12-08-2018, 11:54 PM
|
#16 |
بيانات اضافيه [
+
] | رقم العضوية : 6704 | تاريخ التسجيل : 22 - 12 - 2015 | العمر : 34 | أخر زيارة : 29-10-2024 (09:03 PM) | المشاركات : 288,679 [
+
] | التقييم : 2147483647 | الدولهـ | الجنس ~ | | لوني المفضل : Darkorange | |
وقفات في رحلة الإيمان (يوميات حاجة) إن في رحلة الحج تذكرة ً لأولي الألباب .. فيها تبصرة لمن كان له قلب وألقى السمع وهو شهيد .. وشحن للروح .. وقرع لإحساس النقاء والإرتباط الوثيق بالله في ظل زحمة الحياة وتسارع أحداثها .. تبارك من سن الحج .. تبارك من شرع مناسكه .. تبارك من أوحى لنبيه بالآذان به .. وعلّق به القلوب .. في الحج مظاهر عجيبة .. شغفت ُ بها وتعلق بها خاطري .. الوقفة الأولى في مكان صغير تزدحم جماعة هائلة من الناس ... تلك تصلي وتلك تتقلب في فراشها .. تلك تستعد لتناول إفطار الصباح .. وتلك تعين كبيرة ً في السن .. وتلك ...وتلك .. ومن بين فوضى النساء التي يعجز عنها أعداد مهولة لتقيم فيها النظام .. سواء ً كان هذا في الحفلات أوالاجتماعات أوالمدارس أو غيرها .. وفي دقائق لا تتجاوز الخمس .. تتحول الصالة لخلية نحل نشطة لها أزيز عجيب فالكل يرتب فراشه ويزيله .. من رزقهن هذا النظام العجيب وهن مئاااااات ..؟؟ اغرورقت عيناي بالدموع وأنا اتأمل في هذا النظام .. التحقت بمعاهد وزرت جامعات .. وشاهدت فئات مختلفة المستويات فلم أشهد ما شهدته في هذه الدقائق الخمس .. سبحان الذي اصطفاهم وعلمهم درسا ً في النظام والانضباط لو ساروا عليه بعد حجهم لصلحت لهم الحياة .. ياااااه ياربي ما أعظمك ..! في كل مشعر رأيت لك ِ درسا ً .. حكمك في كل مكان ويخفى علي الجل وتأذن لي بكرمك بالبعض .. فاجعلني ياربي ممن يفيده علمه ويهديه إلى العمل ..! الوقفة الثانية تحت جسر الجمرات .. ألوف الناس.. لغات مختلفة .. وجنسيات متعددة .. لا رابط سوى "لا إله إلا الله " .. الكل يسير في اتجاه .. لا أحد يرتب السير .. سبحان من ساقهم لمكان ٍ واحد .. وحفظهم ويسر لكل واحد منهم مقصده .. جموع بشرية .. جاءت من كل فج عميق .. البعض باع مالديه كله ليحظى برؤية هذه المشاعر .. البعض أمضى عمره كاملا ً لتطأ قدميه هذه الأرض .. سبحان من أعطاهم وكفل لهم أمنهم .. منظرهم ذكرني بمشهد يوم آخر أكبر.. يوم فيه يجتمع الناس ..من كل فج .. والفرق هو أن ذاك اليوم يوم فزع عظيم .. واليوم عمل ..وغدا ً حساب ٌ ولا عمل ..! رحم الله ضعفي وتقصيري في أمري .. يااااااارب تقبله مني ويسره لي في قابل ..! الوقفة الثالثة رحلة الحج تعلمك الكثير .. لم يكن لي واضحا ً كيف يستطيع أناس لا يعرفون بعضهم أن يلتقوا ويجتمعوا بهيئات بسيطة وأحيانا ً رثة .. ولكن الرؤية اتضحت لي بعد الحج .. فالحج يعلمك أن لاوقت إلا للعمل .. وأن المشوار جد ُ قصير مما يعني ألا تقصّره بأي شيء آخر .. الحج يعلمك بأن الحياة الحقة هي حياة الروح لا حياة البدن .. وأن الروح هي التي تستحق أن تبحث لها عن السعادة والصفاء .. الحج يخبرك بأن الوقت عامل مهم للسعادة والإنجاز .. في خمسة أيام في الحج تؤدي أعمالا ً كثيرة ربما لو لم تحد بزمن لأديتها في أسابيع وربما شهور ..! في الحج ..الرحمن يقول لك أنك تستطيع أن تستغل طاقتك وأن الحياة رحلة قصيرة بوقتها عميقة بمعناها (إن أحسنت قيامه) كالحج تماما ً ...! الحج ساعات محدودة سرعان ما انصرمت لكن معانيه تضرب في الناس لها جذورا ً .. اسأل أن يذوق كل حاج أكلها عاجلا ً غير آجل .. الوقفة الرابعة طمأنينة تسكن القلوب المؤمنة .. هدية من الرحمن لمن شفه الألم .. وياليت العمر كله رحلة في صفاء الحج ..! الوقفة الخامسة رحلة الحج .. صورة مصغرة لرحلة الحياة على ظهر الأرض .. العمر رحلة قصيرة .. بقصر أيام الحج .. الناس في الحياة كالناس في الحج .. مابين مسرف على نفسه ومقتصد ..