكر والمؤنث, وكذلك في الألف, والألف مذكر، يقال: ألف واحدٌ، ولا يقال ألف واحدة, وتقول: هذا ألف، وألف أَقْرَع، ولا يقال قرعاء, ولو قلت هذه ألف, تعني هذه الدراهم ألف لجاز, وتقول: قد آَلَف القوم، إذا صاروا أَلْفًا, وقد أَمْأَت الدراهم، إذا صارت مائة, وتقول: ثَلَاثمائة، ولو قلت: ثَلَاث مئين لكان جائزًا، وثلاث مِئٍ مثل مِعْيٍ, وقال مزرد:
وما زودودني غير سحق عمامة ... وخمس مِىءٍ منها قسي وزائف
ولو قلت: مِئَات، لجاز, وحكى الفراء عن بعض الأعراب: معي عشرة فآحدهن لي أن صيرهن أحد عشر, وتقول: هذا الواحد والثاني والثالث، إلى العشرة,
وتقول: هو ثاني اثنين، أي أحد اثنين، وهو ثالثُ ثلاثة، مضاف، إلى العشرة، ولا ينون, فإذا اختلفا، فقلت: رابعُ ثلاثة، كان لك الوجهان: الإضافة إن شئت والتنوين، كما قلت: هو ضارب عمراً وهو ضارب عمرٍو؛ لأن معناه الوقوع، أي كملهم أربعة بنفسه, وإذا اتفقا فالإضافة لا غير؛ لأنه في مذهب الإسماء, وتقول: هو ثاني واحد وثانٍ واحداً، بمعنى ثنَّى واحداً, وكذلك: ثالث اثنين أي ثلث اثنين، صيرهم ثلاثة بنفسه, "وتقول في المؤنث: هي ثانية اثنتين وثنتين، وهي ثالثة ثلاث إلى العشر، وتقول: هي عاشرة عشر، فإذا كان فيهن مذكر، قلت: هي ثالثة ثلاثة، وهي عاشرة عشرة، فيغلب المذكر المؤنث, وتقول: هو ثالث ثلاثة عشر، أي هو أحدهم, وفي المؤنث هي ثالثة ثلاث عشرة لا غير، الرفع في الأول لا غير", وتقول: هذا ثالثُ عشر وثالثَ عشر يا هذا، بالرفع والنصب، وكذلك إلى تسعة عشر, فمن رفع قال: أردت ثالثُ ثلاثة عشر فألقيت الثلاثة وتركت ثالثاً على إعرابه, ومن نصب، قال: أردت ثالثَ ثلاثة عشر فلما أسقطت الثلاثة ألزمت إعرابها الأول، ليعلم أن ها هنا شيئاً محذوفاً, وتقول في المؤنث: هي ثالثةُ عشرة, وثالثةَ عشرة، وتفسير المؤنث مثل المذكر, وتقول: هذا الحادي عشر, وهذا الثاني عشر، وكذلك الثالث عشر إلى العشرين، مفتوح كله، وفي المؤنث: هذه الحادية عشرة والثانية عشرة إلى العشرين، تدخل الهاءَ فيها جميعاً, وتقول: قد ثلثت القوم أثلثُهم ثلثاً، إذا كنت ثالثهم أو كمَّلتهم ثلاثة بنفسك, وكذلك هو مكسور في الاستقبال إلى العشرة، إلا الأربعة والسبعة والتسعة، فإن المستقبل مفتوح لمكان العين، وإذا كانت عين الفعل أو لام الفعل أحد الستة الأحرف، وهي حروف الحلق، أتى كثيراً على فعل يفعل, وقد يأتي على القياس فيأتي مستقبله مكسورًا ومضموماً, وحروف الحلق: الحاء والخاء والعين والغين والهمزة والهاءُ, وتقول: قد ثَلَثْتُ القوم أَثْلُثُهُمْ ثَلْثًا، إذا أخذت ثلث أموالهم، وكذلك تضم المستقبل إلى العشرة إلا في ثلاثة أحرف: الأربعة والسبعة والتسعة, قال الشاعر:
