الإهداءات | |
( همســـات التاريخ والتراث والأنساب) خاص بسيرة ومواقف حكام العرب والتراث وأنساب العرب |
| LinkBack | أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
10-07-2018, 11:29 AM | #8 |
| المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مبارك آل ضرمان الله يوفقك على روعتكم الرائعة طرح في غاية الابداع والجمال فوجب شكركم وسلمت الايادي على روعة ماباح به قلمكم الراقي سلمت الانامل ويعطيك العافيه على المجهود المبذول ماننحرم من فيض عطائك وإبداعك لك تحياتي وفائق شكري ننتظر القادم بشووق دمتم سعداء ما أرقاه من حضور ما أروعه من نور ما أجمل اللقاء بحرفك ما أبهاه من مرور يبعث صفوة السرور لكل من له ناظر ومنظور أشكرك سيدي الكريم مبارك آل ضرمان الوقور على تواجدك الغالي المسبك بالمسك والبخور تحياتي وتقديري لشخصك وفائضهم باقات الزهور |
|
10-07-2018, 12:28 PM | #9 |
| الطاوية الطاوية إحدى أكبر الديانات الصينية القديمة التي ما تزال حية إلى اليوم إذ ترجع إلى القرن السادس قبل الميلاد، تقوم في جوهر فكرتها على العودة إلى الحياة الطبيعية والوقوف موقفاً سلبياً من الحضارة والمدنية. كان لها دور هام في تطوير علم الكيمياء منذ آلاف السنين وذلك من خلال مسيرتها في البحث في إكسير الحياة ومعرفة سر الخلود. التأسيس وأبرز الشخصيات: • يعتقد بأن لوتس Laotse الذي كان ميلاده عام 507 ق.م هو صاحب مذهب الطاوية التي تُرجع بعض معتقداتها إلى زمن سحيق. وقد وضع كتابه طاو – تي – تشينغ Tao – te – ching أي كتاب طريق القوة. وقد التقى به كونفوشيوس فأخذ عنه أشياء وخالفه في أشياء أخرى. • بقيت الطاوية خلال أكثر من ألفي سنة تؤثر في الفكر الصيني وفي التغيرات التاريخية الصينية. • ظهر شوانغ تسو الذي يرجع إلى القرن الرابع والثالث قبل الميلاد زاعماً بأن لوتس كان أحد المعلمين السماويين، كما قام بشرح كتاب معلمه لوتس مضيفاً إليه شيئاً من فلسفته. • لقد نمت الطاوية المنظمة في منطقة جبال شي شوان قبل غيرها. • في عام 142م زعم شانغ طاولينغ أنه قد جاءه الوحي من الرب تعالى بأن يتحمل تبعات إصلاح الدين الطاوي، وأنه قد ارتقى وسمي المعلم السماوي. وقاد ذلك التنظيم الذي صار تبعاً لسلالته الذين عرفوا بالمعلمين السماويين. • في القرن الثاني الميلادي انتشرت الطاوية الشعبية بفضل حركة السلم الكبير Tai-ping وقد كان للمعلمين السماويين دور كبير في نشرها. • في عام 220م زالت أسرة هان مما أدى إلى انقسام الصينيين إلى ثلاثة أقسام الأمر الذي ترك أثره على الاختلافات الدينية الإقليمية فيما بينهم. • عقب سقوط أسرة هان، وفي القرنين الثالث والرابع الميلاديين ظهرت الطاوية الجديدة. • في عام 406- 477م ظهر المصلح لوهيوشنغ الذي يرجع إليه مفهوم القانون الكنسي لجميع الكتب المقدسة الطاوية. • مؤسسو أسرتي تانغ 618 – 907م ومينغ 1368 – 1644م قد استخدموا التنبؤات الطاوية والسحر لكسب التأييد الشعبي. • تدَّعي عائلة شانغ الحالية للمعلمين السماويين بأنها من سلالة شانغ طاو لينغ المعلم السماوي الأول الذي ظهر أيام أسرة هان. الأفكار والمعتقدات: - كتاب لوتس المسمى طاو – تي تشينغ لم يكن ليكتب لولا رجاء حارس الممر ين شي الذي طلب من المعلم الشيخ أن يدون أفكاره. وهذا الكتاب مجموعة قطع أدبية تحيط بطبيعة طاو كما تشمل قواعد عامة وأمثلة للحاكم الذي يمتلك زمام أمر الطاو، وهو كتاب غامض في كثير من عباراته إذ أن ذلك الغموض مقصود لذاته. - شوانغ تسو: بحث في النظرة الطاوية الفلسفية، كما أجرى مقابلة بين السماء والبشر، وبين الطبيعة والمجتمع، طالباً من الطاويين طرح كل الحيل المصطنعة، وفيه قصص عن بشر كاملين يستطيعون الطيران هم الخالدون الذين لا يتأثرون بالعناصر الطبيعية ولا يمسهم حر ولا قر، أصحاب أرواح تمتاز بحرية في تصرفها. - كتاب هوانغ – تي – ني – تشينغ وهو من القرن الثالث قبل الميلاد، فيه تجارب على بعض المعادن والنباتات والمواد الحيوانية وذلك انطلاقاً من اهتمامهم بالمحافظة على الصحة وإطالة الحياة. - كتاب باو – بو – تسو الذي انتهوا من تأليفه عام 317م يبحث في علوم الكيمياء القديمة وفيه محاولات لتحويل المعادن إلى ذهب وإطالة الحياة بواسطة بعض الأكاسير. - لهم أدب فلسفي وديني سري، قسم منه يعود إلى القرن الرابع والقرن الثاني قبل الميلاد ويركز على إقناع الحكام، وقسم يبدأ منذ نهاية القرن الثاني الميلادي وهو يمثل حركات دينية منظمة وينتقل من الشيخ إلى تلاميذه من أداء القسم للمحافظة على سريته. • فكرتهم عن الإله : - الإله – لديهم – ليس بصوت، ولا صورة، أبدي لا يفنى، وجوده سابق وجود غيره وهو أصل الموجودات، وروحه تجري فيها. - إن طاو هو المطلق الكائن، وهو مراد الكون، إنه ليس منفصلاً عن الكون بل هو داخل فيه دخولاً جوهريًّا، انبثقت عنه جميع الموجودات. - إنهم يؤمنون بوحدة الوجود إذ إن الخالق والمخلوق شيء واحد لا تنفصل أجزاؤه وإلا لاقى الفناء. - إن نظرتهم إلى الإله قريبة جدّاً من مذهب الحلولية الذي يذهب إلى أن الخالق حالٌّ في كل الموجودات، كما أن الخالق لا يستطيع أن يتصرف أو يعمل إلا بحلوله في الأشياء. - يؤمنون بالقانون السماوي الأعظم الذي هو أصل الحياة والنشاط والحركة لجميع الموجودات في السماء والأرض. - يرى شونغ تسي بأن الإنسان قد جاء إلى الوجود مع الكون، فهو يحب الله ولكنه يحب المصدر الذي جاء منه الله أكثر من حبه الله، فهو تصور يدل على أنهم يعتقدون بأن هناك مبدأ قبل الله – تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً- • الاحتفالات الدينية والطقوس الطاوية: - هناك طقس شيو Chioo وهو أقدم الطقوس إذ هو تجديد لعلاقة الجماعة بالآلهة، ولا يزال هذا الطقس موجوداً في تايوان إلى اليوم. - هناك طقوس لتنصيب الكهنة ، وأخرى عند ميلاد الآلهة. - بعض الكهنة يمارسون طقوساً معينة في مناسبات الدفن والزواج والولادة. - من طقوسهم معالجة المريض وذلك بإدخاله إلى غرفة هادئة يقضي فيها بعض الوقت متأملاً منشغلاً بذنوبه، كما يقوم بعضهم باستعمال الوسطاء الذين يسترخون في سبات ويزعمون أنهم يقومون بنقل آراء الآلهة أو الأموات أو الأقارب. - حرق البخور موضوع أساسي لكل عبادة طاوية فضلاً عن استعمال الخناجر والماء المسحور والموسيقى، والأقنعة والكتب المقدسة. - إنهم متصوفة، إذ إنه يجب على الطاوي أن ينظف نفسه من جميع المشاغل والشوائب ليوجد في داخله فراغاً هو في الحقيقة الامتلاء نفسه، وذلك بالوصول إلى الحقائق المجردة، ويتم ذلك عن طريق التجرد من الماديات ليصبح الإنسان روحاً خالصاً. - أعلى مراتب التصوف هي مرحلة الوحدة التامة بين الفرد والقانون الأعظم وذلك بحصول اندماج بين المتصوف والذات العليا لتصيرا شخصية واحدة. - إذا ارتقى الإنسان إلى المعرفة الحقة عندها يستطيع أن يصل إلى الحالة الأثيرية حيث لا موت ولا حياة. - إن الطاوية تتجه اتجاهاً سلبياً – على عكس الكونفوشيوسية – ذلك لأن الفضيلة لديهم تكمن في عدم العمل والاقتصاد على التأمل داعين إلى الحياة على الجبال المقدسة وقرب الجزر النائية. داخل معبد في مدينة سيبو في الفلبين - إنهم يهاجمون الشرائع والقوانين والعلم وما إلى ذلك من مظاهر المدنية التي عملت على إفساد فطرة الإنسان الذي ولد خَيِّراً. إن مثلهم الأعلى في ذلك هو في العودة إلى النظام الطبيعي المتميز بنقاء الفطرة وسلامتها. - اهتم الطاويون بطول العمر، ويعتبر التقدم في السن دليلاً على القداسة حتى صار من أهداف التصوف الطاوي السعي لإطالة العمر والخلود، وقد ذهب بعضهم إلى ادعاء إمكانية إطالة العمر مئات السنين. وأفضل الخالدين – في نظرهم – هم الذين يصعدون إلى السماء في وضح النهار، هذا الخلود الذي من الممكن أن يتم بواسطة تدريبات ورياضات خاصة جسدية وروحية كما يزعمون. - هذا الاهتمام في البحث عن إكسير الحياة كان عاملاً مهمًّا في تقدم الطب والكيمياء على أيديهم فضلاً عن السحر والشعوذة والدجل مما أدى إلى ثراء الكهنة ثراءً فاحشاً. - إنهم يؤكدون حرصهم على التعاليم الأخلاقية وعلى ضرورة المشاركة في الاحتفالات الجماعية الموسمية. - ليس لديهم بعث ولا حساب، إنما يكافأ المحسن بالصحة وبطول العمر بينما يجازى المسيىء بالمرض وبالموت المبكر. الجذور الفكرية والعقائدية: • المفاهيم الطاوية ترجع إلى زمن سحيق لكنها تبلورت على يد مؤسسها لوتس. • هناك عوامل تأثر وتأثير بين الطاوية والكنفوشيوسية والبوذية بسبب توطن هذه الديانات في منطقة واحدة متجاورة، حيث يمكن ملاحظة فكرة التصوف التي يعبر عنها بأساليب مختلفة ولكن في مضمون واحد. • الطاوية أقرب إلى الكنفوشيوسية منها إلى البوذية. • أخذ الطاويون عن البوذيين بناء الأديرة وتقرير الرهبنة والعزوبية. • يذكر دوان في كتابه خرافات التوراة وما يماثلها في الديانات الأخرى (ص172)، بأن في الطاوية تثليث، فطاو هو العقل الأزلي الأول، انبثق من واحد، ومن هذا انبثق ثالث كان مصدر كل شيء. الانتشار ومواقع النفوذ: • في عام 1958م أُعلن أن ثلاثين ألفاً من الكهنة الطاويين لا يزالون ناشطين في مختلف أنحاء الصين. ومعلوم أن الثقافة الصينية التقليدية ما تزال الطاوية حية فيها. • في عام 1949م هرب أخر المعلمين السماويين شانغ اين بو إلى تايوان، وفي عام 1960م انبعثت هذه الديانة من جديد وظهرت المعابد الطاوية الضخمة كمعبد شهنان قرب تايبيه والذي يضم تمثال لو يونغ ين الذي تقمصته روح إله الطاو كما يزعمون، وفي عام 1970 مات هذا المعلم السماوي ليخلفه ابنه شانغ يوان هسين. • توجد فئات طاوية في بعض نواحي ماليزيا وبينيانغ وسنغافورة وبانكوك. • تعتبر اليابان من أوسع البلاد علماً بالطاوية في أيامنا الحالية. • أما تايوان فهي أهم ملجأ للطاوية في القرن العشرين بسبب الهجرة الطاوية إليها في القرنين السابع عشر والثامن عشر. أن الطاوية ديانة صينية مؤسسها الفيلسوف لوتس الذي رأى أن الخير في الزهادة والاعتزال والعفو والتسامح مع الناس وعدم مقابلة السيئة بالسيئة. ولم يثبت أنها ديانة سماوية. |
|
10-07-2018, 12:37 PM | #10 |
