الإهداءات | |
21-04-2017, 10:22 PM | #57 |
| أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } [ النحل: 125 ]. نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم. الحمد لله، لا إله بحقٍّ غيرُه يُعبَد، أحمدُه - سبحانه – وأشكرُه يرَى دبيبَ النمل على الصخرة الملسَاء في الليل البَهيم الأسوَد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحِدُ الأحد، الفردُ الصمدُ، وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه رسولٌ لا يُكذَّب وعبدٌ لا يُعبَد، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آلِهِ وأصحابِه أهل الفضل والشرَف والسُّؤدَد، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ ومن تعبَّد. أما بعـــــــــــــــد... أيها المسلمون: ليس المطلوب من المسلم - ولاسيَّما طالب العلم والمُصلِح وصاحِبُ الرأي – أن يخوضَ في كل مسألةٍ، ويدخُل في كل تخصُّص، ويلِجَ في كل مُستجد. من فعلَ ذلك خلَطَ وخلَّطَ، وأفسَدَ أكثرَ مما أصلَح. فليعرِف العاقِلُ قدرَه، وليُقدِّر موهِبَتَه وملكَتَه، وليقتصِر على فنِّه وتخصُّصه ومجال خِبرتِه. لا تُخدع أو تنخدِع بأن عليك مُواكبَة المُتغيِّرات، ومُتابعة المُستجِدَّات، وكلما استجدَّ أمرُ غيَّرتَ وِجهتَك. دَع لكل أهلِ فنٍّ فنَّهم، ولكل ذوِي علمٍ علمَهم { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } [ يوسف: 76 ]. عليك لُزوم ما تعرِف، والسَّير على ما تقدِر، ودَع الباقِي لأهلِه، ومن أراد كلَّ شيءٍ خسِرَ كلَّ شيء. فالمُشاركةُ في كل قضية ليست دليلاً على الوعي، ولا علامةً على الاهتمام بأمر المُسلمين؛ بل قد تكونُ دليلاً على قِلَّة الإدراك، وعلى ضياع المسؤوليَّات. والعاقلُ لا يستعجِلُ الكلامَ أو إبداءَ الرأي، ولاسيَّما مع وجود من يَكفِيه من أهل العلم والخِبرة والتخصُّص. ومن ابتِلاءات الزمان: أن الموضوعات المُختلِفة من دينيَّةٍ وسياسيَّةٍ واقتصاديَّةٍ واجتماعيَّةٍ وتربويةٍ وغيرها منثورةٌ بين أيدِي الناس في المجالِس، والمُنتديات، والتغريدات. فالحِرصُ على الدخول في كل هذا يهدِمُ ولا يبنِي، ويضُرُّ ولا ينفع، وهو خِلافُ المنهَج السليم. ألا فاتقوا الله - عباد الله -، وليتوجَّه كلُّ مُصلِح لما خُلقَ، مما يسَّر الله له في علمِه وفهمِه وإدراكِه، وليُرِي الله من نفسِه خيرًا وصِدقًا وعدلاً، { وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } [ يوسف: 21 ]. هذا، وصلُّوا وسلِّموا على الرحمة المُهداة، والنعمة المُسداة: نبيِّكم محمدٍ رسول الله؛ فقد أمركم بذلك ربُّكم في مُحكم تنزيلِه، فقال - وهو الصادقُ في قِيله - قولاً كريمًا: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } [ الأحزاب: 56 ]. اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك نبيِّنا محمدٍ الحبيب المُصطفى، والنبي المُجتبى، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجُودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين. اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، واخذُل الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الملَّة والدين. اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاةَ أمورنا، واجعل اللهم ولايتَنا فيمن خافَك واتَّقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم وفِّق إمامنا ووليَّ أمرنا بتوفيقك، وأعِزَّه بطاعتك، وأعلِ به كلمتَك، واجعله نُصرةً للإسلام والمسلمين، وألبِسه لباسَ الصحةِ والعافيةِ، ومُدَّ في عُمره على طاعتك، واجمع به كلمةَ المُسلمين على الحقِّ والهُدى يا رب العالمين، اللهم وفِّقه ونائِبَيْه وإخوانَه وأعوانَه لما تُحبُّ وترضى، وخُذ بنواصِيهم للبرِّ والتقوى. |