إنْ تَثْلِثُوا نَرْبَع وإن يك خامسٌ ... يكن سادسٌ حتى يبيركم القتل
وتقول: جاء فلانٌ ثالثاً، وجاءَ فلانٌ رابعاً، وجاء فلان خامساً وخامياً، وجاء فلانٌ سادسا وسادياً وساتاً, قال الشاعر:
مضى ثلاث سنين منذ حل بها ... وعام حلت وهذ التابع الخامي
وقال الآخر:
إذا ما عد أربعة فسال ... فزوجك خامس وحموك سَادِي
فمن قال: سادس بناه على السدس، ومن قال ساتا بناه على لفظ، ستة وست والأصل سدسة، فأدغمت الدال في السين فصارت تاء مشددة، ومن قال سادياً وخامياً أبدل من السين ياء، وقد يبدلون بعض الحروف ياء، قالوا: أما وأيما، قال: وسمعت أبا عمرو، يقول: قول الله جل ثناؤه: {فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ} [البقرة: 259] أي لم يتغير، من قوله: {حَمَأٍ مَسْنُونٍ} [الحجر: الآية 26] ، قال: فقلت له: إن مسنوناً من ذوات التضعيف ويتسن من ذوات الياء؟ قال: أبدلوا النون من يتسنن ياء، كما قالوا: تظنيت، وإنما الأصل تظننت، وقال العجاج:
تقضِّي البازي إذا البازي كسر
أراد تقضض، وحكى الفراء عن القناني: قصيت أظفاري، وحكى ابن الأعرابي: خرجنا نتلعى، أي نأخذ اللعاعة، وهو بقل ناعم في أول ما يبدو، قال الأصمعي: وقولهم تسريت، أصلها تسررت من السر، وهو النكاح، وتقول: عندي ستة رجال ونسوةٍ، أي عندي ثلاثة من هؤلاء وثلاث من هؤلاء، وإن شئت قلت: عندي ستة رجال ونسوةٌ، فنسقت بالنسوة على الستة، أي عندي ستة من هؤلاء وعندي نسوة، وكذلك كل عدد احتمال أن يفرد منه جمعان، فلك فيه الوجهان، فإذا كان عدد لا يحتمل أن يفرد منه جمعان فالرفع لا غير، تقول: خمسة رجال ونسوةٌ، ولا يكون الخفض وكذلك الأربعة والثلاثة، وقال الكسائي: إذا أدخلت في العدد الألف واللام فأدخلها في العدد كله، فتقول: ما فعلت الأحد العشر الألف الدرهم، والبصريون يدخلون الألف واللام في أوله، فيقولون: ما فعلت الأحد عشر ألف درهم، ويقولون: هذه خمسة أثواب، فإذا أدخلت الألف واللام قلت: هذه الخمسة الأثواب، وإن شئت قلت: خمسة الأثواب، وإن شئت قلت: الخمسة الأثواب، وأجريتها مجرى النعت، وكذلك إلى العشرة، قال ذو الرمة:
وهل يرجع التسليم أو يكشف العمى ... ثلاث الأثافي والرسوم البلاقع
وقال الآخر:
ما زال مذ عقدت يداه إزاره ... فسما وأدرك خمسة الأشبار
وتقول: عندي خمسةُ دراهم ترفع الهاء، وعندي خمسة دَّراهم مدغم جميعًا لفظها منصوب في اللفظ؛ لأن الهاء من خمسة تصير تاء في الوصل فتدغم في الدال، فإذا أدخلت في دراهم الألف واللام قلت: عندي خمسةُ الدراهم تضم الهاء، ولا يجوز الإدغام؛ لأنك قد أدغمت "اللام في الدال، فلا يجوز أن تدغم الهاء من خمسة وقد أدغمت" ما بعدها.


