احاديث السفر ممتعه ان كان رفقيك من " الاجيال " الماضية
...
في السيارة
يسود الصمت الا من احدهم
ابي ..
يأخذ دور الحكواتي في سفرنا ..
مُمتعه قصص الماضي .. حفظنا قصصه عن ظهر قلب الا ان في إعادتها متعه لابي .. ربما اشتاق لها .. او بمثابة شكر على وضعه الحالي
...
اخذ نفس عميق عند مشاهدته لاحد المحطات القديمة على طريق مكة المكرمة
هُنا كانت احدى الاماكن التي شاهدت جزء من مُعانته في التنقل بين قرية واخرى للبحث عن عمل
بدا في تغربه منذُ ان كان عمره الخامسة عشر .. لا يرغب ان يكون راعي غنم طوال عمره
ترك البادية بالتخفي حتى لا يمنعه جدي من الرحيل
لم يحمل أي شيء معه سوى زاد يكفيه لبعضت ايام ..
اراد ان تكون اول محطة له هي بادية امه .. ولانه لم يراها قط بعد طلاقها من ابيه
يحكي ابي : عندما كُنت صغير كانت امي تأتي لنا من باديتها البعيدة في الليل
فتطعمنا وترحل .. خوفاً من ان يراها احد ..
لم اشاهد وجهها قط .. فقط اسمع صوتها تقول " انا امك "
فتمنيت ان اراها قبل رحيلي الكلي عنها وعن القرية بأكملها
..
سكت قليلاً وكأنه يحاول ان يتذكر صورة امه بعد تلك السنين ..
قاطعه اخي الصغير : ابي الم تخاف من الظلام !!
رد ابي بتذمر : لا كُنت احمل معي " اباجوره "
وكأني اسمع صوت اخي يُحدث نفسة :
كيف يمشي بالصحراء وقت الظلام وهو بهذه العمر !! ..
انا وفي غرفتي المظلمة لا استطيع النوم الا بنور الأباجورة !!
....
اعطته امه شاه بثمنها تعينه على مسيرته
وفي نصف الطريق ماتت . فضاق حاله
" قديماً كانت الشاه . والمواشي بصفة عامة تعتبر ثروة "
اعاد اخي في مقاطعة ابي : هل دفنتها !!
قال : لا .. اكلتها
وعاد يحدث نفسة : كيف يأكل لحم ميت !!
انا لا اكل اللحم فكيف لو كان لحم ميت
..
اكمل ابي رحلته .
اشار بيده هناك ... كانت ليلتي الاولى ..
لم تكن بهذه الشكل .. منطقة عمرانية .. بل صحراء قاحلة .. لا تسمع فيها الا اصوات الريح والذئاب
اعاد اخي مقاطعته : استطعت ان تنام !!
قال : وكيف لا انام وانا مُهلك
فعاد حدث نفسة : انا صوت الباب عند فتحه تزعجني . فكيف بصوت بذئاب !!
...
وفي طريقة وجد بيت من طين
عبارة عن غرفتين مُتباعدة يضمها سور صغير غالبة مُتهالك .
يكشف اكثر من كونه يغطي ما بداخله
قصد البيت لعله يجد طعام او ان يكون ضيفً لليلة للمبيت عندهم
فما كان منهم الا ان رحبوا به فـ اكرموه
قال اخي مُشككً : عادي يستضيفون الغريب في بيوتهم !!
رد عليه ابي بنبرة حاده مُبتدئا بكلمته المُعتادة :
" كُنا " >>> بتفخيم الصوت والضغط على النون بشده
كُنا .. لا نتردد بتكريم الضيف .. عار علينا ان جعلناه يرحل دون تكريم
حتى وان لم نجد طعام في بيوتنا ..
نقدم اغلى ما عندنا ولو اضطرنا لذبح احدى ابنائنا كوجبة لضيفنا
" طبعاً هُنا مُبالغة من ابي . فالبدو يتفاخرون بالكرم حد الجنون "
عاد اخي يحدث نفسة : انا لا ارد السلام على الغريب .. فكيف استضيفه ببيتي !!
...
يحدثنا ابي عن صاحبة البيت .. انها حديثة الولادة لابنها الاول
فبالأمس وضعت طفلها .. واليوم تقوم بضيافتنا
هنا احسست ان الحديث موجة لأخواتي الكبار
وكُنت انا المتحدثة لنفسي لا اخي : معقولة !!
امس تلد واليوم تعمل !! .. ا
لمُعاناة التي تُعانيها الانثى عند الولادة وما يترتب عليها من طلق ومحيض ونفاس ..
نحن اربعين يوم لا تنهض الانثى من على سريرها . حتى لا تُجهد نفسها " فـ تنكسر اضافرها " اقصد ظهرها
اردت ان اعلق على هذه النقطة فـ كتفية بحديث نفسي وتعليقاتي الجوفية
نظرت لاخي الصغير مُتعجبة كيف لم يعلق عن صاحبة الدار !!
..
عاد ابي يسرد قصته ..
عن الحرامي الذي سرق ثوبة .. وعن البئر الذي دخل في جوفة ليحتمي من الذئاب ويشرب مائه
وصل ابي للنقطة المهمة في حياته
وهي قدرته في التسجيل في قطاع الجيش وتمكنه من الالتحاق للحرب ضد دولة مجاورة
ورجعت اسئلة اخي من جديد قائلاً : كيف جعلوك تنضم للجيش وانت صغير !!
ابي حبيبي لا يعترف بعمر معين للذكر ..
ولدت ذكراً اذا انت رجلاً ولا يوجد هناك مراحل عمرية .. " دوغري " رجل
قال ابي : ماذا تعرف عن ابناء الماضي وصلابتهم !! لا تغتر بجسدي المُتهالك الان .. وعظامي المُرتعشة
فكبر السن لا يعرف ماضي او حاضر
ولولا الشيخوخة لرأيتني امشي مسيرة سيارة في يومين
اما انت تتقطع انفاسك ان مشيت للبقالة وهي تبعد عنا شارع فقط
هل احد منكم شاهد " جبهة اخي " !!
..
تغير حال ابي من راعي غنم الى موظف حكومي ثم الى صاحب عقارات
اكمل خلالها تعليمة وهو الان يتقن الانجليزية ببراعة مع انه لم يدرسها
لم يعد للبادية نهائياً بالرغم من تهديد جدي له بالعودة
الا انه اراد ان يكون اسطورة ذاتية لنفسة ولا يصبح مُتتبع لاحد
..
عندما انظر لابي وعن مسيرته والقصص الكثيرة عن حياته
اتعجب من حال شبابنا الان ..
في الماضي لم يكن الحظ حليفهم او مُيسر مثل الان لقمة العيش هو بمثابة الحفر على الصخر ..
يتغربون ويتعرضون للأخطار . ومع ذلك يصرون على غايتهم .
يفكرون بالمستقبل وبأبنائهم ..
يعترضون على وضعهم المُتدني فيجزمون على التغيير
عكس شبابنا وبناتنا الان
مع ان حياتهم مُيسره وممكنه الا انه بالغالب يكونوا تبعية لآبائهم وامهاتهم
يتذمرون ومع ذلك لا يتحركون لتغيير اوضاعهم
...
..
اعتذر ان الاطالة . ولكنِ بالفعل مُستمتعة بالكتابة عن الماضي وابناء الماضي ...
.
لكم التعليق ..
حلم