|
21-04-2017, 10:23 PM | #58 |
| اللهم وفِّق ولاةَ أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنَّة نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، واجعلهم رحمةً لعبادك المؤمنين، واجمع كلمتَهم على الحق والهُدى والسنة يا رب العالمين. اللهم وأبرِم لأمةِ الإسلام أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ الطاعة، ويُهدَى فيه أهلُ المعصية، ويُؤمَرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى فيه عن المنكر، إنك على كل شيءٍ قديرٌ. اللهم احفَظ إخواننا في سوريا، وفي بُورما، وفي إفريقيا الوسطى، اللهم اجمع كلمتَهم، واحقِن دماءَهم، واشفِ مريضَهم، وارحَم ميِّتَهم، اللهم اجمع كلمتَهم، وأصلِح أحوالَهم يا أرحم الراحِمين. اللهم عليك بالطغاة والظلَمَة، اللهم عليك بالطغاة والظلَمَة، اللهم واجعل تدميرَهم في تدبيرهم يا قوي يا عزيز. اللهم أصلِح أحوال إخواننا في العراق، وفي اليمن، وفي ليبيا، واحقِن دماءَهم، وولِّ عليهم خيارَهم، واجمع على الحقِّ والهُدى والسنَّةِ كلمتَهم، اللهم وابسُط الأمن والرخاءَ في دِيارِهم، اللهم وارفع البأس والضرَّاء عنهم يا ذا الفضل والمنِّ والإحسان. اللهم أصلِح لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرِنا، وأصلِح لنا دُنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خيرٍ، والموتَ راحةً لنا من كل شرٍّ، وأحسِن عاقِبَتنا في الأمور كلِّها، وأجِرنا من خِزي الدنيا وعذابِ الآخرة. اللهم من أرادَنا وأرادَ دينَنا وديارَنا وأمنَنا وأمَّتَنا ووُلاةَ أمورنا وعلماءَنا وأهلَ الفضل والصلاح والاحتِساب منَّا، واجتماعَ كلمتنا ووحدَتنا بسوءٍ اللهم فأشغِله بنفسِه، واجعَل كيدَه في نحرِه، واجعَل تدبيرَه تدميرًا عليه يا رب العالمين. اللهم عليك باليهود الغاصِبين المُحتلِّين، فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم وأنزِل بهم بأسَك الذي لا يُردُّ عن القومِ المُجرمِين، اللهم إنا ندرأُ بك في نُحورِهم، ونعوذُ بك من شُرورهم. اللهم إنا نسألُك مُوجِبات رحمتك، وعزائِم مغفرتِك، والغنيمةَ من كل برٍّ، والسلامة من كل إثمٍ، والعزيمة على الرُّشد، والفوزَ بالجنَّة، والنجاةَ من النار. { رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [ الأعراف: 23 ] { رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } [ البقرة: 201 ]. سبحان ربِّك ربِّ العزَّة عما يصِفون، وسلامٌ على المُرسلين، والحمدُ لله رب العالمين. |
|
21-04-2017, 10:25 PM | #59 |
