24-03-2019, 12:36 PM | #15 |
| ﴿هُنَّ لباس لَكُم وأنْتُم لباسٌ لهُنَّ﴾: أنتما لباس لبعضكما، فحين تطعن في زوجتك، فإنما تكشف سترك وتفضح نفسك. الهروب من مقدِّمات الذنب من أهم أسباب النجاة: ﴿ تلك حدود الله فلا تقربوها﴾. ﴿تلك حدود الله فلا تقربوها﴾: قال ابن عمر: إني لأحب أن أدع بيني وبين الحرام سترة من الحلال لا أخرقها. وقال ميمون بن مهران: لا يسلم للرجل الحلال حتى يجعل بينه وبين الحرام حاجزا من الحلال. ﴿وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها﴾: قال البراء رضي الله عنه: نزلت هذه الآية فينا. كانت الأنصار إذا حَجّوا فجاءوا لم يدخلوا من قبل أبواب بيوتهم، ولكن من ظهورها، فجاء رجل من الأنصار فدخل من قِبَل بابه، فكأنه عُيِّر بذلك، فنزلت: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ .. ﴾. ﴿والفتنة أشد من القتل﴾: ليس المقصود بالفتنة هنا النميمة وإثارة النزاعات، بل المقصود بها هنا الكفر. ﴿ فاعتدوا عليه بمثل مااعتدى عليكم (واتقوا الله) ﴾ عند استيفاء الحقوق، تكون النفوس مشحونة، لذا أمر الله بالتقوى ليحميها من الظلم، ويعصمها من الزلل. ﴿ ﻭَﻻَ ﺗُﻠْﻘُﻮﺍْ ﺑِﺄَﻳْﺪِﻳﻜُﻢْ ﺇِﻟَﻰ ﺍﻟﺘَّﻬْﻠُﻜَﺔ ﴾: المقصود بالتهلكة في هذه الآية –عكس ما يتبادر لأذهان الكثير- هو ترك الجهاد في سبيل الله، وعدم الإنفاق. ﴿ وأتمّوا الحج والعمرة لله ﴾: لله وحده! فلا حاجة للناس بمعرفة حالك مع الله وتفاصيل حجك! ﴿وما تفعلوا من خير (يعلمه) الله﴾: عِلْمُ الله بطاعتك من أعظم ما يهوِّنها عليك، ويجعلها أخف على البدن، وألذّ على القلب. ﴿فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[البقرة: 181]: التبديل نوعان: النوع الأول، مذموم وهو المذكور هنا، وذلك بتغيير وصية الميت وتحريفها بغير حق، أو كتمان الوصية بالكلية. النوع الثاني وهو التبديل المحمود، إن كان في الوصية إجحاف أو ظلم أو منكر، بأن أوصى مثلا بأكثر من الثلث، فيبدلِّها إلى الثلث. ﴿فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[البقرة: 192]: الله يقبل توبة الكافر، أفلا يقبل توبتك؟! ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾[البقرة: 192]: الفتنة هي الشرك والصد عن دين الله، ودرء الفتنة من أهداف القتال في الإسلام، فالكافر الظالم إذا اعتدى على مسلم فلم يردَّه أحد، تمادى في العدوان، فوجب كسر شوكته بالقتال. ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾[البقرة: 201]: عن أنس أن رسول الله ﷺ عاد رجلا من المسلمين قد خفت فصار مثل الفرخ، فقال له رسول الله ﷺ: «هل كنت تدعو بشيء أو تسأله إياه؟» قال: نعم، كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة، فعجِّله لي في الدنيا، فقال رسول الله ﷺ: «سبحان الله لا تُطيقه - أو لا تستطيعه - أفلا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار». قال: فدعا الله له، فشفاه. . قيل لأنس بن مالك : ادْعُ لنا، فقال: «اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار». قالوا: زدنا، فأعادها. قالوا: زدنا. قال: ما تريدون؟! قد سألتُ لكم خير الدنيا والآخرة! ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا﴾[البقرة: 202]: من معاني الكسب الطلب، فيجيب الله (بعض) ما دعوا به وطلبوه منه، بحسب ما تقتضيه مصلحتهم، وتفرضه حكمته سبحانه، لذا نكَّر كلمة ﴿نَصِيبٌ﴾. ﴿وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾[البقرة: 202]: سُئل علي بن أبي طالب : كيف يحاسب الله الخلائق جميعا في لحظة واحدة؟ فقال: «كما يرزقهم في ساعة واحدة». ﴿ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ [البقرة: 205]: كلُّ المفسدين في حضرتك يقولون لك كلاما حسنا ويُظهِرون محبتك، وأما عند غيبتك فيسعون في الفتنة والفساد. |