 
 توقيع : تيماء









z.s




رد مع اقتباس
قديم 08-08-2018, 09:35 PM   #83


الصورة الرمزية تيماء
تيماء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7482
 تاريخ التسجيل :  27 - 10 - 2016
 أخر زيارة : 02-01-2023 (09:51 PM)
 المشاركات : 106,303 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Lebanon
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Floralwhite
افتراضي



فصاحة الألفاظ ومطابقتها للمعاني
من كتاب جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب لأحمد الهاشمي


فصاحة الألفاظ تكون بثلاثة أوجه: الأول مجانبة الغريب الوحشي حتى لا يمجه سمع ولا ينفر منه طبع. والثاني تنكب اللفظ المبتذل والعدول عن الكلام المسترذل حتى لا يستسقطه خاصي ولا ينبو عنه فهم عامي كما قال الجاحظ في "كتاب البيان": أما أنا فلم أر قوماً أمثل طريقة في البلاغة من الكتاب وذلك أنهم قد التمسوا من الألفاظ ما لم يكن متوعراً وحشياً ولا ساقطاً عامياً.
والثالث أن يكون بين الألفاظ ومعانيها مناسبة ومطابقة. أما المطابقة فهي أن تكون الألفاظ كالقوالب لمعانيها فلا تزيد عليها ولا تنقص عنها. وأما المناسبة فهي أن يكون المعنى يليق ببعض الألفاظ إما لعرف مستعمل أو لاتفاق مستحسن حتى إذا ذكرت تلك المعاني بغير تلك الألفاظ كانت نافرة عنها وإن كانت أفصح وأوضح لاعتياد ما سواها.
(أدب الدين والدنيا باختصار)

حقيقة الفصاحة
اعلم أن هذا موضوع متعذر على الوالج ومسلك متوعر على الناهج. ولم تزل العلماء من قديم الوقت وحديثه يكثرون القول فيه والبحث عنه. ولم أجد من ذلك ما يعول عليه إلا القليل.
وغاية ما يقال في هذا الباب أن الفصاحة هي الظهور والبيان في أصل الوضع اللغوي يقال: أفصح الصبح إذا ظهر. ثم إنهم يقفون عند ذلك لا يكشفون عن السر فيه. وبهذا القول لا تتبين حقيقة الفصاحة لأنه يعترض عليه بوجوه من الاعتراضات. أحدها أنه إذا لم يكن اللفظ ظاهراً بيناً لم يكن فصيحاً ثم إذا ظهر وتبين صار فصيحاً الوجه الثاني إنه إذا كان اللفظ الفصيح هو الظاهر البين فقد صار ذلك بالنسب والإضافات إلى الأشخاص. فإن اللفظ قد يكون ظاهراً لزيد ولا يكون ظاهراً لعمرو. فهو إذاً فصيح عند هذا وغير فصيح عند هذا. وليس كذلك بل الفصيح هو فصيح عند الجميع لا خلاف فيه بحال من الأحوال. لأنه إذا تحقق حد الفصاحة وعرف ما هي لم يبق في اللفظ الذي يختص به خلاف. الوجه الثالث أنه إذا جيء بلفظ قبيح ينبو عنه السمع وهو مع ذلك ظاهر بين ينبغي أن يكون فصيحاً. وليس كذلك لأن الفصاحة وصف حسن للفظ لا وصف قبح.
ولما وقفت على أقوال الناس في هذا الباب ملكتني الحيرة فيها ولم يثبت عندي منها ما أعول عليه. ولكثرة ملابستي هذا الفن ومعاركتي إياه انكشف لي السر فيه وسأوضحه في كتابي هذا وأحقق القول فيه فأقول: إن الكرم الفصيح هو الظاهر البين. وأعني بالظاهر البين أن تكون ألفاظه مفهومة لا يحتاج في فهمها إلى استخراج من كتاب لغة. وإنما بهذه الصفة لأنها تكون مألوفة الاستعمال دائرة في الكلام دون غيرها من الألفاظ لمكان حسنها. وذلك أن أرباب النظم والنثر غربلوا اللغة باعتبار ألفاظها وسبروا وقسموا. فاختاروا الحسن من الألفاظ حتى استعملوه وعلموا القبيح منها فلم يستعملوه. فحسن الاستعمال سبب استعمالها دون غيرها. واستعمالها دون غيرها سبب ظهورها وبيانها. فالفصيح إذاً من الألفاظ هو الحسن.
فإن قيل من أي وجه علم أرباب النظم والنثر الحسن من الألفاظ حتى استعملوه وعلموا القبيح منها حتى نفوه ولم يستعملوه قلت في الجواب: إن هذا من الأمور المحسوبة التي شاهدها من نفسها. لأن الألفاظ داخلة في حيز الأصوات. فالذي يستلذه السمع منها ويميل إليه هو الحسن. والذي يكرهه وينفر عنه هو القبيح. ألا ترى أنى السمع يستلذ صوت البلبل من الطير وصوت الشحرور ويميل إليهما ويكره صوت الغراب وينفر عنه. وكذلك يكره نهيق الحمار ولا يجد ذلك في صهيل الفرس. . والألفاظ جارية هذا المجرى فإنه لا خلاف في أن لفظة المزنة والديمة حسنة يستلذها السمع. وإن لفظة البعاق قبيحة يكرهها السمع. وهذه اللفظات الثلاث من صفة المطر وهي تدل على معنى واحد. ومع هذا فإنك ترى لفظتي المرنة والديمة وما جرى مجراهما مألوفتي الاستعمال وترى لفظ البعاق وما جرى مجراه متروكا لايستعمل. وإن استعمل فإنما يستعمله جاهل بحقيقة الفصاحة أو من ذوقه غير ذوق سليم. ولا جرم أنه ذم وقدح فيه ولم يلتفت إليه وإن كان عربيا محضا من الجاهلية الأقدمين. فإن حقيقة الشيء إذا علمت وجب الوقوف عندها ولم يعرج على ما خرج عنها.
(عن ابن الأثير باختصار)


