#1
| |||||||||||
| |||||||||||
الفصول في سيرة الرسول |
27-04-2017, 11:18 AM | #2 |
| فصل في وجوب معرفة هدي الرسول صلى الله عليه وسلم ... فصل: في وجوب معرفة هدي الرّسول ومن ها هنا يعلم اضطرار العباد فوق كلّ ضرورة إلى معرفة الرّسول وما جاء به، فإنّه لا سبيل إلى الفلاح إلاّ على يديه، ولا إلى معرفة الطّيّب من الخبيث على التّفصيل إلاّ من جهته، فأي حاجةٍ فرضت وضرورة عرضت، فضرورة العبد إلى الرّسول فوقها بكثيرٍ. وما ظنّك بِمَن إن غاب عنك هديه، وما جاء به طرفة عين فسد قلبك، وإذا كانت السّعادة معلّقة بهديه ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ، فيجب علىولكن لا يحسّ بهذا إلاّ قلب حي، وما لجرح بميّت إيلامُ1. كلّ مَن أَحَبَّ نجاة نفسه أن يعرفَ من هديه وسيرته وشأنه ما يخرج به عن خطّة الجاهلين. والنّاسُ في هذا بين مستقلٍّ ومستكثرٍ ومحرومٍ، والفضل بيد الله يؤتيه مَن يشاءُ والله ذو الفضل العظيم. |
|
27-04-2017, 11:18 AM | #3 |
| فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الوضوء ... فصل:في هديه ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ في الوضوء كان ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ يتوضّأ لكلّ صلاةٍ في غالب أحيانه، وربّما صَلّى الصّلوات بوضوءٍ واحدٍ. وكان يتوضّأ بالمد تارة وبثلثيه تارة، وبأزيد منه تارة1. وكان من أيسر النّاس صبّاً لماء الوضوء، ويحذر أمته من الإسراف فيه، وصحّ عنه أنّه توضّأ مرّة مرّة، ومرّتين مرّتين، وثلاثاً ثلاثاً. وفي بعض الأعضاء مرّتين، وبعضها ثلاثاً، وكان يتمضمض ويستنشق ـــــــتارة بغَرفةٍ، وتارة بغَرفتين، وتارة بثلاثٍ، وكان يصل بين المضمضة والاستنشاق. وكان يستنشق باليمنى وينتثرُ باليسرى، وكان يمسح رأسه كلّه تارةً، وتارةً يقبل بيديه ويدبر بهما. ولم يصحّ عنه أنّه اقتصر على مسح بعض رأسه البتة، ولكن كان إذا مسح على ناصيته كمل على العمامة، ولم يتوضّأ إلاّ تمضمض واستنشق، ولم يحفظ عنه أنّه أخل بهما مرّة واحدة. وكذلك الوضوء مرتّباً متوالياً، ولم يخلّ به مرة واحدة، وكان يغسل رجليه إذا لم يكونا في خفّين ولا جوربين، ويمسح أُذنه معرأسه ظاهرهما وباطنهما. 1 المد: إناء يتسع لملء الكفين من الحبوب. |
|
27-04-2017, 11:19 AM | #4 |
| وكلّ حديثٍ في أذكار الوضوء التي تقال عليه فكذب، غير التّسمية في أوّله، وقوله : "أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التّوابّين واجعلني من الْمُتطهِّرين". في آخره. وحديث آخر في سنن النّسائي: "سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلاّ أنت أستغفرك وأتوب إليك" . ولم يكن يقول في أوّله: نويت. ولا أحد من الصّحابة البتّة. ولم يتجاوز الثّلاث قط. وكذلك لم يثبت عنه أنّه تجاوز المرفقين والكعبين. ولم يكن يعتاد تنشيف أعضائه. وكان يخلّل لحيته أحياناً ولم يواظب على ذلك، وكذلك تخليل الأصابع ولم يكن يحافظ عليه. وأما تحريك الخاتم فروي فيه حديث ضعيف. وصحّ عنه أنّه مسح في الحضر والسّفر، ووقّت للمقيم يوماً وليلةً، ولم يكن يتكلّف ضد حاله التي عليها قدماه، بل إن كانتا في الْخُفّينوللمسافر ثلاثة أيام وليالهن، وكان يمسح ظاهر الخفين ومسح على الجوربين، ومسح على العمامة مقتصراً عليها ومع النّاصية، ولكن يحتمل أن يكون خاصاً بحال الحاجة، ويحتمل العموم وهو أظهر. مسح، وإن كانتا مكشوفتين غسل. وكان يتيمّم بضربةٍ واحدةٍ للوجه والكفّين، ويتيمّم بالأرض التي يصلّي عليها تراباً كانت أو سبخةً أو رملاً. وصحّ عنه أنّه قال: "حيثما أدركت رجلاً من أُمَّتي الصّلاةُ فعنده مسجده وطهورُه". |
