ننتظر تسجيلك هنا


الإهداءات



إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 30-03-2018, 05:28 PM   #8


تيماء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7482
 تاريخ التسجيل :  27 - 10 - 2016
 أخر زيارة : 02-01-2023 (09:51 PM)
 المشاركات : 106,303 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Lebanon
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Floralwhite
شكراً: 445
تم شكره 511 مرة في 344 مشاركة
افتراضي




العقيدة من مفهوم القران والسنة - الدرس ( 7) : الجهل بالكفر عذر إلى حين​


من الأخطاء التي يقع فيها كثير من المسلمين اليوم :
أيها الأخوة الكرام, مع درس من دروس العقيدة الإسلامية، معنا اليوم موضوع دقيق جداً تأتي دقته: من أن معظم المسلمين لا يستوعبونه، فقد تجد إنساناً يرتكب خطأ كبيراً, وقد يكون الخطأ اعتقادياً, أو أن يكون الخطأ قولياً أو سلوكياً، فيتهم هذا الإنسان بالكفر أو بالشرك أو بالابتداع، مع أن إيمانه جيد لكنه لا يعلم، فهذا الذي لا يعلم عند الله معذور ينبغي أن تعلمه .
هذا الموقف الواقعي، الموقف الأخلاقي، الموقف الرحيم، هذا الذي ارتكب خطأ اعتقادياً, أو خطأ قولياً, أو خطأ سلوكياً, لأنه لا يعلم، لا ينبغي أن تطبق عليه القواعد الحرفية التي تعرفها .
مثلاً: أعرابي في الصحراء يمتطي ناقته, وعلى ناقته طعامه وشرابه، أراد أن يستريح, جلس ليستريح, وأخذته سنة من النوم فلما استيقظ لم يجد الناقة, -هذا الكلام لا يقدره إلا من عرف الصحراء، الإنسان إذا شردت عنه ناقته هو ميت لا محالة، أيقن بالهلاك- فجلس يبكي, ثم يبكي, ثم يبكي, إلى أن أدركته سنة من النوم، من شدة فرحته اختل توازنه، وقال: يا رب أنا ربك وأنت عبدي، ألم يقع هذا بالكفر؟ ألم ينطق بالكفر؟ لقد نطق بالكفر، ولكن عالماً جليلاً تعجبني كلمته يقول: ما كل من وقع في الكفر وقع عليه الكفر .

محور الدرس :
محور هذا الدرس: أنه قد تجد إنساناً يرتكب خطأ كبيراً في عقيدته لأنه يجهل، و يرتكب خطأ كبيراً في مقولته، ويرتكب خطأ كبيراً في سلوكه, بسبب أنه لا يعلم، فهذا الذي لا يعلم ينبغي أن تعلمه، لا أن تنصب نفسك عليه قاضياً, تحكم عليه بالكفر, وبالزندقة, وبالشرك, وبالابتداع، هذا الموقف أنك وصي عن المسلمين, وأنك مكلف أن توزع ألقاب الكفر والشرك والبدعة على كل الناس, هذا الموقف ليس مقبولاً .
قال بعض كبار الدعاة إلى الله: نحن دعاة ولسنا قضاة .

حقيقة ينبغي أن تعلمها :
هناك حقيقة أولى دقيقة صارخة هي: أن الجاهل معذور بجهله، ألم يقل الله عز وجل:
﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ﴾
[ سورة التوبة الآية: 6]
فأنت مكلف أن تسمع المشرك كلام الله، أن تسمع الكافر كلام الله، أن تسمع الملحد كلام الله، ينبغي أن تعطيه فرصة، هو لا يعلم، دعاة كثيرون إذا نطق المتعلم كلمة فيها انحراف خطير, تقوم الدنيا ولا تقعد، يتهم بالكفر والزندقة والإلحاد .
لقطات رائعة من سيرة النبي عليه الصلاة والسلام :
لو اطلعت على سيرة النبي صلى الله عليه و سلم, وقد جاءه شاب يسأله: يا رسول الله! ائذن لي بالزنا, والله بمقياس التعلم وقاحة ما بعدها وقاحة, وتطاول ما بعده تطاول، ائذن لي بالزنا، كأن تقول لإنسان في أعلى درجة من النزاهة: ائذن لي بالسرقة، فالصحابة كبر عليهم كلامه، فالنبي قال: دعوه، تعال يا عبد الله اقترب، تعلم من رسول الله كيف يدعو إلى الله.
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ:
((أِنَّ فَتًى أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا, فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ, قَالُوا: مَهْ مَهْ, فَقَالَ: ادْنُهْ, فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا, قَالَ: أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ يا رسول الله, جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ, قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ, قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ, جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ, قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ, قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ, قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ, قَالَ: أَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ يا رسول, جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ, قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ, قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ, قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ, قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ, وَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ, وَطَهِّرْ قَلْبَهُ, وَحَصِّنْ فَرْجَهُ, فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ))
[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير, والإمام أحمد في مسنده]
هذا الشاب يتصور أن أخته تزني، هذا الذي يزني بها, ينبغي أن يقتله, يقول هذا الشاب: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم, وما شيء على وجه الأرض أحب عليّ من الزنا، وخرجت من عنده, ولا شيء أبغض إلي من الزنا .
أرأيت إلى هذا الصدر الواسع؟ أرأيت إلى هذا الحلم؟ في سيرة النبي لقطات رائعة .
مرة صحابي جليل, عنده بستان في المدينة, فإذا في البستان إنسان, يأكل من ثمرات البستان من دون إذنه, -إذاً: هو سارق أليس كذلك؟-, ساقه إلى النبي عليه الصلاة والسلام, و قال للنبي الكريم:
((يا رسول الله! هذا دخل بستاني, وأكل من ثمره من دون إذني, إذاً: هو سارق, -فأجاب النبي إجابة ما أروعها من إجابة-, قال عليه الصلاة والسلام: هلا علمته إذا كان جاهلاً، وهلا أطعمته إذا كان جائعاً؟))
مشكلة العالم اليوم :

نحن الآن مشكلتنا في العالم: أننا نعالج الأمر من آخر حلقة فيه، هذا إرهاب، هل واحد في العالم الغربي سأل هذا السؤال: ما هي أسباب الإرهاب؟ .
هذا الشاب الذي أراد أن يهز أركان العدو, لماذا فعل ذلك؟ لأنه آمن؟ لأن بيته قائم أم هدم بيته؟ لأن أمه موجودة أم قتلت؟ فقد أمه وأباه وبيته, ولا أمل له أن يعيش, ما عنده في حياته إلا أن يهز أركان العدو .
لو أنهم سألوا هذا السؤال: ما هي الأسباب التي حملت هذا الإنسان على أن يضحي بحياته؟ فنحن دائماً نعالج القضية من آخرها، المعالجة لن تنجح، لن تنجح المعالجة إلا إذا بدأت من أولها .
قال له:
((هلا علمته إذا كان جاهلاً، وهلا أطعمته إذا كان جائعاً؟))

عرف جرى في حي الصالحية :
أنا كنت أسمع في هذه البلدة الطيبة, كان هناك تقليداً عند كل أصحاب البساتين, أنهم في طريقهم إلى السوق, وهم يحملون إنتاجهم من الفواكه, يضعون جزءاً من إنتاجهم في مكان عام، كان يوجد في حي الصالحية مكان اسمه جرن الشاويش، ساقية ماء طاهر عذب, كل فلاح يأتي بسلة من الفواكه, ويوجد سكين، يوجد مشمش، يوجد دراق، يوجد أجاص، يوجد تفاح، إنسان يأكل حاجته، فإن كان هناك حالات لا يوجد سرقة .
من تقاليد هذه البلدة في شمالي لبنان :
مرة كنت في بلدة في شمالي لبنان متمسكة بالدين, كنت أمشي في الطريق, كلما مررت ببستان, هكذا قد اعتادوا, أن يقدموا للضيف شيء من الفواكه .
قال له:
((هلا علمته إذا كان جاهلاً، وهلا أطعمته إذا كان جائعاً؟))
المطلوب منك :
درسنا اليوم لا تكن عصبي المزاج، لا تكن ضيق الأفق، لا تكن وصياً على المسلمين ، لا تنصب نفسك قاضياً .
قد تجد إنساناً يرتكب خطأ فادحاً في اعتقاده، وقد تجد إنساناً يرتكب خطأ فادحاً في أقواله، وقد تجد إنساناً يرتكب خطأ فادحاً في سلوكه، إذا كان جاهلاً فهو معذور، علمه، فرق كبير بين أن تسحقه، وبين أن تتهمه، وبين أن تلغيه من وجود المسلمين، وبين أن تعلمه, وأن يتسع صدرك له، هكذا الدعوة إلى الله .

ما وراء هذا الحديث :
مرة قرأت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً ترك في نفسي أثراً بالغاً: عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ, أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ, وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا, وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ, فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا, فَأَمَرَ بِهِ, فَجُلِدَ, فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ:
((اللَّهُمَّ الْعَنْهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ, فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَلْعَنُوهُ, فَوَ اللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ))
اعتبر هذه معصية غلبة، فرق كبير بين معصية الغلبة وبين معصية الكبر، الإنسان قد تزل قدمه فيعصي، هذا الإنسان لا ينبغي أن يلغى من وجودك, لعله يستفيد، لعله يتوب، طبعاً: أنا لست مع الذين إذا رأوا شارب خمر لعله ولي هذا, لا نعرف، هذه السحبات ما أنزل الله بها من سلطان، هذا اسمه لعب بدين الله، الخمر الخمر، لكن هذا الذي يشرب الخمر, لعله يتوب و يسبق هذا الذي ازدراه .
المعصية معصية, أما أن تقول: هذا ولي، الله وضع سره بأضعف خلقه، وضع سره بالعصاة، هذا كلام فيه دجل, وفيه كذب, وفيه تزوير، العاصي عاصي في أي مكان, وفي أي زمان .
فأحبابنا اختاروا المحبة مذهباً وما خالفوا في مذهب الحب شرعاً
من هو الولي؟ ليس الذي يمشي على وجه الماء، ولا الذي يطير في الهواء، ولكن الولي كل الولي الذي تجده عند الحلال والحرام، أن يجدك حيث أمرك, وأن يفتقدك حيث نهاك، هذا محور الدرس .

ما محور هذه الأدلة من الكتاب؟ :
إلى الأدلة: قال الله تعالى متحدثاً عن الحواريين:
﴿إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾
[سورة المائدة الآية: 112]
أليس هذا خطأ اعتقادياً كبيراً؟ قال:
﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾
[سورة المائدة الآية: 57]
هم يتوهمون أن الذي خلق الأكوان لا يستطيع أن ينزل مائدة من السماء، هذا خطأ اعتقادي، ما جاء وصفهم بأنهم كفار .
مثل آخر:
﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾
[سورة الأعراف الآية: 138]
هذا خطأ اعتقادي آخر من أتباع سيدنا موسى .

ما مهمة هذا الحديث؟ :
أخرج الإمام أحمد في المسند، والإمام الترمذي في السنن بسند صحيح: عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ, أَنَّهُمْ خَرَجُوا عَنْ مَكَّةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُنَيْنٍ, قَالَ:
((وَكَانَ لِلْكُفَّارِ سِدْرَةٌ, يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا, وَيُعَلِّقُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ, يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ أَنْوَاطٍ, قَالَ: فَمَرَرْنَا بِسِدْرَةٍ خَضْرَاءَ عَظِيمَةٍ, قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْتُمْ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى, اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةً, قَالَ: إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ, إِنَّهَا لَسُنَنٌ لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ سُنَّةً سُنَّةً))
أي شجرة يعكفون عليها, ويعلقون عليها أسلحتهم، هل اتهم هؤلاء أتباع السيد المسيح, وأتباع سيدنا موسى, وأصحاب النبي حينما قالوا: وهم حديثو عهد بكفر, أي أسلموا حديثاً، هل تصدقون: أن الإنسان إذا دخل في الإسلام حديثاً, وبعد يومين, جاء رمضان, ترك الطعام والشراب, ولكنه قارب أهله، لا يعلم، لا شيء عليه؟ لو أنه يعلم ينبغي أن يصوم ستين يوماً مقابله, لا يعلم لا شيء عليه .
حديثو العهد بالإسلام معذورون عند الله عز وجل، لا يكفرون ولا يشركون، أي لا يتهمون بالشرك، والله عز وجل يقول:
﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾
[ سورة الأحزاب الآية: 5]
هذه أول حقيقة في هذا الدرس الجاهل: حديث عهد بالإسلام معذور عند الله عز وجل.

كيف تنصح إنساناً وقع في وزر؟ :
إنسان يعقد مع الله توبة نصوحة, لكن مضى من عمره سنوات وسنوات, هو في المعاصي والآثام، تدخل قريبته غير المحرم, يصافحها أهلاً وسهلاً, هو لا يعلم أن المصافحة هذا حكم تفصيلي أنها حرام، لا ينبغي أن يعلو صوتك عليه, وأن توبخه توبيخاً عنيفاً، لا، هو لا يعلم، قل له: يا أخي هذا فيه حكم شرعي، طبعاً إياكم أن تظنوا أنني أعني بهؤلاء الذين يرتكبون بعض الأخطاء في عقيدتهم, وفي أقوالهم, وفي سلوكهم أنهم يعلمون، إذا كانوا يعلمون هذا حكم آخر، أنا بدأت هذا الدرس بأنه هناك فئة حديثة عهد بالإسلام، أو حديثة عهد بكفر، ليست من الكفر ببعيد, ترتكب أخطاء في عقيدتها, وفي سلوكها, وفي أقوالها, هذه ينبغي أن تكون عند المؤمنين معذورة، وينبغي أن يتسع صدرهم لمثل هذه الأخطاء:
﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾
[ سورة الأحزاب الآية: 5]
ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به، وقد قال عليه الصلاة والسلام:
((رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه))

واجب وضع في عنق كل جاهل :
الآن البند الثاني في هذا الدرس: أن الواجب على الجاهل أن يتعلم الحق, وأن يصغي إليه، وأن يسأل أهل العلم، قال تعالى:
﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾
[ سورة النحل الآية: 43]
اسأل أهل الذكر: هم أهل القرآن والسنة، من أسماء القرآن: الذكر، اسألوا أهل الذكر: أي أهل القرآن، اسألوا من أكرمهم الله بمعرفة أحكامه, وحدوده, ومحكمه, ومتشابهه, و قصصه, ومشاهد القيامة فيه:
﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾
[ سورة النحل الآية: 43]
ويوجد آية ثانية:
﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً﴾
[ سورة الفرقان الآية: 59]
كأن هناك من يعرف الله عز وجل هذا عالم بالله، وهناك من يعرف أمره ونهيه, وهذا عالم بأمر الله، فأنت بحاجة مرة إلى أن تسأل أهل الذكر، أهل من يعرف الأمر والنهي، و أنت بحاجة مرة ثانية إلى أن تسأل أهل المعرفة بالله عز وجل:
﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً﴾
[ سورة الفرقان الآية: 59]
﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾
[ سورة النحل الآية: 43]

من واجب العالم :
إني أقول: إن الذي عرف جانباً من عظمة الله عز وجل, يبادر إلى السؤال عن الحكم الشرعي في أي موضوع يعانيه، من علامة صدقه مع الله: أنه يسأل ما حكم الشرع في هذا العمل؟ في هذه النفقة؟ في قبض هذا المبلغ؟ في هذا العقد؟ في هذه التجارة؟ في هذه السفرة؟ في هذا الزواج؟ فعلامة إيمانه أنه يسأل .
بل من لوازم معرفته بالله أنه حريص على طاعته، الجاهل ينبغي أن يسأل، والعالم ينبغي أن يبين، هذان واجبان متقابلان، الجاهل يسأل، والعالم يبين، الدليل على أن العالم ينبغي أن يبين هو قول الله عز وجل:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا﴾
[سورة البقرة الآية: 159-160]
أي ما معنى أنه يدعو إلى الله؟ أي هو أمين على هذا العلم، أمين لا يمكن أن يكتم منه شيئاً .