 
 توقيع : تيماء









z.s




رد مع اقتباس
قديم 08-08-2018, 09:38 PM   #84


الصورة الرمزية تيماء
تيماء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7482
 تاريخ التسجيل :  27 - 10 - 2016
 أخر زيارة : 02-01-2023 (09:51 PM)
 المشاركات : 106,303 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Lebanon
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Floralwhite
افتراضي



الفصحى بين الجمود والتحرر
من كتاب بحوث ومقالات في اللغة للدكتور رمضان عبد التواب



العربية الفصحى لها ظرف خاص، لم يتوفر لأية لغة من لغات العالم. وهذا الظرف يجعلنا نرفض ما ينادي به بعض الغافلين -عن حسن نية، أو سوء نية أحيانا- من ترك الحبل على الغارب للعربية الفصحى، لكي تتفاعل مع العاميات، تأخذ منها وتعطي، كما يحدث في اللغات كلها.
حقا أن اللغة كائن حي، تتطور على ألسنة المتكلمين بها، فينشأ من هذا التطور، اختلاف بين لغة عصر والعصر الذي سبقه. وهنا يحدث الصراع بين أنصار الشكل القديم وأنصار الشكل الجديد، وبعد فترة يصبح قديما ما كان بالأمس جديدا، فيتصارع مع جديد آخر، وتضمحل لغة العصر الأسبق أو تندثر. غير أن كل جديد لا يظهر فجأة، ولا يقضي على القديم بين يوم وليلة، بل يظل الصراع بينهما لفترة قد تطول أو تقصر، غير أن الانتصار يكون في النهاية للشكل الجديد، تلك سنة الحياة، وتاريخ اللغات جميعها يشهد بهذا، ولا نعرف لغة على ظهر الأرض، جمدت على شكل واحد مئات السنين.
غير أن العربية الفصحى، لها كما قلنا، ظرف لم يتوفر لأية لغة من لغات العالم، ذلك أنها ارتبطت بالقرآن الكريم، منذ أربعة عشر قرنا، ودون بها التراث العربي الضخم، الذي كان محوره هو القرآن الكريم، في كثير من مظاهره. وقد كفل الله لها الحفظ ما دام يحفظ دينه، فقال عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} . ولولا أن شرفها الله عز وجل فأنزل بها كتابه، وقيض له من خلقه من يتلوه صباح مساء، ووعد بحفظه على تعاقب الأزمان، لولا كل هذا، لأمست العربية الفصحى لغة أثرية، تشبه اللاتينية أو السنسكريتية، ولسادات اللهجات العربية المختلفة في نواحي الأرض العربية، وازدادت على مر الزمان بعدا عن الأصل الذي انسلخت منه.
هذا هو السر الذي يجعلنا لا نقيس العربية الفصحى، بما يحدث في اللغات الحية المعاصرة، فإذا أقصى عمر هذه اللغات في شكلها الحاضر، لا يتعدى قرنين من الزمان، فهي دائمة التطور والتغير، وعرضة للتفاعل مع اللغات المجاورة، تأخذ منها وتعطي، ولا تجد في كل ذلك حرجا؛ لأنها لم ترتبط في فترة من فترات حياتها بكتاب كريم، كما هي الحال في العربية.
ولكن هل معنى هذا كله، أن العربية الفصحى لغة جامدة، تحجرت عبر عصور بادت وانقرضت، وفصل بيننا وبينها مئات السنين، مع أن طابع الحياة التجدد والتغير، والعالم يصحو كل يوم على جديد، في العلم والفن والسياسة والاجتماع؟!
