ننتظر تسجيلك هنا


الإهداءات


العودة   منتدى همسات الغلا > ۞ (المنتديات الاسلاميه) ۞ > (سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وقصص الانبياء والصحابه )


إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 24-07-2018, 09:35 PM   #15


تيماء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7482
 تاريخ التسجيل :  27 - 10 - 2016
 أخر زيارة : 02-01-2023 (09:51 PM)
 المشاركات : 106,153 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Lebanon
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Floralwhite
افتراضي




الطاهرة المطهرة
عائشة بنت الصديق
رضي الله عنها



قال الرافضة : إن عائشة اتهمت عليا رضي الله عنه أنه قتل عثمان.

قال شيخ الإسلام: وأما قوله: "إنها سألت: من تولى الخلافة؟ فقالوا: عليّ. فخرجت لقتاله على دم عثمان، فأي ذنب كان لعليّ في ذلك؟

والجواب:
فيقال له أولاً: قول القائل: إن عائشة وطلحة والزبير اتهما عليّاً بأنه قتل عثمان وقاتَلوه على ذلك – كذب بيِّن، بل إنما طلبوا القتلة الذين كانوا تحيّزوا إلى عليّ، وهم يعلمون أن براءة عليّ من دم عثمان كبراءتهم وأعظم، لكن القتلة كانوا قد أووا إليه، فطلبوا قتل القتلة، ولكن كانوا عاجزين عن ذلك هم وعليّ، لأن القوم كانت لهم قبائل يذبُّون عنهم.

والفتنة إذا وقعت عجز العقلاء فيها عن دفع السفهاء، فصار الأكابر رضي الله عنهم عاجزين عن إطفاء الفتنة وكف أهلها. وهذا شأن الفتن كما قال تعالى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً} [الأنفال: 25]، وإذا وقعت الفتنة لم يسلم من التلوث بها إلا من عصمه الله( ).

شبهة خروج أم المؤمنين لقتال علي رضي الله عنهما؛ والكلام على معركة الجمل ( ).

الجواب:
-إنَّ مُعتقَد أهْلِ السُّنة والجماعة الإمساكُ عمَّا جَرَى بين أصحاب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - والترضِّي عنهم جميعًا، واعتقادُ أنهم مجتهدون في طلب الحقِّ؛ للمصِيب منهم أجران، وللمُخْطِئ أجرٌ واحد.

ولَمَّا كانتْ كُتب التاريخ مَشحونة بكثيرٍ من الأخبار المكذوبة التي تحطُّ من قَدْر هؤلاء الأصحاب الأخيار، وتصوِّرُ ما جَرَى بينهم على أنَّه نزاعٌ شخصي أو دُنيوي، فإليك جُملة من الأخبار الصحيحة حول هذه المعركة، وبيان الدافع الذي أدَّى إلى اقْتِتال الصحابة الأخيار - رضي الله عنهم.

أولاً: بُويع عَلِي - رضي الله عنه - بالخلافة بعد مَقتل عثمان - رضي الله عنه - وكان كارهًا لهذه البيعة رافضًا لها، وما قَبِلَها إلاَّ لإلحاح الصحابة عليه، وفي ذلك يقول كما جاء عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْجَمَلِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ، وَلَقَدْ طَاشَ عَقْلِي يَوْمَ قُتِلَ عُثْمَانُ، وَأَنْكَرَتْ نَفْسِي وجَاءُونِي لِلْبَيْعَةِ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لأسْتَحْيِي مِنَ اللَّهِ أَنْ أُبَايِعَ قَوْمًا قَتَلُوا رَجُلا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ألا أَسْتَحْيِي مِمَّنْ تَسْتَحْيِي مِنْهُ الْمَلائِكَةُ» ، وَإِنِّي لأسْتَحْيِي مِنَ اللَّهِ أَنْ أُبَايِعَ وَعُثْمَانُ قَتِيلٌ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يُدْفَنْ بَعْدُ، فَانْصَرَفُوا، فَلَمَّا دُفِنَ رَجَعَ النَّاسُ فَسَأَلُونِي الْبَيْعَةَ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي مُشْفِقٌ مِمَّا أَقْدَمُ عَلَيْهِ، ثُمَّ جَاءَتْ عَزِيمَةٌ فَبَايَعْتُ فَلَقَدْ قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَكَأَنَّمَا صُدِعَ قَلْبِي، وَقُلْتُ: اللَّهُمَّ خُذْ مِنِّي لِعُثْمَانَ حَتَّى تَرْضَى".

«هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ»( ). ووافَقَه الذهبي.

ثانيًا: لم يكنْ عَلِي - رضي الله عنه - قادرًا على تنفيذ القِصاص في قَتَلة عثمان - رضي الله عنه - لعدم عِلْمه بأعيانهم، ولاختلاط هؤلاء الخوارج بجيشه، مع كثرتهم واستعدادِهم للقِتال، وقد بلَغَ عددُهم ألْفَي مقاتل كما في بعض الروايات؛ كما أنَّ بعضَهم ترَكَ المدينة إلى الأمصار عقب بيعة عَلِي.

وقد كان كثيرٌ من الصحابة خارج المدينة في ذلك الوقت، ومنهم أُمَّهات المؤمنين - رضي الله عنهنَّ - لانشغال الجميع بالحجِّ، وقد كان مَقتلُ عثمان - رضي الله عنه - يوم الجمعة لثمان عشرة خَلَتْ من ذي الحجة، سنة خمسة وثلاثين على المشهور.

ثالثًا: لَمَّا مَضَتْ أربعة أشهر على بيعة عَلِي دون أنْ ينفِّذَ القِصاصَ، خرَجَ طلحة والزبير إلى مكة، والْتَقوا بأُمِّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - واتَّفقَ رأيُهم على الخروج إلى البصرة؛ ليقفوا بِمَن فيها من الخيل والرجال - ليس لهم غرضٌ في القتال - وذلك تمهيدًا للقبْض على قَتَلة عثمان - رضي الله عنه - وإنفاذِ القِصاص فيهم.

ويدلُّ على ذلك ما جاء عن قيس قال : لَمَّا أَقْبَلَتْ عَائِشَةُ بَلَغَتْ مِيَاهَ بَنِي عَامِرٍ لَيْلًا نَبَحَتِ الْكِلَابُ، قَالَتْ: أَيُّ مَاءٍ هَذَا؟ قَالُوا: مَاءُ الْحَوْأَبِ قَالَتْ: مَا أَظُنُّنِي إِلا أَنِّي رَاجِعَةٌ فَقَالَ بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَهَا: بَلْ تَقْدَمِينَ فَيَرَاكِ الْمُسْلِمُونَ، فَيُصْلِحُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَاتَ بَيْنِهِمْ، قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَنَا ذَاتَ يَوْمٍ: " كَيْفَ بِإِحْدَاكُنَّ تَنْبَحُ عَلَيْهَا كِلَابُ الْحَوْأَبِ؟ "( ).

رابعًا: وقد اعتبرَ عَلِي - رضي الله عنه - خروجَهم إلى البصرة واستيلاءَهم عليها نوعًا من الخروج عن الطاعة، وخَشِي تمزُّق الدولة الإسلاميَّة، فسَارَ إليهم - رضي الله عنه - وكان أمرُ الله قدْرًا مَقْدورًا.

خامسًا: وقد أرَسَلَ علي - رضي الله عنه - القعقاع بن عمرو إلى طلحة والزبير يدعوهما إلى الأُلْفة والجماعة، فبدأ بعائشة - رضي الله عنها - فقال: أي أُمَّاه، ما أقْدَمَك هذا البلد؟ فقالتْ: أي بُنَي، الإصلاحُ بين الناس.

قال ابنُ كَثير - رحمه الله - ": "فرجَعَ إلى علي فأخبرَه، فأعجبَه ذلك، وأشرفَ القومُ على الصُّلْح؛ كَرِه ذلك مَن كَرِهه، ورَضِيه مَن رَضِيه، وأَرْسَلتْ عائشة إلى علي تُعْلِمه أنَّها إنَّما جاءتْ للصلح، ففرِحَ هؤلاء وهؤلاء، وقامَ عَلِي في الناس خطيبًا، فذكَرَ الجاهليَّة وشقاءَها وأعمالَها، وذَكَر الإسلام وسعادة أهْله بالأُلفة والجماعة، وأنَّ الله جمعَهم بعد نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - على الخليفة أبي بكر الصديق، ثم بعده على عمر بن الخطاب، ثم على عثمان، ثم حدَثَ هذا الحدَث الذي جرَّه على الأُمَّة أقوامٌ طلبوا الدنيا، وحسدوا مَن أنعمَ الله عليه بها، وعلى الفضيلة التي مَنَّ الله بها، وأرادوا ردَّ الإسلام والأشياء على أدْبارها، والله بالغُ أمرِه، ثم قال: ألا إنِّي مُرتحلٌ غدًا فارتحلوا، ولا يرتحلُ معي أحدٌ أعانَ على قتْلِ عثمان بشيءٍ من أمور الناس، فلمَّا قال هذا، اجتمَعَ مِن رؤوسهم جماعة كالأشتر النخعي، وشُريح بن أوْفى، وعبدالله بن سبأ المعروف بابن السوداء، وغيرهم في ألفين وخمسمائة، وليس فيهم صحابي ولله الحمد، فقالوا: ما هذا الرأْي؟ وعلي - والله - أعلمُ بكتاب الله مِمَّن يَطْلب قَتَلة عثمان، وأقربُ إلى العمل بذلك، وقد قال ما سمعتُم، غدًا يَجمع عليكم الناس، وإنَّما يريدُ القومُ كلُّهم أنتم، فكيف بكم وعددُكم قليلٌ في كثرتهم.

فقال الأشتر: قد عرَفْنا رأْي طلحةَ والزبير فينا، وأمَّا رأْي عَلِي، فلمْ نعرفْه إلاَّ اليوم، فإنْ كان قد اصْطَلحَ معهم، فإنَّما اصْطَلح على دمائِنا، ثم قال ابنُ السوداء - قبَّحه الله -: يا قوم، إنَّ عِيرَكم في خلطة الناس، فإذا الْتَقَى الناسُ، فانشبوا الحربَ والقتال بين الناس، ولا تدعوهم يجتمعون"( ).

ثم قال ابنُ كثير: "وباتَ الناسُ بخير ليلة، وباتَ قَتَلة عثمان بشرِّ ليلة، وباتوا يتشاورن، وأجمعوا على أنْ يُثيروا الحربَ من الغَلَس، فنَهَضُوا من قبل طلوع الفجر، وهم قريبٌ من ألْفَي رجلٍ، فانصرَفَ كلُّ فريقٍ إلى قَراباتهم، فهَجَمُوا عليهم بالسيوف، فثارتْ كلُّ طائفة إلى قومِهم ليمنعوهم، وقامَ الناس من مَنامهم إلى السلاح، فقالوا: طَرَقَتْنا أهْلُ الكوفة ليلًا، وبيَّتونا وغَدروا بنا، وظنُّوا أنَّ هذا عن ملأٍ من أصحاب عَلِي، فبلَغَ الأمر عَليًّا، فقال: ما للناس؟ فقالوا: بيَّتنا أهْلُ البصرة، فثارَ كلُّ فريقٍ إلى سلاحه، ولَبِسوا اللأمة، ورَكِبوا الخيول، ولا يَشْعر أحدٌ منهم بما وقَعَ الأمرَ عليه في نفْس الأمر، وكان أمرُ الله قدرًا مَقدَّرًا، وقامتْ الحربُ على ساق وقدم، وتبارَزَ الفرسان، وجالتِ الشُّجعان، فنشبتِ الحرب، وتواقَفَ الفريقان، وقد اجتمعَ مع عَلِي عشرون ألفًا، والتفَّ على عائشة ومَن معها نحو من ثلاثين ألفًا، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون( ).

سادسًا: وإنَّ أهمَّ ما ينبغي بيانُه هنا، ما كان عليه هؤلاء الصحابة الأخيار من الصِّدْق والوفاء والحبِّ لله - عزَّ وجلَّ - رغم اقتتالهم، وإليك بعضَ النماذج الدالَّة على ذلك:

1- روى ابنُ أبي شيبة( ) في مصنَّفه بسندٍ صحيح عن الحسن بن علي قال: "لقد رأيتُه - يَعني عَليًّا - حين اشتدَّ القتال يلوذُ بي ويقول: يا حَسن، لوَدِدْتُ أنِّي مِتُّ قبل هذا بعشرين حِجَّة أو سنة".

2- وقيل لعَلي: إنَّ على الباب رَجُلين ينالان من عائشة، فأمَرَ القعقاع بن عمرو أن يَجْلِدَ كلَّ واحدٍ منهما مائةً، وأنْ يُخْرِجَهما من ثيابها( ).

3- وقد سألتْ عائشة - رضي الله عنه - عمَّن قُتِل معها من المسلمين، ومِن قُتِل مِن عسكر علي، فجعلتْ كلَّما ذُكِر لها واحدٌ منهم، ترحَّمتْ عليه ودَعَتْ له( ).

4- ولَمَّا أرادتِ الخروج من البصرة، بعثَ إليها عَلِي بكلِّ ما ينبغي من مَركبٍ وزادٍ ومَتاعٍ، واختارَ لها أرْبَعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات، وسيَّرَ معها أخاها محمد بن أبي بكر - وكان في جيش عَلِي - وسارَ عَلِي معها؛ مُودِّعًا، ومُشيِّعًا أميالاً، وسرَّحَ بَنِيه معها بقيَّة ذلك اليوم( ).

1- وودَّعَتْ عائشة الناسَ وقالتْ: يا بَني لا يعتبْ بعضُنا على بعضٍ؛ إنَّه والله ما كان بيني وبين عَلِي في القِدَم إلاَّ ما يكون بين المرأة وأحمائها، وإنَّه على معتبتي لمن الأخْيَار، فقال عَلِي: صَدَقْتِ، والله ما كان بيني وبينها إلاَّ ذاك، وإنَّها لزوجة نبيِّكم - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الدنيا والآخرة( ).

وقد تبين مما سبق أن عائشة - رضي الله عنه - ما خرجتْ إلاَّ للإصلاح بين الناس، وأنْ يراها الناس، فيكفُّوا عن القتال ، وكانت متأولة لقول الله جل وعلا: قال تعالى: {لاّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مّن نّجْوَاهُمْ إِلاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَآءَ مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:114].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : فإن عائشة لم تقاتل ولم تخرج لقتال وإنما خرجت لقصد الإصلاح بين المسلمين وظنت أن في خروجها مصلحة للمسلمين ثم تبين لها فيما بعد أن ترك الخروج كان أولى فكانت إذا ذكرت خروجها تبكي حتى تبل خمارها وهكذا عامة السابقين ندموا على ما دخلوا فيه من القتال ،فندم طلحة والزبير وعلي رضي الله عنهم أجمعين ولم يكن يوم الجمل لهؤلاء قصد في الاقتتال ولكن وقع الاقتتال بغير اختيارهم ( ) .

وقال الإمام أبوبكر بن العربي المالكي: ولما ظهر علي - رضي الله عنه - جاء إلى أم المؤمنين - رضي الله عنها- فقال: (غفر الله لك) قالت: (ولك, ما أردتُ إلا الإصلاح).
ثم أنزلها دار عبد الله بن خلف وهي أعظم دار في البصرة على سنية بنت الحارث أم طلحة الطلحات، وزارها ورحبت به وبايعته وجلس عنده( ).

وقال ابن العربي المالكي: أما خروج عائشة - رضي الله عنها – فهو اجتهاد منها لتحقيق غاية طلحة والزبير، والتعاون مع علي من أجل إطفاء الفتنة، والقضاء على المنافقين من قتلة عثمان - رضي الله عنهم جميعاً.

فأين هذه البراءة مما زعمه بعض المفترين بأن خروج عائشة - رضي الله عنها - يوم الجمل كان انتقاماً من علي - رضي الله عنه - من أنه حض الرسول -صلى الله عليه وسلم- على طلاقها في حادثة (الإفك)، لما رأى من حزنه من كلام بعض الناس... وقد قال غير واحد أنها اجتهدت، ولكنها أخطأت في الاجتهاد، ولا إثم على المجتهد المخطئ، بل له أجر على اجتهاده، وكونها - رضي الله عنها- من أهل الاجتهاد مما لا ريب فيه( ).

وقال ابن حجر: لأنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى رَأْيِ عَائِشَةَ فِي طَلَبِ الإصلاح بَيْنَ النَّاسِ، وَلَمْ يَكُنْ قَصْدُهُمُ الْقِتَالَ ؛ لَكِنْ لَمَّا انْتَشَبَتِ الْحَرْبُ لَمْ يَكُنْ لِمَنْ مَعَهَا بُدٌّ مِنَ الْمُقَاتَلَةِ ،وَلَمْ يَرْجِعْ أَبُو بَكْرَةَ عَنْ رَأْيِ عَائِشَةَ وَإِنَّمَا تَفَرَّسَ بِأَنَّهُمْ يُغْلَبُونَ لَمَّا رَأَى الَّذِينَ مَعَ عَائِشَةَ تَحْتَ أَمْرِهَا لِمَا سَمِعَ فِي أَمْرِ فَارِسٍ . قَالَ: وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّ أَحَدًا لَمْ يَنْقُلْ أَنَّ عَائِشَةَ وَمَنْ مَعَهَا نَازَعُوا عَلِيًّا فِي الْخِلَافَةِ، ولا دَعَوْا إِلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ لِيُوَلُّوهُ الخلافة ،وَإِنَّمَا أَنْكَرَتْ هِيَ وَمَنْ مَعَهَا عَلَى عَلِيٍّ مَنْعَهُ مِنْ قَتْلِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ وَتَرْكِ الاقتصاص مِنْهُمْ ، وَكَانَ عَلِيٌّ يَنْتَظِرُ مِنْ أَوْلِيَاءِ عُثْمَانَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَيْهِ فَإِذَا ثَبَتَ عَلَى أَحَدٍ بِعَيْنِهِ أَنَّهُ مِمَّنْ قَتَلَ عُثْمَانَ اقْتَصَّ مِنْهُ فَاخْتَلَفُوا بِحَسَبِ ذَلِكَ وَخَشِيَ مَنْ نُسِبَ إِلَيْهِمُ الْقَتْلُ أَنْ يَصْطَلِحُوا عَلَى قَتْلِهِمْ فَأَنْشَبُوا الْحَرْبَ بَيْنَهُمْ إِلَى أَنْ كَانَ مَا كَانَ فَلَمَّا انْتَصَرَ عَلِيٌّ عَلَيْهِمْ حَمِدَ أَبُو بَكْرَةَ رَأْيَهُ فِي تَرْكِ الْقِتَالِ مَعَهُمْ ، وَإِنْ كَانَ رَأْيُهُ كَانَ مُوَافِقًا لِرَأْيِ عَائِشَةَ فِي الطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ انْتَهَى كَلَامُهُ( ).

أيتكن تنبح عليها كلاب الحوأب:
عن قيس قال : لَمَّا أَقْبَلَتْ عَائِشَةُ بَلَغَتْ مِيَاهَ بَنِي عَامِرٍ ليلاً نَبَحَتِ الْكِلَابُ، قَالَتْ: أَيُّ مَاءٍ هَذَا؟ قَالُوا: مَاءُ الْحَوْأَبِ قَالَتْ: مَا أَظُنُّنِي إلا أَنِّي رَاجِعَةٌ فَقَالَ بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَهَا: بَلْ تَقْدَمِينَ فَيَرَاكِ الْمُسْلِمُونَ، فَيُصْلِحُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَاتَ بَيْنِهِمْ، قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَنَا ذَاتَ يَوْمٍ: " كَيْفَ بِإِحْدَاكُنَّ تَنْبَحُ عَلَيْهَا كِلابُ الْحَوْأَبِ؟"( ).

والجواب:

1- الحديث صحيح كما بين الألباني رحمه الله ولكنه نبه على رواية «فشهد طلحة والزبير أنه ليس هذا ماء الحوأب.. فكانت أول شهادة زور في الإسلام» أنها ليست صحيحة( ).

2- وقد تقدم أنها رضي الله عنها لم تخرج لقتال؛ قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله-: فإنَّ عائشة لم تقاتِلْ، ولم تخرجْ لقتالٍ، وإنَّما خرجتْ لقصْد الإصلاح بين المسلمين، وظنَّتْ أنَّ في خروجها مصلحةً للمسلمين، ثم تبيَّنَ لها فيما بعد أنَّ ترْكَ الخروج كان أَوْلَى، فكانتْ إذا ذَكَرَتْ خروجَها تبكي حتى تبُلَّ خمارَها، وهكذا عامَّة السابقين نَدِموا على ما دَخَلوا فيه من القتال، فنَدِم طلحة والزبير وعلي - رضي الله عنهم أجمعين - ولم يكنْ "يوم الجَمَل" لهؤلاء قصدٌ في الاقتتال، ولكن وقَعَ الاقتتال بغير اختيارهم( ).

1- قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله -: ليس كلُّ ما يقعُ مِن الكُمَّل يكون لائقًا بهم؛ إذ المعصوم من عصَمَه الله، والسنيُّ لا ينبغي له أنْ يغالي فيمن يحترمُه؛ حتى يرفعه إلى مصافِّ الأئمة الشيعة المعصومين عندهم، ولا نشكُّ أنَّ خروجَ أمِّ المؤمنين كان خطأً مِن أصْله، ولذلك همَّتْ بالرجوع حين عَلِمتْ بتحقُّقِ نبوءة النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - عند "الحَوْأَب"، لكنَّ الزبير - رضي الله عنه - أقْنَعَها بترْكِ الرجوع بقوله: "عسى الله أنْ يُصْلحَ بكِ النَّاس"، ولا نشكُّ أنَّه كان مُخْطِئًا في ذلك أيضًا... ( ).

وقال الذهبي - رحمه الله -: "ولا ريبَ أنَّ عائشة نَدِمتْ ندامةً كليَّةً على مَسيرها إلى البصرة، وحضورها يوم "الجَمَل"، وما ظنَّتْ أنَّ الأمرَ يبلغُ ما بلَغَ( ).

4-لا مطعن فيه بعائشة رضي الله عنها ؛ لأن مضمونه الإخبار عن خروج أم المؤمنين، وليس فيه أدنى وعيد لها رضي الله عنها بسبب هذا الخروج الذي سبق القول فيه أنه كان لمصلحة ؛ والأعمال بالنيات.

وهو ظاهر الدلالة على خطأ اجتهاد عائشة رضي الله عنها، وعلى أنها قد نالت أجر الاجتهاد فقط.

ورواية أهل السنة لهذا الحديث تختلف عن رواية الشيعة الرافضة له؛ فليس فيه أهل السنة أن من كان مع عائشة كذب عليها، أو حلف كذباً أن هذا الماء الحوأب، أو غير ذلك من الأباطيل التي زادها الشيعة.

وكل ما فعله من كان معها رضي الله عنها هو تذكيرها بالغرض الذي جاءت من أجله إلى البصرة؛ وهو الإصلاح. وهو من معجزات رسول الله( ).

5- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن منهج أهل السنة: وَيَقُولُونَ: إنَّ هَذِهِ الآثار الْمَرْوِيَّةَ فِي مساويهم مِنْهَا مَا هُوَ كَذِبٌ ، وَمِنْهَا مَا قَدْ زِيدَ فِيهِ وَنُقِصَ وَغُيِّرَ عَنْ وَجْهِهِ وَالصَّحِيحِ مِنْهُ: هُمْ فِيهِ مَعْذُورُونَ إمَّا مُجْتَهِدُونَ مُصِيبُونَ ،وَإِمَّا مُجْتَهِدُونَ مُخْطِئُونَ ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ لا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مَعْصُومٌ عَنْ كَبَائِرِ الإِثْمِ وَصَغَائِرِهِ؛ بَلْ تَجُوزُ عَلَيْهِمْ الذُّنُوبُ فِي الْجُمْلَةِ وَلَهُمْ مِنْ السَّوَابِقِ وَالْفَضَائِلِ مَا يُوجِبُ مَغْفِرَةَ مَا يَصْدُرُ مِنْهُمْ إنْ صَدَرَ حَتَّى إنَّهُ يُغْفَرُ لَهُمْ مِنْ السَّيِّئَاتِ مَا لا يُغْفَرُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ ؛ لأنَّ لَهُمْ مِنْ الْحَسَنَاتِ الَّتِي تَمْحُو السَّيِّئَاتِ مَا لَيْسَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ .

وَقَدْ ثَبَتَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إنَّهُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ" "وَإِنَّ الْمُدَّ مِنْ أَحَدِهِمْ إذَا تَصَدَّقَ بِهِ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ جَبَلِ أُحُدٍ ذَهَبًا مِمَّنْ بَعْدَهُمْ"، ثُمَّ إذَا كَانَ قَدْ صَدَرَ مِنْ أَحَدِهِمْ ذَنْبٌ فَيَكُونُ قَدْ تَابَ مِنْهُ أَوْ أَتَى بِحَسَنَاتِ تَمْحُوهُ أَوْ غُفِرَ لَهُ بِفَضْلِ سَابِقَتِهِ أَوْ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي هُمْ أَحَقُّ النَّاسِ بِشَفَاعَتِهِ أَوْ اُبْتُلِيَ بِبلاءِ فِي الدُّنْيَا كَفَّرَ بِهِ عَنْهُ.

فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الذُّنُوبِ الْمُحَقَّقَةِ فَكَيْفَ بِالْأُمُورِ الَّتِي كَانُوا فِيهَا مُجْتَهِدِينَ: إنْ أَصَابُوا فَلَهُمْ أَجْرَانِ وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَهُمْ أَجْرٌ وَاحِدٌ وَالْخَطَأُ مَغْفُورٌ لَهُمْ؟ ثُمَّ الْقَدْرُ الَّذِي يُنْكَرُ مِنْ فِعْلِ بَعْضِهِمْ قَلِيلٌ نَزْرٌ مَغْمُورٌ فِي جَنْبِ فَضَائِلِ الْقَوْمِ وَمَحَاسِنِهِمْ مِنْ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ وَالْهِجْرَةِ وَالنُّصْرَةِ وَالْعِلْمِ النَّافِعِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ ( ).

- وقال الذهبي رحمه الله: " فالقوم لهم سوابق وأعمال مكفرة لما وقع بينهم، وجهاد محّاءٌ، وعبادة ممحصة، ولسنا ممن يغلو في أحد منهم، ولا ندعي فيهم العصمة "( ).