علام يرشدنا هذا المثال؟ :
أوضح مثل: أن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم لما رأوا أن الشمس كسفت في وقت يتزامن مع موت إبراهيم ابن رسول الله، لمحبتهم لرسول الله, ولتقديسهم له, ربطوا كسوف الشمس بموت إبراهيم، فقالوا: إن الشمس كسفت لموت إبراهيم، فلما سمع النبي هذا الكلام، هنا جمع أصحابه وقال: إن الشمس والقمر آيتان لا ينبغي أن تنكسفا لموت واحد من خلقه .
إذا إنسان مرتزق بالدعوة وقيل له: ربطوا ظاهرة طبيعية بحالة من حالات الشيخ، شيء مريح جداً، طبعاً يا بني هذه الحقيقة بارك الله بكم، هذا دجال، ينبغي أن تقول الحق، هذه أمانة، ينبغي أن تنطق بالحق، وألا تعجب بهذا الذي يقوله الناس عنك، لا يوجد علاقة، سيد الخلق كان قدوة .
الحقيقة: فكرة مريحة, الشمس كسفت يا أخي لعلو مقام هذا الإنسان عند الله، يوم توفي ابنه إبراهيم كسفت الشمس، قال لهم: لا، إن الشمس و القمر آيتان لا ينبغي أن تنكسفا لموت واحد من خلقه .

لا تعكر صفو هذا الدين :
شخص قال لشيخ: أنا عندما أضع يدي على الجرس في بيتك, يكون قلبي يدق مئة و ثمانين دقة, يرجع ثمانين طبيعي، قال له: والله غير صحيح, لا علاقة لها, هذا وهم .
دع الدين طبيعي، اجعل الدين حياة الإنسان الطبيعية، لا تبالغ، لا تقل: هذا يصلي الفجر أربعين عاماً بوضوء العشاء، هذه فوق طاقة البشر، لا تيئسنا، لا تعطنا فكرة نحن لم نصلِ أبداً، كلما تجعل الدين حالات نادرة جداً، حالات خاصة، حالات لا يمكن أن تقع نحيته عن الحياة، جعلته شيئاً غير واقعي، كلا أنام وأقوم، هكذا كان النبي, وهو أشد الناس خشية لله, أنام و أقوم، أصوم وأفطر، آكل اللحم، أتزوج النساء، هذه سنتي فمن رغب عنها فليس من أمتي .
أحياناً: المبالغة غير المعقولة يكون معها انحراف غير معقول، الإنسان يكون واقعي، هذا الدين دين الفطرة، هذا الدين دين الواقع، هذا الدين دين متوازن، دين وسطي، دين معتدل, لا يوجد فيه مبالغات، وأنت في حالاتك الطبيعية تأكل وتشرب, وتنام وتتزوج, وتؤسس عملاً, و تدرس وتأخذ شهادة, وقد تكون في أعلى حالات القرب مع الله عز وجل .
الجاهل يتعلم والعالم يبين .
بعضهم يقول: الولي يستحي بكرامته كما تستحي المرأة بدم حيضها، لما أنت الأضواء كلها تسلطها على ذاتك, وهذا الشيء صار كرامة لي, أي يوجد قصص ما أنزل الله بها من سلطان تروى .

حديث يتعلق بأهل العلم :
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَتَمَ عِلْمًا مِمَّا يَنْفَعُ اللَّهُ بِهِ فِي أَمْرِ النَّاسِ أَمْرِ الدِّينِ, أَلْجَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ النَّارِ))
[أخرجه ابن ماجه في سننه]
هذا الذي يكتم علماً, ألجمه الله بلجام من نار, هل يوجد حالة أشد من هذه؟ من يعرفها؟ الأشد منها أن تفتي بخلاف ما تعلم، تعلم الوجه الصحيح, تفتي بخلافه, طمعاً في إرضاء قوي, أو مبلغ, أو مكانة .
أي بالنهاية الدعاة إلى الله نوعان: داعية معه الحق والناس هنا، فهناك دعاة يسعون جاهدين لرفع الناس إلى مستوى الشريعة، وهناك دعاة آخرون بدل أن يرفعوا الناس إلى مستوى الشريعة يهبط إليهم، هذه أسهل، يعطي فتاوى بلا قيد ولا عدد، يعطي الفتاوى بلا حساب .
بشرى لك :
هذه بشارة لكم إن شاء الله ولي معكم، من غدا إلى المسجد, لا يريد إلا أن يتعلم خيراً, أو يعلمه, كان له كأجر حاج تامة حجته .
شخص له مع إنسان مبلغاً أين أجده؟ لم أجده، قال له: يوجد بالجامع يوم الأحد، فجاء ليأخذ دينه، يقول لي هذا الأخ: والله هدفي أن ألتقي مع غريمي، سمعت الدرس, أعجبني, لي سبع سنوات لم أترك الدرس أبداً، هذا قال عنه الإمام الغزالي: أردنا العلم لغير الله فأبى العلم إلا أن يكون لله .
وقد قيل: يقول بعض علماء القلوب: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم .
مرة أخرى: من غدا إلى المسجد, لا يريد إلا أن يتعلم خيراً, أو يعلمه, كان له كأجر حاج تام الحجة .

اسلك هذا الطريق :
والحديث المعروف: عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ:
((كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ, فَأَتَاهُ رَجُلٌ, فَقَالَ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ, إِنِّي أَتَيْتُكَ مِنْ الْمَدِينَةِ مَدِينَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَدِيثٍ بَلَغَنِي عَنْكَ, أَنَّكَ تُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ: فَمَا جَاءَ بِكَ تِجَارَةٌ؟ قَالَ: لَا, قَالَ: وَلَا جَاءَ بِكَ غَيْرُهُ؟ قَالَ: لَا, قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ بِهِ عِلْمًا, سَهَّلَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ))
إليكم هذه البنود التي وردت في هذا الدرس :
البند الأول: أن الجاهل حديث العهد بالإسلام معذور بجهله, وينبغي أن تستوعبه، وينبغي أن يتسع صدرك له، وينبغي ألا تعنفه، وينبغي ألا تتهمه بالكفر، ولا بالشرك، ولا بالفسق، و لا بالبدعة .
والبند الثاني: الجاهل عليه أن يطلب العلم, والعالم عليه أن يبين، وألا تأخذه في الله لومة لائم .
البند الثالث: لا عذر لأحد بعد العلم، كان معك فرصة قبل أن تعلم، بعد أن علمت لا عذر لأحد .

لا عذر للجاهل إذا علم :
بماذا احتج الله على أهل النار؟ قال تعالى:
﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ﴾
[سورة الملك الآية: 8-9]
فحينما يأتيك العلم انتهى العذر, وعندئذ لا حجة لك فيما تفعل:
﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً﴾
[سورة مريم الآية: 59]
وفي آية ثالثة:
﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾
[ سورة النساء الآية: 115]
وفي حديث صحيح يؤكد هذا المعنى: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ:
((ارْحَمُوا تُرْحَمُوا, وَاغْفِرُوا يَغْفِرْ اللَّهُ لَكُمْ, وَيْلٌ لِأَقْمَاعِ الْقَوْلِ, وَيْلٌ لِلْمُصِرِّينَ الَّذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ))
يصر على ما يفعل .
النبي عليه الصلاة والسلام معصوم بمفرده، أما أمته فمعصومة بمجموعها :
قالوا: النبي عليه الصلاة و السلام معصوم بمفرده، أما أمته فمعصومة بمجموعها، لكن النبي معصوم, والولي محفوظ أي لا تضره معصية، ليس معنى ذلك أنه يرتكب معصية فلا تضره، لا، إن ارتكب معصية سريعاً ما يتوب منها، ويغير أي لا يبقى على معصية, فوراً يتوب منها .
قف هنا قليلاً :
عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ, وَفِيمَ أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ؟))
ولأبي الدرداء رضي الله عنه كلمة طيبة قال: إنما أخشى من ربي يوم القيامة, أن يدعوني على رؤوس الخلائق فيقول لي: يا عويمر، فأقول: لبيك ربي، فيقول: ما عملت فيما علمت؟.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾
[سورة الصف الآية: 2-3]

ما يحتاج إليه الكادر الدعوي :
أيها الأخوة, الله عز وجل حينما أثنى على النبي صلى الله عليه و سلم, أثنى عليه بحسن خلقه, ويكاد حسن الخلق يذهب بالخير كله، بل إن حسن الخلق يعدل الصيام والقيام، النفل طبعاً .
فأيها الأخوة, نحن بحاجة إلى دعاة لهم صدر واسع، لهم نفس طويل، لهم حلم كبير، لهم بصيرة نافذة، لهم غيرة على هذا الدين، أما كل إنسان وقع بغلطة أمامك رأساً إعدام، كافر، مشرك، مبتدع، فاسق، عاص، ما هكذا يا سعد تورد الإبل، ما هكذا يدعى إلى الله .
ورد في بعض الآثار القدسية: لو يعلم المعرضون انتظاري لهم, وشوقي إلى ترك معاصيهم, لتقطعت أوصالهم من حبي، ولماتوا شوقاً إلي، هذه إرادتي في المعرضين فكيف في المقبلين؟ .
إذا الله عز وجل قال:
﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾
[سورة فصلت الآية: 34]
ماذا تبين لنا هذه الآية؟ :
يوجد توجيهات كثيرة جداً, تبين أنه عليك أن تحسن:
﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا﴾
[ سورة المائدة الآية: 8]
﴿فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ﴾
[سورة التوبة الآية: 7]
﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ﴾
[ سورة الممتحنة الآية: 8]
ممكن أن تتعايش مع غير المسلمين، يمكن أن تزورهم، وأن تهنئهم بمولود، وأن تساعدهم، وأن تبين لهم عظمة أخلاق المؤمن، ورحابة صدره وتسامحه، أما أن يختلط في ذهنك أخلاق الدعوة مع أخلاق الجهاد, فهذه الطامة الكبرى .
هناك أخلاق للدعوة, وهناك أخلاق للجهاد، أخلاق الجهاد شيء آخر:
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾
[سورة التوبة الآية: 73]
هذه أخلاق الجهاد، هذه أخلاق الحرب، أما في الحياة المدنية: فيما بينك وبين من حولك من الناس, لا أقول من المؤمنين، قال تعالى:
﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾
[سورة فصلت الآية: 34]
﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾
[ سورة فصلت الآية: 35]
والحمد لله رب العالمين

وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَىَ وأَعْلَمُ


 

رد مع اقتباس
قديم 30-03-2018, 05:35 PM   #9


تيماء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7482
 تاريخ التسجيل :  27 - 10 - 2016
 أخر زيارة : 02-01-2023 (09:51 PM)
 المشاركات : 106,303 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Lebanon
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Floralwhite
شكراً: 445
تم شكره 511 مرة في 344 مشاركة
افتراضي



العقيدة من مفهوم القران والسنة - الدرس ( 8) : كلمة التوحيد


اعلم أن الاعتقاد بلا إله إلا الله وأن محمد رسول الله تحقيقاً لا تقليداً :
أيها الأخوة الكرام, مع درس من دروس العقيدة، وصلنا إلى بعض معاني لا إله إلا الله, إنها كلمة التوحيد الأولى, الإسلام كله في هاتين الكلمتين: لا إله إلا الله محمد رسول الله، لا إله إلا الله يعني لا معبود بحق إلا الله, ولكن أدق شيء يقال في هذه المناسبة: أن الاعتقاد بمضمون لا إله إلا الله تقليداً, لا يقبل أن تعتقد بمضمون لا إله إلا الله تقليداً, هذا لا يقبل منك أبداً, لا بد من أن تعتقد بمضمون لا إله إلا الله تحقيقاً، وفرق كبير بين التقليد والتحقيق, ذلك لأن الله عز وجل يقول:
﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾
[سورة محمد الآية: 19]

ما الذي ينجم عنه ضعف التوحيد؟ :
ما من مشكلة, ما من تقصير, ما من قلق, ما من خوف, ما من استغباء, ما من نفاق, ما من قلق, إلا بسبب ضعف بالتوحيد, ويمكن أن يعزى إلى الضعف بالتوحيد مئات بل عشرات المئات من أمراض المسلمين, حينما لا ترى مع الله يداً أخرى تعمل, حينما لا ترى إلا الله, وحينما ترى أن الأمر كله بيد الله, وحينما ترى أنه لا رافع إلا الله, ولا خافض إلا الله, ولا معز إلا الله, ولا مذل إلا الله, ولا معطي إلا الله, ولا مانع إلا الله, تتجه إلى الله, أما حينما ترى أن مع الله آلهة أخرى, ليس شرطاً أن تسميهم آلهة, يمكن أن تقول: أن هؤلاء بشر, لكنك تعتقد اعتقاداً جازماً, أنهم يملكون أن ينفعوك أو أن يضروك, فإذا ظننا أنهم يملكون أن ينفعوك أو أن يضروك, توجهت إليهم, من هنا يقول الله عز وجل:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾
[ سورة النساء الآية: 48]
لمجرد أن تشرك بالله عز وجل, فقد قطعت عنك الطريق إلى الله عز وجل .
ماذا قال النبي عليه الصلاة والسلام عن هذه الآية: -ولم يلبسوا إيمانهم بظلم- حينما سئل عنها؟

حينما قال الله عز وجل:
﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾
[سورة الأنعام الآية: 82]
قلنا: يا رسول الله! أينا لا يظلم نفسه؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ليس كما تقولون, لم يلبسوا إيمانهم بظلم, أي بشرك .
وظلم النفس حينما تشرك، أشد أنواع الظلم قاطبةً هو ظلم النفس, أي أنت حينما تعلق الأمل على مخلوق ضعيف, لو أنك علقت الأمل على خالق الأكوان, لارتقيت إلى أعلى عليين, لنت سعادة الدارين, لكنت في المقدمة, أما حينما ربطت نفسك بمخلوق, وهو ضعيف, وقد يكون لئيماً, وقد يكون ضعيفاً, فأنت بهذه الحالة انتهيت .

دقق في هذه الكلمة :
أيها الأخوة الكرام, دققوا في هذه الكلمة: لا يليق بك أيها الإنسان, أن تكون لغير الله, ولمجرد أن تكون لغير الله, فإنك تحتقر نفسك .
ذكرت لكم مرةً: أن عالماً جليلاً, التقيت به في مصر مرتين, فسافر إلى بريطانيا لإجراء عملية جراحية, فانهالت الرسائل والاتصالات بشكل غير معقول, من شتى بقاع العالم الإسلامي, فالإذاعة هناك أجرت معه حواراً من هذه الأسئلة التي طرحت عليه, ما هذه المكانة التي حباك الله بها؟ فأجاب إجابةً رائعة, قال: لأنني محسوب على الله .
أنت كمؤمن يجب أن تكون محسوباً على الله فقط, أما أن تكون محسوباً على جهة أرضية, هذا يعني أنك تحتقر نفسك, أنت لله .
ببعض الآثار ورد: عبدي, خلقت لك ما في الكون من أجلك فلا تلعب, وخلقتك من أجلي فلا تلعب, فبحقي عليك, لا تتشاغل بما ضمنته لك عما افترضته عليك .
النبات للحيوان والحيوان للإنسان والإنسان؟ لله، هناك من يعيش ليأكل, هناك من يأكل ليعيش, وهناك من يعيش لله عز وجل.

ما معنى ظلم النفس هنا في هذه الآية؟ :
شيء آخر: يقول الله عز وجل:
﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾
[ سورة فاطر الآية: 32]
ظالم لنفسه؛ أي واقع بالشرك، الإنسان حينما يشرك يتجه إلى لا شيء, وأنا مرة قربت هذا المعنى لأخواننا:
لو فرضنا إنسان مسافر في حلب, وسوف يقبض مليون ليرة, الساعة الثانية عشرة, وركب قطار حلب, قد يرتكب أخطاء كثيرة, قد يجلس في عربة من الدرجة السادسة, وبطاقته من الدرجة الأولى, أخطأ, وقد يجلس مع شباب أزعجوه طوال الرحلة, وهذا خطأ ثاني, وقد يتلوى من الجوع, ولا يعلم أن في القطار مركبة مطعم, هذا خطأ ثالث, وقد يجلس بعكس اتجاه القطار, فيصاب بالدوار, وهذا خطأ خامس, لكن مع كل هذه الأخطاء, القطار سوف يصل إلى حلب في الوقت المحدد, وسوف يقبض المبلغ, أخطاء تغتفر, لأن القطار في اتجاه حلب, والمبلغ جاهز هناك، أما في خطأ لا يغتفر, أن تركب قطار درعا, لا شيء بهذا الاتجاه, لا يوجد شيء إطلاقاً .
الإنسان حينما يتجه إلى الله في كل شيء, إذا اتجه إلى غير الله لا يوجد شيء، لو جئتني بملء السموات والأرض خطايا غفرتها لك ولا أبالي, أما إذا اتجهت إلى غير الله :
﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ﴾
[ سورة إبراهيم الآية: 22]

ما حق الله على عباده؟ :
الحديث الذي أكثر من تلاوته عليكم في الصحيحين: عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
((كنت ردف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا مؤخِرَة الرَّحْلِ, قَالَ: يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ, قُلْتُ: لَبَّيْكَ يا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ, ثُمَّ سَارَ سَاعَةً, ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ بن جبل, قُلْتُ: لَبَّيْكَ يا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ, ثُمَّ سَارَ سَاعَةً, ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ بن جبل, قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ, قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ, قَالَ: حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ: أَنْ يَعْبُدُوهُ, وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا, ثُمَّ سَارَ سَاعَةً, ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ, قُلْتُ: لَبَّيْكَ يا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ, قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ ذلك؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ, قَالَ: حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ))
[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, والترمذي في سننه]

متى يحقق العبد الهدف الذي خلق من أجله؟ :
هل تستطيع أن تأتيني بآية تضغط الأديان السماوية كلها, أو تضغط الشرائع السماوية كلها؟ قال تعالى:
﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾
[سورة المؤمنون الآية: 32]
العقيدة: لا إله إلا الله, السلوك العبادة, لذلك قالوا: نهاية العلم التوحيد, ونهاية العمل التقوى، فإذا وحدته وعبدته, حققت الهدف الذي خلقت من أجله .