نقول نحن في الرد على هذا التساؤل، الذي قد يخطر في ذهن بعض الناس: إن العربية الفصحى تحمل في طبيعة تكوينها عنصر التجدد والحياة، إن أفاد أهلها من منهجها العظيم في القياس، والاشتقاق، والنحت، والتعريب.
فلا حجر على أي مستخدم للفصحى، يصوغ جملا عربية، تشبه في نظامها جمل العرب، في موقع مفرداتها، وأبنية كلماتها، ودلالة ألفاظها، وإن لم تكن تلك الجمل بعينها مما قاله العرب. وقد أحسن ابن جني حين عقد في كتابه: "الخصائص" فصلا، ذهب فيه إلى أن ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب والاشتقاق المقصود هنا هو الاشتقاق الصرفي، وهو المعروف عند علماء اللغة باسم: "الاشتقاق الأصغر"، ويعرفه السيوطي بأنه: "أخذ صيغة من أخرى، مع اتفاقهما معنى ومادة أصلية وهيئة تركيب لها، ليدل بالثانية على معنى الأصل، بزيادة مفيدة، لأجلها اختلفا حروفا أو هيئة، كضارب من ضرب، وحَذِرٍ من حَذِرَ".
وهذا النوع من الاشتقاق قياسي؛ إذ لا يعقل أن يسمع عن أصحاب اللغة، جميع المشتقات في كل مادة من مواد اللغة، فكثير من تلك الصيغ، التي يجوز اشتقاقها لا وجود لها فعلا في نص صحيح من نصوص اللغة، فهناك فرق كبير بين ما يجوز لنا اشتقاقه من صيغ، وما اشتق فعلا، واستعمل في أساليب اللغة المروية عن العرب، فليس من الضروري أن يكون لكل فعل اسم فاعل، أو اسم مفعول، رويا لنا في نصوص اللغة، فربما لا يحتاج المتكلم أو الكاتب إلى كليهما من فعل من الأفعال، فالمشتقات تنمو وتكثير حين الحاجة إليها، وقد يسبق بعضها بعضا في الوجود، ولهذا يجدر بنا ألا نتصور أن الأفعال أو المصادر، حين عرفت في نشأتها، عرفت معها مشتقاتها، فقد تظل اللغة قرونا، وليس إلا الفعل وحده، أو المصدر وحده، حتى تدعو الحاجة إلى ما يشتق منهما.
ويخالف في هذا بعض قدامى اللغويين العرب، فيرون أنه لا قياس على كلام العرب في الاشتقاق، وأن كل كلام العرب توقيف. ومن هؤلاء ابن فارس اللغوي، الذي يقول: "إن الذي وقفنا على أن الاجتنان: التستر، هو الذي وقفنا على أن "الجِنَّ" مشتق منه، وليس لنا اليوم أن نخترع، ولا أن
نقول غير ما قالوه، ولا أن نقيس قياسا لم يقيسوه؛ لأن في ذلك فساد اللغة، وبطلان حقائقها".
وفي هذا القول غلو وإسراف في منع القياس على ما اشتقه العرب. ومن أتباع هذا الرأي في العصر الحاضر، أولئك الذي يخطئون استخدام: "تكاتف" بمعنى: تعاون، أي وضع كتفه إلى جانب كتف زميله، صنع من يتعاون مع غيره في حمل شيء ثقيل، فهم يخطئون هذه الاشتقاق؛ لأنه لم يرد في هذه الكلمة عن العرب القدماء، وما دروا أن الاشتقاق مذهب من مذاهب العربية، الذي يجدد شبابها على مر الزمن، وأنه قياسي كما ذهب إلى ذلك جمهور اللغويين.
والنحت ضرب من ضروب الاشتقاق في اللغة، وهو أن تعتمد إلى كلمتين، أو جملة فتنزع من مجموع حروف كلماتها، كلمة تدل على ما كانت تدل عليه الجملة نفسها. ولأبي الحسين أحمد بن فارس، اليد الطولى في هذا الموضوع، فهو إمام القائلين بالنحت بين اللغويين القدامي؛ إذ يقول: "واعلم أن للرباعي والخماسي مذهبا في القياس، يستنبطه النظر الدقيق، وذلك أن أكثر ما تراه منه منحوت. ومعنى النحت أن تؤخذ كلمتان، وتنحت منهما كلمة تكون آخذة منهما جميعا بحظ".
