26-06-2018, 09:11 AM | #127 |
| ويقال أيضا: شاب الرجل، ثم شمط، ثم شاخ، ثم كبر، ثم توجه، ثم دلف، ثم دب، ثم مج، ثم هدج، ثم ثلب، ثم الموت. وقيل: ما السرور؟ قال: إدراك الحقيقة، واستنباط الدقيقة. وأما النفس الغضبية، فهم صاحبها منافسة الأكفاء ومغالبة الأقران ومكاثرة العشيرة. ومن ذلك ما أجاب به حصين بن المنذر، وقد قيل له: ما السرور؟ قال: لواء منشور، والجلوس على السرير، والسلام عليك أيها الأمير. وقيل للحسن بن سهل: ما السرور؟ قال: توقيع جائر، وأمر نافذ. وقيل لعبد الله بن الأهتم: ما السرور؟ قال: رفع الأولياء، ووضع الأعداء، وطول البقاء، مع الصحة والنماء. وقيل لزياد: ما السرور؟ قال: من طال عمره، ورأى في عدوه ما يسره. وقيل لأبي مسلم، صاحب الدعوة: ما السرور؟ قال: ركوب الهمالجة، وقتل الجبابرة. وقيل له: ما اللذة؟ قال: إقبال الزمان، وعز السلطان. وأما النفس البهيمية، فهم صاحبها طلب الراحة. وانهماك النفس على الشهوة من الطعام والشراب والنكاح. وعلى هذه الطبيعة البهيمية قسمت الفرس دهرها كله، فقالوا: يوم المطر للشرب، ويوم الريح للنوم، ويوم الدجن للصيد، ويوم الصحو للجلوس. قيل: ولما بلغ ابن خالويه ما قسمته الفرس من أيامها قال: ما كان أعرفهم بسياسة دنياهم! " يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون " . ولكن نبينا صلى الله عليه وسلم جزأ نهاره ثلاثة أجزاء: جزءا لله، وجزءا لأهله، وجزءا لنفسه؛ ثم جزأ جزأه بينه وبين الناس، فكان يستعين بالخاصة على العامة، ويقول: " أبلغوا حاجة من لا يستطيع إبلاغي. فإنه من أبلغ حاجة من لا يستطيع، آمنه الله يوم الفزع الأكبر " . قالوا: والطبيعة البهيمية هي أغلب الطبائع على الإنسان: لأخذها بمجامع هواه، وإيثار الراحة وقلة العمل. ومن ذلك قولهم: الرأى نائم، والهوى يقظان؛ وقولهم: الهوى إله معبود. ومن ذلك ما أجاب به امرؤ القيس، وقد قيل له: ما السرور؟ فقال: بيضاء رعبوبة، بالطيب مشبوبة، باللحم مكروبة. وكان مفتونا بالنساء. وقيل لأعشى بكر: ما السرور؟ قال: صهباء صافية، تمزجها ساقية، من صوب غادية. وكان مغرما بالشراب. وقيل لطرفة بن العبد: ما السرور؟ قال: مطعم هني، ومشرب روي، وملبس دفي، ومركب وطي. وكان يؤثر الخفض والدعة. وهو القائل: فلولا ثلاث هن من عيشة الفتى ... وعيشك! لم أحفل متى قام عودي فمنهن سبقي العاذلات بشربة ... كميت متى ما تعل بالماء تزبد وكري إذا نادى المضاف محنبا ... كسيد الغضا نبهته المتورد وتقصير يوم الدجن، والدجن معجب، ... ببهكنة تحت الخباء المعمد وسمع هذه الأبيات عمر بن عبد العزيز فقال: وأنا لولا ثلاث لم أحفل متى قام عودي: لولا أن أعدل في الرعية، وأقسم بالسوية، وأنفر في السرية. وقال عبد الله بن نهيك، عفا الله تعالى عنه: فلولا ثلاث هن من عيشة الفتى ... وعيشك، لم أحفل متى قام رامس فمنهن سبق العاذلات بشربة ... كأن أخاها مطلع الشمس ناعس ومنهن تجريد الكواعب كالدمى ... إذا ابتر عن أكفالهن الملابس ومنهن تقريط الجواد عنانه ... إذا ابتدر الشخص الخفي الفوارس وقيل ليزيد بن مزيد: ما السرور؟ فقال: قبلة على غفلة: وقيل لحرقة بنت النعمان: ما كانت لذة أبيك؟ قالت: شرب الجريال، ومحادثة الرجال. وقيل للحسن بن هانئ: ما السرور؟ فقال: مجالسة الفتيان، في بيوت القيان، ومنادمة الإخوان، على قضب الريحان؛ ثم أنشد: قلت بالقفص لموسى، ... ونداماي نيام: يا رضيعي ثدي أم ... ليس لي عنه فطام! إنما العيش سماع ... ومدام وندام. فإذا فاتك هذا، ... فعلى الدنيا السلام! الباب الثاني من القسم الأول من الفن الثاني أعضاء الإنسان وتشبيهها |
|
26-06-2018, 09:15 AM | #128 |
| وما وصف به طيب الريق والنكهة، وحسن الحديث، والنعمة، واعتدال القدود، ووصف مشي النساء. وهو مرتب على ترتيب بنية الإنسان في المذكر والمؤنث. الشعر وما قيل فيه قال الثعالبي عن أئمة اللغة: العقيقة، الشعر الذي يولد به الإنسان. الفروة، شعر معظم الرأس. الناصية، شعر مقدم الرأس. الذؤابة، شعر مؤخر الرأس. الفرع، شعر رأس المرأة. الغديرة، شعر ذؤابتها. الغفر، شعر ساقها. الدبب، شعر وجهها. الوفرة، ما بلغ شحمة الأذن من الشعر. اللمة، ما ألم بالمنكب منه. الطرة، ما غشى الجبهة منه. الجمة والغفرة، ما غطى الرأس منه. الهدب، شعر أشفار العين. الشارب، شعر الشفة العليا. العنفقة، شعر الشفة السفلى. المسربة، شعر الصدر. وفي الحديث أنه كان عليه الصلاة والسلام دقيق المسربة. الشعرة، العانة. الإسب، شعر الأست. الزبب، شعر بدن الرجل. ويقال بل هو كثرة الشعر في الأذنين. تفصيل أوصافه يقال: شعر جفال، إذا كان كثيرا. ووحف، إذا كان متصلا. وكث، إذا كان كثيرا كثيفا مجتمعا. ومعلنكس، ومعلنكك، إذا زادت كثافته. ومنسدر، إذا كان منبسطا. وسبط، إذا كان مسترسلا. ورجل، إذا كان غير جعد ولا سبط. وقطط، إذا كان شديد الجعودة. ومقلعط، إذا زاد على القطط. ومفلفل، إذا كان نهاية في الجعودة كشعر الزنج. وسخام، إذا كان حسنا لينا. ومغدودن، إذا كان طويلا ناعما. وقال الأصمعي: من لم يخف شعره قبل الثلاثين لم يصلع أبدا؛ ومن لم يحمل اللحم قبل الثلاثين لم يحمله أبدا. وصف به الشعر قال نصر بن أحمد، عفا الله تعالى عنه: سلسل الشعر فوق وجه، فحاكى ... ظلمة الليل فوق ضوء الصباح وقال ابن الرومي: وفاحم وارد يقبل مم ... شاه إذا اختال مرسلا غدره أقبل كالليل من مفارقه ... منحدرا لا يذم منحدره حتى تناهى إلى مواطنه ... يلثم من كل موطئ عفره كأنه عاشق دنا شغفا ... حتى قضى من حبيبه وطره وقال فتح الدين بن عبد الظاهر: حل ثلاثا يوم حمامه ... ذوائبا يعبق منها الغوال فقلت، والقصد ذؤاباته: ... يا سهري في ذي الليال الطوال! وقال آخر: قد علق القلب بدبوقة ... وجن منها فهو مفتون؟ واعجيا للعشق في حكمه ... بشعرة قيد مجنون! وقال آخر: رأيت على قد الحبيب ذؤابة ... فعيني على تلك الذؤابة تهمع يقول لي الواشون: مالك باكيا؟ ... فقلت: بعيني شعرة فهي تدمع وقال آخر: وشعرة عاينهنا ناظري ... على قوام مائس الخطرة فسال دمعا وهمي جفنه، ... والدمع لا شك من الشعرة وقال آخر: ولرب ممشوق القوام تضمه ... ممشوقة، فتعانقا غصنين أرخت ذوائبها وأسبل شعره، ... فتقابلا قمرين في ليلين شعور النساء قال بكر بن النطاح: بيضاء تسحب من قيام فرعها ... وتغيب فيه فهو جثل أسحم فكأنها فيه نهار ساطع، ... وكأنه ليل عليها مظلم وقال آخر: نشرت علي ذوائبا من شعرها، ... حذر الكواشح والعدو المحنق فكأنني وكأنها وكأنه ... صبحان باتا تحت ليل مطبق وقال عمر بن أبي ربيعة: سبته بوحف في العقاص كأنه ... عناقيد، دلاها من الكرم قاطف أسيلات أبدان، دقاق خصورها، ... وثيرات ما التفت عليه الملاحف وقال المتنبي: ومن كلما جردتها من ثيابها، ... كساها ثيابا غيرها الشعر الوحف وقال أيضا: دعت خلاخيلها ذوائبها، ... فجئن من فرقها إلى القدم وقال في أخرى: |
|
26-06-2018, 09:15 AM | #129 |
| نشرت ثلاث ذوائب من شعرها ... في ليلة، فأرت ليالي أربعا واستقبلت قمر السماء بوجهها، ... فأرتني القمرين في وقت معا وقد ألم في ذلك بقول ابن المعتز: سقتني في ليل شبيه بشعرها ... شبيهة خديها بغير رقيب فأمسيت في ليلين بالشعر والدجى، ... وشمسين من خمر وخد حبيب وقال ابن المعتز: فلما أن قضت وطرا وهمت ... على عجل بأخذ للرداء، رأت شخص الرقيب على تدان ... فأسبلت الظلام على الضياء. وغاب الصبح منها تحت ليل، ... وظل الماء يقطر فوق ماء. وقال ابن لنكك: هل طالب ثأر من قد أهدرت دمه ... بيض، عليهن نذر قتل من عشقا؟ من العقائل ما يخطرن عن عرض ... إلا أرينك في قد قنا ونقا. رواعف بخدود زانها سبج ... قد زرفن الحسن في أصداغها حلقا. نواشر في الضحى من فرعها غسقا، ... وفي ظلام الدجى من وجهها فلقا. أعرن غيد ظباء روعت غيدا، ... والورد توريد خد، والمها حدقا. وقال ابن دريد الأزدي: غراء لو جلت الخدود شعاعها ... للشمس عند طلوعها، لم تشرق غصن على دعص تألق فوقه ... قمر تألق تحت ليل مطبق لو قيل للحسن: احتكم لم يعدها ... أو قيل: خاطب غيرها! لم ينطق فكأننا من فرعها في مغرب، ... وكأننا من وجهها في مشرق وقال آخر: جعودة شعرها تحكي غديرا ... يصفقه الجنوب مع الشمال الشيب والخضاب من المدح والذم فأما مدح الشيب، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة " . وقال ابن أبي شيبة: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نتف الشيب وقال: هو نور المؤمن " . وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن أول من رأى الشيب إبراهيم الخليل عليه السلام، فقال: يا رب ما هذا؟ فقال له: الوقار، فقال: رب زدني وقارا " . وتأمل حكيم شيبه فقال: مرحبا بزهرة الحنكة ويمن الهدى ومقدمة العفة ولباس التقوى. وقيل: دخل أبو دلف على المأمون وعنده جارية له، وكان أبو دلف قد ترك الخضاب، فأشار المأمون إلى الجارية فقالت له: شبت يا أبا دلف، إنا لله وإنا إليه راجعون. فسكت عنها أبو دلف، فقال له المأمون: أجبها، فقال: تهزأت إذ رأت شيبي فقلت لها: ... لا تهزئي من يطل عمر به يشيب! شيب الرجال لهم زين ومكرمة، ... وشيبكن لكن الويل فاكتئبي! فينا لكن وإن شيب بدا أرب،وليس فيكن بعد الشيب من أرب! وقال آخر: أهلا وسهلا بالمشيب ومرحبا، ... أهلا به من وافد ونزيل! أهدي الوقار وذاد كل جهالة ... كانت، وساق إلي كل جميل. فصحبت في أهل التقى أهل النهى ... ولقيت بالتعظيم والتبجيل. ورأى لي الشبان فضل جلالة ... لما اكتهلت، وكنت غير جليل. فإذا رأوني مقبلا، نهضوا معا: ... فعل المقر لهيبة التفضيل. إن قلت، كنت مصدقا في منطقي، ... ماضي المقالة حاضر التعديل. وقال مسلم بن الوليد: الشيب كره، وكره أن يفارقني ... اعجب لشيء على البغضاء مودود. وقال علي بن محمد الكوفي: بكى للشيب، ثم بكى عليه ... وكان أعز من فقد الشباب. فقل للشيب: لا تبرح حميدا ... إذا نادى شبابك بالذهاب. وقال العسكري: يود أن شيبه ... إذ جاء لا ينصرف. يخلف ريعان الصبا ... والموت منه خلف. وقال ابن المعتز: قد يشيب الفتى، وليس عجيبا ... أن يرى النور في القضيب الرطيب. |
|
26-06-2018, 09:16 AM | #130 |
| وقال أبو تمام: طوى صاحب صاحبا ... كذاك اختلاف الدول! ولا يؤرقك إيماض القتير به ... فإن ذاك ابتسام الرأي والأدب. وقال أبو الفتح البستي: يا شيبتي دومي ولا تترحلي ... وتيقني أني بوصلك مولع! قد كنت أجزع من حلولك مرة، ... فالآن من خوف ارتحالك أجزع! وقال آخر: فأما المشيب فصبح بدا ... وأما الشباب فليل أفل. سقى الله هذا وهذا معا ... فنعم المولى ونعم البدل! وقال أبو الفتح كشاجم: تفكرت في شيب الفتى وشبابه ... فأيقنت أن الحق للشيب واجب. يصاحبني شرخ الشباب فينقضي، ... وشيبي لي حتى الممات مصاحب. وقال أبو العلاء السروي، شاعر اليتيمة: حي شيبا أتى لغير رحيل، ... وشبابا مضى لغير إياب! أي شيء يكون أحسن من عا ... ج مشيب في آبنوس شباب؟ وقال أبو عوانة الكاتب: هزئت إذ رأت مشيبي، وهل غي ... ر المصابيح زينة للسماء؟ وتولت فقلت قولا بإفصا ... ح لها، لا بالرمز والإيماء: إنما الشيب في المفارق كالنو ... ر بدا والسواد كالظلماء. لا محيض عن المشيب أو المو ... ت، فكن للحوباء أو للنماء! إن عمرا عوضت فيه عن المو ... ت بشيب من أعظم النعماء! وقال ابن عبد ربه: كأن سواد لمته ظلام ... يطل من المشيب عليه نور. وقال أبو عبد الله الأسباطي: لا يرعك المشيب، يا ابنة عبد الله، فالشيب زينة ووقار! إنما تحسن الرياض إذا ما ... ضحكت في ظلالها الأنوار. ذم الشيب، قال قيس بن عاصم رحمة الله عليه: الشيب خطام المنية. وقال غيره: الشيب نذير الموت. وقد ورد في بعض التفاسير في قوله تبارك وتعالى " وجاءكم النذير " . قيل: هو الشيب. وقال أعرابي: كنت أنكر