الإهداءات | |
| LinkBack | أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
11-03-2019, 11:09 PM | #162 |
| قصة موسى الكليم عليه السلام وهو موسى بن عمران بن قاهث بن عازر بن لأوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام. { واذكر في الكتاب موسى، إنه كان مخلصا وكان رسولاً نبياً * وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه ونجيا * ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا } (سورة مريم:51ـ53) (إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً) أي: تجبر وعتا وطغى وبغى، وآثر الحياة الدنيا، وأعرض عن طاعة الرب الأعلى، (وجعل أهلها شيعاً) أي: قسم رعيته إلي أقسام، وفرق وأنواع، يستضعف طائفة منهم، وهم شعب إسرائيل الذين هم من سلالة نبي الله يعقوب ابن نبي الله ابن خليل الله، وكانوا إذ ذاك خيار أهل الأرض، وقد سلط عليهم هذا الملك الظالم الغاشم الكافر الفاجر، ويستعبدهم ويستخدمهم في أخس الصنائع والحرف وأردئها وأدناها، ومع هذا (يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين). وكان الحامل له على هذا الصنيع القبيح أن بني إسرائيل كانوا يتدارسون فيما بينهم ما يأثرونه عن إبراهيم عليه السلام، من أنه سيخرج من ذريته غلام يكون هلاك ملك مصر على يديه. وذلك ـ والله أعلم ـ حين كان جرى على سارة امرأة الخليل من ملك مصر، من إرادته إياها على السوء وعصمة الله لها. وكانت هذه البشارة مشهورة في بني إسرائيل، فتحدث بها القبط فيما بينهم، ووصلت إلي فرعون فذكرها له بعض أمرائه وأساورته وهم يسمرون عنده، فأمر عند ذلك بقتل أبناء بني إسرائيل، حذراً من وجود هذا الغلام، ولن يغني حذر من قدر. وذكر السدي عن أبي صالح وأبي مالك، عن ابن عباس، وعن مرة عن ابن مسعود، وعن أناس من الصحابة: أن فرعون رأى في منامه كأن ناراً قد أقبلت من نحو بيت القدس، فأحرقت دور مصر وجميع القبط، ولم تضر بني إسرائيل، فلما استيقظ هاله ذلك، فجمع الكهنة والحذقة والسحرة، وسألهم عن ذلك، فقالوا: هذا غلام يولد من هؤلاء، يكون سبب هلاك أهل مصر على يديه، فلهذا أمر بقتل الغلمان وترك النسون. والمقصود أن فرعون احترز كل الاحتراز ألا يوجد موسى، حتى جعل رجالاً وقوابل يدورون على الحبالى، ويعلمون مقيمات وضعهن، فلا تلد امرأة ذكراً إلا ذبحه أولئك الذباحون من ساعته. وعند أهل الكتاب: أنه إنما كان يأمر بقتل الغلمان، لتضعف شوكة بني إسرائيل، فلا يقاومونهم إذا غالبوهم أو قاتلوهم. وهذا فيه نظر، بل هو باطل، وإنما هذا الأمر بقتل الولدان بعد بعثة موسى، كما : { فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم } (سورة غافر:25) ولهذا قالت بنو إسرائيل لموسى: { أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا } (سورة الأعراف:129) فالصحيح أن فرعون إنما أمر بقتل الغلمان أولاً، حذراً من وجود موسى. وقد ذكر غير واحد من المفسرين: أن القبط شكوا إلي فرعون قلة بني إسرائيل، بسبب قتل ولدانهم الذكور، وخشي أن تتفانى الكبار مع قتل الصغار، فيصيرون هم الذين يلون ما كان بنو إسرائيل يعالجون، فأمر فرعون بقتل الأبناء عاماً وأن يتركوا عاماً، فذكروا أن هارون عليه السلام ولد في عام المسامحة عن قتل الأبناء، وأن موسى عليه السلام ولد في عام قتلهم، فضاقت أمه ذرعاً واحترزت من أول ما حبلت، ولم يكن يظهر عليها مخايل الحبل، فلما وضعت ألهمت أن اتخذت له تابوتاً، فربطته في حبل وكانت دارها متاخمة للنيل فكانت ترضعه، فإذا خشيت من أحد وضعته في ذلك التابوت، فأرسلته في البحر، وأمسكت طرف الحبل عندها، فإذا ذهبوا استرجعته إليها به. { وأوحينا إلي أم موسى أن أرضعيه، فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني، إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين * فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزنا، إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين * وقالت امرأة فرعون قرت عين لي ولك، لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً وهم لا يشعرون } (سورة القصص:7ـ9) قال السهيلي: واسم أم موسى "أيارخا" وقيل: "أياذخت"، والمقصود أنها أرشدت إلي هذا الذي ذكرناه، وألقى في خلدها وروعها ألا تخافي ولا تحزني فإنه إن ذهب فإن الله سيرده إليك، وإن الله سيجعله نبياً مرسلا، يعلي كلمته في الدنيا والآخرة، فكانت تصنع ما أمرت به، فأرسلته ذات يوم وذهلت أن تربط طرف الحبل عندها فذهب في النيل، فمر على دار فرعون (فالتقطه آل فرعون)، قال الله تعالى: (ليكون لهم عدواً وحزناً) قال بعضهم: هذه لأم العاقبة، وهو ظاهر إن كان متعلقا بقوله: (فالتقطه). وأما إن جعل متعلقاً بمضمون الكلام، وهو أن آل فرعون قيضوا لالتقاطه ليكون لهم عدواً وحزناً، وصارت اللام معللة كغيرها، والله