| الزرادشتية مؤسس الديانة الزرادشتية تُعَدُّ الزرادشتيَّة (المجوسيَّة من أديان الفرس القديمة؛ حيث يَعتقد الزرادشتيون بوجود إلهٍ للخير يسمُّونه "أهورامزدا" ربّ الخير، ويقولون: إنه إله النور. وفي عقيدتهم أيضًا يوجد مصدر للشرِّ يسمُّونه "آهرمان"، ومعناه الخبيث أو القوى الخبيثة، وهو إله الظلمة. تُنسب الزرادشتية إلى زرادشت المولود قبل ميلاد عيسى بحوالي 660 سنة بأذربيجان بفارس، ويُروى عن مولده وعن الفترة السابقة عليها قصصٌ وأساطير كثيرة، يُشبه بعضُها ما يقوله المسيحيون عن المسيح من أنَّ روح القدس قد حلَّت فيه، وأنه أحد الأقانيم المكوِّنة للإله -تعالى الله عمَّا يقولون علوًّا كبيرًا-. واهتمَّ والد زرادشت بابنه، ورأى أنْ يُعَلِّمه أفضل تعليم في البلاد؛ لذا أرسله في سنِّ السابعة إلى الحكيم الشهير "بوزين كوروس"، وظلَّ الابن معه ثمانية أعوام، درس فيها عقيدة قومه، ودرس الزراعة وتربية الماشية وعلاج المرضى، ثم عاد إلى موطنه بعد هذه الأعوام الطِّوَال. ولم يَكَدْ يستقرُّ بين أبوَيْه حتى غزا الطورانيون إيران، فتطوَّع زرادشت للذهاب إلى ميدان القتال لا ليحارِب وإنما ليعالج الجرحى والمصابين، ولما وضعت الحرب أوزارها انتشرت المجاعة في البلاد، وانتشر معها المرض، فتطوَّع زرادشت ثانية؛ ليضع خبرته وجهده في علاج المرضى، وانقضت خمس سنوات أخرى من عمره في هذا الأمر. رأى زرادشت أنَّ تاريخ العالم يتمثَّل في الصراع بين الخير الذي يمثِّله الإله "أهورامزدا"، والشرِّ الذي يمثِّله الإله "آهرمان"، و"أهورامزدا" لا يمكن أن يكون مسئولاً عن الشرِّ؛ لأنَّ الشرَّ جوهرٌ مثله مثلُ الخيرِ، وأنَّ هاتين القوَّتين وجهان للموجود الأوَّل الواحد؛ لذلك لا بُدَّ أن يكون بعد الموت حياة أخرى، بعدما ينتصر الإله الأوحد على الشرِّ، عندئذٍ يُبعث الموتى، ويحيا الناس مرَّة أخرى، وتنطلق الأرواح الخيِّرة إلى الجنة، أمَّا رُوح الشرِّ وأتباعها من الخبثاء فيحترقون في المعدن الملتهب، عندها يبدأ العالم السعيد الخيرَ الذي لا شرَّ فيه ويدوم سرمديًّا. وظلَّ زرادشت على جبل سابلان يستوضح أفكاره، التي تخرج في بطء شديد كأنها ولادة متعثِّرة، وتزعم الأساطير أنه وهو واقف على الجبل رأى نورًا يسطع فوقه، وإذا به "فاهومانا" كبير الملائكة، ينبِّئه بأمر النبوَّة، وقد كان أوَّل مَنْ آمن به واتبعه ابن عمِّه "متيوه"، ثم تَبِعَه مَلِكُ فارس آنذاك وأهلُ بيته، ثم سائر الرعيَّة. وللديانة الزرادشتيَّة كتاب مقدَّس عند أتباعها اسمه "الأبستاق" أو "الأوستا" يحتوي على معتقداتهم وتشريعاتهم، وقد ضاع هذا الكتاب بعد غزو الإسكندر المقدوني لفارس سنة 330 ق.م، وفُقِدَتْ معه كلُّ تفاسيره. وانتشرت الديانة المجوسية في إيران بعد ثمانية قرون من موت زرادشت، وبعد أن انحسرت إلى حدٍّ ما ديانة "الماجي" المجوسيَّة التي اقتصرت حينها على الملوك والكهنة، وقد بشَّر زرداشت بالقوَّة الشافية للعمل البنَّاء، وقدَّم مذهبًا أخلاقيًّا يتألَّف القسطاس فيه من العدل والصدق والأعمال الجيدة، والنار والشمس هما رمزا أهورامزدا؛ ولذلك ترتبط هذه الديانة بما يشبه عبادة النار. اختلاف العلماء حول الزرادشتية وقد أوضح الشهرستانيحقيقة هذه الديانة قائلاً: "وبعد أن بلغ زرادشت ثلاثين عامًا، بعثه الله تعالى نبيًّا ورسولاً إلى الخلق، فدعا كشتاسب الملك، فأجابه إلى دينه، وكان دينه: عبادة الله، والكفر بالشيطان، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واجتناب الخبائث، ثم قال بالنور والظلمة، وهما أصلان متضادَّان، فيزدان (النور) وأهرمن (الظلمة) هما -في زعمه- مبدأ موجودات العالم، وحصلت التراكيب من امتزاجهما، والبارئ تعالى خالق النور والظلمة ومبدعهما، وهو واحد لا شريك له، ولا ضدَّ ولا ندَّ، ولا يجوز أن يُنسب إليه وجود الظلمة، لكن الخير والشرّ والصلاح والفساد والطهارة والخبث إنما حدثت بامتزاج النور والظلمة والخير والشرِّ، ثم يتخلَّص الخير إلى عالمه، والشرُّ ينحطُّ إلى عالمه، وذلك هو سبب الخلاص، والبارئ تعالى هو الذي مزجهما وخلطهما لحكمة رآها في التراكيب، وربما جعل النور أصلاً، وقال: وجوده وجود حقيقي، وأمَّا الظلمة فتبع كالظلِّ بالنسبة إلى الشخص، فإنه يرى أنه موجود، وليس بموجود حقيقة، فأبدع النور وحصل الظلام تبعًا". وقد أبطل زرادشت جميع معتقدات المجوس القدماء، فقال بعدم وجود قوى رُوحية كثيرة للخير، ولا عفاريت كثيرة للشرِّ، إنما هو إله واحد اسمه (أهورامزدا) الذي ليس كمثله شيء، وهو الواحد الأحد، القدُّوس الصمد، وهو الحقُّ والنور، وهو الحكيم القادر الخالق الذي لا يشاركه في ملكه وربوبيته شيء، وإن القوى الرُوحية التي زعموها خالقة للخير ليست بخالقة، بل هي نفسها من خلق (أهورامزدا)، ثم إن العناصر الأساسيَّة للدين الزرادشتي، الاعتقاد بالحياة الأخروية، فقد قال زرادشت: لا تنتهي حياة الإنسان بموته في هذا العالم المادي، بل له حياة أخرى بعد هذه الحياة الدنيا، فالذين عملوا الصالحات في حياتهم الدنيا يدخلون عالم السعادة، والذين دنَّسوا نفوسهم بالشرور يدخلون عالم الشقاء. وكذا الاعتقاد ببقاء الرُّوح من معتقدات الدين الزرادشتي الأساسيَّة، فهو يقول بفناء الجسم، أما الرُوح فيبقي ويلاقي جزاءه. ومن معتقدات أتباعه أنه يوجد صراع بين إله النور وإله الظلمة؛ لذلك أُطلقت عليهم تسمية ثَنَويَّة، والمؤمنون عندهم واجبهم أن ينصروا إله النور؛ لذلك تشكِّل النار عاملاً رئيسيًّا في عباداتهم، وبيوت النار هي مراكز العبادة والتقديس؛ لذلك توضع النار في موقد حجري مستقرٍّ على أربع قوائم ويوقدها الكاهن نهارًا وليلاً وهم يُلقون فيها كمِّيَّات من البخور، ويضع الكاهن كِمامة على فمه لئلاَّ يُدَنِّسَ النار. ويعتقد الزرادشتيون أن الطوفان الذي حدت زمن نوح لم يُصبهم، وهم يؤمنون بالله وبنبوَّة زرادشت وبالمعاد الأخروي؛ لذلك فإن العالم عندهم له نهاية محتومة، وحينها سينتصر أهورامزدا وسيهلك أهرمان وكل قوى الشرِّ، وبعدها سيظهر أشيزريكا على أهل العالم، ويحيي العدل ويميت الجور... ويحصل في زمانه الأمن والدعة وسكون الفتن وزوال المحن. الزرادشتية عقيدة ضالة لابن الجوزي رأي آخر -ينقله عن الجاحظ- يُخالف فيه الشهرستاني وهو أن زرادشت قد جاء من الأساس بعقيدة ضالَّة، على عكس ما يعتقده البعض من أن أتباعه هم الذين حرَّفوا وغيَّروا، فقال: "وجاء زرادشت من بلخ وهو صاحب المجوس، فادَّعى أن الوحي ينزل إليه على جبل سيلان، فدعا أهل تلك النواحي الباردة الذين لا يعرفون إلاَّ البرد، وجعل الوعيد بتضاعف البرد، وأقرَّ بأنه لم يُبعث إلاَّ إلى الجبال فقط، وشرع لأصحابه التوضُّوء بالأبوال، وغشيان الأمهات، وتعظيم النيران مع أمور سمجة. ومن قول زرادشت: كان الله وحده، فلمَّا طالت وحدته فكَّر فتولَّد من فكرته إبليس، فلما مَثُلَ بين يديه وأراد قتله امتنع منه، فلما رأى امتناعه ودعه إلى مدَّة. وقد بنى عابدو النار لها بيوتًا كثيرة؛ فأوَّل من رسم لها بيتًا أفريدون، فاتخذ لها بيتًا بطَرْطُوس وآخر ببخارى، واتخذ لها بهمن بيتًا بسجستان، واتخذ لها أبو قباذ بيتًا بناحية بخارى، وبُنيت بعد ذلك بيوتٌ كثيرة لها، وكان زرادشت قد وضع نارًا زعم أنها جاءت من السماء فأكلت قربانهم؛ وذلك أنه بنى بيتًا، وجعل في وسطه مرآة، ولفَّ القربان في حطب، وطرح عليه الكبريت، فلمَّا استوت الشمس في كبد السماء قابلت كوَّة قد جعلها في ذلك البيت، فدخل شعاع الشمس، فوقع على المرآة، فانعكس على الحطب، فوقعت فيه النار، فقال: لا تُطفئوا هذه النار". وأتى "زرادشت" بمعجزات إلى الملك "كيستاسف"، منها: أنه مرَّ على أعمى فأمرهم أن يأخذوا حشيشة -سمَّاها- ويعصرها في عينيه فأبصر. والزرادشتيون يُعَظِّمون النيروز، وهو أول يوم من سَنَتِهِم وعيدهم الأكبر، وأوَّل من رتَّبه "جمشيد" أخو "طهمورث"، ويُعَظِّمون أيضًا المهرجان، وهو عيد مشهور من أعيادهم. ورغم ما قاله ابن الجوزي عن زرادشت، بأنه جاء بعقيدة سيِّئة من أساسها، وأنه لم يكن نبي مرسل من قِبَلِ الله تعالى لقومه، إلاَّ أن الدكتور مصطفى حلمي يقف موقفًا وسطًا بين الرأيين، موضِّحًا وجهة نظره بقوله: "إن الزرادشتية دعت إلى التوحيد الخالص لله تعالى في بدايتها، فآمن بها الناس في بلاد فارس، واتخذها الملوك ديانة رسميَّة لهم، لكنها سرعان ما طرأت عليها تغييرات بسبب دخول الرمز على الذات الإلهية في الزرادشتيَّة، حتى تقوى الجماهير على إدراكها -حسب اعتقادهم- باعتبارها ذاتًا رُوحانيَّة خالصة مجرَّدة من شوائب المادَّة، فأُشِيرَ إليها برمزين أحدهما سماوي وهو الشمس، والآخر أرضي وهو النار، فكلاهما عنصر متلألئ مضيء طاهر مطهَّر لا يتطرَّق إليه الخبث ولا الفساد، وتتوقَّف عليه الكائنات، وهذه الصفات تشبه طائفة من صفات الخالق نفسه، وترمز إليه، فانتهت الزرادشتيَّة إلى تقديس النار في ذاتها وعبادتها بعد أن كانت رمزًا للإله. وهذا التغيير ربما استُحدث بفعل الأتباع والمريدين، لا سيَّما المتأخِّرين منهم عن عصر زرادشت، فهؤلاء المتأخِّرون عادةً ما يُحدثون تحوُّلات ملحوظة، منها ما يتناول الفروع، ومنها ما يتناول الأصول الجوهريَّة، ويقطع الصلة بما قاله واعتقده الأوائل، فلا يبقي إلاَّ الاسم والنسبة، والدليل على تحوُّل الزرادشتيَّة، أن الاعتقاد في النار أخذ يتدرَّج خطوة خطوة، فبعد تعظيمها في أوَّل الأمر بالاتجاه إليها وإلى الشمس ساعة الصلاة -لأن النور رمز الإله في زعمهم- انحرفت بهم طائفة رجال الدين إلى اتخاذها بذاتها قِبْلَة في العبادات، ثم جاءت الخطوة الأخيرة فعبدوا النار، وصاروا يبنون لها الهياكل والمعابد، بحجة أنه جوهر شريف علوي، وإنها لم تحرق الخليل إبراهيم ، ويظنُّون أن تعظيمها سيُنجيهم من عذابها". تطور الزرادشتية مع التطوُّر الذي حدث في الأوستا (كتاب الزرادشتية المقدَّس)، والذي أدَّى في نهاية الأمر إلى دخول عناصر الطبيعة، والذي استمرَّ على أنه خاصِّيَّة أصيلة في الدين الزرادشتي، عَمِل الزرادشتيون على المحافظة على الماء والنار من النجاسة؛ فالفرس يُقَدِّسون الماء قبل كل شيء إلى حدِّ أنهم لا يغسلون به وجوههم ولا يلمسونه، إلاَّ أن يكون للشرب أو لريِّ الزرع. ومع هذا فإن مكانة النار عند الزرادشتيين باتت عظيمة سامقة؛ بسبب ما لحق بنصِّها المقدَّس من تحريف وتبديل بإدخال الرمز وعناصر الطبيعة وخاصَّة النار، والتي صارت -عند المتأخرين منهم- تُعبد لذاتها؛ لذا ميَّز الأوستا بين خمسة أنواع من النار: أوَّلها نار المعابد، وهي النار التي ينتفع بها الناس عادة، ثم النار التي تُوجد في جسد الإنسان والحيوان، ويسمُّونها (وهوفريانه)، ثم نار النباتات ويسمُّونها (أوروازسته)، ثم النار الكامنة في السحاب، ويسمُّونها (زيستا)، ثم النار التي تشتعل