نقطة إليك توضيحها :
في نقطة أتمنى من الله أن يمكنني من أن أوضحها لك. قال: المطيع يستحق الجزاء, لكن هذا الاستحقاق استحقاق إنعام وفضل, وليس استحقاق مقابلة, كما يستحق المخلوق على المخلوق, طبعاً: هذا المعنى مأخوذ من قول النبي عليه الصلاة والسلام:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ, حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ, حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ, عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ, عَنْ عَائِشَةَ, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا, فَإِنَّهُ لَا يُدْخِلُ أَحَدًا الْجَنَّةَ عَمَلُهُ, قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلَا أَنَا, إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِمَغْفِرَةٍ وَرَحْمَةٍ, قَالَ: أَظُنُّهُ عَنْ أَبِي النَّضْرِ, عَنْ أَبِي سَلَمَةَ, عَنْ عَائِشَةَ, وَقَالَ عَفَّانُ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ, عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ, قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ, عَنْ عَائِشَةَ, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَدِّدُوا وَأَبْشِرُوا, قَالَ: مُجَاهِدٌ قَوْلًا سَدِيدًا وَسَدَادًا صِدْقًا))

ما شرح هذا الحديث الذي سبق ذكره: (قال: سددوا وقاربوا ......)؟ :
الحديث يحتاج إلى شرح, لكن أوضح شرح: أب وعد ابنه, أنه إذا نجح بتفوق, سيشتري له دراجة غالية جداً, فالابن نجح بتفوق, فلما أخذ الجلاء, ذهب مباشرةً إلى بائع الدراجات, قال له: أريد هذه الدراجة, وهذا الجلاء, هل يأخذ الدراجة؟ لا بد من دفع الثمن, هو حقق السبب, أما ما دفع الثمن .
مثل آخر: بيت بأرقى أحياء دمشق, ثمنه ثمانون مليون, سبب دخوله مفتاح, ثمنه خمس عشرة ليرة, تدخل إلى هذا البيت بخمس عشرة ليرة, لكن ثمنه ثمانين مليون .
فكل أعمالك في الدنيا, وكل طاعتك في الدنيا, وكل إقبالك على الله في الدنيا, وكل ذلك في الدنيا, يساوي سبب دخول الجنة, ولكن الثمن, لا يمكن أن يدفعه أحد, لذلك قالوا: الجنة محض فضل, والنار محض عدل، النار بالعدل أما الجنة بالفضل .
أنت تدفع ثمن دخول الجنة؛ استقامتك, وعبادتك, وطاعتك, وإنفاقك, وبذلك لسنوات معدودة, الجنة إلى أبد الآبدين, وكلمة أبد من الصعب أن تتصورها, من الصعب أي شيء سأدلي به الآن محدود, واحد بالأرض أصفار إلى الشمس, كل ميليمتر صفر, ما هذا الرقم؟ مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر, كل ميلي صفر, هذا الرقم ضعه صورة مخرجه, لا نهاية, قيمته صفر، أي رقم نسب إلى اللا نهاية فقيمته صفر, إذا كان الأبد لا نهاية, لو الإنسان عاش مليار سنة، يقول لك: ما شاء الله تسعة وسبعين, لو عاش مليار سنة عمره صفر، العمر صفر لا شيء بعده .

ما أجمع عليه أهل العلم :
أيها الأخوة الكرام, مرة ثانية لا يكفي أن تتلفظ بالشهادتين, لا بد أن تعلم بمضمون الشهادتين .
أيها الأخوة الكرام, أجمع أهل العلم على أن: النطق بكلمة التوحيد من غير معرفة بمعناها, ولا يقين, ولا عمل بمقتضاها من البراءة من الشرك, وإخلاص القول, والعمل قول القلب واللسان, وعمل القلب والجوارح, فغير نافع بالإجماع .

ما معنى إله؟ :
الدين يكاد يفرغ من مضمونه؛ قوالب, حركات, سكنات, عادات, تقاليد, الدين مضمون عميق جداً: لا إله إلا الله .
ما معنى إله؟ يقول بعض العلماء: الإله: هو الذي تألهه القلوب محبةً, وإجلالاً, وإنابةً, وإكراماً, وتعظيماً, وذلاً, وخضوعاً, وخوفاً, ورجاءً, وتوكلاً, هل في الأرض جهة يمكن أن تألهها القلوب, أن تحبها محبةً, وإجلالاً, وإنابةً, وإكراماً, وتعظيماً, وذلاً, وخضوعاً, وخوفاً, ورجاءً, وتوكلاً؟.
عند بعض العلماء الإله: هو الذي يطاع, فلا يعصى هيبةً, محبةً, وإجلالاً, وإنابةً, وإكراماً, وتعظيماً, وذلاً, وخضوعاً, وخوفاً, ورجاءً, وتوكلاً, وسؤالاً, ودعاءً, ولا يصلح هذا كله إلا لله .
مثلاً: في بلدنا الطيب, يجب أن تعبد جهةً تنزل الأمطار، هل في بكل أطراف الدنيا جهة بإمكانها أن تغدق على الناس الأمطار إلا الله؟ إذاً: ينبغي أن تعبد الله، يجب أن تعبد جهةً تستطيع, أو من قدرتها أن تشفي المرض العضال, هل في الأرض كلها جهة يمكن أن تشفي مرضاً عضالاً إلا الله؟ :
﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾
[ سورة الشعراء الآية: 80]
يجب أن تعبد من بيده كل شيء, من بيده حياتك, من بيده مماتك, من بيده نفعك, من بيده ضرك, من بيده قلوب الخلق, من إليه المصير .
إذاً: من أدق تعريف لا إله إلا الله: لا معبود بحق إلا الله، ليس في الكون جهة تستحق أن تعبد إلا الله.

ما مطلب هذا المثال؟ :
بالمثل البسيط: لازم تأخذ تأشيرة إلى بلد معين, فقال لك: الموظف هذه التأشيرة بالذات, لا يمكن أن تمنح إلا من قبل المدير العام, وهذه الدائرة فيها أربعة طوابق, بكل طابق في خمسة وعشرين موظف، ما دام أيقنت أن صلاحية منح هذه التأشيرة بيد إنسان واحد في هذا البناء, فهل تبذل ماء وجهك لغير هذا الإنسان؟ هل تقف على باب أحد من هؤلاء الموظفين متسكعاً ساعات طويلة؟ معنى هذا أنك أحمق، هذا الطلب بيد المدير العام, لذلك تتجه إليه, أنت حينما تعلم أمر رزقك, أمر زواجك, أمر صحتك بيد الله عز وجل, أمر مكانتك, أمر إسعادك, أمر تلبية حاجاتك, أمر حل مشكلاتك بيد الله عز وجل, هي بيد الله عز وجل .
لو تحققنا من التوحيد, لو أنك تعيش في أسوأ بلد في العالم, ترى من التوفيق ما لا تصدق, ومن لم يتحقق بمعنى التوحيد, قد يذهب إلى أرقى بلد في العالم, وتكون مصيبته هناك.

تعريف آخر لكلمة الإله :
تعريف ثالث: قال: الإله هو المعبود المطاع, فإن الإله هو المألوه، والمألوه هو الذي يستحق أن يعبد, وكونه يستحق أن يعبد, هو بما اتصف به من الصفات التي تستلزم أن يكون هو المحبوب غاية الحب, المخضوع له غاية الخضوع .
يعني العبادة غاية الحب, وغاية الخضوع, يعني أعلى درجة من الطاعة مع أعلى درجة من المحبة, لكنك في حياتك اليومية, قد تطيع جهةً ولا تحبها .
يقول لك: ابن حرام, لكنك تطيعه, تخاف منه, وقد تحب جهةً ولا تطيعها، إنسان له والدة يحبها, لكن هو مثقف ثقافة عالية جداً, شعر باختلال بصحته, قالت له: خذ طاسة الرعبة مثلاً, لا يرد عليها, هذا تقليد قديم فرضاً .
فقد تحب ولا تطيق, وقد تطيع ولا تحب, لكنك مع الله, ينبغي أن تطيعه وتحبه, لذلك في بحياتك شخص, تحترمه كثيراً ولا تحبه, قد يكون مدرس بالجامعة, شديد جداً في الامتحانات, ولئيم أحياناً, لكن فهمان باختصاصه, ما في أعلى منه, أو أيام طبيب لا يتكلم معه, لكنه أفضل طبيب, تحترمه ولا تحبه, وقد تحب جهةً ولا تحترمها, لكن الله وحده بقدر ما تعظمه, بقدر ما تحبه, وهذا معنى قوله تعالى:
﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾
[ سورة الرحمن الآية: 78]

المطلوب منك أيها الداعي إلى الله :
فيا أيها الأخوة, من دعا إلى الله, يجب أن تجمع في دعوتك بين الحب وبين الخوف, لا أن تجعل كل كلامك ينصب على الوعيد والتهديد, وألوان العذاب والثعبان الأقرع هذا، اجمع بين الرجاء والخوف, يجب أن تخوف, ويجب أن تطمع أحياناً برحمة الله .
التعريف الجامع الشامل للإله :
الإله: هو المحبوب المعبود, الذي تأله القلوب بحبها, وتخضع له, وتذل له, وتخافه, وترجوه, وتنيب إليه في شدائدها, وتدعوه في مهماتها, وتتوكل عليه في مصالحها, وتلجأ إليه, وتطمئن بذكره, وتسكن إلى حبه, وليس ذلك إلا الله .
مثلاً: إنسان قال لك: يجب أن تطيعني, تقول له: نعم, هل تستطيع أن تدفع عني الموت؟ يقول لك: لا، هل تستطيع أن ترزقني؟ لا, هل تستطيع أن تحفظني؟ لا .

قصة وردت عن أحد العارفين بالله :
في بعض القصص: أحد العارفين بالله, جاءه شاب يطلب منه أن يسمح له بالمعصية, قال له: خمسة أشياء إن فعلتها لا تضرك معصية, قال: ما هي؟ قال: إن أردت أن تعصيه فلا تسكن بلاده, قال: وأين أسكن إذاً؟ قال: تسكن أرضه وتعصيه؟ ألا تستحي تسكن أرضه وتعصيه؟ قال: هات الثانية, قال له: إذا أردت أن تعصيه, فلا تأكل من رزقه, قال: وماذا آكل إذاً؟ قال: تسكن أرضه, وتأكل رزقه, وتعصيه؟ قال: هات الثالثة, قال: إن أردت أن تعصيه فاعصه في مكان لا يراك فيه, كيف لا يراني؟ قال: تسكن أرضه, وتأكل رزقه, وتعصيه, وهو يراك؟ قال: هات الرابعة, قال: إذا أردت أن تعصيه, وجاءك ملك الموت, فلا تذهب معه, لا ترد عليه, قال: لا أستطيع, قال: تسكن أرضه, وتأكل رزقه, وتعصيه, وهو يعلم, ولا تستطيع أن تدفع عنك ملك الموت؟ قال: هات الخامسة, قال: إذا أردت أن تعصيه, ومت, ثم حشرت يوم القيامة, فلا تدخل إلى النار, قال: تسكن أرضه, وتأكل رزقه, وتعصيه, وهو يعلم, ولا تستطيع أن تدفع عنك ملك الموت, ولا عذاب الزبانية؟ قال له: كفاني ذلك .

اسمع هذا القول :
أيها الأخوة الكرام, يقول بعض العلماء: الأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها, وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب .
إنسان ماشي في الطريق, وجد ألف ليرة, وفي مصور انحنى, وأخذ الألف, ووضعها في جيبه, صورناه, وفي نيته أن يبحث عن صاحبها، إنسان آخر وجد ألف ليرة, وفي مصور انحنى, وأمسك بالألف, ووضعها في جيبه, وفي نيته أن يأخذها، لو عرضت الصورتين, الصورتان متطابقتان تطابقاً تاماً, إنسان عمل طاعة, والثاني اجترح معصية, التفاضل أين؟ في النية, إنما الأعمال بالنيات .
ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد :
أيها الأخوة الكرام, لا أرتوي من هذه المقولة: ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد, في تعبير دارج لهذه الكلمة يقول: ما في إلا الله .
في قوى مخيفة, في أناس شريرين, في أمراض عضال, في فقر مدقع, في سجن مدمر, في تعذيب لا يحتمل, في ظلام, في قصف, في ألغام, في صواريخ, وفي اجتياح, وفي إذلال, لكن ما في إلا الله, إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ هذا التوحيد أن لا ترى مع الله أحداً, لذلك يقول بعضهم: إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوب .

الدعاء صلاة :
في حديث قصير جداً كلمتين بل أدائين: اللهم أنا بك وإليك .
أنا قائم بك، في أحيانا أدعية جامعة مانعة: اللهم ارزقني طيباً واستعملني صالحاً, اللهم اهدني واهد بي، اجعلني هادياً مهدياً, اللهم ارزقني طيباً واستعملني صالحاً, اللهم أقل عثرتي, واغفر زلتي, وآمن روعتي, وفرج كربتي .
الدعاء صلاة يا أخوان, قبل أن تدخل على مكان: اللهم إني تبرأت من حولي وقوتي, والتجأت إلى حولك وقوتك يا ذا القوة المتين .

خلاصة القول :
أيها الأخوة الكرام, أرجو الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بمضمون التوحيد, ونحن في أمس الحاجة إلى حقائق عن التوحيد, لكن فرق كبير بين أن تدرك الحقيقة وبين أن تعيشها، إدراك معاني التوحيد سهل جداً, كل إنسان الله آتاه إدراك سليم يدركها, لكن على المحك العملي, لا ينجو من الألف عدد قليل .
مثلاً: قد يأتيك ضغط لا يحتمل أن تعصي الله, فالموحد يقول: أحد أحد كسيدنا بلال, قد يأتيك تهديد بالقتل إن لم تعص الله, في التوحيد لا تأخذه بالله لومة لائم, وقد يأتيك إغراء شديد, بالتوحيد أيضاً هذا الإغراء لا يؤثر بالمسير إلى الله عز وجل .
والحمد لله رب العالمين
وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَىَ وأَعْلَمُ



 

رد مع اقتباس
قديم 30-03-2018, 05:38 PM   #10


تيماء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7482
 تاريخ التسجيل :  27 - 10 - 2016
 أخر زيارة : 02-01-2023 (09:51 PM)
 المشاركات : 106,303 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Lebanon
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Floralwhite
شكراً: 445
تم شكره 511 مرة في 344 مشاركة
افتراضي



تحية من عند الله طيبة مباركة
العقيدة من مفهوم القران والسنة - الدرس ( 9) : آداب وأركان شهادة أن محمد رسول الله



ما محورا هذا الدين؟ :
أيها الأخوة الكرام, مع درس من دروس العقيدة, وننتقل اليوم إلى شهادة: أن محمداً رسول الله.
أيها الأخوة الكرام, يمكن أن يكون الدين كله في محورين: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، شهادة ألا إله إلا الله كلمة التوحيد، وأن محمداً رسول الله, كلمة المنهج الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام، مراد الله يتضح من سنة النبي عليه الصلاة والسلام؛ أي:
﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾
[سورة آل عمران الآية: 31]

ما مرتكزات شهادة أن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ :
هذه الكلمة, كلمة شهادة أن محمداً رسول الله, أولاً فيها مرتكزات ثلاثة؛ المرتكز الأول: الأدب الذي ينبغي أن نكون عليه مع رسول الله، والمرتكز الثاني: مقتضيات هذه الكلمة، والمرتكز الثالث: مبطلات هذه الكلمة، الآداب والمقتضيات والمبطلات.