|
24-03-2019, 12:37 PM | #16 |
| ﴿وتزودوا فإن خير الزاد التقوى﴾: تتزود لسفر الدنيا، وتأخذ فيه معك ما يكفيك ويفيض، ثم تنسى التزود لآخرتك! مع أنها الرحلة الأهم ودار الخلود والأبد! كلما تزودت لسفر دنيوي تذكر أنك في انتظار سفر أهم، بل وعليه مدار نجاتك من العذاب الأخروي وفوزك الأبدي. ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾: فإذا رأيت الناس قد افتخروا بالعقار والدولار، فافتخر بين يدي ربك بتقواك حين اجترأ على محارمه الفجار، وأطعته حين عصوه، وحفظتَ ما ضيَّعوا. ﴿وَتَزَوَّدُوا﴾: المقصود في الآية تزود الحجيج بالماء، لكن الله ذكر معه الزاد الأهم: (فإن خير الزاد التقوى)، لأن دنيا المؤمن لا تلهيه، وإنما تذكِّره بالآخرة وتُزَكّيه. تذكُّر الضلال الذي كنت عليه قبل هدايتك، والجهل الذي سبق علمك، كفيلٌ بأن يكسر حاجز الغرور في نفسك، ويمنعها من الزيغ: ﴿وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ﴾. (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ) كل العبادات تُخْتَم بالاستغفار، ومنها الحج، لأن الإنسان جُبِل على النقص والتقصير، فيرقِّع ذلك بالاستغفار. ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا الله﴾: َِ تنقضي الشعائر، وترحل مواسم الخير، ويبقى ذكر الله الشعيرةَ الخالدة التي لا تنقطع، لشرف الذكر ومكانته. ﴿وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾: سُئل الحسن البصري : ما علامة حب الله ؟ قال : «أن يذنب العبد، فيلهمه الاستغفار». في صحيح البخاري ومسلم: «كان أكثر دعوة يدعوبها: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾». ختم الله آيات الحج بـقوله: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾: حشَرَكم في الحج باختياركم، لكنه يحشركم غدا رغما عن أنوفكم، فحشْر اليوم الاختياري، عليه أن يذكِّركم بيوم الحشر الأكبر الإجباري. ﴿ وَإِذَا تَوَلَّى﴾[البقرة: 205]: أو تولى من التولية، فإذا صار واليا على قوم اجتذبهم إليه بمعسول الكلام، وأَيْمانه الفاجرة، حتى إذا ما التف الناس حوله سعى بينهم بالظلم والعدوان. ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾[البقرة: 207]: نزلت في صهيب بن سنان الرومي، وذلك أنه لما أسلم بمكة وأراد الهجرة منعه المشركون أن يهاجر بماله، وإن أحب أن يتجرد منه ويهاجر أذنوا له، فنخلص منهم وأعطاهم ماله فأنزل الله فيه هذه الآية، وروي أن الرسول ﷺ قال له عند ما رآه: «ربح البيع، ربح البيع». ﴿فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾[البقرة: 209]: الزَّلَّة الواحدة بعد وجود البرهان وقيام الحجة أقبح بكثير مما كان قبل ذلك. ﴿فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾[البقرة: 209]: قال الفخر الرازي: «وقوله: ﴿فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ نهاية في الوعيد، لأنه يجمع من ضروب الخوف ما لا يجمعه الوعيد بذكر العقاب. وربما قال الوالد لولده: إن عصيتني فأنت عارف بي وأنت تعلم قدرتي عليك وشدة سطوتي، فيكون هذا الكلام في الزجر أبلغ من ذكر الضرب وغيره» . ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾[البقرة: 210]: أي ما ينظرون، إذا جاءت (إلا) بعد الاستفهام؛ كان الاستفهام للنفي؛ كما قال النبي عليه الصلاة و السلام: «إن أنت إلا أصبع دميت..