14-11-2016, 11:27 PM | #8 |
| لا مال أفضل من العقل أشد الفاقةِ عدمُ العقلِ، وأشدّ الوحدةِ وحدةُ اللجوجِ، ولا مال أفضلُ من العقلِ، ولا أنيس آنسُ من الاستشارةِ. كن ستوراً مما يعتبرُ به صلاحُ الصالحِ وحسنُ نظرهِ للناسِ أن يكونَ إذا استعتبَ المذنبُ ستُوراً لا يشيعُ ولا يذيعُ، وإذا استشيرَ سمحاً بالنصيحةِ مُجتهداً للرأي، وإذا استشارَ مطروحاً للحياء منفذاً للحزمِ معترفاً للحقّ. الحارس والمحروس القسم الذي يقسمُ للناس ويمتعونَ به نحوان: فمنهُ حارسٌ ومنهُ محروس، فالحارسُ العقلُ، والمرحوسُ المالُ، والعقلُ، بإذن اللهِ، هو الذي يحرزُ الحظ، ويؤنسُ الغربةَ، وينفي الفاقةَ، ويعرفُ النكرة، ويطيبُ الثمرةَ، ويوجهُ السوقةَ عند السلطانِ، ويستنزلُ للسلطانِ نصيحةَ السوقةِ، ويكسبُ الصديقَ، ويكفي العدو. |
|
14-11-2016, 11:28 PM | #9 |
| أجناس الناس قد يسعى إلى أبوابِ السلطانِ أجناسٌ من الناسِ كثيرٌ، أما الصالحُ فمدعو، وأما الصالحُ فمقتحم، وأما ذو الأدبِ فطالبٌ، وأما من لا أدبَ لهُ فمختلسٌ، وأما القوي فمُدافعٌ، وأما الضعيف فمدفوعٌ، وأما الحسنُ مستثيب، وأما المسيء فمستجير. فهو مجمعُ البر والفاجر، والعالمِ والجاهلِ، والشريفِ والوضيعِ. الناسُ، إلا قليلاً ممن عصم اللهُ، مدخولونَ في أمورهم: فقائلهم باغٍ، وسامعهم عيابٌ، وسائلهم متعنتٌ، ومجيبهم متكلفٌ، وواعظُهمُ غيرُ محققٍ لقولهِ بالفعلِ، وموعوظهم غير سليمٍ من الاستخفافِ، والأمينُ منهم غيرُ متحفظٍ من إتيان الخيانة، والصدوقُ غيرُ محترسٍ من حديث الكذبةِ، وذو الدينِ غيرُ متورعٍ عن تفريطِ الفجرةِ، والحازمُ منهم غيرُ تاركٍ لتوقعِ الدوائرِ. يتناقضُون الأنباء، ويتراقبون الدول، ويتعايبونَ بالهمز، مولعونَ في الرخاء بالتحاسدِ، وفي الشدةِ بالتخاذُلِ. |
|
14-11-2016, 11:28 PM | #10 |
| لا تغتر بالدنيا كم قد انتزعتِ الدنيا ممنِ استمكنَ منها واعتكفت لهُ فأصبحتِ الأعمالُ أعمالهم والدنيا دنيا غيرهم، وأخذ متاعهم من لم يحمدهم، وخرجوا إلى من لا يعذُرُهُم. فأصبحنا خلفاً من بعدهم، نتوقعُ مثل الذي نزلَ بهم، فنحنُ إذا تدبرنا أمورهم، أحقاءُ أن ننظر ما نغبطهم به فنتبعهُ وما نخافُ عليهم منه فنجتنبهُ. |
|
14-11-2016, 11:29 PM | #11 |
| كيف تطلع السلطان على عورتك كان يُقالُ إنّ الله تعالى قد يأمرُ بالشيء ويبتلي بثقلهِ ونهى عن الشيء ويبتلي بشهوته. فإذا كنتَ لا تعملُ من الخير إلا ما اشتهيتهُ، ولا تتركُ من الشر إلا ما كرهتهُ، فقد أطلعتَ الشيطان على عورتك، وأمكنتهُ من رمتك، فأوشك أن يقتحم عليك فيما تُحب من الخير فيكرههُ إليكَ وفيما تكرهُ من الشر فيحببهُ إليك. ولكن ينبغي لكَ في حب ما تُحب من الخير التحاملُ على ما ستثقلُ منه، وينبغي لكَ في كراهةِ ما تكرهُ من الشر التجنبُ لما يحب منهُ. |