| ۩ نفحــــــة يوم الجمعة ۩ { وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ } [الزمر: 53]. رباه.. ما أجمل التوبة.. عودة غانمة.. وتجارة رابحة.. وروضة غناء لا يذبل زهرها.. إنها شلال الجمال المتدفِّق من كوثر الرَّحمن الفواح بأريج عطاء الله وكرمه.. إنها "غسل القلب بماء الدموع وحرقة الندم.. فهي حرقة في الفؤاد ولوعة في النفس وانكسارٌ في الخاطر ودمعة في العين.. إنها مبدأ طريق السالكين ورأس مال الفائزين وأول أقدام المريدين ومفتاح استقامة المائلين" لله دُرُّ القلب التائب.. هرع إلى مولاه يحمل مواجيد الندم ومشاعر الألم يرجو رحمته وغفرانه.. "لكأن التوبة نهرٌ عذب جار يتطهر العبد به من أدرانه.. ينغمس في مياهه مَنْ لوثته الشهوات واكتوى بنار المخالفات فإذا النهر مغتسلٌ باردٌ يطفئ تلك النار ويغسل تلك الأوزار فيخرج العبد منه نقياً من الأوساخ والشوائب . |
|
21-04-2017, 10:26 PM | #60 |
| ۩ نفحــــــة يوم الجمعة ۩ قد تُصيبك همومُ الليل، ومآسي المساء، وأحزان النهار؛ من ذلك الصديق الذي لم يُقدِّر ما قمتَ به، وهذا الزميل الذي طعَنك بكلمة دلَّت على ما في قلبه تُجاهك وأولئك الأقارب الذي لم يَرقُبوا فيك ذمَّة ولا رحِمًا، والمجتمع الذي لم يُقدِّر جُهْدك وإنتاجك، والمدير الذي خيَّب أمَلَك، وحطَّم نشاطَك، وكل هذا لو تدبَّرتَه لوجدتَه لا يساوي شيئًا، ولا يستحقُّ كل هذا الاهتمام، بل إنِّي أَصدُقك القول لأقول لك: هؤلاء الناس لو كان بيدك رزْقُهم ورزقتَهم، وبيدك شفاؤهم وشفيتَهم، وبيدك إسعادهم وأسعدتَهم، ما أَعطَوكَ من الحمد والثناء والمدح القدرَ الذي يجب لك عليهم، بل سوف تجد منهم من هو ساخط ناقم، ولو كنت كاملاً خلقًا وصفة ما رأوا ذلك الكمال، ولا نظروا بعين التمام، وإن كانوا قد استيقنتْ به أنفسُهم، فسوف ترى فئامًا من اللئام، فهل قدمت لهم شيئًا مما قدمه الخالق لهم سبحانه؟! خلَقَهم فعَبدوا غيره، رزَقهم فشكروا سواه، له الكمال والجلال والجمال، ومع ذلك ينسبون له ما لا يليق به - سبحانه - من الولد والزوجة، ويعبدون معه مخلوقًا مثلهم، ويَصفونه بصفات النقص من الفقر والبخل وغيرها - تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا. فانظر إلى عباد الله الكرماء أهل الكمال في صفات البشر من الأنبياء والرسل، وصفهم قومُهم بصفات أهل النقص والازدراء من السحرة والكهنة والكذابين، وهؤلاء ملائكة الله الذين خُلقوا من نور وصفوهم بالإناث والضعف. ثم بعد ذلك تريد منهم أن لا يصفوك بما يغضبك، فما دام الأمر كذلك، فلا يضرك أن عابوك أو انتقصوك، أو هضموا قدرك، أو حطوا من منزلتك. إن الواثق بنفسه لا يهمه تنقصات الناقصين، ولا ينتظر تصفيق المعجبين؛ فلا تكترث بكلام الناس؛ فإنما هو هباء في هواء. نعم الله - عز وجل - هو الذي إن أطعتَه فمدَحَك رفعَك، وإن عصيته فذَمَّك وضعَك. فكيف تتألم من مخلوقين لن يضعك ذمُّهم، ولن يقتلك كلامهم، ولن يوقف رزقَك مهاتراتُهم، فاصفح عنهم وقل سلام، وتذكر أن الصفح والعفو من سمات الكرام. فما أحـدٌ من ألـسُن الـناس سـالمًـا ولـو أنـه ذاك النـبيُّ الـمـطـهـرُ فـإن كان سـكِّيتًـا يـقولون: أبكمٌ وإن كان مِـنطـيقًـا يـقولون: مـهذرُ وإن كـان مـقدامًـا يـقولون: أهـوجٌ وإن كـان مـفضالاً لـقـالـوا: مـبـذِّرُ وإن كان صوّامًا وبـالليل قائمًـا يقولون: كذَّابٌ يرائي ويـمكرُ فلا تكترث بـالناس فـي المدح والثنا ولا تـخـش غيـرَالله والله اكــبـر |
|
21-04-2017, 10:26 PM | #61 |
