15-11-2016, 12:09 AM | #29 |
| أهل العقل والكرم إن أهل العقلِ والكرمِ يبتغون إلى كل معروفٍ وصلةً وسبيلاً. والمودة بين الأخيار سريع اتصالها بطئ الانكسار هين الإصلاح. والمودة بين الأشرار سريع انقطاعها بطئ اتصالها، كالكوز من الفخار يكسره أدنى عبث ثم لا وصل له أبداً. والكريم يمنح الرجل مودتهُ عن لقيةٍ واحدةٍ أو معرفةِ يومٍ. واللئيم لا يصلُ أحداً إلا عن رغبةٍ أو رهبةٍ. فإن أهل الدنيا يتعاطون فيما بينهم أمرين ويتواطأون عليهما: ذات النفسِ، وذات اليد. فأما المتبادلون ذات اليد فهُمُ المتعاونون المستمتعونَ الذينَ يلتمسُ بعضهمُ الانتفاعَ ببعضٍ مناجزةً ومُكايلةً. |
|
15-11-2016, 12:10 AM | #30 |
| الفقر مجمعة للبلايا والفقرُ داعيةٌ إلى صاحبهِ مقتَ الناسِ، وهو مسلبةٌ للعقلِ والمروءةِ، مذهبةٌ للعلمِ والأدبِ، ومعدنٌ للتهمةِ، ومجمعةٌ للبلايا. ومن نزل به الفقرُ والفاقةُ لم يجد بُدّاً من تركِ الحياءِ، ومن ذهب حياؤهُ ذهبَ سرورهُ، ومن ذهبَ سرورهُ مقتَ، ومن مقتَ أو ذي، ومن أوذي حزنَ، ومن حزنَ فقد ذهبَ عقلهُ واستنكرَ حفظُهُ وفهمهُ. ومن أصيبَ في عقله وفهمهِ وحفظهِ كان أكثر قولهِ وعملهِ فيما يكون عليه لا لهُ. فإذا افتقر الرجلُ اتهمهُ من كان له مؤتمناً، وأساء به الظن من كان يظن به حسناً، فإذا أذنب غيرهُ ظنوهُ وكان للتهمةِ وسوء الظن موضعاً. وليس من خلةٍ هي للغني مدحٌ إلا هي للفقيرٍ عيبٌ، فإن كانَ شجاعاً سمي أهوج، وإن كانَ جواداً سمي مفسداً، وإن كان حليماً سمي ضعيفاً، وإن كان وقوراً سمي مفسداً، وإن كان حليماً سمي ضعيفاً، وإن كان وقوراً سمي بليداً، وإن كان لسناً سمي مهذاراً، وإن كان صموتاً سمي عيياً. |
|
15-11-2016, 12:11 AM | #31 |
| الموت راحة وكان يقالُ: من ابتلي بمرضٍ في جسدهِ لا يفارقهُ، أو بفراق الأحبةِ والأخوان، أو بالغربةِ حيثُ لا يعرفُ مبيتاً ولا مقيلاً ولا يرجو إياباً، أو بفاقةٍ تضطرهُ إلى المسألة: فالحياةُ لهُ موتٌ، والموتُ له راحةٌ. البلايا في الحرص والشره وجدنا البلايا في الدنيا إنما يسوقُها إلى أهلها الحرصُ والشرهُ. ولا يزالُ صاحبُ الدنيا يتقلبُ في بليةٍ وتعبٍ، لأنه لا يزالُ بخلةِ الحرصِ والشرهِ. ماذا قال العلماء وسمعت العلماء قالوا: لا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكف، ولا حسبَ كحسنِ الخلقِ، ولا غنى كالرضى. وأحق ما صبر عليه ما لا سبيل إلى تغييرهِ. وأفضلُ البر الرحمةُ، ورأسُ المودةِ الاسترسالُ، ورأسُ العقلِ المعرفةُ بما يكونُ وما لا يكونُ، وطيبُ النفسِ حسنُ الانصرافِ عما لا سبيل إليه. وليس من الدنيا سرورٌ يعدلُ صحبةَ الإخوانِ، ولا فيها غم يعدلُ غم فقدهم. |
|
15-11-2016, 12:12 AM | #32 |