أمام (أهورامزدا) في الجنة وحينما نستعرض تاريخ الزرادشتيَّة نجد أنها في عهد الساسانيين، استطاعت أن تجد لنفسها سبيلاً في هذه الدولة الفارسيَّة القديمة؛ فقد استمرَّت الصلات الوثيقة بين الدولة والدين الزرادشتي طَوَال العهد السَّاساني، وكان ممن وثَّق هذه الصلة أردشير الأول؛ حيث أمر بجمع النصوص المبعثرة من الأوستا ثم كتابتها في نصٍّ واحد، فأُوجيز هذا النصُّ واعتُبر كتابًا مقدَّسًا، وجاء من بعد أردشير الأول سابورُ الأول ابن أردشير، الذي أدخل في هذه المجموعة من الكتب المقدسة النصوصَ التي لا تتعلَّق بالدين، والتي تبحث في الطبِّ والنجوم وما وراء الطبيعة، والتي كانت منتشرة في اليونان وبلاد الهند المجاورة، وأمر سابور بوضع نسخة من الأوستا الجديدة، في بيت نار آذر كَشنسب في (شيز). لكنَّ الخلافات الدينيَّة ظلَّت مستمرَّة، فأمر سابور الثاني بعقد مجمعٍ مقدَّس، حدَّد نهائيًّا نصِّ الأوستا، وقسَّمها إلى واحد وعشرين كتابًا (نسك) على عدد كلمات الصلاة المقدَّسة، وقد اختفت الأوستا الساسانيَّة أثناء العصر الإسلامي، ولم يكن اختفاؤها راجعًا إلى تعصُّب ديني من المسلمين، ويمكن إرجاع ذلك إلى الظروف المادِّيَّة الصعبة التي كان يُعاني منها الكثير من المجوس في ذلك الوقت، فكان من الصعب عليهم أن يستمرُّوا في استنساخ هذه المجموعة الكبيرة من النصوص المقدسة. لكن الزرادشتية -رغم انتشارها في بلاد الفرس قبل الإسلام- لم تكن متاحة للعامَّة، بل نتج عنها مجموعة من الأمراض الاجتماعيَّة، قال عنها العامري: إنهم ابتلوا -في أثناء عظمتهم المدنية وقت حكم الأكاسرة - بمحنتين عظيمتين لا يدانيهما شيء من المحن الدنيوية: أولاً: احتكار الموابذة -وهم أعلى طبقة من رجال الدين الزرادشتي- لتفسير الدين، ومنع العامَّة من النظر والاستدلال، ومعاملتهم لهم بالقهر؛ وذلك لحرصهم على الإبقاء على نفوذهم، وحتى لا يكشف الناس -إذا نظروا وتحقَّقوا- زيف اعتقادات زرادشت، والتي منها كون العالم من قديمين (إلهين)، وحول جبلَّته من امتزاج الضدَّيْنِ، وأنواع هذيانه في العفاريت والشياطين، وخطؤه الفاحش في شكل الأرض وتخطيط الأفلاك. ثانيًا: التمييز الطبقي، فإن طبقاتهم بأسرها كانوا مضطهدين بسياسة الاستعباد، فنظام الزرادشتة الطبقي كان صارمًا؛ حيث آمن به الملوك، وجعلوه مطبَّقًا، فكانوا يُلزمون كلَّ طبقة -أدنى من طبقتهم- ما إليها من عمل أو صناعة أو حرفة، ولا يُرخِّصون لأحد في تجاوز رتبته، ويعاقبون مَنْ لم يكتفِ بطبقته. الزرادشتية في صدر الإسلام في صدر الدعوة الإسلاميَّة، كان الزرادشتيون (المجوس) المسيطرون على بلاد فارس قد دخلوا في حروب طاحنة مع الروم النصارى، ولما كان العرب قَوْمًا أُمِّيِّين مشركين، فإنهم فرحوا بما حقَّقه المجوس من نصر ظافر على الروم، لكنَّ المسلمين في مكة -في أوَّل أمر الدعوة- أحزنهم الأمر؛ حيث كان الروم أهل كتاب مثلهم، يؤمنون بوجود إله، فنزل قول الله في سورة الروم، مُزِيلاً الهمَّ عن المسلمين، ومبشِّرًا إيَّاهم بنصر الروم، وكانت هذه الآية القرآنيَّة الكريمة، إعجازًا أذهل العرب؛ فقد أنبأت بحادث غيبي سيقع بعد بضع سنين بانتصار الروم، فقال تعالى: {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الروم: 1-5]. وقد ذكر القرآن الكريم المجوس ( الزرادشتيين ) صراحة في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [الحج: 17]، وعلَّق الإمام الطبري قائلاً: "إن الفصل بين هؤلاء المنافقين الذين يعبدون الله على حرف، والذين أشركوا بالله فعبدوا الأوثان والأصنام، والذين هادوا وهم اليهود، والصابئين، والنصارى، والمجوس الذين عظَّموا النيران وخدموها، وبين الذين آمنوا بالله ورسله - إلى الله". فهذه الآية القرآنية السابقة توضِّح موقف المسلم من كل عقيدة تبتعد عن منهج الله، وتعطي للمسلم اطمئنانًا وثقة في عدله تعالى. وحينما تهيَّأ الأمر لرسول الله في المدينة المنورة -فأصبح للإسلام دولة تدعو إلى عبادة الله وحده- بدأ في إرسال الرسائل للأمراء والملوك والعظماء يدعوهم بدعوة الإسلام، وذلك في نهاية العام السادس من الهجرة بعد صلح الحديبية، ومن جملة هذه الرسائل، ما أرسله إلى كسرى عظيم الفرس، وهي محاولة من رسول الله ليُخرج هؤلاء المجوس من ظلمات طاغوتهم ونيرانهم إلى نور الإله العظيم قائلاً: "بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ إلى كِسْرَى عَظِيمِ فَارِسَ، سَلامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، وَآمَنَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ؛ وَشَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ إلى النَّاسِ كَافَّةً، لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا؛ أَسْلِمْ تَسْلَمْ، فَإِنْ أَبَيْتَ فَعَلَيْكَ إِثْمُ الْمَجُوسِ". فمزَّق كتاب رسول الله ، فقال رسول الله: "مُزِّقَ مُلْكُهُ". وشاءت إرادة الله تعالى أن يخرج سلمان الفارسي -الذي كان يدين بالزرادشتيَّة- من قريته باحثًا عن الدين الحقِّ، فتدرَّج باعتناقه النصرانيَّة قبل اعتناق الإسلام، وأثناء بحثه عن الحقيقة، يُحاوره والده قائلاً: "... فقال (أي والد سلمان ): أي بني دينك ودين آبائك خير من دينهم. فقلت: "والله ما هو بخير من دينهم؛ هؤلاء قوم يعبدون الله، ويدعونه، ويُصَلُّون له، ونحن إنما نعبد نارًا نوقدها بأيدينا، إذا تركناها ماتت". فينتهي به المطاف إلى اعتناق الإسلام دين الله الخاتم على يد خير البشر محمد في المدينة. وعندما فتح المسلمون بلاد فارس بَقِيَ بعض المجوس على دينهم، فعاملهم المسلمون معاملة تُظهر ما تربَّوْا عليه من رُوح السماحة، وقد تجلَّت هذه الرُّوح في حُسْنِ المعاشرة، ولطف المعاملة، ورعاية الجوار، وقد حضَّ القرآنُ الكريم المسلمينَ على التحلِّي برُوح السماحة في آيات قرآنيَّة كثيرة، منها قوله تعالى: {لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة: 8، 9]. لذا تحرَّك المسلمون وسط المجوس وهم يحملون تعاليم الإسلام من رفق بالضعيف، وإطعام للجائع، وكساء للعاري، فلم يتعرَّض أحدٌ منهم لإيذاء أو امتهان؛ فكان ذلك سببًا من أسباب دخول كثير منهم في دين الإسلام راغبين. وجاءت سيرة النبي وصحابته مليئةً برُوح هذه السماحة التي عامل فيها المسلمون المجوس، فممَّا يُروى عن عامر بن الخطاب أنه لما أُصِيبَ من أبي لؤلؤة المجوسي، أوصى عمر بن الخطاب بأهل الذمَّة من بعده خيرًا، وأن يوفَّى بعهدهم، وأن يُقاتَل مِنْ ورائهم، وألا يُكلُّفوا فوق طاقتهم. وعندما تحرَّك صحابة رسول الله لتعريف هؤلاء المجوس بحقيقة الإسلام، وقف كسرى وأعوانه من جبابرة الفرس فحالوا دون إبلاغ الرسالة الإسلاميَّة لهؤلاء العامَّة، فكان ذلك سببًا في وقوع الغزوات الإسلاميَّة على بلاد فارس، بداية من خالد بن الوليد، وانتهاءً بانتصار المسلمين في موقعة القادسية بقيادة سعد بن أبي وقاص ، وما لحقها من غزوات وفتوحات أخرى في عمق الدولة الفارسيَّة، وحينما استقرَّ الأمر للمسلمين بدأ الناس في هذه البلاد في التعرُّف على الإسلام، والدخول فيه أفواجًا، ولكن قلَّة من هؤلاء ظلوا يَدِينون بالمجوسيَّة. الزرادشتية في عهد الخلافة الأموية مع استمساك بعض هؤلاء الفرس بالزرادشتية في ظلِّ الإسلام الذي أصبح واقعًا في بلاد فارس، فإن مفهوم الزرادشتية -من الناحية الواقعية- وقت الإسلام بات يأخذ منحًى آخرًا أشدَّ خطرًا من كونها مجموعة ذمِّيَّة قابعة في مكان بعينه، تقيم شعائرها الدينيَّة المتعارف عليها؛ فالأمر بدأ يدخل في اتجاه التشيُّع، فأصبح مأوى لكلِّ من أراد هدم الإسلام لعداوة أو حقد، ومن كان يُريد إدخال تعاليم آبائه من يهودية ونصرانية وزرادشتية وهندية؛ فتستَّر بعضُ الفرس بالتَّشَيُّع وحاربوا الدولة الأموية، وما في نفوسهم إلاَّ الكره للمسلمين العرب ودولتهم، والسعي لاستقلالهم، فأرادوا كيد الإسلام بالمحاربة عن طريق الحيلة؛ لعجزهم عن مواجهته الصريحة، فرأَوْا أن كيده بالمحاربة عن طريق الحيلة أنجع، فأظهر قوم منهم الإسلام، واستمالوا أهل التشيُّع بإظهار محبَّة أهل البيت، واستبشاع ظُلْم عليٍّ، ثم سلكوا بهم مسالك شتَّى أخرجوهم عن طريق الهدى. الزرادشتية في عهد الخلافة العباسية أخذ الأمر بالتطوُّر حتى ظهر في العصر العباسي ما يُسمَّى بالشعوبيَّة، تلك الحركة التي استغلها الحاقدون على الإسلام لبثِّ معتقداتهم الفاسدة داخل بنيان الإسلام الشامخ. ثم تَعَدَّد المجوس الزرادشتية وتنوَّعت أغراضهم، فانقسموا إلى مجموعة من الفرق، بعضها جاهر بعدائه للبعض، خاصَّة في العصور المتأخِّرة، وقد أوضح الشهرستاني جملتهم في العصر الإسلامي العباسي، فقال: "ومن المجوس السيسانية، والبهافريدية، ورئيسهم رجل يُقال له: سيسان، من رستاق نيسابور، من ناحية يُقال لها: خَوَاف. خرج في أيام أبي مسلم صاحب الدولة، وكان زمزميًّا في الأصل يعبد النيران، ثم ترك ذلك ودعا المجوس إلى ترك الزمزمة، ورَفْضِ عبادة النيران، ووضع كتابًا، وأمرهم فيه بإرسال الشعور، وحرَّم عليهم الأُمَّهات والبنات والأخوات، وحرَّم عليهم الخمر، وأمرهم باستقبال الشمس عند السجود على ركبة واحدة، وهم يتَّخذون الرباطات، ويتبادلون الأموال، ولا يأكلون الميتة، ولا يذبحون الحيوان حتى يهرم، وهم أعدى خلق الله للمجوس الزمازمة". ونجد في بعض كتب التاريخ ما يُنبئنا عن أخبار هؤلاء الزرادشتيين، المتفاوتين في الأقطار المختلفة أثناء الخلافة الإسلاميَّة العباسيَّة، خاصَّة مَن لمع نجمه منهم، وكان له أثر فيمن حوله؛ ففي أواخر القرن الثالث الهجري، أسلم سامان أمير بلخ، وكان زرادشتيًّا، وأسس مملكة إسلاميَّة هي الدولة السامانيَّة. وفي سنة (259هـ/873م) دخل جمع كبير من أهل الديلم الزرادشتيين في الإسلام على يد ناصر الحقِّ أبي محمد. وفي سنة (299هـ/ 912م ) دعا الحسن بن عليٍّ -من الأسرة العلويَّة التي كانت تحكم الشاطئ الجنوبي لبحر قزوين- أهلَ الديلم وطبرستان إلى الإسلام، فأجاب أكثرهم، وكان بعضهم وثنيين وبعضهم زرادشتيين. وفي سنة (394هـ/1003م) دخل الشاعر المشهور مهيار الديلمي في الإسلام على يد الشريف الرَّضِيّ، وكان من عبدة النار، وقبله في أوائل القرن الثاني للهجرة وأوائل القرن الثامن الميلادي خرج من الزرادشتية إلى الإسلام عبد الله بن المقفَّع، وغيرهم من كبار المجوس الذين تركوا مِلَّتهم القديمة الفاسدة إلى ضياء الإسلام. وظلَّ المسلمون يعاملون