ويذكر ابن فارس، أن الخليل بن أحمد سبقه في هذا الرأي، وأنه يسير على منهجه في ذلك، فيقول: "والأصل في ذلك ما ذكره الخليل، من قولهم: حيعل الرجل، إذا قال: حي على. ومن الشيء الذي كأنه متفق عليه قولهم: عبشمي، وقوله:
وتضحك مني شيخة عبشمية ... كأن لم ترى قبلى أسيرا يمانيا
ولا شك في أن السير على نهج الفصحى في النحت، يعين على ترجمة كثير من المصطلحات العلمية الكثيرة، التي لا تؤدي العربية معناها عادة إلا بكلمتين أو أكثر، كقولنا في العصر الحاضر: "الدبابات البرمائية" بدلا من "البرية المائية" مثلا. وهذا طريق آخر من طرق تجديد العربية.
أما "التعريب"، فإنها كلمة تطلق على العملية التي تجرى على الكلمات الأجنبية، حين يدخلها العرب إلى لغتهم، ويعني هذا أن تلك الكلمات المستعارة في العربية، لم تبق على حالها تماما، كما كانت في لغاتها، وإنما حدث فيها أن طوعها العرب لمنهج لغتهم، في أصواتها وبنيتها وما شاكل ذلك. وليس هذا الأمر بدعا في العربية، إذ تخضع في الغالب الكلمات المقتبسة، للأساليب الصوتية في اللغة التي اقتبسها، فينالها كثير من التحريف في أصواتها وطريقة نطقها، وتبعد في جميع هذه النواحي عن صورتها القديمة.
وكان هذا دأب العرب في جاهليتهم، تجري على ألسنتهم بعض الألفاظ، التي يحتاجون إليها، من لغات الأمم المجاورة لهم، بعد أن ينفخوا فيها من روحهم العربية، ويتلقفها الشعراء منهم، فيدخلونها في أشعارهم وأرجازهم.
وقد طال الأمد على كثير من هذه الألفاظ في الجاهلية، وألف الناس استعمالها وصارت جزءا من لغتهم، وربما نسوا أصلها في كثير من الأحيان، وجاء القرآن الكريم، فأنزله الله تعالى بهذه اللغة العربية، التي أصبح بعض هذا المعرب من مقوماتها، فجاء فيه شيء من تلك الألفاظ، التي عربها القوم من لغات الأمم المجاورة.
وكان السلف الصالح من الصحابة والتابعين، يدركون ذلك تماما، فقد "روي عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وغيرهم، في أحرف كثيرة "من القرآن الكريم" أنه من غير لسان العرب، مثل: سجيل، والمشكاة، واليم، والطور، وأباريق، وإستبرق، وغير ذلك 1".
ولكن قول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} وقوله تعالى: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} ، جعل طائفة من مفكري الإسلام، تذهب إلى إنكار وقوع المعرب في كتاب الله، فهذا أبو عبيدة معمر بن المثنى، يقول: "من زعم أن في القرآن لسانا سوى العربية، فقد أعظم على الله القول".