البيضاء، فصرت أنكر السوداء؛ فيا خير مبدول ويا شر بدل. وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم: عجل عليك الشيب يا رسول الله، قال: " شيبتني هود وأخواتها " . قيل: هي عبس، والمرسلات، والنازعات. وقيل لعبد الملك بن مروان: عجل عليك الشيب يا أمير المؤمنين، قال: شيبني ارتقاء المنابر وتوقع اللحن. وقال بعضهم: خرجت إلى ناحية الطفاوة، فإذا أنا بامرأة لم أر أجمل منها، فقلت: أيتها المرأة، إن كان لك زوج فبارك الله له فيك، وإلا فأعلميني. قال فقالت: وما تصنع بي؟ وفي شيء لا أراك ترتضيه. قلت: وما هو؟ قالت: شيب في رأسي. قال: فثنيت عنان دابتي راجعا، فصاحت بي: على رسلك، أخبرك بشي، فوقفت وقلت: وما هو، يرحمك الله؟ قالت: والله ما بلغت العشرين بعد، وهذا رأسي فكشفت عن عناقيد كالحمم، وقالت: والله ما رأيت برأسي بياضا قط، ولكن أحببت أن تعلم أنا نكره منك ما تكره منا، وأنشدت: أرى شيب الرجال من الغواني ... بموضع شيبهن من الرجال! قال: فرجعت خجلا، كاسف البال. قال أبو تمام: غدا الشيب مختطا بفودي خطة ... سبيل الردى منها إلى النفس مهيع. هو الزور يجفى، والمعاشر يجتوى، ... وذو الإلف يقلى، والجديد يرقع. له منظر في العين أبيض ناصع ... ولكنه في القلب أسود أسفع. وقال آخر: تقول لما رأت مشيبي ... بدا، وعندي له انقباض: لا ترج عطفا عليك مني، ... سود ما بيننا البياض! وقال آخر: وقالوا: مشيب المرء فيه وقاره، ... وما علموا أن المشيب هو العيب. وأي وقار لامرئ عرى الصبا، ... ومن خلفه شيب وقدامه شيب؟ وقال آخر: من شاب، قد مات وهو حي، ... يمشي على الأرض مشي هالك! لو كان عمر الفتى حسابا ... كان له شيبه فذالك. وقال محمود الوراق: بكيت لقرب الأجل، ... وبعد فوات الأمل!. ووافق شيب طرا ... بعقب شباب رحل. شباب كأن لم يكن ... وشيب كأن لم يزل. |
|
26-06-2018, 09:17 AM | #131 |
| وقال عبيد بن الأبرص: والشيب شين لمن أمسى بساحته! ... لله در شباب اللمة الخالي. وقال البحتري: وددت بياض السيف يوم لقينني ... مكان بياض الشيب حل بمفرقي. وقال أبو العتاهية: عريت عن الشباب، وكان غضا، ... كما يعرى من الورق القضيب. ألا ليت الشباب يعود يوما ... فأخبره بما فعل المشيب! وقال آخر: يا حسرتا أين الشباب الذي ... على تعديه المشيب اعتدى؟ شبت، فما أنفك من حسرة ... والشيب في الرأس رسول الردى! إن مدى العمر قريب فما ... بقاء نفسي بعد قرب المدى؟ وقال آخر: هذا عذارك بالمشيب مطرز ... فقبول عذرك في التصابي معوز! ولقد علمت وما علمت توهما أن المشيب لهدم عمرك يرمز. وقال أيضا: ألست ترى نجوم الشيب لاحت ... وشيب المرء عنوان الفساد! وقال أيضا: أبلى جديدي هذان الجديدان ... والشأن في أن هذا الشيب ينعاني! كأنما اعتم رأسي منه بالجبل الر ... اسي، فأوهنني ثقلا وأوهاني. وقال آخر: لما رأت وضح المشيب بعارضي ... صدت صدود مجانب متحمل. فجعلت أطلب وصلها