26-06-2018, 11:50 AM | #190 |
| لما أناخوا قبيل الصبح عيرهم ... ورحلوها فثارت بالهوى الإبل، وقلبت من خلال السجف ناظرها ... ترنو إلي ودمع العين منهمل، وودعت ببنان عقدها عتم، ... ناديت: لا حملت رجلاك يا جمل! ويلي من البين! ماذا حل بي وبها ... من نازل البين؟ حان البين فارتحلوا! يا راحل العيس، عرج كي نودعها! ... يا راحل العيس، في ترحالك الأجل؟ إني على العهد لم أنقض مودتهم، ... يا ليت شعري! بعد العهد ما فعلوا؟ قال: فقال رجل من البغضاء الذين معي: ماتوا! قال: قال إذن فأموت! فقال له: إن شئت! فتمطى واستند إلى السارية التي كان مشدودا فيها فمات. فما برحنا حتى دفناه. وحكي عن أبي يحيى التيمي، قال: كنا نختلف إلى أبي مسعر بن كدام، وكان يختلف معنا من النساك، يقال له أبو الحسن، ومعه فتى حسن الوجه يفتتن به الناس إذا رأوه. فأكثر الناس القول فيه وفي صحبته إياه. فمنعه أهله أن يصحبه وأن يكلمه. فذهل عقله حتى خيف عليه التلف. فلقيته فأخبرته بذلك، فتنفس الصعداء، ثم أنشأ يقول: يا من بدائع حسن صورته ... تثني إليه أعنة الحدق! لي منك ما للناس كلهم: ... نظر وتسليم على الطرق. لكنهم سعدوا بأمنهم ... وشقيت حين أراك بالفرق! ثم صرخ صرخة وشخص بصره نحو السماء وسقط إلى الأرض. فحركته فإذا هو ميت. وروى ابن الجوزي قال: أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي قال: حدثني أبو محمد علي بن أحمد الفقيه الحافظ قال: حدثني أبو عبد الله محمد بن الحسن المذحجي الأديب، قال: كنت أختلف في النحو إلى أبي عبد الله محمد بن خطاب النحوي في جماعة، أيام الحداثة. وكان معنا أسلم بن سعيد قاضي قضاة الأندلس. قال محمد بن الحسن: وكان من أجمل من رأته العيون. وكان معنا عند ابن خطاب أحمد بن كليب. وكان من أهل الأدب والشعر فاشتد كلفه بأسلم، وفارق صبره، وصرف فيه القول متسترا بذلك، إلى أن فشت أشعاره فيه وجرت على الألسنة، وأنشدت في المحافل. فلعهدي بعرس في بعض الشوارع والبكوري الزامر في وسط المحفل يزمر بقول أحمد بن كليب في أسلم: أسلمني في هوا ... ه أسلم، هذا الرشا! غزال له مقلة ... يصيب بها من يشا! وشى بيننا حاسد ... سيسأل عما وشى! ولو شاء أن يرتشي ... على الوصل روحي، ارتشى! |
|
26-06-2018, 11:53 AM | #191 |
| ومغن محسن يسايره. فلما بلغ هذا المبلغ، انقطع أسلم عن جميع مجالس الطلب ولزم بيته والجلوس على بابه. فكان أحمد بن كليب لا شغل له إلا المرور على باب دار أسلم نهاره كله. فانقطع أسلم عن الجلوس على باب داره نهارا. فإذا صلى المغرب واختلط الظلام، خرج مستروحا، وجلس على باب داره. فعيل صبر أحمد بن كليب. فتحيل في بعض الليالي ولبس جبة من جباب أهل البادية، واعتم بمثل عمائمهم، وأخذ بإحدى يديه دجاجا وبالأخرى قفصا فيه بيض، وجاء كأنه قدم من بعض الضياع، فتقدم إلى أسلم وقبل يده، وقد اختلط الظلام، وقال: يا مولاي، من يقبض هذا؟ فقال له أسلم: من أنت؟ فقال: أجيرك في الضيعة الفلانية - وقد كان يعرف أسماء ضياعه. فأمر أسلم غلمانه بقبض ذلك منه على عادتهم في قبول هدايا العاملين في ضياعهم. ثم جعل أسلم يسأله عن أحوال الضيعة، فلما جاوبه أنكر الكلام فتأمله فعرفه، فقال له: يا أخي! وإلى ها هنا تتبعني؟ أما كفاك انقطاعي عن مجالس الطلب، وعن الخروج جملة، وعن القعود على بابي نهارا حتى قطعت علي جميع مالي في ه راحة فصرت في سجنك؟ والله لا فارقت بعد هذه الليلة قعر منزلي، ولا جلست بعدها على بابي، لا ليلا ولا نهارا، ثم قام. وانصرف أحمد بن كليب حزينا كئيبا. قال محمد: واتصل ذلك بنا فقلنا لأحمد بن كليب: وخسرت دجاجك وبيضك؟ فقال: هات كل ليل قبلة في يده، وأخسر أضعاف ذلك! فلما يئس من رؤيته البتة، نهكته العلة وأضجعه المرض. قال محمد بن الحسن: فأخبرني شيخنا محمد بن خطاب قال: فعدته فوجدته بأسوأ حال. فقلت له: وما دواؤك؟ قال: نظرة من أسلم! فلو سعيت في أن يزورني لأعظم الله جزاءك بذلك، وآجره. قال: فرحمته وتقطعت نفسي عليه، فنهضت إلى أسلم فاستأذنت عليه، فأذن لي وتلقاني بما يجب، فقلت: لي حاجة، فقال: وما هي؟ قلت: قد علمت ما جمعك مع أحمد بن كليب من ذمام الطلب عندي. فقال: نعم، ولكن قد تعلم أنه برح بي، وشهر اسمي وآذاني. فقلت له: كل ذلك يغتفر في مثل هذه الحال التي هو فيها، والرجل يموت، فتفضل بعيادته. فقال لي: والله ما أقدر على ذلك، فلا تكلفني هذا! فقلت: لا بد من ذلك فليس عليك فيه شيء، وإنما هي عيادة مريض.قال: ولم أزل به حتى أجاب، فقلت له: فقم الآن، قال: لست والله أفعل، ولكن غدا، فقلت له: ولا خلف، قال: نعم. فانصرفت إلى أحمد بن كليب فأخبرته بوعده فسر بذلك وارتاحت نفسه. فلما كان من الغد بكرت إلى أسلم، وقلت له: الوعد، قال: فوجم، وقال: والله لقد تحملني على خطة صعبة علي، وما أدري كيف أطيق ذلك؟ فقلت له: لا بد أن تفي بوعدك لي، قال: فأخذ رداءه ونهض معي راجلا، فلما أتينا منزل أحمد، وكان يسكن في درب طويل. فعند ما توسط الزقاق وقف واحمر وخجل، وقال: يا سيدي، الساعة والله أموت! وما أستطيع أن أعرض هذا على نفسي! فقلت: لا تفعل بعد أن بلغت المنزل، قال: لا سبيل والله إلى ذلك البتة! ورجع هاربا فاتبعته وأخذت بردائه، فتمادى وتمزق الرداء وبقيت قطعة منه في يدي لشدة إمساكي له. ومضى ولم أدركه. فرجعت ودخلت على أحمد، وكان غلامه قد دخل عليه لما رآنا من أول الزقاق مبشرا. فلما رآني تغير وجهه وقال: أين أبو الحسن؟ فأخبرته بالقصة فاستحال من وقته واختلط وجعل يتكلم بكلام لا يعقل منه أكثر من الاسترجاع. فاستبشعت الحال وجعلت أتوجع وقمت، فثاب إليه ذهنه، وقال لي: يا أبا عبد الله، قلت: نعم، قال: اسمع مني، واحفظ عني، وأنشأ يقول: أسلم، يا راحة العليل ... رفقا على الهائم النحيل! وصلك أشهى إلى فؤادي ... من رحمة الخالق الجليل! قال: فقلت له: اتق الله، ما هذه العظيمة؟ قال: قد كان، فخرجت عنه فو الله ما توسطت الزقاق حتى سمعت الصراخ عليه وقد فارق الدنيا. وهذه الحكاية مشهورة عند أهل الأندلس. وأسلم هذا من بني خالد وكانت فيهم وزارة وحجابة. وهذا الباب طويل والحكايات والأخبار والوقائع فيه كثيرة يطول الشرح بذكرها. |
