الإهداءات | |
| LinkBack | أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
20-08-2019, 07:05 PM | #15 |
| سعادة العباد في إتباع هدي خير العباد الحمد لله الذي بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. «أما بعد:فإنه لا سعادة للعباد، ولا نجاة في المعاد إلا باتباع رسوله."وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ *وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ" [النساء: 13- 14]. فطاعة الله ورسوله قطب السعادة التي عليه ندور، ومستقر النجاة الذي عنه لا تحور». فإن الله خلق الخلق لعبادته كما قال الله تعالى:"وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ"[الذاريات: 56]، وإنما تعدهم بطاعته وطاعة رسوله، فلا عبادة إلا ما هو واجب أو مستحب في دين الله؛ وما سوى ذلك فضلال عن سبيله، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»، أخرجاه في الصحيحين، وقال صلى الله عليه وسلم في حديث العرباض بن سارية الذي رواه أهل السنن وصححه الترمذي: «أنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة»، وفي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره أنه كان يقول في خطبته:«خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة». وقد ذكر الله طاعة الرسول واتباعه في نحو من أربعين موضعًا من القرآن:"وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ ..." (1) [النساء: 64]. وما موت السُنَّن واندثارها، وجهل الناس بها وعدم تطبيقها إلا علامة على ظهور البدع وفشوها، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: «ما يأتي على الناس من عام إلا أحدثوا فيه بدعة، وأماتوا سنة، حتى تحيا البدع وتموت السنن». وفي هذا الكتيب الصغير الحجم العظيم الفائدة جمعت مع بعض الأخوة الكرام بعضًا من سنن الرسول صلى الله عليه وسلمالتي رأينا أنها مجهولة، أو مهجورة، أو قل العمل بها ؛ رغبة في إشاعة سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم بين المسلمين والدلالة عليها، امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده...» [رواه مسلم]. والخير كل الخير في اتباع هديه صلى الله عليه وسلم والسير على طريقه، جعلنا الله من اتباعه القائمين بسنته وغفر لنا ولوالدينا. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. ([1]) مجموع فتاوى ابن تيمية (21/4). سُـنن قلَّ العمل بها _ عبد الملك القاسم |
|
20-08-2019, 07:06 PM | #16 |
| أسوة حسنة حتى في الممازحة: جمَّل الله حياتنا برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهو القدوة الحسنة والأسوة الطيبة، وهديه صلى الله عليه وسلم خير هدي، وفعله صلى الله عليه وسلم خير فعل، حتى في مزاحه ترك لنا أثره الطيب، نقتفيه ونقتدي به، وهنا يأتي السؤال: كيف كان هديه صلى الله عليه وسلم في الممازحة؟ هل كان يضاحك ويمازح؟ هل كان يداعب ويلاعب أو يبتسم ويمازح؟ لقد كان صلى الله عليه وسلم يربي بالضحكة، ويهذب بالابتسامة، ويُقوّم بالمزحة، ويدعو بالطرفة، فلضحكاته منافع، ولابتساماته مقاصد، ومن ممازحته عِبر، ولطُرَفه حِكَم وعظات. فهذا علي رضي الله عنه حين دب خلاف بينه وبين فاطمة -رضي الله عنهما- يصالحه النبي صلى الله عليه وسلم بالمزاح، يحكي لنا سهل بن سعد قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة فلم يجد عليا في البيت، فقال: أين ابن عمك؟ قالت: كان بيني وبينه شيء فغاضبني، فخرج فلم يقل (وقت القيلولة) عندي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان: انظر أين هو؟ فجاء فقال: يا رسول الله، هو في المسجد راقد، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه وأصابه تراب، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحه عنه ويقول: قم أبا تراب، قم أبا تراب".(1) فكان أبو تراب أحب الألفاظ إلى علي رضي الله عنه . وهذا أسيد بن حضير يمازحه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يُحدِّث القوم ويضحكهم فيطعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصبعه في خاصرته، فقال: أوجعتني، فقال: أصبرني(2). قال: اصطبر، قال: إن عليك قميصًا وليس علي قميص، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم عن قميصه فاحتضنه وجعل يقبل كشحه(3). قال: إنما أردت هذا يا رسول الله"(4). وعن عبد الحميد بن صيفي من ولد صهيب عن أبيه عن جده صهيب قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة وهو يأكل تمرًا، فأقبلت آكل من التمر وبعيني رمد فقال: أتأكل التمر وبك رمد؟ فقلت: إنما آكل على شقي الصحيح ليس به رمد، قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم "(5). ولما علم عوف بن مالك الأشجعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأنف من المزاح، ولا يغضب منه، بدأ رسول الله بالمزاح، يقول عوف: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قُبة من أُدمٍ، فسلمت، فردّ وقال: "ادخل". فقلت: أكلِّي يا رسول الله؟ قال: "كلك"، فدخلت(6). وإنما مزح عوف بن مالك بقوله: أكلِّي يا رسول الله؟ لأن القبة كانت صغيرة. ولما رأى النبي رجلاً ذا بشرة حمراء مازحه قائلا: أنت أبو الورد، يقول أبو الورد قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرآني رجلاً أحمر، فقال: "أنت أبو الورد"(7). ومنهم رجل اسمه زاهر، يقول أنس رضي الله عنه: إن رجلاً من أهل البادية يقال له زاهر بن حرام، كان يهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الهدية فيجهزه رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أراد أن يخرج، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن زاهرًا باديتنا ونحن حاضروه، قال: فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه والرجل لا يبصره، فقال: أرسلني، من هذا؟ فالتفت إليه فلما عرف أنه النبي صلى الله عليه وسلم جعل يلزق ظهره بصدره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من يشتري هذا العبد؟ فقال زاهر: تجدني يا رسول الله كاسدًا، قال: لكنك عند الله لست بكاسد، أو قال صلى الله عليه وسلم: بل أنت عند الله غالٍ"(8). (1) متفق عليه، رواه البخاري في الصلاة رقم (441)، ومسلم في فضائل الصحابة (2409). (2) مَكِّني من القصاص. (3) ما بين الخاصرة إلى الضلع الأقصر من أضلاع الجنب. (4) سبق تخريجه. (5) سبق تخريجه. (6) رواه أبو داود في الأدب (5000)، وذكره الألباني في صحيح أبي داود (4181). (7) رواه الطبراني في الكبير، وقال الحافظ الهيثمي: رواه الطبراني، وفيه جبارة بن المغلس، وثقه ابن نمير ونسبه غير واحد إلى الكذب (8/ 56). (8) رواه أحمد وابن حبان، وصححه الألباني في الشمائل المحمدية (204). |
|
20-08-2019, 07:07 PM | #17 |
| من فوائد هذا الحديث: .1حسن أسلوب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وهو كلماته كأنما تخرج من مشكاة النبوة، كلمات عذبة مهذبة، وانظر إلى الأثر المروي عنه: من سرّه أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هذه الصلوات حيث ينادى بهن[56]. إلى آخر الأثر كأنما يخرج من مشكاة النبوّة. .2 أنه ينبغي للإنسان أن يؤكد الخبر الذي يحتاج الناس إلى تأكيده بأي نوع من أنواع التأكيدات. .3 تأكيد الخبر بما يدل على صدقه، لقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: وَهُوَ الصَّادِقُ المَصْدُوْقُ. 4 أن الإنسان في بطن أمه يُجمع خلقه على هذا الوجه الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم . .5 أنه يبقى نطفة لمدة أربعين يوماً. وقد يقول قائل: هذه النطفة هل يجوز إلقاؤها أولا يجوز؟ والجواب: ذكر الفقهاء (رحمهم الله) أنه يجوز إلقاؤها بدواء مباح، قالوا: لأنه لم يتكون إنساناً،ولم يوجد فيه أصل الإنسان وهو الدم. وقال آخرون: لا يجوز،لأن الله تعالى قال: (فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ* إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ) [المرسلات:21-22] فلا يجوز أن نتجاسر على هذا القرار المكين ونخرج الجنين منه، وهذا أقرب إلى الصواب أنه حرام، لكنه ليس كتحريم ما بعده من بلوغه أربعة أشهر. فإذا قدر أن المرأة مرضت وخيف عليها، فهل يجوز إلقاء هذه النطفة؟ الجواب: نعم يجوز، لأن إلقاءها الآن صار ضروريّاً. .6 حكمة الله عزّ وجل في أطوار الجنين من النطفة إلى العلقة. .7 أهمية الدم في بقاء حياة الإنسان، وجهه: أن أصل بني آدم بعد النطفة العلقة، والعلقة دم، ولذلك إذا نزف دم الإنسان هلك. .8 أن الطور الثالث هي المضغة، هذه المضغة تكون مخلقة وغير مخلقة بنص القرآن، كما قال الله تعالى: (ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ) (الحج: الآية5) لكن ما الذي يترتب على كونها مخلقة أو غير مخلقة ؟ الجواب: يترتب عليها مسائل: .1لو سقطت هذه المضغة غير مخلقة لم يكن الدم الذي يخرج نفاساً، بل دم فساد. .2ولو سقطت هذه المضغة قبل أن تخلق وكانت المرأة في عدة لم تنقض العدة، لأنه لابد في انقضاء العدة أن يكون الحمل مخلقاً، ولابد لثبوت النفاس من أن يكون الحمل مخلقاً، لأنه قبل التخليق يحتمل أن تكون قطعة لحم فقط وليست آدمياً، فلذلك لا نعدل إلى إثبات هذه الأحكام إلا بيقين بأن يتبين فيه خلق إنسان. .9 أن نفخ الروح يكون بعد تمام أربعة أشهر، لقوله: ثُمَّ يُرْسَلُ إِلَيْهِ المَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيْهِ الرُّوْحَ. وينبني على هذا: أ- أنه إذا سقط بعد نفخ الروح فيه فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين ويسمى ويعق عنه، لأنه صار آدمياً إنساناً فيثبت له حكم الكبير. ب. أنه بعد نفخ الروح فيه يحرم إسقاطه بكل حال، فإذا نفخت فيه الروح فلا يمكن إسقاطه، لأن إسقاطه حينئذ يكون سبباً لهلاكه، ولايجوز قتله وهو إنسان. فإن قال قائل: أرأيتم لو كان إبقاؤه سبباً لموت أمه، أفيلقى وتبقى حياة الأم، أو يبقى وتهلك الأم ثم يهلك الجنين؟ فالجواب: نقول ربما أهل الاستحسان يقولون بالأول، ولكن لااستحسان في مقابلة الشرع. فنقول: الثاني هو المتعيّن بمعنىأنه لا يجوز إسقاطه، حتى لو قال الأطباء: إنه إن بقي هلكت الأم. وقد يحتج من يقول بإسقاط الجنين بأنه إذا هلكت الأم هلك الجنين فيهلك نفسان، وإذا أخرجناه هلك الجنين لكن الأم تسلم. والجواب على هذا الرأي الفاسد أن نقول: أولاً: قتل النفس لإحياء نفس أخرى لا يجوز، ولذلك لو فرض أن رجلين كانا في سفر في أرض فلاة ولا زاد معهما، وكان أحدهما كبيراً والآخر عشر سنين أو تسع سنين فجاع الكبير جداً بحيث لو لم يأكل لهلك، فلا يجوز للكبير أبداً أن يذبح الصغير ليأكله ويعيش بإجماع المسلمين . ولو قدر أن الصبي مات من الجوع وبقي الكبير وهو إما أن يأكله فيبقى أو يتركه فيهلك، فهل يجوز له الأكل من جسد الصغير؟ والجواب: مذهب الإمام أحمد -رحمه الله- في المشهور عنه أنه لايجوز أكله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كَسْرُ عَظْمِ الميِّتِ كَكَسْرِهِ حَيَّاً[57] وذبح الميت كذبحه حياً. والقول الثاني في هذه المسألة: أنه يجوز أن يأكل منه ما يسد رمقه،لأن حرمة الحي أعظم من حرمة الميت. أولاً: فنقول: أننا لو أسقطنا الجنين فهلك فنحن الذين قتلناه، ولو أبقيناه فهلكت الأم ثم هلك هو،فالذي أهلكهما هو الله عزّ وجل أي ليس من فعلنا. ثانياً: لا يلزم من هلاك الأم أن يهلك الجنين لا سيما في وقتنا الحاضر، إذ من الممكن إجراء عملية سريعة لإخراج الجنين فيحيى، ولهذا بعض البيطريين في الغنم وشبهها يستطيع إذا ماتت الأم أن يخرج حملها قبل أن يموت . وأيضاً نقول: لو أنه مات هذا الجنين في بطن أمه من عند الله عزّ وجل لايلزم أن تموت هي، فيُخرج لأنه ميت وتبقى الأم. الخلاصة: أنه إذا نفخت فيه الروح فإنه لا يجوز إسقاطه بأي حال من الأحوال. ومن فوائد هذا الحديث: .10عناية الله تعالى بالخلق حيث وكل بهم وهم في بطون أمهاتهم ملائكة يعتنون بهم، ووكل بهم ملائكة إذا خرجوا إلى الدنيا، وملائكة إذا ماتوا، كل هذا دليل على عناية الله تعالى بنا. .11أن الروح في الجسد تنفخ نفخاً ولكن لا نعلم الكيفية، وهذا كقوله تعالى: (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا) (التحريم: الآية12) لكن لا ندري كيف هذا؟ لأن هذا من أمور الغيب. .12أن الروح جسم، لأنه ينفخ فيحل في البدن. ولكن هل هذا الجسم من جنس أجسامنا الكثيفة المكونة من عظام ولحم وعصب وجلود؟ الجواب: لا علم للبشر بها، بل نقول كما قال تعالى: (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) (الاسراء: الآية85) قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- : ولما لم يكن عند المتكلمين والفلاسفة علم شرعي بحال الروح تخبطوا فيها، فقال بعضهم: إن الروح عرض أي صفة للبدن كالطول والقصر والبياض والسواد، وقال بعضهم: إن الروح هي الدم وقال بعضهم: إن الروح جزء من الإنسان كيده ورجله، فتخبطوا فيها. وأما أهل السنة فيقولون: الروح من أمر الله عزّ وجل، و لكننا نؤمن بما علمنا من أوصافها في الكتاب والسنة، فمن ذلك: قول الله تعالى: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ) (السجدة: الآية11) أي يقبضكم، وقوله: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا) (الأنعام: الآية61) أي قبضته، وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الملائكة إذا قبضوا الروح من الجسد إذا كان من أهل الجنة - اللهم اجعلنا منهم - فإذا مع الملائكة كفن من الجنة، وحنوط من الجنة، فأخذوها من يد ملك الموت ولم يدعوها طرفة عين ثم جعلوها في ذلك الكفن وصعدوا بها إلى السماء[58] . إذاً هي جسم لكن مخالف للأجسام الكثيفة التي هي أجسادنا، والله أعلم بكيفيتها. والروح عجيبة، لها حال في المنام فتخرج من البدن لكن ليس خروجاً تامّاً، فتجد نفسك تجوب الفيافي، ربما وصلت إلى الصين أو إلى أقصى المغرب وربما طرت بالطائرة وربما ركبت السيارة، وأنت في مكانك واللحاف قد غطّى جسمك، ومع ذلك تتجول في الأرض، لكنها لا تفارق الجسم في حال النوم مفارقة تامة، فالروح أمرها غريب،ولسنا نعلم منها إلا ما جاء في الكتاب والسنة، وما لانعلمه نَكِلُ علمهُ لله سبحانه وتعالى. فإذا كنت لا تدري عن نفسك التي بين جنبيك فكيف تحاول أن تعرف كيفية صفات الله عزّ وجل الذي هو أعظم وأجل من أن تحيط به. فإذا عرفت نفسك وأنك غير قادر على إدراك كيفية صفات الله مهما كنت، فلا تحاول إدراك الكيفية ولا السؤال عنها، ولهذا قال الإمام مالك رحمه الله في السؤال عن كيفية الاستواء: بدعة. وهذا المثال - أعني مثال الروح- حجة مقنعة لمن يبحث عن كيفية صفات الله، فإذا كان العبد لا يعلم عن روحه التي هي قوام بدنه فكيف بكيفية صفات الله عزّ وجل. .13أن الملائكة عليهم السلام عبيد يؤمرون وينهون، لقوله: فَيُؤمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ والآمرُ له هو الله عزّ وجل. .14أن هذه الأربع مكتوبة على الإنسان: رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد. ولكن هل معنى ذلك أن لا نفعل الأسباب التي يحصل بها الرزق؟ الجواب: بلى نفعل، وما نفعله من أسباب تابع للرزق. .15أن الملائكة يكتبون. فلو قال لنا قائل: بأي حرف يكتبون، هل يكتبون باللغة العربية، أم باللغة السريانية، أو العبرية، أو ما أشبه ذلك؟ فالجواب: السؤال عن هذا بدعة، علينا أن نؤمن بأنهم يكتبون، أما بأي لغة فلانقول شيئاً. هذه الكتابة هل هي في صحيفة، أو تكتب على جبين الجنين؟ الجواب: هناك آثار تدل على أنها تكتب على جبين الجنين، وآثار على أنها تكتب في صحيفة، والجمع بينهما سهل: إذ يمكن أن تكتب في صحيفة ويأخذها الملك إلى ما شاء الله، ويمكن أن تكتب على جبين الإنسان. .16أن الإنسان لا يدري ماذا كتب له، ولذلك أمر بالسعي لتحصيل ما ينفعه، وهذا أمر مسلّم، فكلنا لا يدري ما كتب له، ولكننا مأمورون أن نسعى لتحصيل ما ينفعنا وأن ندع ما يضرنا. .17أن نهايةبني آدم أحد أمرين: إما الشقاء وإما السعادة، قال الله تعال: ( فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) (هود: الآية105) وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ) (التغابن: الآية2) نسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعاً من أهل السعادة إنه سميع قريب. ،، مُلخص من شرح الاربعين النووية للشيخ محمد بن صالح العثيمين |
|
20-08-2019, 07:08 PM | #19 |
| حديث : الحلال بيّن والحرام بيّن متن الحديث عن أبي عبد الله النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الحلال بيّن والحرام بيّن ، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام ، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ، ألا وأن لكل ملك حمى ، ألا وإن حمى الله محارمه ، إلا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب ) رواه البخاري ومسلم الشرح جاء الكلام في هذا الحديث العظيم عن قضيّتين أساسيّتين ، هما : " تصحيح العمل ، وسلامة القلب " ، وهاتان القضيّتان من الأهمية بمكان ؛ فإصلاح الظاهر والباطن يكون له أكبر الأثر في استقامة حياة الناس وفق منهج الله القويم . وهنا قسّم النبي صلى الله عليه وسلم الأمور إلى ثلاثة أقسام ، فقال : ( إن الحلال بيّن ، والحـرام بيّن ) فالحلال الخالص ظاهر لا اشتباه فيه ، مثل أكل الطيبات من الزروع والثمار وغير ذلك ، وكذلك فالحرام المحض واضحةٌ معالمه ، لا التباس فيه ، كتحريم الزنا والخمر والسرقة إلى غير ذلك من الأمثلة . أما القسم الثالث ، فهو الأمور المشتبهة ، وهذا القسم قد اكتسب الشبه من الحلال والحرام ، فتنازعه الطرفان ، ولذلك خفي أمره على كثير من الناس ، والتبس عليهم حكمه. على أن وجود هذه المشتبـهات لا ينـافي ما تقرر في النصوص من وضوح الدين ، كقول الله عزوجل : { ونزّلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء } ( النحل : 69 ) ، وقوله : { يبيّن الله لكم أن تضلّوا والله بكل شيء عليم } ( النساء : 176 ) ، وكذلك ما ورد في السنّة النبويّة نحو قوله صلى الله عليه وسلم : ( تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ) رواه أحمد و ابن ماجة ، فهذه النصوص وغيرها لا تنافي ما جاء في الحديث الذي بين أيدينا ، وبيان ذلك : أن أحكام الشريعة واضحة بينة ، وبعض الأحكام يكون وضوحها وظهورها أكثر من غيرها ، أما المشتبهات فتكون واضحة عند حملة الشريعة خاصة ، وخافية على غيرهم ، ومن خلال ذلك يتبيّن لك سر التوجيه الإلهي لعباده في قوله : { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } ( الأنبياء : 7 ) ؛ لأن خفاء الحكم لا يمكن أن يعم جميع الناس ، فالأمة لا تجتمع على ضلالة . وفي مثل هذه المشتبهات وجّه النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى سلوك مسلك الورع ، وتجنب الشبهات ؛ فقال : ( فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ) ، فبيّن أن متقي الشبهات قد برأ دينه من النقـص ؛ لأن من اجتنب الأمور المشتبهات سيجتنب الحرام من باب أولى ، كما في رواية أخرى للبخاري وفيها : ( فمن ترك ما شبّه عليه من الإثم ، كان لما استبان أترك ) ، وإضافةً إلى ذلك فإن متقي الشبهات يسلم من الطعن في عرضه ، بحيث لا يتهم بالوقوع في الحرام عند من اتضح لهم الحق في تلك المسألة ، أما من لم يفعل ذلك ، فإن نفسه تعتاد الوقوع فيها ، ولا يلبث الشيطان أن يستدرجه حتى يسهّل له الوقوع في الحرام . وبهذا المعنى جاءت الرواية الأخرى لهذا الحديث : ( ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم ، أوشك أن يواقع ما استبان ) ، وهكذا فإن الشيطان يتدرّج مع بني آدم ، وينقلهم من رتبة إلى أخرى ، فيزخرف لهم الانغماس في المباح ، ولا يزال بهم حتى