من الآداب التي بينها القرآن الكريم مع رسول الله صلى الله عليه و سلم :
1-الاستئذان :
فالله عز وجل حينما قال:
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾
[ سورة النور الآية: 62]
وإذا كانوا معه على أمر جامع, لم يذهبوا حتى يستأذنوه:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
[ سورة النور الآية: 62]
أي أنت عضو في جماعة، أنت ضمن أسرة، ينبغي أن تتحرك بتنسيق مع رب الأسرة، هل يعقل أن يسافر ابن إلى مكان بعيد دون أن يستأذن أباه؟ مستحيل، ومجتمع المؤمنين مجتمع أسرة:
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾
[سورة الحجرات الآية: 10]
وعلى رأس هذا المجتمع سيد الخلق وحبيب الحق، فإذا كنت في مجتمع مسلم, ينبغي أن يكون هناك تنسيق بينك وبين بقية أخوتك، وأن يكون هناك استئذان بينك وبين من تتلقى العلم منه.

عتاب رقيق بين أخوين مؤمنين :
مرة لي درس في جامع آخر, فإمام المسجد إنسان أحبه وأقدره, لكن لاحظت أنه غاب عن الإمامة عدة أسابيع، من عادته أنه إذا غاب, في الأعم الأغلب يكون في العمرة, فلما عاد إلى الإمامة, وسلمت عليه, عاتبني, قال: أنا مريض لم تزرن؟ قلت له: غبت مرات عديدة و كنت في العمرة، أنا حينما غبت هذه المرة, غلب على ظني أنك في العمرة، ولو أنك طبقت سنة رسول الله, وأعلمتني قبل أن تذهب إلى العمرة, ثم عدت, فهنأتك, هذا الوضع الطبيعي, أما أنت حينما لم تعلمن في العمرات السابقات, غيابك هذه المرة ظننته في عمرة، إذاً: هناك خلل في العلاقة بيننا حتى على مستوى جامع، على مستوى جماعة, يوجد شيء اسمه استئذان ، إعلام، تنسيق، نوع من العلاقة الطيبة مع أخوانك الكرام.

علام تحضنا هذه الآية؟ :
فهو سيد الخلق لا ينبغي أن تذهب دون أن تستأذنه:
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
[سورة النور الآية: 62]
إذاً: من الأدب الذي بينه القرآن الكريم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن تستأذنه إذا سافرت.

2-الأدب مع رسول الله عليه الصلاة والسلام :
يوجد أدب آخر، يقول الله عز وجل:
﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً﴾
[سورة النور الآية: 63]
النبي عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن يكون دعاءه مناداته مخاطبته كما تخاطب أخاً لك, أو كما تخاطب صديقاً لك.
من أدق التفاسير حول هذه الآية: أن ابن عباس رضي الله عنه قال: كانوا يقولون: يا محمد, يا أبا القاسم, فنهاهم الله عز وجل عن ذلك إعظاماً لنبيه صلى الله عليه وسلم، قال: فقولوا: يا نبي الله، يا رسول الله.

هذا الذي حصل في هذا المجلس :
أحد طلاب العلم جلس في مجلس علم, ولم يكن كما ينبغي, فقال له الشيخ: يا بني نحن إلى أدبك أحوج منا إلى علمك، والحياة كلها أدب.
بل إن النبي عليه الصلاة والسلام, حينما دهش أصحابه من أدبه الرفيع, سألوه مرة: يا رسول الله, ما هذا الأدب؟ فقال: أدبني ربي فأحسن تأديبي.

الأدب هو عنوان الإيمان :
لا تعرف قيمة الأدب عند المؤمن إلا إذا صاحبت غير المؤمن، مزاحه رخيص، ألفاظه فاحشة، طرفه جنسية، تستحي أن تستمع إليه، المؤمن يضبط لسانه، كلامه لطيف، رقيق الشعور، يعتذر، يستحيي، فالأدب هو عنوان الإيمان، لذلك قال بعض العلماء: الإيمان هو الخلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان.

إليكم هذه الآية التي تؤكد معنى الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم :
﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً﴾
[سورة النور الآية: 63]
كما قلت قبل قليل: لا تقولوا: يا محمد، يا أبا القاسم، يا بن عبد الله، ولكن قولوا: يا رسول الله، يا نبي الله، هذا هو الأدب.

يوجد آية ثانية تؤكد هذا المعنى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾
[سورة الحجرات الآية: 1-4]
أي عنوان إيمانك الأدب الرفيع الذي تتحلى به.

انظر هنا :
سيدنا حمزة سئل مرة: أيكما أكبر أنت أم رسول الله؟ قال: هو أكبر مني وأنا ولدت قبله، سيدنا يوسف قال:
﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ﴾
[سورة يوسف الآية: 100]
أيهما أخطر بربكم: النجاة من السجن أم النجاة من الجب؟ الجب موت محقق, لكن لم يذكر الجب, لئلا يذكر أخوته بعملهم، قال:
﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ﴾
[سورة يوسف الآية: 100]

من أخلاق المؤمن :
تلاحظ من أخيك المؤمن أدب رفيع جداً، هذا الأدب الرفيع هو ثمرة من ثمار الإيمان، كان عليه الصلاة والسلام لا يواجه الناس بما يكرهونه.
من أخلاق المؤمن أنه لا يحمر الوجوه، أحياناً تضيق على إنسان حتى تحرجه, وحتى تلجئه إلى أن يكذب، لا تحمر وجه أخيك، رد الطرف عن زلته، اقبل منه عذره, ولو لم يكن صادقاً، التمس لأخيك عذراً ولو سبعين مرة، من جاءه أخوه متنصلاً فليقبل منه محقاً كان أو مبطلاً، فالأدب مع رسول الله, هذه آيات كريمة تحدده, وتبينه, وتحدد معالمه، والأدب مع أخوانك المؤمنين أيضاً هذا ينبغي أن يكون.

بماذا تحذرنا هذه الآية؟ :
يوجد معنى آخر في قوله تعالى:
﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً﴾
[ سورة النور الآية: 63]
يقول الحسن البصري: أي لا تعتقدوا أن دعاءه على غيره كدعاء غيره، فإن دعاءه مستجاب، فاحذروا أن يدعوا عليكم فتهلكوا, ثم يقول الله عز وجل:
﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾
[سورة النور الآية: 63]

من علامة محبة الله
اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أخواننا الكرام, علامة محبة الله اتباع سنة رسول الله, بدليل أن الله عز وجل يقول:
﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾
[سورة آل عمران الآية: 31]

ما مراد النبي عليه الصلاة والسلام هنا في هذا الحديث؟ :
من الأحاديث الشريفة الصحيحة: أن النبي عليه الصلاة و السلام فيما رواه سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه, قال عليه الصلاة والسلام:
((إني ممسك بحجزكم عن النار, هلم عن النار وتغلبونني, تقاحمون فيه تقاحم الفراش, فأوشك أن أرسل بحجزكم, وأنا فرطكم على الحوض, فتردون علي معاً وأشتاتاً, فأعرفكم بسيماكم وأسمائكم, كما يعرف الرجل الغريبة من الإبل في إبله, ويذهب بكم ذات الشمال, وأناشد فيكم رب العالمين, فأقول: أي ربي أمتي, فيقول: يا محمد إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك, إنهم كانوا يمشون بعدك القهقرة على أعقابهم, فلا أعرفن أحدكم يوم القيامة, يحمل شاةً لها ثغاء, فينادي: يا محمد يا محمد, فأقول: لا أملك لك شيئاً قد بلغتك, فلا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة, يحمل بعيراً له رغاء, فينادي: يا محمد يا محمد, فأقول: لا أملك لك شيئاً قد بلغتك, فلا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة, يحمل فرساً له حمحمة, ينادي: يا محمد يا محمد, فأقول: لا أملك لك شيئاً قد بلغتك, فلا أعرف أحدكم يوم القيامة, يحمل سقاءاً من أدم, ينادي: يا محمد يا محمد, فأقول: لا أملك لك شيئاً قد بلغتك))
[أخرجه البزار في مسنده]
هذا الحديث الطويل: أراد النبي عليه الصلاة والسلام أنك لا تستطيع أن ترد حوض النبي يوم القيامة إلا إذا كنت مستقيماً في الدنيا، فإذا اغتصبت شاة, أو اغتصبت ناقة, أو اغتصبت سقاء من أدم من جلد, وجئت النبي عليه الصلاة والسلام, وقلت: يا محمد يا محمد, يقول لك: قد بلغتك، وقد سأل النبي ربه أن ينجي أمته فيقول: يا محمد لا تدري ماذا أحدثوا بعدك؟.
لذلك الحديث الفيصل في هذا الموضوع: يا فاطمة بنت محمد، يا عباس عم رسول الله، أنقذا نفسيكما من النار، أنا لا أغني عنكما من الله شيئاً، لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم، من يبطئ به عمله لم يسرع به نسبه.

ما أدب المؤمن مع النبي بعد مماته؟ :
أيها الأخوة, علامة تقديرك لرسول الله أدبك معه، إذاً بعد موته صلى الله عليه و سلم؟ أدبك مع سنته، من ألطف ما قرأت حول قوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾
[سورة الحجرات الآية: 1]

أي يوجد آية واضحة لا تقدم أشياء أخرى تخالف هذه الآية، لا تقدم مقترحات تناقض سنة النبي، لا تبدي آراء تعاكس ما جاء به الوحيان الكتاب والسنة:
﴿لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾
[سورة الحجرات الآية: 1]
بجلسة أحياناً تتكلم عن شيء من سنة النبي, يقول لك أحدهم: هذه غير معقولة، ماذا فعل؟ قدم بين يدي الله ورسوله، قدم كلاماًَ مناقضاً لفعل النبي، قدم كلاماً مناقضاً لسيرة النبي ، فأنت أدبك في حياته كما فعل أصحاب رسول الله، وأدبك بعد مماته أن تعظم سنة النبي عليه الصلاة والسلام.

متى يأمن العبد عذاب الله؟ :
قال الله تعالى:
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾
[سورة الأنفال الآية: 33]
ما دامت سنتك مطبقة في حياتهم, فهم في بحبوحة من عذاب الله، أي الإنسان إما أنه مطبق أو أنه مستغفر، في كلا الحالين هو في بحبوحة, وفي مأمن من عذاب الله، علامة أن الله سبحانه وتعالى يعطيك أماناً أنك في طاعته، أو أنك أخطأت لكنك تستغفر، فالأدب مع رسول الله في حياته واجب كل مؤمن، والأدب مع سنة النبي صلى الله عليه و سلم بعد مماته واجب كل مؤمن.

قول رائع :
أجمل ما قاله بعض الصحابة الكرام, أظنه سيدنا سعد بن أبي وقاص قال: ثلاثة أنا فيهن رجل وفيما سوى ذلك فأنا واحد من الناس، من هذه الثلاثة: ما سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حق من الله تعالى.
أتمنى لو أن كل مؤمن, قرأ أحاديث رسول الله, واعتقد أنها هي الحق, وأن مخالفتها يورث الهلاك, لكنا في حال غير هذا الحال.
أي النبي عليه الصلاة والسلام في بعض أحاديثه الجامعة المانعة الموجزة يقول: لا يخافن العبد إلا ذنبه ولا يرجون إلا ربه.
شيء واحد ينبغي أن تخاف منه أن تقع في ذنب, وإذا وقعت في مشكلة لا بد من جهة واحدة هي التي يمكن أن تنقذك منها, إنها الله عز وجل, هذه الجهة الوحيدة في الكون التي تنقذك مما أنت فيه, الله جل جلاله، لا يخافن العبد إلا ذنبه, ولا يرجون إلا ربه.

علام ترتكز شهادة لا إله إلا الله؟ :
أيها الأخوة, ركيزة شهادة أن لا إله إلا الله: أن تكون متأدب مع رسول الله, في حياته, وبعد مماته, في حياته مع شخصه, ومع توجيهاته, وبعد مماته مع سنته المطهرة, أن تعتقد أن النبي عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى, إن هو إلا وحي يوحى, كلامه صلى الله عليه س من ثقافته, ولا من خبرته, ولا من بيئته, ولا من كلامه, فقط من وحي السماء, لذلك لا ينطق عن الهوى, إن هو إلا وحي يوحى.

من مقتضيات شهادة أن محمد رسول الله :
1-أن تصدقه بأنه نبي يتلقى الوحي من الله :
الآن: شهادة أن محمد رسول الله ما مقتضياتها أو ما أركانها؟.
أول مقتضى لهذه الشهادة: أن تصدق النبي عليه الصلاة والسلام, الإيمان تصديق والكفر تكذيب, أن توقن حقاً أن هذا الإنسان ليس عبقرياً, ولا مصلحاً اجتماعياً, ولا شخصيةً فذةً, إنما هو رسول الله, هذا الإنسان هو رسول الله, لكن قد تلتقي مع أناس كثيرين, يطرحون عليك أنه عبقري, أنه مصلح اجتماعي, أنه استطاع أن يلم شمل الأمة, هذا كلام كله غير صحيح, إنه رسول الله يوحى إليه.
فأول مقتضى من مقتضيات الإيمان برسول الله: أن تصدق أنه رسول الله حقاً, يخبر عن الله عز وجل, ويوحى إليه بشرع ناسخ للشرائع السماوية السابقة.
هناك أشخاص كثيرون من أديان أخرى, يقدسون النبي عليه الصلاة والسلام ويعظمونه, ويتحدثون عن عبقريته, وعن إصلاحه للأمة, وعن جمعه لشمل الأمة, وعن ..., القضية الفيصل بينك وبينه, هل تعتقد أنه رسول يوحى إليه؟ أما التعظيم سهل.
فأول مقتضى من مقتضيات الإيمان برسول الله: أن تصدقه أنه رسول يتلقى الوحي من الله عز وجل, هكذا يجب أن تعتقد, أن هذا الإنسان هو رسول:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيداً﴾
[سورة النساء الآية: 136]

هذا اعتقاد المؤمن :
النبي باعتقاد المؤمن هو رسول الله، في الصحيحين: عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ:
((كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ, يُقْعِدُنِي عَلَى سَرِيرِهِ, فَقَالَ لِي: إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ الْوَفْدُ؟ قَالُوا: رَبِيعَةُ, قَالَ: مَرْحَبًا بِالْوَفْدِ أَوْ الْقَوْمِ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا نَدَامَى, قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارَ مُضَرَ, فَمُرْنَا بِأَمْرٍ نَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ, وَنُخْبِرُ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا, فَسَأَلُوا عَنْ الْأَشْرِبَةِ, فَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ, وَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ, أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ, قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ, قَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ, وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ, وَإِقَامُ الصَّلَاةِ, وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ, وَأَظُنُّ فِيهِ صِيَامُ رَمَضَانَ, وَتُؤْتُوا مِنْ الْمَغَانِمِ الْخُمُسَ .....))
أي بالإيمان لا يوجد حل وسط، التصديق حدي، هل أنت مصدق مئة بالمئة أن هذا الإنسان رسول الله, وأنه يوحى إليه, وأن كل أقواله, وأفعاله, وإقراره حق من الله تعالى؟ فانتهى الاعتراض, وانتهت المناقشة, وانتهى النقد.

2-الاتباع :
أيها الأخوة الأكارم, هل يكفي أن نؤمن أنه رسول الله, وأنه يوحى إليه, وأن ما جاء به من عند الله وحده, وأن كلامه, وإقراره, وفعله, وصفته تشريع, ينبغي أن نأخذ به؟ الجواب: نعم ولا، نعم ينبغي أن نؤمن بهذا، ولا لا يكفي أن نؤمن بهذا دون أن نتبع هذا النبي، الاتباع سهل جداً أن تنتمي لجماعة، من السهل جداً أن تعلن ولاءك لفئة، لكن البطولة لا في إعلان الولاء ولكن في الاتباع، الاتباع يقتضي جهد، الاتباع يقتضي مجاهدة النفس والهوى، الاتباع يقتضي أن تتنازل عن حظوظك لمرضاة الله عز و جل، الاتباع يقتضي أن تلزم نفسك بطاعة رسول الله:
﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾
[سورة آل عمران الآية: 31]
هذه الآية أصل في هذا الموضوع.

