الإهداءات | |
| LinkBack | أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
21-08-2019, 07:20 PM | #36 |
| عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم فِيْمَا يَرْوِيْهِ عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى أَنَّهُ قَالَ: (إِنَّ الله كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ؛ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً،وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمائَةِ ضِعْفٍ إِلىَ أَضْعَاف كَثِيْرَةٍ. وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً،وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً)[256] رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ في صَحِيْحَيْهِمَا بِهَذِهِ الحُرُوْفِ. الشرح قوله "فيمَا يَرويهِ عَنْ رَبِّهِ" يسمى هذا الحديث عند العلماء حديثاً قدسياً. قوله "كَتَبَ" أي كتب وقوعها وكتب ثوابها، فهي واقعة بقضاء الله وقدره المكتوب في اللوح المحفوظ، وهي أيضاً مكتوب ثوابها كما سيبين في الحديث. أما وقوعها: ففي اللوح المحفوظ. وأما ثوابها: فبما دل عليه الشرع. " ثُمَ بَيَّنَ ذَلِك" أي فصله. "فَمَن هم بِحَسَنةٍ فَلَم يَعمَلهَا كَتَبَهَا اللهُ عِندَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً" والمهم هنا ليس مجرد حديث النفس، لأن حديث النفس لا يكتب للإنسان ولا عليه، ولكن المراد عزم على أن يفعل ولكن تكاسل ولم يفعل، فيكتبها الله حسنة كاملة. فإن قيل: كيف يثاب وهو لم يعمل؟ فالجواب: يثاب على العزم ومع النية الصادقة تكتب حسنة كاملة. واعلم أن من هم بالحسنة فلم يعملها على وجوه: الوجه الأول:أن يسعى بأسبابها ولكن لم يدركها، فهذا يكتب له الأجر كاملاً، لقول الله تعالى: ( وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ )(النساء: الآية100) وكذلك الإنسان يسعى إلى المسجد ذاهباً يريد أن يصلي صلاة الفريضة قائماً ثم يعجز أن يصلي قائماً فهذا يكتب له أجر الصلاة قائماً، لأنه سعى بالعمل ولكنه لم يدركه. الوجه الثاني:أن يهم بالحسنة ويعزم عليها ولكن يتركها لحسنة أفضل منها،فهذا يثاب ثواب الحسنة العليا التي هي أكمل، ويثاب على همه الأول للحسنة الدنيا،ودليل ذلك أن رجلاً أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين فتح مكة،وقال:يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس؟ فقال: "صَلِِّ هَاهُنَا" فكرر عليه، فقال له "شَأنُكَ إذاً"[257] فهذا انتقل من أدنى إلى أعلى. الوجه الثالث:أن يتركها تكاسلاً، مثل أن ينوي أن يصلي ركعتي الضحى،فقرع عليه الباب أحد أصحابه وقال له:هيا بنا نتمشى،فترك الصلاة وذهب معه يتمشى،فهذا يثاب على الهم الأول والعزم الأول، ولكن لا يثاب على الفعل لأنه لم يفعله بدون عذر،وبدون انتقال إلى ما هو أفضل. "وَإِن هَمَّ بِهَا فَعمَلَهَا" تكتب عشر حسنات - والحمد لله - ودليل هذا من القرآن قول الله تعالى: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (الأنعام:160) "كَتَبَهَا اللهُ عِندَهُ عَشرَ حَسَنَاتٍ" هذه العشر حسنات كتبها الله على نفسه ووعد به وهو لا يخلف الميعاد. "إلى سَبعمَائةِ ضِعف" وهذا تحت مشيئة الله تعالى، فإن شاء ضاعف إلى هذا، وإن شاء لم يضاعف. "إلى أَضعَافٍ كَثيرةٍ" يعني أكثر من سبعمائة ضعف. قال: "وَإِن هَمَّ بِسَيئةٍ فَلَم يَعمَلهَا كَتَبَهَا اللهُ عِندَهُ حَسَنةً كَامِلَةً" جاء في الحديث: "لأنهُ إِنَمّاٍ تَرَكَهَا مِن جَرائي" أي من أجلي، فتكتب حسنة كاملة،لأنه تركها لله. واعلم أن الهم بالسيئة له أحوال: الحال الأولى:أن يهم بالسيئة أي يعزم عليها بقلبه،وليس مجرد حديث النفس، ثم يراجع نفسه فيتركها لله عزّ وجل،فهذا هو الذي يؤجر، فتكتب له حسنة كاملة، لأنه تركها لله ولم يعمل حتى يكتب عليه سيئة. الحال الثانية:أن يهم بالسيئة ويعزم عليها لكن يعجز عنها بدون أن يسعى بأسبابها:كالرجل الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليت لي مثل مال فلان فأعمل فيه مثل عمله وكان فلان يسرف على نفسه في تصريف ماله،فهذا يكتب عليه سيئة، لكن ليس كعامل السيئة،بل يكتب وزر نيته،كما جاء في الحديث بلفظه: "فَهوَ بِنيَّتهِ"، فَهُمَا في الوِزرِ سواء[258] الحال الثالثة:أن يهم بالسيئة ويسعى في الحصول عليها ولكن يعجز، فهذا يكتب عليه وزر السيئة كاملاً، دليل ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إِذَا اِلتَقَى المُسلِمَانِ بِسيفَيهِمَا فَالقَاتِل وَالمَقتول في النَّار قَالَ:يَا رَسُول الله هَذا القَاتِلُ،فَمَا بَالُ المَقتُول؟" أي لماذا يكون في النار- قَالَ: "لأَنَّهُ كَانَ حَريصَاً عَلَى قَتلِ صَاحِبِهِ"[259] فكتب عليه عقوبة القاتل. ومثاله:لو أن إنساناً تهيأ ليسرق وأتى بالسلم ليتسلق، ولكن عجز، فهذا يكتب عليه وزر السارق، لأنه هم بالسيئة وسعى بأسبابها ولكن عجز. الحال الرابعة:أن يهم الإنسان بالسيئة ثم يعزف عنها لا لله ولا للعجز، فهذا لا له ولا عليه،وهذا يقع كثيراً،يهم الإنسان بالسيئة ثم تطيب نفسه ويعزف عنها، فهذا لا يثاب لأنه لم يتركها لله، ولا يعاقب لأنه لم يفعل ما يوجب العقوبة. وعلى هذا فيكون قوله في الحديث: "كَتَبَهَا عِندَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً" أي إذا تركها لله عزّ وجل. "وَإِن هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ سَيئةً وَاحِدةً" ، ولهذا قال الله عزّ وجل: ( كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)(الأنعام: الآية54) وقال الله تعالى في الحديث القدسي: "إِنَّ رَحْمَتِيْ سَبَقَتْ غَضَبِيْ"[260] وهذا ظاهر من الثواب على الأعمال، والجزاء على الأعمال السيئة. قال النووي - رحمه الله - : فانظر يا أخي وفقنا الله وإياك إلى عظيم لطف الله تعالى، وتأمل هذه الألفاظ وقوله: "عِندَهُ" إشارة إلى الاعتناء بها. وقوله: "كَامِلَةً" للتأكيد وشدة الاعتناء بها. وقال في السيئة التي هم بها ثم تركها كَتَبَهَا اللهُ عِندَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً فأكدها بكاملة وإن عملها كتبها سيئة واحدة، فأكد تقليلها بواحدة، ولم يؤكدها بكاملة، فلله الحمد والمنة، سبحانه لا نحصي ثناءً عليه ، وبالله التوفيق. هذا تعليق طيب من المؤلف - رحمه الله - . من فوائد هذا الحديث: .1رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه،وما رواه عن ربه في الأحاديث القدسية:هل هو من كلام الله عزّ وجل لفظاً ومعنى، أو هو كلام الله معنى واللفظ من الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ اختلف المحدثون في هذا على قولين، والسلامة في هذا أن لا تتعمق في البحث في هذا،وأن تقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عزّ وجل وكفى،وتقدم الكلام على ذلك. .2اثبات كتابة الحسنات والسيئات وقوعاً وثواباً وعقاباً، لقوله إن الله كتب الحسنات والسيئات. .3 أن الحسنات الواقعة والسيئات الواقعة قد فرِغ منها وكتبت واستقرت. ولكن ليس في هذا حجة للعاصي على معاصي الله، لأن الله تعالى أعطاه سمعاً وبصراً وفهماً وأرسل إليه الرسل، وبيّن له الحق وهو لا يدري ماذا كُتِبَ له في الأصل، فكيف يقحم نفسه في المعاصي،ثم يقول: قد كتبت عليَّ، لماذا لم يعمل بالطاعات ويقول: قد كتبت لي؟ !! فليس في هذا حجة للعاصي على معصيته: أولاً: للدليل الأثري، وثانياً: للدليل النظري. أما الأثري:فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال للصحابة: "مَا مِنكُم مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ كُتِبَ مَقعَدهُ مِنَ الجَنةِ وَالنَّار" قَالوا:يَا رَسُول الله أَفَلا نَدع العَمَلَ وَنَتَّكِلَ عَلَى الكِتَابِ الأَولِ ؟ قَالَ: "لاَ، اعمَلوا فَكل ميسر لِمَا خُلِقَ لَهُ"[261] هذا دليل، يعني لا تعتمد على شيء مكتوب وأنت لا تدري عنه "اعمَلوا فَكل ميسرٍ لِمَا خُلِقَ لَهُ، أَمَّا أَهلُ السعَادَةِ فَيُيَسّرونَ لِعَمَلِ أَهلِ السَّعَادَةِ،وَأَمَا أَهَلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرونَ لِعَمَلِ أَهلِ الشَّقَاوَةِ،ثُمَ تَلاَ قَولَهُ تَعالَى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى* وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)" [الليل:5-10]. فهذا دليل أثري، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع الاتكال على ما كتب وأن نعمل. أما الدليل النظري العقلي فيقال لهذا الرجل:ما الذي أعلمك أن الله كتبك مسيئاً؟ هل تعلم قبل أن تعمل الإساءة؟ الجواب:لا،كلنا لا نعلم المقدور إلا إذا وقع، فلا حجة عقلية ولا حجة أثرية. .4إثبات أفعال الله عزّ وجل لقوله: "كَتَبَ" وسواء قلنا إنه أمر بأن يكتب، أو كتب بنفسه عزّ وجل. وهذه المسألة اختلف فيها الناس،وليس هذا موضع ذكر الاختلاف،لأن كلامنا على شرح الحديث. والذي عليه أهل السنة والجماعة: أن صفات الله عزّ وجل:فعلية متعلقة بمشيئته، وذاتية لازمة لله. .5عناية الله عزّ وجل بالخلق حيث كتب حسناتهم وسيئاتهم قدراً وشرعاً. .6أن التفصيل بعد الإجمال من البلاغة، يعني أن تأتي بقول مجمل ثم تفصله،لأنه إذا أتى القول مجملاً تطلعت النفس إلى بيان هذا المجمل،فيأتي التفصيل والبيان وارداً على نفس مشرئبة مستعدة، فيقع منها موقعاً يكون فيه ثبات الحكم. .7فضل الله عزّ وجل ولطفه وإحسانه أن من هم بالحسنة ولم يعملها كتبها الله حسنة،والمراد بالهم: العزم، لا مجرد حديث النفس، لأن الله تعالى عفا عن حديث النفس لا للإنسان ولا عليه. وسبق شرح أحوال من هم بالحسنة ولم يعملها فليرجع إليه. .8مضاعفة الحسنات، وأن الأصل أن الحسنة بعشر أمثالها، ولكن قد تزيد إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة. ومضاعفة ثواب الحسنات تكون بأمور ، منها: الأول: الزمان، مثاله: قول النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأول من ذي الحجة "مَا مِنْ أَيَّام العَمَلُ الصَّالِحُ فِيْهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشر قَالوا: ولاَ الجِهَادُ في سَبيلِ اللهِ، قَالَ: وَلا الجِهَادُ في سَبيلِ الله"[262] هذا عظم ثواب العمل بالزمن. ومن ذلك قوله تعالى: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (القدر:3) الثاني:باعتبار المكان، ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"صَلاَةٌّ في مَسجِدي هَذا أَفضَلُ مِنْ أَلفِ صَلاَة فيمَا سِواهُ إِلاَّ مَسجِدِ الكَعبَة"[263] الثالث:باعتبار العمل فقد قال الله تعالى في الحديث القدسي "مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِيْ بِشَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مَمَّا افتَرَضْتُ عَلَيْهِ"[264] فالعمل الواجب أفضل من التطوع. الرابع:باعتبار العامل قال النبي صلى الله عليه وسلم لخالد بن الوليد وقد وقع بينه وبين عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنهما- ما وقع "لاَ تَسِبوا أَصحَابي،فوالذي نَفسي بيَدِهِ لَو أَنفَقَ أَحَدُكُم مِثلَ أُحُدٍ ذَهَباً مَا بَلَغَ مَد أَحَدِكُم ولاَ نصيفَهُ"[265] . وهناك وجوه أخرى في المفاضلة تظهر للمتأمل و متدبر الأدلة. أيضاً يتفاضل العمل بالإخلاص، فلدينا ثلاثة رجال: رجل نوى بالعمل امتثال أمر الله عزّ وجل والتقرب إليه،وآخر نوى بالعمل أنه يؤدي واجباً، وقد يكون كالعادة، والثالث نوى شيئاً من الرياء أو شيئاً من الدنيا. فالأكمل فيهم: الأول، ولهذا ينبغي لنا ونحن نقوم بالعبادة أن نستحضر أمر الله بها، ثم نستحضر متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيها،حتى يتحقق لنا الإخلاص والمتابعة. .9أن من هم بالسيئة ولم يعملها كتبها الله حسنة كاملة، وقد مر التفصيل في ذلك أثناء الشرح، فإن هم بها وعملها كتبها الله سيئة واحدة. ولكن السيئات منها الكبائر والصغائر،كما أن الحسنات منها واجبات وتطوعات ولكلٍ منهما الحكم والثواب المناسب، والله الموفق. |
|
21-08-2019, 07:21 PM | #37 |
| الحديث :: فضل الذكر عن أبي ذَرٍّ رَضِي اللهُ عَنْهُ، أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحابِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يَا رَسُولَ اللهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالأُجُورِ؛ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، ويَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، ويَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَموالِهِم. قالَ: { أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَدَّقُونَ، إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ}. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ أَجْرٌ؟ قالَ: { أَرَأيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلاَلِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ}). رواه مُسلِمٌ. |
|
21-08-2019, 07:22 PM | #38 |
| عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) حديث حسن، رواه الترمذي وغيره. الحديث الثاني عشر: يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) حديث حسن، رواه الترمذي وغيره هكذا. يعني موصولاً عن أبي هريرة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ورواه غيره مرسلاً. اختلف فيه العلماء في وصله وإرساله، لكن الترمذي حكم عليه بأنه حسن، والمؤلف أيضاً -رحمه الله تعالى- النووي حكم عليه بأنه حسن، وقال بعضهم بأنه مرسل، لا يثبت موصولاً، وعلى كل حال أقل أحواله الحسن، وصححه بعضهم بشواهده. عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، يعني من كماله وتمامه، وهو محمول على ما لا يعنيه من المباحات، تركه ما لا يعنيه من المباحات، لا يتدخل فيما لا يعنيه، لا يتدخل في شئون غيره، لا يسأل عما لا حاجة له به، لا ينظر إلى ما لا يحتاج للنظر إليه، لا يستمع إلى ما لا يحتاج استماعه، ما لا ينفعه في دينه أو دنياه، وليس بحاجة لهذه الأمور؛ لأنها لا تعنيه، فمن تمام إسلامه وحسن إسلامه وكماله ألا ينظر إلى هذه الأمور. كثير من الناس مغرم بتتبع هذه الأمور التي لا تعنيه، بل فيها إضاعة لوقته وجهده واهتمامه، ولها آثار على قلبه؛ لأن هذه الأمور منافذ للقلب إذا تكلم فيما لا يعنيه، ونظر إلى ما لا يعنيه، واستمع إلى ما لا يعنيه، هذه المنافذ إلى القلب التي تورثه تشتتاً وعدم اجتماع، فيصاب بالغفلة، إذا أكثر النظر في الأمور التي لا تعنيه، وهو ماش في طريقه هذه العمارة ما شاء الله كم دور؟ ولمن؟ ولماذا فعلوا كذا؟ ولماذا كان اللون كذا؟ هذا لا يعنيك، اشتغل بما يعنيك، لو أنت قلت: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم بدلاً من هذا الفضول لكان أكمل لإسلامك، وأحفظ لقلبك، ومثله الاستماع، بعض الناس يحب سماع كل شيء، وإذا فاته شيء ماذا قال فلان؟ ماذا حصل؟ ماذا؟ بعضهم فضول النظر، وهذه الأمور هي التي تصيب القلب بالتشتت والغفلة عما يراد من الإنسان، فمنافذ القلب السمع والبصر، واللسان، فضول القول، فضول النظر، فضول الاستماع، فضول النوم، فضول الأكل، كل هذه الفضول الإنسان ليس بحاجة إليها، إنما يقتصر على ما يحتاج إليه، ويقتصر على ما يعنيه. ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) قد يقول قائل -وقد قيل- في بعض الوسائل أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تدخل في شئون الغير، ويدخل في هذا الحديث ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) نقول: لا، هو مأمور به شرعاً فهو يعنيه، مأمور بالأمر بالمعروف فهو مما يعنيه، مأمور بالنهي عن المنكر فهو يعنيه، ولو تركه لأخل بواجب أوجبه الله عليه، فهو آثم بسببه على حسب قدرته واستطاعته، يعني يردد في الوسائل أن هذا الأمر والنهي تدخل في شئون الغير، فهو في الحقيقة لا يعنيه، نقول: لا، يعنيه، بل هو ملزم به شرعاً، ولذا طلب منه: ((من رأى منكم منكراً فليغيره)) هذا نقول: لا يعنيه؟ وهو مأمور به أمر صريح، ما هو باستنباط، أمر صريح ((فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه)) فهذا يعنيه، ولا يمكن أن يقال: إن هذا الأمر يعني ما لك دخل بالناس، هذه كلمة يرددها، ما عليك من الناس، كل يبي يدفن بقبره لحاله، لا، أنت تبي تسأل عن هذا المنكر الذي رأيته فلم تغيره؛ لأنك مأمور وداخل في عموم (من) ((من رأى منكم)) والمراد بالرؤية هنا أعم من البصرية، قيل لك: إن فلان ارتكب منكراً، أو يوجد منكر في المكان الفلاني تقول: هذا لا يعنيني، نقول: يعنيك؛ لأنك مأمور بالتغيير، تقول: أنا ما رأيت، والرسول يقول: ((من رأى)) نقول: لا، الرؤية هنا أعم من أن تكون بصرية، إذا بلغك بطريق صحيح فكأنك رأيت، والنبي -عليه الصلاة والسلام- خوطب بالرؤية في أمور لم يرها؛ لأنها بلغته بما يثبت به الخبر: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} [(6) سورة الفجر] {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [(1) سورة الفيل] ما رأى، لكنه بلغه بخبر قطعي كأنه رؤية، وإلا لو قلنا: إن ما جاء بالنصوص بلفظ الرؤية يقتصر على البصرية لقلنا: إن الأعمى لا يلزمه الأمر والنهي، ولا يلزمه الغسل إذا احتلم؛ لأنه لم ير المني "هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: ((نعم إذا هي رأت الماء)) طيب لو قدر أنها في ليل في ظلام، وجزمت يقيناً أن الماء قد خرج، أو جزم الأعمى، أو الرجل في الظلام أنه قد خرج منه الماء، نقول: لا، لا يغتسل؛ لأنه ما رأى الماء، هل يمكن أن يقول بهذا أحد؟ ما يقول بهذا أحد. فالرؤية أعم من أن تكون بصرية، فإذا بلغك المنكر بمن يثبت بقوله الخبر عليك أن تنكر، نعم عليك أن تتثبت عليك أن تتريث لا تتعجل؛ لأن الأساليب الآن الكيدية تنوعت وتعددت، فيمكن أن يشاع خبر فإذا استعجل الإنسان في إنكاره خفت مصداقيته، ثم إذا تكرر منه ذلك صار كلامه وجوده مثل عدمه، فنقول: عليك أن تتثبت، فإذا ثبت لديك بما لا مجال فيه للشك، عليك أن تغير، عليك أن تنكر. ولو قلنا بأن مثل هذا لا يعني المسلم فأيضاً جميع أبواب الخير أيضاً المتعلقة بغيره إذا طردنا هذا قلنا: لا تعنيه، أمر فلان، أو أمر المجموعة من الطلاب لا يعنيك لماذا تعلمهم الخير؟ نفس الشيء، أنت في منعك إياه من مزاولة المنكر أنفع له من أن تعلمه العلم؛ لأنك تحول دونه ودون ما هو ضرر محض عليه، ومعلوم أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فأنت إذا رأيت عاصياً تبادر إلى إنكار المنكر قبل أن تسعى لتعليمه العلم، وحثه على طلب العلم، ثم إذا زال هذا المنكر تدعوه إلى أن يكمل نفسه بالعلم النافع والعمل الصالح، يعني من حسن إسلام المرء، يعني من كماله وهذا قلنا أنه في المباحات، أما إذا كان في المحرمات أو في الواجبات فإنه من صميمه وصلبه، من صميم دينه، من صميم إسلامه تركه ما لا يعنيه في هذه الأمور المحرمة أو فعل أو ترك الواجبات، فإن هذا أمر ليس من كمال الإسلام، ولا من حسنه فقط، بل من صميمه من لبه، والله أعلم. وصلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. |
|
21-08-2019, 07:23 PM | #39 |
| |
|
23-08-2019, 01:16 AM | #40 |
| جزاك المولى الجنه وكتب الله لك اجر هذه الحروف كجبل احد حسنات وجعله المولى شاهداً لك لا عليك لاعدمنا روعتك ولك احترامي وتقديري |
|
23-08-2019, 04:15 PM | #41 |
| السلام عليكم أهلا وسهلا بالجميع عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان . رواه مسلم . الحاشية رقم: 2 وأما الإنكار باللسان واليد ، فإنما يجب بحسب الطاقة ، وقال ابن مسعود : يوشك من عاش منكم أن يرى منكرا لا يستطيع له غير أن يعلم الله من قلبه أنه له كاره . وفي " سنن أبي داود " عن العرس بن عميرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : إذا عملت الخطيئة في الأرض ، كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها ، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها ، فمن شهد الخطيئة ، فكرهها قلبه كان كمن لم يشهدها إذا عجز عن إنكارها بلسانه ويده ، ومن غاب عنها فرضيها ، كان كمن شهدها وقدر على إنكارها ولم ينكرها لأن الرضا بالخطايا من أقبح المحرمات ، ويفوت به إنكار الخطيئة بالقلب ، وهو فرض على كل مسلم ، لا يسقط ، عن أحد في حال من الأحوال . [ ص: 246 ] وخرج ابن أبي الدنيا من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : من حضر معصية فكرهها ، فكأنه غاب عنها ، ومن غاب عنها ، فأحبها ، فكأنه حضرها وهذا مثل الذي قبله . فتبين بهذا أن الإنكار بالقلب فرض على كل مسلم . في كل حال ، وأما الإنكار باليد واللسان فبحسب القدرة ، كما في حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ، ثم يقدرون على أن يغيروا فلا يغيروا ، إلا يوشك الله أن يعمهم بعقاب خرجه أبو داود بهذا اللفظ ، وقال : قال شعبة فيه : ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أكثر ممن يعمله . وخرج أيضا من حديث جرير سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي ، يقدرون أن يغيروا عليه فلا يغيرون ، إلا أصابهم الله بعقاب قبل أن يموتوا . وخرجه الإمام أحمد ولفظه : ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أعز وأكثر ممن يعمله ، فلم يغيروه ، إلا عمهم الله بعقاب . وخرج أيضا من حديث عدي بن عميرة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم [ ص: 247 ] قادرون على أن ينكروه فلا ينكرونه فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة . وخرج أيضا هو وابن ماجه من حديث أبي سعيد الخدري ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله ليسأل العبد يوم القيامة ، حتى يقول : ما منعك إذا رأيت المنكر أن تنكره ، فإذا لقن الله عبدا حجته ، قال : يا رب رجوتك وفرقت الناس . فأما ما أخرجه الترمذي ، وابن ماجه من حديث أبي سعيد أيضا ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في خطبته : ألا لا يمنعن رجلا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه ، وبكى أبو سعيد ، وقال : قد والله رأينا أشياء فهبنا . وخرجه الإمام أحمد وزاد فيه : فإنه لا يقرب من أجل ، ولا يباعد من رزق أن يقال بحق أو يذكر بعظيم . وكذلك خرج الإمام أحمد وابن ماجه من حديث أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : لا يحقر أحدكم نفسه قالوا : يا رسول الله ، كيف يحقر أحدنا نفسه ؟ قال : يرى أمر الله عليه فيه مقال ، ثم لا يقول فيه ، فيقول الله له يوم القيامة : ما منعك أن تقول في كذا وكذا ؟ فيقول : خشيت الناس ، فيقول الله : إياي كنت أحق أن تخشى . [ ص: 248 ] فهذان الحديثان محمولان على أن يكون المانع له من الإنكار مجرد الهيبة ، دون الخوف المسقط للإنكار . قال سعيد بن جبير : قلت لابن عباس : آمر السلطان بالمعروف وأنهاه عن المنكر ؟ قال : إن خفت أن يقتلك ، فلا ، ثم عدت ، فقال لي مثل ذلك ، ثم عدت ، فقال لي مثل ذلك ، وقال : إن كنت لا بد فاعلا ، ففيما بينك وبينه . وقال طاوس : أتى رجل ابن عباس ، فقال : ألا أقوم إلى هذا السلطان فآمره وأنهاه ؟ قال : لا تكن له فتنة ، قال : أفرأيت إن أمرني بمعصية الله ؟ قال : ذلك الذي تريد ، فكن حينئذ رجلا . وقد ذكرنا حديث ابن مسعود الذي فيه : يخلف من بعدهم خلوف ، فمن جاهدهم بيده ، فهو مؤمن الحديث ، وهذا يدل على جهاد الأمراء باليد . وقد استنكر الإمام أحمد هذا الحديث في رواية أبي داود ، وقال : هو خلاف الأحاديث التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها بالصبر على جور الأئمة . وقد يجاب عن ذلك بأن التغيير باليد لا يستلزم القتال . وقد نص على ذلك أحمد أيضا في رواية صالح ، فقال : التغيير باليد ليس بالسيف والسلاح ، وحينئذ فجهاد الأمراء باليد أن يزيل بيده ما فعلوه من المنكرات ، مثل [ ص: 249 ] أن يريق خمورهم أو يكسر آلات الملاهي التي لهم ، ونحو ذلك ، أو يبطل بيده ما أمروا به من الظلم إن كان له قدرة على ذلك ، وكل هذا جائز ، وليس هو من باب قتالهم ، ولا من الخروج عليهم الذي ورد النهي عنه ، فإن هذا أكثر ما يخشى منه أن يقتل الآمر وحده . وأما الخروج عليهم بالسيف ، فيخشى منه الفتن التي تؤدي إلى سفك دماء المسلمين . نعم ، إن خشي في الإقدام على الإنكار على الملوك أن يؤذي أهله أو جيرانه ، لم ينبغ له التعرض لهم حينئذ ، لما فيه من تعدي الأذى إلى غيره ، كذلك قال الفضيل بن عياض وغيره ، ومع هذا ، فمتى خاف منهم على نفسه السيف ، أو السوط ، أو الحبس ، أو القيد ، أو النفي ، أو أخذ المال ، أو نحو ذلك من الأذى ، سقط أمرهم ونهيهم ، وقد نص الأئمة على ذلك ، منهم مالك وأحمد وإسحاق وغيرهم . قال أحمد : لا يتعرض للسلطان ، فإن سيفه مسلول . وقال ابن شبرمة : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كالجهاد ، يجب على الواحد أن يصابر فيه الاثنين ، ويحرم عليه الفرار منهما ، ولا يجب عليه مصابرة أكثر من ذلك . فإن خاف السب ، أو سماع الكلام السيئ ، لم يسقط عنه الإنكار بذلك نص عليه الإمام أحمد ، وإن احتمل الأذى ، وقوي عليه ، فهو أفضل ، نص عليه أحمد أيضا ، وقيل له : أليس قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ليس للمؤمن أن يذل نفسه أن يعرضها من البلاء ما لا طاقة له به ، قال : ليس هذا من ذلك . [ ص: 250 ] ويدل على ما قاله ما خرجه أبو داود وابن ماجه والترمذي من حديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر . وخرج ابن ماجه معناه من حديث أبي أمامة . [ ص: 251 ] وفي " مسند البزار " بإسناد فيه جهالة عن أبي عبيدة بن الجراح ، قال : قلت : يا رسول الله ، أي الشهداء أكرم على الله ؟ قال : رجل قام إلى إمام جائر ، فأمره بمعروف ، ونهاه عن منكر فقتله . وقد روي معناه من وجوه أخر كلها فيها ضعف . وأما حديث : لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه ، فإنما يدل على أنه إذا علم أنه لا يطيق الأذى ولا يصبر عليه ، فإنه لا يتعرض حينئذ للآمر ، وهذا حق ، وإنما الكلام فيمن علم من نفسه الصبر ، كذلك قاله الأئمة ، كسفيان وأحمد والفضيل بن عياض وغيرهم . وقد روي عن أحمد ما يدل على الاكتفاء بالإنكار بالقلب ، قال في رواية أبي داود : نحن نرجو إن أنكر بقلبه ، فقد سلم ، وإن أنكر بيده فهو أفضل ، وهذا محمول على أنه يخاف كما صرح بذلك في رواية غير واحد . وقد حكى القاضي أبو يعلى روايتين عن أحمد في وجوب إنكار المنكر على من