قالوا: "وخالفت أمر الله في قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}:
والجواب: قال شيخ الإسلام: وَأَمَّا قَوْلُهُ: "وَخَالَفَتْ أَمْرَ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى} [سُورَةُ الاحْزَابِ: 33]. فَهِيَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمْ تَتَبَرَّجْ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولى. والأمر بِالِاسْتِقْرَارِ فِي الْبُيُوتِ لا يُنَافِي الْخُرُوجَ لِمَصْلَحَةٍ مَأْمُورٍ بِهَا، كَمَا لَوْ خَرَجَتْ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، أَوْ خَرَجَتْ مَعَ زَوْجِهَا فِي سَفْرَةٍ، فَإِنَّ هَذِهِ الآيَةَ قَدْ نَزَلَتْ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ سَافَرَ بِهِنَّ [رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] بَعْدَ ذَلِكَ [كَمَا سَافَرَ] فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَغَيْرِهَا، وَأَرْسَلَهَا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخِيهَا فَأَرْدَفَهَا خَلْفَهُ، وَأَعْمَرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ. وَحَجَّةُ الْوَدَاعِ كَانَتْ قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَلِهَذَا كَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْجُجْنَ كَمَا كُنَّ يَحْجُجْنَ مَعَهُ خِلَافَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَغَيْرِهِ، وَكَانَ عُمَرُ يُوَكِّلُ بِقِطَارِهِنَّ عُثْمَانَ أَوْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَإِذَا كَانَ سَفَرُهُنَّ لِمَصْلَحَةٍ جَائِزًا فَعَائِشَةُ اعْتَقَدَتْ أَنَّ ذَلِكَ السَّفَرَ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَتَأَوَّلَتْ فِي ذَلِكَ ( ).

وقال ابن العربي المالكي رحمه الله: "تَعَلَّقَ الرَّافِضَةُ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِذْ قَالُوا: إِنَّهَا خَالَفَتْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَتْ تَقُودُ الْجُيُوشَ، وَتُبَاشِرُ الْحُرُوبَ، وَتَقْتَحِمُ مَأْزِقَ الطَّعْنِ وَالضَّرْبِ فِيمَا لَمْ يُفْرَضْ عَلَيْهَا وَلَا يَجُوزُ لَهَا. قَالُوا: وَلَقَدْ حُصِرَ عُثْمَانُ، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ أَمَرَتْ بِرَوَاحِلِهَا فَقُرِّبَتْ لِتَخْرُجَ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ لَهَا مَرْوَانُ: أَقِيمِي هُنَا يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، وَرُدِّي هَؤُلَاءِ الرَّعَاعَ، فَإِنَّ الْإِصْلَاحَ بَيْنَ النَّاسِ خَيْرٌ مِنْ حَجِّكِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ: إِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا نذرت عَنْهَا، نَذَرَتِ الْحَجَّ قَبْلَ الْفِتْنَةِ، فَلَمْ تَرَ التَّخَلُّفَ عَنْ نَذْرِهَا، وَلَوْ خَرَجَتْ فِي تِلْكَ الثَّائِرَةِ لَكَانَ ذَلِكَ صَوَابًا لَهَا. وَأَمَّا خُرُوجُهَا إِلَى حَرْبِ الْجَمَلِ فَمَا خَرَجَتْ لِحَرْبٍ، وَلَكِنْ تَعَلَّقَ النَّاسُ بِهَا، وَشَكَوْا إِلَيْهَا مَا صَارُوا إِلَيْهِ مِنْ عَظِيمِ الْفِتْنَةِ وَتَهَارُجِ النَّاسِ، وَرَجَوْا بَرَكَتَهَا، وَطَمِعُوا فِي الاسْتِحْيَاءِ مِنْهَا إِذَا وَقَفَتْ إِلَى الْخَلْقِ، وَظَنَّتْ هِيَ ذَلِكَ فَخَرَجَتْ مُقْتَدِيَةً بِاللَّهِ فِي قَوْلِهِ: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ}[النساء:114]، وَقَوْلِهِ: {وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما}[الحجرات:9].

وَالأمْرُ بالإصلاح مُخَاطَبٌ بِهِ جَمِيعُ النَّاسِ مِنْ ذكر وأنثى، حر أَوْ عَبْدٍ فَلَمْ يُرِدِ اللَّهُ تَعَالَى بِسَابِقِ قَضَائِهِ وَنَافِذِ حُكْمِهِ أَنْ يَقَعَ إِصْلَاحٌ، وَلَكِنْ جَرَتْ مُطَاعَنَاتٌ وَجِرَاحَاتٌ حَتَّى كَادَ يَفْنَى الْفَرِيقَانِ، فَعَمَدَ بَعْضُهُمْ إِلَى الْجَمَلِ فَعَرْقَبَهُ، فَلَمَّا سَقَطَ الْجَمَلُ لِجَنْبِهِ أَدْرَكَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا، فَاحْتَمَلَهَا إِلَى الْبَصْرَةِ، وَخَرَجَتْ فِي ثَلَاثِينَ امْرَأَةً، قَرَنَهُنَّ عَلِيٌّ بِهَا حَتَّى أَوْصَلُوهَا إِلَى الْمَدِينَةِ بَرَّةً تَقِيَّةً مُجْتَهِدَةً، مُصِيبَةً مُثَابَةً فِيمَا تَأَوَّلَتْ، مَأْجُورَةً فِيمَا فَعَلَتْ، إِذْ كُلُّ مُجْتَهِدٍ فِي الأحْكَامِ مُصِيبٌ( ).

قالوا: وقد خرجت يوم الجمل بدون محرم:

والجواب :
1- ذكر العلامة الألباني روايات تؤكد أن عبد الله بن الزبير كان معها وهو محرم لها.
قال الإمام الزيلعي: وقد أظهرت عائشة الندم( )، كما أخرجه ابن عبد البر في "كتاب الإستيعاب": عن ابن أبي عتيق وهو عبد الله بن محمد بن عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق قال: قالت عائشة لابن عمر: يا أبا عبدالرحمن ما منعك أن تنهاني عن مسيري؟ قال: رأيت رجلاً غلب عليك - يعني ابن الزبير - فقالت: أما والله لو نهيتني ما خرجت انتهى"( ).

ولهذا الأثر طريق أخرى، فقد : وروى إسماعيل بن علية عن أبي سفيان بن العلاء المازني عن ابن أبي عتيق قال: "قالت عائشة: إذا مر ابن عمر فأرنيه، فلما مر بها قيل لها: هذا ابن عمر، فقالت: يا أبا عبد الرحمن ما منعك أن تنهاني عن مسيري؟ قال: رأيت رجلا قد غلب عليك. يعني ابن الزبير"( ).

على أنها ما فعلت ذلك إلا متأولة قاصدة للخير، كما اجتهد طلحة بن عبد الله والزبير بن العوام وجماعة من الكبار رضي الله عن الجميع"( ).

وقال شيخ الإسلام: ولم يكن طلحة والزبير ولا غيرهما من الأجانب يحملونها، بل كان في العسكر من محارمها، مثل عبد الله بن الزبير ابن أختها، وخلوة ابن الزبير بها ومسُّ لها جائز بالكتاب والسُّنّة والإجماع – وكذلك سفر المرأة مع ذي محرمها جائز بالكتاب والسنة والإجماع، وهي لم تسافر إلا مع ذي محرم منها( ).

ويؤيد هذا : ما رواه الشيعة من أنه _ أي ابن أختها عبد الله _ هو الذي حرضها على المسير إلى البصرة ، و حرض أباه على محاربة علي رضي الله عنها ، وعندما عزم أبوه على الإقلاع عن حربه لما التقيا في البصرة ، أخذ يلح عليه حتى عاد إلى حربه _ وهذه كلها مزاعم ذكرها الشيعة في كتبهم( ).

- قالوا بأن عائشة كانت تبغض عليا؟!
واستدلوا بحديث عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : «لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاشْتَدَّ وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي، فَأَذِنَّ لَهُ، فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلاَهُ الأَرْضَ، وَكَانَ بَيْنَ العَبَّاسِ وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ»، فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَذَكَرْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ، فَقَالَ لِي: وَهَلْ تَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ( ).

والجواب:
1- قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت : لم قَالَت رجل آخر وَمَا سمعته قلت لِأَن الْعَبَّاس كَانَ دَائِما يلازم أحد جانبيه ،وَأما الْجَانِب الآخر فَتَارَة كَانَ عَليّ فِيهِ وَتارَة أُسَامَة فلعدم ملازمته لذَلِك لم تذكره لَا لعداوة وَلَا لنحوها حاشاها من ذَلِك( ).

ويدل على ذلك ما قاله ابن حجر: كَمَا ثَبت قبل حَدِيث الأسود عَن عَائِشَة فِي صَلَاة أبي بكر بِالنَّاسِ فِي مَرَضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛فَخرج يهادي بَين رجلَيْنِ تخط رِجْلَاهُ الأَرْض هما الْعَبَّاس وَعلي كَمَا تقدم فِي حَدِيث عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْهَا .
وَفِي رِوَايَة لمُسلم أَنه خرج بَين عَليّ وَالْفضل بن عَبَّاس .

وَجمع النَّوَوِيّ بَينهمَا بِأَن خُرُوجه من بَيت عَائِشَة كَانَ بَين عَليّ وَالْعَبَّاس وَخُرُوجه من بَيت مَيْمُونَة كَانَ بَين عَليّ وَالْفضل.

وللخطابي فِي المعالم: أَنه خرج بَين عَليّ وَأُسَامَة. ورويناه فِي الْجُزْء الْخَامِس من حَدِيث إِسْمَاعِيل الصفارمن طَرِيق أُسَامَة بن زيد نَفسه قَال: َ ثمَّ أخرجته مُسْنده إِلَى صَدْرِي حَتَّى انْتهى إِلَى أبي بكر، وَهُوَ فِي الصَّلاة ولابن ماجة من رِوَايَة سَالم بن عبيد: أَنه خرج بَين بَرِيرَة وَرجل آخر. وَفِي رِوَايَة بن أبي شيبَة بِسَنَد جيد بَين بَرِيرَة وتوبة( ).

2- أن الصحيح من الأخبار يدل على أن عائشة كانت تكن عظيم التقدير والاحترام لعليّ وأبنائه رضي الله عنهم أجمعين.

وقد روت عدداً من الأحاديث في فضائل عليّ وأهل البيت رضي الله عنهم، ذكرها أئمة الحديث بأسانيدها، وهي تدل دلالة واضحة على عظيم احترامها ،وتقديرها لأمير المؤمنين عليّ وأهل البيت رضي الله عنهم أجمعين. وقد روت السيدة عائشة مناقب أهل البيت التي تعتبر شامة في مناقب الإمام عليّ، رضي الله عنه.

كما جاء عَنِ ابْنِ أَبْزَى قَالَ: انْتَهَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلٍ إِلَى عَائِشَةَ وَهِيَ فِي الْهَوْدَجِ يَوْمَ الْجَمَلِ , فَقَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ , أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، أَتَعْلَمِينَ أَنِّي أَتَيْتُكِ يَوْمَ قَتْلِ عُثْمَانَ فَقُلْتُ: إِنَّ عُثْمَانَ قَدْ قُتِلَ فَمَا تَأْمُرِينِي , فَقُلْتِ لِي: الْزَمْ عَلِيًّا ..( ).

ومن دلائل المودة بين الصديقة عائشة وأهل الكساء أن الأحاديث الواردة في فضائل أهل الكساء وهم عمدة أهل البيت وأفضلهم هو من روايتها فهي التي رأت الموقف رأي العين ونقلته بكل أمانة ودقة.

عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، قَالَتْ: قَالَتْ عَائِشَةُ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةً وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ، مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ، فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ جَاءَ الْحُسَيْنُ فَدَخَلَ مَعَهُ، ثُمَّ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَدْخَلَهَا، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ قَالَ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33]( ).

وعَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ، قَالَ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَتْ: عَلَيْكَ بِابْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَسَلْهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ: «جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ»( ).

حديث: "تقاتلين علياً وأنت ظالمة له":
قال شيخ الإسلام: وأما الحديث الذي رواه وهو قوله لها: "تقاتلين علياً وأنت ظالمة له" فهذا لا يُعرف في شيء من كتب العلم المعتمدة، ولا له إسناد معروف، وهو بالموضوعات المكذوبات أشبه منه بالأحاديث الصحيحة، بل هو كذب قطعاً، فإن عائشة لم تقاتل ولم تخرج لقتال، وإنما خرجت لقصد الإصلاح بين المسلمين، وظنت أن في خروجها مصلحة للمسلمين، ثم تبيّن لها فيما بعد أن ترك الخروج كان أولى، فكانت إذا ذكرت خروجها تبكي حتى تَبلّ خِمارها.

وهكذا عامة السابقين ندموا على ما دخلوا فيه من القتال، فندم طلحة والزبير وعليّ رضي الله عنهم أجمعين، ولم يكن يوم الجمل لهؤلاء قصد في الاقتتال، ولكن وقع الاقتتال بغير اختيارهم، فإنه لما تراسل عليّ وطلحة والزبير، وقصدوا الاتفاق على المصلحة، وأنهم إذا تمكنوا طلبوا قتلة عثمان أهل الفتنة، وكان عليّ غي راضٍ بقتل عثمان ولا معيناً عليه، كما كان يحلف فيقول: والله ما قتلت عثمان ولا مالأت على قتله، وهو الصادق البار في يمينه، فخشي القتلة، فحملوا على عسكر طلحة والزبير، فظن طلحة والزبير أن علياً حمل عليهم، فحملوا دفعاً عن أنفسهم، فظن عليّ أنهم حملوا عليه، فحمل دفعاً عن نفسه، فوقعت الفتنة بغير اختيارهم، وعائشة رضي الله عنها راكبة: لا قاتلت، ولا أمرت بالقتال. هكذا ذكره غير واحد من أهل المعرفة بالأخبار( ).

زعَمَ بعضُ المؤرِّخين أنَّ الزبير بن العوَّام أكْرَه السيدة عائشة على الخروج في معركة "الجَمَل"( ).

الجواب:
زعَمَ بعضُ المؤرِّخين - كابن قتيبة في "الإمامة والسياسة"، واليعقوبي في تاريخه وغيرهما - أنَّ الزبير بن العوام أكْرَه السيدة عائشة على الخروج في معركة "الجَمَل"، وهذا غيرُ صحيح؛ فقد قامتِ السيدة عائشة بالمطالبة بثَأْر عثمان منذ اللحظة التي عَلِمتْ فيها بمقْتِله - رضي الله عنه - وقبل أنْ يصِلَ الزبير وطلحة وغيرُهما من كبار الصحابة إلى مكة.

ذلك أنَّه قد رُوِي أنَّها لَمَّا انصرفتْ راجعةً إلى مكة، أتاها عبدالله بن عامر الحضرمي، فقال: "ما ردَّكَ يا أُمَّ المؤمنين؟ قالتْ: ردَّني أنَّ عثمان قُتِل مظلومًا، وأنَّ الأمرَ لا يستقيمُ ولهذه الغوغاء أمرٌ، فاطلبوا دمَ عثمان تعزُّوا الإسلامَ، فكان عبدالله بن الزبير أوَّلَ مَن أجابَها( ).
ولَم يكنْ طلحةُ والزبير قد خرجا من المدينة، وإنما خرجا منها بعدَما مرَّ على مقْتَل عثمان أربعةُ أشهر( ).

زعَمَ بعضُ الكُتَّاب أنَّ السيدة عائشة كانتْ مُتسلِّطة على مَن معها ومُسْتبدَّة بقولها( ).

الجواب:
كان فيمن خرَجَ معها - رضي الله عنها- جمْعٌ من الصحابة، ولم تكنْ السيدة عائشة المرأة المتسلِّطة التي تحرِّكُ الناس حيثُ شاءَتْ - كما زعَمَ بروكلمان، ولقد أكَّدتْ روايات الطبري تأييدَ أُمَّهات المؤمنين لها، ولِمَن معها في السعي للإصلاح، بل وتأييد عددٍ غيرِ قليلٍ من أهْل البصرة لها، وكان هذا العددُ غيرُ القليل ممن لا يُستهان بهم، فلقد وصَفَهم طلحة والزبير بأنَّهم خيارُ أهْل البصرة ونجباؤهم، ووصَفَتْهم السيدة عائشة بأنهم الصالحون، وما كان خروجُ هذا العدد من الصالحين إلاَّ عن اعتقادٍ راسخٍ بجدْوَى هذا الخروج وصواب مَقْصِده، وكان أميرُ المؤمنين يعلمُ هذا.

ويردُّ الزَّعْم الذي زعَمَه البعضُ مِن أنَّ الخارجين مع السيدة عائشة كانوا جموعًا من السُّفَهاء والغوغاء والأوباش، فلقد وقَفَ أميرُ المؤمنين - بعد معركة "الجَمَل" - بين القتْلى من فريق عائشة، يترحَّمُ عليهم ويذكُر فضْلَهم( ).

- ادِّعاء الشيعة أنَّ عائشة لم تندم من خروجها يوم الجمل:
يزعمون أنها لم تتب من ذلك كلّه، وأنها بقيت مصرّة على حربها لعلي، وأنها بقيت على عداوتها له ولأولاده إلى أن ماتت ( ).

قالوا : وأما بكاؤها رضي الله عنها بعد معركة الجمل، واظهارها الندم، فيقول عنه الشيعة: إنه لم يكن دليلاً على التوبة، بل بكت لأنها فشلت في المعركة، ولم تحقق مأربها في النيل من علي والانتقام منه( ).

ويستدل الشيعة على مزاعمهم هذه بأدلة كلها مكذوبة، لا أصل لها وليست في كتب أهل العلم، بل لم يذكرها إلاّ الشيعة الرافضة الذين عرفوا بين الناس بامتيازهم بكثرة الكذب بل ؛ وبأنهم أكذب الطوائف.

ومما استدلوا به على مزاعمهم المتقدمة:
1- ما زعموه من أنها امتنعت عن تسمية علي رضي الله عنه بإمرة المؤمنين بعد معركة الجمل( ).

وزعموا أن ابن عباس قال لعلي بعد تلك المحاورة التي جرت بينه وبين عائشة : "دعها في البصرة ولا ترحلها. فقال: "إنها لا تألوا شراً ولكني أردها إلى بيتها"( ).

2- ومن أدلتهم على عدم توبتها – كما زعموا -: ما زعموه من أنها سمّت عبداً لها عبدالرحمن؛ لحبها لعبدالرحمن بن ملجم قاتل علي رضي الله عنه. قالوا: "رُوِيَ عن مسروق أنه قال: دخلت على عائشة فجلست إليها تحدثني، فاستدعت غلاماً لها أسود يقال له عبدالرحمن، فجاء حتى وقف، فقالت: يا مسروق أتدري لما سميته عبدالرحمن؟ فقلت: لا. فقالت حباً مني لعبدالرحمن بن ملجم قاتل علي" ( ).

ادعى الشيعة أن عداوة عائشة لعلي بقيت متأججة بعد موته، فانتقلت إلى أولاده ... واستدلوا على ذلك:

1- بأنها كانت تحتجب من الحسن والحسين لبغضهما لهما ، مع حل دخولهما عليها( ).
2- بأنها منعت من دفن الحسن بن علي مع جده رسول الله صلى الله عليه وسلم وركبت على بغل لتمنع من ذلك؛ لئلا يدخل بيتها من تكره على حد زعم الشيعة.

الجواب:
أولاً: لقد تقدَّم أنَّ أُمَّ المؤمنين – رضي الله عنها - ومَن خَرَجَ إلى البصرة لم يكنْ مُرادُهم قتالَ عَلِي، وإلاَّ لكانتْ وِجْهتُهم المدينة بدلاً من البصرة، بل كان مرادُهم الإصلاح، والطلبُ بدمِ عثمان - رضي الله عنه - وكانتْ عائشة تَرى أنَّ في خروجِها مصلحةً للمسلمين، ثم تبيَّنَ لها فيما بعد أنَّ ترْكَ الخروج كان أَوْلَى، فكانتْ إذا ذكَرَتْ خروجَها تبكي؛ حتى تبُلَّ خمارَها، وتقول: والله لوَدِدْتُ أنْ مِتُّ قبلَ هذا اليوم بعشرين سنة"( ).

وكانتْ - رضي الله عنها - تتذكَّرُ أحداثَ "الجَمَل" وتبكي؛ فعن عبدالرحمن بن جُنْدَب عن أبيه عن جَدِّه: "كان عمرو بن الأشرف قد أخَذَ بخُطام الجَمَل، لا يدنو منه أحدٌ إلا خبطه بسيفه، إذا أقْبَلَ الحارث بن زهير الأزدي وهو يقول يَعني (عمرو بن الأشرف):
يَا أُمَّنَا يَا خَيْرَ أُمٍّ نَعْلَمُ
أَمَا تَرَيْنَ كَمْ شُجَاعٍ يُكْلَمُ
وَتُخْتَلَى هَامَتُهُ وَالْمِعْصَمُ
فاختلفا ضرْبتين، فرأيتهما يفْحَصان الأرض بأرْجُلهما حتى ماتا، فدخلتُ على عائشة - رضي الله عنها - بالمدينة، فقالتْ: مَن أنت؟ قلتُ: رجلٌ من الأزد، أسْكُن الكوفة، قالتْ: أشَهِدْتَنا يومَ الجَمَل؟ قلتُ: نعم، قالتْ: ألَنَا أم عَلينا؟! قلتُ: بل عليكم؟ قالتْ: أتعرفُ الذي يقول:
يَا أُمَّنَا يَا خَيْرَ أُمٍّ نَعْلَمُ
قلتُ: نعم! ذاك ابنُ عمِّي، فبكتْ؛ حتى ظننْتُ أنَّها لا تَسْكُت( ).

ثانيا: أما ما زعمه الشيعة الرافضة من استمرار عداوة عائشة رضي الله عنها لعلي رضي الله عنه، وعدم توبتها، واستدلالهم على ذلك بحكايات مكذوبة لا أصل لها : فزعم باطل!!
ويرد هذا الزعم أيضاً: ما ثبت عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه؛ من أنه أقر عائشة رضي الله عنها على قولها إثر معركة الجمل: "والله ما كان بيني وبين علي في القديم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها". فقال علي رضي الله عنها: "صدقت والله وبرت ما كان بيني وبينها إلا ذلك"( ).

وقد ورد في كتب الشيعة ما يشبه هذا القول ، إلا أنه محرف المعنى؛ فقد ذكر الإربلي أن عائشة رضي الله عنه قالت بعد معركة الجمل: "رحم الله علياً، إنه كان على الحق، ولكني كنت امرأة من الأحماء"( ).

ونقله في موضع آخر بنفس المعنى؛ فقد ذكر أن عائشة قالت لما بلغها قتال علي رضي الله عنه للخوارج: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عنهم: "هم شر الخلق والخليفة، يقتلهم خير الخلق والخليفة"، وفي رواية: إنهم شرار أمتي يقتلهم خيار أمتي " ثم قالت بعدما أثنت على علي رضي الله عنه : وما كان بيني وبينه إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها( ).

ولقد كانت تروي فضائله:
1- فقد روت حديث الكساء في فضل علي، وفاطمة، والحسن، والحسين رضي الله عنه كما تقدم.

2- وكانت كثيراً ما تحيل السائل على علي رضي الله عنه ليجيبه؛ فقد أحالت شريح بن هانئ لما سألها عن المسح على الخفين كما تقدم.

3- ورغم علمها بأجوبة بعض المسائل ، فإنها كانت تحيلها على علي رضي الله عنه؛ فقد سئلت : في كم تصلي المرأة في الثياب؟ فقالت للسائل: سل علياً، ثم ارجع إلي فأخبرني بالذي يقول لك. قال: فأتى علياً فسأله فقال: في الخمار والدرع السابغ. فرجع إلى عائشة فأخبرها، فقالت: صدق( ).

4- ولقد طلبت من الناس بعد مقتل عثمان رضي الله عنه أن يلزموا علياً رضي الله عنه ويبايعوه( ) ... وبعض الشيعة يعترف بهذا( )، فكيف يقال: إنها كانت من أعدائه.

قول عائشة كان علي مسلما في شأنها (قصة الإفك):
عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي الوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ: أَبَلَغَكَ أَنَّ عَلِيًّا، كَانَ فِيمَنْ قَذَفَ عَائِشَةَ؟ قُلْتُ: لاَ، وَلَكِنْ قَدْ أَخْبَرَنِي رَجُلاَنِ مِنْ قَوْمِكَ، أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحَارِثِ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ لَهُمَا: " كَانَ عَلِيٌّ مُسَلِّمًا فِي شَأْنِهَا فَرَاجَعُوهُ، فَلَمْ يَرْجِعْ وَقَالَ: مُسَلِّمًا، بِلاَ شَكٍّ فِيهِ وَعَلَيْهِ، كَانَ فِي أَصْلِ العَتِيقِ كَذَلِكَ"( ).

والجواب:
أولاً: قال العيني: قَوْله: (مُسلما) بِكَسْر اللام الْمُشَدّدَة، كَذَا فِي نسخ البُخَارِيّ وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ: مُسلما، بِفَتْح اللاَّم، فَالرِّوَايَة الأولى من التَّسْلِيم بِمَعْنى تَسْلِيم الْأَمر بِمَعْنى السُّكُوت، وَالثَّانيَِة من السَّلامَة من الْخَوْض فِيهِ.
وَقَالَ ابْن التِّين: ويروى: مسيئاً، يَعْنِي من الْإِسَاءَة.

وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح): فِيهِ بعد، ورد عَلَيْهِ بِأَن عياضاً ذكر أَنه النَّسَفِيّ رَوَاهُ عَن البُخَارِيّ بِلَفْظ مسيئاً وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو عَليّ بن السكن عَن الْفربرِي.

قلت- أي العيني -: الظَّاهِر أَن نِسْبَة هَذِه اللَّفْظَة إِلَى عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، من حَيْثُ إِنَّه لم يقل مثل مَا قَالَ أُسَامَة بن زيد: أهلك، وَلَا نعلم إلاَّ خيرا، بل قَالَ: لم يضيق الله عَلَيْك وَالنِّسَاء ... فَرَاجَعُوهُ فلَمْ يَرْجِعْ وَقَالَ مُسَلِّمَاً بِلاَ شَكَّ فِيهِ .. ؛ أَي: فراجعوا الزُّهْرِيّ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَلم يرجع، أَي: فَلم يجب بِغَيْر ذَلِك...