بتلطف، ... والشيب يغمزها بأن لا تفعلي! وقال كشاجم: ضحكت! من شيبة ضحكت ... لسواد اللمة الرجلة ثم قالت وهي هازئة: ... جاء هذا الشيب بالعجلة! قلت: من حبيك، لا كبر، ... شاب رأسي فانثنت خجلة. وثنت جفنا على كحل ... هي منه الدهر مكتحلة. أكثرت منه تعجبها! ... فهي تجنيه وتعجب له. وقال أبو تمام: دقة في الحياة تدعى جلالا، ... مثل ما سمي اللديغ سليما. غرة مرة ألا إنما كن ... ت أغرا أيام كنت بهيما. وقال ابن المعتز: لقد أبغضت نفسي في مشيبي ... فكيف تحبني الخود الكعاب؟ وقال أبو هلال العسكري: فلا تعجبا أن يعبن المشيبا ... فما عبن من ذاك إلا معيبا! إذا كان شيبي بغيضا إلى ... فكيف يكون إليها حبيبا؟ وقال محمد بن أمية: رأين الغواني الشيب لاح بعارضي، ... فأعرضن عني بالخدود النواضر. وكن إذا أبصرنني أو سمعن بي، ... دنون فرقعن اللوى بالمحاجر. وقال آخر: قالت، وقد راعها مشيبي: ... كنت ابن عم فصرت عما. واستهزأت بي، فقلت أيضا: ... قد كنت بنتا فصرت أما. وقال آخر: تضاحكت لما رأت ... شيبا تلالا غرره. قلت لها: لا تعجبي ... أنبيك، عندي خبره. هذا غمام للردى، ... ودمع عيني مطره. مدح الخضاب ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " غيروا هذا الشيب، وجنبوه السواد " . وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يخضب بالحناء وبالكتم. وقد مدح الشعراء الخضاب. فمن ذلك قول عبد الله بن المعتز: وقالوا: النضول مشيب جديد! ... فقلت: الخضاب شباب جديد! إساءة هذا بإحسان ذا ... فإن عاد هذا فهذا يعود. وقال أبو الطيب المتنبي: وما خضب الناس البياض لأنه ... قبيح، ولكن أحسن الشعر فاحمه. وقال محمود الوراق: للضيف أن يقرى ويعرف حقه! ... والشيب ضيفك، فاقره بخضاب. وقال عبدان الأصبهاني: في مشيبي شماتة لعداتي، ... وهو ناع منغص لحياتي. ويعيب الخضاب قوم، وفيه ... أي أنس إلى حضور وفاتي. |
|
26-06-2018, 09:17 AM | #132 |
| لا ومن يعلم السرائر مني ... ما به رمت خلة الغانيات. إنما رمت أن يغيب عني ... ما ترينيه كل يوم مراتي. وهو ناع إلي نفسي، ومن ذا ... سره أن يرى وجوه النعات؟ وقال ابن الرومي: يا بياض المشيب سودت وجهي، ... عند بيض الوجوه سود القرون! فلعمري، لأخفينك جهدي ... عن عياني وعن عيان العيون! ولعمري، لأمنعنك أن تض ... حك في رأس آسف محزون! بخضاب فيه ابيضاض لوجهي ... وسواد لوجهك الملعون! وقال آخر: نهى الشيب الغواني عن وصالي ... وأوقع بين أحبابي وبيني. فلست بتارك تدبير ذقني ... إلى أن ينقضي أمدي لحيني. أدبر لحيتي ما دمت حيا ... وأعتقها ولكن بعد عيني. وقال آخر: قالوا: فلان لم يشب، ... وأرى المشيب عليه أبطا. فأجبتهم: لولا حدي ... ث الصبغ لانكشف المغطى. ذم الخضاب قال محمود الوراق، رحمه الله: يا خاضب الشيب الذي ... في كل ثالثة يعود. إن النصول إذا بدا ... فكأنه شيب جديد. وله بديهة روعة ... مكروهها أبدا عتيد. فدع المشيب لما أرا ... د فلن بعود لما تريد. وقال آخر: تستر بالخضاب، وأي شيء ... أدل على المشيب من الخضاب؟ وقال ابن الرومي: قل للمسود حين سود: هكذا ... غش الغواني في الهوى إياكا! كذب الغواني في سواد عذاره، ... فكذبنه في ودهن كذاكا! وقال المتنبي: ومن هوى كل من ليست مموهة ... تركت لون مشيبي غير مخضوب. ومن هوى الصدق في قولي وعادته ... رغبت عن شعر في الوجه مكذوب. وقال الأمير شهاب الدين بن يغمور عفا الله عنه: يا صابغ الشيب، والأيام تظهره: ... هذا الشباب، وحق الله مصنوع! إن الجديد إذا ما كان في خلق ... يبين للناس أن الثوب مرقوع. ما وصف به الوجه فمن ذلك ما قيل في المذكر.قال الوجيهي: مستقبل بالذي يهوى، وإن كثرت ... منه الإساءة، معذور بما صنعا. في وجهه شافع يمحو إساءته ... من القلوب، وجيها حيثما شفعا. وقال الآخر: رأيت الهلال على وجهه ... فلم أدر أيهما أنور؟ سوى أن ذاك قريب المزار ... وهذا بعيد لمن ينظر. وذاك يغيب وذا حاضر ... فما من يغيب كمن يحضر. ونفع الهلال كثير لنا ... ونفع الحبيب لنا أكثر. وقال ابن لنكك: البدر والشمس المني ... رة والدمى والكوكب: أضحت ضرائر وجهه ... من حيث يطلع تغرب. وكأن جمر جوانحي ... في خده يتلهب. وكأن غصن قوامه ... من ماء دمعي يشرب. وصوالج في صدغه ... بسواد قلبي تلعب. وقال ابن المعدل: نظرت إلى من زين الله وجهه، ... فيا نظرة كادت على عاشق تقضي! وكبرت عشرا، ثم قلت لصاحبي: ... متى نزل البدر المنير إلى الأرض؟ وقال الخبزأرزي: رأيت الهلال ووجه الحبيب ... فكانا هلالين عند النظر. فلم أدر من حيرتي فيهما ... هلال الدجى من هلال البشر! فلولا التورد في الوجنتين ... وما راعني من سواد الشعر، لكنت أظن الهلال الحبيب ... وكنت أظن الحبيب القمر! وقال أبو الشيص: تخشع شمس النهار طالعة ... حين تراه، ويخشع القمر. تعرفه أنه يفوقهما ... بالحسن، في عين من له بصر. وقال أبو هلال العسكري: |
|
26-06-2018, 09:18 AM | #133 |
| ووجه نشرب ماء النعيم، ... فلو عصر الحسن منه انعصر. يمر فأمنحه ناظري ... فينثر وردا عليه الخفر. تمتعت العين في حسنه، ... فما حفلت بطلوع القمر. وقال ابن المعتز: يا مفردا بالحسن والشكل، ... من دل عينيك على قتلي؟ البدر من شمس الضحى نوره، ... والشمس من وجهك تستملي. وقال ابن المعدل يصف عتبة: لعتبة صفحتا قمر ... يفوق سناهما القمرا. يزيدك وجهه حسنا ... إذا ما زدته نظرا. وقال السري الرفاء: قمر تفرد بالمحاسن كلها، ... فإليه ينسب كل حسن يوصف. فجبينه صبح، وطرته دجى، ... وقوامه غصن رطيب أهيف. لله ذاك الوجه! كيف تألفت ... فيه محاسن لم تكن تتألف؟ وقال آخر: وفي أربع مني حلت منك أربع، ... فما أنا أدري أيها هاج لي كربي؟ أوجهك في عيني، أم الريق في فمي، ... أم النطق في سمعي، أم الحب في قلبي؟ ومثله قول يعقوب الكندي: وفي خمسة مني حلت منك خمسة: ... فريقك منها في فمي طيب الرشف، ووجهك في عيني، ولمسك في يدي، ... ونطقك في سمعي، وعرفك في أنفي. وقال أبو نواس: كأنما الوجه إذ بدا قمر ... مركب فوق قامة الغصن. يا ذا الذي أصبح العباد به ... في فتنة من عظائم الفتن! أقبل بوجه الهوى إلي، فقد ... أطلت بالصد معرضا حزني! وقال محمد بن وهب: نم فقد وكلت بي الأرقا ... لا هنا بعد لمن عشقا. إنما أبقيت من جسدي ... شبحا غير الذي خلقا. ما لمن تمت محاسنه ... أن يعادي طرف من رمقا. لك أن تبدي لنا حسنا ... ولنا أن نعمل الحدقا. وجه الأنثى قال ابن سكرة: في وجه إنسانة كلفت بها ... أربعة ما اجتمعن في أحد. فالخد ورد والصدغ غالية ... والريق خمر والثغر من برد. لكل جزء من حسنها بدع ... تودع قلبي ودائع الكمد! وكان مكتوبا على عصابة ورد جارية الماهاني: تمت! وتم الحسن في وجهها! ... فكل شيء ما سواها محال. للناس في الشهر هلال، ولي ... في وجهها كل صباح هلال! وقال آخر: وإذا الدر زان حسن وجوه، ... كان للدر حسن وجهك زينا. وتزيدين طيب الطيب طيبا ... إن تمسيه! أين مثلك أينا؟ وقال آخر: ليس فيها أن يقال لها: ... كملت، لو أن ذا كملا. كل جزء من محاسنها ... صائر من حسنها مثلا. وقال عمر بن أبي ربيعة: وفتاة إن يغب بدر الدجى، ... فلنا في وجهها عنه خلف. أجمع الناس على تفضيلها، ... وهواهم في سواها مختلف. وقال الجماني من أبيات: نرى الشمس والبدر معناهما ... بها واحدا، وهما معنيان. إذا طلعت وجهها، أشرقا ... بطلعتها، وهما آفلان. صفاء الوجه ورقة البشرة، فمن ذلك ما قيل مذكرا. قال أبو نواس: نظرت إلى وجهه نظرة ... فأبصرت وجهي في وجهه. وقال آخر: أعد نظرا! فما في الخد نبت، ... حماه الله من ريب المنون! ولكن رق ماء الوجه حتى ... أراك مثال أهداب الجفون! ومثله قول الآخر: ولما استدارت أعين الناس حوله ... تلاحظه كيف استقل وسارا، تمثلت الأهداب في ماء وجهه، ... فظنوا خيال الشعر فيه عذارا. وقال الأرجاني: ما أنس، لا أنسى له موقفا، ... والعيس قد ثورهن الحداه. لما تجلى وجهه طالعا، ... وقد ترامت نظرات الوشاة. |
|
الكلمات الدلالية (Tags) |
الأدب , المرة , في , فنون , نهاية |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
سلسلة لعلهم يتفكرون | تيماء | (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) | 65 | 24-09-2018 10:41 AM |
العقيدة من مفهوم القران والسنة | تيماء | (سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وقصص الانبياء والصحابه ) | 34 | 20-07-2018 09:12 AM |
ومن لا يعرف الخير من الشر يقع فيه | سراج منير | ( همســـــات الإسلامي ) | 7 | 29-06-2017 02:53 AM |
فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه | سراج منير | ( همســـــات الإسلامي ) | 14 | 26-05-2017 03:24 PM |
مختصر كتاب( طوق الحمامة) | نزيف الماضي | ( همسات الثقافه العامه ) | 12 | 23-03-2015 10:14 AM |