|
26-06-2018, 11:53 AM | #192 |
| وأما من قتل نفسه بسبب العشق، فحكي عن عبد الرحمن بن إسحاق القاضي قال: انحدرت من سر من رأى مع محمد بن إبراهيم أخي إسحاق، ودجلة تزخر من كثرة مائها. فلما سرنا ساعة، قال: ارفقوا بنا، ثم دعا بطعامه فأكلنا، ثم قال: ما ترى في النبيذ؟ قلت له: أعز الله الأمير، هذه دجلة قد جاءت بمد عظيم يرغب مثله، وبينك وبين منزلك مبيت ليلة، فلو شئت أخرته، قال: لا بد لي من الشراب، واندفعت مغنية فغنت، واندفعت أخرى فغنته: يا رحمتا للعاشقينا، ... ما إن لهم معينا! كم يشتمون ويضربو ... ن ويهجرون، فيصبرونا! فقالت لها المغنية الأولى: فيصنعون ماذا؟ قالت: يصنعون هكذا، ورفعت الستارة وقذفت بنفسها في دجلة. وكان بين يدي محمد غلام ذكر أن شراءه ألف دينار، بيده مذبة، لم أر أحسن منه. فوضع المذبة من يده وقذف بنفسه في دجلة، وهو يقول: أنت التي غرقتني ... بعد الفضا، لو تعلمينا! فأراد الملاحون أن يطرحوا أنفسهم خلفهما، فصاح بهم محمد: دعوهما يغرقا إلى لعنة الله! قال: فرأيتهما وقد خرجا معتنقين ثم غرقا. وحكي عن جميل بن معمر العذري أن قال: دخلت على عبد الملك بن مراون فقال لي: يا جميل حدثني بعض أحاديث بني عذرة، فإنه بلغني أنهم أصحاب أدب وغزل، فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، انتجعوا من حيهم مرة فوجدوا النجعة بموضع نازح فقطنوه. فخرجت أريدهم. فبينما أنا أسير، غلطت الطريق وجن علي الليل، فلاح لي باب فقصدته. فوردت على راع في أصل جبل قد ألجأ غنمه إلى كهف في الجبل، فسلمت عليه، فرد علي السلام، وقال: أحسبك قد ضللت الطريق؟ قلت: قد كان ذلك، فأرشدني! قال: بل انزل حتى تريح ظهرك، وتبيت ليلتك،فإذا أصبحت وقفتك على القصد. فنزلت فرحب بي وأكرمني، وعمد إلى شاة فذبحها، وأجج نارا، وجعل يشوي ويلقي بين يدي، ويحدثني في خلال ذلك. ثم قام إلى كساء فقطع به جانب الخباء ومهد لي جانبا، ونزل جانبا خاليا. فلما كان في الليل سمعته يبكي ويشكو إلى شخص. فأرقت ليلتي. فلما أصبحت، طلبت الإذن فأبى، وقال: الضيافة ثلاث! فأقمت عنده، وسألته عن اسمه ونسبه وحاله، فانتسب لي. فإذا هو من بني عذرة، من أشرافهم. فقلت: يا هذا، وما الذي أحلك هذا الموضع؟ فأخبرني أنه كان يهوى ابنة عم له وتهواه، وأنه خطبها إلى أبيها فأبى أن يزوجه إياها لقلة ذات يده، وأنه زوجها رجلا من بني كلاب فخرج بها عن الحي وأسكنها في موضعه ذلك، وأنه تنكر ورضي أن يكون راعيا لتأتيه ويراها. وجعل يشكو إلي صبابته بها وعشقه لها. فلما أبطأت عن الوقت المعتاد وغلبه الشوق، وثب قائما وأنشأ يقول: ما بال مية لا تأتي لعادتها! ... أهاجها طرب أم صدها شغل؟ لكن قلبي لا يلهيه غيرهم ... حتى الممات، ولا لي غيرهم أمل! لو تعلمين الذي بي من فراقكم ... لما اعتللت ولا طابت لك العلل! روحي فداؤك! قد هيجت لي سقما ... تكاد من حره الأعضاء تنفصل! لو أن عاديه مني على جبل، ... لزال وانهد من أركانه الجبل! ثم قال: يا أخا بني عذرة، مكانك حتى أعود إليك! فما أتوهم أن أمر ابنة عمي صحيح! ثم مضى. فما لبث أن أقبل وعلى يده شيء محمول، وقد علا شهيقه ونحيبه، فقال: يا أخا بني عذرة، هذه ابنة عمي، أرادت أن تأتيني فاعترضها الأسد فأكلها! ثم وضعها عن يده، وقال: على رسلك حتى أعود إليك، ومضى فأبطأ حتى يئست من رجوعه. ثم أقبل ورأس الأسد على يده، فألقاها وجعل ينكت على أسنان الأسد ويقول: ألا أيها الليث المخيل بنفسه! ... هلكت! لقد حرت يداك لنا حرتا! وغادرتني فردا وقد كنت آلفا ... وصيرت بطن الأرض ثم لنا سجنا! أقول لدهر خانني بفراقه: ... معاذ إلهي أن أكون له خدنا! ثم قال: يا أخا بني عذرة، إنك ستراني بين يديك ميتا! فإذا مت فاعمد إلي وابنة عمي، فأدرجنا في كفن واحد، واحفر لنا جدثا واحدا، وادفنا فيه، واكتب على قبري هذين البيتين: كنا على ظهرها، والعيش في مهل! ... والشمل يجمعنا والدار والوطن |
|
26-06-2018, 11:54 AM | #193 |
| ففرق الدهر والتصريف ألفتنا ... فصار يجمعنا في بطنها الكفن. ورد الغنم إلى صاحبها وأعلمه بقصتنا، ثم عمد إلى خناق فطرحه في عنقه، فناشدته الله تعالى أن لا يفعل، فأبى وجعل يخنق نفسه حتى سقط ميتا. فكفنتهما ودفنتهما في قبر واحد، وكتبت البيتين على قبرهما، ورددت الغنم إلى صاحبها، وأعلمته بقصتهما فحزن حزنا شديدا أشفقت منه على نفسه. التحذير من فتنة النساء وذم الزنا، والنظر إلى المردان، والتحذير من اللواط، وعقوبة اللائط أما ما ورد من التحذير من فتنة النساء، فقد روي عن أبي أمامة بن يزيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما تركت في الناس بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله عز وجل مستخلفكم فيها لينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء. وعن أب هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أخوف ما أخاف على أمتي النساء والخمرة. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لم يكن كفر من مضى إلا من قبل النساء، وهو كائن، كفر من بقي من قبل النساء. وعن حسان بن عطية، قال: ما أتيت أمة قط إلا من قبل نسائهم. وعن سعيد بن المسيب، قال: ما يئس الشيطان من ابن آدم قط، إلا أتاه من قبل النساء. وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال إبليس لربه عز وجل: يا رب قد أهبط آدم، وقد علمت أن سيكون لهم كتاب ورسل، فما كتابهم ورسلهم؟ قال الله عز وجل: رسلهم الملائكة والنبيون منهم، وكتبهم التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، قال: فما كتابي؟ قال: كتابك الوشم، وقرآنك الشعر، ورسلك الكهنة، وطعامك ما لم يذكر اسم الله عليه، وشرابك من كل مسكر، وصدقك الكذب، وبيتك الحمام، ومصايدك النساء، ومؤذنك المزمار، ومسجدك الأسواق. |
|
26-06-2018, 11:54 AM | #194 |