|
14-11-2016, 11:52 PM | #12 |
| شكر الله على نعمه والعمل بطاعته قد بلغ فضل الله على الناس من السعة وبلغت نعمتهُ عليهم من السبوغ ما لو أن أخسهم حظاً وأقلهم منهُ نصيباً وأضعفهم علماً وأعجزهم عملاً وأعياهم لساناً بلغ من الشكر له والثناء عليه بما خلص إليه من فضله، ووصل إليه من نعمته، ما بلغ لهُ منه أعظمهم حظاً وأوفرهم نصيباً وأفضلهم علماً وأقواهم عملاً وأبسطهم لساناً، لكان عما استوجب الله عليه مقصراً وعن بلوغِ غايةِ الشكر بعيداً. ومن أخذ بحظه من شكر الله وحمده ومعرفة نعمهِ والثناء عليه والتحميد لهُ، فقد استوجب بذلك من أدائه إلى الله القربة عندهُ والوسيلة إليه والمزيد فيما شكرهُ عليه من خير الدنيا، وحسن ثوابِ الآخرة. |
|
14-11-2016, 11:59 PM | #13 |
| أحق الناس أحق الناسِ بالسلطان أهل المعرفة، وأحقهم بالتدبير العُلماءُ، وأحقهم بالفضل أعودهم على الناس بفضله، وأحقهم بالعلمِ أحسنهم تأديباً، وأحقهم بالغنى أهل الجود، وأقربهم إلى الله أنفذهم في الحق علماً وأكملهم به عملاً، وأحكمهم أبعدهم من الشك في الله، وأصوبهم رجاءً أوثقهم بالله، وأشدهم انتفاعاً بعلمه أبعدهم من الأذى، وأرضاهم في الناسِ أفشاهم معروفاً، وأقواهم أحسنهم معونةً، وأشجعهم أشدهم على الشيطان، وأفلحهم بحجةٍ أغلبهم للشهوة والحرصِ، وآخذهم بالرأي أتركهم للهوى، وأحقهم بالمودة أشدهم لنفسهِ حباً، وأجودهم أصوبهم بالعطية موضعاً، وأطولهم راحةً أحسنهم للأمورِ احتمالاً، وأقلهم دهشاً أرحبهم ذراعاً، وأوسعهم غنى أقنعهم بما أبعدهم من الإفراط، وأظهرهم جمالاً أظهرهم حصافة، وآمنهم في الناس أكلهم ناباً وخلباً، وأثبتهم شهادةً عليهم أنطقهم عنهم، وأعدلهم فيهم أدومهم مسالمةً لهم، وأحقهم بالنعمِ أشكرهم لما أوتي منها. |
|
15-11-2016, 12:00 AM | #14 |
| العُجب آفة العقل أفضلُ ما يُورثُ الآباءُ الأبناء، الثناءُ الحسنُ والأدبُ النافعُ والإخوانُ الصالحون. فصلُ ما بين الدينِ والرأي، أن الدين يسلم بالإيمان، وأن الرأي يشبتُ بالخصومةِ، فمن جعل الدين خصومةً، فقد جعل الدين رأياً، ومن جعل الرأي ديناً فقد صار شارعاً، ومن كان هو يشرعُ لنفسهِ الدينَ فلا دين لهُ. قد يشتبهُ الدينُ والرأي في أماكن، لولا تشابههما لم يحتاجا إلى الفصل. العُجب آفةُ العقل، واللجاجةُ قُعودُ الهوى، والبُخل لقاحُ الحرصِ، والمراءُ فسادُ اللسانِ، والحميةُ سببُ الجهلِ، والأنفُ توأمُ السفهِ، والمنافسة أختُ العداوةِ. |
|
الكلمات الدلالية (Tags) |
مع , المقفع , ترفع , إبن , إرقى |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
ابن المقفع | سماء | ( همســـات التاريخ والتراث والأنساب) | 18 | 14-08-2016 12:12 PM |