وقد وازن أبو عبيد القاسم بن سلام، بين رأي شيخه أبي عبيدة، ورأي السلف الصالح، وانتهى إلى القول بعربية هذه الألفاظ، بعد أن عربتها العرب، فقال: "فهؤلاء أعلم بالتأويل من أبي عبيدة، ولكنهم ذهبوا إلى مذهب وذهب هذا إلى غيره، وكلاهما مصيب إن شاء الله، وذلك أن هذه الحروف بغير لسان العرب في الأصل، فقال أولئك على الأصل، ثم لفظت به العرب بألسنتها، فعربته فصار عربيا بتعريبها إياه. فهي عربية في هذا الحال، أعجمية الأصل".
ولكن الشيخ أحمد محمد شاكر، يواصل في العصر الحديث، حملة أبي عبيدة في القديم، على من يقول بوقوع المعرب في القرآن الكريم، فقد راح يتعقب الجواليقي في كتابه: "المعرب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم"، ويحاول أن يعثر على اشتقاق عربي للكلمات التي ذكرها الجواليقي في هذا الكتاب، معتسفا الطريق في محاولاته تلك تارة، وغافلا عن سنن اللغات في الاقتراض عن غيرها تارة أخرى.
وتعصب الشيخ في هذه القضية لا مبرر له؛ إذ الكلمة المعربة تصبح -كما قلنا من قبل- عربية، باستعمال العرب إياها على مناهجهم في لغتهم، غير أن ما دعا العلماء إلى القول بعدم أصالتها في العربية، أنها تدل على شيء لم يكن له وجود في الأصل، في البيئة العربية، وإنما هو وافد مع اسمه إلى تلك البيئة، كما وفدت علينا في العصر الحديث كلمات مثل: "تليفون، وراديو، وتليفزيون، مع أجهزتها التي سميت بها؛ لأن المفردات التي تقتبسها لغة ما، عن غيرها من اللغات، يتصل معظمها بأمور قد اختص بها أهل هذه اللغات، أو بروزا فيها، أو امتازوا بإنتاجها أو كثرة استخدامها، فمعظم ما انتقل إلى العربية من المفردات الفارسية واليونانية، يتصل بنواح مادية أو فكرية، امتاز بها الفرس واليونان، وأخذها عنهم العرب. وهكذا نرى أنه من العبث إنكار وقوع المعرب في العربية الفصحى والقرآن الكريم.
وقد وقف اللغويون العرب بالتعريب، عند عصور الاحتجاج، وهي تلك الفترة السعيدة، التي تشمل الجاهلية وصدر الإسلام وعصر بني أمية، وتعد بجميع ما فيها عربية فصحى، وما عداها مما جاء بعدها مولد لا يصح، يستوي في هذا التطور والتعريب الجديد.
وتقوم من آن لآخر صيحات، تنادي بأن نسير على طريقة العرب، في تعريب ما نحتاج إليه من ألفاظ اللغات المعاصرة، ومن هؤلاء عبد القادر المغربي، الذي ألف في ذلك كتابا سماه: "الاشتقاق والتعريب". وتتلخص فكرته، في أن الكلمات الدخيلة الدالة على الأحداث والمعاني لا تعتبر فصيحة، ولا يكون استعمالها من الحسن في شيء، وذلك لأن في اللغة ما يسد مسدها. ولكن هناك اختراعات، أوجدها قوم من غير أبناء لغتنا، ووضعوا لها أسماء: اخترعوا: الأوتوموبيل مثلا، وسموه بهذا الاسم، فنحن معشر العرب نأخذه ونأخذ اسمه. كما أخذ أسلافنا المنجنيق واسمه من لغة اليونان.
