لغة الضاد دروسٌ وقصص

سيقتصُ الذنبُ من المُذنب

فالذنبُ لا ذنبَ لهُ في إذنابِ مُذنِب .

يمشي وقدمهُ على الأرضِ تُساق

واضعاً يديهِ في جيوبِ القميص

مترهلاً لاتعني لهُ الحياةُ شيئاً

يسترق النظرَ لأعلى برجٍ في المدينه

يصعدُ الدرجَ لاهثاً في سباقٍ مع محو أي دقيقةٍ تُضاف لحياته

ينظر من سطح البرجِ للأرض وقدماه ترتجفان ولا قوةَ لهما في إثناءِ هذا اليائس

في السطح يتجولُ شيطان

يهمسُ لليائس (( أنتَ أجبنُ من القفزه وأحقرُ من الحياه ))

يقول اليائس فمن أكون ؟

وضاعت الإجابه في جثةِ السؤال الذي أحاطتهُ الدماء في أسفل المبنى .

تسترقُ السمعَ بقدمينِ عاريتينِ تفضحُهُما نميمةُ الأحراش

/// راق لي هذا التشبيه
حق لي أطلق منه سكب جامح لايوقفه الموت

سيدي جزيل

مايروق لي أن يقفَ على التشبيه حصيف

ويُطمأنُني على ذروةِ السنام في القراءة .

بسم الله الرحمن الرحيم

كنا قد وقفنا على طلبٍ لأم مالك صفصافة

سآتي بطلبِها ليتسنى المرورعليهِ من الأعضاء

ثم نبدأ الشرح إن شاء الله

(( في الختام أهديك تلك التحفة ولو فسرتها لك منا العرفان سيدي

نالت على يدها مالم تنله يدي & نقشا على معصم أوهت به جلدي

كأنه طرق نمل في انامله & او روضة رصعتها السحب بالبرد

وقوس حاجبها من كل ناحيه & ونبل مقلتها ترمي به كبدي

مدت مواشطها في كفها شركا & تصيد قلبي به من داخل الجسد

أنيسة لو رأتها الشمس ما طلعت & من بعد رؤيتها يوما على أحدِ

سالتها الوصل قالت:لاتغر بنا & من رام منا وصالا مات بالكمدِ

فكم قتيل لنا بالحب مات جوى & من الغرام ولم يبدىء ولم يُعِدِ

فقلت :استغفر الرحمن من زللٍ & إنّ المحب قليل الصبر والجَلَدِ

قد خلفتني طريحا وهي قائلة: & تأملوا كيف فعل الظبي بالأسدِ

قالت لطيف خيالٍ زارني ومضى: & بالله صفه ولاتنقص ولاتزدِ

فقال:خلفته لو مات من ظمأٍ & وقلتِ:قف عن ورود الماء،لم يردِ

قالت :صدقتَ،الوفا في الحب شيمته & يابرد ذاك الذي قالت على كبدي

واسترجعت سألت عني ،فقيل لها: & مافيهِ من رمق ،فدقت يدأَ بيدِ

وأمطرت لؤلؤا من نرجسِ وسقت & ورداً وعضت على العناب بالبَرَدِ

وأنشدت بلسان الحال قائلةً & من غير كُرهٍ ولا مَطلٍ ولا مددِ

والله ماحزنت اختٍ لفقد اخٍ & حزني عليه،ولا أمُّ على ولدِ

إن يحسدوني على موتي ،فوا أسفي & حتى من الموت لا أخلو من الحسدِ ))

تضاربت الأقوال في نسب القصيدة

منهم من نسبها ليزيد بن معاويه ولكنه لم يحمل من البينات مايدمغُ الشكَ باليقين

ومنهم من نسبها لمحمد بن أحمد المُلقب (( الوأواء الدمشقي ))

وأنا أتحرى أمانة النقلِ موثقاً بتواريخَ وشواهد كي تُنسبَ القصيدة لقائلها الحقيقي

أنا أُرجحُ أن يكونَ قائلُها هو (( الوأواء الدمشقي ))

شواهد وتواريخ النسب :

لقد ولد يزيد ومات مابينَ (( 26 ـــ 64 للهجره )) وكانت الحروب منتشرةً

في بلاد الشام والعراق آنذاك وقد إنشغل يزيد في تلكَ المُلِمات

ولا يُذكر أن للرواةِ والمؤرخينَ من نسبَ ليزيد الشعر إلا بضع أبيات

متفرقه في كل مقام وكان بعيداً عن الغزل في أشعاره

بل وكانت أُمه ميسون تؤنبه على قول الشعر

ولكن إن قرأنا للثعالبي وابن عساكر وغيرهم فقد أتوا على ذكر (( الوأواء الدمشقي ))

في أكثر المواضع من مؤلفاتهم

الوأواء عاصرَ عهد سيف الدولة الحمداني ومدحَ صاحبه الشريف

وكانت تلك الفترة (( 303 ـــ 356 للهجره ))

وقد ذكر كتاب تاج العروس المحمديون الشعراء وأتى على الوأواء فيهم

والوأواء لقب من يُنادي على البضائع في السوق

وكان الوأواء فقيراً مُعدماً لايُذاعُ له صيتٌ لفقره

ولهُ من الشعر الكثير منعه فقره من الوصول لدواوين الملوك

حتى مدح الشريفَ العقيقي بقصيده فخلعَ عليه وأجزاه

وقدمهُ لسيف الدولة الحمداني بحلب ومدحَ الأخير فخلعَ عليه

وذاعَ صيتُ الوأواء وذكره من ذكرهُ في جمعهِم للشعراء

وأُقيمت دراساتٌ حولَ مولده ومماته الذي ظل مجهولاً في أغلب الأمر

وتيقن الكثيرون من نسب القصيدةِ إليه لدروج أغلب المفرداتِ في ذلكَ الزمن

في قصيدته وقد قام الدكتور سامي الدهان مشكوراً بدراسه كامله حول الرجل

فأنصفه في نسب القصيدة

إحتوت القصيدة على محسناتٍ بديعيه كثيره

ومن أبرزِها الجِناسُ والطِباق

والجِناسُ هو أن تتشابه مفردتينِ في نُطقِهما وتختلفانِ في معناهُما ولكم من الأمثلةِ ماشئتُم