من علامة إيمانك بالنبي عليه الصلاة والسلام :
الله عز وجل يقول:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾
[سورة الحجرات الآية: 1]
أي أن تتبع ولا أن تعترض، أن تتبع لا أن تقترح، أن تتبع مثلاً لو قالوا: الفجر أربع ركعات والظهر ركعتين مثلاً، النبي علمنا كيف نصلي؟ وصلوا كما رأيتموني أصلي.
يوجد أشياء كثيرة, الإنسان بحكم ضعف إيمانه, يتمنى أن تكون على غير ما هي عليه، علامة إيمانك برسول الله أنك تتبعه من أعماق أعماقك.

من صفات المؤمنين :
أذكر لكم صفات المؤمنين:
﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِيناً﴾
[سورة الأحزاب الآية: 36]
أحياناً: بالمؤتمرات قبل أن يجتمعوا يقولون: هناك قضايا لا نوافق أن تدرج في جدول الأعمال، كذلك المؤمن إذا الله عز وجل قضى أمراً إما تشريعاً أو قضاء وقدراً:
﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾
[سورة الإسراء الآية: 23]
شيء الله قضاه، حكم شرعي جاء من كلام النبي عليه الصلاة والسلام، فهذا الذي قضاه النبي لا يمكن أن يكون في صدرك حرج منه.

أنت مخير في المباحات ولست مخيراً في الفرائض والأحكام :
﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِيناً﴾
[سورة الأحزاب الآية: 36]
أي أنت مخير في المباحات ولست مخيراً في الفرائض والأحكام، علامة إيمانك أن تفعل ما أمرك به النبي.
شخص أحياناً يحتار, أشتري هذا البيت أم هذا البيت؟ هذا البيت صغير لكنه نحو الجهة القبلية، هذا البيت كبير لكنه نحو الجهة الشمالية، هنا في حيرة، شراء البيتين من المباحات، فالخيرة تأتي من أشياء مباحة, أما أصلي أم لا أصلي، هذه لا يوجد بها خيار، ينبغي أن أصوم أو لا أصوم لا يوجد خيار، إذا للزوجة فرضاً الربع أو الثمن بحسب قواعد الميراث لا يوجد خيار، الله عز وجل قضى بهذا، جميع الأحكام القرآنية والأحكام النبوية, لا يوجد لك خيار بها, هذا من مسلمات الإيمان بالله ورسوله:
﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِيناً﴾
[سورة الأحزاب الآية: 36]
تدبر القرآن من معاني التدبر, أنه كلما قرأت آية تعرض نفسك عليها، هل أنا كذلك؟ أي قد يحرم الإنسان من نصيبه من الإرث, بحسب نوع قرابته, هل تعترض؟ هذا حكم الله عز وجل؟ الله عز وجل كماله مطلق، فحينما يقضي الله أمراً, وحينما يقضي النبي أمراً, لا يمكن لمؤمن أن يكون لهم الخيرة من هذا، هذا شرع الله عز وجل.

احذر أن تقع في هذا الخلل من الإيمان بالنبي :
يوجد آية ثانية:
﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾
[سورة النساء الآية: 65]
هذا كلام رب العالمين، لو أنه رفعت قضيتك إلى قاض شرعي, والقاضي الشرعي حكم لك بسنة النبي, وأنت لم تكن راضياً عن هذا الحكم، ففي إيمانك خلل كبير.
لو أنه اختلفت مع أخ, ورفعت القضية إلى قاض شرعي, وهذا القاضي الشرعي حكم لك وفق سنة النبي, وأنت كنت منزعجاً, لم تكن راضياً, ففي الإيمان خلل كبير:
﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾
[سورة النساء الآية: 65]

الأصح: ليس في إيمانك خلل, بل إنك لست مؤمناً:
﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾
[سورة النساء الآية: 65]
أي إنسان يعقد عقده على امرأة لأيام, ثم يجد أنه لا رغبة له فيها, فيطلب الفراق, يجب عليه نصف المهر، إنهم يومان ثلاثة، هل أنت منزعج؟ هذه ابنة كرام, الناس لها مكانة، لها مشاعر، ذاع بين الناس أنك خطيباً لها, وأنها زوجة لك، فهكذا الشرع، مليون، نصف مليون، خمسة أيام, كل يوم مئة ألف:
﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾
[سورة النساء الآية: 65]

قف عند هذه الآيات :
أيها الأخوة, ثلاث آيات تبين أن اتباع النبي جزء من إيمانك:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾
[سورة الحجرات الآية: 1]
﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِيناً﴾
[سورة الأحزاب الآية: 36]
﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾
[سورة النساء الآية: 65]

احذر أن تسوء الظن برسول الله :
أروي قصة دائماً: النبي عليه الصلاة والسلام قال مرة لأصحابه قبيل معركة بدر: لا تقتلوا عمي العباس، أي يوجد شخص فكر قال: أيقتل أحدنا أباه وأخاه, وينهانا عن قتل عمه؟ -ما استساغ هذا، ثم اتضح له أن عم النبي كان مسلماً, وكان عينه في قريش، فلو أن عم النبي لم يخرج مع المشركين لكشف نفسه، ولو أن النبي عليه الصلاة والسلام ذكر أنه مسلم لا تقتلوه لكشفه، ولو أن النبي عليه الصلاة والسلام سكت لقتلوه, فلابد من أن يقول هذا الكلام المختصر: لا تقتلوا عمي العباس, ثم اتضح أن عمه كان مؤمناً، وكان مكلفاً بمهمة في قريش، و كان يعبد الله سراً، و كان عينه على قريش-، يقول هذا الرجل: والله ظللت أتصدق عشر سنين, رجاء أن يغفر الله لي سوء ظني برسول الله.

متى يذوق العبد طعم الإيمان؟ :
عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ, أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
((ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ, مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا, وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا, وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا))
[أخرجه مسلم في الصحيح، والترمذي في سننه]

رضي بهذا الإنسان رسول الله، كلامه وحي، أفعاله سنة، إقراره تشريع، وانتهى الأمر.
أيها الأخوة, النبي عليه الصلاة والسلام أوتي القرآن ومثله معه، ما معنى مثله؟ أي السنة، الكتاب والسنة، فكلا الوحيين الكتاب والسنة من الله العظيم، القرآن وحي متلو, والسنة وحي غير متلو.

3-أن تزكي النفس بهديه وسنته :
مقتضيات الإيمان برسول الله: أن تزكي النفس بهديه وسنته، كيف كان مع أهله؟ مع أولاده؟ مع جيرانه؟ مع أصحابه؟ كيف كان غضبه؟ كيف كان رضاه؟ كيف يعامل زوجته؟ يجب أن تتزكى بهديه صلى الله عليه وسلم، والدليل قول الله عز وجل:
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾
[سورة الأحزاب الآية: 21]

معرفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية فرض عين على كل مسلم :
أخوتنا الكرام, لابد من هذه القاعدة: ما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض، ما لا تتم السنة إلا به فهو سنة، ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، الصلاة فرض فرض، هل تتم الصلاة من دون وضوء؟ لا، الوضوء إذاً فرض، هذه القاعدة طبقها على سنة النبي، الله عز وجل يقول:
﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾
[سورة الحشر الآية: 7]
إذاً: هذه الآية ماذا تقتضي؟ كيف يتم أن تأخذ ما آتاك الرسول, وأن تنتهي عما نهاك عنه الرسول؟ لا بد من معرفة ما آتاك وما نهاك، إذاً: معرفة سنة النبي القولية فرض عين على كل مسلم، أنت كيف تصلي؟ لأن الصلاة فرض، لماذا تصوم؟ لأن الصيام فرض.
يجب أن تتعرف إلى سنة النبي القولية, بماذا أمرك وعن أي شيء نهاك؟ لأن اتباع النبي فرض عليك.
أنا أقول دائماً: متى تعالج ارتفاع الضغط عندك؟ إذا علمت أنه معك ارتفاع ضغط، متى تستطيع أن تأخذ ما آتاك الرسول، ومتى تستطيع أن تنتهي عما نهاك عنه الرسول؟ إذا كنت تعلم ماذا آتاك, وماذا نهاك؟ إذاً: هذه الآية التي تقتضي الوجوب, لا يمكن أن تطبق إلا إذا تعرفت إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية، إذاً: معرفة سنة النبي صلى الله عليه و سلم القولية فرض عين على كل مسلم.

ماذا تقتضي هذه الآية؟ :
إذا قال الله لك:
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾
[سورة الأحزاب الآية: 21]
كيف يكون النبي لك أسوة حسنة إن لم تتعرف إلي سيرته؟ إذاً: تقتضي هذه الآية أن تتعرف إلى سيرة النبي، إذاً: معرفة سيرة النبي أو سنته العملية فرض عين على كل مسلم من خلال هاتين الآيتين:
﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾
[سورة الحشر الآية: 7]
من خلال هاتين الآيتين يقتضي وهو فرض عين: أن تتعرف إلى سنة النبي القولية, وإلى سنته العملية, هذا واجب، أي في كل بيت يجب أن يكون هناك كتاب أحاديث صحيحة، في كل بيت ينبغي أن يكون هناك كتاب سيرة من أفضل كتب السيرة.

ما تفسير هذا الحديث؟ :
عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
((قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ, وَوَلَدِهِ, وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ))
[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, والنسائي في سننه]
المعنى الدقيق: كيف يكون النبي عليه الصلاة والسلام أحب إليك من والديك وأولادك والناس أجمعين؟.
الحقيقة: عند التعارض، أي إذا كان طلب ابنك أن تفتح له محلاً ليس شرعياً, يبيع موسيقا، يبيع أشرطة، يؤجر أفلام فيديو، وألح عليك, وأنت وجدت أن إرضاءه جيد, مع أن عصيت رسول الله في إرضائه, فهذه المشكلة ينبغي أن تحب رسول الله, أي أن تطبق سنته دون أن تعبأ بما يتمناه عليه والداك, أو أولادك, أو الناس أجمعين.

وقد قال عليه الصلاة والسلام: عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي, يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ))
[أخرجه مسلم في الصحيح]

ما الشخصية التي تتمنى أن تكون على دربها؟ :
بصراحة: في حياة كل منا شخصية يتمنى أن يكونها، وشخصية يكره أن يكونها، و شخصية يكونها، أنت لك شخصية دائماً يوجد بذهنك شخصية هي قدوة لك، ويوجد شخصية أخرى تحتقرها.
قل لي: من الشخص الذي تتمنى أن تكون على دربه, أقل لك: من أنت؟ أهل الدنيا اجلس مع التجار مثلاً, فلان عنده ثروة فلكية، فلان بصفقة واحدة حقق ثلاثمائة مليون، فلان اشترى أرضاً كلما جلس يتحدث عن فلان، معنى فلان هو الشخصية التي يتمنى أن يكونها، هذا في عالم التجارة، في عالم الصناعة المعمل الفلاني ثلاث ورديات، حجم إنتاجه في اليوم ثلاثمائة ألف قطعة مثلاً، يتحدث.
فأنت اسأل نفسك هذا السؤال: ما الشخصية التي تتمنى أن تكون على دربها؟ المؤمن قطعاً الشخصية التي يتمنى أن يكونها هو رسول الله، أن يكون على دربها، على منهجها.

متى يكون النبي لنا أسوة حسنة؟ :
الآية الثانية:
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾
[سورة الأحزاب الآية: 21]
لن يكون النبي لك أسوة حسنة إلا إذا أردت الله, وأردت رسول الله, والدار الآخرة، و ذكرت الله كثيراً.

من أخلاق النبي عليه الصلاة والسلام :
دخل إلى بيته قال:
((أعندكم شيء؟ قالوا: لا، قال: فإنني صائم))
أحياناً تدخل إلى البيت, الأكل لم ينضج, يقيم الدنيا ولا يقعدها، يوجد طعام لكن تأخر قليلاً, المؤمن دخل للبيت, يوجد مشكلة, النبي ماذا فعل؟ كان رقيقاً، كان حليماً، كان لطيفاً، كيف أن النبي كان واحداً من أصحابه وعليه جمع الحطب؟ كنت برحلة, يوجد أشخاص, يرتاح, ينام, يدعونه للطعام, لا يدفع, ولا يعمل، النبي قال: وعليّ جمع الحطب، قالوا: نكفيك ذلك، قالوا: أعلم أنكم تكفونني, ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه.
دخل إلى البيت: أعندكم شيء؟ قالوا: لا، قال: فإني صائم.

أي أخلاقه رضية، حليم، رقيق، كان إذا أتى مريضاً أو أوتي به قال:
((أذهب البأس رب الناس، اشف وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً))
وأنت إذا زرت مريضاً ينبغي أن تتخلق بهذه الأخلاق.

كان إذا أتاه الأمر يسره قال:
((الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وإذا أتاه أمر يكرهه قال: الحمد لله على كل حال))
هذا من هدي النبي, ومن أخلاق النبي, ومن سمت النبي.

كان إذا أصبح وإذا أمسى قال:
((أصبحنا على فطرة الإسلام، و كلمة الإخلاص، ودين نبينا محمد، وملة أبينا إبراهيم حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين))

كان إذا أكل أو شرب قال:
((الحمد لله الذي أطعم, وسقى، وسوغه, وجعل له مخرجاً))
كان يمر بالصبيان فيسلم عليهم.
كان يمشي مشياً يعرف فيه أنه ليس بعاجز ولا كسلان.

ما العينة كما وردت في هذا الحديث؟ :
كان عليه الصلاة و السلام يقول: عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:
((سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ, وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ, وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ, وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ, سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ))
[أخرجه أبو داود في سننه]
العينة: أي ربا على شكل بيع، وأنستم إلى الراحة.

خذ هذه العبرة :
العبرة من هذه الفقرة الأخيرة: أنه ينبغي أن تقرأ سيرة النبي عليه الصلاة والسلام, وأن تهتدي بهديه, وأن تزكي نفسك بهديه صلى الله عليه وسلم، أي في الصحة والمرض، في الإقامة والسفر، في علاقتك الحميمة مع أهلك، مع أولادك، مع أخوانك، مع جيرانك، كيف كان النبي؟.
أهم شيء في هذا اللقاء الطيب إن شاء الله: أن تتزكى نفسك بهدي النبي عليه الصلاة والسلام.
من لوازم تنفيذ هذا الأمر: أن تتعرف إلى سيرة النبي, وأن تتخلق بأخلاقه, عندئذ يكون النبي أسوة حسنة، ولن يكون أسوة حسنة إلا إذا أردت الله ورسوله, والدار الآخرة, وذكرت الله كثيراً، والحمد لله رب العالمين.

دعاء الختام :
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.


نواقض شهادة أن محمد رسول الله
درسنا اليوم :
أيها الأخوة الكرام, تذكرون أن تحدثت عن مقتضيات الإيمان بلا إله إلا الله, ثم تحدثت عن نواقض لا إله إلا الله, فالخسارة كبيرة جداً أن تتوهم أنك مؤمن بلا إله إلا الله, ثم إنك تقع في نقائضها .
أيها الأخوة الكرام, تعلمون أن الشيئين المتعاكسين غير الشيئين المتناقضين, فقد يجتمع المتعاكسان أبيض وأسود, ولا سيما في أحجار هذا المسجد, خط أبيض وخط أسود, ولونان متعاكسان, ولكن الشيئين المتناقضين لا يجتمعان, فالضوء ينقض وجود الظلام, والظلام ينقض وجود الضوء .
قد تتوهم أنك مؤمن بلا إله إلا الله, وهي كلمة التوحيد الأولى, ثم لا تدري أنك تعتقد أو تفعل ما ينقضها, وكأنك لست مؤمناً بها, وقد تتوهم أنك مؤمن بمحمد رسول الله, وقد لا تدري أنك تعتقد أو تفعل ما ينقضها .
فالحديث عن نواقض محمد صلى الله عليه وسلم, لا يقل عن الحديث عن مقتضيات الإيمان برسول الله، المقتضيات أن تؤمن أنه رسول, وليس عبقرياً, وليس ذكياً, وليس مصلحاً, رسول الله يوحى إليه وأن تتبعه, إلى آخر فقرات الدرس السابق .
اليوم ننتقل إلى درس جديد: نواقض شهادة أن محمداً رسول الله، هذه الشهادة التي هي نصف الإسلام, شهادة التوحيد: أن تعتقد أنه لا معبود بحق إلا الله, وشهادة الرسالة: أن تعتقد أن هذا الإنسان محمد بن عبد الله يأتيه الوحي, وقد جاءك الوحي متواتراً, وأنه يبين بحديثه مراد الله منك .