يعلم أنه لا يقبل منه ، وصح القول بوجوبه ، وهذا قول أكثر العلماء . وقد قيل لبعض السلف في هذا ، فقال : يكون لك معذرة ، وهذا كما أخبر الله عن الذين أنكروا على المعتدين في السبت أنهم قالوا لمن قال لهم : أتعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون [ الأعراف : 164 ] ، [ ص: 252 ] وقد ورد ما يستدل به على سقوط الأمر والنهي عند عدم القبول والانتفاع به ، ففي " سنن أبي داود وابن ماجه والترمذي عن أبي ثعلبة الخشني أنه قيل له : كيف تقول في هذه الآية : عليكم أنفسكم [ المائدة : 105 ] ، فقال : أما والله لقد سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : بل ائتمروا بالمعروف ، وانهوا عن المنكر ، حتى إذا رأيت شحا مطاعا ، وهوى متبعا ، ودنيا مؤثرة ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، فعليك بنفسك ، ودع عنك أمر العوام . وفي " سنن أبي داود " عن عبد الله بن عمرو ، قال : بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ ذكر الفتنة ، فقال : إذا رأيتم الناس مرجت عهودهم ، وخفت أماناتهم ، وكانوا هكذا وشبك أصابعه ، فقمت إليه ، فقلت له : كيف أفعل عند ذلك ، جعلني الله فداك ؟ فقال : الزم بيتك ، واملك عليك لسانك ، وخذ بما تعرف ، ودع ما تنكر ، وعليك بأمر خاصة نفسك ، ودع عنك أمر العامة . وكذلك روي عن طائفة من الصحابة في قوله تعالى : عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم [ المائدة : 105 ] ، قالوا : لم يأت تأويلها بعد ، إنما تأويلها في آخر الزمان . وعن ابن مسعود قال : إذا اختلفت القلوب والأهواء ، وألبستم شيعا ، وذاق بعضكم بأس بعض ، فيأمر الإنسان حينئذ نفسه ، حينئذ تأويل هذه الآية . [ ص: 253 ] وعن ابن عمر : قال : هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا ، إن قالوا لم يقبل منهم . وقال جبير بن نفير عن جماعة من الصحابة ، قالوا : إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، فعليك حينئذ بنفسك ، لا يضرك من ضل إذا اهتديت . وعن مكحول ، قال : لم يأت تأويلها بعد ، إذا هاب الواعظ ، وأنكر الموعوظ ، فعليك حينئذ بنفسك لا يضرك من ضل إذا اهتديت . وعن الحسن : أنه كان إذا تلا هذه الآية ، قال : يا لها من ثقة ما أوثقها ! ومن سعة ما أوسعها ! . وهذا كله قد يحمل على أن من عجز عن الأمر بالمعروف ، أو خاف الضرر ، سقط عنه ، وكلام ابن عمر يدل على أن من علم أنه لا يقبل منه ، لم يجب عليه ، كما حكي رواية عن أحمد ، وكذا قال الأوزاعي : مر من ترى أن يقبل منك . وقوله صلى الله عليه وسلم في الذي ينكر بقلبه : وذلك أضعف الإيمان يدل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصال الإيمان ، ويدل على أن من قدر على خصلة من خصال الإيمان وفعلها ، كان أفضل ممن تركها عجزا عنها ، ويدل على ذلك أيضا قوله صلى الله عليه وسلم في حق النساء : أما نقصان دينها ، فإنها تمكث الأيام والليالي لا تصلي يشير إلى أيام الحيض ، مع أنها ممنوعة من الصلاة [ ص: 254 ] حينئذ ، وقد جعل ذلك نقصا في دينها ، فدل على أن من قدر على واجب وفعله ، فهو أفضل ممن عجز عنه وتركه ، وإن كان معذورا في تركه ، والله أعلم . الكتب - - الجزء رقم2 |
|
23-08-2019, 04:16 PM | #42 |
| عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : " أوصني " ، قال : ( لا تغضب ) ، فردّد ، قال : ( لا تغضب ) رواه البخاري . الشرح خلق الله تعالى آدم عليه السلام من تراب الأرض بجميع أنواعه - الأبيض منها والأسود ، والطيب والرديء ، والقاسي واللين - ، فنشأت نفوس ذرّيته متباينة الطباع ، مختلفة المشارب، فما يصلح لبعضها قد لا يناسب غيرها ، ومن هذا المنطلق راعى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في وصاياه للناس ، إذ كان يوصي كل فرد بما يناسبه ، وما يعينه في تهذيب نفسه وتزكيتها . فها هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يتسابقون إليه كي يغنموا منه الكلمة الجامعة والتوجيه الرشيد ، وكان منهم أبو الدرداء رضي الله عنه - كما جاء في بعض الروايات - ، فأقبل بنفس متعطشة إلى المربي العظيم ، يسأله وصية تجمع له أسباب الخير في الدنيا والآخرة ، فما زاد النبي صلى الله عليه وسلم على أن قال له : ( لا تغضب ) . وبهذه الكلمة الموجزة ، يشير النبي صلى الله عليه وسلم إلى خطر هذا الخلق الذميم ، فالغضب جماع الشر ، ومصدر كل بليّة ، فكم مُزّقت به من صلات ، وقُطعت به من أرحام ، وأُشعلت به نار العداوات ، وارتُكبت بسببه العديد من التصرفات التي يندم عليها صاحبها ساعة لا ينفع الندم . إنه غليان في القلب ، وهيجان في المشاعر ، يسري في النفس ، فترى صاحبه محمر الوجه ، تقدح عينيه الشرر ، فبعد أن كان هادئا متزنا ، إذا به يتحول إلى كائن آخر يختلف كلية عن تلك الصورة الهادئة ، كالبركان الثائر الذي يقذف حممه على كل أحد . ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من دعاء : ( اللهم إني أسألك كلمة الحق في الغضب والرضا ) رواه أحمد ، فإن الغضب إذا اعترى العبد ، فإنه قد يمنعه من قول الحق أو قبوله ، وقد شدّد السلف الصالح رضوان الله عليهم في التحذير من هذا الخلق المشين ، فها هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول : " أول الغضب جنون وآخره ندم ، وربما كان العطب في الغضب "، ويقول عروة بن الزبير رضي الله عنهما : " مكتوبٌ في الحِكم: يا داود إياك وشدة الغضب ؛ فإن شدة الغضب مفسدة لفؤاد الحكيم "، وأُثر عن أحد الحكماء أنه قال لابنه : "يا بني ، لا يثبت العقل عند الغضب ، كما لا تثبت روح الحي في التنانير المسجورة ، فأقل الناس غضباً أعقلهم "، وقال آخر : " ما تكلمت في غضبي قط بما أندم عليه إذا رضيت ". ومن الصفات التي امتدح الله بها عباده المؤمنين في كتابه ، ما جاء في قوله تعالى : { الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين } ( آل عمران : 134 ) ، فهذه الآية تشير إلى أن الناس ينقسمون إلى ثلاثة مراتب : فمنهم من يكظم غيظه ، ويوقفه عند حده ، ومنهم من يعفوا عمن أساء إليه ، ومنهم من يرتقي به سمو خلقه إلى أن يقابل إساءة الغير بالإحسان إليه . وهذا يقودنا إلى سؤال مهم : ما هي الوسائل التي تحد من الغضب ، وتعين العبد على التحكم بنفسه في تلك الحال ؟ : لقد بينت الشريعة العلاج النافع لذلك من خلال عدة نصوص ، وهو يتلخص فيما يأتي : أولا : اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء ، فالنفوس بيد الله تعالى ، وهو المعين على تزكيتها ، يقول الله تعالى : { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } ( غافر : 60 ) . ثانيا : التعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فهو الذي يوقد جمرة الغضب في القلب ، يقول الله تعالى : { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله } ( فصلت : 36 ) ، وقد مرّ النبي صلى الله عليه وسلم على رجلين يستبّان ، فأحدهما احمرّ وجهه ، وانتفخت أوداجه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إني لأعلم كلمة ، لو قالها ذهب عنه ما يجد ، لو قال : أعوذ بالله من الشيطان ، ذهب عنه ما يجد ) ، وعلى الغاضب أن يكثر من ذكر الله تعالى والاستغفار ؛ فإن ذلك يعينه على طمأنينة القلب وذهاب فورة الغضب . ثالثا : التطلع إلى ما عند الله تعالى من الأجور العظيمة التي أعدها لمن كظم غيظه ، فمن ذلك ما رواه أبو داود بسند حسن ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه ، دعاه الله تبارك وتعالى على رؤوس الخلائق ، حتى يخيره من أي الحور شاء ) . رابعا : الإمساك عن الكلام ، ويغير من هيئته التي عليها ، بأن يقعد إذا كان واقفا ، ويضطجع إذا كان جالسا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع ) رواه أبو داود . خامسا : الابتعاد عن كل ما ما يسبب الغضب ، والتفكر فيما يؤدي إليه. سادسا : تدريب النفس على الهدوء والسكينة في معالجة القضايا والمشاكل ، في شتى شؤون الدنيا والدين . المصدر إسلآم ويب |
|
الكلمات الدلالية (Tags) |
متجدد , محمد , مدرسة , الحبيب , ببقى , وتستمر |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
معلومات عن الثعبان الاسود الخبيث | رحيق الجنه | ( قسم الحيوانات والنباتات والاسماك ) | 16 | 06-07-2018 07:22 PM |
معلومات عن الثبعان الأسود القاتل | مبارك آل ضرمان | ( قسم الحيوانات والنباتات والاسماك ) | 11 | 21-11-2017 12:01 PM |
انشروا سنن الحبيب صلى الله عليه وسلم وردوا على الافتراءات الكاذبة | ابوعلى | (سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وقصص الانبياء والصحابه ) | 24 | 28-06-2016 07:34 AM |
أيها الحبيب وداعا )...... | سلسبيل | ( همســـــات الإسلامي ) | 9 | 21-08-2015 04:27 AM |