وقد وقف مجمع اللغة العربية في مصر، من هذه القضية، موقف المتشدد؛ إذ لم يجز إلا تعريب الألفاظ الفنية والعلمية، التي يعجز عن إيجاد مقابل لها في العربية. ولقد لخص الدكتور علي عبد الواحد وافي، موقفه ذلك أحسن تلخيص، فقال: أما ما استخدمه المولدون في مختلف العصور، وما أدخله بعض المحدثين في العصر الحاضر، أو يُرى إدخاله في اللغة العربية، من كلمات أجنبية تتعلق بالمخترعات، أو بالمصطلحات العلمية والفنية، فقد رأى مجمع اللغة العربية عدم جواز استعماله؛ لأن في العربية غنية عنه، ولأن في بطون معجماتها مئات الألوف من الكلمات المهجورة، الحسنة النغم والجرس، الكثيرة الاشتقاق، مما يصلح أن يوضع للمسميات الحديثة، بدون حدوث اشتراك؛ لأن بعضها من مراقد الإهمال والنسيان، يصيرها كأنها موضوعة وضعا جديدا.
وقد عُني المجمع بتطبيق قراره هذا، فوضع عددا كبيرا من الأسماء العربية لمسميات حديثة، جرت العادة باستخدام كلمات أجنبية في التعبير عنها. غير أنه قد احتاط للحالة التي قد تدعو فيها ضرورة قاهرة، إلى استخدام لفظ أعجمي في الشئون العلمية والفنية، ويتعذر إيجاد لفظ عربي يحل محله، فأجاز في هذه الحالة فقط، استخدام اللفظ الأعجمي، بعد صقله بالأساليب الصوتية العربية. وإليك نص قراره في هذا الموضوع: "يجيز المجمع أن يستعمل بعض الألفاظ الأعجمية عند الضرورة، على طريقة: العرب في تعريبهم".
وفي رأيي أن اللغة لا تفسد بالدخيل بل حياتها في هضم هذا الدخيل لأن مقدرة لغة ما، على تمثل الكلام الأجنبي، تعد مزيّة وخصيصة لها، إن هي صاغته على أوزانها وصبته في قوالبها، ونفخت فيه من روحها.
والحق أن مشكلة تعريب ألفاظ العلم ومستحدثات الحضارة، هي مشكلتنا الحقيقية في العصر الحديث. ومجامعنا العلمية لم تستطع حتى الآن، معالجة هذه المشكلة معالجة حاسمة، فإنها تنتظر حتى يشيع اللفظ الأجنبي على كل لسان، وتستخدمه العامة والخاصة، وتنشره وسائل الأعلام المختلفة، ثم تسعى بعد فوات الأوان إلى محاربته، والبحث عن بديل له عند العرب القدماء، وبذلك يولد هذا اللفظ ميتا، لاشتهار اللفظ الأعجمي، وشيوعه على الألسنة. وكم من ألفاظ وضعتها المجامع اللغوية لمستحدثات الحضارة، غير أنها لم تتجاوز أبواب هذه المجامع، فمثلا: "المذياع" للراديو، و"المأوى" للوكاندة، و"الخيالة" للسينما و"الطارمة" للكشك، و"الملوحة" للسيمافور، و"المرناة" للتليفزيون، وغير ذلك من الألفاظ، ولدت ميتة لهذا السبب الذي ذكرته.
ولو أننا سمينا مستحدثات الحضارة بأسماء عربية، واصطلحنا على هذه التسمية أو تلك، عند أول ظهور هذا المستحدث الحضاري أو ذاك، وعملت وسائل الإعلام المختلفة عندنا، على ذيوعه وانتشاره، لارتبط في أذهان الناس بمسماه، وقضينا على هذه المشكلة من أساسها. وإنك لتعجب حين ترى الألمان يقومون في لغتهم بمثل ما ننادي به هنا، فمعظم المخترعات الأجنبية، لها عندهم أسماء ألمانية خالصة. وفي قدرتنا النسج على هذا المنوال للحفاظ على عروبة لغتنا، أمام هذا الغزو الهائل من الألفاظ الأجنبية، وفي ذلك حياة للغة، وتجديد لشبابها.


 
 توقيع : تيماء









z.s




رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
سطور , في , كتاب


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

الساعة الآن 07:43 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010