يقعوا في المكروه ، ومنه إلى الصغائر فالكبائر ، ولا يرضى بذلك فحسب ، بل يحاول معهم أن يتركوا دين الله ، ويخرجوا من ملة الإسلام والعياذ بالله ، وقد نبّه الله عباده وحذّرهم من اتباع خطواته في الإغواء فقال عزوجل في محكم كتابه : { يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر } ( النور : 21 ) ، فعلى المؤمن أن يكون يقظا من انزلاق قدمه في سبل الغواية ، متنبها إلى كيد الشيطان ومكره . وفيما سبق ذكره من الحديث تأصيل لقاعدة شرعية مهمة ، وهي : وجوب سد الذرائع إلى المحرمات ، وإغلاق كل باب يوصل إليها ، فيحرم الاختلاط ومصافحة النساء والخلوة بالأجنبية ؛ لأنه طريق موصل إلى الزنا ، ومثل ذلك أيضاً : حرمة قبول الموظف لهدايا العملاء سدا لذريعة الرشوة . ثم ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلا لإيضاح ما سبق ذكره ، وتقريباً لصورته في الأذهان، فقال : ( كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ) ، أي : كالراعي الذي يرعى دوابّه حول الأرض المحمية التي هي خضراء كثيرة العشب ، فإذا رأت البهائم الخضرة في هذا المكان المحمي انطلقت إليها ، فيتعب الراعي نفسه بمراقبة قطعانه بدلاً من أن يذهب إلى مكان آخر ، وقد يغفل عن بهائمه فترتع هناك ، بينما الإنسان العاقل الذي يبحث عن السلامة يبتعد عن ذلك الحمى ، كذلك المؤمن يبتعد عن ( حمى ) الشبهات التي أُمرنا باجتنابها ، ولذلك قال : ( ألا وأن لكل ملك حمى ، ألا وإن حمى الله محارمه ) ، فالله سبحانه وتعالى هو الملك حقاً ، وقد حمى الشريعة بسياج محكم متين ، فحرّم على الناس كل ما يضرّهم في دينهم ودنياهم . ولما كان القلب أمير البدن ، وبصلاحه تصلح بقية الجوارح ؛ أتبع النبي صلى الله عليه وسلم مثله بذكر القلب فقال : ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب ) . وسمّي القلب بهذا الاسم لسرعة تقلبه ، كما جاء في الحديث : ( لقلب ابن آدم أشد انقلابا من القدر إذا استجمعت غليانا ) رواه أحمد و الحاكم ؛ لذلك كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم كما في الترمذي : ( يا مقلب القلوب ثبّت قلبي على دينك ) ، وعلاوة على ما تقدّم : فإن مدار صلاح الإنسان وفساده على قلبه ، ولا سبيل للفوز بالجنة ، ونعيم الدنيا والآخرة ، إلا بتعهّد القلب والاعتناء بصلاحه :{ يوم لا ينفع مال ولا بنون ، إلا من أتى الله بقلب سليم } ( الشعراء : 88-89 ) ، ومن أعجب العجاب أن الناس لا يهتمون بقلوبهم اهتمامهم بجوارحهم ، فتراهم يهرعون إلى الأطباء كلما شعروا ببوادر المرض ، ولكنهم لايبالون بتزكية قلوبهم حتى تصاب بالران ، ويطبع الله عليها ، فتغدو أشد قسوة من الحجارة والعياذ بالله . والمؤمن التقي يتعهد قلبه ، ويسد جميع أبواب المعاصي عنه ، ويكثر من المراقبة ؛ لأنه يعلم أن مفسدات القلب كثيرة ، وكلما شعر بقسوة في قلبه سارع إلى علاجه بذكر الله تعالى ؛ حتى يستقيم على ما ينبغي أن يكون عليه من الهدى والخير ، نسأل الله تعالى أن يصلح قلوبنا ، ويصرّفها على طاعته ، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ، وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه ، والحمد لله رب العالمين . المصدر اسلام ويب |
|
20-08-2019, 07:09 PM | #20 |
| من فوائد هذا الحديث: .1تحريم إحداث شيء في دين الله ولو عن حسن قصد، ولو كان القلب يرق لذلك ويقبل عليه، لأن هذا من عمل الشيطان. فإن قال قائل: لو أحدثت شيئاً أصله من الشريعة ولكن جعلته على صفة معينة لم يأتِ بها الدين، فهل يكون مردوداً أو لا .؟ والجواب: يكون مردوداً، مثل ما أحدثه بعض الناس من العبادات والأذكار والأخلاق وما أشبهها، فهي مردودة . * وليعلم أن المتابعة لا تتحقق إلا إذا كان العمل موافقاً للشريعة في أمور ستة: سببه ، وجنسه، وقدره، وكيفيته، وزمانه، ومكانه. فإذا لم توافق الشريعة في هذه الأمور الستة فهو باطل مردود، لأنه أحدث في دين الله ما ليس منه. أولاً: أن يكون العمل موافقاً للشريعة في سببه: وذلك بأن يفعل الإنسان عبادة لسبب لم يجعله الله تعالى سبباً مثل: أن يصلي ركعتين كلما دخل بيته ويتخذها سنة، فهذا مردود. مع أن الصلاة أصلها مشروع، لكن لما قرنها بسبب لم يكن سبباً شرعياً صارت مردودة. مثال آخر: لو أن أحداً أحدث عيداً لانتصار المسلمين في بدر، فإنه يرد عليه، لأنه ربطه بسبب لم يجعله الله ورسوله سبباً. ثانياً: أن يكون العمل موافقاً للشريعة في الجنس، فلو تعبّد لله بعبادة لم يشرع جنسها فهي غير مقبولة، مثال ذلك: لو أن أحداً ضحى بفرس،فإن ذلك مردود عليه ولا يقبل منه، لأنه مخالف للشريعة في الجنس، إذ إن الأضاحي إنما تكون من بهيمة الأنعام وهي: الإبل، والبقر، والغنم. أما لو ذبح فرساً ليتصدق بلحمها فهذا جائز، لأنه لم يتقرب إلى الله بذبحه وإنما ذبحه ليتصدق بلحمه. ثالثاً: أن يكون العمل موافقاً للشريعة في القدر: فلو تعبد شخص لله عزّ وجل بقدر زائد