| تمام حسن الكلام لا يتم حسنُ الكلامِ إلا بحسنِ العملِ، كالمريض الذي قد علمَ دواء نفسهِ، فإذا هو لم يتداو به لم يغنهِ علمهُ. صاحب المروءة الرجلُ ذو المروءة قد يكرمُ على غير مالٍ، كالأسد الذي يهابُ وإن كان عقيراً. والرجلُ الذي لا مروءةً لهُ يهانُ وإن كثر مالهُ، كالكلبِ الذي يهونُ على الناسِ وإن هو طوق وخلخلَ. تعاهد نفسك ليحسنُ تعاهدكَ نفسكَ بما تكونُ به للخيرِ أهلاً. فإنك إذا فعلتَ ذلك، أتاك الخيرُ يطلبكَ، كما يطلبُ الماءُ السيل إلى الحدورة. أشياء غير ثابتة وقيل في أشياء ليس لها ثباتٌ ولا بقاءٌ: ظل الغمامِ، وخلة الأشرارِ، وعشق النساء، والنبأ الكاذبُ، والمالُ الكثيرُ. وليس يفرحُ العاقلُ بالمالِ الكثير، ولا يحزنهُ قلتهُ. ولكن مالهُ عقلهُ وما قدم من صالحِ عملهِ. أولى الناس إن أولى الناس بفضلِ السرورِ وكرمِ العيشِ وحسنِ الثناء من لا يبرحُ رحله من إخوانهِ وأصدقائه من الصالحين موطوءاً ولا يزال عندهُ منهم زحامٌ، ويسرهم ويسرونهُ من وراء حاجاتهم وأمورهمُ، فإنّ الكريم إذا عثر لم يستقل إلا بالكرامِ، كالفيلِ إذا وحل لم يستخرجهُ إلا الفيلةُ. |
|
15-11-2016, 12:13 AM | #33 |
| شراء العظيم بالصغير لا يرى العاقلُ معروفاً صنعهُ، وإن كان كثيراً. ولو خاطر بنفسه وعرضها في وجوهِ المعروف، لم ير ذلك عيباً. بل يعلمُ أنما أخطر الفاني بالباقي، واشترى العظيم بالصغير. وأغبط الناس عند ذوي العقلِ أكثرهم سائلا منجحاً، ومستجيراً آمناً. المشاركة في المال لا تعد غنياً من لم يشارك في مالهِ، ولا تعد نعيماً ما كان فيه تنغيص وسوءُ ثناء، ولا تعد الغنم غنماً إذا ساق غرماً ولا الغرمَ غُرماً إذا ساقَ غنماً، ولا تعتد من الحياةِ ما كان في فراقِ الأحبة. المعونة على تسلية الهموم ومن المعونة على تسلية الهمومِ وسكون النفسِ لقاءُ الأخِ أخاهُ، وإفضاءُ كل واحدٍ منهما إلى صاحبهِ ببثةِ. وإذا فرق بين الأليف وأليفهِ فقد سُلبَ قرارهُ وحُرمَ سرورهُ. من بلاء إلى بلاء وقلّ ما ترانا نُخلِّفُ عَقَبَةً من البلاء إلا صرنا في أُخرى. تقلب الأحوال وتعاقبها لقد صدق القائل الذي يقول: لا يزال الرجلُ مستمراً ما لم يعثر، فإذا عثر مرة واحدةً في أرضِ الخبارِ لج بهِ العثارُ، وإن مشى في جدد لأن هذا الإنسان موكلٌ به البلاءُ، فلا يزالُ في تصرفٍ وفي تقلبٍ لا يدومُ له شيءٌ ولا يثبت معهُ، كما لا يدومُ لطالعِ النجومِ طلوعُهُ ولا لآفلها أفولهُ. ولكنها في تقلبٍ وتعاقُبٍ: فلا يزال الطالعُ يكُونُ آفلاً طالعاً. |
|
15-11-2016, 12:14 AM | #34 |
| أعزائي ولنا عودة أكيدة مع قطوفات جديدة لأبن المقفع وحروفه المفيدة تمنياتي القلبية لكم بأوقات هانئة سعيدة على أمل أن ألقاكم في سويعات مديدة أتمنى لكم قراءة مفيدة وأياماً بالرقي مديدة تحياتي همسة قلم |
|
الكلمات الدلالية (Tags) |
مع , المقفع , ترفع , إبن , إرقى |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
ابن المقفع | سماء | ( همســـات التاريخ والتراث والأنساب) | 18 | 14-08-2016 12:12 PM |