ومسارع بالخيرات .. كل حاج يعلم أن الحج أيام معدودة .. كما أن كلنا يعلم أن أنفاسه معدودة .. أن الحج موعظة لمن يملأ قلبه التدبر .. لأن الوقت هو العامل الذي يحدد تعاملك مع الآخرين .. حين كنت على فراشي في منى .. كان الوقت هو ما يحكم كل شيء .. لو حرصت على رحلة الحياة وتعاملت معها كما أراد الله لي ولكل مسلم .. هل كنت سأرى غلظة ً من قريب .. لو كان المسلم يرى العمر كما يراه في رحلة حجه .. هل سيكون في القلب سوى الحب والسلام ..؟ درس في فن التعامل مع الآخر .. الوقفة السادسة طلب المثالية مثلب يقع فيه البعض .. وتصور الملائكية تصور مستحيل في دنيا البشر .. تدربك بصورة عملية خلال أيام معدودة على أن الحياة يستحيل أن تكون صوابا ً لا خطأ فيه .. وأن ثمة مفاجآت في الطريق تستلزم من السائر فيه قدرا ً كبيرا ً من المرونة حتى يصل .. قبل الحج عقدت العزم على أن أفعل كذا وأرمي الجمرات بنفسي وأقوم بالسنة الفلانية وهكذا .. كان عقلي يرفض مثلا ً أن اقرأ لصفة الإفراد في الحج لأني لا أقبل أن أحج إلا متمتعة ...! وفي موسم الحج القليل في عدد ساعاته حدثت الكثير من المفاجآت .. بدءا ً من تأخر رحلات حجاج الداخل بسبب تأخر الرؤية الشرعية للهلال .. مما استدعى تحول النسك لأغلب الحجاج "وأنا من هؤلاء" إلى الإفراد أو القران نظرا ً لفوات وقت التمتع الشرعي ..! ومن ثم الأمطار الشديدة التي تضررت منها بعض المخيمات في منى .. مما لخبط سير اليوم الأخير وترتيب خطواته هناك .. ثم الزحام الشديد على الجمرات وظروف الأمطار وبالتالي التأخر في الرمي .. في الحج صفعة قوية لمن يعتقد أن الحياة مجرد قوانين بحتة ومعادلات لا تقبل الخرق .. في الحج تعليم لأدب التيسير .. وأن الحياة لا تسير وفق التوقعات دائما ً .. وأن المسلم الحق هو من يوطن نفسه على استقبال الأزمات ويعود روحه على ألا توقفها عثرات الطريق حتى يصل إلى الغاية .. أرجو أن أكون استفدت منها ..وكذلكم أنتم ..! " منذ أسلمت ..تعلمت في أسبوعي الحج مالم أتعلمه في أربعين سنة " الوقفة السابعة الحج رحلة حقيقية مع الصبر .. فالحج ليس مشاعر روحانية لا تعترضها الأكدار .. أو صفحة نقية لاتنغص صفائها مشاكل الحياة ..! سنرى اشتداد الجدال لتأخر وصول الحافلات للمشاعر .. وسنعيش ساعات من القلق حتى لا تغيب الشمس ونحن على أرض منى ..! وسنعاني من قلة ذوق بعض المسلمين الذين يعترضون الطرقات .. أو الذين لايخافون من مغبة زحام أخوان لهم في الله ! قد نعيش ساعات متوترة حتى نصل لعرفات الخير ونشم جزيئات الهواء ونحن على أرضها.. في الحج سلسة من الضغوط .. ماكان الله ليبتلي بها أولئك الذين حفتهم المهالك حتى يصلوا لبيت الله ..في معاناة جسيمة وشهور عديدة .. ليس الصبر على خوف الطريق ..أو نقص الغذاء ..أو قلة اللباس .. لا ..بل الصبر على أذى الناس وعقبات الطريق المفاجئة .. هذا النوع من الصبر هو مايحتاجه مسلم اليوم في وقت شبعت فيه الأجساد وجاعت فيه الأرواح .. فما أحكم المولى جل جلاله .. شرع لنا هذا المنسك المليء بالدروس والعبر .. جعلني الله وإياكم من المعتبرين .. الوقفةالثامنة الناس في الحج تتلبسهم وشائج وراوبط عجيبة ..! في مناسبات الحياة تتلى الألقاب وتتوسط الكنى أو المسميات أهمية لدى الناس .. لكن في الحج الأمر مختلف .. الحج يعلمك أن لا يهم اسم من هو بجانبك .. لايهم عمره ..أو عمله ..أو هيئته ..أو تخصصه ..