حينما يسمع المرء كلمة «مشكلة» يتبادر لذهنه الصعوبات، والإخفاقات، والفشل، والقلق،
نعم! لأن هذه «ظلال» المشكلة!
إنّ معظم الناس ينظرون للمشكلة من هذا الوجه، بينما لها أوجه أخرى وزوايا مختلفة،
ولمناقشة هذا المفهوم،
لعلنا نعرف المشكلة،
والتي تعني: «حالة من عدم الرضا أو التوتر تنشأ عن إدراك وجود عوائق تعترض الوصول إلى الهدف».
إذن، هي وجود عقبات أمام المرء حيال موضوع أو شخص معين، ولا يجد حلاً مباشراً،
وهنا يتضح مفهومها:
«بأنه حصول ما يتعب المرء فكريا أو جسدياً، لعدم وجود ما يريحه من حل علمي أو عملي مباشر»،
ثم يأتي تفسير من وقعت عليه المشكلة!
هل يفسره سلبياً أم إيجابياً؟!
لا شك أن أي إنسان لا ينفك من التعرض لأنواع المشكلات اليومية، والاجتماعية والاقتصادية وغيرها،
ولأجل أن يستثمر الانسان التعامل معها، فمهم أن يغير من طريقة التفكير الحياتية؛
بحيث لا ينظر لجميع الأمور من زاوية واحدة فقط، كزاوية المصلحة الفردية، أو اللحظة الآنية،
ولعل الأمثلة توضح ذلك، ففي غزوة أحد، كان المصاب جللاً، والخطْب كبيراً،
فقتل العشرات، وجُرح النبي -صلى الله عليه وسلم-،
وذلك حصل بسبب مشكلة «عصيان الرماة» فأتاهم العدو، فحصل ما حصل،
وهنا يأتي سؤال: هل تعتبر غزوة أحد هزيمة من جميع الوجوه؟!
وهل ما حصل مشكلة ليس فيها جوانب يسترشد بها الرعيل الأول؟!
ومثال آخر «حادثة» أو «مشكلة الإفك»، والتي هزت المجتمع المدني،
وانتشرت الشائعات التي تشوّه أزكى البيوت وأطهرها، بل نال ذلك من فراشه وزوجه،
ووقع من وقع في هذه المشكلة الكبيرة!
للوهلة الأولى؛ هي مشكلة بل واقعة وباقعة شديدة مزلزلة،
لكن هذا الأمر الذي قدره الله عليهم وصدق حياله من صدق وفي مقدمتهم النبي -صلى الله عليه وسلم-،
يعُدُّ الله في ألطاف قدره من الخير ما لا يعرفه البشر،
ولذا قال عز وجلّ: «لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم»،
«المشكلة» هذه يراها البعض انتهاكا لحرمة النبي –عليه الصلاة والسلام- وتشويها لأهل الإسلام وسخرية برجاله ونسائه، جراء شبهة أو حدث استغل،
هذا بما يظهر أحياناً، لكن من المؤمنين من تعامل مع المشكلة التي استغلت وأذيعت ونشرها المغرضون بالشائعات بالتثبت والتقوى وحفظ السمع واللسان، ولم يتبعوا خطوات الشيطان،
فكان الختام الإيجابي بعد شهر عصيب يراه الأغلب معضلة ونكداً ومراً:
«الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات»..
وفعلاً، الطيور على أشكالها تقع!
نعم، لا يحرص المسلم على الدخول في الطرق الملتوية، أو يتقصد إكثار المشكلات بحثاً عن جانب إيجابي فيها،
لكنه يفكر في حياته، ويحدد أهدافه، ويرسم علاقاته، ويخطط وينفذ ويؤدي الحقوق المتنوعة لله والنفس والناس،
ويعمل ويجتهد ويتعاون ويستثمر وقته وجوارحه في بناء الحياة الجميلة،
فإذا وقعت العقبات بعد استنفاد الجهد فهي تقرب من الله أكثر، وإذا وقعت بتقصير منه فهي تعرفه على نفسه أعظم،
فإن حصل ما لا يتوقعه ولا يريده اختياراً، فذلك محض خير لا يراه ببصره وإنما ببصيرته،
فيتعامل معه بالتقوى ببذل الطاعة والصبر بعدم التسخط والاستعجال وسيحس بفيوض ربانية تنزل على قلبه ويرى بعينيه سروراً وأفراجاً يتابعها الله عليه.
لقد رأى بعض الصحابة صلح الحديبية انهزاماً وضعفاً، ولكنه كان بداية النصر والندية والعز،
بل كان «فتحاً»، وكذلك المرء مع ما يعترضه في حياته من مشكلات،
لا تنظر لها من زاوية واحدة،
ولا تحجر على عقلك برباط غليظ لنتيجة واحدة!
حاول أن تنظر من جميع الزوايا، وتنزل لأعماق الأمور، ففي ظلام الليل تُرى النجوم،
وفي أشعة الشمس تتنفس الزهور، وفي أمواج البحر تتحرك المراكب، الزوايا مختلفة، والجهات متعددة،
لكن ابحث عن الإيجابي فيها.. وستجد حتماً، وإلى لقاء قادم!
الشيخ الدكتور/عبدالعزيز بن عبدالله الأحمد