| ۩ نفحــــــة يوم الجمعة ۩ وفي زمن غاب فيه طعم الأخوة ، وندر الصديق الوفيّ، فكم نحن بحاجة إلى التذكير بحقوق الصُّحبة؛ لتكون الأخوة صادقة، وليدخل أصحابها في وصف المتحابين في الله؛ رجاء أن يكونوا من المُستظلِّين بظل العرش . فمن حقوق الصحبة: المواساة بالمال، فالمتآخيان إذا احتاج أحدهما لمالٍ سدَّ خلتَهُ صاحبُه، وأي صداقة وأخوة تُدَّعى إذا كان الأصحاب يظل أحدهما محتاجًا والآخر موسرًا لا ينظر لحال أخيه؟! وقد رأى بعض الحكماء رجلين يصطحبان لا يفترقان، فسأل عنهما فقيل: صديقان، فقال: فما بال أحدهما غنيًّا والآخر فقيرًا؟ إن الأخ الصادق يُعين في سداد دَيْنِ إخوانه تقربًا لله؛ لقي حكيم بن حزام عبدالله بن الزبير بعدما قُتل الزبير فقال: كم ترك أخي عليه من الدين؟ فقال: ألفي ألف، فقال: عليَّ نِصفها، وكان ابن سوقة له جرار فيها مال، وعندما دخل عليه إخوانه قال لهم: مَن احتاج إلى شيء فليأخذ. وقال الحسن: كنا نعدُّ البخيل الذي يُقرض أخاه، وقال: ليس من المروءة أن يربَحَ الرجل على صديقه. وقال يزيد بن عبدالملك: إني لأستحي من الله أن أسال الجنة لإخواني وأبخل عليهم بدينار أو دِرهَم. قال سفيان بن عُيَينة: سمعتُ مساور الورَّاق يحلف بالله - عزَّ وجلَّ -: ما كنتُ أقول لرجل إني أحبك في الله - عز وجل - فأمنعه شيئًا من الدنيا. قال علي رضي الله تعالى عنه: لعشرون درهمًا أُعطيها أخي في الله أحب إلي من أن أتصدَّق بمائة درهم على المساكين، ومعلوم أن هذه أمثلة لقومٍ لديهم القُدرة في أموالهم. نعم، إنها أمثله ونماذج عالية لربما لم تجدها في زماننا، ولكن؛ لا أقل من أن يتفقَّد المرء إخوانه، ويسدَّ حاجتهم، فذاك من حق أخوَّتِهم عليك، وكمال ذلك بأن تتفقَّدهم قبل أن يتعرَّضوا لشيء، ويدوم التفقد لهم ولأهلهم ولو بعد رحيلهم بسفر أو بموت. |
|
21-04-2017, 10:27 PM | #62 |
| ۩ نفحــــــة يوم الجمعة ۩ أعتذر لنصفي الأبيض؛ لما يَقترِفه نِصفي الأسود، وقد عهدتُ لهذا الأخير بقيادة نفسي وكبحِ هواها، وتقييد ملاذِّها ومتاعِها، وتوجيهِها توجيهًا حسنًا، فكان إليه المنتهى في التصرُّف والقَرار، فساقَني إلى المهالك، وما طفقتُ أَخرُج مِن همٍّ حتى يولِجَني في همٍّ أعظمَ وأكبَر، ويُوهِمني بأنَّ التعاسة قدَري، وأن السعادة ما هي إلا تسلية يستعملها الكُتاب؛ ليَختموا بها القصص الغرامية، ويَبثُّوا بها الأمل في قلوب القرَّاء فيتخدَّروا، وصنَع لي من طينة الهوى إلهًا صدَّني عن سَماعِ ما كان يُخالِجُني به ضميري، ومن رؤية الهُدى الذي كان يُرشِدني إليه برهاني، وغشَّاني حتى أصبَحَ التِّيهُ الصِّراط المستقيم الذي لا حيدة عنه! فعلَتْ همَّتي في اقتِراف الآثام وارتكاب المعاصي، وفترَت بالمُقابل عن حبِّ الخَيراتِ، واكتسَحَ سوادي مساحاتِ البَياض في داخلي، حتى أجهَزَ عليها، وما تبقَّى منها سوى بُقعٍ مُتناهية في الصِّغر، تجأرُ إلى الله أن يُنقِذَها من زحف السواد الحالك، فعثتُ في نفسي فسادًا أُلطِّخ صفحة قَلبي ورُوحي بدرَنِ السيئات، لا أُراعي إلاًّ ولا ذمَّةً، حتى صارَ لتلكَ السيئاتِ ذفرًا كذفرِ الموتى المفتَّحة أجداثُهم، بعد استِدارة لرحى الزمان، لا يَستشعِر ريحَها إلا النبيهُ الحاذق ! وركبتُ مركبَ السوء والمُنكَر، وسرتُ في مُنعرَجات ودوائر