أو حتى درجته العلمية .. كلاكما سائر في طريق واحد .. تغطيه إن وجدته نائما ً .. وتكتشف بعد مرور أيام الحج انك لا تعرف اسمه .. رأيته في حواره مع الله .. رأيت اشفاقه في يوم عرفة .. له آلام وأحلام ..أبناء وأهل .. اسم وكنية ..وظيفة أو مركز .. ولكنه تركها جميعا ً هناك .. في بلده .. نسي من يكون وماذا يريد .. هو مثلك لأنه يسجد وهو يدعو بالجنة .. فكليكما فهم الحياة كرحلة من خلال الحج .. الوقفةالتاسعة في الحج .. تصغر ملذات الدنيا .. تترآءى لك الحياة من عدسة الحقيقة الصافية .. من كل أمل سوى الجنة ورضا الله .. وتنسى كل هم سوى هم ذنوبك .. تصبح الحياة بعيدة عن مغريات الدنيا .. تهون الدنيا في عيني الحاج .. الله أكبر تخرج بزفراتها أكدار الدنيا .. خلت ُ أن عيناي في منى ابدلتا .. وأن الكدر الذي يعلو بصيرتي أزاحته الحقيقة.. في منى لا يهمك أن تكون بلباس جميل .. لأنك أدركت أن لا قيمة للباس إن بليت النفس .. ولا جمال للثوب إن خربت الروح ...! أرايتم كيف هي الحقيقة التي نتجاهلها هنا .. الحج ليس تنسكا ً وانقطاعا ً .. هو قرصة لأذن المنغمسين في بحر الحياة .. أن ثمة رؤيا تحتاجكم وتحتاجونها .. الوقفةالعاشرة حشر الجمع المهول على الأرض .. بهوله ..وبأرض ٍ صغيرة تحمل مئات الألوف من البشر .. من كل أرض اجتمعوا على صعيد واحد .. فلا يلبث أن يردد اللسان .. رباه ارحمني في يوم ٍ عظيم .. رباه ثبت حجتي يوم ألقاك .. رباه لا تخزني يوم يبعثون .. هول الموقف في يوم عرفة .. وذاك الصمت المهيب في ساعات المغيب فيه ذكرى لأصحاب القلوب النيرة .. ذكرى تقرع القلوب أن تبصري .. هناك يوم قادم ليس هذا إلا نموذجا ً مصغرا ً لهوله .. في الحج لفتة تذكّـر الحاج بهول المطلع .. وبأرض المحشر سيما مع اشتداد الزحام .. الذي يستوي فيه الكبير والصغير .. وفيه درس ٌ عظيم في المساواة والعدل .. فيغدوا جمع الحجيج كأسنان المشط الواحد .. الكل ..يسعى ويحلق رأسه أو يقصر .. ليس للشريف أن يتخطى ركنا ..أو يفعل محظورا .. الكل أمام الله برداء أبيض .. هي الدنيا ..يكفيك منها خرقة بالية .. فالحياة فيها للروح لا للجسد الفاني ..! الوقفةالاخيرة تعاملات الحاج يملؤها الصفاء .. ويغلفها النقاء .. ابتسامة الود ترتسم على وجوه الحجاج .. وقد هانت الدنيا في أعينهم .. أبصروا الباقية فملأت أراوحهم بحب مايقربهم لها .. لو كنا نرى الدنيا كما نراها في رحلة الحج لما وقع بين الأحبة كدر .. وما نزل بينهم شر .. كيف وهم يبحثون عن رضا الله في كل بسمة .. يلتمسون رحمته في رحمتهم لبعضهم .. تجود أنفسهم بخدمة الغير لأنهم يطبقون "خير الناس أنفعهم للناس" .. وحين ينطق أحدهم "أحبك في الله" .. تحس بها تنحت عروق قلبك صدقا ً .. تراها في يد تمسح جبينك خوفا ً من اصابتك بالحمى .. تراها في نداء يوقظك لقيام الليل رغبة ً لك بأعالي الفردوس .. تراها في دمعة ترافق دعوة لك في جوف الليل .. وتراها في قلب مشفق عليك من الوصب والتعب .. يالله كم هي الأنفس تعانق السماء طيبا ً في رحلة الحج .. كم تعطر الأجواء بعبير الإسلام الحق .. كم تكون قريبة ً من آي الله ورحماته .. كم تكتسب من عظات الأخلاق ودروس التربية .. ولا لشهوات الدنيا ورغباتها .. لذا تكافئ بحلاوة المؤمن الحق .. ولو جعلت الأنفس الحج رحلة أبدية لعاشت نعيم الدنيا قبل الآخرة .. لا تحتاج إلا للقلب المؤمن .. "اسأل الله بمنه وكرمه أن يجعلنا من المقبولين .. وأن نكون ممن أبصر عظات الحج فاستفاد وأفاد .. وعمل وطبق فكانت حياته رحلة حج .. رحلة عبادة وطاعة لا يوقفها شيء حتى تصل لجنات الفردوس .. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،، |
|
| |
|
التعديل الأخير تم بواسطة مبارك آل ضرمان ; 19-08-2018 الساعة 02:31 AM |