أعلم. ويقوي هذا التقدير الثاني قوله: (إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين) أي: هم أهل لهذا التقييض، ليكون أبلغ في إهانتهم وأقوى في حسرتهم، أن يربوا عدوهم في دارهم، ولهذا قال: (ليكون لهم عدواً وحزناً). وذكر المفسرون: أن الجواري التقطنه من البحر في تابوت مغلق عليه، فلم يتجاسرن على فتحه، حتى وضعنه بين يدي امرأة فرعون "آسية" بنت مزاحم بن عبيد بن الريان ابن الوليد الذي كان فرعون مصر في زمن يوسف. وقيل: إنها كانت من بني إسرائيل من سبط موسى. وقيل: بل كانت عمته، حكاه السهيلي، فالله أعلم. فلما فتحت الباب وكشفت الحجاب، رأت وجهه يتلألأ بتلك الأنوار النبوية والجلالة الموسوية، فلما رأته ووقع نظرها عليه أحبته حبا شديداً جداً، فلما جاء فرعون قال: ما هذا؟ وأمر بذبحه، فاستوهبته منه ودفعت عنه، وقالت: (قرة عين لي ولك) فقال لها فرعون: أما لك فنعم وأما لي فلا أي لا حاجة لي به. و"البلاء موكل بالمنطق"!. |
|
11-03-2019, 11:10 PM | #163 |
| قصة حزقيل قال الله تعالى: { ألم تر إلي الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم، إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون } (سورة البقرة:243) قال محمد بن إسحاق، عن وهب بن منبه: إن كالب بن يوفنا لما قبضه الله إليه بعد يوشع خلف في بني إسرائيل حزقيل بن بوذي، وهو ابن العجوز، وهو الذي دعا القوم الذين ذكرهم الله في كتابه فيما بلغنا. (ألم تر إلي الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت) قال ابن إسحاق: فروا من الوباء فنزلوا بصعيد من الأرض، فقال لهم الله: موتوا، فماتوا جميعاً، فحظروا عليهم حظيرة دون السباع، فمضت عليهم دهور طويلة، فمر بهم حزقيل عليه السلام فوقف عليهم متفكراً، فقيل له: أتحب أن يبعثهم الله وأنت تنظر؟ فقال: نعم، فأمر أن يدعو تلك العظام أن تكتسي لحماً، وأن يتصل العصب بعضه ببعض، فناداهم عن أمر الله له بذلك، فقام القوم أجمعون وكبروا تكبيرة رجل واحد. وقد أسباط، عن السدي، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن أناس من الصحابة في قوله: (ألم تر إلي الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم) قالوا: كانت قرية يقال لها دراوردان قبل واسط، وقع بها الطاعون، فهرب عامة أهلها فنزلوا ناحية منها، فهلك من بقى في القرية، وسلم الآخرين فلم يمت منهم كثير، فلما ارتفع الطاعون رجعوا سالمين، فقال الذين بقوا: أصحابنا هؤلاء كانوا أحزم منا لو صنعنا كما صنعوا بقينا، ولئن وقع الطاعون ثانية لنخرجن معهم، فوقع في قابل، فهربوا وهم بضعة وثلاثون ألفاً حتى نزلوا ذلك المكان وهو واد أفيح. فناداهم ملك من أسفل الوادي وآخر من أعلاه، فماتوا، حتى إذا هلكوا وبقيت أجسادهم مر بهم نبي يقال له حزقيل، فلما رآهم وقف عليهم فجعل يتفكر فيهم ويلوي شدقيه وأصابعه، فأوحى الله إليه، تريد أن أريك كيف أحييهم؟ قال: نعم، وإنما كان تفكيره أنه تعجب من قدرة الله عليهم، فقيل له: ناد، فنادى: يا أيتها العظام إن الله يأمرك أن تجتمعي فجعلت العظام يطير بعضها إلي بعض، حتى إذا كانت أجساداً من عظام، ثم أوحى الله إليه، أن ناد: يا أيتها العظام إن الله يأمرك أن تكتسي لحماً، فاكتست لحماً، فاكتست لحماً ودماً وثيابها التي ماتت فيها، ثم قيل له: ناد، فنادى: أيتها الأجساد إن الله يأمرك أن تقومي فقاموا. قال أسباط: فزعم منصور عن مجاهد أنهم قالوا حين أحيوا: سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت، فرجعوا إلي قومهم أحياء يعرفون أنهم كانوا موتى، سحنة الموت على وجوههم لا يلبسون ثوباً إلا عاد كفناً وسخاً، حتى ماتوا لآجالهم التي كتبت لهم. وعن ابن عباس أنهم كانوا أربعة آلاف، وعنه ثمانية آلاف، وعن أبي صالح تسعة آلاف، وعن ابن عباس أيضاً: كانوا أربعين ألفاً. وعن سعيد بن عبد العزيز: كانوا أهل أذرعات. وقال ابن جريج عن عطاء: هذا مثل، يعني أنه سيق مثلاً مبيناً أنه لن يغني حذر من قدر!. وقول الجمهور أقوى أن هذا وقع. وقد روي الإمام احمد وصاحبا الصحيح من طريق الزهري، عن عبد الحميد بن عبد الحرمن بن زيد بن الخطاب، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن عبد الله بن عباس، أن عمر بن الخطاب خرج إلي الشام حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه؛ فأخبروه أن الوباء قد وقع بالشام، فذكر الحديث. يعني في مشاورته المهاجرين والأنصار فاختلفوا عليه، فجاءه عبد الرحمن بن عوف، وكان متغيباً ببعض حاجته فقال: إن عندي من هذا علماً، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا كان بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه، وإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه". فحمد الله عمر، ثم انصرف وقال الإمام: حدثنا حجاج ويزيد المفتي، قالا: حدثنا