وَقَالَ بَعضهم: الْمُرَاجَعَة فِي ذَلِك وَقعت مَعَ هِشَام بن يُوسُف فِيمَا أَحسب، وَذَلِكَ أَن عبد الرَّزَّاق رَوَاهُ عَن معمر فخالفه، فَرَوَاهُ بِلَفْظ: مسيئاً. قلت: الَّذِي فسره الْكرْمَانِي هُوَ الصَّوَاب، أَلا يرى أَن الْأصيلِيّ لما رَوَاهُ بِلَفْظ: مُسلما، قَالَ: كَذَا قرأناه؟ وَالله أعلم( ).

ثانيا: اعتذر العلماء عما قاله علي رضي الله عنه بما يلي:
قال ابن حجر: وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ؛ كَذَا لِلْجَمِيعِ بِصِيغَةِ التَّذْكِيرِ؛ كَأَنَّهُ أَرَادَ الْجِنْسَ مَعَ أَنَّ لَفْظَ فَعِيلٍ يَشْتَرِكُ فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ إِفْرَادًا وَجَمْعًا. وَفِي رِوَايَةِ الْوَاقِدِيِّ قَدْ أَحَلَّ لَكَ وَأَطَابَ طَلِّقْهَا وَانْكِحْ غَيْرَهَا، وَهَذَا الْكَلامُ الَّذِي قَالَه عَليّ حمله عَلَيْهِ تَرْجِيح جانبا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى عِنْده من القلق بِسَبَبِ الْقَوْلِ الَّذِي قِيلَ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَدِيدُ الْغَيْرَةِ ؛فَرَأَى عَلِيٌّ أَنَّهُ إِذَا فَارَقَهَا سَكَنَ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْقَلَقِ بِسَبَبِهَا إِلَى أَنْ يَتَحَقَّقَ بَرَاءَتُهَا فَيُمْكِنُ رَجْعَتُهَا . وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ ارْتِكَابُ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ لِذَهَابِ أَشَدِّهِمَا.

وَقَالَ الثَّوْريّ: رأى ذَلِكَ هُوَ الْمَصْلَحَةُ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،وَاعْتَقَدَ ذَلِكَ لِمَا رَأَى مِنِ انْزِعَاجِهِ فَبَذَلَ جَهْدَهُ فِي النَّصِيحَةِ لِإِرَادَةِ رَاحَة خاطره صلى الله عَلَيْهِ سلم.

وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي جَمْرَةَ: لَمْ يَجْزِمْ عَلِيٌّ بالإشارة بِفِرَاقِهَا لأنَّهُ عَقَّبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَسَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ؛ فَفَوَّضَ الأمْرَ فِي ذَلِكَ إِلَى نَظَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِنْ أَرَدْتَ تَعْجِيلَ الرَّاحَةِ فَفَارِقْهَا, وَإِنْ أَرَدْتَ خِلَافَ ذَلِكَ فَابْحَثْ عَنْ حَقِيقَةِ الأمْرِ إِلَى أَنْ تَطَّلِعَ عَلَى بَرَاءَتِهَا لأنَّهُ كَانَ يَتَحَقَّقُ أَنَّ بَرِيرَةَ لما تُخْبِرُهُ إِلَّا بِمَا عَلِمَتْهُ وَهِيَ لَمْ تَعْلَمْ مِنْ عَائِشَةَ إلا الْبَرَاءَةَ الْمَحْضَةَ( ).

وقال النووي: وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ) هَذَا الَّذِي قَالَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ الصَّوَابُ فِي حَقِّهِ ؛لأنَّهُ رَآهُ مَصْلَحَةً وَنَصِيحَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اعْتِقَادِهِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لأنه رَأَى انْزِعَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الأَمْرِ وَتَقلقهُ فَأَرَادَ رَاحَةَ خَاطِرِهِ وَكَانَ ذَلِكَ أَهَمَّ مِنْ غَيْرِهِ قَوْلُهَا( ).

وقال ابن القيم رحمه الله: فعلي لَمَّا رَأَى أَنَّ مَا قِيلَ مَشْكُوكٌ فِيهِ أَشَارَ بِتَرْكِ الشَّكِّ وَالرِّيبَةِ إِلَى الْيَقِينِ لِيَتَخَلَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْهَمِّ وَالْغَمِّ الَّذِي لَحِقَهُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، فَأَشَارَ بِحَسْمِ الدَّاءِ( ).

قالوا : قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً فأشار نحو مسكن عائشة فقال: "ههنا الفتنة، ههنا الفتنة، ههنا الفتنة، من حيث يطلع قرن الشيطان":

والجواب:
هذا الحديث جاء من رواية عَبْدِ اللَّهِ بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا، فَأَشَارَ نَحْوَ مَسْكَنِ عَائِشَةَ، فَقَالَ: «هُنَا الفِتْنَةُ - ثَلاَثًا - مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ»( ).

وحتى يفهم مقصد النبي صلى الله عليه وسلم لا بد من جمع الروايات:
ففي رواية عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَ








 

رد مع اقتباس
قديم 24-07-2018, 09:37 PM   #16


تيماء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7482
 تاريخ التسجيل :  27 - 10 - 2016
 أخر زيارة : 02-01-2023 (09:51 PM)
 المشاركات : 106,153 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Lebanon
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Floralwhite
افتراضي




الطاهرة المطهرة
عائشة بنت الصديق
رضي الله عنها



قالوا : قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً فأشار نحو مسكن عائشة فقال: "ههنا الفتنة، ههنا الفتنة، ههنا الفتنة، من حيث يطلع قرن الشيطان":

والجواب:
هذا الحديث جاء من رواية عَبْدِ اللَّهِ بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا، فَأَشَارَ نَحْوَ مَسْكَنِ عَائِشَةَ، فَقَالَ: «هُنَا الفِتْنَةُ - ثَلاَثًا - مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ»( ).

وحتى يفهم مقصد النبي صلى الله عليه وسلم لا بد من جمع الروايات:
ففي رواية عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشِيرُ إِلَى المَشْرِقِ فَقَالَ: «هَا إِنَّ الفِتْنَةَ هَا هُنَا، إِنَّ الفِتْنَةَ هَا هُنَا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ»( ) .

وفي رواية قال: سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ مَا أَسْأَلَكُمْ عَنِ الصَّغِيرَةِ، وَأَرْكَبَكُمْ لِلْكَبِيرَةِ سَمِعْتُ أَبِي عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الْفِتْنَةَ تَجِيءُ مِنْ هَاهُنَا» وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ «مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ»( ). \

في رواية : عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَفِي نَجْدِنَا؟ قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَفِي نَجْدِنَا؟ فَأَظُنُّهُ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: «هُنَاكَ الزَّلاَزِلُ وَالفِتَنُ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ»( ).

وفي رواية: عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْتِ عَائِشَةَ، فَقَالَ: «رَأْسُ الْكُفْرِ مِنْ هَاهُنَا، مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ» يَعْنِي الْمَشْرِقَ ( ).

فيتبين للمنصف من مجموع هذه الروايات أن عائشة أو مسكنها ليس المقصود؛ بل المقصود ما بينته الروايات أن الفتنة من المشرق من قبل نجد، أي ناحية العراق.

وقد نص جمع من الحفاظ وشراح الحديث على أن المراد بنجد في الحديث هى نجد العراق كالخطابي وابن عبد البر وابن تيمية وابن حجر وغيرهم من المتقدمين والمتأخرين:

1- قال ابن حجر: وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ نَجْدٌ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ وَمَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ كَانَ نَجْدُهُ بَادِيَةَ الْعِرَاقِ وَنَوَاحِيهَا وَهِيَ مَشْرِقُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَصْلُ النَّجْدِ مَا ارْتَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ( ).

2- وقال ابن عبد البر: فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ نُبُوَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِخْبَارِهِ بالغيب عما يكون بعده والفتنة ههنا بمعنى الفتن لأن الواحدة ههنا تَقُومُ مَقَامَ الْجَمِيعِ فِي الذِّكْرِ ..ُ فَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إِقْبَالِ الْفِتَنِ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَشْرِقِ وَكَذَلِكَ أَكْثَرُ الْفِتَنِ مِنَ الْمَشْرِقِ انْبَعَثَتْ وَبِهَا كَانَتْ نَحْوَ الْجَمَلِ وَصِفِّينِ وَقَتْلِ الْحُسَيْنِ وغير ذلك مما يطول ذَكَرَهُ مِمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْفِتَنِ بِالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ إِلَى الْيَوْمِ وَقَدْ كَانَتِ الْفِتَنُ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِي الْإِسْلَامِ وَلَكِنَّهَا بِالْمَشْرِقِ أَكْثَرُ أَبَدًا) ( ) .

3- قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ومعلوم أنه كان بالكوفة من الفتنة والتفرق ما دل عليه النص والإجماع, لقول النبي صلى الله عليه وسلم : الفتنة من ههنا الفتنة من ههنا , الفتنة من ههنا , من حديث يطلع قرن الشيطان, وهذا الحديث قد ثبت عنه في الصحيح من غير وجه ( ).

4- قال الحافظ ابن حجر: وأول ما نشأ ذلك من العراق من جهة المشرق( ).
وقال أيضاً: وأول الفتن كان من قبل المشرق فكان ذلك سبباً للفرقة بين المسلمين وذلك مما يحبه الشيطان ويفرح به وكذلك البدع نشأت من تلك الجهة( ).

5- قال الشيخ الألباني رحمه الله : فيستفاد من مجموع طرق الحديث أن المراد من (نجد) في رواية البخاري ليس هو الإقليم المعروف اليوم بهذا الاسم ، وبذلك فسره الإمام الخطابي والحافظ ابن حجر العسقلاني ، وتجد كلامهما في ذلك في شرح كتاب الفتن من صحيح البخاري للحافظ ، وتحقق ما أنبأ به عليه السلام فإن كثيرا من الفتن الكبرى كان مصدرها من العراق كالقتال بين سيدنا علي ومعاوية وغيرها مما هو مذكور في كتب التاريخ فالحديث من معجزاته صلى الله عليه وسلم وأعلام نبوته ( ).

1- قولهم هذا ؛ فيه طعن بالنبي – صلى الله عليه وسلم – فبيت عائشة هو بيت النبي – صلى الله عليه وسلم – وبه دفن؛ بل اختيار النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يمرض في بيتها، وكانت وفاته بين سحرها ونحرها، وفي يومها وفي بيتها، واجتمع ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم بريقها في آخر أنفاسه.

قالوا: أذاعت سر رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فقد ذكر التستري، والكاشاني، والشيرازي – من علماء الشيعة الاثنى عشرية – أن التي أفشت السر هي عائشة رضي الله عنها، وأن الحديث المسر هو قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: إن علياً هو الوصي.

وقد ذكروا قصةً طويلة لإثبات هذا الزعم، ملخصها: أن الله اخبر رسوله, وهو منصرف من مكة بعد أداء فريضة الحج بأنه اختار علياً وصياً. فخلا رسول الله بعلي يومه ذاك وليلته – وكانت ليلة عائشة -، واستودعه العلم والحكمة التي أتاه الله إيّاها، وعرّفه أنّه الوصي بعد .
فعلمت عائشة بذلك من رسول الله بعد الحاح منها كي يطلعها على الأمر، ثم اخبرت حفصة ، التي أخبرت أباها.

ومنه علم أبو بكر، فدعا أبو بكر وعمر جماعة من قريش فأطلعوهم على الأمر، فأجمعوا أمرهم على أن ينُفّروا ناقة رسول الله به عند عقبة يقال لها: هرشا، واتفقوا على أمور يكيدوا بها رسول الله إن لم تنجح الخطة؛ من قتله، أو سقيه السم، وتعاقدوا على ذلك بالأيمان المؤكدة، وكانوا أربعة عشر رجلاً. فنزل جبريل على رسول الله بهذه الآيات ..الخ) ( ).

والجواب:
قال شيخ الإسلام: أما قوله: "وأذاعتْ سِرَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم"، فلا ريبَ أنَّ الله - تعالى - يقول: ﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ﴾ [التحريم: 3]، وقد ثبتَ في الصحيح عن عُمر أنَّهما عائشة وحَفْصة.
فيُقال أولاً: هؤلاء يَعمدون إلى نصوص القرآن التي فيها ذِكْر ذنوبٍ ومعاصٍ بيِّنة لِمَن نصَّتْ عنه من المتقدِّمين يتأوَّلون النصوصَ بأنواع التأويلات، وأهْل السُّنة يقولون: بل أصحاب الذنوب تابوا منها، ورفعَ الله درجاتهم بالتوبة.

وهذه الآية ليستْ بأَوْلى في دَلالتها على الذنوب من تلك الآيات، فإنْ كان تأويل تلك سائغًا، كان تأويل هذه كذلك، وإنْ كان تأويلُ هذه باطلًا، فتأويل تلك أبْطل.

ويُقال ثانيًا: بتقدير أنْ يكونَ هناك ذنبٌ لعائشة وحَفْصة، فيكونان قد تابتا منه، وهذا ظاهرٌ؛ لقوله - تعالى -: ﴿إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ [التحريم: 4].

فدعاهما الله - تعالى - إلى التوبة، فلا يُظنُّ بهما أنَّهما لم يتوبا، مع ما ثبتَ من عُلوِّ درجتهما، وأنَّهما زوْجتا نبيِّنا في الجنة، وأنَّ الله خيَّرهُنَّ بين الحياة الدنيا وزينتها، وبين الله ورسوله والدارِ الآخرة، فاخْتَرْنَ الله ورسولَه والدارَ الآخرة؛ ولذلك حرَّم الله عليه أنْ يتبدَّلَ بهنَّ غيرهُنَّ، وحرَّم عليه أن يتزوَّج عليهنَّ، واختُلِفَ في إباحة ذلك له بعد ذلك، وماتَ عنهنَّ وهُنَّ أُمَّهات المؤمنين بنصِّ القرآن، ثم قد تقدَّمَ أنَّ الذنبَ يُغفر ويُعفى عنه؛ بالتوبة، وبالحسنات الماحية، وبالمصائب المكَفِّرة.

ويُقال ثالثًا: المذكورُ عن أزواجه كالمذكور عمَّن شَهِد له بالجنة من أهْل بيته وغيرهم من الصحابة، فإن عَليًّا لما خَطَبَ ابنة أبي جهْل عَلى فاطمة، وقامَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - خطيبًا، فقال إِنَّ بَنِي هِشَامِ بْنِ المُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُوا فِي أَنْ يُنْكِحُوا ابْنَتَهُمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَلاَ آذَنُ، ثُمَّ لاَ آذَنُ، ثُمَّ لاَ آذَنُ، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يُطَلِّقَ ابْنَتِي وَيَنْكِحَ ابْنَتَهُمْ، فَإِنَّمَا هِيَ بَضْعَةٌ مِنِّي، يُرِيبُنِي مَا أَرَابَهَا، وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا» رواه البخاري( ).

فلا يُظنُّ بعليٍّ - رضي الله عنه - أنه ترَكَ الخِطبة في الظاهر فقط، بل ترَكَها بقلبه وتابَ بقلبه عمَّا كان طلبَه وسَعَى فيه( ).

والدليل على توبتهما أن آية التخيير نزلت بعد ذلك واخترن النبي صلى الله عليه وسلم . فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَمْ أَزَلْ حَرِيصًا عَلَى أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ المَرْأَتَيْنِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّتَيْنِ قَالَ اللَّهُ لَهُمَا: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم:4] فَحَجَجْتُ مَعَهُ، فَعَدَلَ وَعَدَلْتُ مَعَهُ بِالإدَاوَةِ، فَتَبَرَّزَ حَتَّى جَاءَ، فَسَكَبْتُ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الإِدَاوَةِ فَتَوَضَّأَ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، مَنِ المَرْأَتَانِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّتَانِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمَا: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]؟ فَقَالَ: وَاعَجَبِي لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ عُمَرُ الحَدِيثَ يَسُوقُهُ، .... فَاعْتَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الحَدِيثِ حِينَ أَفْشَتْهُ حَفْصَةُ إِلَى عَائِشَةَ، وَكَانَ قَدْ قَالَ: «مَا أَنَا بِدَاخِلٍ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا مِنْ شِدَّةِ مَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِنَّ، حِينَ عَاتَبَهُ اللَّهُ» فَلَمَّا مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ، دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ، فَبَدَأَ بِهَا، فَقَالَتْ لَهُ: عَائِشَةُ إِنَّكَ أَقْسَمْتَ أَنْ لاَ تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْرًا، وَإِنَّا أَصْبَحْنَا لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً أَعُدُّهَا عَدًّا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ»، وَكَانَ ذَلِكَ الشَّهْرُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأُنْزِلَتْ: آيَةُ التَّخْيِيرِ فَبَدَأَ بِي أَوَّلَ امْرَأَةٍ، فَقَالَ: «إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا، وَلاَ عَلَيْكِ أَنْ لاَ تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ» ، قَالَتْ: قَدْ أَعْلَمُ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِكَ، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ قَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ} [الأحزاب: 28] إِلَى قَوْلِهِ {عَظِيمًا} [النساء: 27] "، قُلْتُ: أَفِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ، فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، ثُمَّ خَيَّرَ نِسَاءَهُ، فَقُلْنَ مِثْلَ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ( ).

وأهل السنة يقولون كما تقدم أن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم هما عائشة وحفصة رضي الله تعالى عنهما، وهذا أمر لا يخفيه أهل السنة ولا يحاولون طمسه، بل هو مدون في أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى؛ في صحيح الإمام أبي عبدالله البخاري، وفيه شهادةٌ من أميرة المؤمنين عمر الفاروق على ابنته وعائشة بأنهما اللتان تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم.

ولكن: ما هو نوع هذا التظاهر؟ وما هو الحديث المسر ؟ أهو ما زعمه الشيعة الرافضة؟ أم غير ذلك؟ وما مدى صحة مزاعم الشيعة في زوجتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

إن الحديث الذي أسرَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعض أزواجه هو تحريمه : لجاريته ماريا القبطية على نفسه.

وقد أسرَّ هذا الحديث إلى حفصة رضي الله عنها، وطلب منها أن لا تذكره لأحد ، فأخبرت بذلك عائشة رضي الله عنها. فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على أنها – أي حفصة – قد نبأت بذلك صاحبتها.

هذا هو سبب نزول تلك الآيات التي بنى عليها الشيعة من مزاعمهم ما بنوا، وافتروا من الإثم والبهتان ما افتروا.

وسبب النزول هذا هو المشهور عند المفسرين.

وقد ذكره الحافظ ابن حجر رضي الله عنه عند تفسيره لهذه الآيات. وذكر معه سبباً آخر؛ وهو قصة المغافير ... وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله هذين السببين، وعقب عليهما بسوق روايات تعضد الأول منهما ، ثم قال: "فيُحتمل أن تكون الآية نزلت في السببين معاً( ).

والسبب الثاني: وإن كان أصحّ ؛ لرواية البخاري له في "صحيحه"، إلا أن الأول أشهر عند جمهور المفسّرين – كما تقدم – ، ورجحه الحافظ ابن كثير وغيره.

فالحديث المُسرّ – إذاً – هو: تحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم لجاريته مارية القبطية على نفسه، أو امتناعه عن أكل العسل عند زوجته زينب بنت جحش رضي الله عنها.

أما زعم الشيعة أن الحديث المُسر هو قوله صلى الله عليه وسلم لحفصة: إن أباك وأبا بكر يليان الخلافة بعدي أو قوله لعائشة : إن الله أطلعني أن علياً هو الوصي ، وطلب مني أن أخبر الناس بذلك، ثم تآمر الأربعة على وضع السم له صلى الله عليه وسلم فزعم باطلٌ ، وكلتا الروايتين باطلتان لم يقل بهما واحدٌ من المفسرين:

فالأولى: أبطلها الشيعة أنفسهم ؛ انظر قول البياضي في ذلك( ).

والثانية: تخالف المشهور عندهم والمنسوب إلى أئمتهم( )، وفيها تناقضات كثيرة أيضاً؛ منها:

إخبار الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن علياً هو الوصي ، وهذه الوصاية نصت على أن الإخبار تم إثر حجة الوداع ، بينما الروايات الكثيرة الأخرى التي سود الشيعة بها صحائف كتبهم ، ونسبوها إلى أئمتهم تُفيد أن هذا الإخبار تم ووقع ليلة الإسراء( ) .

- قالوا كذبت عائشة في قولها : إني أجد منك ريح مغافير

عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلًا، فَتَوَاصَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ: أَنَّ أَيَّتَنَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْتَقُلْ: إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ، فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: «لاَ، بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَلَنْ أَعُودَ لَهُ» فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1]- إِلَى - {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} [التحريم: 4] لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ} [التحريم: 3] لِقَوْلِهِ: «بَلْ شَرِبْتُ عَسَلاً»( ).

وفي رواية عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الحَلْوَاءَ، وَيُحِبُّ العَسَلَ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى العَصْرَ أَجَازَ عَلَى نِسَائِهِ فَيَدْنُو مِنْهُنَّ، فَدَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ، فَاحْتَبَسَ عِنْدَهَا أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ يَحْتَبِسُ، فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لِي: أَهْدَتْ لَهَا امْرَأَةٌ مِنْ قَوْمِهَا عُكَّةَ عَسَلٍ، فَسَقَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ شَرْبَةً، فَقُلْتُ: أَمَا وَاللَّهِ لَنَحْتَالَنَّ لَهُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَوْدَةَ، قُلْتُ: إِذَا دَخَلَ عَلَيْكِ فَإِنَّهُ سَيَدْنُو مِنْكِ، فَقُولِي لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ، فَإِنَّهُ سَيَقُولُ: لاَ، فَقُولِي لَهُ: مَا هَذِهِ الرِّيحُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ الرِّيحُ، فَإِنَّهُ سَيَقُولُ: سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ، فَقُولِي لَهُ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ العُرْفُطَ، وَسَأَقُولُ ذَلِكِ: وَقُولِيهِ أَنْتِ يَا صَفِيَّةُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى سَوْدَةَ، قُلْتُ: تَقُولُ سَوْدَةُ: وَالَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاّ هُوَ، لَقَدْ كِدْتُ أَنْ أُبَادِرَهُ بِالَّذِي قُلْتِ لِي وَإِنَّهُ لَعَلَى البَابِ، فَرَقًا مِنْكِ، فَلَمَّا دَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ قَالَ: «لاَ» قُلْتُ: فَمَا هَذِهِ الرِّيحُ؟ قَالَ: «سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ» قُلْتُ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ العُرْفُطَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيَّ قُلْتُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَدَخَلَ عَلَى صَفِيَّةَ فَقَالَتْ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ قَالَتْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلاَ أَسْقِيكَ مِنْهُ؟ قَالَ: «لاَ حَاجَةَ لِي بِهِ» قَالَتْ: تَقُولُ سَوْدَةُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، لَقَدْ حَرَمْنَاهُ، قَالَتْ: قُلْتُ لَهَا: اسْكُتِي ( ).

يقول الرافضة: كذبت عائشة على النبي فكيف تأخذون روايات دينكم عنها

والجواب:
أن عائشة قالت: « لنحتالن عليه».
َقَالَ بن الْمُنِيرِ إِنَّمَا سَاغَ لَهُنَّ أَنْ يَقُلْنَ أَكَلْتَ مَغَافِيرَ لِأَنَّهُنَّ أَوْرَدْنَهُ عَلَى طَرِيقِ الاسْتِفْهَامِ بِدَلِيلِ جَوَابِهِ بِقَوْلِهِ لما وَأَرَدْنَ بِذَلِكَ التَّعْرِيضَ لا صَرِيحَ الْكَذِبِ فَهَذَا وَجْهُ الِاحْتِيَالِ الَّتِي قَالَتْ عَائِشَة لتحتالن لَهُ وَلَوْ كَانَ كَذِبًا مَحْضًا لَمْ يُسَمَّ حِيلَة إِذْ لَا شُبْهَة لصَاحبه( ).
ولذلك بوب البخاري بابا بعنوان (باب ما يكره من احتيال المرأة مع الزوج والضرائر).
وورد فيه على هيئة السؤال (فقولي له ما هذه الريح) ( ).

- قال الرافضة: سميت بالحميراء بسبب دم الحيض فهي على سبيل الذم لا المدح ( )
والجواب: قال ابن حجر: وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهَا دَخَلَ الْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا حُمَيْرَاءُ أَتُحِبِّينَ أَنْ تَنْظُرِي إِلَيْهِمْ فَقُلْتُ نَعَمْ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَلَمْ أَرَ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ ذِكْرَ الْحُمَيْرَاءِ إِلا فِي هَذَا( ).

وقال الإمام الذهبي – رحمه الله - : وَكَانَتِ امْرَأَةً بَيْضَاءَ جَمِيْلَةً، وَمِنْ ثَمَّ يُقَالُ لَهَا: الحُمَيْرَاءُ .
وقال الذهبي: وَالحَمْرَاءُ فِي خِطَابِ أَهْلِ الحِجَازِ: هِيَ البَيْضَاءُ بِشُقْرَةٍ وَهَذَا نَادِرٌ فِيْهِم( ).
وقال الإمام أحمد: وكانت عائشة يقال: إنها شقراء بيضاء رحمها الله ( ).

رواية : غيرة عائشة من خديجة وتنقصها لها. ورواية: ”ما أبدلني الله بخير منها“
الجواب: الحديث عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَثْنَى عَلَيْهَا، فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ، قَالَتْ: فَغِرْتُ يَوْمًا، فَقُلْتُ: مَا أَكْثَرَ مَا تَذْكُرُهَا حَمْرَاءَ الشِّدْقِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا خَيْرًا مِنْهَا، قَالَ: "مَا أَبْدَلَنِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا مِنْهَا، قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ "( ).