| ومن فتنة النساء، ما روي عن وهب بن منية أن عابدا كان في بني إسرائيل، وكان من أعبد أهل زمانه. وكان في زمانه ثلاثة إخوة لهم أخت، وكانت بكرا. فخرج البعث عليهم فلم يدروا عند من يخلفون أختهم، ولا من يأمنون عليها. فأجمعوا رأيهم على أن يخلفوها عند العابد. فأتوه وسالوه أن يخلفوها عنده، فأبى ذلك. فلم يزالوا به حتى قال: أنزلوها في بيت جوار صومعتي، فأنزلوها في ذلك البيت، ثم انطلقوا وتركوها. فمكثت في جوار العابد زمانا ينزل إليها الطعام من صومعته فيضعه عند باب الصومعة، ثم يغلق بابه ويصعد صومعته، ثم يأمرها فتخرج من بيتها فتأخذ ما وضع لها من الطعام. قال: فتلطف له الشيطان. فلم يزل يرغبه في الخير ويعظم عنده خروج الجارية من بيتها نهارا، ويخوفه أن يراها أحد فيعلقها. فلم يزل به حتى مشى بطعامها ووضعه عند باب بيتها، ولا يكلمها، فلبث بذلك زمانا. ثم جاءه إبليس فرغبه في الخير والأجر، وقال له: لو كنت تمشي إليها بطعامها حتى تضعه في بيتها، كان أعظم لأجرك. فلم يزل به حتى مشى إليها بطعامها فوضعه في بيتها. فلبث بذلك زمانا. ثم جاءه إبليس فرغبه في الخير وحضه عليه، وقال له: لو كنت تكلمها وتحدثها، فتأنس بحديثك، فإنها قد استوحشت وحشة شديدة، فلم يزل به حتى حدثها زمانا، يطلع إليها من فوق صومعته. ثم أتاه إبليس بعد ذلك، فقال له: لو كنت تنزل إليها فتقعد على باب صومعتك وتحدثها، وتقعد على باب بيتها فتحدثك، كان آنس لها. فلم يزل به حتى أنزله فأجلسه على باب صومعته يحدثها، وتخرج الجارية من بيتها حتى تقعد على بابها. فلبثا زمانا يتحدثان. ثم جاءه إبليس فرغبه في الخير، فقال: لو خرجت من باب صومعتك فجلست قريبا من بيتها فحدثتها، كان آنس لها. فلم يزل به حتى فعل. فلبثا بذلك زمانا. ثم جاءه إبليس فقال: لو دنوت من باب بيتها، ثم قال: لو دخلت البيت فحدثتها ولم تتركها تبرز وجهها لأحد، كان أحسن، فلم يزل به حتى دخل البيت فجعل يحدثها نهاره كله. فإذا أمسى صعد في صومعته. قال: ثم أتاه إبليس بعد ذلك، فلم يزل يزينها له حتى ضرب العابد بيده على فخذها وقبلها. ثم لم يزل يحسنها في عينه ويسول له حتى وقع عليها فأحبلها، فولدت غلاما. فجاء إبليس، فقال له: أ رأيت إن جاء اخوتها، وقد ولدت منك كيف تصنع؟ فاعمد إلى ابنها فاذبحه وادفنه، فإنها ستكتم ذلك عليك مخافة اخوتها، فقتله. ثم جاءه، فقال: أتراها تكتم ما صنعت بها؟ خذها فاذبحها وادفنها مع ابنها، فذبحها وألقاها في الحفرة. فمكث ما شاء الله حتى قفل إخوتها من الغزو. فجاءوه فسألوه عن أختهم فنعاها لهم وترحم عليها وبكاها، وقال: كانت خيرامرأة، وهذا قبرها. فأتى اخوتها القبر فبكوها وترحما عليها، وأقاموا على قبرها أياما ثم انصرفوا إلى أهاليهم. قال: فلما جنهم الليل وأخذوا مضاجعهم، أتاهم الشيطان في النوم فبدأ بأكبرهم فسأله عن أختهم. فأخبره بقول العابد وبموتها. فكذبه الشيطان، وقال: لم يصدقكم أمر أختكم. إنه أحبلها وولدت منه غلاما فذبحه وذبحها معه فرقا منكم، وألقاها في الحفرة خلف باب البيت. وأتى الأوسط في منامه، فقال له مثل ذلك؛ ثم أتى أصغرهم، فقال له مثل ذلك. فلما استيقظ القوم، استيقظوا متعجبين لما رآه كل واحد منهم. فأقبل بعضهم على بعض يقول: لقد رأيت عجبا! وأخبر بعضهم بعضا بما رأى، فقال كبيرهم: هذا حلم، ليس هذا بشيء، فامضوا بنا ودعوا هذا، فقال أصغرهم: لا أمضي حتى آتي ذلك المكان