|
27-04-2017, 11:19 AM | #5 |
| ولَمّا سافر هو وأصحابه في غزوة تبوك قطعوا تلك الرّمال وماؤهم في غاية القلّة، ولم يُرْوَ عنه أنّه حمل معه التّراب، ولا أمر به، ولا فعله أحد من أصحابه. ومن تدبر هذا قطع بأنّه كان يتيمّم بالرّمل. ولم يصحّ عنه التّيمّم لكلّ صلاةٍ ولا أمر به، بل أطلق التّيمّم وجعله قائماً مقام الوضوء. |
|
27-04-2017, 11:20 AM | #6 |
| فصل في هديه صلى الله عليه في الصلاة ... فصل: في هديه ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ في الصّلاة كان ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ إذا قام إلى الصّلاة قال: الله أكبر، ولم يقل شيئاً قبلها، ولا تلفّظ بالنّية، ولا استحبّه أحد من التّابعين ولا الأئمة الأربعة. وكان دأبه في إحرامه لفظة: (الله أكبر) لا غيرها. وكان يرفع يديه معها ممدودتي الأصابع مستقبلاً بهما القبلة إلى فروع أُذنيه، ورويَ إلى منكبَيْه، ثم يضع اليمنى على ظهر اليسرى [فوق الرّسغ والسّاعد، ولم يصحّ عنه موضع وضعهما، وكان يستفح تارةً بـ: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثّلج والبرد، اللهم نقِّني من الذّنوب والخطايا كما يُنَقَّى الثّوب الأبيض من الدَّنَس". وتارةً يقول: " {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ، [بالأنعام، من الآية: 79] {إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}، [الأنعام الآيتان: 162-163]. "اللهم أنت الملك لا إله إلاّ أنت، أنت ربّي وأنا عبدك ظلمت نفسي، واعترفتُ بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، إنّه لا يغفر الذّنوب إلاّ أنتَ، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلاّ أنتَ، واصرف عني سيّئها لا يصرف عني سيّئها إلا أنتَ، لبّيك وسعديك، والخير في يديك، والشّر ليس إليك، أنا بك وإلينا، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك". ولكن المحفوظ أنّه في قيام اللّيل. وتارة يقول: "اللهم ربّ جبريل وميكائيل وإسرافيل..." إلى آخره. وتارة يقول: "اللهم لك الحمد، أنت نور السّموات والأرض ومَن فيهن" إلى آخره. قال ابن القيم :فكلّ هذه الأنواع قد صحّت عنه. وروي عنه أنّه كان يستفتح بـ: "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك وتعالى جَدُّك، ولا إله غيرك". وذكره أهل (السّنن) والذي قبله أثبت منه. ولكن صحّ عن عمر أنّه يستفتح به في مقام النّبِيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ويجهر به، يعلّمه النّاس. قال أحمد: أذهب إلى ما روي عن عمر، ولو أنّ رجلاً استفتح ببعض ما روي عن النّبِيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ كان حسناً. ـــــــ وكان يقول بعد ذلك: "أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم"، ثم يقرأ الفاتحة. وكان يجهر بـ: (بسم الله الرّحمن الرّحيم) تارةً، ويخفيها أكثر. وكانت قراءته مداً، يقف عند كلّ آيةٍ ويمد بها صوته. فإذا فرغ من قراءة الفاتحة قال: "آمين". فإن كان يجهر بالقراءة رفع بها صوته، وقالها مَنْ خلفه. وكان له سكتتان: سكتة بين التّكبيرة والقراءة، واخلتف في الثّانية، فروي بعد الفاتحة، وروي قبل الرّكوع. وقيل: بل سكتتان غير الأولى، والظّاهر أنّهما اثنتان فقط. وأمّا الثّالثة فلطيفة، لأجل تراد النّفس، فَمَن لم يذكرها، فلقصرها. فإذا