من نواقض شهادة أن محمد رسول الله :
1-إنكار رسالته :
أول ما ينقض هذه الشهادة: إنكار رسالة محمد صلى الله عليه وسلم, أنت حينما تصر على رسالة أخرى, ولا تعبأ بهذه الرسالة, فهذا الاعتقاد ينقض ما تدعيه بلسانك, في مناسبات, وفي مواقف, وفي كتابات, وفي تقارب، اعتقادك أنه ليس رسول الله, لكنه إنسان عظيم, يقع على رأس المئة الأوائل في العالم كله, إن لم تعتقد أنه رسول الله, فأنت لست مؤمناً, إنه رسول الله .
الدليل: ولولا الدليل لقال من شاء ما شاء, طالبوني بالدليل, لا يجرؤ إنسان في الأرض أن يتكلم بأخطر شيء في حياة الإنسان, وهو الدين برأيه, من أنت حتى تقول في الدين برأيك؟ لولا الدليل لقال من شاء ما شاء, قال الله تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾
[سورة محمد الآية: 32-33]
إذاً: إن لم تؤمن برسالة النبي, وإن لم تعززه وتنصره, فلست مؤمناً, وقد فعلت ما ينقض إيمانك برسول الله صلى الله عليه وسلم .
احذر أن تقع في هذا الخطر :
لعلكم تدركون معي, أن هذا البند الأول بعيد جداً عن المؤمنين, أن يقول لك مؤمن: لست مؤمناً برسالة محمد صلى الله عليه وسلم, لكن البند الثاني: أن تطعن في رسول الله, أن تطعن في أحقية رسالته, أن تظن أن الرسالة إلى جهة أخرى, لكن هناك خطأ, فكانت إلى رسول الله, هذا أيضاً طعن برسول الله, أو أن تطعن في صدقه, أو أن تطعن في أمانته, أو أن تطعن في عفته, إذا حدثك فهو صادق, إذا عاملك فهو أمين, إذا استثيرت شهوته فهو عفيف .
كنا قوماً أهل جاهلية, نعبد الأصنام, ونأكل الميتة, ونأتي الفواحش, حتى بعث الله فينا رجلاً, نعرف أمانته, وصدقه, وعفافه .
إذا عاملك فهو أمين, إذا استثيرت شهوته فهو عفيف, فضلاً إن طعنت في رسالته, أو في صدقه, أو في أمانته, أو في عفافه .
اعدل يا محمد, فقال عليه الصلاة والسلام:
((ويحك من يعدل إن لم أعدل))
لأن الله سبحانه وتعالى عصمه من أن يخطئ في أفعاله, وأقواله, وإقراره, وأمرنا أن نأخذ عنه كل شيء, وإن لم يكن معصوماً, لكان الأمر أن نأخذ عنه كل شيء أمراً بمعصية, وهذا مستحيل .

2-الاستهزاء أو الاستخفاف أو السباب :
الآن: الاستهزاء, أو الاستخفاف, أو السباب, هذه كلها تنقض إيمانك برسول الله, الدليل:
﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾
[ سورة التوبة الآية: 65-66]
هل هناك أنصع من هذا الدليل؟ قال بعض العلماء: من سب الله ورسوله طوعاً بغير إكراه، بل من تكلم بكلمات الكفر طائعاً غير مكره, ومن استهزأ بالله, وآياته, ورسوله, فهو كافر ظاهراً وباطناً .
أمر مستبعد عن المؤمن :
المؤمن لا يخطر ولا لثانية في حياته: أن يتكلم كلاماً يشم منه عدم ثقة بكلام رسول الله, أو في شيء من التهكم, أو السخرية, أو التندر, أو ترداد حديث من باب إضحاك الناس, والحمد لله رب العالمين, لا تجد مؤمناً فيه الحد الأدنى من الإيمان, يفكر للحظة واحدة أن يطعن, أو أن يستهزئ, أو أن يستخف بقول قاله النبي صلى الله عليه وسلم, إلا إذا كان هذا القول موضوعاً ليس لرسول الله, لك أن تستهزئ بهذا القول, مبيناً أنه حديث موضوع, ولا صلة له برسول الله إطلاقاً .
أجمع العلماء: أن شاتم النبي صلى الله عليه وسلم المنتقص له كافر, والوعيد جار عليه بعذاب الله .
إنكار الرسالة كلياً أو إنكارها جزئياً, كالطعن برسول الله, كانت لغيره فأصبحت له خطأً, أو في صدقه, أو في أمانته, أو في عفته, أو سبه, أو الاستهزاء به, أو الاستخفاف به, أو الطعن في تصرفاته الثابتة .
ما مقصد هذا الشاهد؟ :
سقت على هذا شاهداً ذكرته مراراً: أن أحدهم لما قال النبي عليه الصلاة والسلام:
((لا تقتلوا عمي العباس -فكر, وجد أن أصحاب النبي حينما تنشب المعارك مع المشركين, قد يقتلون آبائهم وأبناءهم- فقال: أحدنا يقتل أباه وأخاه, وينهانا عن قتل عمه -تصورها عصبيةً- وكان سيدنا العباس في مكة قد أسلم, وكان عين النبي صلى الله عليه وسلم في مكة, وكان يرسل له الأخبار تباعاً عن كل ما يجري في قريش -له مهمة, والنبي عليه الصلاة والسلام قيادته ذكية جداً في موطن القرار في قريش, يأتيه الخبر, لو أن النبي سكت لقتلوه, لو أنه بين لهم أنه مسلم لانتهت مهمته, كشف, لو أن سيدنا العباس لم يشاركهم في القتال لكشف أيضاً, ينبغي أن يشارك, وينبغي أن لا يذكر النبي حال إسلامه, وينبغي أن يتكلم لكي لا يقتل, قال: لا تقتلوا عمي العباس- .
يقول هذا الرجل: -الذي وقع في نفسه شيء من فعل النبي عليه الصلاة والسلام- والله ظللت أتصدق عشر سنين رجاء أن يغفر الله لي سوء ظني برسول الله .

3- الطعن في أحاديث الرسول الصحيحة أو تكذيبها :
الآن الطعن في أحاديث الرسول الصحيحة أو تكذيبها, ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حديث صحيح, وأنت لم تقبله أو رددته, فهذا نقض لإيمانك برسول الله صلى الله عليه وسلم .
هناك رجل يستمع إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ليس معقول هذا الحديث, لا يتناسب مع العصر, هو مرجع, فكر قليلاً, تأمل قليلاً, فرأى أن هذا ليس حديث رسول الله, لم يعبئ بسنده, ولا بسلسلته الذهبية, ولا بسنده المتصل, ولا بتواتره, أحياناً لمجرد أن ترد حديثاً متواتراً, أو صحيحاً, أو حسناً ترده, وتظن أن النبي عليه الصلاة والسلام ما قاله, لا لسبب وجيه, إلا لأنه ما راق لك, فهذا التصرف, وهذا الرد, يعد نقضاً لشهادة أن محمداً رسول الله .
ما أخبر به النبي عن آخر الزمان :
وفي صحيح ابن ماجه: عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ, عَنْ أَبِيهِ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ, يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ, أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ, فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ))
[أخرجه أبو داود والترمذي في سننهما]
كأن الله أخبره أنه سيكون في آخر الزمان: أناس يردون السنة بأكملها, ويقول: حسبنا القرآن، القرآن فقط, كيف عرفت أن الزكاة نصابها كذا؟ كيف عرفت أن صلاة الفجر ركعتان؟ عدد الركعات, ونصاب الزكاة, ومئات الأحكام, وآلاف القضايا, جاءت من النبي عليه الصلاة والسلام, فإذا أردت أن لا تأخذ عن النبي عليه الصلاة والسلام شيئاً, انتهى دينك, والله عز وجل يقول:
﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾
[سورة الحشر الآية: 7]
فأنت إن لم تأخذ كل ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام, إنك ترد القرآن, أنت إذاً لست قرآنياً, لأن القرآن يأمرك أن تأخذ ما آتاك الرسول, وأن تنتهي عما نهاك الرسول .
ينبغي أن تعلم :
وفي صحيح ابن ماجه: عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ, عَنْ أَبِيهِ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ, يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ, أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ, فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ))
[أخرجه أبو داود والترمذي في سننهما]
كتاب الله فيه كليات, بينما التفاصيل جاءت في السنة, وأنت ينبغي أن تطيع الله استقلالاً, وأن تطيع النبي استقلالاً, لا أن تربط طاعة النبي عليه الصلاة والسلام بالكتاب, لكن ما سوى النبي عليه الصلاة والسلام تعلق طاعته على موافقته لما قاله النبي, فإن جاء الذي قاله مخالفاً لحديث رسول الله, ليس لك أن تطيعه, أما النبي عليه الصلاة والسلام هو مشرع. قال تعالى:
﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾
[سورة المائدة الآية: 92]
لماذا أعاد كلمة أطيعوا؟ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يطاع استقلالاً, لكن بقية الناس لا يطاعون إلا تبعاً لطاعة رسول الله, لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق, جميع الناس عدا رسول الله, طاعتهم مشروطة بموافقة أمرهم لما في القرآن والسنة, إلا أن طاعة النبي وحدها واجبة لذاتها, من دون أن تربط بالقرآن, لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: أوتيت القرآن ومثله معه .
هي السنة, وقد أجمع علماء العقيدة على أن القرآن وحي متلو, وعلى أن السنة وحي غير متلو, بدليل أن الله عز وجل يقول:
﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾
[سورة النجم الآية: 3-4]

4- أن تجحد أحد الرسل الذين أرسلهم الله قبل محمد صلى الله عليه وسلم :
رابعاً: ينقض إيمانك بأن محمداً رسول الله: أن تجحد أحد الرسل الذين أرسلهم الله قبل محمد صلى الله عليه وسلم, هذا الدين دين موحد, الدين واحد, والشرائع مختلفة, الدين أن تسلم وجهك لله, هذا هو الدين, لكن الشرائع متبدلة ومختلفة وآخرها ينسخ ما سبقه, فيكفي أن تنكر رسالة سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام, إذا أنكرت هذه الرسالة فلست مؤمناً, إذا أنكرت رسالة سيدنا موسى فلست مؤمناً, إذا أنكرت رسالة سيدنا موسى لست مؤمناً, سيدنا إبراهيم لست مؤمناً, قال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً﴾
[سورة النساء الآية: 150-151]
أنبياء الله, رسل الله, الذين ذكرهم الله في القرآن, لمجرد أن تكفر بواحد منهم, فأنت لست مؤمناً .
إذاً: من نواقض إيمانك برسول الله صلى الله عليه وسلم: أن تنكر أصل رسالته, أو أن تطعن بها جزئياً, أو أن تطعن بصدق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم, أو أمانته, أو عفته, أو أن تستهزئ, أو أن تستخف بهذه الدعوة, أو أن تطعن بأحاديث النبي عليه الصلاة والسلام الصحيحة, أو أن تكذبها, أو أن تنفي الأخبار الثابتة التي أخبر عنها كظهور الدجال, وظهور سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام, وعذاب القبر, الشيء الذي أخبر به إذا أنكرته فأنت لست مؤمناً بهذه الرسالة, أو أن تجحد نبياً من أنبياء الله السابقين, أو رسولاً من رسل الله السابقين .

5- ادعاء النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم :
ومما ينقض شهادة الرسالة, أي أن محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله: ادعاء النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم, لأن الله جل جلاله يقول:
﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً﴾
[سورة الأحزاب الآية: 40]
لذلك في شرقي آسيا, هناك من يدعي أنه نبياً جاء بعد محمد صلى الله عليه وسلم, وهي فرقة ضالة اصطنعها الاستعمار كي يلغي الجهاد .
وفي بعض الأحاديث الصحيحة التي وردت في صحيح مسلم: عن أبي هُرَيْرَةَ يَقُول:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ, يَأْتُونَكُمْ مِنْ الْأَحَادِيثِ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ, فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ, لَا يُضِلُّونَكُمْ وَلَا يَفْتِنُونَكُمْ))
[أخرجه مسلم في الصحيح]
إذاً: هناك من ادعى النبوة, أول واحد مسيلمة الكذاب, وكثيرون ادعوا النبوة .

6- أن تصفه بما لا يوصف به إلا الله :
أخواننا الكرام, ولكن الذي ألح عليه: أن الذي ينقض إيمانك برسول الله: أن تصفه بما لا يوصف به إلا الله, وهذا الشطط وقع به مسلمون كثير, أحد الشعراء يقول:
يا علام الغيوب قد لجأنا إليك
ويقصد رسول الله :
﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾
[سورة النمل الآية: 65]
يقول الله عز وجل:
﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾
[سورة النمل الآية: 65]
أن تظن أنه يعلم الغيب .
مرة وقف خطيب أمام النبي يخطب, فقال:
((ما شاء الله وشئت، فقال عليه الصلاة والسلام: بئس الخطيب أنت، جعلتني لله نداً، قل: ما شاء الله كان, وما لم يشأ لم يكن))
إذاً: من نقائض شهادة أن محمداً رسول الله: أن تصفه بما لا يوصف به إلا الله .

إليكم هذه الآيات التي تبطل هذا الاعتقاد الفاسد, بأن تصفه بما يوصف به الله :
ماذا قال الله عز وجل؟:
﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً﴾
[ سورة الأعراف الآية: 188]
﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾
[سورة الأعراف الآية: 188]
مرة ثانية:
﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً﴾
[سورة الأعراف الآية: 188]
فلأن لا أملك لكم من باب أولى، لا أملك لكم نفعاً ولا ضراً:
﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾
[سورة الأنعام الآية: 15]
هذه خصائص النبي، فمن وصف النبي صلى الله عليه وسلم بخصائص ليست إلا لله, فهذا نقض لشهادة أن محمداً رسول الله .

هذا التوحيد عند أبي بكر وعمر :
في صحيح البخاري: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ, سَمِعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ:
((سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ, فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ, فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ))
[أخرجه البخاري في الصحيح]
أخواننا الكرام, أنا أعتقد: أنه ما من إنسان على وجه الأرض يحب رسول الله كسيدنا الصديق .
((ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت له كبوة إلا أخي أبا بكر))
((ما طلعت شمس على رجل بعد نبي أفضل من أبي بكر))
أي يوجد أحاديث عن سيدنا الصديق لا تعد ولا تحصى، كيف يقول هذا الصديق يوم مات النبي الكريم: من كان يعبد محمداً, فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله, فإن الله حي لا يموت؟ .
انتبهتم إلى هذه الملاحظة, أي يكاد قلبه يتفطر من شدة الألم, وما من إنسان فيما أعتقد أحب إنساناً على سطح الأرض من آدم إلى يوم القيامة, كما أحب الصديق رسول الله، ومع ذلك إنقاذاً للتوحيد، لئلا يعبد من دون الله، لئلا يؤله .
قال: من كان يعبد محمداً فقط, لم يقل: رسول الله، لم يقل: من كان يعبد حبيبي، هو حبيبه، من كان يعبد محمداً, فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله, فإن الله حي لا يموت .
سيدنا عمر سار على هذا المنهج, عزل سيدنا خالد، قال له: لم عزلتني؟ قال: والله إني أحبك، قال له: لم عزلتني؟ قال له: والله إني أحبك، فلما ألح عليه، قال: والله ما عزلتك يا بن الوليد إلا مخافة أن يفتتن الناس بك, لكثرة ما أبليت في سبيل الله، لئلا يظن الناس أنك أنت الذي تنصر، الله هو الناصر, عزله والنصر مستمر, إنقاذاً للتوحيد .
((لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ, فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ, فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ))
إذاً: أن تصفه بما لا يليق إلا لله, هذا نقض لشهادة رسول الله .

7- أن تطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا يقدر عليه إلا الله :
أن تطلب من رسول الله صلى الله عليه و سلم ما لا يقدر عليه إلا الله، أي أن تسأله أن ينصرنا، هذا بيد الله النصر:
﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾
[سورة آل عمران الآية: 126]
الآية واضحة، فإذا قلت: يا رسول الله انصر المسلمين, رسول الله على العين والرأس, لكن نصر المسلمين بيد الله، لا تسأل رسول الله ما لا يقدر عليه إلا الله .