فأنظر فيه، فانطلقوا فبحثوا الموضع، فوجدوا أختهم وابنها مذبوحين. فسألوا عنها العابد، فصدق قول إبليس فيما صنع بهما. فاستعدوا عليه ملكهم فأنزل من صومعته وقدموه ليصلبوه. فلما أوثقوه على الخشبة، أتاه الشيطان، فقال له: قد علمت أني صاحبك الذي فتنتك في المرأة حتى أحبلتها وذبحتها وابنها، فإن أنت أطعتني اليوم وكفرت بالله الذي خلقك، خلصتك مما أنت فيه، فكفر العابد بالله. فلما كفر، خلى الشيطان بينه وبين أصحابه فصلبوه. قال وهب: ففيه نزلت هذه الآية: " كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين " . نسأل الله العافية من فتنتهن، ونعوذ به من الشيطان الرجيم. |
|
26-06-2018, 11:55 AM | #195 |
| وأما ما جاء في ذم الزنا، فكفى به ذما قوله تعالى: " ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا " . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " . وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يا أمة محمد، ما أحد أغير من الله أن يرى عبده أو أمته تزني " . وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " اشتد غضب الله تعالى على الزناة " . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الإيمان سربال يسربله الله من يشاء. فإذا زنى العبد، نزع منه سربال الإيمان. فإذا تاب رد عليه " . وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما من ذنب بعد الشرك أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في رحم لا يحل له " . وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إياكم والزنا، فإن في الزنا ست خصال، ثلاث في الدنيا، وثلاث في الآخرة: فأما اللواتي في الدنيا فذهاب نور الوجه، وانقطاع الرزق، وسرعة الفناء، وأما اللواتي في الآخرة فغضب الرب، وسوء الحساب، والخلود في النار إلا أن يشاء الله تعالى " . وعن عبد الله قال: قلت: يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: " أن تجعل لله ندا!، وهو خلقك! " . قلت: ثم أي؟ قال: " أن تقتل ولدك من أجل أن يطعم معك " . قلت: ثم أي؟ قال: " أن تزني بحليلة جارك " . والأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة. وأما ما جاء في النهي عن النظر إلى المردان ومجالستهم. روي عن أبي الساهب أنه قال: لأنا القارئ من الغلام الأمرد أخوف مني عليه من سبعين عذراء. وفي لفظ عنه: لأنا أخوف على عابد من غلام أمرد من سبعين عذراء. وعن سعيد بن المسيب أنه قال: إذا رأيتم الرجل يلح النظر إلى غلام أمرد، فاتهموه. وكان سفيان الثوري رضي الله عنه لا يدع أمرد يجالسه. وعن يعقوب بن سوال قال: كنا عند أبي نصر بشر بن الحارث. فوقفت عليه جارية ما رأينا أحسن منها، فقالت: يا شيخ: أين مكان باب حرب؟ فقال لها: هذا الباب الذي يقال له باب حرب. ثم جاء بعدها غلام فسأله، فقال له: يا شيخ: أين مكان باب حرب؟ فأطرق بشر. فرد عليه الغلام السؤال فغمض عينيه. فقلنا للغلام: أي شيء تريد؟ فقال: باب حرب. فقلنا: بين يديك. فلما غاب. قلنا: يا أبا نصر. جاءتك جارية فأحببتها وكلمتها، وجاءك غلام فلم تكلمه؟ فقال: نعم، يروى عن سفيان النووي أنه قال: مع الجارية شيطان ومع الغلام شيطان، فخشيت على نفسي من شياطينه. وعن أبي سعيد الخراز. قال: أ رأيت إبليس في النار. وهو يمر عني ناحية. فقلت: تعال، فقال: أي شيء أعمل بكم؟ أنتم طرحتم عن نفوسكم ما أخادع به الناس، قلت: ما هو؟ قال: الدنيا، فلما ولى. التفت إلي فقال: غير أن لي فيكم لطيفة، قلت: ما هي؟ قال: صحبة الأحداث. وعن مظفر القرمسيني، قال: من صحب الأحداث على شرط السلامة والنصيحة، أداه ذلك إلى البلاء، فكيف من صحبهم على غير وجه السلامة؟. وقد ذكر أبو الفرج في كتابه المترجم بذم الهوى من افتتن بالأحداث، وصرح بأسمائهم. فلم نؤثر التعرض لذلك، لما فيه من التشنيع عليهم والإذاعة لمساويهم. وأما ما جاء في التحذير من اللواط وما ورد في سحاق النساء، روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ملعون ملعون من عمل بعمل قوم لوط " . وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لعن الله من عمل عمل قوم لوط " . وعن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط " . وفي لفظ آخر عنه صلى الله عليه وسلم: " إن أخوف ما أخاف على أمتي من بعدي عمل قوم لوط، ألا فلتترقب أمتي العذاب إذا كان الرجال بالرجال والنساء بالنساء " . وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلا أو امرأة في دبرها " . |
|
26-06-2018, 11:56 AM | #196 |
| وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لم يعل فحل فحلا حتى كان قوم لوط، فإذا علا الفحل الفحل، ارتج أو اهتز عرش الرحمن عز وجل، فاطلعت الملائكة تعظيما لفعلهما، فقالوا: يا رب، ألا تأمر الأرض أن تغور بهما، وتأمر السماء أن تحصبهما، فيقول الله تعالى: إني حليم لا يفوتني شيء " . وعن سماك بن حرب، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إن الرجل ليأتي الرجل فتضج الأرض من تحتهما، والسماء من فوقهما، والبيت والسقف، كلهم يقولون: أي رب، ائذن لنا بنطبق بعضنا على بعض فنجعلهم نكالا ومعتبرا، فيقول الله عز وجل: إنهم وسعهم حلمي ولن يفوتوني. وكان سفيان الثوري رحمه الله يقول: لو أن رجلا عبث بغلام بين إصبعين من أصابع رجليه يريد الشهوة، لكان لواطا. وروي عن مكحول عن واثلة بن الأسقع أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سحاق النساء زنى بينهن " . وأما ما ورد في عقوبة اللائط والملوط به في الدنيا والآخرة: أما عقوبة الدنيا، فقد جاء بها نص القرآن في قصة قوم لوط، وشرح أفعالهم، وما عذبوا به في آي كثيرة. وجاء في الأحاديث النبوية، على قائلها أفضل الصلاة والسلام، في عقوبة اللائط والملوط به ما يدل على التغليظ والتشديد. فمن ذلك ما روي عن عكرمة عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيمن عمل عمل قوم لوط: " يقتل الفاعل والمفعول به " ، وفي لفظ آخر عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: " اقتلوا الفاعل والمفعول به " ، في عمل قوم لوط. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من عمل بعمل قوم لوط فاقتلوه " . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فارجموا الأعلى والأسفل " . وعن محمد بن المنكدر أن خالد بن الوليد كتب إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أنه وجد رجلا في بعض الأضاحي ينكح رجلا كما تنكح المرأة. فجمع أبو بكر رضي الله عنه لذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم، فيهم علي بن أبي طالب، وقال: إن هذا ذنب لم تعمل به أمة إلا أمة واحدة. ففعل الله بهم ما قد علمتم. أرى أن نحرقه بالنار، فاجتمع رأي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يحرق بالنار. فأمر به أبو بكر رضي الله عنه أن يحرق بالنار. وقد حرقهم عبد الله بن الزبير، وهشام بن عبد الملك. وعن يزيد بن قيس أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه رجم لوطيا. وعن سعيد بن زيد قال: سئل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ما حد اللوطي؟ قال: ينظر أعلى بيت في القرية فيرمى منكسا ثم يتبع بالحجارة. وللتابعين ولأئمة العلماء في ذلك أقوال: فمنهم من رأى أن حده كحد الزنا، وفرق بين المحصن وغير المحصن. ومنهم من رأى أن حده القتل أحصنا، أم لم يحصنا. روى سفيان عن جابر عن الشعبي أنه قال: اللوطي يرجم، أحصن أو لم يحصن. وعن ابن أبي نجيح عن عطاء قال: حد اللوطي حد الزاني؛ وإن أحصن رجم، وإلا جلد. وبه قال الهيثم. وعن قتادة عن الحسن أنه قال في الرجل يخالط الرجل: إن كان أحصن، جلد ورجم، وإن كان لم يحصن، جلد ونفي. وعن مالك بن أنس عن الزهري قال: يرجم، أحصن أو لم يحصن. وعن الطيالسي قال: حدثنا إسحاق الكوسج، قال: قلت لأحمد بن حنبل: أيرجم اللوطي، أحصن أو لم يحصن؟ قال: يرجم، أحصن أو لم يحصن. وقد روي عن أحمد بن حنبل أن حد اللوطي كحد الزاني، يختلف بالثيوبة والبكارة. وهو قول محمد عن الشافعي. وقال الحكم: يضرب اللوطي دون الحد. قال ابن الجوزي: وإلى هذا مال أبو حنيفة. وأما مذهب ابن حزم الظاهري فإنه لا يضرب في اللواط فوق عشرة أسواط. وقال النخعي: لو كان أحد ينبغي أن يرجم مرتين، لكان ينبغي أن يرجم اللوطي مرتين. |
|
الكلمات الدلالية (Tags) |
الأدب , المرة , في , فنون , نهاية |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
سلسلة لعلهم يتفكرون | تيماء | (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) | 65 | 24-09-2018 10:41 AM |
العقيدة من مفهوم القران والسنة | تيماء | (سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وقصص الانبياء والصحابه ) | 34 | 20-07-2018 09:12 AM |
ومن لا يعرف الخير من الشر يقع فيه | سراج منير | ( همســـــات الإسلامي ) | 7 | 29-06-2017 02:53 AM |
فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه | سراج منير | ( همســـــات الإسلامي ) | 14 | 26-05-2017 03:24 PM |
مختصر كتاب( طوق الحمامة) | نزيف الماضي | ( همسات الثقافه العامه ) | 12 | 23-03-2015 10:14 AM |