المجوس المعاملة الحسنة -ما داموا خاضعين لقوانين الدولة الإسلاميَّة، ومن أهمِّها مراعاة مشاعرهم- على مدار التاريخ كله، مطبِّقين فيهم مبدأ العدل الذي تربَّوْا عليه، والذي اتخذوه شعارًا ومنهاجًا بينهم وبين غيرهم من أهل الأديان الأخرى، فكان ذلك سببًا في انصهار المجوس داخل المجتمع المسلم، لهم ما للمسلمين من حقوق، وعليهم ما على المسلمين من واجبات، آمنين مأمونين على أنفسهم وأموالهم وذراريهم؛ فقد عاشوا العدل الإسلامي واقعًا، وأمنوا كل مكر قد يحيق بهم؛ فالإسلام دين يدعو إلى العدل والقسط وحفظ النفس التي حرَّم الله قتلها بغير حقٍّ. الزرادشتيون في العصر الحديث انحسرت الديانة الزرادشتية بشكل كبير، حيث لم يبقَ من أتباعها في العالم سوى 200 ألف نسمة, وهم كالآتي: 69601 زرادشتي في الهند حسب إحصاء سنة 2001م، و5000 زرادشتي في باكستان يتمركزون في مدينة كراتشي، وما بين 18 إلى 25 ألف زرداشتي في قارة أمريكا الشمالية، وكذلك فإن هناك جالية كبيرة في إيران, حيث يتواجدون بشكل خاصٍّ في مدن يزد وكرمان، إضافة إلى العاصمة طِهران، كما يُوجد لهم نائب في البرلمان الإيراني، وهناك جالية صغيرة في منطقة آسيا الوسطى (بلخ، وطاجيكستان)، التي كانت موطن الديانة الزرادشتية سابقًا. أعياد الزرادشتيين ولغاتهم يحتفل الزرادشتيون بعيد النيروز، الذي هو أول أيام سَنَتِهِم، وقد استمرَّت الاحتفالات بعيد النيروز تقام في إيران منذ أيام الخلافة العباسيَّة؛ حيث كان التأثير الفارسي واضحًا في صبغ مظاهر الحياة الثقافية والاجتماعيَّة وإلى التاريخ المعاصر، إذ بلغت ذروتها في أيام الشاه محمد رضا بهلوي (1941- 1979م)، فكانت العطلة تقارب أسبوعًا كاملاً، إضافة إلى أسبوعين عطلة للجامعات والمدارس، بعكس عطلتي عيد الفطر والأضحى حيث خصّص لكل منهما يوم واحد فقط. وانعكس هذا على وضع المجوس في كردستان العراق، فبعد أن كانت عطلة النيروز يومًا واحدًا (21 مارس) حسب الاتفاق الذي أبرمته قيادة الحركة الكرديَّة مع الحكومة العراقيَّة في (11 من مارس1970م)، وصلت إلى أربعة أيام كجزء من الصراع الذي كان دائرًا بين الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البرزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة جلال الطالباني. وأخيرًا تمَّ تثبيت ثلاثة أيام كعطلة للنيروز في حكومتي إقليم كردستان في أربيل والسليمانيَّة للأيام (21 و22 و23 مارس) من كل سنة، بالرغم من الانتقادات التي كانت تُوَجَّه على استحياء إلى حكومة إقليم كردستان من بعض الاتجاهات الإسلاميَّة الحزبيَّة والشعبيَّة، وقد يكون مبرِّرُ هؤلاء أنهم يقتدون بالدولة الإيرانيَّة الإسلاميَّة، والتي تُبيح هذه الاحتفالات في بلادها!!. لغات الزرادشتيين يستعمل الزرادشتيون اللغة الداري (مختلفة عن الداري الأفغانية)، التي تسمَّى أحيانًا في إيران لغة غابري أو بيهديان، كما أن الزرادشتيين في الهند يتحدَّثون اللغة الغوجراتيَّة أيضًا، ويسمون في الهند بالبارسيين. |
|
10-07-2018, 12:41 PM | #11 |
| الشنتويه ديانة ظهرت وتطورت في اليابان. لم تعرف ديانة الشنتو -والتي تركت أثرا بالغا في التفكير الياباني- طريقها إلى الانتشار على غرار الديانات الأخرى. ليس لهذه الديانة تعاليم محددة، الشيء الذي جعلها تنفتح على العادات الدينية الأخرى بدون أن تؤثر هذه في خاصيتها وتأصلها الفريدين. الشنتو والتقاليد التي تلازمها ظلت دائما متواجدة في مظاهر الحياة اليومية اليابانية. يصعب وصف الديانة الشنتوية لأنه وعكس كل الديانات الأخرى، لا يعرف لها مؤسس ولا معتقد تقوم عليه، لا يمكن أن نعرفها إلا عن طريق مجموعة من العادات والممارسات. عبر التاريخ نشأت وتطورت عدة فرق وطوائف تدعي كلها الانتماء إلى عقيدة الشنتو الأولية، ولكن أي من هذه الطوائف لم ينجح في أن يفرض نظرياته وادعاءاته. تم اشتقاق اللفظ "شنتو" من اللفظة الصينية وبما أنه يتم قراءة أغلب الحروف الصينية بطريقتين (الطريقة الصينية الأصلية والطريقة اليابانية المحلية)، فإن الكتابة يمكن أن تقرأ أيضا -على الطريقة اليابانية-: "كامي نو ميشي" -ومعناها طريق الآلهة-، ظهر اللفظ لأول مرة في مخطوطة "أخبار بلاد اليابان" أو "نيهون شوم . ويظهر أنه قد استُعمل منذ فترة أزوكا لتمييز العادات والطقوس التي عرفتها البلاد قبل إدخال البوذية. لازلنا إلى الآن نجهل الكثير عن فترة الشنتو التي سبقت دخول البوذية إلى اليابان، رغم أن بعض الحفريات توصلت إلى العثور على بعض المستلزمات التي تدل بدون شك على وجود عادات وطقوس روحانية وسحرية تعود إلى فترة جومون. هذه الطقوس القديمة يبدو أنها ترسخت أثناء فترة يايوئي مع دخول تقنية زراعة الأرز إلى اليابان. تطورت بعض الطقوس المصاحبة لزراعة الأرز مع التقويم الزراعي، تقوم على إحياء هذه الطقوس بعض النساء من العرافات (الشامانيات) واللاتي كن يقمن بالوساطة مع العالم الآخر كما يتنبأن بالحوادث المستقبلية. كانت العرافات تتمتعن بسلطة كبيرة، ثم تناقصت هذه مع بداية توحيد البلاد وهيمنة مملكة ياماتو. في القرن الـ5 للميلاد، وأثناء فترة كوفون، صاحبت مرحلة تشكل وتنظيم السلطة الجديدة في البلاد، ظهور طقوس جديدة،، وضعت لكل مرحلة من مراحل حياة الإنسان طقوس معينة (الولادة، الرشاد، الوفاة). أهم هذه الطقوس تلك المتعلقة بالوفاة، كانت جنازة الأعيان تتم وفق طقوس معقدة وطويلة، ومن أهم الشواهد على هذه الطقوس الآكام الكبيرة من التراب التي اتخذت قبورا لهؤلاء الأعيان والتي لا زات ماثلة ليومنا هذا. بعض من النسوة يسحبن الـ"أومي كوجي"أو أوراق البخت في "مزار كسغا" الشنتوي في اليابان لا يوجد مؤسس معروف لديانة الشنتو، كما لاتوجد كتابات مقدسة. تقوم أعراف هذه الديانة على مجموعة من الأساطير، الحوليات والأشعار أو "مدونات بلاد اليابان" والتي تروي القصة الأسطورية لنشأة بلاد اليابان، كما تقوم بسرد نسب العائلة الإمبراطورية. بالإضافة إلى ذلك توجد العديد من الكتابات الأخرى على غرار "نوريتو" أو "الأحجار"، وبعض الأشعار الواردة في الـ"مان يوشو" أو "مجموعة العشرة آلاف ورقة" والتي قامت كلها بسرد العادات الدينية لليابان أثناء تلك الفترة. هذه النصوص والكتابات وضعت بعد دخول البوذية البلاد. رغم محاولتها تقديم شهادات حية على عقيدة الشنتو الأصلية، إلا أنه لا يمكننا من خلالها العثور على كيفية تطور هذه المعتقدات. في الحقيقة جاءت هذه الكتابات وغيرها كردة فعل منظمة وموحدة مع دخول البوذية البلاد، كان هدفها إثبات صلاحية وتوافق معتقدات الشنتو في مقابل أو مع ما تدعو إليه البوذية. لم يكن البحث في تطور هذه العقيدة هدفها الأول. العقيدة على عكس الديانات التوحيدية الأخرى، لا يوجد في الشنتوية تعريف للمطلق، لا يمكن لأحد أن يدعي الصواب المطلق ولا الخطأ المطلق، الناس في طبيعتهم غير معصومين من الخطأ. تعتبر الشنتوية من هذه الناحية ديانة متفائلة، حيث تفترض أن الإنسان كائن طيب في الأساس، وأن الشر يقع نتيجة تدخل الأرواح الشريرة، وتنحصر أغلب العبادات الشنتوية في إبعاد هذه الأرواح الشريرة عن طريق تنقية النفس، الصلوات وتقديم القرابين للـ"كامي". ليس لعقيدة التوحيد مكان في الشنتوية، فبسبب تعدد المظاهر التي يمكن أن تتجلى فيها القوى الإلهية، ربط اليابانيون بين كل ظاهرة وآلهة معينة، وأعداد الكامي لا يمكن حصرها، ويكن لأي شخص أن يعين آلهته الخاصة. لا يوجد في الشنتوية حياة بعد الموت، يعتبر جسد الشخص الميت شيئا مدنسا، تنطلق روح الميت، بعد أن تتحرر من جسدها المادي فتندمج مع قوى الطبيعة. يقوم أغلب اليابانيين عند تعرضهم لأمور متعلقة بالموت بتفويض أنفسهم إلى العقيدة البوذية. الكامي هي كل الأشياء والموجودات التي لا تنتمي إلى مجال التأثير المباشر للإنسان، كل ما هو غريب، عجيب، غامض ومريع. لا توجد للكامي أشكال محددة، كما أنها يمكن أن تتمثل في كل قوى الطبيعة (صخرة، شجرة أو حيوان). آلهة الشمس "أماتيراسو أومي-كامي": لوحة خشبية للفنان الياباني أوتاغاوا كونيسادا ع(1786—1864 م) لم يتم تعريف أغلب الـ"كامي" ولا حتى تحديدها بشكل دقيق. بقوم كل تجمع بشري (عائلة، عشيرة أو قرية) يتحديد الـ"كامي" التي يرهبونها والتي يمكن أن ينتظروا منها أفضالا (مننا) من خلال حياتهم اليومية:
على أن أشهر الـ"كامي" هي تلك المتعلقة بالعائلة الإمبراطورية، ومنها مثلا: آلهة الشمس "أماتيراسو أومي-كامي" تحكي الأساطير قصتهم، وتشهد بالأصول الإلهية لأباطرة اليابان. تم إنشاء أولى المزارات كـ"إيزي" و"إيزومو" لتقديس هؤلاء الـ"كامي". لا توجد في اليابان طقوس لعبادة وتقديس الأسلاف، رغم أن بعضهم (الأسلاف) ممن توفى في ظروف خاصة، قد يتم تعريفه على أنه كامي، على أن الأسلاف ليسو كلهم كامي. الأباطرة القدماء مثلا، لم يكونوا محل تعظيم خاص: وجب انتظار فترة مييجي حتى يقام مزار خاص لأول الأباطرة الإنسيين "جينمو-تينو"المقام الثاني (مقام ميجي) تم إنشاؤه بعد رغبة شعبية وليس لاعتبارات دينية معينة. المزارات طقوس الزواج حسب الأعراف الشنتوية (مزار مييجي -(طوكيو) تنتظم مظاهر العبادة في الشنتو ضمن أفراد نفس المجموعة البشرية. يتم تبجيل وتعظيم الكامي الرئيس للطائفة "أوجي غامي" في مكان معين، ويكون على الأغلب خارج القرية أو التجمعات البشرية، يحدد المكان عن طريق أرواق خشبية (من رَوْقْ: الرواق المفتوح) أو الـ"توري" ترمز هذه الأرواق إلى الخروج عن عالم الإنسان والدخول إلى عالم الكامي. كانت هذه الأمكنة في البداية عبارة عن فسحة خالية مخصص للآلهة فقط، تم بعدها تحويلها تدريجيا إلى مزارات، توحي هندسة مباني هذه المزارات بأنبار الأرز (مخازن الغلال). يتم تبجيل الكامي الأخريات، في أمكنة متنوعة: تشكل الصخور والأشجار التي تحيط بالقرية حدودا رمزية لجغرافيا القرية، كما أن تقويم (الرزنامة) العادات والأعياد، الخاص بهذه الجماعة، ينظمان إيقاع الحياة اليومية. تعتبر المزارات الشنتوية (وتسمهى بالمحلية جينجا) مكانا للعبادة ومقرا للكامي، أغلب الشعائر التي يتم تنظيمها هي ذات طابع احتفالي (ميتسومي)، وهدفها هو تعريف الكامي بالعالم الخارجي. يشرف كهنة الشنتو على الطقوس والشعائر، يعيش أغلبهم داخل المزارات. يستطيع أي رجل -أو حتى امرأة- أن يصبح كاهنا. بإمكان الكهنة التزاوج وإنجاب الأطفال. تقوم مجموعة من النساء في سن الشباب (ميكو) بمساعدة الكاهن في أداء الطقوس، وفي الأعمال الأخرى التي يقوم يشرف عليها، يرتدين لباسا أبيضا (كيمونو)، يتوجب عليهن أن يكنن غير متزوجات وغالبا ما يختارهن الكاهن من بين بناته. SHINTU العبادة تتضمن العبادة في الشنتوية أربعة عناصر هي:
أولاً وقبل كلّ شيء، هناك في حقلك المقدَّس أيُّها الاله المهيمن ليت حبة الأرزّ الأخيرة التي سيحصدونها، ليت الحبة الأخيرة من الأرزّ التي ستحصد، بحبات العرق المتساقط من سواعدهم، وتشدّ مع الوحل العالقين بالفخذين، ليت هذه الحبة تزدهر بفضلك، وتنفتح سنابل الأرزّ التي تتوق إليها الأيدي الكثيرة، فتكون أولى الثمرات في الشراب وأعواد النبات. »
الشنتو عقيدة بسيطة ولا تطالب أتباعها بطقوس خاصة ومعقدة، ويمكنها أن تتعايش مع المعتقدات الأخرى، ويتمسك اليابانيون بهذه الطقوس ويعتبرنها جزءا من كيانهم القومي. الطقوس والأعياد كاميدانا: هي عبارة عن مزارات مصغرة تتواجد في البيوت اليابانية وتخصص لتبجيل الكامي الخاص العائلة لا يمكن للبشر التعايش بسهولة مع الـ"كامي". لكل منها طبعها الخاص، بعضها يتمتع بروح الدعابة، وبعضها ذو روح عاصفة. يمكن لها أن تكون كريمة وسخية في بعض الأحيان، قاسية وشريرة عندما تداس حرماتها. تنحصر أولى مهام المجموعة (الطائفة) في تنظيم الإطارين المكاني والزماني بحيث تتداخل فيها مجالات البشر والآلهة (الكامي) بأقل طريقة ممكنة، وضع الحدود، الضوابط والمحرمات والسهر على احترامها، ومن جهة أخرى تنظيم الشعائر. توجد شعائر خاصة لحماية البشر من مظاهر غضب قوى الطبيعة (الزلازل، الجفاف، الفيضانات، الأوبئة، الحرائق..). وأخرى تهدف إلى استعادة التناغم بين الجماعات البشرية والكامي عندما يهدد ظهور القوى الطبيعية الفجائية في حياة الإنسان (المولد، الممات) هذا التوازن، وشعائر أخرى احتفالية (ماتسوري)، والتي تقام بشكل دوري مع كل موسم زراعي جديد وقبل مرحلة الجني والحصاد عادة، يتم فيها تبجيل الآلهة حتى ترضى وتعم بركتها على الموسم. |
|
10-07-2018, 12:42 PM | #12 |
| المانوية البابلية لا يمكن وضع المانوية ضمن أديان العراق القديم ، بل هي ديانة نشأت في القرن الثالث الميلادي، اي في المرحلة الثانية من تاريخ العراق ، ونعني بها المرحلة الآرامية المسيحية . لكننا فضلنا الحديث عنها ضمن نفس الفصل ، لأنها ديانة عراقية أصيلة انبثقت من احظان المندائية العراقية ، وظلت نشطة حتى العصر الاسلامي ، حيث تركت آثارها الواضحة في التصوف العراقي . تعتبر(المانوية) واحدة من أبرز الأمثلة على التغريب والتشويه اللذين تمت بهما كتابة تاريخ المنطقة العربية , خصوصاً بالنسبة إلى الحقبة » الآرامية السريانية « التي وحدت ثقافياً ولغوياً العراق والشام (بلاد الهلال الخصيب) خلال الألف عام التي سبقت الفتح العربي الإسلامي . ومن المثير للعجب إتفاق جميع المؤرخين العرب والأجانب على اعتبار » المانوية « ديناً آرياً فارسياً , رغم جميع الشواهد التي تدحض تماماً مثل هذا الرأي , وتبين بصورة قاطعة أن هذا الدين عراقي الموطن , مؤسسه رجل بابلي , واللغة التي نطق وكتب بها هي السريانية , لغة أهل العراق والشام خلال عدة قرون قبل الفتح العربي , والتراث الديني الذي نهل منه هو التراث السامي : البابلي العرفاني المسيحي . يبدو أن السبب الأول لهذا التشويه التاريخي مرتبط بالفكرة الخاطئة التي تعتبر أجنبياً , كل تراث الحقبة التي سبقت الفتح العربي الإسلامي . فهو تراث فارسي فيما يخص العراق , وإغريقي روماني فيما يخص الشام ومصر وشمال أفريقيا. لأنه خلال هذه الحقبة كانت المنطقة خاضعة للسيطرة الفارسية بالنسبة إلى العراق , والإغريقية الرومانية بالنسبة إلى باقي المنطقة . إن التشويه الذي تعرض له تاريخ (المانوية) مثال ساطع على التجاهل والتشويه الشاملين اللذين تعرضت لهما جميع تفاصيل التراث السابق للفتح العربي : التراث العرفاني (الغنوصي) واليهودي والمسيحي والصابئي والمانوي والهرمزي , كذلك جميع الابداعات الثقافية واللغوية والحضارية في مجالات الفنون والعلوم والفلسفة واللغات والآداب السريانية والقبطية. إذ تم احتساب تراث هذه الحقبة على تراث الدول التي كانت مسيطرة على المنطقة . بعد سقوط بابل في (539) قبل الميلاد على يد الفرس الأخمينيين بسط الإيرانيون نفوذهم على بلاد الرافدين حتى القرن السابع , أي ما يقرب من 11 قرناً . تخلل هذه الحقبة ثورات وتمردات فاشلة قام بها العراقيون , بالإضافة إلى حروب طاحنة بين الإيرانيين من جهة والاغريق والرومان من جهة ثانية للسيطرة على العراق . وقد تمكن الاغريق والرومان من انتزاع العراق من الفرس عدة مرات وفرض سيطرتهم عليه مدة عقود وقرون متقطعة , لينتزعه الفرس منهم من جديد . وهذه الحقبة تشبه إلى حد بعيد الحقبة التي أعقبت سقوط الدولة العباسية ونشوب الصراع بين الأتراك والفرس للسيطرة على العراق . ظروف نشوء المانوية خلال هذه القرون الطويلة تمكن أهل الرافدين من الحفاظ على هويتهم السكانية والثقافية والدينية المتميزة عن إيران . وظل الانتماء السامي هو السائد وظلت اللغة الآرامية أولاً ثم فرعها السرياني منتشرين بين العراقيين , بل ان العراقيين فرضوا لغتهم السريانية لتكون لغة الثقافة الأولى في الامبراطورية الإيرانية نفسها بحيث فضلت اللغة الفارسية (البهلوية) استعمال الأبجدية السريانية , والتخلي عن نظام الكتابة المسمارية الذي سبق ان اقتبسوه أيضاً من أهل الرافدين . ثم إن العراقيين ظلوا بعيدين عن الإيمان بالدين الزرادشتي الذي كان الدين القومي والرسمي للايرانيين . حافظ العراقيون على ديانتهم السامية - البابلية الموروثة والقائمة على عبادة الآلهة الممثلة للكواكب وقوى الطبيعة والمنقسمة عموماً إلى ثنائية قوى الخير والنور وقوى الشر والظلام . علماً أن هذه الثنائية البابلية هي التي اثرت في الإيرانيين وديانتهم الزرادشتية , وليس العكس كما توهم عادة المؤرخون . كان هناك ايضاً تواجد مهم لطوائف يهودية نشطة في انحاء الرافدين , منذ جلبهم من فلسطين على يد الكلدانيين . ومع انبثاق المسيحية في بلاد الشام في القرن الأول الميلادي , بدأ بالتدريج تتسرب الى العراق من القسم الشمالي (الرها ونصيبين) ثم نينوى وكرخاسلوخ (الاسم السرياني لكركوك الحالية) حتى ولاية بابل ومنها الى ولاية ميسان في الجنوب (وكانت تشمل كذلك البصرة والأهواز) . وكانت هذه المسيحية مصحوبة بتيارات عرفانية غنوصية وهرمزية صوفية , قادمة من الشام ومصر, مع بعض التأثيرات الإغريقية. وبدأت تتشكل طوائف مسيحية عدة في شمال ووسط بلاد الرافدين , بالإضافة الى الصابئة في الجنوب الذين مزجوا المسيحية بالعرفانية مع أصول الدين البابلي . ديانة عراقية في مثل تلك الظروف السائدة في العراق في القرن الثالث الميلادي نشأ الدين المانوي, حيث اشتق من اسم رجل بابلي أعلن النبوة يدعى (ماني) . جميع المصادر التاريخية فارسية وعربية وغربية تتفق على القصة التالية لسيرة هذا النبي : » ولد ماني عام 216 ميلادي في احدى قرى ولاية بابل وكان دينه بابلي (وثني) , وفي سن الرابعة رحل أبوه إلى احدى قرى ولاية ميسان في جنوب العراق . هناك نشأ (ماني) على الدين الصابئي . وفي سن الشباب أخذ (ماني) يتنقل في أنحاء الرافدين واستقر في بابل . أعلن (ماني) نبوته وتكوينه للدين (المانوي) الذي انتشر خلال أقل من قرن من الصين حتى أسبانيا وبلاد الغال ... « ( لمزيد من التفاصيل راجع الموسوعة الكونية الفرنسية - جزء 11- ص646) . لكن مشكلة تحديد هوية هذا الدين وصانعه (ماني) , تبدأ عند الحديث عن الشعب والحضارة اللذين ينتمي إليهما. بكل بساطة تم اعتباره إيرانياً فارسياً لأنه ظهر في بلاد الرافدين بينما كانت تابعة للأمبراطورية الايرانية . مثلما تم اعتبار المسيح وتراث المسيحية جزءاً من تاريخ روما , لأن المسيحية نشأت في الشام في ظل السيطرة الرومانية ! جميع تفاصيل تاريخ المانوية تثبت بلا جدال عراقية هذا الدين وعلاقته المباشرة بما سبق وبما لحق من تاريخ العراق الفكري والديني حتى نهاية العصر العباسي . ويمكن تقديم المبررات التالية للبرهان على هذه الحقيقة : 1- ثمة تبرير عرقي فارسي طالما تمسك به المؤرخون الإيرانيون والعرب والأجانب قائم على الشك بأن النبي (ماني) ربما يعود بأصوله من ناحية أمه أو أبيه الى الفرس وبالذات إلى العائلة الملكية الأخمينية . لكن جميع الشواهد التاريخية تثبت أن هذا النبي ينتمي عرقياً بصورة أكيدة الى سكان العراق . قد يمكن الافتراض أن أمه فارسية , لكن بعض المصادر تذكر ان اسمها » مريم « . أما أبوه فلا يمكن أن يكون فارسياً , وذلك لعدة أسباب : أن اسمه (فاتك) , وهذا الاسم لا يمكن أن يكون فارسياً لأنه اسم سامي عراقي , (من فعل فَتَكَ) ومستخدم حتى الآن في العراق . ثم إن اسم (ماني) هو ايضاً ليس اسماً فارسياً , إنما هو اسم سامي كذلك , لفظه العربي (أماني) وهو من (التمني) واللقب الذي كان يُعرف به هو (ماني حيا) أي (ماني الحي) , ومنه أتى المصطلح اللاتيني لهذا الدين (Manicheisme) أي (ماني - حيا-سيم) . 2- إن الزرادشتية كانت الدين القومي لجميع الايرانيين, بينما عائلة (ماني) مثل باقي العراقيين كانت على الديانة البابلية أولاً عندما كانت تقطن بابل , ثم بعد الاستقرار في ميسان اعتنقت هذه العائلة الديانة الصابئية , وهي طائفة منتشرة حتى الآن في جنوب العراق - بما فيه الأهواز- , ثم إن جميع الباحثين يعترفون بأن علاقة المانوية بالزرادشتية ضئيلة جداً , ولم تدخل بعض التسميات الإيرانية إلى المانوية إلا بعد انتشارها في إيران وترجمة كتب (ماني) السريانية الى اللغة البهلوية. علماً أن المانوية قد اقتبست الكثير من المسميات من جميع الشعوب التي وصلتها , فمثلاً في آسيا والصين أطلق (ماني) على نفسه لقب (بوذا الحي) . وغدا واضحاً أن المانوية كانت متأثرة أساساً بالدين المسيحي , وبالذات بالأفكار الثنوية للقديس السرياني (بن ديصان) الذي دعا إلى نوع من المسيحية الثنوية , بالاضافة الى المعتقدات البابلية والسامية السائدة . لقد استخدم (ماني) أساساً اسماء ملائكة اقتبسها من البيئة السريانية , مثل جبرائيل ورفائيل وميخائيل وإسرائيل , بالاضافة إلى يعقوب نبي العهد القديم . واعتبر (ماني) نفسه خاتم الانبياء والروح القدس التي تحدث عنها المسيح . إن (الثنوية) التي اعتقدت بها المانوية لم تكن ايرانية , كما تصور خطأ الكثيرين من المؤرخين , بل هي أساس المعتقدات البابلية والسامية . يكفي معاينة أديان السومريين والساميين لإدراك أن هناك دائماً آلهة للخير والنور بأسماء متنوعة مثل (تموز وبعل وشمش وإيل ومردوخ وآشور) تقابل آلهة الشر مثل (نرجال وأريشكيجال وايراومروت) . وثنائية الخير والشر هذه وجدت تعبيرها في الأديان السامية السماوية من خلال مفهوم الله رمز الخلق والخير والنور, والشيطان رمز الشر والخطيئة والظلام . (راجع السواح - مغامرة العقل - ص197) . 