وقفة متأنية :
يروى أن أحد الخلفاء, كان بالحرم المكي, فالتقى بعالم جليل قال: سلني حاجتك؟ قال: والله أستحيي أن أسأل في بيت الله إلا الله، فالتقى به خارج الحرم, قال: سلني حاجتك؟ قال: و الله ما سألتها من يملكها, أفأسألها من لا يملكها؟ فلما ألح عليه قال: أدخلني الجنة، قال له: هذه ليس لي، قال له: إذاً ليس لي عندك حاجة .
دقق :
دققوا في هذا الحديث الصحيح: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
((كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: يَا غُلَامُ, إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ, احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ, إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ, وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ....))
[أخرجه الترمذي في سننه]
يا شيخ فلان أريد ولداً، هبط المستوى، هناك من يسأل شيوخاً في قبورهم, أن يقدموا فرجاً للأمة .

8-الاعتقادات الباطلة :
الآن: مما ينقض هذه الشهادة اعتقادات باطلة، مثلاً: بعضهم يقول: أن الله سبحانه وتعالى خلق الدنيا كلها من أجل محمد، هذا غير صحيح، لكن اسمحوا لي أن أدافع عن هؤلاء، هناك قاعدة: ما كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه .
الدليل: النبي عليه الصلاة و السلام روى لنا قصة قال: أعرابي امتطى ناقته, عليها طعامه وشرابه، جلس ليستريح, فاستيقظ فلم يجد الناقة، أيقن بالهلاك, فجلس يبكي, ثم يبكي, ثم يبكي, إلى أن أدركته سنة من النوم، نام قليلاً فاستيقظ, فرأى الناقة، من شدة فرحته, اختل توازنه، وقال: يا رب أنا ربك وأنت عبدي، هذا كلام كفر، هل وقع الكفر عليه؟ من المحبة تكلم كلمات ليست صحيحة, لكن لا نكفره نحن أيضاً، تكلم كلمات ليست صحيحة، نقول له: ما كل من قال هذا, خرج من هذه الشهادة, أما هذه الفكرة غير صحيحة، إذا كان معنا آية كريمة يقول الله فيها:
﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾
[سورة الذاريات الآية: 56]
وعندنا حديث موضوع: لولاك ما خلقت الدنيا .
أيهما أصح؛ آية قرآنية نحن مخلوقون لعبادة الله، أما أننا مخلوقون من أجل محمد؟ هو سيد الخلق, وحبيب الحق, هذا كلام غير صحيح, لا دليل له إلا هذا الحديث الموضوع، الذي يزعمون أن الدنيا خلقت له, يقول له ربه:
﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾
[سورة الحجر الآية: 99]
إذاً: كلنا والنبي محمد صلى الله عليه وسلم على رأس الخلائق كلها, مأمورون أن نعبد الله:
﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾
[سورة النحل الآية: 36]
إذاً: مخلوقون لعبادة الله .

اعتقاد لم يرد عن النبي :
هناك اعتقاد آخر: أن أول شيء خلقه الله هو نور سيدنا محمد، ثم خلقت الأشياء من بعده.
يقول عليه الصلاة و السلام في الحديث الصحيح: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُلِقَتْ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ, وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ, وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ))
[أخرجه مسلم في الصحيح]
هي مبالغات أراد أصحابها أن يرفعوا قدر النبي, لكنهم غاب عنهم أن رفع قدره في أن يكون في الوصف الذي وصفه الله له :
﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾
[سورة النجم الآية: 8-10]
﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً﴾
[سورة الجن الآية: 19]
هو عبد لله عز وجل، هو سيد الخلق, وحبيب الحق، وسيد ولد آدم ولا فخر, كما قال عليه الصلاة والسلام .
ويقول عليه الصلاة والسلام:
((كلكم بنو آدم, وآدم خلق من تراب))
كلام واضح كالشمس .

ما شاع بين المسلمين في العصور المتأخرة :
أيها الأخوة, هذا الموضوع دقته: بأن عقائد كثيرة زائغة شاعت بين المسلمين في العصور المتأخرة، ولعل بعض الذين أشاعوها أرادوا رفع قدر النبي لكنهم أخطؤوا، لكن أن نقف عند حدود القرآن والسنة, وأن نصف النبي بما وصفه الله عز وجل، وأن نصف النبي بما وصف به نفسه، هذا من باب أولى، وهذا الأصح والأصوب، وهذا الذي يبعد عن الإسلام الشطط والمبالغات، ويبعده عن أن يكون كما هو منهج الله عز وجل، المبالغات تسيء ولا تحسن، والحمد لله رب العالمين .

من أسئلة السائلين :
يوجد سؤال ولكن والله وجيه جداً، يقول: في حديثك عن شهادة الرسالة, قدمت أدلة على أن سيدنا محمداً عليه الصلاة والسلام هو رسول الله, ولكن إذا جاءك رجل على غير دين الهدى, وطلب الدليل على أن سيدنا محمداً رسول الله من غير القرآن, فماذا تجيبه؟ .
إنسان جاء وليس مسلماً, ولا يؤمن بالقرآن, قال لك: هذا الإنسان الذي تدعي أنه رسول ليس رسولاً، إنسان ذكي جداً وعبقري، ماذا تقول له؟ .
نحن عندنا أولويات، الإنسان غير المسلم الذي لا يؤمن بالقرآن, لا يوجد داع أبداً أن تقول له: هذا الإنسان رسول الله، اجعله يؤمن بالله، نحن عندنا شيء ثابت هو الكون، هذا الشيء يخضع له كل البشر، إذا آمن من خلال الكون, أن لهذا الكون خالقاً, ومربياً, ومسيراً بالدليل القاطع، الآن تقول له: من كمال الخلق كمال التصرف، هذا الإله العظيم, القوي, الغني, العليم, العدل, خلق الخلق, لا بد من أن يبين لهم لماذا خلقهم؟ قل له: أنا أزعم أن هذا القرآن هو كلام الله، يقول لك: ما الدليل؟ بعد أن يؤمن بالله موجوداً, وواحداً, وكاملاً، وبعد أن يؤمن بأسمائه الحسنى من خلال الكون والعقل فقط، مليار دليل على أن لهذا الكون خالقاً, و مربياً, ومسيراً، بالعقل فقط, وبالآيات الكونية فقط, إذا آمن بالله, من لوازم كمال الإله: أن يبين لعباده لماذا خلقكم؟ .
أنا أقول له: أنا أزعم أن هذا القرآن كلام الله, ثم ائته بألف دليل من إعجاز القرآن العلمي على أنه كلام الله, إذا آمن أن هذا القرآن من خلال الإعجاز العلمي أنه كلام الله الذي جاء به رسول الله، عندما سيدنا موسى أمسك عصاه, فأصبحت ثعباناً مبيناً, هذه معجزة, ما معناها؟ أن هذا الذي فعل هذا ليس إنساناً عادياً, هو رسول الله، فنحن نؤمن بالله موجوداً, و واحداً, وكاملاً من الكون بالدليل العقلي، ثم نؤمن بأن هذا القرآن كلام الله من خلال إعجازه بالدليل العقلي، ثم نؤمن بأن الذي جاء به هو رسول الله من خلال الإعجاز، انتهى دور العقل ، جاء دور التلقي، آمن بالله, وآمن بكتابه, وآمن برسوله, لهنا العقل فقط .
الآن: ما دمت آمنت بمليون دليل على أن هذا القرآن كلام الله، القرآن يقول: هناك ملائكة, هذا إيمان تصديقي، يوجد جن، يوجد رسل سابقون، البشرية بدأت بآدم، يوجد آخرة، يوجد جنة، يوجد نار، هذا كله إيمان تصديقي، اعتقاد إخباري، عقيدة سمعية .
يوجد عندنا عقيدة حسية, وعقلية, وسمعية، فالإيمان بالله من خلال الكون، والإيمان بالقرآن من خلال الإعجاز، والإيمان برسول الله من خلال القرآن، دور العقل انتهى, جاء دور التلقي، الله عز وجل لأنك آمنت به من خلال الكون, وآمنت بقرآنه من خلال الإعجاز, وآمنت برسوله من خلال القرآن, قال لك: البشرية بدأت بآدم، إيمان تصديقي، قال لك: بعد الموت حساب، يوجد جنة ونار، يوجد ملائكة يكتبون ما تفعلون، هذا كله إيمان تصديقي، ليس له دليل علمي, ما دليله؟ إخباري .
أي أنت عاشرت إنساناً خمسين سنة, ما جربت عليه ولا كلمة كذب، دخلت بيته، وضعك في غرفة الضيوف, ويوجد غرفة إلى جانبها, قلت له: هنا ماذا يوجد؟ قال: هنا غرفة نوم, هل تصدقه؟ دليل ما معك وما شاهدتها, لكن لأن القائل صادق, فإيمانك أن هذه الغرفة غرفة نوم, هذا دليل تصديقي, دليل إخباري .
أنت عندما تفرق بين الإيمان الحسي والعقلي والإخباري، الإيمان هذه العين, هذا كرسي, هذه سجادة, هذا إيمان حسي, أما الإيمان بالله إيمان عقلي, لأن ذات الله غابت عنك بقي آثارها, لا تدركه الأبصار إيمان عقلي, والإيمان بالله إيمان عقلي, الإيمان بالقرآن إيمان عقلي, الإيمان بالرسل إيمان عقلي, بالملائكة إيمان إخباري, بالجن إخباري, بالجنة إخباري, بالحوض, بالعرش, بالكرسي, بالأنبياء السابقين, ببدء الخليقة, كل هذه إخباريات .
أنت حينما تناقش إنساناً غير مسلم, إياك ثم إياك أن تدخل معه في قضايا إخبارية, لأنها ليس لها دليل إلا أنك صدقتها عن الله, إياك ثم إياك ثم إياك أن تدخل في نقاش مع إنسان غير مسلم في قضايا أخبر عنها القرآن, لما يؤمن بالقرآن نقول له: هذه إخباريات .
الإيمان بالله أولاً, وبكتابه ثانياً, وبرسوله ثالثاً, أخبرك عن الجنة والنار, وبدأ الخليقة, والحوض, والكرسي, والعرش, والأنبياء السابقين, كل هذا إيمان إخباري, هذا بين المسلمين متداول فقط .
ما الدليل على أن هذا الإنسان رسول الله؟ لأنه جاء بكتاب معجز, ما الدليل على إعجازه؟ في مليون دليل بالقرآن حقائق ما أحد يعرفها في الأرض, معنى ذلك: أنها من عند الله, هذا نظام الإيمان .
أنا شاكر جداً للأخ الذي سأل هذا السؤال, لأنه سؤال قيم, لكن نحن بين المؤمنين نقول: إذا لم تؤمن بكذا, فقد نقضت إيمانك برسول الله, أما على مستوى التسلسل, هذا هو التسلسل .
والحمد لله رب العالمين
وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَىَ وأَعْلَمُ



 

رد مع اقتباس
قديم 30-03-2018, 05:40 PM   #11


تيماء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7482
 تاريخ التسجيل :  27 - 10 - 2016
 أخر زيارة : 02-01-2023 (09:51 PM)
 المشاركات : 106,303 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Lebanon
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Floralwhite
شكراً: 445
تم شكره 511 مرة في 344 مشاركة
افتراضي



العقيدة من مفهوم القران والسنة - الدرس ( 10) : الأدلة على صدق رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم

من مسلمات هذا الدين :
أيها الأخوة الكرام, مع الدرس الخامس عشر من دروس العقيدة، وقد كان الموضوع السابق: هنالك مسلمات في ديننا لا يمكن نكرانها أو التشكيك بها
مقتضيات الإيمان بأن محمداً رسول الله, ثم تحدثنا عن نواقض شهادة أن محمداً رسول الله, واليوم ننتقل إلى الأدلة البينة على صدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم .
أيها الأخوة الكرام, هناك مسلمات في هذا الدين: المسلمة الأولى: أن الله سبحانه وتعالى واحد في خلقه, واحد في أفعاله, واحد في صفاته، شهادة أن لا إله إلا الله, وقد تحدثنا عنها كثيراً، المسلمة الثانية: أن محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله, تحدثنا عن مقتضياتها, وعن نواقضها .

هل تقبل دعوة محمد بن عبد الله على أنه رسول الله من دون دليل؟ :
اليوم ننتقل إلى أدلتها. الله عز وجل يقول:
﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ﴾
[سورة الحديد الآية: 25]
لا يمكن أن يقبل الناس دعوى إنسان, أنه رسول الله, من دون أدلة قطعية جامعة مانعة, فالله عز وجل ما كان له أن يرسل رسولاً بلا بينات, لأن هذه الرسالة مصيرية, تتعلق بها سعادة الإنسان الأبدية, فإنسان يمثل خالق السموات والأرض, مبعوث العناية الإلهية, ما في معه دليل, ما في معه بينة, هذا مستحيل .