خالٌ ــ خالٍ : الخال في الأولى هو أخو الأم للولد

وخالٍ في الثانيه هو الفارغ من المُحتوى

والطِباق هو : أن نجمع بين كلمتينِ متضادتينِ في معانيهِما

شابٌ ــ مُسن

حياه ــ موت

ذكرت بعض المؤلفات أن إمرأةً دمشقيه كانت تُداوم على شراء المتاع من الوأواء

وليسَ لها حاجةٌ بالمتاع وكان الوأواء يتزلف التقرب إليها

حتى أصبحَ لا يأتي بيعه وشرائهِ من أجل مال ولكن ليلقى تلكَ الدمشقيه

فكانت تلك القصيده (( نالت على يدها ))

نالت على يدها مالم تنله يدي & نقشا على معصمٍ أوهت به جلدي

أي أنها قد أتت بما لم تأتي بهِ نساءُ حلب من نقش الحِناء

فقد كان النقشُ للكف ولا يزيد عن ذلك وأما الدمشقيةُ فقد تجاوزَ الكفَ للمعصم

فتأوه الوأواء لحسنِ النقشِ في يدها

كأنه طرق نمل في انامله & او روضة رصعتها السحب بالبرد

وصور الوأواء النقشَ بسيرةِ النملِ مُصطفاً في إنتظام

أو روضةٌ في الأرضِ زينتها السُحبُ بالمطر ــ الترصيعُ = التزيين = تاجٌ مرصعٌ بالجواهر

وقوس حاجبها من كل ناحيه & ونبل مقلتها ترمي به كبدي

تشبيهٌ للعينِ بالقوس وللنظرةِ بالنبلِ وهو السهم

البيتُ واضحٌ لايحتاجُ لإسهاب

مدت مواشطها في كفها شركا & تصيد قلبي به من داخل الجسد

في هذا البيتِ تصويرٌ بليغ المواشِطُ هي الأصابِع في الكف

شَرَكاً هو الفخ فحين مدت أصأبِعها إستوحى الشاعر أن الكف شبيهٌ بالفخ

يصطادُ قلبه من جسده

أنيسة لو رأتها الشمس ما طلعت & من بعد رؤيتها يوما على أحدِ

الأنيسُ هو الجليس والأنيسةُ كذلك

ويأتي معنى الإستئناسُ بمعنى الأُلفةِ للمُجالِسِ ومسامرته

وتُقال الأنيسةُ للجمال في الحديث والوجه

ولو أبصرت الشمسُ جمالَ تلك المرأة لكانت المرأةُ إشراقاً للشمسِ على الشمس

فلا تطلعُ الشمسُ على أحد

سالتها الوصل قالت:لاتغر بنا & من رام منا وصالا مات بالكمدِ

فكم قتيل لنا بالحب مات جوى & من الغرام ولم يبدىء ولم يُعِدِ

سألها الوأواء الوصلَ والمحبةَ فقالت لهُ لا تغترَ بي فمن أرادَ وصلي يموتُ بتعبه والكمد

وذلكَ كِنايه عن صعوبةِ منالِها لأحد

وأن الكثيرون قبلكَ أرادوا الوصلَ فأقامت بقلوبهم أوجاعُ الهوى

فلا أستطاعوا التقدم أو التأخر مني

فقلت :استغفر الرحمن من زللٍ & إنّ المحب قليل الصبر والجَلَدِ

قد خلفتني طريحا وهي قائلة: & تأملوا كيف فعل الظبي بالأسدِ

يستغفر الوأواء ربهُ من ذنب التقربِ لها ويشكو بأن ذلكَ حالُ العاشِق قليلُ الصبر والتحمُل

طُرِحَ الوأواء على الفِراشِ مريضاً بهواها ويصفُ كيف يمكن للمرأةِ أن تفتِكَ بجمالها الرجل

والتصوير للظبيةِبالدمشقية وبالأسدِ للوأواء

نقف عند هذه الأبيات ونعاود الشرح لاحقاً إن شاء الله

لإن في الأبيات القادمه أدلةٌ على أجمل بيوت الغزل المؤرخةِ في الشعر

ونريدُ الإسهابَ بِها في متسعٍ من الزمان

أردتُ أن أُضيف مقطعاً صوتياً للقصيدة

ولكن كل المقاطِعِ تحتوي على رُفقةِ سوءٍ من العزف وآلآتِ الموسيقى

كي تُسمعَ القصيدةُ بتشكيلها الصحيح

فمن أراد ذلكَ فليبحث عنها بنفسهِ فإني أبرأ إلى الله من وِزرِ أحدكم .

أحببت أن أكون أم مالك ولو خيروني بديلاً عن أسمي لأخترت ليلى

شرح مشووق يكمله منطق لإرجاع القصيده لقائلها وزمنها الحقيقي

ما شدني في القصيده رهافة الحس خاصة الأبيات الأولى ولا أظن حاكما

تشغله الحروب يبدي لأنثى مثل تلك العواطف

جزاك الله خيراً أستاذي فقد وفيت بما يمتع ويثري ..

فليكن ليلى .