3- المؤرخون قاطبة يتفقون على أن (ماني) ولد وعاش في بابل وميسان , وكانت لغته الأم ولغة كتبه وإنجيله المعروف هي اللغة السريانية , وقد ترجمت جميع كتبه فيما بعد باللغات الفارسية والتركية (الايغورية) واليونانية واللاتينية والقبطية. وبدأ بنشر دينه أساساً بين سكان الرافدين . يمكن الاستشهاد بماني نفسه وهو يحدد بدقة وبعبارة صريحة غير قابلة لسوء الفهم , إنتماءه إلى أرض بابل وتمايز دينه عن باقي الأديان : » إن الحكمة والمناقب لم يزل يأتي بها رسل الله بين زمن وآخر, فكان مجيئها في زمن على يد الرسول (بوذا) إلى بلاد الهند , وفي زمن على يد (زرادشت) الى أرض فارس , وفي زمن على يد (عيسى) إلى أرض المغرب (الشام) . ثم نزل هذا الوحي وجاءت النبوة في هذا الزمن الأخير على يديّ أنا (ماني) رسول إله الحق الى أرض بابل ... « (راجع - إيران في عهد الساسانيين - ص 172) . ثم إن الأكثر من كل هذا , إصرار (ماني) على جعل بابل مقر الكنيسة الأم ومركز المرجعية الدينية والحوزة العلمية لجميع الطوائف المانوية في العالم , وبقي هذا التقديس الخاص لبابل لدى المانويين حتى نهايتهم بعد ألف عام . احتقار الحياة يمكن اعتبار المانوية أساس التصوف , فهي دين (غنوصي - عرفاني) متطرف في الزهد والتنسك وتقديس الموت واحتقار ماديات الحياة . قد تكون المانوية التي نشأت في العراق تعبيراً عن ردة فعل سلبية ومتشائمة إزاء الظروف القاسية التي عاشها العراقيون بسبب السيطرة الفارسية وفشل ثوراتهم ودمار الرافدين بعد تحول البلد الى ساحة للحروب الدائمة بين الامبراطوريتين الفارسية والرومانية . ثم الشعور بالخيبة والحسرة على ضياع أمجاد بابل القديمة وفقدان الامل بأية قدرة على الخلاص إلا بالزهد وتجنب ملذات الحياة . الفكرة الاساسية للمانوية يمكن ايرادها باختصار كالتالي : إن الله هو الخير والنور, والشيطان هوالخطيئة والظلام . جميع الأشياء المادية من أرض ونبات وحيوان وأجساد هي جزء من قوى الخطيئة والظلام , وجميع الأشياء الروحية من حلم وعقل وخيال هي جزء من قوى الخير والنور . إذن على الإنسان التواق إلى الخير والخلود في حدائق النور (الجنة) أن يحتقر الجسد وجميع ماديات الوجود , بالامتناع عن : الجنس والخمر واللحم , وتجنب جميع الخطايا . وقد يصل الأمر إلى حد احتقار الحياة ونبذ الجسد وتفضيل الموت , من أجل تخليص الروح والنور من سجن الجسد والظلام . واعتبر (ماني) أن روح الانسان المنيرة تتعذب على الجسد , صليب الظلام , مثلما تعذب (عيشو زاهي) (عيسى الزاهي) على صليبه . إن الخطيئة ترتكب بثلاث وسائل : القلب (النية) والفم (الكلمة) واليد (الفعل) . لهذا فإن وصايا (ماني) كانت : » لا ترتكب الخطيئة , لا تنجب , لا تملك , لا تزرع ولا تحصد , لا تأكل لحماً ولا تشرب خمراً « . طبعاً مثل هذه الوصايا لا يستوجب تطبيقها من قبل جميع أتباع المانوية , إنما فقط من قبل النخبة الدينية المنقسمة إلى أربع مراتب : 12 حواريون , و72 شماسون , 360 عقلاء , ثم الصديقون غير محدودي العدد . أما باقي المجتمع فيطلق عليهم (السماعون) الذين يلتزمون فقط بالصلاة أربع مرات يومياً , والسجود 12 مرة كل صلاة , والصوم شهر كامل كل عام في نيسان , ودفع العشر والزكاة وتقديم الغذاء للصديقين . تعتمد المانوية على كتب (ماني) المليئة بالشروحات والحكايات والأساطير المعقدة والمفصلة جداً . الأسطورة المانوية عن تكوين الخليقة تشبه إلى حد بعيد الأسطورة السومرية - البابلية المعروفة » حينوما عاليش « (حينما عالياً , أو حينما في الأعالي) , لكن أسماء الآلهة السامية القديمة تستبدل بها أسماء سريانية ومسيحية محدثة . مذهب التثليث في المسيحية (الأب والأبن والروح القدس) يستبدل (ماني) به » العظيم الأول « و » أم الحياة « , علماً أن هذا التثليث موجود في جميع الأديان البابلية والسامية , ولكن بأسماء مختلفة (مثلاً في قصة الخليقة البابلية هناك أبسو- الأب , وممو – الأبن , وتعامة - الأم) (راجع السواح - مغامرة العقل) . والطريف أن فكرة (تناسخ الأرواح) التي اقتبسها (ماني) من البوذية , حورها تماماً بما يتلاءم مع عقيدته الخاصة . ليس أي انسان يموت تنتقل روحه تلقائياً إلى إنسان آخر, إنما يعتمد ذلك على كونه خاطئاً أم لا . لأن تكرار الحياة يعتبر نوعاً من العقاب . فالإنسان النقي المؤمن تذهب روحه مباشرة إلى حدائق النور جنان الله , أما الإنسان الخاطيء فيعاقبه الله بإنتقال روحه إلى إنسان آخر ليعيش حياة أخرى وأخرى حتى يصبح نقياً ومؤمناً , فيتوقف التناسخ وتذهب روحه إلى جنة الخلود . تاريخ ماني والمانوية ولد (ماني) في 14 نيسان (أبريل) عام 216 ميلادية , قرب (المدائن) التي كانت مركز ولاية بابل والعاصمة الثانية للأمبراطورية الإيرانية . ولهذا يطلق على هذا النبي لقب (ماني البابلي) , ويقول عنه المؤرخون العرب والمسلمون : » نبي الله الذي أتى من بابل « (راجع فهرست ابن النديم) . عندما كان (ماني) في سن الرابعة , رحل به والده (فاتك) إلى قرية في ولاية ميسان جنوب العراق . ويبدو أن قرار الرحيل قد اتخذه الأب بعد أن تلقى ثلاث مرات نداءات إلهية بينما كان يتعبد في إحدى المعابد البابلية , تدعوه الى الرحيل إلى ميسان وكذلك تجنب الخمرة واللحم والجنس . في ميسان اعتنق ( فاتك ) دين الصابئة الذين يتكلمون لهجة آرامية قريبة إلى السريانية . وكان هذا الدين سائداً في جنوب العراق قبل هيمنة المسيحية , ويسميه العرب كذلك (دين المغتسلة) بسبب تقديسهم لعملية التطهر بالماء . وهو دين مزج بين روحانيات العرفانية والمسيحية (الشامية) مع رموز عبادة الكواكب البابلية , ويرتبط باسم النبي يحيى أو (يوحنا المعمدان) (لمزيد من المعلومات راجع الثقافة الجديدة- 248- ص25) . بقي (ماني) صابئياً حتى سن الواحدة والعشرين , بعدها بدأ تأثره مباشرة بالمسيحية وخصوصاً بالتجربة الحياتية للسيد المسيح وعذابات صلبه . وتذكر التقاليد المانوية أنه في سن الرابعة والعشرين , في 23 نيسان 240م . تلقى (ماني) رسالة النبوة من الله بواسطة الملاك (توأم - توما) , على أنه هو (الروح القدس) الذي بشر به النبي عيسى . حينها بدأ (ماني) يعلن أنه (نبي النور) و (المنير العظيم المبعوث من الله) , نتيجة هذا تم طرده من الطائفة الصابئية . رحل (ماني) مع أبيه وإثنين من أصحابه إلى بابل , منها قام بأول رحلة عبر بلاد فارس ثم الى الهند وبعدها إلى بالوشستان , حيث عاين ودرس الأديان السائدة من زرادشتية وبوذية وهندوسية . بعد عامين (242م) عاد (ماني) إلى ميسان بحرا عبر الخليج . وتذكر المصادر التاريخية أن ثمة قبائل عربية قادمة من عمان كانت متنفذة حينذاك في ميسان تحت سيطرة الحكم الفارسي (راجع ايران في عهد الساسانيين - ص75) . هناك شاءت الظروف , أن يخوض (ماني) تجربة مشهودة مكنته من فرض تأثيره على حاكم ولاية ميسان الفارسي (مهرشام) وكسبه الى جانب المانوية . وكان (مهر شام) هذا ايضاً شقيقاً للأمبراطور الأيراني (شاهبور) , حيث توسط لدى أخيه ليسمح لـ (ماني) بنشر دينه دون مضايقة . ومن المعروف عن (ماني) أنه بالاضافة الى شخصيته النبوية , فإنه كان طبيباً ونقاشاً ورساماً وكاتباً ومترجماً . وهو النبي الوحيد الذي قام بنفسه بكتابة إنجيليه وباقي كتبه المعروفة التي تزيد على سبعة , بينها كتاب مزين برسوم توضيحية ملونة , يعتقد أنها شكلت الأساس الأول لانبثاق فن النمنمة العراقي العربي ثم الفارسي والتركستاني (راجع الموسوعة الكونية - المصدر نفسه) . بدأ (ماني) بتكوين كنيسته في بابل وأطلق عليها (كنيسة النور) , وانتشرت الكنائس أولاً في بلاد الرافدين : ميسان والأهواز وبابل ونينوى وكركوك . لكن (ماني) لم يكتف بحدود الرافدين بل اعتبر نفسه (عيسى المخلص للانسانية جمعاء) , وأنه (خاتم الأنبياء) , ويقول في هذا الخصوص : » ندائي يتجه نحو الغرب وكذلك نحو الشرق , وهو يسمع بجميع اللغات وفي جميع المدن . كنيستي تفوق الكنائس السابقة , لأن تلك الكنائس قد اختيرت لبلدان ومدن محددة , بينما كنيستي أتت لجميع البلدان , وإنجيلي يبتغي جميع الأوطان .. « (الموسوعة - المصدر نفسه) . لهذا بدأ (ماني) يبعث تلامذته (الحواريين) الاثني عشر إلى جميع بقاع الأمبراطوريتين الفارسية والرومانية لنشر الدعوة الجديدة . فبعث أولاً الى الشام ومصر, ثلاثة من حوارييه , توما وهرمس وعدي . وخلال أقل من قرن انتشرت المانوية في مختلف بقاع الأرض , من شواطىء المحيط الهادي والهند والصين والتبت وسيبريا وتركستان وإيران ثم جميع الضفاف الشرقية للمتوسط حتى إيبريا وإيطاليا وبلاد الغال . لقد وجدت آثار معابد وكتابات ورسوم هذا الدين في جميع هذه البقاع, وأهم الوثائق وجدت في جنوب مصر (الفيوم) مكتوبة باللغة القبطية . يبدو أن المانوية كانت لها الانتشار خصوصاً بين الطوائف المسيحية بسبب علاقتها المباشرة معها . ومن أهم الذين تحدثوا عنها هو القديس (أوغسطين القرطاجي) الذي اعتنقها لعدة سنوات قبل أن يصبح فيلسوف المسيحية الأول . في تاريخ غير محدود بصورة تامة , بين (274-277) ميلادية , تم صلب (ماني) على أحد أبواب مدينة بيت العابات (جندشابور) في الأهواز , تم ذلك بقرار من الامبراطور الفارسي (برهام الأول) لأسباب سياسية طبعاً وبعد تحول (بابل) إلى مركز لدين عالمي واحتمال استعادتها من جديد لأمجادها السابقة , وما يشكله هذا من خطر على النفوذ الايراني . كذلك خوف رجال الدين الزرادشتيين الذين نقموا على (ماني) بسبب تأثيره المتزايد . لقد عذب (ماني) وصلب وقطعت أطرافه ثم احرقت جثته ونثر رماده . لكن المانويين ظلوا يعتقدون بصعوده إلى السماء مثل السيد المسيح , ويعتبرون هذا اليوم مقدساً يصومون خلاله ثلاثين يوماً في شهر نيسان . الضربات التالية تلقتها المانوية على يد الرومان . في عام 445م أعلن البابا (ليون العظيم) قراره بتحريم نشاط المانوية . وفي عام 527م قرر الامبراطور (جوستان) الحكم بالاعدام على جميع أتباع المانوية . لكن الكثير من المؤرخين الأوروبيين يعتقدون أن المانوية