الجواب :
قال ابن حجر: قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قِيلَ مَعْنَى حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ بَيْضَاءُ الشَّدْقَيْنِ وَالْعرب تطلق على الْأَبْيَض الْأَحْمَر كرهة اسْمِ الْبَيَاضِ لِكَوْنِهِ يُشْبِهُ الْبَرَصَ, وَلِهَذَا كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لعَائِشَة ياحميراء ثُمَّ اسْتَبْعَدَ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا لِكَوْنِ عَائِشَةَ أَوْرَدَتْ هَذِهِ الْمَقَالَةَ مَوْرِدَ التَّنْقِيصِ؛ فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قِيلَ لَنَصَّتْ عَلَى الْبَيَاضِ لِأَنَّهُ كَانَ يَكُونُ أَبْلَغَ فِي مُرَادِهَا. قَالَ: وَالَّذِي عِنْدِي أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ نِسْبَتُهَا إِلَى كِبَرِ السِّنّ ِلأن مَنْ دَخَلَ فِي سِنِّ الشَّيْخُوخَةِ مَعَ قُوَّةٍ فِي بَدَنِهِ يَغْلِبُ عَلَى لَوْنِهِ غَالِبًا الْحُمْرَةُ الْمَائِلَةُ إِلَى السُّمْرَةِ ... قَالَ عِيَاضٌ: قَالَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ: الْغَيْرَةُ مُسَامَحٌ لِلنِّسَاءِ مَا يَقَعُ فِيهَا ولا عُقُوبَةَ عَلَيْهِنَّ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِمَا جُبِلْنَ عَلَيْهِ مِنْهَا وَلِهَذَا لَمْ يَزْجُرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ عَنْ ذَلِكَ وَتَعَقَّبَهُ عِيَاضٌ بِأَنَّ ذَلِكَ جَرَى مِنْ عَائِشَةَ لِصِغَرِ سِنِّهَا وَأَوَّلِ شَبِيبَتِهَا فَلَعَلَّهَا لَمْ تَكُنْ بَلَغَتْ حِينَئِذٍ ( ).

وقال شيخ الإسلام: وهؤلاء يقولون: قوله لخديجة: ”ما أبدلني الله بخير منها“ – إن صح – معناه: ما أبدلني بخير لي منها، لأن خديجة نفعته في أول الإسلام نفعاً لم يقم غيرها فيه مقامها، فكانت خيراً له من هذا الوجه، فكونها نفعته وقت الحاجة، لكن عائشة صحبته في آخر النبوة وكمال الدين، فحصل لها من العلم والإيمان ما لم يحصل لمن لم يدرك إلا أول زمن النبوة، فكانت أفضل بهذه الزيادة، فإن الأمة انتفعت بها أكثر مما انتفعت بغيرها، وبلغت من العلم ما لم يبلغه غيرها، فخديجة كان خيرها مقصوراً على نفس النبي صلّى الله عليه وسلّم، لم تُبَلِّغ عنه شيئاً، ولم تنتفع بها الأمة كما انتفعوا بعائشة، ولا كان الدين قد كمل حتى تعلمه ويحصل لها من كمال الدين به ما حصل لمن علمه وآمن به بعد كماله، ومعلوم أن من اجتمع هَمُّه على شيء واحد كان أبلغ فيه ممن تفرَّق همُّه في أعمال متنوعة، فخديجة رضي الله تعالى عنها خير له من هذا الوجه، ولكن أنواع البر لم تنحصر في ذلك. ألا ترى أن من كان من الصحابة أعظم إيماناً وأكثر جهاداً بنفسه وماله، كحمزة وعلي وسعد بن معاذ وأسيد بن حُضير وغيرهم، هم أفضل ممن كان يخدم النبي صلّى الله عليه وسلّم وينفعه في نفسه أكثر منهم، كأبي رافع وأنس بن مالك وغيرهما.

وفي الجملة.. الكلام في تفضيل عائشة وخديجة ليس هذا موضع استقصائه. لكن المقصود هنا أن أهل السُّنة مُجمعون على تعظيم عائشة ومحبتها، وأن نساءه أمهات المؤمنين اللاتي مات عنهن كانت عائشة أحبهن إليه وأعلمهن وأعظمهن حُرمة عند المسلمين ( ).

قوله تعالى {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} [التحريم :10].

يدّعي الشيعة الرافضة الاثنا عشرية أن الله عز وجل ضرب امرأة نوحٍ وامرأة لوط مثلاً لعائشة وحفصة رضي الله عنهما. ويفسرون قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} [التحريم:10] بذلك.

ونسبوا هذا الزعم إلى ذي النورين ؛ عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ وأنّ عائشة وحفصة ذهبتا تطلبان ميراثهما من عثمان.

قال الإربلي – من علمائهم -: " قالت له عائشة: أعطني ما كان يعطيني أبي وعمر. فقال: لا أجد له موضعاً في الكتاب ولا في السنة، ولكن كان أبوك وعمر يعطيانك عن طيبة أنفسهما، وأنا لا أفعل. قالت: فأعطني ميراثي من رسول الله. قال: أليس جئت فشهدت أنت ومالك بن أوس النضري أن رسول الله لا يورث، فأبطلت حق فاطمة ، وجئت تطلبينه، لا أفعله. فكان إذا خرج إلى الصلاة نادت وترفع القميص وتقول: أنه قد خالف صاحب هذا القميص. فلمّا آذته صعد المنبر فقال: إنّ هذه الزعراء عدوة الله ضرب الله مثلها ومثل صاحبتها حفصة في الكتاب {امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا} إلى قوله {وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} ...) إلى آخر هذه القصة المكذوبة التي أوردها الشيعة في كتبهم، ولا توجد في كتاب معتبر من كتب أهل العلم( ).

والجواب:
أولاً: أن هذا القول لا دليل عليه في صحيح السنة وإنما هو من كذب الرافضة وافترائهم.

ثانياً: ما يدندن حوله الرافضة من كون أن الله اخبر في كتابه عن خيانة امرأة لوط ونوح وقالوا إن ذلك كان تعريضا بعائشة وحفصة؛ فهذا كذب وتلبيس بل ضرب الله ذلك مثلا للذين كفروا.

ولو كان ذلك مثلا لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم لما جاز له صلى الله عليه وسلم البقاء معهما وكيف يعقل أن يبقى نبي الله مع كافرة وقد حرم الله على المؤمن نكاح الكافرة والله يقول: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} فلو كانت عائشة خبيثة كما هو معتقد الرافضة لزم من ذلك كون النبي خبيثا ولا يقول هذا مسلم.

وأما قولهم: أنتم تنزهون نساء النبي صلى الله عليه وسلم من الخيانة، والله يخبرنا عن خيانة زوجتي نبي الله لوط ونوح؟

قلنا: هل إخبار الله تعالى بأمر واقع يلزم منه القول بخيانة من لم تثبت خيانته, وهذا الشيء كالناصبي الذي يستدل بقصة كفر ابن نوح على كفر فاطمة رضي الله عنها, ويقول: الآية فيها التعريض لفاطمة والحسن والحسين وغير ذلك فهل يقول ذلك أحد؟

وأما القول بأنها زنت كما هو معتقد الرافضة؛ فالقول بزنى أزواج الأنبياء أذاه يتعدى إليهم لأن الرجل لما تُقذف زوجته ؛ فإن ذلك أمر يتأذى به لأنه فراشه والعار عليه أعظم بخلاف الكفر ؛فلا يعود أذاه إلا على المرأة ولهذا أن تزني زوجة رجل أعظم من أن تكفر، ولهذا عصم الله نساء الأنبياء من ذلك ولم يعصمهن من الوقوع في الكفر.

قال ابن كثير: وَقَالَ عَبْدُ الرزاق أيضا أنبأنا الثوري عن ابن عُيَيْنَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بن قبة قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ وَهُوَ إِلَى جنب الكعبة عن قول الله: فَخانَتاهُما قال: أما إنه لَمْ يَكُنْ بِالزِّنَا وَلَكِنْ كَانَتْ هَذِهِ تُخْبِرُ النَّاسَ أَنَّهُ مَجْنُونٌ، وَكَانَتْ هَذِهِ تَدُلُّ عَلَى الْأَضْيَافِ ثُمَّ قَرَأَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَأَخْبَرَنِي عَمَّارٌ الدُهْنِيُّ أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: كَانَ ابْنُ نُوحٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَكْذِبُ. قَالَ تَعَالَى: وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: مَا فَجَرَتِ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ. وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا وَعِكْرِمَةَ وَالضَّحَّاكِ وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرانَ وَثَابِتِ بْنِ الْحَجَّاجِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ جَرِيرٍ وَهُوَ الصَّوَابُ الذي لا شك فيه ( ).

ولهذا نزه الله أن يكون في نسب النبي صلى الله عليه وسلم سفاحا مع وجود في نسبه من كان مشركا .

تفسير الرافضة لقوله سبحانه: {من يأتي منكن بفاحشة مبينة} باحتمال وقوع الفاحشة منهن.

قال ابن كثير رحمه الله: يقول الله تَعَالَى وَاعِظًا نِسَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّاتِي اخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، وَاسْتَقَرَّ أَمْرُهُنَّ تَحْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم فناسب أَنْ يُخْبِرَهُنَّ بِحُكْمِهِنَّ وَتَخْصِيصِهِنَّ دُونَ سَائِرِ النِّسَاءِ بِأَنَّ مَنْ يَأْتِ مِنْهُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ.

قَالَ ابن عباس رضي الله عنهما:
وَهِيَ النُّشُوزُ وَسُوءُ الْخُلُقِ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَهُوَ شَرْطٌ، وَالشَّرْطُ لا يَقْتَضِي الْوُقُوعَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزُّمَرِ: 65] وَكَقَوْلِهِ عز وجل:{وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنْعَامِ: 88]. {قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ} [الزُّخْرُفِ:81]. {لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ} [الزُّمَرِ: 4]. فَلَمَّا كَانَتْ مَحَلَّتُهُنَّ رَفِيعَةً نَاسَبَ أَنْ يَجْعَلَ الذَّنْبَ لَوْ وَقَعَ مِنْهُنَّ مُغْلَّظًا صِيَانَةً لِجَنَابِهِنَّ وَحِجَابِهِنَّ الرفيع ( ).

- لقد علمت أن عليا أحب إليك من أبي مرتين أو ثلاثاً

عن النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: "اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعَ صَوْتَ عَائِشَةَ عَالِيًا، وَهِيَ تَقُولُ: وَاللَّهِ لَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّ عَلِيًّا أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنْ أَبِي، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَللاثًا، فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ، فَدَخَلَ، فَأَهْوَى إِلَيْهَا، فَقَالَ: يَا بِنْتَ فُلَانَةَ أَلَا أَسْمَعُكِ تَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"( ).

ضعفه الألباني في ضعيف أبي داود(4999).

وليس في متنه لفظة "وَاللَّهِ لَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّ عَلِيًّا أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنْ أَبِي، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا. فهي في إسناد أحمد.

وفي إسناد أبي داود يونس بن أبي إسحاق وهو ثقة, ولكن أبا داود صرح بأنه كان يرسل( ).
وفيه حجاج بن محمد قال الحافظ عنه في التقريب : ثقة ثبت لكنه اختلط في آخر عمره لما قدم بغداد قبل موته .

وفي إسناد أحمد عنعنة أبي إسحق وهو مدلس .

حديث " إنه سيكون بينك وبين عائشة أمر "

روى الإمام أحمد بسنده عن أبي رافع أن رسول الله قال لعلي بن أبي طالب: "إنه سيكون بينك وبين عائشة أمر". قال : أنا يا رسول الله ؟!. قال "نعم". قال: انا ؟!. قال: نعم. قال فأنا أشقاهم يا رسول الله. قال: "لا، ولكن إذا كان ذلك فارددها إلى مأمنها"( ).

فالجواب: إن إسناده ضعيف، في إسناده الفُضَيْل بن سليمان النُّمَيري.

قال يحيى بْن مَعِين: ليس بثقة . وَقَال أَبُو زُرْعَة: لين الحديث"( ).

ولو صح ففيه علم من أعلام النبوة؛ وفيه وصاية النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة وفضل علي رضي الله عنه.

طلب النبي صلى الله عليه وسلم من علي أن يرفق بها

فقد روى البيهقي في "دلائل النبوة"، والحاكم في المستدرك( ) بسنديهما عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "ذكر النبي صلى الله عليه وسلم خروج بعض أمهات المؤمنين، وضحكت عائشة، فقال لها: "انظري يا حميراء أن لا تكوني أنت"، ثم التفت إلى علي، وقال: "يا علي إن وليت من أمرها شيئاً فارفق بها".

والجواب: إن إسناده ضعيف. في إسناده عَبْد الجبار بْن الورد الْمَكِّيّ، قال البخاري : يخالف في بعض حديثه( ).

وذكره ابنُ حِبَّان في كتاب "الثقات"، وَقَال : يخطئ ويهم( ).

وعلق عليه الحافظ ابن كثير رحمة الله بقوله: "هذا حديث غريب جداً"( ).

وهذا الحديث لو صح فلا مطعن فيه بعائشة ، بل هو من معجزاته صلى الله عليه وسلم؛ إذ غاية ما فيه الإخبار بخروج أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها( ).

- مسألة إرضاع الكبير

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا رَجُلٌ، فَكَأَنَّهُ تَغَيَّرَ وَجْهُهُ، كَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: إِنَّهُ أَخِي، فَقَالَ: «انْظُرْنَ مَنْ إِخْوَانُكُنَّ، فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ المَجَاعَةِ»( ).

عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ سَالِمًا، مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ كَانَ مَعَ أَبِي حُذَيْفَةَ وَأَهْلِهِ فِي بَيْتِهِمْ، فَأَتَتْ - تَعْنِي ابْنَةَ سُهَيْلٍ - النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنَّ سَالِمًا قَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ. وَعَقَلَ مَا عَقَلُوا. وَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْنَا. وَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا. فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ، وَيَذْهَبِ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ» فَرَجَعَتْ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُهُ. فَذَهَبَ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ( ).

وفي رواية: عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَرَى فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ دُخُولِ سَالِمٍ وَهُوَ حَلِيفُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرْضِعِيهِ»، قَالَتْ: وَكَيْفَ أُرْضِعُهُ؟ وَهُوَ رَجُلٌ كَبِيرٌ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ رَجُلٌ كَبِيرٌ»، زَادَ عَمْرٌو فِي حَدِيثِهِ: وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( ).

قال ابن حجر: وَفِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ زَيْنَبَ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ لِعَائِشَةَ إِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْكِ الْغُلامُ الَّذِي مَا أُحِبُّ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيَّ فَقَالَتْ أَمَا لَكِ فِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسْوَةٌ إِنَّ امْرَأَةَ أَبِي حُذَيْفَةَ فَذَكَرَتِ الْحَدِيثَ مُخْتَصَرًا وَفِي رِوَايَةِ الْغُلامِ الَّذِي قَدِ اسْتَغْنَى عَن الرضَاعَة وفيهَا فَقَالَ ارضعيه قَالَتْ إِنَّهُ ذُو لِحْيَةٍ فَقَالَ أَرْضِعِيهِ يَذْهَبْ مَا فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ قَالَتْ فَوَاللَّهِ مَا عَرَفْتُهُ فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ وَفِي لَفْظٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَبَى سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنَّ أَحَدًا بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ وَقُلْنَ لِعَائِشَةَ وَاللَّهِ مَا نَرَى هَذَا إِلَّا رُخْصَةً لِسَالِمٍ فَمَا هُوَ بِدَاخِلٍ عَلَيْنَا أَحَدٌ بِهَذِهِ الرَّضَاعَةِ ولا رائينا ( ).

والجواب:
1- مسألة رضاع الكبير من المسائل التي اختلف فيها العلماء تبعا لاختلاف الصحابة؛ قال الصنعاني: وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذَا الْحُكْمِ فَذَهَبَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إلَى ثُبُوتِ حُكْمِ التَّحْرِيمِ، وَإِنْ كَانَ الرَّاضِعُ بَالِغًا عَاقِلًا قَالَ عُرْوَةُ: إنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَخَذَتْ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَكَانَتْ تَأْمُرُ أُخْتَهَا أُمَّ كُلْثُومٍ وَبَنَاتِ أَخِيهَا يُرْضِعْنَ مَنْ أَحَبَّتْ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنْ الرِّجَالِ.

رَوَاهُ مَالِكٌ ..، وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَأَبِي مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ .. وَحُجَّتُهُمْ حَدِيثُ سَهْلَةَ هَذَا، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَا شَكَّ فِي صِحَّتِهِ وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] ، فَإِنَّهُ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِوَقْتٍ.

وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّهُ لَا يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلا مَا كَانَ فِي الصِّغَرِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي تَحْدِيدِ الصِّغَرِ فَالْجُمْهُورُ قَالُوا: مَهْمَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ، فَإِنَّ رَضَاعَهُ يُحَرِّمُ، وَلا يُحَرِّمُ مَا كَانَ بَعْدَهُمَا مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233]، ...

وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالٌ أُخَرُ عَارِيَّةٌ عَنْ الاستدلال، فلا نُطِيلُ بِهَا الْمَقَالَ وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ: «إنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ» وَتَقَدَّمَ، فَإِنَّهُ لَا يَصْدُقُ ذَلِكَ إلَّا عَلَى مَنْ يُشْبِعُهُ اللَّبَنُ وَيَكُونُ غِذَاءَهُ لَا غَيْرَهُ، فَلا يَدْخُلُ الْكَبِيرُ سِيَّمَا وَقَدْ وَرَدَ بِصِيغَةِ الْحَصْرِ.

وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ سَالِمٍ بِأَنَّهُ خَاصٌّ بِقِصَّةِ سَهْلَةَ، فَلَا يَتَعَدَّى حُكْمُهُ إلَى غَيْرِهَا كَمَا يَدُلُّ لَهُ قَوْلُ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - "لا نَرَى هَذَا إلَّا خَاصًّا بِسَالِمٍ، ولا نَدْرِي لَعَلَّهُ رُخْصَةٌ لِسَالِمٍ". أَوْ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ.

وَأَجَابَ الْقَائِلُونَ بِتَحْرِيمِ رَضَاعِ الْكَبِيرِ بِأَنَّ الآيَةَ وَحَدِيثَ: «إنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ»؛ وَارِدَانِ لِبَيَانِ الرَّضَاعَةِ الْمُوجِبَةِ لِلنَّفَقَةِ لِلْمُرْضِعَةِ وَاَلَّتِي يُجْبَرُ عَلَيْهَا الْأَبَوَانِ رَضِيَا أَمْ كَرِهَا كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ آخِرُ الْآيَةِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233]، وَعَائِشَةُ هِيَ الرَّاوِيَةُ لِحَدِيثِ «إنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ» وَهِيَ الَّتِي قَالَتْ بِرَضَاعِ الْكَبِيرِ، وَأَنَّهُ يُحَرِّمُ فَدَلَّ أَنَّهَا فَهِمَتْ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ.

وَأَمَّا قَوْلُ أُمِّ سَلَمَةَ إنَّهُ خَاصٌّ بِسَالِمٍ فَذَلِكَ تَظَنُّنٌ مِنْهَا، وَقَدْ أَجَابَتْ عَلَيْهَا عَائِشَةُ، فَقَالَتْ: أَمَا لَك فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فَسَكَتَتْ أُمُّ سَلَمَةَ، وَلَوْ كَانَ خَاصًّا لَبَيَّنَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا بَيَّنَ اخْتِصَاصَ أَبِي بُرْدَةَ بِالتَّضْحِيَةِ بِالْجَذَعَةِ مِنْ الْمَعْزِ.

وَالْقَوْلُ بِالنَّسْخِ يَدْفَعُهُ أَنَّ قِصَّةَ سَهْلَةَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ نُزُولِ آيَةِ الْحَوْلَيْنِ، فَإِنَّهَا «قَالَتْ سَهْلَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْفَ أُرْضِعُهُ وَهُوَ رَجُلٌ كَبِيرٌ» ، فَإِنَّ هَذَا السُّؤَالَ مِنْهَا اسْتِنْكَارٌ لِرَضَاعِ الْكَبِيرِ دَالٌّ عَلَى أَنَّ التَّحْلِيلَ بَعْدَ اعْتِقَادِ التَّحْرِيمِ.

(قُلْت) - الصنعاني - : ولا يَخْفَى أَنَّ الرَّضَاعَةَ لُغَةً إنَّمَا تَصْدُقُ عَلَى مَنْ كَانَ فِي سِنِّ الصِّغَرِ وَعَلَى اللُّغَةِ وَرَدَتْ آيَةُ الْحَوْلَيْنِ وَحَدِيثُ إنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْآيَةَ لِبَيَانِ الرَّضَاعَةِ الْمُوجِبَةِ لِلنَّفَقَةِ لا يُنَافِي أَيْضًا أَنَّهَا لِبَيَانِ زَمَانِ الرَّضَاعَةِ بَلْ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى زَمَانَ مَنْ أَرَادَ تَمَامَ الرَّضَاعَةِ وَلَيْسَ بَعْدَ التَّمَامِ مَا يَدْخُلُ فِي حُكْمِ مَا حَكَمَ الشَّارِعُ بِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ وَالْأَحْسَنُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ حَدِيثِ سَهْلَةَ وَمَا عَارَضَهُ: كَلَامُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ، فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّهُ يُعْتَبَرُ الصِّغَرُ فِي الرَّضَاعَةِ إلا إذَا دَعَتْ إلَيْهِ الْحَاجَةُ كَرَضَاعِ الْكَبِيرِ الَّذِي لا يَسْتَغْنِي عَنْ دُخُولِهِ عَلَى الْمَرْأَةِ وَشَقَّ احْتِجَابُهَا عَنْهُ كَحَالِ سَالِمٍ مَعَ امْرَأَةِ أَبِي حُذَيْفَةَ فَمِثْلُ هَذَا الْكَبِيرِ إذَا أَرْضَعَتْهُ لِلْحَاجَةِ أَثَّرَ رَضَاعُهُ.

وَأَمَّا مَنْ عَدَاهُ، فَلَا بُدَّ مِنْ الصِّغَرِ انْتَهَى.

فَإِنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ حَسَنٌ وَإِعْمَالٌ لَهَا مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ لِظَاهِرِهَا بِاخْتِصَاصٍ، وَلَا نَسْخٍ، وَلَا إلْغَاءٍ لِمَا اعْتَبَرَتْهُ اللُّغَةُ وَدَلَّتْ لَهُ الأحَادِيثُ ( ).

وقال ابن القيم: فَأَخَذَتْ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ بِهَذِهِ الْفَتْوَى مِنْهُمْ عَائِشَةُ، وَلَمْ يَأْخُذْ بِهَا أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَدَّمُوا عَلَيْهَا أَحَادِيثَ تَوْقِيتِ الرَّضَاعِ الْمُحَرَّمِ بِمَا قَبْلَ الْفِطَامِ وَبِالصِّغَرِ وَبِالْحَوْلَيْنِ لِوُجُوهٍ؛ أَحَدُهَا: كَثْرَتُهَا وَانْفِرَادُ حَدِيثِ سَالِمٍ .

الثَّانِي: أَنَّ جَمِيعَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلَا عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ - فِي شِقِّ الْمَنْعِ.

الثَّالِثُ: أَنَّهُ أَحْوَطُ.

الرَّابِعُ: أَنَّ رَضَاعَ الْكَبِيرِ لَا يُنْبِتُ لَحْمًا وَلَا يَنْشُرُ عَظْمًا، فَلَا تَحْصُلُ بِهِ الْبَعْضِيَّةُ الَّتِي هِيَ سَبَبُ التَّحْرِيمِ.

الْخَامِسُ: أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا كَانَ مُخْتَصًّا بِسَالِمٍ وَحْدَهُ، وَلِهَذَا لَمْ يَجِئْ ذَلِكَ إلَّا فِي قِصَّتِهِ.

السَّادِسُ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ وَعِنْدَهَا رَجُلٌ قَاعِدٌ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَغَضِبَ، فَقَالَتْ: إنَّهُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ، فَقَالَ اُنْظُرْنَ مَنْ إخْوَانُكُنَّ مِنْ الرَّضَاعَةِ، فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ، وَفِي قِصَّةِ سَالِمٍ مَسْلَكٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا كَانَ مَوْضِعَ حَاجَةٍ؛ فَإِنَّ سَالِمًا كَانَ قَدْ تَبَنَّاهُ أَبُو حُذَيْفَةَ وَرَبَّاهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهُ وَمِنْ الدُّخُولِ عَلَى أَهْلِهِ بُدٌّ، فَإِذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ بِهِ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الاجْتِهَادُ، وَلَعَلَّ هَذَا الْمَسْلَكَ أَقْوَى الْمَسَالِكِ، وَإِلَيْهِ كَانَ شَيْخُنَا يَجْنَحُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ( ) .

2- وأما كيفية الإرضاع في مثل حال سالم فعن طريق الحلب في إناء كما ذكر العلماء.

قال ابن عبد البر: هَكَذَا رَضَاعُ الْكَبِيرِ كَمَا ذَكَرَ عَطَاءٌ يُحْلَبُ لَهُ اللَّبَنُ وَيَسْقَاهُ .

وَأَمَّا أَنْ تُلْقِمَهُ الْمَرْأَةُ ثَدْيَهَا كَمَا تَصْنَعُ بِالطِّفْلِ فلا، لأن ذَلِكَ لا يَنْبَغِي عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ( ).

زواج عائشة في سن صغيرة:

الجواب:
أولاً: جاءت الأحاديث الصحيحة بأنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عقَدَ على عائشة - رضي الله عنها - وهي بنت ستِّ سنين، ودخَلَ بها وهي بنت تسعِ سنين، ومن ذلك:
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، فَقَدِمْنَا المَدِينَةَ فَنَزَلْنَا فِي بَنِي الحَارِثِ بْنِ خَزْرَجٍ، فَوُعِكْتُ فَتَمَرَّقَ شَعَرِي، فَوَفَى جُمَيْمَةً فَأَتَتْنِي أُمِّي أُمُّ رُومَانَ، وَإِنِّي لَفِي أُرْجُوحَةٍ، وَمَعِي صَوَاحِبُ لِي، فَصَرَخَتْ بِي فَأَتَيْتُهَا، لاَ أَدْرِي مَا تُرِيدُ بِي فَأَخَذَتْ بِيَدِي حَتَّى أَوْقَفَتْنِي عَلَى بَابِ الدَّارِ، وَإِنِّي لأنْهِجُ حَتَّى سَكَنَ بَعْضُ نَفَسِي، ثُمَّ أَخَذَتْ شَيْئًا مِنْ مَاءٍ فَمَسَحَتْ بِهِ وَجْهِي وَرَأْسِي، ثُمَّ أَدْخَلَتْنِي الدَّارَ، فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فِي البَيْتِ، فَقُلْنَ عَلَى الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ، وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ، فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِنَّ، فَأَ









 

رد مع اقتباس
قديم 24-07-2018, 09:39 PM   #17


تيماء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7482
 تاريخ التسجيل :  27 - 10 - 2016
 أخر زيارة : 02-01-2023 (09:51 PM)
 المشاركات : 106,153 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Lebanon
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Floralwhite
افتراضي




الطاهرة المطهرة
عائشة بنت الصديق
رضي الله عنها



عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، فَقَدِمْنَا المَدِينَةَ فَنَزَلْنَا فِي بَنِي الحَارِثِ بْنِ خَزْرَجٍ، فَوُعِكْتُ فَتَمَرَّقَ شَعَرِي، فَوَفَى جُمَيْمَةً فَأَتَتْنِي أُمِّي أُمُّ رُومَانَ، وَإِنِّي لَفِي أُرْجُوحَةٍ، وَمَعِي صَوَاحِبُ لِي، فَصَرَخَتْ بِي فَأَتَيْتُهَا، لاَ أَدْرِي مَا تُرِيدُ بِي فَأَخَذَتْ بِيَدِي حَتَّى أَوْقَفَتْنِي عَلَى بَابِ الدَّارِ، وَإِنِّي لأنْهِجُ حَتَّى سَكَنَ بَعْضُ نَفَسِي، ثُمَّ أَخَذَتْ شَيْئًا مِنْ مَاءٍ فَمَسَحَتْ بِهِ وَجْهِي وَرَأْسِي، ثُمَّ أَدْخَلَتْنِي الدَّارَ، فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فِي البَيْتِ، فَقُلْنَ عَلَى الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ، وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ، فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِنَّ، فَأَصْلَحْنَ مِنْ شَأْنِي، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضُحًى، فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ»( ).

وعَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سَبْعِ سِنِينَ، وَزُفَّتْ إِلَيْهِ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ، وَلُعَبُهَا مَعَهَا، وَمَاتَ عَنْهَا وَهِيَ بِنْتُ ثَمَانَ عَشْرَةَ» ( ).

وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي، «فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ مِنْهُ، فَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي»( ).

وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، أَوْ خَيْبَرَ وَفِي سَهْوَتِهَا سِتْرٌ، فَهَبَّتْ رِيحٌ فَكَشَفَتْ نَاحِيَةَ السِّتْرِ عَنْ بَنَاتٍ لِعَائِشَةَ لُعَبٍ، فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟» قَالَتْ: بَنَاتِي، وَرَأَى بَيْنَهُنَّ فَرَسًا لَهُ جَنَاحَانِ مِنْ رِقَاعٍ، فَقَالَ: «مَا هَذَا الَّذِي أَرَى وَسْطَهُنَّ؟» قَالَتْ: فَرَسٌ، قَالَ: «وَمَا هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ؟» قَالَتْ: جَنَاحَانِ، قَالَ: «فَرَسٌ لَهُ جَنَاحَانِ؟» قَالَتْ: أَمَا سَمِعْتَ أَنَّ لِسُلَيْمَانَ خَيْلًا لَهَا أَجْنِحَةٌ؟ قَالَتْ: فَضَحِكَ حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ ( ).

وقال ابن كثير: وَقَوْلُهُ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ ابْنَةُ سِتِّ سنين وبنى بها وهي ابنة تسع مالا خِلافَ فِيهِ بَيْنَ النَّاسِ- وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا- وَكَانَ بِنَاؤُهُ بِهَا عَلَيْهِ السّلامُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ( ) .

ثانياً: زواج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله عنها كان باقتراح من خولة بنت حكيم لرسول صلى الله عليه وسلم ( ).

ثالثاً: أنّ عائشة رضي الله عنها كانت قبل ذلك تذكر – مخطوبة - لجبير بن المطعم بن عدي، فهي ناضجة من حيث الأنوثة مكتملة بدليل خطبتها قبل حديث خولة ( ).

رابعاً: أنّ قريش التي كانت تتربّص بالرسول صلى الله عليه وسلم الدوائر لتأليب الناس عليه من فجوة أو هفوة أو زلّة، لم تُدهش حين أُعلن نبأ المصاهرة بين أعزّ صاحبين وأوفى صديقين، بل استقبلته كما تستقبل أيّ أمر طبيعي.

خامسا: أن زواج النبي صلى الله عليه وسلم كان بتوقيف من الله. قَالَتْ عَائِشَةُ: "مَا تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَاهُ جِبْرِيلُ بِصُورَتِي وَقَالَ: هَذِهِ زَوْجَتُكَ، وَتَزَوَّجَنِي وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ عَلَيَّ حَوْفٌ، فَلَمَّا تَزَوَّجَنِي أَلْقَى اللَّهُ عَلَيَّ حَيَاءً وَأَنَا صَغِيرَةٌ". قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: «الْحَوْفُ سُيُورٌ تَكُونُ فِي وَسَطِهَا»( ).
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".

سادساً: أما مسألة صِغَر سنِّها - رضي الله عنها - ، فاعْلم أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - نشأ في بلاد حارَّة - وهي أرض الجزيرة - وغالبُ البلاد الحارَّة يكون فيها البلوغ مُبكِّرًا، فالنساء يَخْتَلِفْنَ؛ من حيث البِنْيَة والاستعداد الجِسْمي لهذا الأمر، وبينهُنَّ تفاوتٌ كبيرٌ في ذلك.

ولقد أدرك ذلك المستشرق بودلي عندما زار الجزيرة العربية فعاد من زيارته يقول: "كانت عائشة على صغر سنها نامية ذلك النمو السريع الذي تنموه نساء العرب. ومثل هذا الزواج مازال عادة آسيوية، وشرق أوروبية وكذلك كان طبيعيا في إسبانيا والبرتغال حتى سنين قليلة".

ثم قال المؤرخ المنصف بودلي بعد ذلك : "منذ وطئت قدمها بيت محمد، كان الجميع يحسون وجودها. ولو أن هناك شابة عرفت ماهي مقبلة عليه، لكانت عائشة بنت أبي بكر.. ( )" .

حادثة الإفك والآثار الإيجابية القديمة والمعاصرة

عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ قَالَ لَهَا: أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا، وَكُلُّهُمْ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنْ حَدِيثِهَا، وَبَعْضُهُمْ كَانَ أَوْعَى لِحَدِيثِهَا مِنْ بَعْضٍ، وَأَثْبَتَ لَهُ اقْتِصَاصًا، وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمُ الحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَنِي عَنْ عَائِشَةَ، وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ، قَالُوا: قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ، فَأَيُّهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا فَخَرَجَ فِيهَا سَهْمِي، فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الحِجَابُ، فَكُنْتُ أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي وَأُنْزَلُ فِيهِ، فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ وَقَفَلَ، دَنَوْنَا مِنَ المَدِينَةِ قَافِلِينَ، آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ، فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى رَحْلِي، فَلَمَسْتُ صَدْرِي، فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ ظَفَارِ قَدِ انْقَطَعَ، فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ، قَالَتْ: وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يُرَحِّلُونِي، فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُ عَلَيْهِ، وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ، وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يَهْبُلْنَ، وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ، إِنَّمَا يَأْكُلْنَ العُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ القَوْمُ خِفَّةَ الهَوْدَجِ حِينَ رَفَعُوهُ وَحَمَلُوهُ، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الجَمَلَ فَسَارُوا، وَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ الجَيْشُ، فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا مِنْهُمْ دَاعٍ وَلاَ مُجِيبٌ، فَتَيَمَّمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ بِهِ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي، غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ المُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الجَيْشِ، فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وَكَانَ رَآنِي قَبْلَ الحِجَابِ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي، فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي، وَوَاللَّهِ مَا تَكَلَّمْنَا بِكَلِمَةٍ، وَلاَ سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ، وَهَوَى حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، فَوَطِئَ عَلَى يَدِهَا، فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الجَيْشَ مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ وَهُمْ نُزُولٌ، قَالَتْ: فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَ الإِفْكِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ، قَالَ عُرْوَةُ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ كَانَ يُشَاعُ وَيُتَحَدَّثُ بِهِ عِنْدَهُ، فَيُقِرُّهُ وَيَسْتَمِعُهُ وَيَسْتَوْشِيهِ، وَقَالَ عُرْوَةُ أَيْضًا: لَمْ يُسَمَّ مِنْ أَهْلِ الإِفْكِ أَيْضًا إِلَّا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، وَمِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ، وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ، فِي نَاسٍ آخَرِينَ لاَ عِلْمَ لِي بِهِمْ، غَيْرَ أَنَّهُمْ عُصْبَةٌ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنَّ كِبْرَ ذَلِكَ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ، قَالَ عُرْوَةُ: كَانَتْ عَائِشَةُ تَكْرَهُ أَنْ يُسَبَّ عِنْدَهَا حَسَّانُ، وَتَقُولُ: إِنَّهُ الَّذِي قَالَ: فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَدِمْنَا المَدِينَةَ، فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُ شَهْرًا، وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَصْحَابِ الإِفْكِ، لاَ أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ يَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لاَ أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي، إِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُولُ: «كَيْفَ تِيكُمْ» ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَذَلِكَ يَرِيبُنِي وَلاَ أَشْعُرُ بِالشَّرِّ، حَتَّى خَرَجْتُ حِينَ نَقَهْتُ، فَخَرَجْتُ مَعَ أُمِّ مِسْطَحٍ قِبَلَ المَنَاصِعِ، وَكَانَ مُتَبَرَّزَنَا، وَكُنَّا لاَ نَخْرُجُ إِلَّا لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا، قَالَتْ: وَأَمْرُنَا أَمْرُ العَرَبِ الأُوَلِ فِي البَرِّيَّةِ قِبَلَ الغَائِطِ، وَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا، قَالَتْ: فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ، وَهِيَ ابْنَةُ أَبِي رُهْمِ بْنِ المُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأُمُّهَا بِنْتُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ، خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ المُطَّلِبِ، فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيْتِي حِينَ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتِ، أَتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا؟ فَقَالَتْ: أَيْ هَنْتَاهْ وَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ؟ قَالَتْ: وَقُلْتُ: مَا قَالَ؟ فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ، قَالَتْ: فَازْدَدْتُ مَرَضًا عَلَى مَرَضِي، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «كَيْفَ تِيكُمْ» ، فَقُلْتُ لَهُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ؟ قَالَتْ: وَأُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا، قَالَتْ: فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ لِأُمِّي: يَا أُمَّتَاهُ، مَاذَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ قَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ، هَوِّنِي عَلَيْكِ، فَوَاللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةً عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا، لَهَا ضَرَائِرُ، إِلا كَثَّرْنَ عَلَيْهَا، قَالَتْ: فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، أَوَلَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا؟ قَالَتْ: فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، ثُمَّ أَصْبَحْتُ أَبْكِي، قَالَتْ: وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الوَحْيُ، يَسْأَلُهُمَا وَيَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ، قَالَتْ: فَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ، وَبِالَّذِي يَعْلَمُ لَهُمْ فِي نَفْسِهِ، فَقَالَ أُسَامَةُ: أَهْلَكَ، وَلاَ نَعْلَمُ إِلا خَيْرًا، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَسَلِ الجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ، قَالَتْ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِيرَةَ، فَقَالَ: «أَيْ بَرِيرَةُ، هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ؟» . قَالَتْ لَهُ بَرِيرَةُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، مَا رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا قَطُّ أَغْمِصُهُ غَيْرَ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا، فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ، قَالَتْ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَوْمِهِ فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي عَنْهُ أَذَاهُ فِي أَهْلِي، وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إلا خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا، وَمَا يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلا مَعِي». قَالَتْ: فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ، فَقَالَ : أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْذِرُكَ، فَإِنْ كَانَ مِنَ الأَوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ، قَالَتْ: فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الخَزْرَجِ، وَكَانَتْ أُمُّ حَسَّانَ بِنْتَ عَمِّهِ مِنْ فَخِذِهِ، وَهُوَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَهُوَ سَيِّدُ الخَزْرَجِ، قَالَتْ: وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا، وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الحَمِيَّةُ، فَقَالَ لِسَعْدٍ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لاَ تَقْتُلُهُ، وَلاَ تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ رَهْطِكَ مَا أَحْبَبْتَ أَنْ يُقْتَلَ. فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدٍ، فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ، فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ المُنَافِقِينَ، قَالَتْ: فَثَارَ الحَيَّانِ الأَوْسُ، وَالخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى المِنْبَرِ، قَالَتْ: فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ، حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ، قَالَتْ: فَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ كُلَّهُ لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، قَالَتْ: وَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي، وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا، لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، حَتَّى إِنِّي لَأَظُنُّ أَنَّ البُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي، فَبَيْنَا أَبَوَايَ جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي، فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَأَذِنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي، قَالَتْ: فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ، قَالَتْ: وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ مَا قِيلَ قَبْلَهَا، وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لاَ يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي بِشَيْءٍ، قَالَتْ: فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ جَلَسَ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، يَا عَائِشَةُ، إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً، فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ العَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ ثُمَّ تَابَ، تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ» ، قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً، فَقُلْتُ لِأَبِي: أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِّي فِيمَا قَالَ: فَقَالَ أَبِي: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ لأمِّي: أَجِيبِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا قَالَ: قَالَتْ أُمِّي: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ: لاَ أَقْرَأُ مِنَ القُرْآنِ كَثِيرًا: إِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ: لَقَدْ سَمِعْتُمْ هَذَا الحَدِيثَ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، فَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي بَرِيئَةٌ، لاَ تُصَدِّقُونِي، وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي مِنْهُ بَرِيئَةٌ، لَتُصَدِّقُنِّي، فَوَاللَّهِ لاَ أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلا إِلَّا أَبَا يُوسُفَ حِينَ قَالَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}، ثُمَّ تَحَوَّلْتُ وَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي حِينَئِذٍ بَرِيئَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ مُنْزِلٌ فِي شَأْنِي وَحْيًا يُتْلَى، لَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بِأَمْرٍ، وَلَكِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا، فَوَاللَّهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسَهُ، وَلاَ خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ البَيْتِ، حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ البُرَحَاءِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِنَ العَرَقِ مِثْلُ الجُمَانِ، وَهُوَ فِي يَوْمٍ شَاتٍ مِنْ ثِقَلِ القَوْلِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ، قَالَتْ: فَسُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَكَانَتْ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ: «يَا عَائِشَةُ، أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ بَرَّأَكِ». قَالَتْ: فَقَالَتْ لِي أُمِّي: قُومِي إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لاَ أَقُومُ إِلَيْهِ، فَإِنِّي لاَ أَحْمَدُ إِلَّا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَتْ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} العَشْرَ الآيَاتِ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ هَذَا فِي بَرَاءَتِي، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ: وَاللَّهِ لاَ أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا، بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ مَا قَالَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو الفَضْلِ مِنْكُمْ} - إِلَى قَوْلِهِ - {غَفُورٌ رَحِيمٌ}، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: بَلَى وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لاَ أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي، فَقَالَ لِزَيْنَبَ: «مَاذَا عَلِمْتِ، أَوْ رَأَيْتِ» . فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِلا خَيْرًا، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالوَرَعِ، قَالَتْ: وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ تُحَارِبُ لَهَا، فَهَلَكَتْ، فِيمَنْ هَلَكَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: «فَهَذَا الَّذِي بَلَغَنِي مِنْ حَدِيثِ هَؤُلاَءِ الرَّهْطِ» ثُمَّ قَالَ عُرْوَةُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: " وَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي قِيلَ لَهُ مَا قِيلَ لَيَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا كَشَفْتُ مِنْ كَنَفِ أُنْثَى قَطُّ، قَالَتْ: ثُمَّ قُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" ( ).

الفوائد والدروس من هذه الحادثة العظيمة

قال النووي: وَاعْلَمْ أَنَّ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ فَوَائِدَ كَثِيرَةً:

إِحْدَاهَا: جَوَازُ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ عَنْ جَمَاعَةٍ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ قِطْعَةً مُبْهَمَةً مِنْهُ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِعْلَ الزُّهْرِيِّ وَحْدَهُ فَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى قَبُولِهِ مِنْهُ وَالِاحْتِجَاجِ بِهِ.

الثَّانِيَةُ : صِحَّةُ الْقُرْعَةِ بَيْنَ النِّسَاءِ .

الثَّالِثَةُ : وُجُوبُ الإقْرَاعِ بَيْنَ النِّسَاءِ عِنْدَ إِرَادَةِ السَّفَرِ بِبَعْضِهِنَّ.

الرَّابِعَةُ : أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَضَاءَ مُدَّةِ السَّفَرِ لِلنِّسْوَةِ الْمُقِيمَاتِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ.

الْخَامِسَةُ : جَوَازُ سَفَرِ الرَّجُلِ بِزَوْجَتِهِ.

السَّادِسَةُ: جَوَازُ غَزْوِهِنَّ.

السَّابِعَةُ : جَوَازُ رُكُوبِ النِّسَاءِ فِي الْهَوَادِجِ.

الثَّامِنَة : جَوَازُ خِدْمَةِ الرِّجَالِ لَهُنَّ فِي تِلْكَ الْأَسْفَارِ.

التَّاسِعَةُ : أَنَّ ارْتِحَالَ الْعَسْكَرِ يَتَوَقَّفُ عَلَى أَمْرِ الْأَمِيرِ.

الْعَاشِرَةُ: جواز خروج المرأة لحاجة الإنسان بِغَيْرِ إِذْنِ الزَّوْجِ وَهَذَا مِنَ الأُمُورِ الْمُسْتَثْنَاةِ.

الحادية عشر: جَوَازُ لُبْسِ النِّسَاءِ الْقَلَائِدَ فِي السَّفَرِ كَالْحَضَرِ.

الثانية عشر : أن من يركب المرأة على الْبَعِيرَ وَغَيْرَهُ لَا يُكَلِّمُهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مَحْرَمًا إلا لِحَاجَةٍ لأنَّهُمْ حَمَلُوا الْهَوْدَجَ ،وَلَمْ يكلموا من يظنونها فيه.

الثالثة عشر: فضيلة الاقتصار في الأكل للنساء وغيرهن ،وأن لا يكثر مِنْهُ بِحَيْثُ يُهْبِلُهُ اللَّحْمُ لِأَنَّ هَذَا كَانَ حَالُهُنَّ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،وَمَا كَانَ فِي زَمَانِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ الْكَامِلُ الْفَاضِلُ الْمُخْتَارُ.

الرَّابِعَةَ عشر: جَوَازُ تَأَخُّرِ بَعْضِ الْجَيْشِ سَاعَةً وَنَحْوَهَا لِحَاجَةٍ تَعْرِضُ لَهُ عَنِ الْجَيْشِ إِذَا لَمْ يَكُنْ ضرورة إلى الاجتماع.

الخامسة عشر: إِعَانَةُ الْمَلْهُوفِ وَعَوْنُ الْمُنْقَطِعِ وَإِنْقَاذُ الضَّائِعِ وَإِكْرَامُ ذَوِي الْأَقْدَارِ كَمَا فَعَلَ صَفْوَانُ رَضِيَ اللَّهُ عنه فى هذا كله.

السادسة عشر: حسن الأدب مع الأجنبيات لاسيما فِي الْخَلْوَةِ بِهِنَّ عِنْدَ الضَّرُورَةِ فِي بَرِّيَّةِ أَوْ غَيْرِهَا كَمَا فَعَلَ صَفْوَانُ مِنْ إِبْرَاكِهِ الجمل من غير كلام ولا سؤال وَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَمْشِي قُدَّامَهَا لَا بِجَنْبِهَا ولا وراءها.

السابعة عشر اسْتِحْبَابُ الْإِيثَارِ بِالرُّكُوبِ وَنَحْوِهِ كَمَا فَعَلَ صَفْوَانُ.

الثامنة عشر: اسْتِحْبَابُ الِاسْتِرْجَاعِ عِنْدَ الْمَصَائِبِ سَوَاءً كَانَتْ فِي الدِّينِ أَوِ الدُّنْيَا وَسَوَاءَ كَانَتْ فِي نَفْسِهِ أو من يعز عليه.

التاسعة عشر: تَغْطِيَةُ الْمَرْأَةِ وَجْهَهَا عَنْ نَظَرِ الْأَجْنَبِيِّ سَوَاءٌ كَانَ صَالِحًا أَوْ غَيْرَهُ.

الْعِشْرُونَ: جَوَازُ الْحَلِفِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلافٍ.

الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسْتَرَ عَنِ الْإِنْسَانِ مَا يُقَالُ فِيهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذِكْرِهِ فَائِدَةٌ كَمَا كَتَمُوا عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا هَذَا الْأَمْرَ شَهْرًا وَلَمْ تَسْمَعْ بَعْدَ ذَلِكَ إِلا بِعَارِضٍ عَرَضَ وَهُوَ قَوْلُ أُمِّ مِسْطَحٍ تَعِسَ مِسْطَحٌ .

الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: اسْتِحْبَابُ مُلَاطَفَةِ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ وَحُسْنُ الْمُعَاشَرَةِ.

الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّهُ إِذَا عَرَضَ عَارِضٌ بِأَنْ سَمِعَ عَنْهَا شَيْئًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ يُقَلِّلُ مِنَ اللُّطْفِ وَنَحْوِهِ لِتَفْطِنَ هِيَ أَنَّ ذَلِكَ لِعَارِضٍ فَتَسْأَلَ عَنْ سَبَبِهِ فَتُزِيلَهُ.

الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: اسْتِحْبَابُ السُّؤَالِ عَنِ الْمَرِيضِ .

الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ إِذَا أَرَادَتِ الْخُرُوجَ لِحَاجَةٍ أَنْ تَكُونَ مَعَهَا رَفِيقَةٌ تَسْتَأْنِسُ بِهَا وَلَا يَتَعَرَّضُ لَهَا أَحَدٌ.

السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ: كَرَاهَةُ الْإِنْسَانِ صَاحِبَهُ وَقَرِيبَهُ إِذَا آذَى أَهْلَ الْفَضْلِ أَوْ فَعَلَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْقَبَائِحِ كَمَا فَعَلَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي دُعَائِهَا عَلَيْهِ.

السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: فَضِيلَةُ أَهْلِ بَدْرٍ وَالذَّبُّ عَنْهُمْ كَمَا فَعَلَتْ عَائِشَةُ فِي ذَبِّهَا عَنْ مسطح.

الثامنة والعشرون: أن الزوجة لا تذهب إِلَى بَيْتِ أَبَوَيْهَا إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا

التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: جَوَازُ التَّعَجُّبِ بِلَفْظِ التَّسْبِيحِ.

الثَّلَاثُونَ: اسْتِحْبَابُ مُشَاوَرَةِ الرجل بطانته وأهله وأصدقاءه فيما ينوبه مِنَ الْأُمُورِ.

الْحَادِيَةُ وَالثَّلاثُونَ: جَوَازُ الْبَحْثِ وَالسُّؤَالِ عَنِ الأُمُورِ الْمَسْمُوعَةِ عَمَّنْ لَهُ بِهِ تَعَلُّقٌ أَمَّا غَيْرُهُ فَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَهُوَ تَجَسُّسٌ وَفُضُولٌ.

الثَّانِيَةُ وَالثَّلاثُونَ: خُطْبَةُ الْإِمَامِ النَّاسَ عِنْدَ نزول أمر مهم.

الثالثة والثلاثون: اشتكاء ولى الْأَمْرِ إِلَى الْمُسْلِمِينِ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ بِأَذًى فِي نَفْسِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَاعْتِذَارُهُ فِيمَا يُرِيدُ أَنْ يُؤْذِيَهُ بِهِ.

الرَّابِعَةَ وَالثَّلاثُونَ: فَضَائِلُ ظَاهِرَةٌ لِصَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطِّلِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

الْخَامِسَةُ وَالثَّلاثُونَ: فَضِيلَةٌ لِسَعْدِ بْنِ معاذ وأسيد بْنِ حُضَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.

السَّادِسَةُ وَالثَّلاثُونَ: الْمُبَادَرَةُ إِلَى قَطْعِ الْفِتَنِ وَالْخُصُومَاتِ وَالْمُنَازَعَاتِ وَتَسْكِينِ الْغَضَبِ.

السَّابِعَةُ وَالثَّلاثُونَ: قَبُولُ التَّوْبَةِ وَالْحَثُّ عَلَيْهَا.

الثَّامِنَةُ وَالثَّلاثُونَ: تَفْوِيضُ الْكَلَامِ إِلَى الْكِبَارِ دُونَ الصِّغَارِ لِأَنَّهُمْ أَعْرَفُ

التَّاسِعَةُ وَالثَّلاثُونَ: جَوَازُ الِاسْتِشْهَادِ بآيات القرآن العزي .

الأَرْبَعُونَ: اسْتِحْبَابُ الْمُبَادَرَةِ بِتَبْشِيرِ مَنْ تَجَدَّدَتْ لَهُ نِعْمَةٌ ظَاهِرَةٌ أَوِ انْدَفَعَتْ عَنْهُ بَلِيَّةٌ ظَاهِرَةٌ .

الْحَادِيَةُ وَالأَرْبَعُونَ : بَرَاءَةُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مِنَ الْإِفْكِ وَهِيَ بَرَاءَةٌ قَطْعِيَّةٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ فَلَوْ تَشَكَّكَ فِيهَا إِنْسَانٌ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ صَارَ كَافِرًا مُرْتَدًّا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ قال بن عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ لَمْ تَزْنِ امْرَأَةُ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ ( ).

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ:

قال ابن حجر:

- جَوَازُ حِكَايَةِ مَا وَقَعَ لِلْمَرْءِ مِنَ الْفَضْلِ وَلَوْ كَانَ فِيهِ مَدْحُ نَاسٍ وَذَمُّ نَاسٍ إِذَا تَضَمَّنَ ذَلِكَ إزالة تَوَهُّمِ النَّقْصِ عَنِ الْحَاكِي إِذَا كَانَ بَرِيئًا عِنْدَ قَصْدِ نُصْحِ مَنْ يَبْلُغُهُ ذَلِكَ لئلا يَقَعَ فِيمَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ سَبْقٍ ؛ وَأَنَّ الِاعْتِنَاءَ بِالسَّلَامَةِ مِنْ وُقُوعِ الْغَيْرِ فِي الإثْمِ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ يَقَعُ فِي الْإِثْمِ وَتَحْصِيلُ اْلأجْرِ لِلْمَوْقُوعِ فِيهِ.

- وَفِيهِ اسْتِعْمَالُ التَّوْطِئَةِ فِيمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْكَلامِ.

- وَأَنَّ الْهَوْدَجَ يَقُومُ مَقَامَ الْبَيْتِ فِي حَجْبِ الْمَرْأَةِ.