مدلهمَّة، يغشاني دَيجوره (السوء) من كل صوب، حتى بوصلة التمييز بداخِلي تعطَّلت وأصبحت تشير إلى اتجاهات التَّهلُكةِ، وتقودني إلى مصايدِ الشيطان، فما أن أفيق من لذة حتى أُغرِقَ في لذَّة أخرى، وأنا في تلك الحالة من الثمالة التي لا تَنقطِع، ومن النكبات المتتالية التي لا تَنفصِم، لا أكادُ أشعرُ بجوارحي، وكأنما فقَدتُ السيطرة عليها، فهي تُسيِّرني من جهات خارجية، قوة قاهرة، وسلطة جبارة، تُحرِّكني كدُمية الأراقوز، بخُيوط رفيعة لا أكادُ أراها. |
|
21-04-2017, 10:27 PM | #63 |
| ۩ نفحــــــة يوم الجمعة ۩ 2 - المحبة والحنان: مَن ودَّ منكم أن يسأل عن الحب والحنان فلا يجلس مع عاشق أو ولهان ليعلِّمه، بل تبادلوا معهم جميع أطراف الحديث إلا حديث الودِّ والحب؛ لأنَّ العاشق كالأعمى لا يرى في الناس إلا الشفقة، فيَغفل عن الواقع الحقيقي حتى يستفيق نادمًا ومتحسرًا على أمره، أمَّا الولهان فهو أعمى العينين والقلب والعقل، فهو يَهذي أكثر مما يرشد، ولكنِّي أتمنى أن يشقى أحدكم إلى يتيم الأب والأم ليَكتشِف أسرار هاتِه المعجزة، سيَطفقُ ذلك اليتيم قائلاً لكم: "إنَّ محبة الآباء لأولادهم سرمدية لا تزول في النفس أبدًا، وحنانهما دائم العطاء والبذل دون مقابل ولو بِذرَّة رد جميل، أرى معجزة المحبة تكمن فينا نحن؛ لأنَّ من ثوى في رحم أمه تسعة أشهر جامدًا ساكنًا لا يسمع صوتًا إلا صوت خفقان قلبها، فلا عجب أنه لن يهدأ أو يطمئنَّ الآن إلا عندما يَحتضِن أمَّه ليستحيل إلى جنين هادئ كالسابق، ومن حملهُ أبوه بيديه الضخمتين بينما جسد الرضيع كمُضغة نحيلة فحتمًا حين ينمو هذا الرضيع إلى شاب ويُصافِح يد والده، سيشعر بأن الرجولة قد خالطت الحنان عند تلامس الأيادي، أتدري يا هذا أنَّ قلب الأم والأب وقلب ابنِهما قلب واحد في ثلاثة أجساد، فإذا غاب جسدان ودُفنا تحت تُراب الأرض فسيظل ذلك القلب يضخ حبًّا وحنانًا في جسد ابنهما، وتترسخ تلك المعجزة في إدراكهِ وخلَده مهما بلغت شدة عصف الأيام. 3 - العقل: حين يُصيب أجفان الناس التعب بالليل فتنام وتهدأ النفوس من زجرها لتغرق في سُبات طويل أعلنه ذلك الشخير الصاخِب، وتلبس مدينتك الوِشاح الأسود الكالح فلا يبقى نور إلا النور الخافِت للقمر، هنا قم من مضجعك وتسلَّل من البيت بهدوء إلى الشارع لترى أناسًا ندعوهم بالمجانين. عندما تُبصِر مخبولاً يهذي مُنفردًا في الطريق، ويُهروِل في مِشْيتهِ، ويتهامس مع نفسه يُحدِّثها تارةً، وتارةً أخرى يصرخ مبحوحًا، منكّسًا رأسه كأنَّه يُفتِّش عن شوارد عقله الضائعة، لا تخف منهُ بل اقترب حذاءه وحملِق في عينيهِ بتمعُّن لترى ما ينقصهُ فعلاً وما تكسبه أنت فعلاً، إنَّها معجزة العقل الذي يُرشدك عند المتاهات ويَرشُّك بالحكمة والحصافة في المجتمعات، فإن غاب عنك هذا، أصبحت وكأنَّك عدمٌ أو وثن من الصخر الصلد الذي لا ينفع ولا يهلك. فاحمد الله على نعمه . |
|
الكلمات الدلالية (Tags) |
, ~ , متجدد , المباركة , يلعب , جمعتنا , يِوْمِ , نلتقي , كل |
|
|
كاتب الموضوع | مبارك آل ضرمان | مشاركات | 110 | المشاهدات | 936 | | | | انشر الموضوع |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
على الحبّ نلتقي | عزوف | (همســـــات الحوار والنقاش الجاد) | 2 | 12-05-2014 07:46 PM |