ظلت حية في أوروبا بأشكال خفية متعددة , خصوصاً بين الطوائف المسيحية السرية المؤمنة بالتصوف والروحانيات والطقوس السحرية والتي تعتمد في إيمانها على الأفكار الثنوية (Ledualisme) . في القرن الخامس حدث أول انشقاق في الكنيسة المانوية , حيث تم انفصال الطوائف المانوية في اسيا الوسطى (تركستان ومنغوليا) , ورفضوا تبعيتهم لكنيسة (بابل) وكونوا كنيستهم القومية . ثم اعقب ذلك انشقاق الكنيسة المانوية في بلاد فارس , وذلك بتكوين فرع قومي مستقل عن بابل , حمل اسم (المزدكية), نسبة الى مؤسسها (مزدك) الفارسي . يبدو أن هذه الطائفة ابتعدت عن المانوية بالاقتراب أكثر ناحية (الزرادشتية) , مع ميول » ثورية واشتراكية « . ربما لهذا السبب خلط معظم المؤرخين المسلمين والعرب بين المانوية (العراقية) والمزدكية (الايرانية) , علماً أن طائفة (المزدكية) , أثناء نفوذها في الدولة الايرانية , قامت باضطهادات ومذابح معروفة ضد المسيحية والمانوية في بلاد الرافدين , مما أدى إلى هجرة الكثير من المسيحيين والمانويين العراقيين إلى بلاد تركستان (الصغد) وتكوين جاليات مانوية مسيحية نسطورية نشطت بنشر الثقافة السريانية البابلية . إن الهروب المستمر للمانوية من العراق والمشرق , وخصوصاً أثناء اضطهادات الفترة العباسية أدى إلى تزايدهم في أواسط اسيا التركية المنغولية . في عام 745 كون الأتراك دولتهم (الأوغرية) على حدود الصين في منغوليا الشمالية. كان أحد ملوكهم يسمى (بوقي خان ) اعتنق المانوية وجعلها الدين الرسمي للدولة. من خلالها وصلت المانوية إلى الصين فشيدت المعابد المانوية إلى جانب المعابد البوذية , حتى وصلت إلى روسيا وسيبريا . لكن نهاية الدولة التركية الأوغرية عام 817 على يد القرغيز أدى الى نهاية المانوية في آسيا. ويُعتقد أنها استمرت في تركستان الصينية حتى القرن الثالث عشر, ومع اجتياح المغول بقيادة جنكيز خان تم القضاء التام على المانوية . لكن الأثر الكبير الذي تركه هذا الدين في شعوب آسيا يتمثل في تبنيهم للأبجدية المانوية (السريانية) في كتاباتهم الأوغرية التركية , بالإضافة إلى تأثيرات ثقافية ودينية لا تحصى . الاسلام والمانوية كانت القبائل السامية (العربية) النازحة قبل الاسلام , تندمج طبيعياً مع أهل الرافدين وتتبنى الأديان السائدة, مثل اليهودية والصابئية والمسيحية والمانوية. يذكر أن عمر بن عدي ملك الحيرة العربي كان من أنصار المانوية وحماتها المعروفين. يتحدث المؤرخ الإسلامي (ابن قتيبة) عن وجود المانوية في مكة قبل الاسلام : » وكانت الزندقة في قريش أخذوها من الحيرة « . علماً أن تسمية (زنديق) قد شاعت في الفترة الإسلامية بمعنى (المانوي) . لقد اقتبس العرب هذه التسمية من الفرس , الذين كانوا منذ قرون يطلقونها على المانوية بمعنى (المنحرفين عن الدين) , وهناك من يعتقد أنها ربما كانت مشتقة من (صديق) السريانية وتعني رجل الدين المانوي (للمزيد من التفاصيل عن المانوية والإسلام , راجع - التاريخ الاسلامي - فاروق عمر- ص193,213 ) . يبدو أن الفتح العربي لم يضعف المانوية , بل على العكس منحها بعض الزخم , بسبب كثرة اتباع المانوية في العراق بعد هجرة الأعداد الكبيرة منهم من الشاميين والمصريين إلى العراق بعد حكم الاعدام الذي كان قد أصدره الرومان بحقهم . ثم إن الإسلام في أول الأمر لم يكن موقفه واضحاً من المانوية , وقد اعتبرها في البدء من أديان أهل الكتاب . في العصر الأموي تمتع أتباع المانوية ببعض الحرية , خصوصاً في زمن الخليفة (الوليد الثاني -743-744) . وتذكر المصادر العربية أنه بين 754-775م كان (إمام الكنيسة المانوية) في أفريقيا هو أبا هلال الديهوري . ومما ساعد على نشاط المانوية في العصر الأموي استخدام الكثير من اتباعها كتّاباً في الدواوين في العراق بدل المجوس الفرس , وذلك بعد قرار تعريب الدواوين في ولاية الحجاج بن يوسف الثقفي , بعد أن كانت باللغة الفارسية . ويبدو أن الاستعانة بأتباع المانوية في الدواوين وسع المجال أمامهم وركز أهميتهم . (نموذج ساطع لسوء فهم المؤرخين العرب , عندما يستغرب مؤرخ » قومي ! « مثل عبد العزيز الدوري هذا التحول نحو المانوية في الدواوين الأموية , لأنه لا يدرك أن الزرادشتيين فرس ولا يتقنون غير الفارسية , أما اتباع المانوية فأنهم عراقيون فكانوا يتقنون العربية القريبة من السريانية , لغتهم الأصلية . ولهذا تم استخدامهم في عملية تعريب الدواوين) (راجع – الدوري - الجذور التاريخية للشعوبية - ص22) . رغم تزايد الاضطهاد ضد المانوية في الفترة العباسية بإسم مكافحة الزندقة والمثنوية والإلحاد والدهرية والمجون , إلا أن أتباعها كانوا نشيطين خصوصاً في المجال الفكري , وشكلوا الحلقات الثقافية التي يطلق عليها » إخوان الصدق « ( لاحظ التشابه مع » اخوان الصفا « ) . ويصف الجاحظ نوعية كتبهم بأنها : » أجود ما تكون ورقاً يكتب عليه بالحبر الأسود البراق ويستجاد له الخط « . ويذكر المؤرخون المسلمون أسماء لا تحصى من المثقفين الذين اتهموا بالزندقة (المانوية) في هذه الفترة . (قد يمكن تشبيه تهمة المانوية والزندقة بتهمة الشيوعية والماركسية التي سادت العصر الحديث) . وقد شملت هذه التهمة كتاباً وشعراء مثل : صالح ابن عبد القدوس , بشار بن برد , أبو النواس , أبو العتاهية , حماد الرواية , عبد الله بن المقفع .. وغيرهم . وقد حكم بالموت على الكثير من هؤلاء المثقفين بسبب هذه التهمة . وهذا النشاط المانوي دفع الكثير من المثقفين المسلمين إلى تأليف الكتب للرد عليها وتفنيدها , مثل : واصل بن عطاء , الجاحظ , أبو محمد بن الحكم , الجبائي , النوبختي , المسعودي , الرازي , الرقي ... وغيرهم (راجع فاروق عمر - المصدر نفسه) . يعتبر الخليفة العباسي (المهدي) (775-785) , أول من أعلن الحرب ضد المانوية وجميع التيارات الفكرية المعارضة باسم مكافحة الزندقة , حتى سمي (قصاب الزنادقة) . وقد أنشأ من أجل ذلك (ديوان الزنادقة) بقيادة (عريف الزنادقة) . وكان اتباع المانوية يجبرون على المثول أمام القاضي , ثم يبصق المتهم على صورة (ماني) ويذبح طائراً , ذلك لأن المانوية تحرم ذبح الحيوان . وفي حالة رفضه التوبة فإنه يحكم بالموت . وقد اوصى المهدي ولده الهادي طالباً منه الاستمرار في محاربة المانوية , قائلاً : » إني رأيت جدك العباس في المنام قلدني سيفين وأمرني بقتل أصحاب الاثنين « . وفي أواخر العهد العباسي توسعت تهمة (الزندقة) حتى وصلت على يد الإمام الغزالي الى كل محاولة اجتهادية تخالف المذاهب السلفية وتنحرف عنها في التفسير (راجع فاروق عمر - المصدر نفسه) . واستمر الاضطهاد وتعاظم مع الخليفة (المقتدر) (908-932) , وحسب (فهرست ابن النديم) , أنه في أواخر القرن العاشر الميلادي , قد هبط عدد رموز المانوية في بغداد من 300 شخص إلى 5 أشخاص فقط . بسبب اضطهاد العباسيين اضطر الكثير من اتباع المانوية إلى الهروب من العراق إلى خراسان وكردستان وتركستان (ربما يكون اليزيديون في شمال العرق من بقايا المانوية الذين هربوا من اضطهاد العباسيين) . خاتم الانبياء من الخصال الكبيرة التي تميز بها الاسلام والمسلمون الأوائل هي القدرة على استيعاب معارف ومعتقدات الشعوب التي بدأ ينتشر بينها الاسلام . فمن المعروف أن الحضارة العربية الإسلامية بنت عظمتها من انفتاحها أولاً على تراث الشعوب التي أسلمت واستعربت , خصوصاً حضارات بلاد الرافدين والشام ومصر وشمال أفريقيا . ففي العراق مثلاً , بالإضافة إلى تراث المسيحية النسطورية والصابئية واليهودية , لعبت المانوية دوراً كبيراً في نقل الكثير من المعتقدات البابلية والعرفانية الصوفية إلى الحضارة العربية الإسلامية . يكفي ملاحظة التشابه الكبير بين الفلسفات الإشراقية والصوفية العربية الاسلامية وبين المانوية , ليس صدفة أن التصوف نشأ في حواضر العراق , البصرة والكوفة وبغداد , لأن الكثير من اتباع المانوية الذين تحولوا إلى الاسلام نقلوا معهم معتقداتهم الإشراقية والصوفية البابلية ومزجوها بالإسلام . طبعاً هذا لا ينفي التأثيرات المباشرة للمسيحية والعرفانية الشامية المصرية , بالإضافة إلى المجوسية الإيرانية والأفكار اليونانية . ومن التشابهات الواضحة بين المانوية والإسلام , أن (ماني) ادعى أنه النبي المخلص الذي بشر به المسيح وأنه (خاتم الأنبياء) . بالإضافة إلى تشابهات أخرى مثل تحريم الخمر, والصيام 30 يوماً , والوضوء بالماء أو التراب , والركوع أثناء الصلاة , وتفاصيل وصف الجنة والنار ويوم القيامة والحساب وعبور الصراط المستقيم . كذلك وجوب مساهمة أتباع المانوية (السماعين) بدفع جزء من أموالهم (عشر) و(زكاة) لرجال المانويين (الصديقين) . ويمكن الافتراض أن المانوية قد لعبت دوراً مهماً في تكوين الكثير من الطوائف الصوفية والباطنية , مثل الاسماعيلية والعلوية والدرزية . أما بالنسبة إلى تشابه المانوية مع المذهب الشيعي , فإنها تبدو قوية بحكم انبثاق التشيع في اراض الرافدين حيث كانت المانوية نشيطة . إن الكثير من اتباع المانوية (وكذلك النسطوريين) دخلوا المذهب الشيعي بحكم اشتراكهم مع باقي العراقيين في معارضة الحكمين الأموي ثم العباسي . يمكن ملاحظة هذا التشابه في مسألة الأئمة الإثني عشر (حورايو ماني كانوا كذلك 12, مثل السيد المسيح) . بالإضافة إلى الميول العرفانية والإشراقية في المذهب الشيعي القريبة جداً من إشراقيات المانوية . ثم إن مفهوم » الاستشهاد « وتضحية (ماني) بحياته من أجل إخلاص ملته , له تشابه كبير مع تبجيل الشيعة لذكرى استشهاد الإمام الحسين (ع) وتضحيته بحياته من أجل تقويم الإسلام . ويبدو أن طقوس الاحتفال بذكرى كربلاء وأيام عاشوراء تتشابه مع طقوس احتفال المانوية بذكرى استشهاد ماني وصلبه , وهذه بدورها لا تبتعد كثيراً عن طقوس الاحتفال بصلب المسيح , وقبلها لدى سكان العراق والشام بذكرى موت تموز (بعل) وعودته إلى حياة الخلود . ثم ان التشابه الأهم من ذلك بين الشيعة والمانوية , إختيار (الحلة) ثم (النجف) التي هي جزء من أرض بابل التاريخية , لتكون مركز الشيعة في العالم والمنطقة المقدسة ومقر الحوزة العلمية كما اختار المانويون وقبلهم أهل الرافدين (بابل) لتكون المركز المقدس لديانة أسلافهم |
|
10-07-2018, 12:50 PM | #14 |