ابن أبي ذؤيب، عن الزهري، عن سالم، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة؛ أن عبد الرحمن بن عوف أخبر عمر وهو في الشام عن النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا السقم عذب به الأمم قبلكم، فإذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض أنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه. قال: فرجع عمر من الشام وأخرجاه من حديث مالك عن الزهري بنحوه. قال محمد بن إسحاق: ولم يذكر لنا مدة لبث حزقيل في بني إسرائيل، ثم إن الله قبضه إليه، فلما قبض نسى بنو إسرائيل عهد الله إليهم، وعظمت فيهم الأحداث وعبدوا الأوثان، وكان في جملة ما يعبدونه من الأصنام صنم يقال له بعل، فبعث الله إليهم إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران. قلت: وقد قدمنا قصة إلياس تبعاً لقصة الخضر، لأنهما يقرنان في الذكر غالباً، ولأجل أنها بعد قصة موسى في سورة الصافات، فتعجلنا قصته لذلك، والله أعلم. قال محمد بن إسحاق فيما ذكر له عن وهب بن منبه قال: ثم تنبأ فيهم بعد إلياس وصيه اليسع بن أخطوب عليه السلام. |
|
11-03-2019, 11:11 PM | #164 |
| قصة اليسع وقد ذكره الله تعالى مع الأنبياء في سورة الأنعام في قوله: { وإسماعيل واليسع ويونس ولوطاً، وكلاً فصلنا على العالمين } (سورة الأنعام:86) و في سورة ص: { واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل، وكل من الأخيار } (سورة ص:48) قال ابن إسحاق: حدثنا بشر أبو حذيفة: أنبأنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، قال: كان بعد إلياس اليسع ـ عليها السلام ـ فمكث ما شاء الله أن يمكث يدعوهم إلي الله مستمسكاً بمنهاج إلياس وشريعته حتى قبضه الله عز وجل إليه، ثم خلف فيهم الخلوف، وعظمت فيهم الأحداث والخطايا، وكثرت الجبابرة، وقتلوا الأنبياء، وكان فيهم ملك عنيد طاغ، ويقال إنه الذي تكفل له ذو الكفل إن هو تاب وراجع دخل الجنة فسمى ذا الكفل. قال محمد بن إسحاق: وهو اليسع بن أخطوب. وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر في حرف الياء من تاريخه: اليسع هو الأسباط ابن عدي بن شوتلم بن أفرائيم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل. ويقال: هو ابن عم إلياس النبي عليهما السلام. ويقال: كان مستخفياً معه بجبل قاسيون من ملك بعلبك، ثم ذهب معه إليها، فلما رفع إلياس خلفه اليسع في قومه، ونبأه الله بعده. ذكر ذلك عبد المنعم بن إدريس، عن أبيه، عن وهب بن منبه، قال: وقال غيره: وكان الأسباط ببانياس. ثم ذكر ابن عساكر قراءة من قرأ اليسع بالتخفيف والتشديد، ومن قرأ والليسع وهو اسم واحد لنبي من الأنبياء. قلت: قد قدمنا قصة ذا الكفل بعد قصة أيوب عليه السلام، لأنه قد قيل إنه ابن أيوب، فالله تعالى أعلم. قال ابن جرير وغيره: ثم مرج أمر بني إسرائيل وعظمت منهم الخطوب والخطايا، وقتلوا من قتلوا من الأنبياء، وسلط الله عليهم بدل الأنبياء ملوكاً جبارين يظلمونهم، ويسفكون دماءهم، وسلط الله عليهم الأعداء من غيرهم أيضاً، وكانوا إذا قاتلوا أحداً من الأعداء يكون معهم تابوت الميثاق الذي كان في قبة الزمان، كما تقدم ذكره، فكانوا ينصرون ببركته، وبما جعل الله فيه من السكينة والبقية مما ترك آل موسى وآل هارون. فلما كان في بعض حروبهم من أهل غزة وعسقلان غلبوهم عليه وقهروهم على أخذه فانتزعوه من أيديهم، فلما علم بذلك ملك بني إسرائيل في ذلك الزمان مالت عنقه فمات كمداً. وبقى بنو إسرائيل كالغنم بلا راع؛ حتى بعث الله فيهم نبياً من الأنبياء يقال له شمويل، فطلبوا منه أن يقيم لهم ملكاً ليقاتلوا معه الأعداء، فكان من أمرهم ما سنذكره مما قص الله في كتابه. قال ابن جرير: فكان من وفاة يوشع بن نون إلي أن بعث الله عز وجل شمويل بن بالي أربعمائة سنة وستون سنة. ثم ذكر تفصيلها بمدد الملوك ملكوا عليهم، وسماهم واحداً واحداُ وتركنا ذكرهم قصداً. |
|
11-03-2019, 11:11 PM | #165 |
| قصة شمويل عليه السلام هو شمويل، ويقال: له أشمويل بن بالي بن علقمة بن يرخام بن اليهو بن تهو بن صوف بن علقمة بن ماحث بن عموصا بن عزريا. قال مقاتل: وهو من ورثة هارون، وقال مجاهد: هو أشمويل بن هلفاقا، ولم يرفع في نسبه أكثر من هذا، فالله أعلم. حكى السدي بإسناده عن ابن عباس وابن مسعود وأناس من الصحابة والثعلبي وغيرهم أنه لما غلبت العمالقة من أرض غزة وعسقلان على بني إسرائيل وقتلوا منهم خلقاً كثيراً، وسبوا من أبنائهم جمعاً كثيراً، وانقطعت النبوة من سبط لاوي ولم يبق إلا امرأة حبلى فجعلت تدعو الله عز وجل أن يرزقها ولداً ذكراً، فولدت غلاماً فسمته أشمويل، ومعناه بالعبرانية إسماعيل، أي: سمع الله دعائي. فلما ترعرع بعشته إلي المسجد وأسلمته عند رجل صالح فيه يكون عنده ليتعلم من خيره وعبادته، وكان عنده فلما بلغ أشده بينما هو ذات ليلة نائم إذا صوت يأتيه من ناحية المسجد، فانتبه مذعوراً، فظنه الشيخ يدعوه فسأله: أدعوتني؟ فكره أن يفزعه فقال: نعم نم، فنام. ثم ناداه الثانية فكذلك ثم الثالثة فإذا جبريل يدعوه، فجاءه فقال: إن ربك قد بعثك إلي قومك. فكان من أمره معهم ما قص الله في كتابه. { ألم تر إلي الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكاً تقاتل في سبيل الله، قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا، قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا، فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم، والله عليم بالظالمين * وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً، قالوا أتي يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه، ولم يؤت سعة من المال، قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم، والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم * وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين * فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده، فشربوا منه إلا قليلاً منهم، فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده، قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين * ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا افرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين * فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين } (سورة البقرة:246ـ251) قال أكثر المفسرين: كان نبي هؤلاء القوم المذكورين في هذه القصة هو شمويل وقيل: شمعون، وقيل: هما واحد. وقيل: يوشع، وهذا بعيد لما ذكره الإمام أبو جعفر بن جرير في تاريخه أن بين موت يوشع وبعثه شمويل أربعمائة سنة وستين سنة، فالله أعلم. والمقصود أن هؤلاء القوم لما أنهكتهم الحروب، وقهرهم الأعداء، سألوا نبي الله في ذلك الزمان، وطلبوا منه أن ينصب لهم ملكاً يكونون تحت طاعته ليقاتلوا من ورائه ومعه ومن بين يديه الأعداء، فقال لهم: (هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله) أي: وأي شيء يمنعنا من القتال (وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا) يقولون: نحن محروبون موتورون فحقيق لنا أن نقاتل عن أبنائنا المنهورين المستضعفين فيهم المأسورين في قبضتهم. قال الله تعالى: { فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم، والله عليم } (سورة البقرة:246) كما ذكر في آخر القصة أنه لم يجاوز النهر مع الملك إلا القليل، والباقون رجعوا ونكلوا عن القتال. وقال لهم نبيهم: { إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً } (سورة البقرة:246ـ251) قال الثعلبي: وهو طالوت بن قيش بن أنيال بن صرار بن لحوب بن أفيح بن أريش ابن بنيامين بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل. قال عكرمة والسدي: كان سقاءً، وقال وهب بن منبه: كان دباغاً، وقيل غير ذلك، فالله أعلم. ولهذا (قالوا أتي يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه، ولم يؤت سعة من المال) ولقد ذكروا أن النبوة كانت في سبط لاوي، وأن الملك كان في سبط يهوذا، فلما كان هذا من سبط بنيامين نفروا منه، وطعنوا في إمارته عليهم، وقالوا: نحن أحق بالملك منه، وقد ذكروا أنه فقير لا سعة من المال معه، فكيف يكون مثل هذا ملكاً؟. (قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم) قيل: كان الله قد أوحي إلي شمويل أن أي بني إسرائيل كان طوله على طول هذه العصا، وإذا حضر عندك يفور هذا القرن الذي فيه من دهن القدس فهو ملكهم، فجعلوا يدخلون ويقيسون أنفسهم بتلك العصا، فلم يكن أحد منهم على طولها سوى طالوت، ولما حضر عند شمويل فار ذلك القرن فدهنه منه وعينه للملك عليهم، وقال لهم (إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم) قيل: الطول، وقيل: الجمال، والظاهر في السياق أنه كان أجملهم وأعلمهم بعد نبيهم عليه السلام (والله يؤتي ملكه من يشاء) فله الحم وله الخلق والأمر (والله واسع عليم). (وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين) وهذا أيضا من بركة ولاية هذا الرجل الصالح عليهم ويمنه عليهم أن يرد الله عليهم التابوت الذي كان سلب منهم وقهرهم الأعداء عليه، وقد كانوا ينصرون على أعدائهم بسببه (فيه سكينة من ربكم) قيل: طست من ذهب كان يغسل فيه صدور الأنبياء. وقيل: السكينة مثل الريخ الخجوح. وقيل: صوتها مثل الهرة إذا صرخت في حال الحرب أيقن بنو إسرائيل بالنصر (وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون) قيل: كان فيه رضاض الألوح وشيء من المن الذي كان نزل عليهم بالتيه (تحمله الملائكة) أي: باهرة على صدق ما أقوله لكم، وعلى صحة ولاية هذا الملك الصالح عليكم، ولهذا قال: (إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين). وقيل: إنه لما غلب العمالقة على هذا التابوت وكان فيه ما ذكر من السكينة والبقية المباركة، وقيل: كان فيه التوراة أيضاً، فلما استقر في أيديهم وضعوه تحت صنم لهم بأرضهم، فلما أصبحوا إذا التابوت على رأس الصنم فوضعوه تحته"، فلما كان اليوم الثاني إذا التابوت فوق الصنم، فلما تكرر هذا علموا أن هذا الأمر من الله تعالى، فأخرجوه من بلدهم وجعلوه في قرية من قراهم، فأخذهم داء في رقابهم، فلما طال عليهم هذا جعلوه في عجلة وربطوها في بقرتين وأرسلوهما، فيقال: إن الملائكة ساقتها حتى جاءوا بها ملأ بني إسرائيل وهم ينظرون كما أخبرهم نبيهم بذلك، فالله أعلم على أي صفة جاءت به الملائكة، والظاهر أن الملائكة كانت تحمله بأنفسهم كما هو المفهوم من الآية، والله أعلم. وإن كان الأول قد ذكره كثير من المفسرين أو أكثرهم. (فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده) قال ابن عباس وكثير من المفسرين: هذا النهر هو نهر الأردن، وهو المسمى بالشريعة فكان من أمر طالوت بجنوده عند هذا النهر عن أمر نبي الله له عن أمر الله له اختباراً وامتحاناً: أن من شرب من هذا النهر اليوم فلا يصحبني في هذه الغزوة، ولا يصحبني إلا من لم يطعمه إلا غرفة في يده. قال الله تعالى: (فشربوا منه إلا قليلاً منهم). قال السدي: كان الجيش ثمانين ألفاً، فشرب منه ستة وسبعون ألفاً، فبقى معه أربعة آلاف كذا قال. وقد روي البخاري في صحيحه من حديث إسرائيل وزهير والثوري، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب، قال: كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نتحدث أن عدة أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر، ولم يجاوز معه النهر، ولم يجاوز معه إلا بضعة عشر وثلثمائة مؤمن. وقول السدي: إن عدة الجيش كانوا ثمانين ألفاً فيه نظر؛ لأن أرض بيت المقدس لا تحتمل أنه يجتمع فيها جيش مقاتلة يبلغون ثمانين ألفاً، والله أعلم قال الله تعالى: (فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده) أي: استقلوا أنفسهم واستضعفوها عن مقاومة أعدائهم بالنسبة إلي قلتهم وكثرة عدد عدوهم. (قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين) يعني: ثبتهم الشجعان منهم، والفرسان أهل الإيمان والإيقان، الصابرون على الجلاد والجدال والطعان. (ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا افرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين) وطلبوا من الله أن يفرغ عليهم الصبر، أي: يغمرهم به من فوقهم فتستقر قلوبهم ولا تقلق، وأن يثبت أقدامهم في مجال الحرب، ومعترك الأبطال، وحومة الوغي، والدعاء إلي النزال، فسألوا التثبيت الظاهر والباطن وأن ينزل عليهم النصر على أعدائهم وأعدائه من الكافرين الجاحدين بآياته وآلائه، فأجابهم العظيم القدير السميع البصير الحكيم الخبير إلي ما سألوا، وأنالهم ما إليه فيه رغبوا. ولهذا قال: (فهزموهم بإذن الله). أي: يحول الله وقوته لا بحولهم، وبقوة الله ونصره لا بقوتهم وعددهم، مع كثرة أعداءهم وكمال عددهم، |
|
11-03-2019, 11:11 PM | #166 |
| أخر قصة شمويل عليه السلام كما : { ولقد نصركم الله ببدرٍ وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون } (سورة آل عمران:123) وقوله تعالى: { وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء } فيه دلالة على شجاعة داود عليه السلام، وأنه قتله قتلاً أذل به جنده وكسر جيشه، ولا أعظم من غزوة يقتل فيها ملك عدوه فيغنم بسبب ذلك الأموال الجزيلة، ويأسر الأبطال الشجعان والأقران، وتعلو كلمة الإيمان على الأوثان، ويدال لأولياء الله على أعدائه، ويظهر الدين الحق على الباطل وأوليائه. وقد ذكر السدي فيما يرويه أن داود عليه السلام كان أصغر أولاد أبيه، وكانوا ثلاثة عشر ذكراً، كان سمع طالوت ملك بني إسرائيل وهو يحرض بني إسرائيل على قتل جالوت وجنوده وهو يقول: من قتل جالوت زوجته بابنتي وأشركته في ملكي، وكان داود عليه السلام يرمي بالقذافة وهو المقلاع رمياً عظيماً، فبينما وهو سائر مع بني إسرائيل إذ ناداه حجر أن خذني فإن بي تقتل جالوت؛ فأخذه، ثم حجر آخر كذلك ثم آخر كذلك، فأخذ الثلاثة في مخلاته، فلما تواجه الصفان برز جالوت ودعا إلي نفسه، فتقدم إليه داود فقال له: ارجع فإني اكره قتلك، فقال: لكني احب قتلك. وأخذ تلك الأحجار الثلاثة فوضعها في القذافة، ثم أدارها فصارت الثلاثة حجراً واحداً، ثم رمى بها جالوت فلق رأسه وفر جيشه منهزماً، فوفى له طالوت بما وعده فزوجه ابنته، وأجرى حكمه في ملكه، وعظم داود عليه السلام عند بني إسرائيل وأحبوه، ومالوا إليه أكثر من طالوت. فذكروا أن طالوت حسده وأراد قتله، واحتال على ذلك فلم يصل إليه، وجعل العلماء ينهون طالوت عن قتل داود، فتسلط عليهم فقتلهم حتى لم يبق منهم إلا القليل، ثم حصل له توبة وندم وأقلع عما سلف منه، وجعل يكثر من البكاء، ويخرج إلي الجبانة فيبكي حتى يبل الثرى بدموعه، فنودي ذات يوم من الجبانة: أن يا طالوت قتلتنا ونحن أحياء وآذيتنا ونحن أموت؛ فازداد لذلك بكاؤه وخوفه واشتد وجله، ثم جعل يسأل عن عالم يسأله عن أمره وهل له من توبة، فقيل له: وهل أبقيت عالما؟! حتى ذلك على امرأة من العابدات فأخذته فذهبت به إلي قبر يوشع عليه السلام، قالوا: فدعت الله، فقام يوشع من قبره فقال: أقامت القيامة؟ فقالت: لا، ولكن هذا طالوت يسألك: هل له من توبة؟ فقال: نعم: ينخلع من الملك ويذهب فيقاتل في سبيل الله حتى يقتل. ثم عاد ميتاً. فترك الملك لداود عليه السلام، وذهب ومعه ثلاثة عشر من أولاده فقاتلوا في سبيل الله حتى قتلوا، قالوا: فذلك قوله: (وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء). هكذا رواه ابن جرير في تاريخه من طريق السدي بإسناده، وفي بعض هذا نظر، ونكارة والله أعلم. وقال محمد بن إسحاق: النبي الذي بعث فأخبر طالوت بتوبته هو اليسع بن أخطوب حكاه ابن جرير أيضاً. وذكر الثعلبي أنها أتت به إلي قبر شويل فعاتبه على ما صنع بعده من الأمور، وهذا أنسب، ولعله إنما رآه في النوم لا أنه قام من القبر حياً، فإن هذا إنما يكون معجزة لنبي، وتلك امرأة لم تكن نبية، واله أعلم. قال ابن جرير: وزعم أهل التوراة أن مدة ملك طالوت إلي أن قتل مع أولاده أربعون سنة، فالله أعلم |
|
11-03-2019, 11:12 PM | #167 |
| قصة داوود عليه السلام هو داود بن إيشا بن عويد بن عابر بن سلمون بن نحشون بن عوينادب بن إرم بن حصرون بن فارض بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عبد الله ونبيه وخليفته في أرض بيت المقدس. قال محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم، عن وهب بن منبه: كان داود عليه السلام قصيراً أزرق العينين، قليل الشعر، طاهر القلب، نقيه. تقدم إنه لما قتل جالوت وكان قتله له فيما ذكر ابن عساكر عند قصر أم حكيم بقرب مرج الصفر، فأحبته بنو إسرائيل ومالوا إليه وإلي ملكه عليهم، فكان من أمر طالوت ما كان وصار الملك إلي داود عليه السلام، وجمع الله له بين الملك والنبوة بين خير الدنيا والآخرة، وكان الملك يكون في سبط والنبوة في آخر، فاجتمع في داود هذا. وهذا كما : { وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين } (سورة البقرة:251) أي: لولا إقامة الملوك حكاماً على الناس لأكل قوي الناس ضعيفهم؛ ولهذا جاء في بعض الآثار: "السلطان ظل الله في أرضه". وقال أمير المؤمنين عثمان بن عفان: إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. وقد ذكر ابن جرير في تاريخه أن جالوت لما بارز طالوت فقال له: اخرج إلي وأخرج إليك، فندب طالوت الناس، فانتدب داود فقتل جالوت. قال وهب بن منبه: فمال الناس إلي داود حتى لم يكن لطالوت ذكر، وخلعوا طالوت وولوا عليهم داود، وقيل: إن ذلك عن أمر شمويل، حتى قال بعضهم: إنه ولاه قبل الوقعة. قال ابن جرير: والذي عليه الجمهور إنه إنما ولي ذلك بعد قتل جالوت، والله أعلم، وروي ابن عساكر عن سعيد بن عبد العزيز أن قتله جالوت كان عند قصر أم حكيم وأن النهر الذي كان هو المذكور في الآية. فالله أعلم. و: { ولقد ولقد آتينا داود منا فضلاً يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد * أن اعمل سابغات وقدر في السرد، واعملوا صالحاً، إني بما تعملون بصير } (سورة سبأ:10ـ11) و: { وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير، وكنا فاعلين * وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم، فهل أنتم شاكرون } (سورة الأنبياء:79ـ80) أعانه الله على عمل الدروع من الحديد ليحصن المقاتلة من الأعداء، وأرشده إلي صنعتها وكيفيتها: (وقدر في السرد) أي: لا تدق المسمار فيفلق ولا تغلظه فيفصم، قاله مجاهد وقتادة والحكم وعكرمة. قال الحسصن البصري وقتادة والأعمش: كان الله قد ألان له الحديد حتى كان يفتله بيده لا يحتاج إلي نار ولا مطرقة، قال قتادة: فكان أول من عمل الدروع من زرد، وإنما كانت قبل ذلك من صفائح، قال ابن شوذب: كان يعمل كل يوم درعاً يبيعها بستة آلاف درهم. وقد ثبت في الحديث: "أن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وأن نبي الله داود كان يأكل من كسب يده". و: { واذكر عبدنا داود ذا الأيد، إنه أواب * إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشى والإشراق * والطير محشورة، كل له أواب * وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب } (سورة ص:17ـ20) قال ابن عباس ومجاهد: الأيد: القوة في الطاعة. يعني ذا قوة في العبادة والعمل الصالح، قال قتادة: أعطى قوة في العبادة فقها في الإسلام، قال: وقد ذكر لنا أنه كان يقوم الليل ويصوم نصف