فرغ من قراءة الفاتحة أخذ في سورة غيرها، وكان يطيلها تارةً ويخفّفها لعارضٍ من سفرٍ أو غيره، ويتوسّط فيها غالباً. وكان يقرأ في الفجر بنحو ستين آية إلى مائة، وصلاّها بسورة (ق)، وصلاّها بسورة (الرّوم)، وصلاّها بـ {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} ، [التّكوير الآية:1]، في الرّكعتين كلتيهما وصلاّها بسورة {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا} ، [الزّلزلة الآية:1]، وصلاّها بـ (الْمُعوّذتين)، وكان في السّفر، وصلاّها: فاستفتح سورة (المؤمنون) حتى إذا بلغ ذكر موسى وهارون في الرّكعة الأولى، أخذته سعلة فركع. وكان يصلّيها يوم الجمعة بـ: (آلم السّجدة) و{هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ}، [الإنسان من الآية: 1]، لما اشتملتا عليه من المبدأ والمعاد، وخلق آدم، ودخول الجنة والنّار، وذكر ما كان وما يكون في يوم الجمعة، كما كان يقرأ في المجامع العظام، كالأعياد والجمعة بسورة (ق)، و(اقتربت) و(سبّح)، و(الغاشية). فصل: وأمّا الظّهر، فكان يطيل قراءتها أحياناً، حتى قال أبو سعيد: كانت صلاة الظّهر تقام، فيذهب الذّاهب إلى البقيع، فيقضي حاجته، ثم يأتي أهله فيتوضّأ، ويدرك النَّبِيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ في الرّكعة الأولى مما يطيلها. رواه مسلم، وكان يقرأ فيها تارةً بقدر (آلم تنْزيل) السّجدة، وتارةً بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} ، [الأعلى الآية:1]، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا} ، [الشمس الآية:4]، {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ}، [البروج الآية:1]. وأمّا العصر، فعلى النّصف من قراءة الظّهر إذا طالت، وبقدرها إذا قصرت. وأمّا المغرب، فكان هديه فيها خلاف عمل النّاس اليوم، فإنّه صلاّها مرّة بـ: (الأعراف) في الرّكعتين، ومرّة بـ: (الطّور)، ومرّة بـ: (المرسلات). وأمّا المداومة على قراءة قصار المفصّل فيها، فهو من فعل مروان، ولهذا أنكر عليه زيد بن ثابت. قال ابن عبد البر: "روي عنه أنّه قرأ في المغرب بـ: (آلَ م ص) وبـ: (الصّافات)، وبـ: (الدّخان)، و{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}، [الأعلى الآية:1]، وبـ: (التّين)، وبـ: (المعوّذتين)، وبـ: (المرسلات)، وهو مشهور وأنّه كان يقرأ فيها بقصار المفصّل، وكلّها آثار صحاح مشهورة". وأمّا عشاء الآخرة، فقرأ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فيها بـ: (التّين)، ووقّت لمعاذ فيها بـ: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}، [الشمس الآي:1]، وبـ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} ، [الأعلى الآية:1]، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا} ، [الشمس الآية:4]، ونحوها. ولهذا أنكر عليه قراءته فيها بـ: (البقرة)، وقال له: "أفتّان أنت يا معاذ؟"، فتعلّق النّقارون بهذه الكلمة، ولم يلتفتوا إلى ما قبلها ولا ما بعدها. وأما الجمعة، فكان يقرأ فيها بسورتي (الجمعة)، والمنافقون)، وسورتي: (سبّح) و(الغاشية). وأمّا الاقتصار على قراءة أواخر السّورتين فلم يفعله قط. وأمّا الأعياد، فتارة يقرأ بـ: (ق)، و(اقتربت)، كاملتين، وتارةً بـ: (سبّح) و(الغاشية). وهذا الهدي الذي استمرّ عليه إلى أن لقي الله ـ عزّ وجلّ ـ. وأمّا قوله: "أيّكم أمّ بالنّاس فليخفّف" ، فالتّخفيف أمر نسبي يُرجع فيه إلى ما فعله النَّبِيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم لا إلى شهوات المأمومين. وهديه الذي كان يواظب عليه، هو الحاكم في كلّ ما تنازع فيه المتنازعون. وكان لا يعين سورة بعينها لا يقرأ إلاّ بها، إلاّ في الجمعة والعيدين. وكان من هديه قراءة السّورة، وربّما قرأها في الرّكعتين، وأمّا قراءة أواخر السّور وأوساطها، فلم يحفظ عنه. وأمّا قراءة السّورتين في الرّكعة، فكان يفعله في النّافلة. وأمّا قراءة سورةٍ واحدةٍ في ركعتين معاً، فقلّما كان يفعله. وكان يطيل الرّكعة الأولى على الثّانية من كلّ صلاةٍ، وربّما كان يطيلها، حتى لا يسمع وقع قدم. فإذا فرغ من القراءة، رفع يديه وكبّر راكعاً، ووضع كفّيه على ركبتيه كالقابض عليهما، ووتّر يديه، فنحاهما عن جنبيه، وبسط ظهره ومدّه، واعتدل فلم ينصب رأسه ولم يخفضه، بل حيال ظهره. وكان يقول: "سبحان ربّي العظيم"، وتارةً يقول مع ذلك، أو مقتصراً عليه: "سبحانك اللهم ربّنا وبحمدك، اللهم اغفر لي" . وكان ركوعه المعتاد مقدار عشر تسبيحات، وسجوده كذلك، وتارةً يجعل الرّكوع والسّجود بقدر القيام، ولكن كان يفعله أحياناً في صلاة اللّيل وحده. فهديه الغالب تعديل الصّلاة وتناسبها. وكان يقول أيضاً في ركوعه: "سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والرّوح". ثم يرفع رأسه قائلاً: "سمع الله لِمَن حمده" . ويرفع يديه، وكان دائماً يقيم صلبه، إذا رفع من الرّكوع، وبين السّجدتين، ويقول: "لا تجزئ صلاة لا يقيم الرّجل فيها صلبه في الرّكوع والسّجود". وكان إذا استوى قال: "ربّنا ولك الحمد" ، وربّما قال: "ربنا لك الحمد" ، وربّما قال: "اللّهمّ ربّنا لك الحمد". وكان من هديه إطالة هذا الرّكن بقدر الرّكوع، فصحّ عنه أنّه كان يقول فيه: "اللّهمّ ربّنا لك الحمد ملء السّموات وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثّناء والمجد، أحقّ ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ". وصحّ عنه أنّه كان يقول فيه: "اللّهمّ! غسلني من خطايا بالماء والثّلج والبرد، ونقّني من الذّنوب والخطايا كما يُنّقَّى الثّوب الأبيض من الدَّنَس، وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب". ثم كان يكبّر ويخرّ ساجداً، ولا يرفع يديه. وكان يضع ركبتيه ثم يديه بعدهما، ثم جبهته وأنفه. هذا هو الصّحيح فكان أوّل ما يقع منه على الأرض الأقرب إليها فالأقرب، وأوّل ما يرتفع الأعلى فالأعلى، فإذا رفع، رفع رأسه أوّل، ثم يديه، ثم ركبتيه، وهكذا عكس فعل البعير. وهو نهى عن التّشبّه بالحيوانات في الصّلاة، فنهى عن بروك كبروك البعير، والتفات كالتفات الثّعلب، وافتراش كافتراش السّبع، وإقعاء كإقعاء الكلب، ونقر كنقر الغُراب، ورفع الأيدي وقت السّلام كأذناب الخيل الشّمس. وكان يسجد على جبهته وأنفه دون كور العمامة، ولم يثبت عن السّجود عليه، وكان يسجد على الأرض كثيراً، وعلى الماء والطّين، وعلى الخمرة المتّخذة من خوص النّخل، وعلى الحصير المتّخذ منه، وعلى الفروة المدبوغة. وكان إذا سجد مكّن جبهته وأنفه من الأرض، ونحى يديه عن جنبيه، وجافاهما حتى يُرى بياض إبطيه، وكان يضع يديه حذو منكبيه وأذنيه، ويعتدل في سجوده، ويستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة، ويبسط كفيه وأصابعه، ولا يفرّج بينهما، ولا يقبضهما . وكان يقول: "سبحان ربّي الأعلى"، وأمر به. ويقول: "سبحانك اللهم ربّنا وبحمدك، اللهم اغفر لي". او يقول سبوح قدوس رب الملائكة والروح وكان يقول: "اللهم لك سجدت، وبك آمنتُ، ولك أسلمتُ، سجد وجهي