- وَفِيهِ خِدْمَةُ الْأَجَانِبِ لِلْمَرْأَةِ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ.

- وَجَوَازُ تَسَتُّرُ الْمَرْأَةِ بِالشَّيْءِ الْمُنْفَصِلِ عَنِ الْبَدَنِ.

- وَجَوَازُ تَحَلِّي الْمَرْأَةِ فِي السَّفَرِ بِالْقِلَادَةِ وَنَحْوِهَا.

- وَصِيَانَةُ الْمَالِ وَلَوْ قَلَّ لِلنَّهْيِ عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ ؛فَإِنَّ عِقْدَ عَائِشَةَ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَهَبٍ وَلَا جَوْهَرٍ.

- وَفِيهِ شُؤْمُ الْحِرْصِ عَلَى المال.

- وَاسْتِعْمَالِ بَعْضِ الْجَيْشِ سَاقَةً يَكُونُ أَمِينًا لِيَحْمِلَ الضَّعِيفَ وَيَحْفَظَ مَا يَسْقُطُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمَصَالِحِ .

- وَإِيثَارِهِمْ بِالرُّكُوبِ وَتَجَشُّمُ الْمَشَقَّةِ لأَجْلِ ذَلِكَ.

- وَحُسْنِ الْأَدَبِ مَعَ الأَجَانِبِ خُصُوصًا النِّسَاءَ لا سِيَّمَا فِي الْخَلْوَةِ.

= وَفِيهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا خَرَجَتْ لِحَاجَةٍ تَصطحِبُ مَنْ يُؤْنِسُهَا أَوْ يَخْدِمُهَا مِمَّنْ يُؤْمَنُ عَلَيْهَا.

- وَفِيهِ ذَبُّ الْمُسْلِمُ عَنِ الْمُسْلِمِ خُصُوصًا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ ،وَرَدْعِ مَنْ يُؤْذِيهِمْ ،وَلَوْ كَانَ مِنْهُمْ بِسَبِيلٍ ،وَبَيَان مزِيد فَضِيلَةِ أَهْلِ بَدْرٍ وَإِطْلَاقِ السَّبِّ عَلَى لَفْظِ الدُّعَاءِ بِالسُّوءِ عَلَى الشَّخْصِ.

- وَفِيهِ الْبَحْثُ عَنِ الأَمْرِ الْقَبِيحِ إِذَا أُشِيعَ وَتُعْرَفُ صِحَّتِهِ، وَفَسَادِهِ بِالتَّنْقِيبِ عَلَى مَنْ قِيلَ فِيهِ هَلْ وَقَعَ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ مَا يُشْبِهُهُ أَوْ يَقْرَبُ مِنْهُ وَاسْتِصْحَابُ حَالِ مَنِ اتُّهِمَ بِسُوءٍ إِذَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ مَعْرُوفًا بِالْخَيْرِ إِذَا لَمْ يَظْهَرْ عَنْهُ بِالْبَحْثِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ.

- وَفِيهِ فَضِيلَة قَوِيَّة لأم مسطح لأنها لم تُحَابِ وَلَدَهَا فِي وُقُوعِهِ فِي حَقِّ عَائِشَةَ بَلْ تَعَمَّدَتْ سَبَّهُ عَلَى ذَلِكَ.

- وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ التَّسْبِيحِ عِنْدَ سَمَاعَ مَا يَعْتَقِدُ السَّامِعُ أَنَّهُ كَذِبٌ ،وَتَوْجِيهُهُ هُنَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُنَزَّهُ أَنْ يَحْصُلَ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَدْنِيسٌ فَيُشْرَعُ شُكْرَهُ بِالتَّنْزِيهِ فِي مِثْلِ هَذَا نَبَّهَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِي.

- وَفِيهِ الْبَحْثُ عَنِ الْأَمْرِ الْمَقُولِ مِمَّنْ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَقُول فِيهِ ،والتوقف فِي خير الْوَاحِدِ وَلَوْ كَانَ صَادِقًا وَطَلَبُ الارْتِقَاءِ مِنْ مَرْتَبَةِ الظَّنِّ إِلَى مَرْتَبَةِ الْيَقِينِ وَأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ إِذَا جَاءَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ أَفَادَ الْقَطْعُ لِقَوْلِ عَائِشَةَ لَأَسْتَيْقِنُ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عَدَدٍ مُعَيَّنٍ.

- وَفِيهِ اسْتِشَارَةُ الْمَرْءُ أَهْلَ بِطَانَتِهِ مِمَّنْ يَلُوذُ بِهِ بِقَرَابَةٍ وَغَيْرِهَا وَتَخْصِيصُ مَنْ جُرِّبَتْ صِحَّةُ رَأْيِهِ مِنْهُمْ بِذَلِكَ ،وَلَوْ كَانَ غَيْرُهُ أَقْرَبَ وَالْبَحْثُ عَنْ حَالِ مَنِ اتُّهِمَ بِشَيْءٍ وَحِكَايَةُ ذَلِكَ لِلْكَشْفِ عَنْ أَمْرِهِ وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ غِيبَةً وَفِيهِ اسْتِعْمَالُ لَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا فِي التَّزْكِيَةِ ،وَأَنَّ ذَلِكَ كَافٍ فِي حَقِّ مَنْ سَبَقَتْ عَدَالَتُهُ مِمَّنْ يُطَّلَعُ عَلَى خَفِيِّ أَمْرِهِ.

- وَفِيهِ التَّثَبُّتُ فِي الشَّهَادَةِ وَفِطْنَةُ الْإِمَامِ عِنْدَ الْحَادِثِ الْمُهِمِّ وَالِاسْتِنْصَارُ بِالْأَخِصَّاءِ عَلَى الْأَجَانِبِ وَتَوْطِئَةُ الْعُذْرِ لِمَنْ يُرَادُ إِيقَاعُ الْعِقَابِ بِهِ أَوِ الْعِتَابِ لَهُ وَاسْتِشَارَةُ الأَعْلَى لِمَنْ هُوَ دُونَهُ وَاسْتِخْدَامُ مَنْ لَيْسَ فِي الرِّقِّ وَأَنَّ مَنِ اسْتَفْسَرَ عَنْ حَالِ شَخْصٍ فَأَرَادَ بَيَانُ مَا فِيهِ مِنْ عَيْبٍ فَلْيُقَدِّمْ ذِكْرَ عُذْرَهُ فِي ذَلِكَ إِنْ كَانَ يَعْلَمُهُ كَمَا قَالَتْ بَرِيرَة فِي عَائِشَة حَيْثُ عاتبها بِالنَّوْمِ عَنِ الْعَجِينِ فَقَدَّمَتْ قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ.

- وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَحْكُمُ لِنَفْسِهِ إِلا بَعْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ لأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجْزِمْ فِي الْقِصَّةِ بِشَيْءٍ قَبْلَ نُزُولِ الْوَحْيِ نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي جَمْرَةَ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ.

- وَأَنَّ الْحَمِيَّةَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ لا تُذَمُّ.

- وَفِيهِ أَنَّ التَّعَصُّبَ لِأَهْلِ الْبَاطِلِ يُخْرِجُ عَنِ اسْمِ الصَّلاحِ.

- وَجَوَازُ سَبِّ مَنْ يَتَعَرَّضُ لِلْبَاطِلِ وَنِسْبَتُهُ إِلَى مَا يَسُوءُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ فِيهِ لَكِنْ إِذَا وَقَعَ مِنْهُ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ جَازَ إِطْلَاقُ ذَلِكَ عَلَيْهِ تَغْلِيظًا لَهُ وَإِطْلَاقُ الْكَذِبِ عَلَى الْخَطَأِ وَالْقَسَمُ بِلَفْظِ لَعَمْرِ اللَّهِ.

- وَفِيهِ النَّدْبُ إِلَى قَطْعِ الْخُصُومَةِ ،وَتَسْكِينِ ثَائِرَةِ الْفِتْنَةِ ،وَسَدِّ ذَرِيعَةِ ذَلِكَ. ،وَاحْتِمَالُ أَخَفُّ الضَّرَرَيْنِ بِزَوَالِ أَغْلَظِهِمَا وَفَضْلُ احْتِمَالُ الأَذَى.

- وَفِيهِ مُبَاعَدَةُ مَنْ خَالَفَ الرَّسُولَ ،وَلَوْ كَانَ قَرِيبًا حَمِيمًا.

- وَفِيهِ أَنَّ مَنْ آذَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يُقْتَلُ لِأَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ أَطْلَقَ ذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

- وَفِيهِ مُسَاعَدَةُ مَنْ نَزَلَتْ فِيهِ بَلِيَّةٌ بِالتَّوَجُّعِ وَالْبُكَاءِ وَالْحُزْنِ.

- وَفِيهِ تَثَبُّتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فِي الْأُمُورِ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مَعَ تَمَادِي الْحَالِ فِيهَا شَهْرًا كَلِمَةً فَمَا فَوْقَهَا إِلا مَا وَرَدَ عَنْهُ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ وَاللَّهِ مَا قِيلَ لَنَا هَذَا فِي الْجَاهِلِيَّة فَكيف بعد أَن أعزانا الله بِالإِسْلَامِ وَقع ذَلِك فِي حَدِيث بن عُمَرَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ.

- وَفِيهِ ابْتِدَاءُ الْكَلامِ فِي الْأَمْرِ الْمُهِمِّ بِالتَّشَهُّدِ وَالْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ ،وَقَوْلُ أَمَّا بَعْدُ. وَتَوْقِيفُ مَنْ نُقِلَ عَنْهُ ذَنْبٌ عَلَى مَا قِيلَ فِيهِ بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْهُ.

- وَأَنَّ قَوْلَ كَذَا وَكَذَا يُكَنَّى بِهَا عَنِ الْأَحْوَالِ كَمَا يُكَنَّى بِهَا عَنِ الْأَعْدَادِ وَلَا تَخْتَصُّ بِالأَعْدَادِ وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ التَّوْبَةِ وَأَنَّهَا تُقْبَلُ مِنَ الْمُعْتَرِفِ الْمُقْلِعِ الْمُخْلِصِ وَأَنَّ مُجَرَّدَ الِاعْتِرَافِ لا يُجْزِئُ فِيهَا ،وَأَنَّ الاعْتِرَافَ بِمَا لَمْ يَقَعْ لا يَجُوزُ وَلَوْ عُرِفَ أَنَّهُ يَصْدُقُ فِي ذَلِكَ وَلَا يُؤَاخَذُ عَلَى مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى اعْتِرَافِهِ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ الْحَقَّ أَوْ يسكت.

- وَأَن الصَّبْر يحمد عَاقِبَتُهُ وَيُغْبَطُ صَاحِبُهُ.

- وَفِيهِ تَقْدِيمُ الْكَبِيرِ فِي الْكَلامِ ،وَتَوَقُّفُ مَنِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْأَمْرَ فِي الْكَلامِ.

- وَفِيهِ تَبْشِيرُ مَنْ تَجَدَّدَتْ لَهُ نِعْمَةٌ أَوِ انْدَفَعَتْ عَنْهُ نِقْمَةٌ.

- وَفِيهِ الضَّحِكُ وَالْفَرَحُ وَالِاسْتِبْشَارُ عِنْدَ ذَلِكَ وَمَعْذِرَةُ مَنِ انْزَعَجَ عِنْدَ وُقُوعِ الشِّدَّةِ لِصِغَرِ سِنٍّ وَنَحْوِهِ ،وَإِدْلَالُ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا وَأَبَوَيْهَا وَتَدْرِيجُ مَنْ وَقَعَ فِي مُصِيبَةٍ فَزَالَتْ عَنْهُ لِئَلا يَهْجُمُ عَلَى قَلْبِهِ الْفَرَحُ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ فَيُهْلِكُهُ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنِ ابْتِدَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ بِبَرَاءَةِ عَائِشَةَ بِالضَّحِكِ ثُمَّ تَبْشِيرِهَا ثُمَّ إِعْلَامِهَا بِبَرَاءَتِهَا مُجْمَلَةً ثُمَّ تِلَاوَتِهِ الْآيَاتِ عَلَى وَجْهِهَا.

- وَفِيهِ أَنَّ الشِّدَّةَ إِذَا اشْتَدَّتْ أَعْقَبَهَا الْفَرَجُ وَفُضِّلَ مَنْ يُفَوِّضُ الأَمْرَ لِرَبِّهِ ،وَأَنَّ مَنْ قَوِيَ عَلَى ذَلِكَ خَفَّ عَنْهُ الْهَمُّ وَالْغَمُّ كَمَا وَقَعَ فِي حَالَتَيْ عَائِشَةَ قَبْلَ اسْتِفْسَارِهَا عَنْ حَالِهَا وَبَعْدَ جَوَابِهَا بِقَوْلِهَا وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

- وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ الْخَيْرِ خُصُوصًا فِي صِلَةِ الرَّحِمِ وَوُقُوعِ الْمَغْفِرَةِ لِمَنْ أَحْسَنَ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ أَوْ صَفَحَ عَنْهُ.

- وَأَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا مِنَ الْخَيْرِ اسْتُحِبَّ لَهُ الحنث.
- وَالتَّأَسِّي بِمَا وَقَعَ لِلْأَكَابِرِ مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ.

- وَفِيهِ تَأْخِيرُ الْحَدِّ عَمَّنْ يُخْشَى مِنْ إِيقَاعِهِ بِهِ الْفِتْنَةُ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بن بَطَّالٍ مُسْتَنِدًا إِلَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ كَانَ مِمَّنْ قَذَفَ عَائِشَةَ وَلَمْ يَقَعْ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ مِمَّنْ حُدَّ وَتَعَقَّبَهُ عِيَاضٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ قَذَفَ بَلِ الَّذِي ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَخْرِجُهُ وَيَسْتَوْشِيهُ .

قُلْتُ- ابن حجر - :وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ قَذَفَ صَرِيحًا وَوَقَعَ ذَلِكَ فِي مُرْسل سعيد بن جُبَير عِنْد بن أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرِهِ وَفِي مُرْسَلِ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ عِنْدَ الْحَاكِمِ فِي "الإِكْلِيلِ" بِلَفْظِ: فَرَمَاهَا عبد الله بن أبي. وَفِي حَدِيث بن عُمَرَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ بِلَفْظٍ أَشْنَعُ مِنْ ذَلِكَ. وَوَرَدَ أَيْضًا أَنَّهُ مِمَّنْ جُلِدَ الْحَدَّ وَقَعَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ زَيْدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ وَغَيْرِهِمَا مُرْسَلا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الإِكْلِيلِ" ؛فَإِنْ ثَبَتَا سَقَطَ السُّؤَالُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتَا فَالْقَوْلُ مَا قَالَ عِيَاضٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتُ خَبَرٌ بِأَنَّهُ قَذَفَ صَرِيحًا ثُمَّ لَمْ يُحَدُّ ( ).

وقال ابن القيم في ذكر بعض فوائد الحديث : وَتَأَمَّلْ مَا فِي تَسْبِيحِهِمْ لِلَّهِ وَتَنْزِيهِهِمْ لَهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنَ الْمَعْرِفَةِ بِهِ، وَتَنْزِيهِهِ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ أَنْ يَجْعَلَ لِرَسُولِهِ وَخَلِيلِهِ وَأَكْرَمِ الْخَلْقِ عَلَيْهِ امْرَأَةً خَبِيثَةً بَغِيًّا، فَمَنْ ظَنَّ بِهِ سُبْحَانَهُ هَذَا الظَّنَّ فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ، وَعَرَفَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْخَبِيثَةَ لا تَلِيقُ إِلا بِمِثْلِهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ} [النور:26]، فَقَطَعُوا قَطْعًا لا يَشُكُّونَ فِيهِ أَنَّ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ، وَفِرْيَةٌ ظَاهِرَةٌ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا بَالُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَقَّفَ فِي أَمْرِهَا، وَسَأَلَ عَنْهَا وَبَحَثَ وَاسْتَشَارَ، وَهُوَ أَعْرَفُ بِاللَّهِ وَبِمَنْزِلَتِهِ عِنْدَهُ وَبِمَا يَلِيقُ بِهِ، وَهَلَّا قَالَ: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور:16] كَمَا قَالَهُ فُضَلَاءُ الصَّحَابَةِ؟

فَالْجَوَابُ:
أَنَّ هَذَا مِنْ تَمَامِ الْحِكَمِ الْبَاهِرَةِ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْقِصَّةَ سَبَبًا لَهَا، وَامْتِحَانًا وَابْتِلَاءً لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِجَمِيعِ الأُمَّةِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِيَرْفَعَ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ أَقْوَامًا وَيَضَعَ بِهَا آخَرِينَ، وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَإِيمَانًا، وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا، وَاقْتَضَى تَمَامُ الِامْتِحَانِ وَالابْتِلاءِ أَنْ حُبِسَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْيُ شَهْرًا فِي شَأْنِهَا لا يُوحَى إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ لِتَتِمَّ حِكْمَتُهُ الَّتِي قَدَّرَهَا وَقَضَاهَا، وَتَظْهَرَ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ، وَيَزْدَادَ الْمُؤْمِنُونَ الصَّادِقُونَ إِيمَانًا وَثَبَاتًا عَلَى الْعَدْلِ وَالصِّدْقِ ،وَحُسْنِ الظَّنِّ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَالصِّدِّيقِينَ مِنْ عِبَادِهِ، وَيَزْدَادَ الْمُنَافِقُونَ إِفْكًا وَنِفَاقًا، وَيُظْهِرَ لِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ سَرَائِرَهُمْ، وَلِتَتِمَّ الْعُبُودِيَّةُ الْمُرَادَةُ مِنَ الصِّدِّيقَةِ وَأَبَوَيْهَا، وَتَتِمَّ نِعْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَلِتَشْتَدَّ الْفَاقَةُ وَالرَّغْبَةُ مِنْهَا وَمِنْ أَبَوَيْهَا، وَالِافْتِقَارُ إِلَى اللَّهِ وَالذُّلُّ لَهُ وَحُسْنُ الظَّنِّ بِهِ وَالرَّجَاءُ لَهُ، وَلِيَنْقَطِعَ رَجَاؤُهَا مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، وَتَيْأَسَ مِنْ حُصُولِ النُّصْرَةِ وَالْفَرَجِ عَلَى يَدِ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ، وَلِهَذَا وَفَّتْ هَذَا الْمَقَامَ حَقَّهُ لَمَّا «قَالَ لَهَا أَبَوَاهَا: قُومِي إِلَيْهِ، وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَرَاءَتَهَا، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لا أَقُومُ إِلَيْهِ وَلا أَحْمَدُ إلا اللَّهَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي»( ).

وقال: وَأَيْضًا فَكَانَ مِنْ حِكْمَةِ حَبْسِ الْوَحْي شَهْرًا، أَنَّ الْقَضِيّةَ مُحِّصَتْ وَتَمَحَّضَتْ، وَاسْتَشْرَفَتْ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ أَعْظَمَ اسْتِشْرَافٍ إِلَى مَا يُوحِيهِ اللَّهُ إِلَى رَسُولِهِ فِيهَا، وَتَطَلَّعَتْ إِلَى ذَلِكَ غَايَةَ التَّطَلُّعِ، فَوَافَى الْوَحْيُ أَحْوَجَ مَا كَانَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ، وَالصِّدِّيقُ وَأَهْلُهُ وَأَصْحَابُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ، فَوَرَدَ عَلَيْهِمْ وُرُودَ الْغَيْثِ عَلَى الْأَرْضِ أَحْوَجَ مَا كَانَتْ إلَيْهِ، فَوَقَعَ مِنْهُمْ أَعْظَمَ مَوْقِعٍ وَأَ











 

رد مع اقتباس
قديم 24-07-2018, 09:42 PM   #18


تيماء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7482
 تاريخ التسجيل :  27 - 10 - 2016
 أخر زيارة : 02-01-2023 (09:51 PM)
 المشاركات : 106,153 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Lebanon
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Floralwhite
افتراضي




الطاهرة المطهرة
عائشة بنت الصديق
رضي الله عنها



ومن الفوائد أيضا( ):

- وجوب الحجاب؛ فإنه إذا فُرض على أمهات المؤمنين كان على غيرهن أولى ، والأدلة على ذلك كثيرة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

- اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بأمر الجهاد والغزو ، فهو ذروة سنام الإسلام .

- أنّ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يعلمون الغيب، ولو كان يعلم الغيب لما ترك زوجه بمفردها، وأما أصحابه فلما مضى، ولحملهم الهودج وهو خلو منها.

- رعاية الله لأوليائه، وهذا يتضح من جوانب عديدة : فبالنوم ينقطع تفكير عائشة رضي الله عنه فيما أهمها وأقلق راحتها، ويقدر الله تأخُّر صفوان ليُلحِقَها بالجيش، وتتجلى في أعظم صورها في نزول آيات براءتها، وفي أنها مرضت بعد رجوعها إلى المدينة فلم تعلم بما يقال إلا قبل وقت يسير من نزول براءتها، ولو علمت من أول الأمر لكان الخطب أعظم.

- أدب صفوان رضي الله عنه، فإنه استرجع ليوقظها، ولم يناد عليها باسمها، وما تكلم معها بكلمة واحدة.

- اهتمامها بحجابها ، فعقب استيقاظها ورؤيتها لصفوان خمَّرتُ وجهها
- عداوة المنافقين وحقدهم على المسلمين .

- البهتان جسر يقود المرء إلى ما فيه هلاكه " فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ فِي شَأْنِي".

- عدم إخبار المريض بما يزيد مرضه ويكدِّرُ صفوَ حياته .

- كريم أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله لا سيما إذا اشتكت واحدة منهنّ "لا أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي".

- حياء الصحابيات " وَلا نَخْرُجُ إِلا لَيْلا إِلَى لَيْلٍ" يعني لقضاء الحاجة.

- نصرة المظلوم ولو كان الظالم قريباً والمظلوم بعيداً، فأم مسطح لم تحاب ولدها.

-إذن المرأة من زوجها لخروجها " أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ".

- تعزية المصاب بكلام يناسبه " يَا بُنَيَّةُ ، هَوِّنِي عَلَيْكِ ، فَوَاللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتْ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا وَلَهَا ضَرَائِرُ إِلا كَثَّرْنَ عَلَيْهَا".

- الإصلاح بين الزوجين بحمل المرأة على الصبر.

- الاستشارة سنة نبوية.

- استشارة الفاضل المفضول.

- إذا استشير جماعة فقد يصيب المفضول ويخطئ الفاضل.

- لا يلزم الأخذ بالاستشارة ، وهي غير ملزمة، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يأخذ بقول علي رضي الله عنه.

- استشارة الرجل للمرأة إذا أُمنت الفتنة .

- حب علي رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم، فقد أشار بطلاقه لها؛ رعاية لجانبه.

- ذب النبي صلى الله عليه وسلم عن عرض عائشة وصفوان.

- نصرة الأنصار للرسول صلى الله عليه وسلم "أَنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ".

- خطر الحمية.

- كل بني آدم خطّاء، ومنهم الصحابة " اجْتَهَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ"، ولكن لهم من السوابق ما يمحو عنهم ذلك.

- إطلاق الكذب على الخطأ.

- التغليظ على من وقف مع أهل الباطل وإن حميةً .

- من النفاق الإحجام عن نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم"فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ".

- قد يعادي الولي ولياً وهما من أهل الجنة " فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ".

- حرص الشيطان على زرع الخصومة من قولها "هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا".

- لابد من ظهور براءة البريء ولو بعد حين "فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ".

- مشروعية التوبة.

- التوبة تجب ما قبلها « وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبٍ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ».

- أهمية الاعتراف بالذنب .

- عدم محاباة النبي صلى الله عليه وسلم لأهله :«إن كنت ألممت بذنب...».

- مشروعية الوكالة " أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".

- الصبر مفتاح الفرج .

- الاستعانة بالله عند حلول المصائب "والله المستعان".

- إحسان الظن بالله " أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي".

- من أحسن الظن كان الله عند حسن ظنه " فَوَاللَّهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسَهُ وَلَا خَرَجَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَحَدٌ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".

- رؤيا الأنبياء حق ووحي " كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا".

- من مهمات الآداب: ازدراء الإنسان لنفسه وهضمه لها "وَلَشَأْنِي كَانَ أَحْقَرَ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى" ومن ازدرى نفسه كان عند الله فوق ذلك، ومن ابتلي بالعجب كان وضيعاً حقيراً، ومن درر بكر بن عبد الله المزني رحمه الله قوله يوم عرفة :" لولا أنا فيهم لقلت قد غفر الله لهم".

- تبشير المسلم «أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ».

- أن الضحك مباح إذا وجد ما يقتضيه.

- إسناد النعمة والخير والفضل إلى الله " هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي".

- أنّ سبب النزول قد يكون حادثة كما الأمر هنا.

- إنّ مع العسر يسراً، ومع الشدة فرجاً، ومن الكرب يجعل الله مخرجاً - المؤمن مصاب مبتلى.

- خطر الشائعات.

- خطأ اعتقاد بعض الناس: أنه ما من شائعة إلا وفيها نسبة من الصحة، فحادثة الإفك إفك كلها من ألفها إلى يائها.

- كريم أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، فقد صلَّى صلاة الجنازة على ابن سلول وكفنه في ثيابه وهو الذي تولى كبر حديث الإفك.

- أثر الورع في السلامة من الزيغ ، فزينب عصمها الله بالورع كما قالت عائشة، رضي الله عنهما.

- مكانة الصديقة عائشة رضي الله عنها ، ويكفي أنّ الله لما ذكر مقالة الناس فيها سبّح نفسه: {وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور:16].

- دفاع الله عن العفيفين، فدافع الله عن عائشة، ومريم، ويوسف عليهم السلام، وأجرى كرامةً على يد جريج الراهب.

- أنّ العفة من صفات المؤمنين ، فدفاع الله عنهم دليل إيمانهم : {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُو}[الحج:38].

- لا يمكن أن تزني زوجة نبي،وأما قول الله تعالى: {فخانتاهما} عن امرأة نوحولوطعليهما السلام أي بمخالفة دينهما، وكانت امرأة نوح تسبه، وامرأة لوط تدل قومها على أضيافه، فتلك خيانتهما.وأما قول الله تعالى لنوح عليه السلام: {إنه ليس من أهلك} أي: الناجين.

- لا يقسم الإنسان في عدم إتيان الخير: { ولا يأتل ...}.

- أنّ من حلف على أمر وكان الخير في غيره كفَّر عن يمينه وفعل الخير، كما أرشد إليه ربنا في كتابه ، ورسولنا صلى الله عليه وسلم.