على الشريعة لم يقبل منه، ومثال ذلك: رجل توضأ أربع مرات أي غسل كل عضو أربع مرات،فالرابعة لا تقبل، لأنها زائدة على ما جاءت به الشريعة، بل قد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً وقال: مَنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ[61] . رابعاً: أن يكون العمل موافقاً للشريعة في الكيفية: فلو عمل شخص عملاً، يتعبد به لله وخالف الشريعة في كيفيته، لم يقبل منه، وعمله مردود عليه. ومثاله: لو أن رجلاً صلى وسجد قبل أن يركع، فصلاته باطلة مردودة، لأنها لم توافق الشريعة في الكيفية. وكذلك لو توضأ منكساً بأن بدأ بالرجل ثم الرأس ثم اليد ثم الوجه فوضوؤه باطل، لأنه مخالف للشريعة في الكيفية. خامساً: أن يكون العمل موافقاً للشريعة في الزمان: فلو صلى الصلاة قبل دخول وقتها، فالصلاة غير مقبولة لأنها في زمن غير ما حدده الشرع. ولو ضحى قبل أن يصلي صلاة العيد لم تقبل لأنها لم توافق الشرع في الزمان. ولو اعتكف في غير زمنه فإنه ليس بمشروع لكنه جائز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقرّ عمر ابن الخطاب رضي الله عنه على الاعتكاف في المسجد الحرام حين نذره. ولو أن أحداً أخّر العبادة المؤقتة عن وقتها بلا عذر كأن صلى الفجر بعد طلوع الشمس غير معذور، فصلاته مردودة، لأنه عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله. سادساً: أن يكون العمل موافقاً للشريعة في المكان: فلو أن أحداً اعتكف في غير المساجد بأن يكون قد اعتكف في المدرسة أو في البيت، فإن اعتكافه لا يصح لأنه لم يوافق الشرع في مكان الاعتكاف،فالاعتكاف محله المساجد. فانتبه لهذه الأصول الستة وطبق عليها كل ما يرد عليك. مُلخص جداًمن شرح الاربعين النووية للشيخ محمد بن صالح العثيمين |
|
20-08-2019, 07:10 PM | #21 |
| عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) متفق عليه. هذا الحديث في بيان أنواع خلال من الإيمان من حفظ الكلام والكرم والبذل والإحسان إلى الخلق. وفيه مسائل. الأولى: قوله صلى الله عليه وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم والآخر) أسلوب مؤثر كان النبي صلى الله وسلم يستعمله في موعظته وترغيب أصحابه بالأعمال الصالحة والمعنى من كان مؤمنا بالله واليوم الآخر حقا وكمالا فليفعل كذا وكذا من كان مصدقا بوعد الله محتسبا للأجر مستشعرا للوقوف بين يدي الله يوم القيامة فليمتثل هذه الأعمال الجليلة والخصال الحسنة. وفيه دليل على أن هذه الأعمال التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم من خصال الإيمان منها ما يتعلق بحقوق الله كقول الخير ومنها ما يتعلق بحقوق العباد كإكرام الضيف وإكرام الجار. الثانية: في الحديث دليل على أن حفظ اللسان من السيئات واستقامته على الخير علامة على استقامة إيمان العبد كما روي في المسند من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه). وقد ورد في الشرع التخريف والزجر من إطلاق الكلام على عواهنه وعدم التحرز من القول ففي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبن فيها يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب) وعند أحمد (إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا يهوي بها سبعين خريفا في النار). فإذا كان هذا الوعيد فيمن تكلم بغير بصيرة فكيف من تعمد الإثم في قوله والسوء في كلامه فأمره أعظم. وقال تعالى: (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ). والمتلقيان ملكان موكلان بالعبد ملك عن يمينه يكتب الحسنات وملك عن شماله يكتب السيئات. وقد كان بعض السلف يتورعون عن التأوه والأنين حال المرض خشية أن يكتب. الثالثة: قوله (فليقل خيرا أو ليصمت) فيه إرشاد للعبد بأن يسلك أحد أمرين في الكلام فإن كان الكلام خيرا تكلم به وإن لم يكن خيرا أمسك عنه إلا ما دعت الحاجة إليه. والحاصل أن الكلام ثلاثة أقسام: 1. كلام خير فيستحب للعبد التكلم به بل كلامه به أفضل من سكوته عنه كتلاوة القرآن والذكر والعلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله وغير ذلك مما أمر به الشرع ورغب فيه. 2. كلام شر فيشرع للعبد الإمساك عنه وسكوته عنه واجب كالغيبة والنميمة والكذب والإستهزاء وغير ذلك مما نهى عنه الشرع وحذر منه. 3. كلام مباح لا خير ولا شر فيشرع للعبد الإمساك عنه وعدم الكلام به وسكوته عنه أفضل من كلامه إلا ما دعت الحاجة إليه في معاشه ومصلحته ومصلحة من يعول. وقد نهى السلف من فضول الكلام لأن فيه مضيعة للوقت بلا فائدة وذريعة إلى الوقوع في الحرام ويوجب قسوة القلب والغفلة عن ذكر الله. قال ابن مسعود: (إياكم وفضول الكلام حسب امرئ ما بلغ حاجته). وقال النخعي: (يهلك الناس في فضول المال والكلام). وقال عمر: (من كثر كلامه كثر سقطه ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به). والكلام بالخير أفضل من السكوت. قال أحد العلماء عند عمر بن عبد العزيز: الصامت على علم كالمتكلم على علم فقال عمر: (إني لأرجو أن يكون المتكلم على علم أفضلهما يوم القيامة حالا وذلك أن منفعته للناس وهذا صمته لنفسه). فقال له يا أمير المؤمنين فكيف بفتنة المنطق فبكى عمر عند ذلك بكاء شديدا. الرابعة: يستحب للعبد أن يكثر من الكلام بالمعروف وأن لا يفوت مجلسا أو ساعة من ذكر الله وما كان في معناه من مدارسة العلم وبيان الحق والنصيحة. فإن كل مجلس وحال لا يذكر فيه العبد اسم الله ولا يرشد الخلق إليه إلا كان خسارة له في الدنيا وحسرة وندامة في الآخرة وعقوبة له على تفريطه. فقد أخرج الإمام أحمد من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان لهم حسرة). وروى النسائي من حديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من قوم يجلسون مجلسا لا يذكرون الله فيه إلا كانت عليهم حسرة يوم القيامة وإن دخلوا الجنة). وقال مجاهد: (ما جلس قوم مجلسا فتفرقوا قبل أن يذكروا الله إلا تفرقوا من أنتن من ريح الجيفة وكان مجلسهم يشهد عليهم بغفلتهم وما جلس قوم مجلسا فذكروا الله قبل أن يتفرقوا إلا تفرقوا عن أطيب من ريح المسك وكان مجلسهم يشهد لهم بذكرهم). وقال بعض السلف: (يعرض على ابن آدم يوم القيامة ساعات عمره فكل ساعة لم يذكر الله فيها تتقطع نفسه عليها حسرات). الخامسة: إلتزام الصمت مطلقا واعتقاد أنه قربة وطاعة لله في جميع الأحوال أو بعضها عمل محدث ليس له أصل في الشرع وهو من عمل أهل الجاهلية وليس في الشرع ما يدل على أن الصمت لذاته مقصود شرعا وإنما يشرع الصمت ويستحب ويمدح فاعله إذا كان سكوتا عن الباطل أو استماعا للذكر والخطبة ونحو ذلك من الأحوال الخاصة التي تدل على أن الصمت وسيلة لغيره فإن ترتب عليه خير كان محمودا في الشرع وإن ترتب عليه شر كان مذموما في الشرع وليس هو عبادة بذاته. فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك كما أخرج أبوداود في سننه من حديث علي مرفوعا: (لا صمات يوم إلى الليل). وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لإمرأة حجت مصمتة: (إن هذا لا يحل هذا من عمل الجاهلية). وروي عن علي بن الحسين أنه قال: (صوم الصمت حرام). السادسة: وفيه إن الإحسان إلى الجار من خصال الإيمان التي أمر بها الشرع ورغب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد روى الشيخان عن عائشة وابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه). وكل معروف من القول والفعل داخل في الإحسان وله صور كثيرة: من ذلك السؤال عن حاله وزيارته وتفقد أحواله ومواساته عند فقره وعيادته في مرضه وتشييع جنازته وإجابة دعوته ونصيحته وإعانته على قضاء حاجته ومشاركته في أفراحه وأحزانه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يشبع المؤمن دون جاره) رواه أحمد. وفي صحيح مسلم عن أبي ذر قال: (أوصاني خليلي إذا طبخت مرقا فأكثر ماءه ثم انظر إلى أهل بيت جيرانك فأصبهم منها بمعروف). وفي المسند عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه ذبح شاة فقال هل أهديتم منها لجارنا اليهودي ثلاث مرات ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه). ومن أعظم إكرام الجار احتمال الأذى منه والصبر على سوء خلقه وقلة معروفه. فينبغي على العبد أن يكون من أهل الإحسان ويتعاهد جيرانه بالمعروف ولا يكون بخيلا مناعا للخير شحيحا بماله ووقته وخلقه على الجيران. ومما يؤسف له في زماننا قلة الإحسان بين الجيران وضعف العلاقة بينهم وكثرة الجفاء فيما بينهم بل ربما وصل الحال إلى أن الرجل لا يعرف جاره ولا يطلع على أحواله. فإلى الله المشتكى. السابعة: الجيران في الحقوق ثلاثة كما روي في مسند البزار مرفوعا ولا يصح: (الجيران ثلاثة جار له حق واحد وهو أدنى الجيران حقا وجار له حقان وجار له ثلاثة حقوق وهو أفضل الجيران حقا. فأما الذي له حق واحد فجار مشرك لا رحم له حق الجوار وأما الجار الذي له حقان فجار مسلم له حق الإسلام وحق الجوار وأما الذي له ثلاثة حقوق فجار مسلم ذو رحم له حق الإسلام وحق الجوار وحق الرحم). وقد حد بعض العلماء الجوار الذي يتعلق به الإحسان فقالت طائفة من السلف حد الجوار أربعون دارا. وروي في السنة تعيينه بذلك ولا يصح ففي مراسيل الزهري أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو جارا له فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه أن ينادي: (ألا إن أربعين دار جار). وقد فسره الزهري بأربعين بيتا من كل جانب. والصحيح أنه لا تحديد في الجوار لأنه لم يرد في السنة حديث صحيح يعين ذلك بل هو عام قد أطلقه الشرع والمرجع في تعيين الجار القريب الذي له حق خاص العرف فما تعارف عليه أهل البلد في الجوار كان حد معتبرا كالمحلة والحي والطريق ونحوه. وكلما قرب الجار إلى البيت كان حقه أعظم وقدم على غيره في المعروف كما روت عائشة رضي الله عنها قالت قلت يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي قال: (إلى أقربهما بابا) رواه البخاري. الثامنة: من الإحسان إلى الجار كف الأذى عنه مما يؤذيه ويوقعه في الضرر أو الحرج. فكل قول أو فعل مؤذ حسا أو عرفا وجب على المؤمن الكف عنه وقد نهى الشرع عن ذلك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه) رواه البخاري. وفي صحيح مسلم: (لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه). والمسلم منهي عن إيذاء أخيه المسلم في جميع الأحوال ولكن يتأكد النهي ويعظم الجرم في إيذاء الجار لعظم حقه كما روى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه سئل أي الذنب أعظم قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك قيل ثم أي قال أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك قبل ثم أي قال أن تزني حليلة جارك) متفق عليه. وإيذاء الجار سبب موجب لدخول النار فقد روي في مسند أحمد من حديث أبي هريرة قال قيل يا رسول الله: إن فلانة تصلي الليل وتصوم النهار وفي لسانها شيء تؤذي جيرانها سليطة. قال: (لا خير فيها هي في النار). وإيذاء الجار له صور كثيرة: من إتلاف ماله والتعدي على عرضه والتجسس على أسراره والإطلاع على حرماته ومضايقته في مرافقه وإزعاجه برفع الصوت والإضرار بأولاده ونشر عيوبه واختلاق الإفك والشائعات عنه وتخبيب زوجته وإفساد أهله عليه وغير ذلك مما يتضرر به. وأذى الجار عظيم لا يمكن التحرز منه غالبا أو إزالته وربما حمل المتضرر على التحول من داره ولذلك شدد الشارع فيه. وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ من جار السوء. التاسعة: وفيه الأمر بإكرام الضيف . قال ابن عبد البر: (أجمع العلماء على مدح مكرم الضيف والثناء عليه بذلك وحمده وأن الضيافة من سنن المرسلين وأن إبراهيم أول من ضيف الضيف). وقد تظافرت النصوص على ذلك ففي الصحيحين عن أبي شريح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته قالوا وما جائزته قال يوم وليلة قال والضيافة ثلاثة أيام وما كان بعد ذلك فهو صدقة). وخرج أحمد من حديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه قالها ثلاثا قالوا وما كرامة الضيف يا رسول الله قال ثلاثة أيام فما جلس بعد ذلك فهو صدقة). فقد دلت النصوص على وجوب الضيافة يوم وليلة واليوم الثاني والثالث سنة نافلة حق مشروع للضيف وما زاد على الثلاثة أيام فصدقة من الصدقات. والصحيح أن الضيافة واجبة للمسلم أما الكافر فلا تجب لأن هذا من حق المسلم على أخيه كالنصيحة والسلام وإجابة الدعوة. وإذا نزل الضيف على قوم ولم يكرموه جاز له المطالبة بحقه وإن استطاع أن يأخذ حقه من غير مفسدة أبيح له ذلك. وفي الصحيحين عن عقبة بن عامر قال قلنا يا رسول الله إنك تبعثنا فننزل بقوم فما ترى فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم). واختلف الفقهاء هل الضيافة واجبة على أهل البادية والحاضرة أم خاصة على أهل البادية. وقال مالك: ليس على أهل الحضر ضيافة. وقال سحنون إنما الضيافة على أهل البادية وأما أهل الحضر فالفندق ينزل فيه المسافر. العاشرة: يحق للضيف الإقامة عند من استضافه ثلاثة أيام وإن كان غنيا لكن لا يحل له أن يقيم عنده حتى يوقعه في الحرج سواء كان هذا في الثلاثة أيام أو فيما زاد عليها فإذا علم عجزه وفقره أو أنه يضيفه من قوته وقوت عياله وأن أهله يتأذون بذلك لم يجز له استضافته حينئذ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا يحل له أن يقيم عنده حتى يحرجه) متفق عليه. ولا شك أن الضيافة تجب وتستحب للموسر أما العاجز فلا. وكذلك لا ينبغي له أن يقيم عنده فوق ثلاث فيحرجه ويضيق عليه بل ينبغي للضيف مراعاة أحوال المضيف. وقد كان ابن عمر إذا أقام ثلاثة أيام أمر نافع أن ينفق من ماله وامتنع من الأكل من مال من نزل به. ويحق للمضيف أن يأمر الضيف بالتحول عن بيته بعد ثلاثة أيام كما فعل ذلك الإمام أحمد. لكن إذا كان المضيف يأنس ببقاء الضيف ويرغب به وعنده سعة من المال فلا حرج على الضيف في البقاء عنده لأن بقاءه لا يحرج من نزل به بل يدخل السرور عليه. ومما يؤسف أن بعض الأضياف يثقل على المستضيف في الإقامة ولا يراعي أحواله وآداب الشريعة. |
|
الكلمات الدلالية (Tags) |
متجدد , محمد , مدرسة , الحبيب , ببقى , وتستمر |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
معلومات عن الثعبان الاسود الخبيث | رحيق الجنه | ( قسم الحيوانات والنباتات والاسماك ) | 16 | 06-07-2018 07:22 PM |
معلومات عن الثبعان الأسود القاتل | مبارك آل ضرمان | ( قسم الحيوانات والنباتات والاسماك ) | 11 | 21-11-2017 12:01 PM |
انشروا سنن الحبيب صلى الله عليه وسلم وردوا على الافتراءات الكاذبة | ابوعلى | (سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وقصص الانبياء والصحابه ) | 24 | 28-06-2016 07:34 AM |
أيها الحبيب وداعا )...... | سلسبيل | ( همســـــات الإسلامي ) | 9 | 21-08-2015 04:27 AM |