للذي خلقه وصوَّره، وشقّ سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين". وكان يقول: "اللهم اغفر لي ذنبي كلّه دقّه وجلّه، وأوّلهُ وآخره، وعلانيته وسرَّه". وكان يقول: "اللهم اغفر لي خطاياي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدّي وهزلي، وخطاياي وعمدي وكلّ ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدّمتُ وما أخّرتُ، وما أسررتُ وما أعلنتُ أنت إلهي لا إله إلاّ أنتَ". وأمر بالاجتهاد في الدّعاء في السّجود. |
|
27-04-2017, 11:21 AM | #7 |
| ثم يرفع رأسه مكبِّراً غير رافع يديه، ثم يجلس مفترشاً يفرشُ اليسرى، ويجلس عليها، وينصبُ اليمنى، ويضع يديه على فخذيه، ويجعل مرفقيه على فخذيه، وطرف يده على ركبته، ويقبض اثنتين من أصابعه، ويحلق حلقة، ثم يرفع إصبعه يدعو بها، ويحرّكها، ثم يقول: "اللهم اغفر لي وارحمني، واجبرني، واهدني وارزقني". هكذا ذكره ابن عباس عنه. وذكر حذيفة عنه أنّه كان يقول: "ربّ اغفر لي" ، ثم ينهض على صدور قدميه وركبتيه، معتمداً على فخذيه، فإذا نهض افتتح القراءة ولم يسكت، كما يسكت عند الاستفتاح. ثم يصلّي الثّانية كالأولى إلاّ في أربعة أشياء: السّكوت والاستفتاح، وتكبيرة الإحرام، وتطويلها. فإذا جلس للتّشهّد، وضع يده اليسرى على فخذه الأيسر، ويده اليمنى على فخذه الأيمن، وأشار بالسّبابة، وكان لا ينصبها نصباً، ولا ينيمها، بل يحنيها شيئاً يسيراً، ويحرّكها، ويقبض الخنصر والبنصر ويحلق الوسطى مع الإبهام ويرفع السّبابة يدعو بها، ويرمي بصره إليها، ويبسط الكفّ اليسرى على الفخذ اليسرى، ويتحامل عليها. وأمّا صفة جلوسه، فكما تقدّم بين السّجدتين سواء. ويُعلّم أصحابه أن يقولوا: "التّحيّات لله والصّلوات والطّيّبات، السّلام عليك أيّها النّبِيّ ورحمة الله وبركاته، السّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين، أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمّداً عبده رسوله" . ثم يقوم للثالثه و كان يرفع يديه في هذا الموضع، ثم كان يقرأ الفاتحة وحدها، ولم يثبت عنه أنّه قرأ في الأخيرتين بعد الفاتحة شيئاً. وكان يدعو بعد التّشهّد الاخير، وقبل السّلام، وكان يدعو في صلاته فيقول: "اللهم إنّي أعوذ بك من عذاب القبر. وأعوذ بك من فتنة المسيح الدّجّال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، اللهم إنّي أعوذ بك من المأثم والمغرم". وكان يقول في صلاته ـ أيضا ـ : "اللهم اغفر لي ذنبي، ووسّع لي في داري، وبارك لي فيما رزقتني" . وكان يقول: "اللهم إنّي أسألكالثّبات في الأمر، والعزيمة على الرّشد، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك قلباً سليماً، وأسألك لساناً صادقاً، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شرّ ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم". وكان في التّشهّد لا يُجاوز بصره إشارتَه. وكان يدخل في الصّلاة وهو يريد إطالتها، فيسمع بكاء الصّبيّ، فيخفّفها مخافة أن يشقّ على أمّه، وكذلك كان يصلّي الفرض وهو حامل أمامة بنتَ ابنته على عاتقه، إذا قام حملها، وإذا ركع وسجد وضعها، وكان يصلّي فيجيء الحسن والحسين، فيركبان على ظهره، فيطيل السّجدة كراهية أن يلقيه عن ظهره، وكان يصلّي فتجيء عائشة، فيمشي، فيفتح لها الباب، ثم يرجع إلى مصلاّه. وكان يردّ السّلام بالإشارة.