الدهر. وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "احب الصلاة إلي الله صلاة داود، وأحب الصيام إلي الله صيام داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً، ولا يفر إذا لاقى" { إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشى والإشراق * والطير محشورة، كل له أواب } (سورة ص:18ـ19) كما قال: { يا جبال أوبي معه والطير } (سورة سبأ:10) أي: سبحي معه. قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد في تفسير هذه الآية: (إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشى والإشراق) أي: عند آخر النهار وأوله، وذلك أنه كان الله تعالى قد وهبه من الصوت العظيم ما لم يعطه أحداً، بحيث أنه كان إذا ترنم بقراءة كتابه يقف الطير في الهواء يرجع بترجيعه ويسبح بتسبيحه، وكذلك الجبال تجيبه وتسبح معه كلما سبح بكرة وعشيا، صلوات الله وسلامه عليه. |
|
11-03-2019, 11:12 PM | #168 |
| أخر قصة داوود عليه السلام وقال الأوزاعي: حدثني عبد الله بن عامر قال: أعطي داود من حسن الصوت ما لم يعط أحد قط، حتى إن كان الطير والوحش ينعكف حوله حتى يموت عطشاً وجوعاً، وحتى إن الأنهار لتقف!. وقال هب: كان لا يسمعه أحد إلا حجل كهيئته الرقص، وكان يقرأ الزبور بصوت لم تسمع الآذان بمثله، فيعكف الجن والإنس والطير والدواب على صورته، حتى يهلك بعضها جوعاً. وقال أبو عوانة الأسفراييني: حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا، حدثنا محمد بن منصور الطوسي، سمعت صبيحاً أبا تراب، ح، قال أبو عوانة: وحدثني أبو العباس المدني، حدثنا محمد بن صالح العدوي، حدثنا سيار هو ابن حاتم، عن جعفر، عن مالك، قال: كان داود عليه السلام إذا أخذ في قراءة الزبور تفتقت العذارى، وهذا غريب. وقال عبد الرزاق عن ابن جريج: سألت عطاء عن القراءة على الغناء، فقال: وما بأس بذلك؟ سمعت عبيد بن عمران يقول: كان داود عليه السلام يأخذ المعرفة فيضرب بها فيقرأ عليها فترد عليه صوته يريد بذلك أن يبكي ويبكي. وقال الإمام احمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت أبي موسى الأشعري وهو يقرأ فقال: "لقد أوتى أبو موسى من مزامير آل داود" وهذا على شرط الشيخين ولم يخرجاه من هذا الوجه. وقال احمد: حدثنا حسن، حدثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لقد أعطى أبو موسى من مزامير داود" على شرط مسلم. وقد روينا عن أبي عثمان النهدي أنه قال: لقد سمعت البربط والمزمار، فما سمعت صوتا احسن من صوت أبي موسى الأشعري. وقد كان مع هذا الصوت الرخيم سريع القراءة لكتابه الزبور، كما قال الإمام احمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن همام، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خفف على داود القراءة، فكان يأمر بدابته فتسرج، فكان يقرأ القرآن من قبل أن تسرج دابته، وكان لا يأكل إلا من عمل يديه" وكذلك رواه البخاري منفرداً به عن عبد الله بن محمد، عن عبد الرزاق به، ولفظه: "خفف على داود القرآن، فكان يأمر بدوابه فتسرج، فيقرأ القرآن قبل أن تسرج دوابه ولا يأكل إلا من عمل يديه". ثم قال البخاري: ورواه موسى بن عقبة، عن صفوان هو ابن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد أسنده ابن عساكر في ترجمة داود عليه السلام في "تاريخه" من طرق عن إبراهيم بن طهمان، عن موسى بن عقبة، ومن طريق أبي عاصم عن أبي بكر السبري، عن صفوان بن سليم به. والمراد بالقرآن هاهنا الزبور الذي أنزله عليه وأوحاه إليه. وذكر رواية أشبه أن يكون محفوظاً فإنه كان ملكاً له أتباع، فكان يقرأ الزبور بمقدار ما تسرج الدواب، وهذا أمر سريع مع التدبر والترنم والتغني به على وجه التخشع، صلوات الله وسلامه عليه. وقد قال الله تعالى: { وآتينا داود زبوراً } (سورة النساء:163) والزبور كتاب مشهور وذكرنا في التفسير الحديث الذي رواه احمد وغيره أنه أنزل في شهر رمضان، وفيه من المواعظ والحكم ما هو معروف لمن نظر فيه. وقوله: (وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب) أي: أعطيناه ملكاً عظيماً وحكماً نافذاً. وروى ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي عباس: أن رجلين تداعيا إلي داود عليه السلام في بقرة، ادعى أحدهما على الآخر أنه اغتصبها منه، فأنكر المدعى عليه فأرجأ أمرهما إلي الليل، فلما كان الليل أوحى الله إليه أن يقتل المدعى، فلما أصبح قال له داود: إن الله أوحى إلي أن أقتلك فأنا قاتلك لا محالة، فما خبرك فيما ادعيته على هذا؟ قال: والله يا نبي الله إني لمحق فيما ادعيت عليه، ولكني كنت اغتلت أباه قبل هذا، فأمر به داود فقتل. فعظم أمر داود في بني إسرائيل جداً وخضعوا له خضوعاً عظيماً، قال ابن عباس وهو قوله تعالى: (وشددنا ملكه)، وقوله تعالى: (وآتيناه الحكمة) أي: النبوة (وفصل الخطاب) قال شرح والشعبي وقتادة وأبو عبد الرحمن السلمى وغيرهم: فصل الخطاب الشهود والإيمان، يعنون ذلك: "البينة على المدعي واليمين على من أنكر". وقال مجاهد والسدي: هو إصابة القضاء وفهمه. وقال مجاهد: هو الفصل في الكلام وفي الحكم، واختاره ابن جرير. وهذا لا ينافي ما روي عن أبي موسى الأشعري أنه قال: أما بعد: وقال وهب بن منبه: لما كثر الشر والشهادات الزور في بني إسرائيل أعطى داود سلسلة لفصل القضاء، فكانت ممدودة من السماء إلي صخرة بيت المقدس، وكانت من ذهب، فإذا تشاجر الرجلان في حق فأبهما كان محقاً نالها والآخر لا يصل إليها، فلم تزل كذلك حتى أودع رجل رجلاً لؤلؤة، فجحدها منه، وأخذ عكازاً وأودعها فيه، فلما حضرا عند الصخرة تناولها المدعي، فلما قيل للآخر خذها بيدك عمد إلي العكاز فأعطاه المدعي وفيه تلك اللؤلؤة وقال: اللهم إنك تعلم أني دفعتها إليه، ثم تناول السلسلة فنالها، فأشكل أمرها على بني إسرائيل، ثم رفعت سريعاً من بينهم. ذكره بمعناه غير واحد من المفسرين. وقد رواه إسحاق بن بشر عن إدريس بن سنان، عن وهب به بمعناه. { وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب * إذ دخلوا على داود ففزع منهم، قالوا لا تخف، خصمان بغى بعضنا على بعض، فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا سواء الصراط * إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب * قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلي نعاجه، وإن كثيراً من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وقليل ما هم، وظن داود إنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب * فغفر له ذلك، وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب } (سورة ص:21ـ25) وقد ذكر كثير من المفسرين من السلف والخلف هاهنا قصصاً وأخباراً أكثرها إسرائيليات ومنها ما هو مكذوب لا محالة. تركنا إيرادها في كتابنا قصداً واكتفاءً واقتصاراً على مجرد تلاوة القصة من القرآن العظيم، والله يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم. وقد اختلف الأئمة في سجدة "ص" هل هي من عزائم السجود، أو إنما هي سجدة شكر ليست من عزائم السجود؟ على قولين: قال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الله، حدثنا محمد بن عبيد الطنافسي، عن العوام قال: سألت مجاهداً عن سجدة "ص" فقال: سألت ابن عباس من أين سجدت؟ فقال: أو ما تقرأ: { ومن ذريته داود وسليمان } (سورة الأنعام:84) { أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده } (سورة الأنعام:90) فكان داود ممن أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم أن يقتدي به فسجدها داود عليه السلام، فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد قال الإمام احمد: حدثنا إسماعيل هو ابن علية، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال في السجود في "ص": ليست من عزائم السجود، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها. وكذا رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث أيوب، وقال الترمذي: حسن صحيح، وقال النسائي: أخبرني إبراهيم بن الحسن المقسمي، حدثنا حجاج بن محمد، عن عمرو بن ذر، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في "ص"، وقال: "سجدها داود توبة، ونسجدها شكراً" تفرد به احمد، ورجاله ثقات. وقال أبو داود: حدثنا احمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح، عن أبي سعيد الخدري، قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر "ص"، فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد معه الناس، فلما كان يوم آخر قرأها فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد معه الناس، فلما كان يوم آخ قرأها بلغ السجدة تشزن الناس للسجود، فقال: "إنما هي توبة نبي ولكن رأيتكم تشزنتم" فنزل وسجد. وتفرد به أبو داود وإسناده على شرط الصحيح |
|
الكلمات الدلالية (Tags) |
أو , الـكريم , القرآن , بقصه , دخولك , سجل , قصص |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
30 وسيلة إبداعية في حفظ القران الكريم. | غلا الكويت | (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) | 29 | 05-06-2021 11:58 PM |
تلاوة قرآن | أمير الصحراء | ( همســـــات الإسلامي ) | 14 | 03-05-2015 02:05 AM |
إحصائيات قرآنيه لوحه إلاهيه رائعه | نجوى العراق | (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) | 12 | 28-08-2014 09:56 PM |
إعجاز القرآن الكريم | قطرات احزان | (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) | 14 | 25-10-2013 03:01 AM |
أسرار التكرار في القرآن الكريم | ميارا | (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) | 11 | 13-02-2013 11:33 PM |