- ظلم ذوي القربي أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند، قال أبو بكر رضي الله عنه: "وَاللَّهِ لا أُنْفِقُ عَلَيْهِ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ".

- أهمية العفو في ديننا، مسطح كالعم لعائشة رضي الله عنهما، ابن خالة أبيها، لو كان المنافقون على حق – أقول (لو) من باب: { لو كان فيهما آلهة...} لما كان عليه أن يتكلم بهذا؛ لأنها عرضه، فكيف وقد حكم الله بكذبهم ، مما جعل أبا بكر رضي الله عنه يقسم بقطع حبل المعروف الذي كان يصله به، ومع ذلك كله {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} ؟

- من عفا عن الناس غفر الله تعالى له ذنبه.

- انقياد الصديق وخضوعه لأمر الله "فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَقَالَ: لا أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا".

- وفاء عائشة رضي الله عنها " قَالَ عُرْوَةُ: كَانَتْ عَائِشَةُ تَكْرَهُ أَنْ يُسَبَّ عِنْدَهَا حَسَّانُ وَتَقُولُ: فَإِنَّهُ قَالَ: فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ".

- الحث على صلة الرحم ببذل المال .

- أنّ من شكّ في براءة هذه الطاهرة النقية المبرأة فلا شك في كفره؛ لأنه كذّب القرآن.

- لا يحكم القاضي بعلمه؛ ولذا لم يقم الحد على رأس النفاق.

- عدم المحاباة في الحدود، ومن أفضل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .

- أنّ المرء يتعلم من أخطائه ، فعائشة رضي الله عنه خرجت لقضاء حاجتها وكان الأولى أن تعلم بذلك ؛ لئلا يغادروا المكان دونها "وَقَدْ وَقَعَ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي ضَيَاع الْعِقْد أَيْضًا أَنَّهَا أَعْلَمَتْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمْرِهِ، فَأَقَامَ بِالنَّاسِ عَلَى غَيْر مَاء حَتَّى وَجَدَتْهُ، وَنَزَلَتْ آيَة التَّيَمُّم بِسَبَبِ ذَلِكَ ، فَظَهَرَ تَفَاوُت حَال مَنْ جَرَّبَ الشَّيْء وَمَنْ لَمْ يُجَرِّبهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ إِيضَاحه فِي كِتَاب التَّيَمُّم" (الفتح: 8/460).

قد يكون الخير فيما نكرهه {بل هو خير لكم}، والخيرية هنا تتبدى في عشرة جوانب:

أ‌- براءة عائشة رضي الله عنه تتلى في القرآن إلى يوم القيامة .

ب‌- ما أورثته الحادثة من تعلق قلبها بالله.

ت‌- ومن امتلاء قلبها بعبودية الصبر.

ث‌- ومن تثقيل لميزان حسناتها.

ج‌- ومن حصولها على حسنات غيرها ممن تكلم فيها.

ح‌- ومن تكفير لسيئاتها.

خ‌- وبيان لعظيم مكانتها.

د‌- وقد عُرف المؤمنون من المنافقين.

ذ‌- وعرف قوي الإيمان من غيره.

ر‌- واشتملت آيات الحادثة على مهمات الآداب للجماعة المؤمنة.

- تحريم الظن.

- براءة عائشة وبيان فضلها يقود إلى الحديث عن فضل صفوان؛ لأن التهمة تعلقت بهما ، وصفوان رضي الله عنه لم يكن حصوراً، فهو الذي اشتكته امرأته إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يجبرها على الإفطار إذا صامت، فلما سأله أخبره بأنه شاب لا يصبر، وهذا أظهر في بيان فضله. وقوله عندما سمع بأمر الإفك: "وَاللَّهِ مَا أَصَبْت اِمْرَأَة قَطُّ حَلالا وَلا حَرَامًا "لا يعارض ذلك؛ فهذا قبل الزواج.

من المواقف والآثار المعاصرة من حادثة الإفك:

- زيادة حبِّ أبناء عائشة - رضي الله عنها - لأمِّهم، وبغضهم لمن يطعن فيها، وترضِّيهم عليها، ودعاؤهم لها، وإحياؤهم لسيرتها العطرة وإحياء ذلك مع أبنائنا وبناتنا؛ حتى يتعرَّفن على أمِّهن، ويقتدين بها في حيائها وعفتها وعِلمها( ).

-درس في الثبات والصبر على البلاء .. لقد رأينا كيف كان وقع هذه الحادثة الأليمة على أشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى زوجتِه الطاهرة التي كاد قلبها أن ينفطر من الحزن والبكاء، وعلى صاحبِه أبي بكر، الصديقِ التقي، السابق الوفي، أحبِ الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم .. فقد عانى أبو بكر وزوجته من الألم والحزن ما لم يعانيه من قبل، حتى قال: أمر لم نتهم به في الجاهلية، أفنرمى به في الإسلام؟

وكان الألم يعتصر في قلب صفوانَ بنِ المعطل، وهو يُرمَى بخيانة بيت النبوة؟ وهتك عرض من يحبه حباً عظيماً بعد الله عز وجل.

ومع شدة البلاء إلا أنهم جميعاً واجهوه بالصبر والثبات، حتى أنزل الله تعالى الفرج من عنده.

- درس في التثبت في نقل الأخبار والأحكام، والحذر من الخوض في أعراض المسلمين بغير حجة أو برهان، أو إشاعة مثل هذه الأخبار غير الموثوقة في المجتمع. بل الواجب على المسلمين أن يظنوا بأنفسهم وإخوانهم خيراً، ولا يعتمدوا على سوء الظن وقالة السوء التي ينشرها المنافقون في المجتمع ، وأن يطهروا أسماعهم وأبصارهم وألسنتهم من هذا البهتان العظيم، ثم إن كانت لديهم البينة على من أشاع ذلك فليطلبوا إقامة الحد الشرعي على من ينقل هذا البهتان من المنافقين أو المخدوعين من المسلمين.

- بيان خطر المنافقين على المجتمع المسلم، كما وقع من رأس النفاق عبد الله بن أبي بن سلول، ومن وراءه من المنافقين واليهود الذين كانوا يتآمرون على الإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم، فلما باءت كل محاولاتهم بالفشل لجأوا إلى هذا الأسلوب الخسيس، بأن يشككوا في أطهر وأشرف بيت عرفته البشرية إلى يومنا هذا، بل وإلى قيام الساعة.

ولا تزال أذناب هؤلاء المجرمين إلى يومنا هذا .. إلى اليوم ونحن نسمع من يرمي أم المؤمنين عائشة بالفاحشة، من الرافضة وبالباطنية الذين يصرحون في كتبهم ودروسهم الآن أن عائشة زانية، حاشاها عن ذلك، بل يقذفونها بالألفاظ الشنيعة والأوصاف البشعة، التي لا يمكن أن نذكرها في هذا المقام.

وهؤلاء في الحقيقة، لا حظ لهم من الإسلام ، فهم أول المكذبين بالقرآن الذي برأ عائشة من فوق سبع سموات، وهم أول الطاعنين في عرض النبي صلى الله عليه وسلم.

- لطفُ الله تعالى بعباده، ودفاعُه عن أوليائه، فقد برأ الله سبحانه وتعالى الصديقة بنت الصديق من فوق سبع سماوات، وأعلى ذكرها، وأنزل في براءتها وفضلها آياتٍ تتلى إلى قيام الساعة، رضي الله عنها ، ولعن من افترى عليها.

- ضعف النفوس، وحاجتها إلى التثبيت من الله تعالى عند الابتلاء.

كان ممن خاض في الإفك مسطحُ بن أثاثة، وهو من أهل بدر الذين قال الله لهم: اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم، وحسانُ بن ثابت، شاعر النبي، الذي كان يذب عن الإسلام ويدافع عن رسول الله بشعره، وحمنةُ بنت جحش أختُ أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها.

وفي المقابل ثبّت الله تعالى أمَّ المؤمنين زينبَ بنتَ جحش وعصمها من الوقوع في هذا الأفك مع وجود الغيرة والمنافسة بينها وبين عائشة رضي الله عنهن جميعاً.

وإذا كان بعض الصحابة قد زلت بهم القدم، فخاضوا مع الخائضين في الإفك ، فإن غيرَهم من باب أولى .

فالحذر الحذر من الولوغ في أعراض المسلمين، والحذر الحذر من اللسان، فإن اللسان كالثعبان، يهلك الإنسان، متى ما أطلق له العِنان.

احذر لسانك أيهـا الإنسان
لا يلدغنك إنـه شيطـان
كم في المقابر من قتيل لسانه
كانت تخاف لقاءَه الشجعان

- أن هذه الأمة لا تزال مستهدفةً في رموزها ومقدساتها، وكل ما يتعلق بدينها، ولا تزال الحملات المغرضة توجِّه سهامَها إلى الإسلام أو القرآن أو جناب النبي صلى الله عليه وسلم، أو الطعن في العلماء أو الدعاة أو المتمسكين بالدين ، بتلفيق التهم ضدهم، ورميهم في أعراضهم وفي أنفسهم، ولكن الله يدافع عنهم، ويرد كيد أعدائهم في نحورهم، ويزيد أنبياءه وأولياءه الصالحين رفعة في الدنيا وثواباً في الآخرة، (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون) ( ).

موقف العلماء من التهجم على عائشة

أجمه علماء أهل السنة والجماعة على أن من طعن في عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها بما برأها الله منه وبما رماها به المنافقون من الإفك؛ فإنه كافر مكذب بما ذكره الله في كتابه من إخباره ببراءتها وطهارتها، وقالوا إنه يجب قتله. ونذكر هنا طائفة من أقوالهم:

1- أورد أبو محمد بن حزم الظاهري بإسناده إلى هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ: سَمِعْت مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ: مَنْ سَبَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ جُلِدَ، وَمَنْ سَبَّ عَائِشَةَ قُتِلَ، قِيلَ لَهُ: لِمَ يُقْتَلُ فِي عَائِشَةَ؟ قَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [النور: 17].

قَالَ مَالِكٌ: فَمَنْ رَمَاهَا فَقَدْ خَالَفَ الْقُرْآنَ، وَمَنْ خَالَفَ الْقُرْآنَ قُتِلَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَوْلُ مَالِكٍ هَاهُنَا صَحِيحٌ، وَهِيَ رِدَّةٌ تَامَّةٌ، وَتَكْذِيبٌ لِلَّهِ تَعَالَى فِي قَطْعِهِ بِبَرَاءَتِهَا.
وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ سَائِرُ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلا فَرْقَ. لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} [النور:26] فَكُلُّهُنَّ مُبَرَّآتٌ مِنْ قَوْلٍ إفْكٍ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( ).

- وقال القاضي أبو يعلى:"من قذف عائشة بما برَّأها الله منه كفرَ بلا خلاف، وقد حكى الإجماع على هذا غير واحد، وصرَّح غير واحد من الأئمة بهذا الحكم( ).

- و قال ابن قدامة المقدسي: "من السنة: الترضي عن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين المطهرات المبرآت من كل سوء، أفضلهن خديجة بنت خويلد، وعائشة الصديقة بنت الصديق، التي برأها الله في كتابه، زوج النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، فمن قذفها بما برأها الله منه فقد كفر بالله العظيم( ).

- وقال الإمام النووي في تعداده الفوائد التي اشتمل عليها حديث الإفك: براءة عائشة رضي الله عنها من الإفك وهي براءة قطعية بنص القرآن العزيز، فلو تشكك فيها إنسان والعياذ بالله صار كافراً مرتداً بإجماع المسلمين، قال ابن عباس وغيره: لم تزن امرأة نبي من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وهذا إكرام من الله تعالى لهم( ) .

- وقال أبو بكر بن العربي: "إن أهل الإفك رموا عائشة المطهرة بالفاحشة فبرأها الله، فكل مَن سبَّها بما برَّأها الله منه فهو مكذب لله، ومن كذَّب الله تعالى فهو كافر، فهذا طريق قول مالك، وهي سبيل لائحة لأهل البصائر، ولو أن رجلاً سبَّ عائشة بغير ما برَّأها الله منه لكان جزاؤه التأديب( ).

- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:"ومن رمى عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه فقد مرق من الدين"( ).

- وقال ابن القيم: "وَنَزَلَ عُذْرُهَا مِنَ السَّمَاءِ، وَاتَّفَقَتِ الأُمَّةُ عَلَى كُفْرِ قَاذِفِهَا( ).

- وقال ابن كثير: " هذا وَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ- خُرِّجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ- الْمُؤْمِنَاتِ فَأُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ أَوْلَى بِالدُّخُولِ فِي هَذَا مِنْ كُلِّ مُحَصَّنَةٍ، وَلا سِيَّمَا الَّتِي كَانَتْ سَبَبَ النُّزُولِ، وَهِيَ عَائِشَةُ بِنْتُ الصَّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ قَاطِبَةً عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَّهَا بَعْدَ هَذَا وَرَمَاهَا بِمَا رَمَاهَا بِهِ بَعْدَ هَذَا الَّذِي ذُكِرَ فِي هَذِهِ الآيَةِ، فَإِنَّهُ كَافِرٌ لأَنَّهُ مُعَانِدٌ لِلْقُرْآنِ، وَفِي بَقِيَّةِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ قَوْلَانِ: أَصَحُّهُمَا أَنَّهُنَّ كَهِيَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ( ).

فتوى هيئة كبار العلماء فيمن اتهم عائشة بسوء

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية على ما تناقلته وسائل الإعلام من القذف والسب والطعن في عرض زوج النبي صلى الله عليه وسلم ،وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مكذباً للكتاب والسنة المطهرة ،وإحقاقاً للحق ودفاعاً عن عرض أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها الذي هو عرض النبي صلى الله عليه
وسلم.

كتبت اللجنة البيان الآتي:

إن من أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة وجوب محبة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وتوقيرهم والترضي عنهم ؛ فهم الذين صحبوا خاتم الأنبياء والمرسلين ،وهم الذين عايشوا نزول الوحي، وهم الذين مدحهم الله في كتابه وأثنى عليهم المصطفى عليه الصلاة والسلام في سنته وكفى بذلك منقبة وفضيلة: قال الله تعالى: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ [التوبة:100]، وقال تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً [الفتح: 18]، وقال تعالى: مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ [الفتح: 29].

وثبت عنه عليه الصلاة والسلام كما عند البخاري ومسلم أنه قال: " خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ". وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: " لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه" . متفق عليه.

والأحاديث في تزكيتهم وذكر فضائلهم جماعة وأفراداً كثيرة جداً.

ومن أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة كذلك ؛وجوب محبة آل بيت النبي عليه الصلاة والسلام ،ومعرفة حقهم وتنزيلهم المنزلة اللائقة بهم فهم وصية رسول الله كما ثبت بذلك الخبر من قوله عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم "أذكركم الله في أهل بيتي ثلاثاً".

وقد روى البخاري ومسلم أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي. وقال- رضي الله عنه- كذلك كما في صحيح البخاري: ارقبوا محمداً في أهل بيته .

ولا شك أن أزواجه وذريته عليه الصلاة والسلام من أهل بيته، ويدل لذلك قوله تعالى: يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [الأحزاب:32-33] .

ومن معتقد أهل السنة والجماعة ؛ أن المرء لا يبرأ من النفاق إلا بسلامة المعتقد في الصحابة وآل البيت.

يقول الطحاوي: ومن أحسن القول في أصحاب النبي وأزواجه الطاهرات من كل دنس وذرياته المقدسين من كل رجس فقد برئ من النفاق.

وقال: ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ولا نفرط في حب أحد منهم ،ولا نتبرأ من أحد منهم ،ونبغض من يبغضهم ،وبغير الخير يذكرهم ،ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان.

وبهذا يتبين أن سب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو التعرض لعرضه عليه الصلاة والسلام بقذف أزواجه جرم عظيم ،وخصوصاً الصديقة بنت الصديق ،وهي المبرأة من فوق سبع سماوات ،وكانت أحب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إليه ،وكانت أفقه نساء الأمة على الإطلاق؛ فكان الأكابر من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين إذا أشكل عليهم الأمر في الدين استفتوها. ومناقبها رضي الله عنها كثيرة مشهورة ؛ فقد وردت أحاديث صحيحة بخصائص انفردت بها عن سواها من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وأرضاهن ومنها:

أولاً: مجيء الملك بصورتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم في سرقة من حرير قبل زواجها به صلى الله عليه وسلم ؛ فقد روى البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أريتك في المنام ثلاث ليال جاءني بك الملك في سرقة من حرير فيقول هذه امرأتك فأكشف عن وجهك؛ فإذا أنت هي فأقول: إن يكن هذا من عند الله يمضه.

ثانياً: ومن مناقبها رضي الله عنها أنها كانت أحب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ،وقد صرح بمحبتها لما سئل عن أحب الناس إليه، فقد روى البخاري عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أي الناس أحب إليك؟ قال عائشة قلت فمن الرجال قال أبوها" .

قال الحافظ الذهبي- رحمه الله : وهذا خبر ثابت وما كان عليه الصلاة والسلام ليحب إلا طيبا ،وقد قال: لو كنت متخذا خليلاً من هذه الأمة لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن أخوة الإسلام أفضل، فأحب النبي صلى الله عليه وسلم أفضل رجل من أمته وأفضل امرأة من أمته ؛ فمن أبغض حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حري أن يكون بغيضاً إلى الله ورسوله وحبه عليه الصلاة والسلام لعائشة كان أمراً مستفيضاً.

ثالثاً: ومن مناقبها رضي الله عنها نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في لحافها دون غيرها من نسائه عليه الصلاة والسلام، فقد روى البخاري عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة. قالت عائشة: فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة فقلن: يا أم سلمة والله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة وإنا نريد الخير كما تريده عائشة فمري رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيث كان أو حيث ما دار قالت فذكرت ذلك أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم قالت فأعرض عني فلما عاد إلي ذكرت له ذلك فأعرض عني. فلما كان في الثالثة ذكرت له فقال : يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة فإنه والله ما نزل علي الوحي في لحاف امرأة منكن غيرها.

قال الحافظ الذهبي رحمه الله: وهذا الجواب منه دال على أن فضل عائشة على سائر أمهات المؤمنين بأمر إلهي وراء حبه لها وأن ذلك الأمر من أسباب حبه لها.

رابعاً: ومن مناقبها رضي الله عنها أن جبريل عليه السلام أرسل إليها سلامه مع النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً: يا عائشة هذا جبريل يقرئك السلام. فقلت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته ترى مالا أرى تريد رسول الله صلى الله عليه وسلم .قال النووي : وفيه فضيلة ظاهرة لعائشة رضي الله عنها.

خامساً: ومن مناقبها رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بتخييرها عند نزول آية التخيير، وقرن ذلك بإرشادها إلى استشارة أبويها في ذلك الشأن لعلمه أن أبويها لا يأمرانها بفراقه؛ فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة فاستن بها بقية أزواجه صلى الله عليه وسلم. فقد روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: " لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي ؛فقال: إني ذاكر لك أمراً فلا عليك ألا تعجلي حتى تستأمري أبويك قالت: وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه. قالت :ثم قال: إن الله جل ثناؤه قال : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً *وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً [الأحزاب: 28 -29]. قالت: فقلت أفي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة قالت: ثم فعل أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت .

سادساً: ومن مناقبها رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحرص على أن يمرض في بيتها ،فكانت وفاته صلى الله عليه وسلم بين سحرها ونحرها؛ في يومها ،وجمع الله بين ريقه وريقها في آخر ساعة من ساعاته في الدنيا، وأول ساعة من الآخرة ودفن في بيتها.

فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان في مرضه جعل يدور في نسائه ويقول أين أنا غداً؟ حرصاً على بيت عائشة قالت: فلما كان يومي سكن . وعند مسلم عنها أيضاً قالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتفقد يقول أين أنا اليوم أين أنا غدا؟ استبطاء ليوم عائشة قالت فلما كان يومي قبضه الله بين سحري ونحري" .

وروى البخاري أيضاً عنها: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسأل في مرضه الذي مات فيه يقول : أين أنا غداً أين أنا غداً؟ يريد يوم عائشة ؛ فأذن له أزواجه يكون حيث شاء ؛ فكان في بيت عائشة حتى مات عندها قالت عائشة : فمات في اليوم الذي يدور علي فيه في بيتي فقبضه الله، وإن رأسه لبين نحري وسحري ،وخالط ريقه ريقي ثم قالت: دخل عبدالرحمن بن أبي بكر ومعه سواك يستن به ؛ فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له : أعطني هذا السواك يا عبدالرحمن ؛ فأعطانيه ؛ فقضمته ثم مضغته فأعطيته رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستن به وهو مستند إلى صدري.

وفي رواية أخرى بزيادة : فجمع الله بين ريقي وريقه في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة.

سابعاً: ومن مناقبها رضي الله عنها إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها من أصحاب الجنة:

فقد روى الحاكم بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: "قلت يا رسول الله مَنْ مِنْ أزواجك في الجنة؟ قال اما إنك منهن؟ قالت فخيل إلي آن ذاك أنه لم يتزوج بكراً غيري" .

وروى البخاري عن القاسم بن محمد: أن عائشة اشتكت فجاء ابن عباس فقال: " يا أم المؤمنين تقدمين على فرط صدق على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر » وفي هذا فضيلة عظيمة لعائشة رضي الله عنها حيث قطع لها بدخول الجنة إذ لا يقول ذلك إلا بتوقيف" .

ثامناً: ومن مناقبها رضي الله عنها ما رواه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام.

ففي هذا الحديث يبين النبي صلى الله عليه وسلم أن فضل عائشة زائد على النساء كزيادة فضل الثريد على غيره من الأطعمة.

تاسعاً: ومن مناقبها رضي الله عنها نزول آيات من كتاب الله بسببها؛ فمنها ما هو في شأنها خاصة، ومنها ما هو على الأمة عامة ،فأما الآيات الخاصة بها والتي تدل على عظم شأنها ورفعة مكانتها شهادة الباري جل وعلا لها بالبراءة مما رميت به من الإفك والبهتان ،وهو قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور:11] إلى قوله تعالى: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [النور: 26].

وقد قال بعض المحققين فيها أيضا:ً
ومن خصائصها أن الله سبحانه وتعالى برأها مما رماها به أهل الإفك ،وأنزل في عذرها وبراءتها وحياً يتلى في محاريب المسلمين وصلواتهم إلى يوم القيامة ،وشهد لها بأنها من الطيبات ووعدها المغفرة والرزق الكريم ،وأخبر سبحانه أن ما قيل فيها من الإفك كان خيراً لها ،ولم يكن ذلك الذي قيل فيها شراً لها ولا خافضاً من شأنها بل رفعها الله بذلك ،وأعلى قدرها، وأعظم شأنها ،وصار لها ذكراً بالطيب والبراءة بين أهل الأرض والسماء فيالها من منقبة ما أجلها.

وبهذا وغيره يتبين فضلها ومنزلتها رضي الله عنها وأرضاها، وأن قذفها بما هي بريئة منه تكذيب لصريح القرآن والسنة يخرج صاحبه من الملة كما أجمع على ذلك العلماء قاطبة ونقل هذا الإجماع عدد من أهل العلم.

فالواجب على كل مسلم محبة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،والترضي عنهم أجمعين، وتوقيرهم ،ونشر محاسنهم، والذب عن أعراضهم ،والإمساك عما شجر بينهم ؛فهم بشر غير معصومين ،ولكن نحفظ فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونتأدب معهم بأدب القرآن فنقول : رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [الحشر:10].

هدى الله الجميع لصراطه المستقيم ،واتباع سيد المرسلين، وصحابته الغر الميامين، والحمد لله رب العالمين.











 

رد مع اقتباس
قديم 24-07-2018, 09:48 PM   #19


تيماء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7482
 تاريخ التسجيل :  27 - 10 - 2016
 أخر زيارة : 02-01-2023 (09:51 PM)
 المشاركات : 106,153 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Lebanon
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Floralwhite
افتراضي




الطاهرة المطهرة
عائشة بنت الصديق
رضي الله عنها



الشيخ عاطف عبد المعز الفيومي
---------------------------------------
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على عبده ونبيِّه ورسوله محمدِ بن عبدالله - صلَّى الله عليه وسلَّم.

أما بعد:
فهذه إشارةٌ عابرة ومهمة إلى بعض مرويات أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- في الصحيحين، فيما اتَّفق عليه البخاري ومسلم -رحمهما الله تعالى- ولم أقف معها، ولم أعلِّق على شيء منها، فلهذا مكانه ووقته، لكنَّها تَذكرةٌ مهمة، وعرض نافع -بإذن الله- لتتجلَّى لنا مكانة عائشة -رضي الله عنها- في دَواوين السنة النبوية، وما جمعتْه في طياتها من علم وميراث النبوة، وقد ذَيلْتُها بوقفة مهمة مع النِّساء على طريق عائشة.

وهذا سيكون في عدة نقاط، كما يلي:
أولاً: آيات الله والحكمة في بيت النبوة:
إنَّ الحديثَ عن بيت النبوة ذو شجون، وإن الوقوف على مناقبهم وفضائلهم لا يُحصيه كاتب، ولا ينثره أديب، لكنه بعضٌ من الواجب علينا، وبعض من الوفاء لحقِّهم الكبير، وبعض من الحب للنبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وآل بيته الأطهار.

وإن الحديث عن أم المؤمنين أم عبدالله عائشةَ بنتِ الصديق المطهَّرة - حديث له أطلال وظلال، لا تحويه صفحاتٌ ولا ألفاظ، وكيف لا، وهي أمُّنا، وحبيبة قلب نبيِّنا، وقرة عينه، وزوجته المبرأة المكرَّمة؟ وحسبنا هنا أن نقف على شيء من علمها الجمِّ، وحفظها الدقيق الوافر، لجمعٍ مبارك من أحاديث النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وكيف لا، وهي محدِّثة بيت النبوة، وفقيهة عصرها، وسيدة النساء؟ وكيف لا، وقد خاطب الله - تعالى - زوجات بيت النبوة بقوله -تعالى-: "وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا" [الأحزاب: 34].

قال ابن كثير -رحمه الله-:
\"قال ابن جرير -رحمه الله-: واذكرنَ نعمة الله عليكنَّ، بأن جعلكن في بيوت تُتلى فيها آيات الله والحكمة، فاشكرن الله على ذلك واحمدنه\" [1].