وكان يصلّي حافياً تارةً، ومنتعلاً أخرى وثبت عنه ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أنّه قال: "إنّما أنا بشر مثلكم أنسى كما تَنْسَوْنَ، فإذا نسيتُ فذكِّروني". وكان سهوه من تمام النّعمة على أمّته، وإكمال دينهم، ليقتدوا به، فقام من اثنتين في الرّباعية. فلمّا قضى صلاته، سجد قبل السّلام، فأخذ منه أن مَن ترك شيئاً من أجزاء الصّلاة التي ليست بأركانٍ سجد له قبل السّلام، وأخذ من بعض طرقه أنّه إذا ترك ذلك، وشرع في ركنٍ لم يرجع. وسلّم من ركعتين في إحدى صلاتي العشي، ثم تكلّم، ثم أتمّها، ثم سلّم، ثم سجد، ثم سلّم. وصلّى وسلّم، وانصرف وانصرف وقد بقي من الصّلاة ركعة، فقال له طلحة: نسيتَ ركعة. فرجع فدخل المسجد، فأمر بلالاً فأقام، فصلّى للنّاس ركعةً. ذكره أحمد. وصلّى الظّهر خمساً، فقالوا: صليتَ خمساً، فسجد بعد ما سلّم. وصلّى العصر ثلاثاً ثم دخل منْزله، فذكّره النّاس، فخرج فصلّى بهم ركعة، ثم سلّم، ثم سجد، ثم سلّم. هذا مجموع ما حُفظ عنه، وهي خمسة مواضع. ولم يكن من هديه تغميض عينيهفي الصّلاة، وكرهه أحمد وغيره، وقالوا: هو من فعل اليهود. وأباحه جماعة، والصّواب أنّ الفتحَ إن كان لا يخلّ بالخشوع، فهو أفضل، وإن حال بينه وبين الخشوع لما في قبلته من الزّخرف وغيره، فهناك لا يكره. وكان إذا سلّم استغفر ثلاثاً، ثم قال: "اللهم أنتَ السّلام، ومنك السّلام، تبارك يا ذا الجلال والإكرام". ولا يمكث مستقبل القبلة إلاّ مقدار ما يقول ذلك، ويسرع الانفتال إلى المأمومين. وكان ينفتل عن يمينه وعن يساره، ثم كان يقبل على المأمومين بوجهه، ولا يخصّ ناحية منهم دون ناحيةٍ. وكان إذا صلّى الفجر جلس في مصلاّه حتى تطلع الشّمس حسناء. وكان يقول في دبر كلّ صلاةٍ مكتوبةٍ: "لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير ". "اللهم لا مانعَ لما أعطيتَ ولا معطي لما منعتَ، ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله، لا إله إلاّ الله، ولا نعبدُ إلاّ إيّاه، له النّعمة، وله الفضل، وله الثّناء الحسن، لا إله إلاّ الله مخلصين له الدّين، ولو كره الكافرون". وندب أمته إلى أن يقولوا في دبر كلّ صلاةٍ مكتوبةٍ: سبحان الله. ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله، ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر. ثلاثاً وثلاثين؛ وتمام المائة: لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير. وذكر ابن حبّان في (صحيحه) عن الحارثبن مسلم قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: "إذا صلّيت الصّبح، فقل قبل أن تتكلّم: اللهم أجرني من النّار. سبع مرات، فإنّك إن متَّ من يومك كتب الله لك جواراً من النّار، وإذا صلّيتَ المغرب، فقل قبل أن تتكلّم : اللهم أجرني من النّار، سبع مرات، فإنّك إن متَّ من ليلتك، كتب الله لك جواراً من النّار". فصل وكان ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ يحافظ على عشر ركعاتٍ في الحضر دائماً، وهي التي قال فيها ابن عمر: حفظتُ عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ عشر ركعاتٍ: ركعتين قبل الظّهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل صلاة الفجر. ولَمّا فاتته الرّكعتان بعد الظّهر قضاهما في وقت النّهي بعد العصر، وكان يصلّي أحياناً قبل الظّهر أربعاً، وأمّا الرّكعتان قبل المغرب، فصّح عنه أنّه قال: "صلّوا قبل المغرب ركعتين". وقال في الثّالثة: "لِمَن شاء"، كراهة أن يتّخذها النّاس سُنّة، وهذا هو الصّواب؛ أنّها مستحبّة، وليست بسُنّةٍ راتبةٍ. وكان يصلّي عامّة السّنن والتّطوّع الذي لا سبب له في بيته لا سيما سُنّة المغرب، فإنّه لم ينقل عنه أنّه فعلها في المسجد البتة، وله فعلها في المسجد. وكان محافظته على سُنّة الفجر أشدّ من جميع النّوافل. وكذلك لم يكن يدعُها هي والوتر، لا حضراً ولا سفراً. ولم ينقل عنه أنّه صلّى في السّفر سُنّة راتبة غيرهما. وقد اخلف الفقهاء أيّهما آكد؟ وسنة الفجر تجري مجرى بداية العمل، والوتر خاتمته. ولذلك كان يُصلّيهما بسورتي (الإخلاص) وهما الجامعتان لتوحيد العلم والعمل، وتوحيد المعرفة والإرادة، وتوحيد الاعتقاد والقصد، فـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص الآية:1]، متضمنة لما يجب إثباته له تعالى من الأحدية المنافية لمطلق الشّركة بوجهٍ من الوجوه، ونفي الولد والوالد المقرّر لكمال صمديته وغناه وأحديته، ونفي الكفء المتضمن لنفي الشّبيه والمثيل والنّظير، فتضمنت إثبات كلّ كمالٍ، ونفي كلّ نقصٍ، ونفي إثبات شبيهٍ له أو مثيلٍ في كماله، ونفي مطلق الشّرك، وهذه الأصول هي مجامع التّوحيد العلمي الذي يُباين صاحبه جميع فرق الضّلال والشّرك، ولهذا كانت تعدل ثلث القرآن، فإنّ مداره على الخبر والإنشاء، والإنشاء ثلاثة: أمر، ونهي، وإباحة. والخبر نوعان: خبر عن الخالق تعالى، وأسمائه، وصفاته، وأحكامه، وخبر عن خلقه. فأخلصت سورة الإخلاص للخبر عنه، وعن أسمائه وصفاته، فعدلت ثُلُثَ القرآن، وخلصت قارئها من الشّرك العلمي كما خلّصته سورة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، [الكافرون الآية: 1]، من الشّرك العملي، ولما كان العلم قبل العمل وهو إمامه وسائقه، والحاكم عليه كانت {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، [الإخلاص الآية: 1] تعدل ثلثَ القرآن، و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، [الكافرون الآية: 1]، تعدل ربعَ القرآن. ولما كان الشّرك العملي أغلب على النّفوس لمتابعة الهدى، وكثير منها ترتكبه مع علمها بمضرّته، وقلعه منها أشدّ من قلع الشّرك العلمي؛ لأنّه يزول بالحجّة، ولا يمكن صاحبه أن يعلم الشّيء على غير ما هو عليه، جاء التّأكيد والتّكرير في {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، [الكافرون الآية: 1]، ولهذا كان يقرأ بهما في ركعتي الطّواف؛ لأنّ الحجّ شعار التّوحيد، ويفتح بهما عمل النّهار، ويختم بهما عمل اللّيل. وكان يضطجع بعد سُنّة الفجر على شقّه الأيمن، وقد غلا فيها طائفتان، فأوجبها طائفة من أهل الظّاهر، وكرهها جماعة، وسمّوها بدعة، وتوسّط فيها مالك وغيره، فلم يروا بها بأساً لِمَن فعلها راحةً، وكرهوها لِمَن فعلها استناناً. |
|
الكلمات الدلالية (Tags) |
الرسول , الفصول , شجرة , في |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ | سراج منير | ( همســـــات الإسلامي ) | 8 | 23-04-2017 05:46 PM |
موسوعة هل تعلم ؟! | غلا الكويت | ( حدث في مثل هذا اليوم // هل تعلم ) | 107 | 02-05-2015 11:06 PM |
موسوعة رجال حول الرسول | شـوش آلشـريف | (سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وقصص الانبياء والصحابه ) | 16 | 07-06-2014 12:44 AM |
رجال حول الرسول كحلقات من نور | حزن الذكريآت | (سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وقصص الانبياء والصحابه ) | 36 | 20-03-2014 11:53 AM |
50 معلومة عن رسولنا صلى الله عليه وسلم | علاء الدين | (سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وقصص الانبياء والصحابه ) | 13 | 18-10-2013 09:37 PM |