| الجينية الجينــــــية ديانة منشقة عن الهندوسية، ظهرت في القرن السادس قبل الميلاد على يدي مؤسسها مهافيرا، وما تزال إلى يومنا هذا. إنها مبنية على أساس الخوف من تكرار المولد، داعية إلى التحرر من كل قيود الحياة، والعيش بعيداً عن الشعور بالقيم، كالعيب والإثم والخير والشر. وهي تقوم على رياضات بدنية رهيبة وتأملات نفسية عميقة، بغية إخماد شعلة الحياة في نفوس معتنقيها . كانت الجينية فرقة واحدة طيلة حياة مهاوبرا، ولم يحدث بها إلا خلافات غير عميقة الجذور سرعان ما كانت تلتئم، وبعد وفاة مهاويرا حدث انقسام خطير شطر الجينية إلى فرقتين، تسمَّى إحداهما ديجامبرا Digambara أي: أصحاب الزي السماوي، أي: الذين اتخذوا السماء كساء لهم (والمقصود بهم العراة). والثانية تسمَّى سويتامبرا Svetambara أي: أصحاب الزي الأبيض، وعن هاتين الفرقتين حدثت فرق أخرى كثيرة غير مهمة، ويلاحظ أن تعدد الفرق لم يمس الفلسفة الأصلية للجينية أو العقائد الرئيسة التي سبق أن تحدثنا عنها، وإنما اتصل بأمور ونقاط غير مهمة؛ وتحدث عن تفاصيل الأساطير وممارسة التقشف، ففرقة ديجامبرا ترى أن مهاوبرا حملت به أمه (ترى سالا) من بدء الأمر، لا أنه استلَّ جنينا من رحم ديونندا البرهمية، ثم ألقى به في رحم (ترى سالا) كما تعتقد فرقة سويتامبرا، وتنفي فرقة ديجامبرا عن مهاوبرا ما تراه غير لائق به، فتقول إنه لم يتزوج قط، وإنه هجر البيت والدنيا منذ مطلع حياته غير مبال بعواطف والديه، ويعتقدون أن العرفاء الكاملين لا يقتاتون بشيء، ويقولون: إن من يملك شيئا من متع الدنيا- ولو كان ثوبا واحدا يستر به عورته- لا ينجو، ويرون أن النساء لاحظ لهن في النجاة ما دمن في قوالب النساء، أي: إلا إذا دخلت أرواحهن في قوالب أخرى في حياة من الحيوات المتكررة، ويعتقدون أن التراث الديني المقدس للجينية قد ضاع كله، وأما فرقة سويتامبرا ففرقة معتدلة، ترى أن مهاويرا وإن كان ميالا - من وقت أن بدأ شعور - إلى هجر الدنيا، وقطع العلائق، إلا أنه لم يفعل ذلك في حياة والديه؛ احتراما لإحساسهما، ويروون عنه قوله في ذلك: ولا يليق بي وأنا الابن البار أن أنتف شعري، وأقبل على حياة التقشف والحرمان، تاركا البيت والأسرة؛ احتراما لعواطف والدي، وهم يبيحون الطعام للعرفاء، ويرون إمكان النجاة للنساء . يعتقد الجينيون أن ديانتهم ساهم في تأسيسها (24) ترنكاراً أو جيناً، حيث يظهر كل منهم في نصف دورة زمنية بدأت منذ الأزل. وسوف تستمر إلى ما لا نهاية. كان أول هؤلاء هو ريشابها أو أديناثا. ويعتبر وجود هؤلاء الجينيات من قبيل الأساطير التي لم تثبت تاريخيًّا. نيميناثا أو أريشتمانيمي: هو الجيني الثاني والعشرون، ويعتبرونه ابن عم كرشنا، ووصل إلى مرحلة النيرفانا (الخلاص) في مدينة سوراسترا في ولاية كوجرات. برشفا ابن ملك فاراناس، يعتبر الجيني الثالث والعشرين، وهو أول الشخصيات التاريخية. عاش في القرن الثامن قبل الميلاد. يعتبر مهافيرا المؤسس الحقيقي للجينية، وقد ولد عام (599) ق. م وترهبن في سن الثلاثين، وعلى يديه تبلورت معتقداته التي ما تزال قائمة إلى يومنا هذا، وقد سار بدعوته بنجاح حتى بلغ الثانية والسبعين من العمر، وتوفي عام (527) ق. م. ينحدر مهافيرا من أسرة من طبقة الكاشتر المختصة بشؤون السياسة والحرب. أبوه سدهارتها أمير مدينة في ولاية بيهار، ومهاويرا هو الابن الثاني له. عاش حياته الأولى في كنف والديه متمتعاً بالخدم والملذات العادية، وكان شديد التقدير والاحترام لوالديه، تزوَّج ورزق بابنة. لما توفِّي والده، استأذن أخاه في التخلِّي عن ولاية العهد، والتنازل عن الملك والألقاب. حلق رأسه ونزع حليَّه، وخلع ملابسه الفاخرة، وبدأ مرحلة الزهد والخلوة والتبتل، وكانت سنه آنذاك ثلاثين عاماً. صام يومين ونصف يوم، ونتف شعر جسده، وهام في البلاد عارياً مهتماً بالرياضات الصعبة والتأملات العميقة. اسمه الأصلي فردهامانا، لكن أتباعه يسمونه مهافيرا، ويزعمون أن هذا الاسم من اختيار الآلهة له، ومعناه البطل العظيم، ويطلقون عليه كذلك جينا، أي القاهر لشهواته، والمتغلب على رغباته المادية. يدَّعي أتباع هذه الطائفة بأن الجينية ترجع إلى ثلاثة وعشرين جينيًّا، ومهافيرا هو الجيني الرابع والعشرون. تلقَّى مهافيارا علومه على يدي بارسواناث الذي يعتبرونه الجيني الثالث والعشرين، وقد أخذ عنه مبادىء الجينية، وخالفه بعد ذلك في بعض الأمور، وزاد على هذه الطريقة شيئاً استخلصه من تجاربه وخبرته مما جعله المؤسس الحقيقي لها. غرق في تأملاته ورهبانيته، وعرَّى جسده هائماً في البلاد لمدة ثلاثة عشر شهراً، مداوماً على مراقبة نفسه في صمت مطبق، يعيش على الصدقات التي تقدَّم إليه. حصل بعدها على الدرجة الرابعة مباشرة؛ إذ كان مزوداً بثلاثة منها أصلاً كما يقولون. تابع بعد ذلك رحلة عدم الإحساس حتى حصل على الدرجة الخامسة، وهي كما يزعمون درجة العلم المطلق، ووصوله إلى مرحلة النجاة. بعد سنة من الصراع والتهذيب النفسي فاز بدرجة المرشد، وبدأ بذلك مرحلة الدعوة لمعتقده، فدعا أسرته ثم عشيرته، ثم أهل مدينته، ومن ثم دعا الملوك والقواد، فوافقه كثير منهم لما في دعوته من ثورة على البراهمة. استمرَّ بدعوته حتى بلغ الثانية والسبعين، حيث توفي سنة (527) ق. م. مخلفاً وراءه خطباً وأتباعاً ومذهباً. أرياشاما: عاش في القرن الرابع بعد مهافيرا. كونداكاوندا أكياريا: تقدره فرقة الديجامبرا، وكتب بعض الكتب والشروح، عاش في القرون المسيحية الأولى. انقسمت الجينية بعده إلى عدة أقسام، وصلت إلى ثمان فرق أو أكثر، أهمها الآن: ديجامبرا: أي: أصحاب الزيِّ السماوي العراة، وهم طبقة الخاصة الذين يميلون إلى التقشف والزهد، ومعظمهم من الكهان والرهبان والمتنسكين، الذين يتخذون من حياة مهاويرا قدوة لهم، وقد انقسموا مؤخراً إلى عدد من الفرق. سويتامبرا: أي: أصحاب الزي الأبيض، وهم طبقة العامة المعتدلون الذين يتخذون من حياة مهاويرا الأولى في رعاية والديه نبراساً لهم، حيث كان يتمتع حينها بالخدم والملذات، إذ يفعلون كل أمر فيه خير، ويبتعدون عن كل أمر فيه شر، أو إزهاق لأرواح كل ذي حياة، يلبسون الثياب، ويطبقون مبادىء الجينية العامة على أنفسهم. أقبل الملوك والحكام في الهند على اعتناق الجينية، مما سجَّل انتصاراً على العصر الويدي الهندوسي الأول، ذلك أنها تدعو إلى عدم إيقاع الأذى بذي روح مطلقاً، كما توجب أن يطيع الشعب حاكمه، وتقضي بذبح من يتمرَّد على الحاكم، أو يعصي أوامره، فصار لهم نفوذ كبير في بلاط كثير من الملوك والحكام في العصور الوسطى. نالوا كثيراً من الاحترام والتقدير أيام الحكم الإسلامي للهند، وقد بلغ الأمر بالإمبراطور أكبر الذي حكم الهند من (1556 – 1605) م, أن ارتدَّ عن الإسلام، واعتنق بعض معتقدات الجينية، واحتضن معلم الجينية هيراويجيا، مطلقاً عليه لقب معلم الدنيا. نزل مهاويرا قبل موته في مدينة بنابوري في ولاية تَبْنا، وألقى خمساً وخمسين خطبة، وأجاب عن ستة وثلاثين سؤالاً. فهذه الخطب وتلك الأسئلة أصبحت كتابهم المقدس. يضاف إلى ذلك، الخطب والوصايا المنسوبة للمريدين والرهبان والنسَّاك الجينيين. انتقل تراثهم مشافهة، وقد حاولوا تدوينه في القرن الرابع قبل الميلاد لكنهم فشلوا في جمع كلمة الناس حول ما كتبوه، فتأجَّلت كتابته إلى سنة (57) م. في القرن الخامس الميلادي اجتمع كبار الجينيين في مدينة ويلابهي، حيث قاموا بتدوين التراث الجيني باللغة السنسكريتية، في حين أن لغته الأصلية كانت أردها مجدى. ويوجد الآن عدد من الكتب والشروح والأساطير الكثيرة، يختلف الاعتراف بها من طائفة إلى أخرى. الجينية في الأصل ثورة على البراهمة، لذا فإنهم لا يعترفون بآلهة الهندوس وبالذات الآلهة الثلاثة (برهما - فشنو - سيفا)، ومن هنا سمِّيت حركتهم بالحركة الإلحادية. لاتعترف الجينية بالروح الأكبر أو بالخالق الأعظم لهذا الكون، لكنها تعترف بوجود أرواح خالدة. كل روح من الأرواح الخالدة مستقلة عن الأخرى، ويجري عليها التناسخ. لم يستطيعوا أن يتحرروا تحرراً كاملاً من فكرة الألوهية، فاتخذوا من مهافيرا معبوداً لهم، وقرنوا به الجينيات الثلاثة والعشرين الآخرين؛ لتكمل في أذهانهم صورة الدين، وليسدوا الفراغ الذي أحدثه عدم اعترافهم بالإله الأوحد. خلق المسالمة والمجاملة دفعهم إلى الاعتراف بآلهة الهندوس (عدا الآلهة الثلاثة) ثم أخذوا يُجلُّونها، لكنهم لم يصلوا بها إلى درجة تقديس البراهمة لها، ودعوا كذلك إلى احترام براهمة الهندوس باعتبارهم طائفة لها مكانتها في الدين الهندوسي. لا توجد لديهم صلاة، ولا تقديم قرابين، ولا يعترفون بالطبقات، بل هم ثورة عليها؛ إذ ليس لديهم سوى طبقتي الخاصة والعامة. ولم يجعلوا لخاصتهم من الرهبان أية امتيازات مما جعل الرهبنة ذات مشقة وتضحية وتكليف ذاتي. الكارما: الكارما لديهم كائن مادي يخالط الروح ويحيط بها، ولا سبيل لتحرير الروح منها إلا بشدة التقشف، والحرمان من الملذات. يظلُّ الإنسان يولد ويموت ما دامت الكارما متعلقة بروحه، ولا تطهر نفسه حتى تتخلَّص من الكارما، حيث تنتهي رغباته، وعندها يبقى حيًّا خالداً في نعيم النجاة. وهي مرحلة النيرفانا أو الخلاص التي قد تحصل في الدنيا بالتدريب والرياضة أو بالموت. النجاة: إنها تعني الفوز بالسرور الخالد الخالي من الحزن والألم والهموم، وتعني التطهر من أدران الحيوانية المادية، إنها ترمي إلى التخلص من تكرار المولد والموت والتناسخ. طريق الوصول إلى النجاة يكون بالتمسك بالخير، والابتعاد عن الشرور والذنوب والآثام، ولا يصل إليها الإنسان إلا بعد تجاوز عوائق ومتاعب الحياة البشرية بقتل عواطفه وشهواته. الشخص الناجي مكانه فوق الخلاء الكوني، إنها نجاة أبدية سرمدية. تقديس كل ذي روح. يقدِّسون كل ما فيه روح تقديساً عجيباً. يمسك بعض الرهبان بمكنسة ينظف بها طريقه أو مجلسه؛ خشية أن يطأ شيئاً فيه |
|
الكلمات الدلالية (Tags) |
مآ , أو , السلام , تنزل , ديانات |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
هل صحيح ان موسى علية السلام لطم عين ملك الموت فاعورة | سراج منير | ( همســـــات الإسلامي ) | 11 | 18-05-2018 08:39 PM |
فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه | سراج منير | ( همســـــات الإسلامي ) | 14 | 26-05-2017 03:24 PM |
صور اثار وقبور الانبياء والصالحين وغيرهم | مبارك آل ضرمان | ( همســـات التاريخ والتراث والأنساب) | 10 | 12-05-2017 11:48 PM |
أسرار التكرار في القرآن الكريم | ميارا | (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) | 11 | 13-02-2013 11:33 PM |