وقال ابن جرير الطبري -رحمه الله-:
\"وعَنَى بقوله: "وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ" [الأحزاب: 34]، واذكرن ما يُقرأ في بيوتكن من آيات كتاب الله والحكمة، ويعني بالحكمة: ما أُوحي إلى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- من أحكام دين الله، ولم ينزل به قرآن، وذلك السُّنة، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل\" [2].

وقال البغوي -رحمه الله-:
\"قَوْلُهُ -عزَّ وجلَّ-: "وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ" [الأحزاب: 34] يَعْنِي: الْقُرْآنَ، "وَالْحِكْمَةِ" قال قَتَادَةُ: يَعْنِي السُّنَّةَ، وقال مُقَاتِلٌ: أَحْكَام الْقُرْآنِ وَمَوَاعِظه\" [3].

وقال السعدي -رحمه الله-:
\"ولما أمرهن بالعمل، الذي هو فعلٌ وترك، أمرهن بالعلم، وبيَّن لهن طريقه، فقال: "وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ" [الأحزاب: 34]، والمراد بآيات الله: القرآن، والحكمة: أسراره وسنة رسوله، وأمرُهن بذِكره يشمل ذِكرَ لفظه بتلاوته، وذكر معناه بتدبُّره والتفكر فيه، واستخراج أحكامه وحكمه، وذكر العمل به وتأويله\" [4].

ومن هنا يظهر لنا حكمة رواية المحدِّثة الفقيهة أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- لأحاديث النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وأنها كانت قائمةً بأمر الله -تعالى- في حياة رسول الله وبعد وفاته، تبلِّغ سنته، وتعلِّم أصحابه، وتُفتي الأمَّة من بعده.

ثانيًا: عائشة -رضي الله عنها- عالمة بيت النبوة وفقيهة الأمة:
ومن تأمل كتب السنة والمسانيد، خرج له كمٌّ كبير وصحيح من روايات أم المؤمنين -رضي الله عنها- وما ذاك إلا لأنها كانت ملازمةً لبيت النبوة لا تفارقه، حديثةَ السن، وقَّادة الحفظ والذكاء، مُحبَّة للتَّلقي والفهم والعمل.

ولقد جمعتْ من هذا كلِّه علمًا جمًّا غزيرًا، كما قال الزهري -رحمه الله تعالى-: لو جُمع علم عائشة إلى علم جميع النساء، لكان علم عائشة أفضل[5].

كما أن الله قد وهبها الذكاء والفطنة وسرعة الحافظة؛ قال ابن كثير: \"لم يكن في الأُمم مثل عائشة في حِفظها وعِلمها، وفصاحتها وعقلها\"، ويقول الذَّهبي: \"أفقه نساء الأمَّة على الإطلاق، ولا أعلمُ في أمَّة محمد -بل ولا في النساء مطلقًا- امرأةً أعلمَ منها\".

وقد تَجاوز عدد الأحاديث التي روتْها ألفين ومائة حديث عن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وهي مشتهرة في كتب السنة: البخاري، ومسلم، والسنن، والمسانيد، وغيرها.

قال الحافظ الذهبي:
مسند عائشة يبلغ ألفين ومائتين وعشرة أحاديث، اتفق البخاري ومسلم لها على مائة وأربعة وسبعين حديثًا، وانفرد البخاري بأربعة وخمسين، وانفرد مسلم بتسعة وستين[6].

ويقول عروة بن الزبير:
\"ما رأيت أحدًا أعلم بفقه ولا بطبٍّ ولا بشعر من عائشة -رضي الله عنها\"، وقال فيها أبو عمر بن عبدالبر: \"إن عائشة كانت وحيدةَ عصرِها في ثلاثة علوم: علم الفقه، وعلم الطب، وعلم الشعر\".

كما كانت المرجعَ الكبير لكبار الصحابة، خاصة عند المواقف والملمَّات، كما كانت تفتي بما لديها من علم وفقه في عهد الخليفة عمر وعثمان -رضي الله عنهما- إلى أن تُوفِّيت -رحمها الله.

ولقد روى عنها -رضي الله عنها- جمٌّ غفير من الصحابة الأكارم، وكذلك من التابعين، منهم: عمر بن الخطاب، وعبدالله بن عمر، وأبو هريرة، وزيد بن خالد، وعبدالله بن عباس، وعروة بن الزبير، ومسروق -رضي الله عنهم- جميعًا.

وقد كانت من أعلم الناس بالفرائض، فقد قال مسروق -رضي الله عنه-: \"والله لقد رأيت أصحاب محمد -صلَّى الله عليه وسلَّم- الأكابر يسألونها عن الفرائض\"؛ رواه الحاكم.

وقال عطاء بن أبي رباح:
\"كانت عائشة أفقهَ الناس، وأحسن الناس رأيًا في العامة\".

كما كانت من أفصح الناس كلامًا وبيانًا، فعن موسى بن طلحة قال: \"ما رأيت أحدًا أفصح من عائشة\"؛ رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح غريب.

وعن هشام عن أبيه قال:
\"ربما روتْ عائشة القصيدة ستين بيتًا وأكثر\"[7].

ثالثًا: من مرويات أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- في الصحيحين:
وهنا أقف مع بعض مرويات أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- في الصحيحين، وهي من المتفق عليه في الجملة، وقد سُقتها؛ حتى نقف على شيء من علمها ودقة حفظها، وحتى تكون الأسوة الصالحة للنساء في كل عصر ومِصر.

وقد جعلتها من المتفق عليه؛ لأسباب، منها:
أولاً: أن هذه الروايات من أعلى درجات الصحة عند جماهير المحدثين.

ثانيًا: للوقوف على ما صح من مرويات عائشة - رضي الله عنها - دون الضعيف، والصحيحان في الجملة فيهما من الأحاديث ما يُغني في كثير من أبواب العلم وتفريعاته.

ثالثًا: لتكون عونًا على الحفظ لمن أراد أن يستزيد من ميراث النبوة وعلمه، فينهل من معين الإيمان، ومنبع العلم وأصله؛ فعن أبي سلمة بن عبدالرحمن -ما جاء في \"الطبقات\"- قال: \"ما رأيتُ أحدًا أعلمَ بسُنن رسول اللهb -صلَّى الله عليه وسلَّم- ولا أفقهَ في رأي إن احتيج إلى رأيه، ولا أعلم بآية فيما نزلتْ، ولا فريضة، مِن عائشة\".











 

رد مع اقتباس
قديم 24-07-2018, 09:51 PM   #20


تيماء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7482
 تاريخ التسجيل :  27 - 10 - 2016
 أخر زيارة : 02-01-2023 (09:51 PM)
 المشاركات : 106,153 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Lebanon
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Floralwhite
افتراضي









وهذه بعض مرويات أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- في الصحيحين [8]:
1- عن عائشةَ أمِّ المؤمنين، قالت: أول ما بُدئ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الوحي الرؤيا الصالحةُ في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءتْ مثل فلق الصبح، ثم حبِّب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنث فيه -وهو التعبُّد- الليالِيَ ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزوَّد لذلك، ثم يرجع إلى خديجةَ فيتزوَّد لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء؛ فجاءه المَلَك فقال: اقرأ، قال: ((ما أنا بقارئ))، قال: ((فأخذني فغطَّني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني، فقال: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ" [العلق: 1 - 3]...)) الحديث.

2- وعن مسروق، قال: قلت لعائشة: يا أمَّتاه، هل رأى محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- ربَّه؟ فقالتْ: لقد قَفَّ شعري مما قلتَ، أين أنت من ثلاث مَن حدَّثَكهن فقد كذَب: مَنْ حدَّثك أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- رأى ربَّه، فقد كذب، ثم قرأتْ: "لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ" [الأنعام: 103]، "وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ" [الشورى: 51]، ومَنْ حدَّثك أنه يعلم ما في غدٍ، فقد كذب، ثم قرأتْ: "وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا" [لقمان: 34]؛ ومَنْ حدَّثك أنه كتم، فقد كذب، ثم قرأتْ: "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ" الآية [المائدة: 67]؛ ولكنه رأى جبريل -عليه السلام- في صورته مرتين.

3- وعن عائشة، قالت: من زعم أن محمدًا رأى ربَّه، فقد أعظم، ولكن قد رأى جبريلَ في صورتِه، وخَلْقُه سادٌّ ما بين الأفق.

4- عائشة، قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُعجبه التيمُّن في تنعُّله وترجُّله وطهوره، وفي شأنه كلِّه.

5- وعن عائشة، قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يؤتى بالصبيان، فيدْعو لهم، فأُتي بصبي فبال على ثوبه، فدعا بماء فأتْبعه إياه ولم يغسله.

6- وعن عائشة، سئلت عن المني يصيب الثوبَ، فقالت: كنت أغسله من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيخرج إلى الصلاة وأَثَرُ الغَسْلِ في ثوبه بُقَعُ الماء.

7- وعن عائشة، قالت: كانت إحدانا إذا كانت حائضًا، فأراد رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أن يباشرها، أمَرَها أن تتَّزر في فور حيضتها، ثم يباشرها، قالت: وأيكم يملك إرْبه كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يملك إربه.

8- وعن عائشة زوجِ النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: وإن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليُدخل عليَّ رأسَه وهو في المسجد فأرجِّله، وكان لا يَدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفًا.

وعن عائشة، قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يباشرني وأنا حائضٌ، وكان يُخرِج رأسَه من المسجد وهو معتكفٌ، فأغسله وأنا حائضٌ.

9- وعن عائشة، حدَّثت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتكئ في حجري وأنا حائضٌ، ثم يقرأ القرآن.

10- وعن عائشة زوجِ النبي -صلى الله عليه وسلم- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه، ثم يتوضَّأ كما يتوضأ للصلاة، ثم يُدخِل أصابعه في الماء، فيخلِّل بها أصول شعره، ثم يصب على رأسه ثلاثَ غرفٍ بيديه، ثم يفيض الماء على جلده كلِّه.

11- وعن عائشة، أنَّ امرأةً سألت النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- عن غسلها من المحيض، فأمرها كيف تغتسل، قال: ((خُذي فِرْصَةً من مسكٍ فتطهَّري بها))، قالت: كيف أتطهَّر بها؟ قال: ((تطهَّري بها))، قالت: كيف؟ قال: ((سبحان الله! تطهري بها))، فاجتبذتها إليَّ، فقلت: تتبَّعي بها أثر الدم.

12- وعن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: خرجْنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء -أو بذات الجيش- انقطع عقدٌ لي، فأقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على التماسه، وأقام الناس معه، وليسوا على ماء، فأتى الناسُ إلى أبي بكر الصدِّيق، فقالوا: ألا ترى إلى ما صنعتْ عائشة؟ أقامت برسول الله -صلى الله عليه وسلم- والناس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماءٌ! فجاء أبو بكر ورسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- واضعٌ رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبستِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والناس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماءٌ؟! فقالت عائشة: فعاتبني أبو بكر، وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعُنني بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التحرُّك إلا مكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على فخذي، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمم، فتيمَّموا، فقال أُسيد بن الحضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر! قالت: فبعثنا البعيرَ الذي كنت عليه، فأصبنا العقد تحته.

13- وعن عائشة أم المؤمنين، أنها قالت: صلَّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيته وهو شاكٍ، فصلى جالسًا، وصلى وراءه قومٌ قيامًا، فأشار إليهم أنِ اجلسوا، فلما انصرف، قال: ((إنما جُعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلى جالسًا، فصلوا جلوسًا)).

14- وعن عائشة، قالت: لقد راجعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك، وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحبَّ الناسُ بعده رجلاً قام مقامه أبدًا، ولا كنت أرى أنه لن يقوم أحدٌ مقامه إلا تشاءم الناس به، فأردتُ أن يعدل ذلك رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- عن أبي بكر.

15- وعن عائشة، "وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا" [النساء: 128]، قالت: الرجل تكون عنده المرأة ليس بمستكثرٍ منها، يريد أن يفارقها، فتقول: أجعلك من شأني في حلٍّ، فنزلت هذه الآية في ذلك.

16- وعن عائشة قالت: "وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ" [النساء: 6] أنزلت في والي اليتيم الذي يُقيم عليه، ويُصلِح في ماله، إن كان فقيرًا أكل منه بالمعروف.

17- وجاء أن زياد بن أبي سفيان كتب إلى عائشة: إن عبدالله بن عباس قال: من أهدى هديًا، حرُم عليه ما يَحرُم على الحاج حتى ينحر هديه، فقالت عائشة: ليس كما قال ابن عباس، أنا فتلتُ قلائدَ هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيدي، ثم قلدها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيديه، ثم بعث بها مع أَبِي، فلم يَحرُم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيءٌ أحلَّه الله حتى نحر الهدي.

18- وعن عائشة، قالت: دخل عليَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم وهو مسرورٌ، فقال: ((يا عائشة، ألم تَرَيْ أن مُجَزِّزًا المُدْلِجِيَّ دخل فرأى أسامة وزيْدًا، وعليهما قطيفةٌ قد غطيا رؤوسهما، وبدتْ أقدامهما، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض!)).

19- وعن عائشة، قالت: كنت أغار على اللاتي وهبْن أنفسهن لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأقول: أتهب المرأة نفسها؟ فلما أنزل الله -تعالى-: "تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ" [الأحزاب: 51]، قلت: ما أرى ربَّكَ إلا يسارع في هواكَ.

20- وعن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: لما أُمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتخيير أزواجه، بدأ بي، فقال: ((إني ذاكرٌ لك أمرًا، فلا عليك ألاَّ تَعجلي حتى تستأمري أبويك))، قالت: وقد علم أن أبويَّ لم يكونا يأمراني بفراقه، قالت: ثم قال: إن الله -جل ثناؤه- قال: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا" [الأحزاب: 28] إلى "أَجْرًا عَظِيمًا" [الأحزاب: 29]، قالت: فقلت: ففي أيِّ هذا أستأمر أبويَّ؟! فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة، قالت: ثم فعل أزواجُ النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل ما فعلتُ.

21- وعن عائشة، قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه، فهو رد)).

22- وعن عائشة، أن أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- حين تُوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أردنَ أن يبعثن عثمان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهن، فقالت عائشة: أليس قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا نُورَثُ، ما تركْنا صدقةٌ))؟

23- وعن عائشة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((كل شراب أَسْكَرَ، فهو حرامٌ)).

24- وعن عائشة، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لها: ((أُريتك في المنام مرتين، أرى أنك في سَرَقةٍ من حرير، ويقول: هذه امرأتك، فاكشف عنها، فإذا هي أنت، فأقول: إن يك هذا من عند الله، يُمضِه)).

25- وعن عائشة، أنها سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصغتْ إليه قبل أن يموت، وهو مسندٌ إليَّ ظهره يقول: ((اللهم اغفر لي وارحمني، وألحقني بالرفيق)).

26- وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: تلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الآيةَ: "هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ" إلى قوله: "أُولُو الْأَلْبَابِ" [آل عمران: 7] قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((فإذا رأيت الذين يتَّبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمَّى الله، فاحذرُوهم)).

27- وعن عائشة قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار، وعذاب النار، وفتنة القبر، وعذاب القبر، وشرِّ فتنة الغنى، وشر فتنة الفقر، اللهم إني أعوذ بك من شر فتنة المسيح الدجال، اللهم اغسل قلبي بماء الثلج والبرد، ونقِّ قلبي من الخطايا، كما نقيتَ الثوب الأبيض من الدنس، وباعِد بيني وبين خطاياي، كما باعدتَ بين المشرق والمغرب، اللهم إني أعوذ بك من الكسل، والمأثم، والمغرم)).

28- وعن عائشة، قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يغزو جيشٌ الكعبة، فإذا كانوا ببيداءَ من الأرض، يُخسَف بأولهم وآخرهم))، قالت: قلت: يا رسول الله، كيف يخسف بأولهم وآخرهم، وفيهم أسواقُهم ومن ليس منهم؟ قال: ((يخسف بأولهم وآخرهم، ثم يُبعثون على نيَّاتهم)).

29- وعن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت لا تسمع شيئًا لا تعرفه إلا راجعتْ فيه حتى تعرفه، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مَنْ حُوسِبَ عُذِّبْ))، قالت عائشة: فقلت: أوَليس يقول الله -تعالى-: "فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا" [الانشقاق: 8]؟ قالت: فقال: ((إنما ذلك العرض، ولكن من نوقش الحساب يَهلِك)).

30- وعن عائشة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((سدِّدوا وقاربوا وأبشروا، فإنه لا يُدخِل أحدًا الجنةَ عملُه))، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ((ولا أنا، إلا أن يتغمَّدني الله بمغفرة ورحمة)).

31- وعن عائشة، عن مسروق، قال: دخلنا على عائشة، وعندها حسان بن ثابت ينشدها شعرًا، يشبِّب بأبيات له، وقال:
حَصَــــــانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ
وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ

فقالت له عائشة: لكنك لست كذلك، قال مسروقٌ: فقلت لها: لِمَ تأذنين له أن يدخل عليك وقد قال الله -تعالى-: "وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ" [النور: 11]؟ فقالت: وأيُّ عذاب أشدُّ من العمى؟ قالت له: إنه كان ينافح -أو يُهاجِي- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

32- وعن عائشة، أنَّ بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- قلن للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أيُّنا أسرع بك لحوقًا؟ قال: ((أطولُكن يدًا))، فأخذوا قصبةً يذرعونها، فكانت سودة أطولَهن يدًا، فعلمنا بعدُ أنما كانت طول يدها الصدقة، وكانت أسرعنا لحوقًا به، وكانت تحب الصدقة.

33- وعن عائشة، قالت: ما غِرتُ على أحد من نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- ما غرتُ على خديجة، وما رأيتها، ولكن كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُكثر ذِكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاءً، ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأةٌ إلا خديجة، فيقول: ((إنها كانت، وكانت، وكان لي منها ولدٌ)).

34- وعنعائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: إنما مر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على يهودية يبكي عليها أهلها، فقال: ((إنهم ليبكون عليها، وإنها لتعذَّب في قبرها)).

35- وعن عائشة، قالت: خَسفت الشمس، فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- فقرأ سورةً طويلةً، ثم ركع فأطال، ثم رفع رأسه، ثم استفتح بسورة أخرى، ثم ركع حتى قضاها وسجد، ثم فعل ذلك في الثانية، ثم قال: ((إنهما آيتان من آيات الله، فإذا رأيتم ذلك، فصلُّوا حتى يفرج عنكم، لقد رأيت في مقامي هذا كلَّ شيء وُعِدتُه، حتى لقد رأيتني أريد أن آخُذَ قِطْفًا من الجنة، حين رأيتموني جعلت أتقدم، ولقد رأيت جهنم يَحطِم بعضها بعضًا، حين رأيتموني تأخرت، ورأيت فيها عمرو بن لُحَيٍّ، وهو الذي سيَّب السوائب)).

36- وعن عائشة، قالت: ما أكل آل محمد -صلى الله عليه وسلم- أكلتين في يوم، إلا إحداهما تمرٌ.
يتبع إن شاء الله...












 

رد مع اقتباس
قديم 24-07-2018, 09:54 PM   #21


تيماء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7482
 تاريخ التسجيل :  27 - 10 - 2016
 أخر زيارة : 02-01-2023 (09:51 PM)
 المشاركات : 106,153 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Lebanon
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Floralwhite
افتراضي





رابعًا: وقفة مهمة مع النساء على طريق عائشة:
هذه بعض مرويات أم المؤمنين -رضي الله عنها- في الصحيحين، ولو وقفنا عليها شرحًا وتعليقًا، لاستغرق ذلك وقتًا طويلاً، ولكن حسبنا أن نرى علمها، وفقهها، وتحرِّيها في روايتها عن حبيب قلبها النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-.

ألاَ فلْتفقه النساءُ فقه عائشة، ألاَ فلْتعلم النساء علم عائشة، ألاَ فلتسلُك نساؤنا طريق عالمة بيت النبوة، ولْتخطُ نساؤنا نحو المعالي؛ لنرى منهن حافظات القرآن، حافظات السُّنة، فقيهات العلم والفُتيا، ألا فلتجعل النساء قولَ الله -تعالى-: "وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا" [الأحزاب: 34] قائدًا لهن نحو الخيرات والمعالي، ودليلاً للهداية والرحمة والإيمان.

كم نأسف على كثير من نسائنا وبناتنا، وهن مستغفَلات مستغربات عن مبادئ الشريعة والإسلام! وكم نأسف لتلك الصورةِ المتردِّية المؤلمة لواقع المرأة المسلمة اليوم! لقد كانت المرأة في الجاهلية الأولى من سقط المتاع، لا كرامةَ لها توزَن بها إنسانيتها، لا وزن ولا اعتبار؛ لأنَّها شيء قليل حقير، لا مكانة لها؛ لأنَّها ليست كالرجال، لا سلطانَ لها؛ لأنَّها ليست صاحبة القرار، لا ملكية لها؛ لأنها مملوكة وما ملكتْ، لا حرية؛ لأنها أمَة مستعبَدة، لا اختيار؛ لأنها تحت إمرة سيدها، لا تصرفَ؛ لأنها لا تملك شيئًا، متاعٌ لكل من أراد، شهوةٌ لكل طالب لذة في الحرام أو في الحلال سواء، أمَة تباع في أسواق النخاسة والعبيد، ذليلة حسيرة كسيرة، تُوْأَد حيةً بالقتل والدفن بين الحفر والرمال، وبين أحضان العواصف الهائجة في تخوم الجبال، وما كان لها من شأن إلا بقايا من دين إبراهيم -عليه السلام- أو مروءة الرجال... إلى آخر ذلك من الذل والهوان، وهذه هي امرأة الجاهلية الأولى وبنتها.

أما الإسلام، فقد غيَّر مجرى تاريخ المرأة، وصاغ بناء شخصيتها بناءً جديدًا فريدًا، حقًّا أقول: لقد وُلدت المرأة في دين الإسلام مولدًا جديدًا طاهرًا، لقد رفعها الإسلام، وصان لها كرامة إنسانيتها؛ لأنَّها مخلوقة كالرجل، ومن الرجل، وللرجل، سواء بسواء، كما قال -تعالى-: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا" [النساء: 1]، وقال -تعالى-: "وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ" [النحل: 72]، وقال -تعالى-: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" [الروم: 21]، وفكَّ الإسلام قيود الجاهلية من الذلِّ والاستعباد لها، وقدَّم لها الحرية في حدود الشريعة، التي رسمها الله -تعالى- وتحفظ لها كرامتها وأنوثتها وإنسانيتها.

ولا أدلَّ على ذلك من نساء بيت النبوة، ومن نساء الصحابة والأنصار، اللواتي رفعن الهمم، وسابقنَ الرجال نحو الخيرات والمعالي، فنلن النصيبَ الأوفر من الإيمان والهداية والعلم، فخرج منهن الفقيهات، والعالمات، والقانتات، والعابدات، والصالحات، والزاهدات.

وحسبُنا بأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- المثل الأعلى في ذلك للنساء على طول التاريخ البشري كله، وليس الإسلاميَّ فحسب.

إننا نرى في عائشة المرأةَ الصالحة الكاملة، ونرى فيها المرأة القانتة العابدة، ونرى فيها المرأة الفقيهة المحدِّثة، ونرى فيها المثل الأعلى في شؤون النساء، والرجال.

لكنَّنا نرى -في المقابل- على الوجه الآخر للمرأة المسلمة، نرى شيئًا آخر، فاليوم وبعد طول زمان، عَبِثَ العابثون، وطَمِعَ الطامعون خَلْفَ هذه الجوهرةِ المصونة، واللؤلؤة المكنونة، بنت الإسلام، فأخرجوها من قعر بيتها، ومكان تشريفها، ولباس حيائها وعفَّتها وطُهرها، وابتكروا لها وسائل متنوِّعة من العبث واللهو بها، وجعلوها دمية بأيديهم، ومحلاًّ لشهواتهم الرخيصة، وخدَعوها وقالوا: حرَّروها، وعَرَّوْها وجرَّدوها من لباسها وجوهرها، وقالوا: قدَّموها وطوَّروها، وجعلوها محلاًّ نجسًا لأغراض فروجهم وفواحشهم، وقالوا: وردة زاهية نستنشق عبيرها، لقد صيَّروها لاعبة للكرة تتعرَّى في النوادي من أجلها، وصيَّروها ممثلة وفنانة -زعموا- ليتمتَّعوا بها من خلف (الكواليس) الشيطانية، وليغروا بها السفهاء والإماء والجاهلين، وصيروها قائدًا للسيارات توصِّلهم إلى أغراضهم الدنيئة كثيرًا، وصيروها رئيسة للوزراء، وقاضية للمحاكم، ومديرة للنوادي، وخادمة للركاب في الطائرات والاستراحات، وتقديم المنافع، وربما الفواحش والزنا في الفنادق والبارات، وجعلوها عارضةً للأزياء العالمية والموضات، وجعلوها تاجرة مروجة للسلع والمأكولات وأطباق الحلويات، ولا حول ولا قوة إلا بالله تعالى!

فمتى ترجع المرأة المسلمة الحرة العفيفة إلى النور؟ ومتى تتلمح البصيرة والهداية؟ ومتى تعلن التوبة والرجعة؟ ومتى تسلك طريق الصالحات القانتات خلف النساء الحرائر؟ ومتى تَفقه فقه عائشةَ أمِّ المؤمنين، وحياء فاطمةَ الزهراءِ البتول، وطهارة مريمَ بنتِ عمران، وعِزة آسيةَ بنتِ مزاحم، ونفاسة نفيسة البيت والعلم -رضي الله عنهن جميعًا-؟










 

رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مآ , الله , المؤمنين , الصحية , رضي , عائشة , عنها


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
السيدة سودة بنت زمعة بن قيس Kassab (سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وقصص الانبياء والصحابه ) 11 25-06-2021 05:44 PM
ام المؤمنين المؤمنين عائشة سراج منير ( همســـــات الإسلامي ) 14 10-06-2018 11:40 PM
أسماء حكـام الكــويت وزوجاتهـم وأبنائهـم ؟ { مشاركتي في فعاليات اليوم الوطني للكويت 2 مبارك آل ضرمان (همسات الوطن والعالم العربي ) 10 28-02-2018 06:19 AM
سيرَة أمّهات المُؤمنين /السيدة خديجة ابراهيم دياب (سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وقصص الانبياء والصحابه ) 12 26-03-2015 09:16 PM
سيرَة أمّهات المُؤمنين /السيدة عائشة ابراهيم دياب (سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وقصص الانبياء والصحابه ) 13 26-03-2015 09:14 PM

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

الساعة الآن 05:36 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010