وفي سبيل الله ما لقيتِ»، والمعنى: ما أنتِ إلا إصبع دميت. ﴿فِي ظُلَلٍ﴾: أي مع ظلل، ففي هنا للمصاحبة، وليست الظرفية؛ فلو كانت الظرفية؛ لكانت الظلل محيطة بالله تعالى، والله تعالى –حاشاه- لا يحيط به شيء من خلقه. ﴿سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾[البقرة: 211]: لم يذكر الله بم بدَّلوا النعمة، ليشمل ذلك جميع أنواع التبديل من كتمان بعض النعم وعدم الاعتراف لله بها، والكفر ببعضها باستعمالها في معصية الله، أو نسبتها إلى غير الله، وكل هذا من تبديل النعمة المستحق للعقاب. ﴿وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾[البقرة: 212]: قال الكلبي ومقاتل: كان خباب قَيْنًا (حدّادا)، فصاغ للعاص حُلِيًّا ثم تقاضاه أجرته، فقال العاص: ما عندي اليوم ما أقضيك، فقال خباب: لست بمفارقك حتى تقضيني، فقال العاص: يا خباب ... مالك؟! ما كنت هكذا، وإن كنت لحسن الطلب، فقال خباب: إني كنت على دينك، فأما اليوم فأنا على دين الإسلام مفارق لدينك، قال: أو لستم تزعمون أن في الجنة ذهبا وفضة وحريرا؟ قال خباب: بلى. قال: فأخِّرني حتى أقضيك في الجنة- استهزاء- فو الله لئن كان ما تقول حقا إني لأقضيك فيها، فوالله لا تكون أنت يا خباب وأصحابك أوْلى بها مني. |
|
24-03-2019, 12:38 PM | #17 |
| ﴿ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ ﴾: مهما شقَّت عليك الطاعة، فما تلبث مشقتها أن تنقضي، ويبقى ثوابها وأجرها إلى أن يبهرك يوم الجزاء. ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾: ليست طلاقة اللسان دائما محمودة، فأحيانا ما تُخفي وراءها سوء السريرة وخبث الباطن. ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ (قَوْلُهُ)﴾: العبرة دائما بالأفعال لا بالأقوال! ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ﴾: قال ابن مسعود: إن من أكبر الذنب عند الله أن يُقال للعبد: اتق الله، فيقول: عليك بنفسك (خلّيك في حالك!). ﴿ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾: ادخلوا في الإسلام بكل نواحيه، ولا تأخذوا من الدين ما يروق لكم فحسب، ولا تتخيَّروا على ربكم. ﴿ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾: الإسلام بجميع تكاليفه، بحيث لا تتركوا تكليفا واحدا يشذُّ منكم. ﴿ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾: خذواالإسلام كاملا ولا تقسِّموه! ولا تتركوا حكما من أحكام الدين دون أن تعملوا به. ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ﴾: الأوجاع طريق الجنة. ﴿حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾: حين تثور أسئلة استبطاء الفرج في داخلك، فاعلم أن الفرَج قريب. ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾: قال ابن القيم: فَإِن العَبْد إِذا علم أن الْمَكْرُوه قد يَأْتِي بالمحبوب والمحبوب قد يَأْتِي بالمكروه لم يَأْمَن أَن توافيه الْمضرَّة من جَانب المسرَّة، وَلم ييأس أَن تَأتيه المسرة من جَانب الْمضرَّة؛ لعدم علمه بالعواقب، فإن الله يعلم مِنْهَا ما لا يعلمه العَبْد. ﴿وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾[البقرة: 212]: الرزق الدنيوي يحصل للمؤمن والكافر، وأما رزق القلوب من العلم والمحبة والإيمان، فلا يعطيها الله إلا من يحب. ﴿وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾[البقرة: 213]: سلوك المسلم عند الاختلاف؟! قال السعدي: «فهو حق، يفصل بين المختلفين في الأصول والفروع، وهذا هو الواجب عند الاختلاف والتنازع، أن يُرَدُّ الاختلاف إلى الله وإلى رسوله، ولولا أن في كتابه وسنة رسوله فصل النزاع، لما أمر الله بالرد إليهما». ﴿ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ البينات بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾﴾[البقرة: 213]: لا ينشأ الاختلاف –في ظل وجود الكتاب والنص الشرعي- إلا من وجود البغي! والبغي يدفع الإنسان لأخذ غير حقه، فجعل كل فريق يخطِّئ الآخر ظلما وعدوانا. ﴿وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾[البقرة: 213]: قال بعض الصالحين: ما أكثر الهدى وأقل من يرى، ألا ترى أن نجوم المساء ما أكثرها، ولا يهتدي بها إلا العالمون؟! ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ﴾[البقرة: 217]: سبب نزولها: أن سرية بعثها رسول الله ﷺ، فقاتلوا المشركين، وقد أهَلَّ هلال رجب وهم لا يعلمون ذلك، فقالت: قريش قد استحل محمد عليه السلام الشهر الحرام شهراً يأمن فيه الخائف. قال ابن عباس: كان أصحاب النبي ﷺ يظنون تلك الليلة من جمادى، وكانت أول رجب. ﴿قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ﴾[البقرة: 217]: دائما ما يتصيد أهل الباطل لأهل التدين جزئيات من الدين فرطت منهم دون قصد، وهم واقعون في ما هو أعظم عند الله جرما وأشد إثما. كان شهر رجب يدعى عند العرب: الشهر الأصم؛ لأنه لم يكن يسمع فيه للسلاح قعقعة تعظيماً لهذا الشهر، وكانوا يعظمونه أكثر من باقي الأشهر الحرم. ﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ﴾[البقرة: 219]: ليس العفو هنا ضد العقوبة بل ما تيسَّر، والعفو في لغة العرب يطلق على ضد الجهد، والمراد ما تيسر من فضول أموالكم، فلا تكلِّفوا أنفسكم إنفاق ما لا تطيقون. |
|
24-03-2019, 12:39 PM | #18 |
| ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾: قد لا يرجح ميزان حسناتك، ولا يستقيم دينك إلا بعد معاناة البأساء والضراء. ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾: فلرُبما اتسع المضيق .. ولربما ضاق الفضـا ولرُبّ أمر محزن .. لك في عواقبه رضا كل أقدار الله خِير، سواء طابت بها رُوحك أو ضاقت: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾. مصيبة تقبل بها على الله خيرٌ من نعمة تلهيك عنه: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ﴾. ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ الله﴾: يمتحن الله إيمانك بأن يأمرك بهجر ما تحب، كما امتحن أحب خلقه بالهجرة من ديارهم التي يحبون. ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾: مهما أخفيت من نواياك، فالله يعلم خفاياك. ﴿وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ﴾: مهما تعددت دواعي (اﻹعجاب) بين الناس، فلا شيء يعدل الإعجاب باﻹيمان! ﴿إنَّ اللهَ يُحِبُّ التَوّابينَ﴾: وليست التوبة إلا بعد الذنب، فالذنب إذن ليس نهاية المطاف ولا خاتمة القصة! اكتب النهاية السعيدة! ﴿إنَّ اللهَ يُحِبُّ التَوّابينَ﴾: ندمك على الذنب يوجع قلبك، لذا عوَّضك الله عن ألمك بهذا الحب؛ ليخفِّف عنك! ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾: قوامة الرجل قد تتحول إلى تسلط وتحكُّم، إلا إذا تذكَّر الزوج عزة الله وقدرته، وهذا سر ختم الآية بصفة العزة. ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى﴾: لعل من أسباب تخصيص الوصية بالصلاة الوسطى أنَّ ليس لها نافلة تجبر نقصها. ﴿ﻻ طاقَةَ لَنا الْيَوْمَ بِجالوتَ وَجُنودِهِ﴾: لابد قبل اللقاءات الفاصلة من التمايز والتصفية! ﴿فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ﴾: ليس الفصال هنا الطلاق؛ بل الفصال هو فطام الصبي عن الرضاعة. فطام الطفل يرجع فيه القرار للمشورة بين الزوجين: ﴿فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ﴾، فكيف بغيرها من القضايا؟! ﴿وَلا تَنْسَوا الفَضْلَّ بَيْنَكُمْ﴾: لا تجعل لحظة غضبٍ واحدة تهدم مئات الساعات الجميلة. ﴿وَلا تَنْسَوا الفَضْلَّ بَيْنَكُمْ﴾: قال الإمام الشوكاني: «وهو إرشاد للأزواج إلى ترك تقصي الحقوق على بعضهم، والمسامحة فيما بينهم». في الوقت الذي احتاج طالوت إلى قومه قالوا: ﴿ﻻ طاقَةَ لَنا الْيَوْمَ بِجالوتَ وَجُنودِهِ﴾، فبعض كلمات (الأصدقاء) أشد فتكا من سلاح (الأعداء). ﴿قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو الله﴾: جميلٌ أن تُحسِن الظن بالله، لكن الأروع أن تفعل ذلك حين يفقد الجميع الأمل. ﴿ربنا أفرغ علينا صبرا﴾: تخيَّل شلالاً من الصبر ينهمر عليك، ليُطفئ لهيب آلامك، ويتسلل لتجاويف أوجاعك. انظر ماذا يفعل الدعاء: ﴿قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾، فكانت النتيجة: ﴿فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ الله﴾. |
|
24-03-2019, 12:40 PM | #19 |
| (فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) قال قبيصة بن جابر الأسدي: سمعتُ عمر بن الخطاب يخطب وهو على المنبر: «والله لا أوتَى بمحلِّل، ولا بمحلَّل له إلا رجمتها». ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ﴾[البقرة: 230]: قال صاحب الكشاف: «ولم يقل: إن علما أنهما يقيمان حدود الله؛ لأن اليقين مغيَّب عنهما لا يعلمه إلا الله، ومن فسَّر الظَّن ها هنا بالعلم فقد وهِم، لأن الإنسان لا يعلم ما في الغد، وإنما يَظُنُّ ظنا». ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا﴾[البقرة: 231]: والآية تأكيد لأمر الله بالإمساك بمعروف، وزجر صريح عما كان يفعله البعض من مراجعته لامرأته قبل انتهاء عدتها لا لقصد الحفاظ على الزوجية، وإنما بقصد إطالة عدة الزوجة، أو لقصد أن تفتدي نفسها منه بمال. ﴿وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا﴾[البقرة: 231]: ومن مظاهر اتخاذ آيات الله هزوا الإكثار من التلفظ بالطلاق، وفي موطأ مالك أن رجلا قال لابن عباس: إنى طلقت امرأتى مائة مرة فماذا ترى عليَّ؟ فقال ابن عباس: «طلقت منك بثلاث، وسبع وتسعون اتَّخذتَ بها آيات الله هزوا». ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ﴾[البقرة: 232]: الخطاب هنا لأولياء المطلقة دون طلقات ثلاث إذا خرجت من العدة، وأراد زوجها أن ينكحها، ورضيت بذلك، فلا يجوز لوليها، من أب وغيره أن يعضلها، أي: يمنعها من التزوج به حنقا عليه وغضبا لما فعل من الطلاق الأول. ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ﴾[البقرة: 232]: رُوِي أن معقل بن يسار كانت أخته تحت أبي البداح، فطلقها وتركها حتى انقضت عدتها، ثم ندم فخطبها، فرضيت وأبى أخوها أن يزوجها وقال: وجهي من وجهك حرام إن تزوجتيه. فنزلت الآية. قال مقاتل: فدعا رسول الله ﷺ معقلا فقال: «إن كنتَ مؤمنا، فلا تمنع أختك عن أبي البداح»، فقال: آمنت بالله، وزوَّجها منه. ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ ﴾[البقرة: 236]: تعلموا أدب القرآن! كناية من ألطف الكنايات التي تربي الإنسان على حسن الأدب وعفة التعبير، وتجنب الألفاظ الفاحشة في ما يتعلق بالعلاقة الزوجية. ﴿وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ ﴾[البقرة: 236]: هذه الآية تُسمَّى آية المتعة كما جاء على لسان بعض الفقهاء، وهي تشريع حكيم لأن فراق المرأة قبل الدخول بها ينشئ جفوة بينها وبين مطلقها، فجاءت المتعة تسرية لنفسها، وتعويضا لها عما أصابها، وتلطيفا لجو الطلاق وما يصاحبه من جفاء وشحناء، واستبقاءً للمودة بين الطرفين. ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ﴾[البقرة: 238]: لم نزلت هذه الآية؟ في صحيح البخاري عن زيد بن أرقم: إن كنا لنتكلم في الصلاة على عهد النبي ﷺ يُكلِّم أحدنا صاحبه بحاجته؛ حتى نزلت: ﴿حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ﴾، فَأُمِرْنا بالسكوت. ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا﴾[البقرة: 239]: صلوا ماشين على الأقدام أو راكبين، فليس الخوف عذرا مقبولا لترك الصلاة. ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا﴾[البقرة: 239]: إقامة الصلاة على وقتها! فقد أمر الله بإقامتها ولو مع الإخلال بكثير من الأركان والشروط، فلا يجوز تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها ولو في حالة الخوف الشديد، فصلاتها بتلك الصورة أفضل وأوجب من صلاتها تامة بعد خروج وقتها. ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ﴾[البقرة: 240]: هنا روعة تدرج التشريع الرباني! قال الطاهر بن عاشور: «واعلموا أن العرب في الجاهلية كان من عادتهم المتبعة أن المرأة إذا توفي عنها زوجها تمكث في شرِّ بيتٍ لها حولا، مُحدَّة لابسة شر ثيابها، متجنبة الزينة والطيب، فلما جاء الإسلام أبطل ذلك الغلو في سوء الحالة، وشرع عدة الوفاة والإحداد، فلما ثقل ذلك على الناس، في مبدأ أمر تغيير العادة، أمر الأزواج بالوصية لأزواجهم بسكنى الحول بمنزل الزوج والإنفاق عليها من ماله، إن شاءت السكنى بمنزل الزوج، فإن خرجت وأبت السكنى هنالك لم ينفق عليها، فصار الخيار للمرأة في ذلك بعد أن كان حقا عليها لا تستطيع تركه، ثم نسخ الإنفاق والوصية بالميراث، فالله لما أراد نسخ عِدة الجاهلية، وراعى لطفه بالناس في قطعهم عن معتادهم، أقرَّ الاعتداد بالحول، وأقرَّ ما معه من المكث في البيت مدة العدة، لكنه أوقفه على وصية الزوج عند وفاته لزوجه بالسكنى، وعلى قبول الزوجة ذلك، فإن لم يوص لها أو لم تقبل، فليس عليها السكنى، ولها الخروج، وتعتد حيث شاءت، ونسخ وصية السكنى حولا بالمواريث، وبقي لها السكنى في محل زوجها مدة العدة مشروعا». |
|
24-03-2019, 12:42 PM | #20 |
| وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾[البقرة: 241]: متعة المطلَّقة ثقيلة على النفس، لذا قيَّدها الله بقيدين: التقوى في هذه الآية، والإحسان في الآية السابقة. ﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾[البقرة: 241]: طلَّق رجل امرأته عند شريح القاضي، فقال له شريح: مَتِّعْها! فقالت المرأة: إنه ليس لي عليه متعة، إنما قال الله تعالى: ﴿وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾، ﴿وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المحسنين﴾، وليس من أولئك!! ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾[البقرة: 242]: ما معنى العقل هنا؟ ! قال الأستاذ الإمام محمد رشيد رضا: «معناه أن يتدبر الشيء ويتأمله حتى تُذعِن نفسه لما أودعت فيه إذعانا يكون له أثر في العمل، فمن لم يعقل الكلام بهذا المعنى فهو ميت، وإن كان يزعم أنه حي، ميت من عالم العقلاء، حي بالحياة الحيوانية، وقد فهمنا هذه الأحكام ولكن ما عقلناها، ولو عقلناها لما أهملناها». ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا﴾[البقرة: 243]: الهروب من القدَر حماقة، لسان حال أحدهم: فرَّ من الموت، وفي الموت وقع! ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً﴾[البقرة: 245]: أكمل الصدقات! قال الآلوسي: «وذكر بعضهم أن القرض الحسن ما يجمع عشر صفات: - أن يكون من الحلال، فإن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا. - وأن يكون من أكرم ما يملكه المرء. - وأن يكون والمرء صحيح شحيح يأمل العيش ويخشى الفقر. - وأن يضعه في الأحوج الأَوْلى. - وأن يكتم ذلك. - وأن لا يتبعه بالمنِّ والأذى. - وأن يقصد به وجه الله تعالى. - وأن يستحقر ما يعطي وإن كثُر. - وأن يكون من أحب أمواله إليه. - وأن يتوخى في إيصاله للفقير ما هو أسَرُّ لديه من الوجوه كحمله إلى بيته». ﴿إذ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمْ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ ﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا﴾[البقرة: 246]: ميدان القول غير ميدان العمل! ﴿وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا﴾[البقرة: 246]: جعل الله التهجير من الوطن والأهل سببا لوجوب الجهاد في سبيل الله. ﴿قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنْ الْمَالِ﴾[البقرة: 247]: التقييم الجاهلي تقييمٌ سطحي، يقيس الشخص بما نال من أموال لا بما حاز من كريم خصال. ﴿ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾[البقرة: 248]: اليهود قوم ماديون، لذا ساق الله لهم آية حسية يشاهدونها وهي الإتيان بالتابوت الذي فقدوه زمنا طويلا، ولأن التابوت حمله الملائكة، فلم يرهم القوم لأنهم مخلوقات غير مرئية، فرأوا التابوت آتيا دون أن يروا من يحمله، ولذلك أسند الله أمر الإتيان إلى التابوت: ﴿يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ﴾. ﴿فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾[البقرة: 249]: كانوا أصحاب طالوت ثمانين ألفا فصاروا ثلاثمائة! قال البراء بن عازب : «كنا نتحدث: أن أصحاب بدر ثلاث مائة وبضعة عشر، بعدة أصحاب طالوت، الذين جاوزوا معه النهر، وما جاوز معه إلا مؤمن». ﴿وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا﴾[البقرة: 249]: أول أعمال المجاهدين: الدعاء، فشارِكهم من مكانك في هذا العمل إن لم تنل شرف الجهاد. ﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ ﴾[البقرة: 251]: قال ابن عباس: «يدْفع الله بِمن يُصَلِّي عمَّن لا يُصلِّي، وبمن يحجُّ عمَّن لا يحجُّ، وبمن يُزكي عمَّن لا يُزكّي» ﴿ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ ﴾[البقرة: 251]: وفسادها بأن يغمرها الكفر، لكنه سبحانه لا يُخْلي زمنا من الأزمنة مِنْ قائمٍ بحقٍّ وداعٍ إلى الله. |
|
24-03-2019, 12:43 PM | #21 |
| الجزء الثالث ﴿الحي القيوم﴾: قال كثير من أهل العلم أنه اسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب. في حديث أبى أمامة مرفوعا أن اسم الله الأعظم في ثلاث سور، في سورة البقرة، وآل عمران، وطه. قال أبو أمامة: ﴿فالتمستها فوجدت في البقرة: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ وفي آل عمران: ﴿اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ وفي طه: ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّوم﴾. ﴿ لا تأخذه سنة ولا نوم ﴾ نتلوها كل ليلة قبل أن ننام ليحفظنا الله ويرعانا بعينه التي لا تنام. (ولا يؤده حفظهما): وإن الذي حفظ السماوات والأرض؛ لن يعجزه أن يحفظك من كل سوء، فاعبده وتوكل عليه. (فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انْفِصَامَ لها): العروة الوثقى هي الإيمان أو الإسلام أو التوحيد، فلتفلت كل العرى من يديك، ولتقبض على عروة الدين؛ لتبحر آمنا في بحر الحياة الهائج نحو شطآن الجنة. (لا انْفِصَامَ لها): إلا إن أراد العبد انفصامها! قال سعيد بن جبير: لا يُغَيِّرُ اللَّهُ ما بِقَوْمٍ حتَّى يُغَيِّروا ما بِأَنْفُسِهِم. { الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور } وحَّد الله لفظ ( النور ) و جَمَع لفظ ( الظلمات )، لأن طريق الحق واحد، وطرق الباطل متعددة. (الله وليُّ الذين آمنوا): من كان الله وليّه، فلن يَضلَّ أبدا، ولن يُقهَر. ﴿ الله ولي الذين آمنوا ﴾ .. ﴿ ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ﴾ . ومتى تولاك هل يضيِّعك؟! ﴿ الله وليُّ الذين آمنوا ﴾ على قدر إيمانك تكون ولاية الله لك. 1 ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾[البقرة: 254]: قال عطاء بن دينار: والحمد لله الذي قال: ﴿والكافرون هم الظالمون﴾، ولم يقل: والظالمون هم الكافرون. (وهو العلئ) [البقرة: 255]: قال الماوردي: «وفي الفرق بين العلي والعالي وجهان: أحدهما:أن العالي هو الموجود في محل العلو وإن لم يكن مستحقا للعلو، والعلي هو المستحق للعلو. الثاني:أن العالي هوالذي يجوز أن يُشارَك، والعلي هو الذي لايجوز أن يُشارَك» (العظيم) [البقرة: 255]: قال ذوالنُّون: «من أراد التواضع فلْيُوَجِّه نفسه إلى عظمة الله فإنها تذوبُ وتصفو، ومن نظر إلى سلطان الله ذهب سلطانُ نفسه؛ لأن النفوس كلَّها فقيرةٌ عندهيبته». ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾ [البقرة: 266] مثل لسوء الخاتمة أو المرائي! تلا عمر هذه الآية، وقال: هذا مثَل ضرب للإنسان يعمل عملا صالحا، حتى إذا كان عند آخر عمره أحوج ما يكون إليه عمل عمل السوء، وقال السُّدِّي: هذا مثل المرائي في نفقته الذي ينفق لغير الله، ينقطع عنه نفعها أحوج ما يكون إليه. أو مثل لشدة الحاجة للحسنات بعد الموت! قال الحسن: «هذا مثل، قلَّ والله من يعقله من الناس: شيخٌ كبير ضعف جسمه، وكثر صبيانه، فقَد جنته أحوج ما كان إليها، وإن أحدكم والله لأفقر ما يكون إلى عمله إذا انقطعت عنه الدنيا». ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾[البقرة: 271]: أيهما أفضل في الصدقة: السر أم الإعلان؟ السِّرّ أوْلى في حالة ضعيف القلب الذي لا يأمن على نفسه الرِّياء. والإعلان مع مجاهدة النَّفس من خطرات الرِّياء أوْلى للقوي الذي يأمن الرِّياء إذا قصد أن يدعو غيره إلى الاقتداء. ﴿الم (1) اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَّ الْحَيُ الْقَيُّومُ﴾ [آل عمران: 2]: قال النبي ﷺ: «اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: ﴿وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ ﴾[البقرة: 163]، وفاتحة آل عمران: ﴿الم اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾» صحيح الجامع رقم: 980 الدعاء باسمي الحي القيوم! قال النبي ﷺ لابنته فاطمة يوما: «ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به؟ أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت: يا حي يا قيوم .. برحمتك أستغيث..وأصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا». السلسلة الصحيحة رقم: 227 ﴿ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾ [آل عمران: 3]: التنزيل هو النزول مرة بعد مرة، والقرآن نزل منجَّما: أي شيئا بعد شيء، فلذلك قال: ﴿نَزَّلَ﴾، وأما التوراة والإنجيل فنزلا دفعة واحدة، لذا قال: ﴿وَأنْزَل﴾. ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ ﴾[آل عمران:5]: اختباؤك بعيدا عن نظر الله علامة قلة عقل فضلا عن ضعف دين. |
|
الكلمات الدلالية (Tags) |
جعلناه , نوراً |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
المصلى للمسلمين لها هيبتها في الاسلام مصلى همسات الغلا | ريحانة بغداد | ( همســـــات الإسلامي ) | 262 | 16-03-2019 08:59 AM |
تغريداتنا الاسلاميه | ذابت نجوم الليل | ( همســـــات الإسلامي ) | 213 | 29-08-2018 09:43 PM |
ثم جعلناه نطفة في قرار مكين | سراج منير | ( همســـــات الإسلامي ) | 13 | 19-08-2018 11:16 PM |
انثر خلفك زهورا واصبر قليلا ترى نوراً | ميارا | (همسات تطوير الذات ) | 27 | 17-05-2014 06:18 PM |