من دلائل نبوة محمد عليه الصلاة والسلام :
1-المعجزة القرآنية :
﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ﴾
[سورة الحديد الآية: 25]
القرآن الكريم معجزة رسول الله المستمرة
هذه البينات أولها: المعجزة القرآنية, وأهم شيء في هذه المعجزة: أن الله حفظها من أي تعديل, أو تغيير, أو انتحال, أو تزوير, قال تعالى:
﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾
[سورة الحجر الآية: 9]
يعني النبي عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام, معجزته شيء, وبيانه شيء آخر, حفظت المعجزة, وقعت ولم تقع مرةً ثانية, معجزة حسية, ليس هناك ارتباط بين المعجزة والبيان, كذلك سيدنا موسى معجزته العصا وبيانه التوراة, إلا أن النبي عليه الصلاة والسلام معجزته تنطبق على بيانه، بيانه القرآن الكريم وحي الله عز وجل, ومعجزته القرآن الكريم, لأن القرآن الكريم معجزة النبي المستمرة، لماذا هي مستمرة؟ لأن النبي خاتم الأنبياء, ولأن رسالته خاتمة الرسالات, إذاً: ينبغي أن تكون معجزته مستمرة, ولم تكن مستمرة إلا إذا كانت علمية بيانية .
وقالوا:
﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾
[سورة العنكبوت الآية: 50-51]
إليكم أدلة الإيمان بالله وبرسوله :
في ثلاثة أشياء مهمة جداً: يمكن أن تؤمن عن طريق العقل إيماناً قطعياً بوجود الله من خلال الكون؛ بوجود الله ووحدانيته وكماله, ويمكن أن تؤمن إيماناً عقلياً قطعياً, بأن القرآن كلام الله عن طريق إعجازه, ويمكن أن تؤمن إيماناً عقلياً قطعياً, أن هذا الإنسان الذي جاء بهذا القرآن, هو رسول الله من خلال القرآن، الإيمان بالله من خلال الكون, والإيمان بالقرآن من خلال المعجزات, والإيمان بالرسول من خلال القرآن .
إذا آمنت بأن الله موجود, وواحد, وكامل, وأن كلامه كلام قديم, وحي أوحاه الله إلى النبي, هذا الذي جاء بهذا الوحي المعجز, هو قطعاً رسول الله، انتهى دور العقل, جاء دور النقل الآن, بعد أن آمنت بخالق الكون الواحد والكامل, وبعد أن آمنت بهذا القرآن أن كلام الله, وبعد أن آمنت بهذا الإنسان, أنه جاء بهذا القرآن, أنه رسول الله, وبعد أن آمنت بأن هذا الإنسان الذي جاء بالقرآن هو رسول الله, الآن هذا الإنسان الذي آمنت به رسولاً, سيتكلم, كلامه وحي, آخر كلامه وحي غير متلو, كلامه بيان لهذا القرآن .
إذاً: نحن عندنا وحي متلو من خالق الأكوان, ومعنا وحي يبين الوحي المتلو من سيد الكائنات رسول الله صلى الله عليه وسلم، انتهى دور العقل, أي شيء أخبرك القرآن به, تؤمن به تبعاً, وأي شيء أخبرك النبي عليه الصلاة والسلام, تؤمن به تبعاً .
ما هما الثابتان اللذان لا يصل إليهما الشك في الدين الإسلامي؟ :
القرآن والسنة ثابتان لا يصل إليهما الشك
فنحن معنا كتاب وسنة, لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
((شيئان ما إن تمسكتم بهما فلن تضلوا بعدي أبداً؛ كتاب الله وسنة رسوله))
الكتاب وحي يوحى, والسنة بيان المعصوم، عصم النبي من أن يخطئ في أقواله, وأفعاله, وإقراره, وصفاته .
عندنا ثابتين لا يصل الشك إليهما؛ القرآن والسنة, وعندنا ثابت أول هو الكون، الثابت الأول الذي يخضع له كل الخلق هو الكون, والثابت الثاني القرآن, والثالث السنة, لأن القرآن كلام الله, ولأن القرآن منهج الأمة كلها, ومنهج شعوب الأرض كلهم, يجب أن يكون محفوظاً.
اعلم هذا :
من تمام حفظ القرآن حفظ السنة, لذلك قيض الله لهذه الأمة رجالاً, في مستوى من الإدراك, يفوق حد الخيال, واشتغلوا بعلم الحديث, حتى نقحوا أحاديث رسول الله, وأخذوا الصحيح, وأشاروا على الضعيف والموضوع .
لذلك القرآن قطعي الثبوت, بعضه قطعي الدلالة, وبعضه ظني الدلالة, والسنة ظنية الثبوت, لأن بعضها صحيح متواتر, صحيح حسن, وبعضها ضعيف وموضوع, والسنة ظنية الثبوت, وظنية الدلالة .
إليكم هذا الدليل أيضاً من الكتاب يؤكد فيه على أن محمد رسول من عند الله :
آية ثانية الأولى: أي شيء عجز العقل عن إدراكه أخبرنا الوحي به
﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ﴾
[سورة العنكبوت الآية: 51]
يعني أولم يكفهم دليلاً على أنك رسولي .
الدليل العقلي على أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم هو رسول الله القرآن, والدليل العقلي على أن هذا القرآن كلام الله هو الإعجاز, والدليل العقلي على أن الله عز وجل خالق الأكوان الكون, هذه الثوابت, الوحي يكمل الثوابت, أي شيء أخبرك الله به تؤمن به لا تحقيقاً ولكن تصديقاً, أخبرك أن هناك يوماً آخر, أخبرك أن هناك حوضاً, وصراطاً, وميزاناً, أخبرك أن هناك جنةً وناراً, أخبرك أن البشرية بدأت بآدم, فأي شيء عجز العقل عن إدراكه, أخبرك الوحي به .
من معاني الميزان في هذه الآية :
قال تعالى: ينتهي دور العقل بالإيمان بالله ورسوله وكتابه
﴿وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ﴾
[سورة الرحمن الآية: 7]
يعني من معاني كلمة ميزان: أنه العقل، أعطاك ميزان, لكن هذا الميزان استعماله محدود, شاءت حكمة الله أن يكون استعمال هذا الميزان محدوداً, يعني ميزان, في بقالية مكتوب عليه من خمسة غرامات إلى ثلاثة آلاف غرام, ما دمت تستخدمه ضمن هذين الحدين, أعطاك نتائج دقيقة جداً, لكن هذا الميزان محدود الاستعمال, لا تستطيع أن تزن به مركبتك تحطمه, إذاً: المركبة يعجز هذا الميزان عن وزنها, المركبة عليها لوحة, كتب وزنها كذا, فكل شيء عجز العقل عن إدراكه, أخبرك الله به, صار الوحي يتكامل مع العقل، بالعقل آمنت بالله موجوداً وواحداً وكاملاً, بالعقل آمنت بهذا القرآن كلام الله عز وجل, بالعقل آمنت بأن هذا الإنسان هو رسول الله, انتهى العقل .
هذا دور العقل :
مريض يبحث بعقله عن طبيب, يحمل أعلى شهادة, يتمتع بقدرات عالية, له سمعة طيبة, له اتجاه ديني, يخاف الله, يخشى الله, بحثت بحثت إلى أن وصلت إلى هذا الطبيب, وصلت إليه بعقلك, دخلت على عنده, قال لك: ممنوع استعمال الملح, لماذا هنا؟ ما في عقل, عقلك قادك إلى أنه أعلم الأطباء, الآن يتعطل العقل, تتلقى من تلقي, بعد أن آمنت بالله خالقاً, مربياً, مسيراً, واحداً, موجوداً, كاملاً من خلال هذا الكون وعن طريق العقل, بعد أن آمنت بأن هذا القرآن كلامه من خلال إعجازه وعن طريق العقل, بعد أن آمنت بأن هذا الإنسان رسوله من خلال قرآنه, وعن طريق العقل, انتهى دور العقل .
إليك دور النقل :
صدق المصدر دليل قطعي على صدق ما ورد عنه
قال لك: في جن, أين؟ ما في, أين؟ هذا دليل, اسمه دليل إخباري, له اسم ثان: دليل سمعي, دليل نقلي, أو سمعي, أو إخباري, هذا دليل قطعي, لأنه بقدر ثقتك بالمتكلم, ثقتك بكلامه, هذا أخبرك الله به, أخبرك أن هذه البشرية بدأت من آدم، آدم انتهى, قال دارون: قرد أصله، أنا معي دليل نقلي قطعي, أخبرك الله أن الله لا يظلم, إذاً لا يظلم, لو رأيت حرباً أهلية, لو رأيت اجتياحاً, لو رأيت مجاعات في العالم, لو رأيت شعوباً ينكل بها, هناك حكمة لا أعلمها, لكن الله أخبرني, وهو الصادق, أنه لا يظلم أحداً .
ما تميز به النبي عن أخوانه من الأنبياء :
يقول عليه الصلاة والسلام فيما ورد في الصحيحين: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ, حَدَّثَنَا لَيْثٌ, عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ, عَنْ أَبِيهِ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((مَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ, إِلَّا قَدْ أُعْطِيَ مِنْ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ, آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ, وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ, فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ))
يعني ما في نبي إلا معه أدلة قطعية بينات معجزات, تكون أدلةً كافيةً للناس, ليصدقوا أنهم نبي, وإنما كان الذي أوتي به سيدنا موسى العصا, سيدنا عيسى إكماه الأبره والأبرص, وسيدنا إبراهيم ألقي في النار .
((وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ, فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ))
يعني بنص حديث رسول الله بتصريح النبي, أنا معجزتي الوحي, والوحي بين أيدينا, وهذه نعمة لا تعدلها نعمة .
2-تحدي العرب أن يأتوا بمثل هذا القرآن :
لو اجتمع العرب جميعاً لن يأتوا بآية كآيات القرآن الكريم
أول شيء في هذا القرآن فصاحته, كما تعلمنا في الجامعة: أفصح كلام في اللغة العربية على الإطلاق, وأفصح كلام بعده كلام سيدنا محمد, هذا الكلام المعجز الفصيح, من حروف بين أيدينا, ألف لام ميم, حروف بين أيدينا, الحروف العربية, ثمانية وعشرين بين أيدي كل العرب, هل يستطيع العرب ولو اجتمعوا أن يأتوا بآية كآيات القرآن الكريم؟ الجواب: لا, ولو كان الوقت يسمح, لقرأت لكم الذين ادعوا النبوة, وكيف نظموا كلاماً يبعث على الضحك ليس غير, ككلام مسيلمة وما إلى ذلك ......
3- كلما قرأته وجدت فيه معاني جديدة لم تكن من قبل :
شيء آخر: هذا بالحقيقة بين أيديكم, تسمع خطبة مرة مرتين ثلاثة حفظتها كلما قرأت القرآن ازددت قرباً من الله عز وجل
تسمع نشيد للمرة الخامسة, طلعت من جلدك منه تسمع, محاضرة تسمع ... لكن تسمع السورة مئة ألف مرة في حياتك لا ترتوي منها, جرب, اسمع قرآن بسيارتك, اقرأ قرآن في بيتك, كل ما تقرأه, تحس أن هناك شيئاً جديداً, أحياناً كلمة لا تنتبه لها, أحياناً حرف أحياناً, وقف معين لا تنتبه له, ينطوي على معنى كبير, لذلك: فضل كلام الله على كلام خلقه, كفضل الله على خلقه لا يبلى على كثرة الرد, لو قرأته ليلاً ونهاراً, وصباحاً ومساءً, كلما قرأته, ازددت قرباً من الله عز وجل .
أول بينة قرآنية: أنه أفصح كلام في هذه اللغة, وثانياً: كلما قرأته وجدت فيه معاني جديدة لم تكن من قبل :
﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾
[سورة البقرة الآية: 23-24]
فصاحته وجدته .
4- إخبار القرآن بالغيب :
الآن: القرآن أخبرك بالغيب, الغيب لا يعلمه إلا الله, قال تعالى:
﴿غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ﴾
[سورة الروم الآية: 2-3]
وقد أجمع المؤرخون على هذه المعركة تمت في غور فلسطين .
ما اكتشف أخيراً :
اكتشف أخيراً: أن أدنى نقطة في الأرض إطلاقاً غور فلسطين, قبل أن تحتل الضفة الغربية .
زرتها, اتجهنا من أريحا إلى البحر الميت, في منتصف الطريق لوحة, كتب عليها مستوى سطح البحر، تابعنا إلى ستمئة متر تحت سطح البحر, هذه أعمق نقطة في الأرض, أعمق نقطة يابسة, أما أعمق نقطة تحت البحر, خليج مريانة في المحيط الهادي, اثنا عشر ألف متر تحت سطح البحر, وأعلى نقطة جبال هيمالايا, اثنا عشر ألف متر .
جاؤوا بكرة قطرها متر, مثلوا أعلى نقطة عليها, وأخفض نقطة عليها, فكانت سنتيمتر بسنتيمتر, يعني أعلى نقطة في الأرض جبال هيمالايا, وأخفض نقطة في الأرض خليج مريانة, مثلت على كرة قطرها متر سنتيمتر نحو الأعلى, وسنتيمتر نحو الأسفل .
من الغيبيات :
فالله عز وجل يقول:
﴿غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ﴾
[سورة الروم الآية: 2-3]
وقصة طويلة جرت بين سيدنا الصديق وبين كفار قريش, وتحدى كل منهم الطرف الآخر, وفي العام السابع انتصر الروم على الفرس, هذا اسمه غيب المستقبل .
في القرآن غيب الماضي, وغيب الحاضر, وغيب المستقبل, غيب الماضي بعده زمن, وغيب المستقبل بعده زماني, وغيب الحاضر بعده مكاني .
هذا ما أخبرنا به النبي :
القرآن أخبرنا بالغيب
أنا حينما تقول لي: جرى في حلب الساعة الثامنة مساءً كذا وكذا, أنا في دمشق، حلب بالنسبة إلي غيب, هذا غيب الحاضر البعد مكاني, أما غيب المستقبل: وهم من بعد غلبهم سيغلبون، غيب الماضي :
﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾

[سورة آل عمران الآية: 44]
فالنبي عليه الصلاة والسلام أخبرنا عن غيب الماضي, وعن غيب الحاضر, وعن غيب المستقبل, إذاً: الدليل الثاني: إخبار القرآن بالغيب .

انظر إلى ثقة النبي بربه :
إنسان يدعي النبوة, يتورط مع الخلق جميعاً, أن الروم سيغلبون, وهو فرد مضطهد ملاحق, وضعت مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً, لولا أنه واثق أن الله جل جلاله لا يخيبه :
﴿فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ﴾
[سورة الروم الآية: 3-4]
5-حماية الله لنبيه من أن يقتل :
الآن: حماية الله لنبيه من أن يقتل, قال تعالى:
﴿وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ﴾
[سورة الإسراء الآية: 60]
﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾
[سورة المائدة الآية: 67]
لأن النبي عليه الصلاة والسلام واثق أشد الثقة أن الله لا يخزيه, صرف حراسه, واعتمد على الله, استثناءً هنا, ما في اعقل وتوكل, هنا معه وحي, والوحي زوال الكون أهون على الله من أن لا يحقق وعده لنبيه, صرف حراسه, والله يعصمك من الناس, يعني يعصمك من أن تقتل، نبي معه رسالة إذا قتل, أين الله؟ .
سؤال :
قد يقول أحدكم: ماذا نفعل بقوله تعالى:
﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾
[سورة آل عمران الآية: 144]
دخل احتمال قتله, كيف نوفق بين هذه الآية وبين هذه الآية؟ :
﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾
[سورة المائدة الآية: 67]
في أثناء التبليغ لا يمكن أن يقتل, إذا انتهى التبليغ موضوع ثان، الآية الثانية: لو أن التبليغ قد انتهى:
﴿أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾
[سورة آل عمران الآية: 144]
كان النبي عليه الصلاة والسلام يحرس حتى نزلت هذه الآية, والله يعصمك من الناس, فأخرج النبي عليه الصلاة والسلام رأسه من القبة, فقال لهم: يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله .
6-أن الرسل تعاقبوا قبل مجيئه لكن بعد مجيئه لا رسول بعد رسول الله ولا نبي
أيضاً من أدلة نبوة النبي عليه الصلاة والسلام: أن الرسل تعاقبوا قبل مجيئه, لكن بعد مجيئه لا رسول بعد رسول الله, ولا نبي بعد نبي الله :
﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً﴾
[سورة الأحزاب الآية: 40]
7-الإعجاز العلمي :
أيها الأخوة, ومن أدلة القرآن الكريم على أن هذا القرآن كلام الله, وعلى أن النبي عليه الصلاة والسلام هو رسوله: الإعجاز العلمي, هذا الموضوع موضوع واسع جداً, وأرجو الله سبحانه وتعالى, أن يكون كتب موسوعة العلمي عن قريب بين أيديكم, كتاب واسع جداً, أكثر من ثمانمئة صفحة, إن شاء الله سوف تكون بين أيدي الأخوة بعد حين, يعني:
﴿سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾
[سورة فصلت الآية: 53]
أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد؟ .
ما توصل إليه العلماء من الاكتشافات العلمية :
الإعجاز العلمي بالقرآن والسنة أكثر أن يحصى, بأدنى الأرض واحدة, لم يكن يعرف قبل اكتشاف أشعة الليزر, أن غور فلسطين أخفض مكان في الأرض:
﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾
[سورة الرحمن الآية: 19-21]
الإعجاز العلمي في القرآن دليل على مصداقيته
بعد أن اكتشفت سفن الفضاء, أن بين كل بحرين حاجزاً برزخاً, وحجراً محجورا, فسرت هذه الآية .
بعد أن اكتشفت مجرة تبعد عنا ثلاثة آلاف سنة ضوئية وشكلها كالوردة, قال تعالى:
﴿فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ * فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾
[سورة الرحمن الآية: 37-38]
عرف أن هذا مما يؤكد كلام الله .
بعد أن قال الله عز وجل:
﴿وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾
[سورة الأنعام الآية: 125]
بعد أن ركب الإنسان الطائرة ونقص الأوكسجين, شعر بضيق لا يوصف .
بعد أن اكتشف أن الذكر والأنثى لا علاقة للبويضة بهما, وقد قال الله عز وجل:
﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى﴾
[سورة النجم الآية: 45-46]
تبين أن العامل الحاسم في كون المولود ذكراً أو أنثى, هو النطفة وليس البويضة .
بعد أن قال الله عز وجل:
﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾
[سورة يس الآية: 40]
اكتشف أن كل شيء يدور حول نواة من الذرة وإلى المجرة .
بعد أن ثبت أن الأرض تسير حول الشمس بسرعة ثلاثين كيلو متر في الثانية, الآن لنا نصف ساعة تقريباً, ثلاثين بالثانية بالدقيقة ألف, وثمانمئة بعشر دقائق ثمانية عشر ألف, بالعشرين دقيقة ستة وثلاثين ألف, بثلاثين دقيقة ثمانية وأربعين ألف كيلو متر ماشين من أول الدرس وإلى الآن، قال تعالى:
﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾
[سورة النمل الآية: 88]
بعد أن اكتشف أن كل نجم في الكون, يدور حول نجم آخر في مسار مغلق, قال تعالى:
﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ﴾
[سورة الطارق الآية: 11]
من المستحيل :
حديث طويل، آيات الله في المجرات, وفي الشمس والقمر, وفي الليل والنهار, وفي الجبال وفي السهول, وفي الصحارى وفي الوديان, وفي البحار وفي الأنهار, وفي الأسماك, وفي الأطيار, وفي الحيوانات، وفي خلق الإنسان, وفي خلق الطعام والشراب:
﴿سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾
[سورة فصلت الآية: 53]
أي مستحيل, وألف ألف مستحيل أن يأتي النبي بحقائق لم تكن معروفة, ولا إلى مئة عام ألف وثلاثمائة عام لم تكن معروفة، الآن عرفت .
إذاً: إعجاز القرآن الكريم أكبر دليل قطعي على أنه كلام الله، هذا موضوع واسع جداً جداً، أنا من فضل الله عز وجل, أي من خمس وعشرين سنة, في كل خطبة القسم الثاني موضوع في الإعجاز العلمي، فهذا موضوع إن شاء الله, سوف ترون تفاصيله في القريب العاجل .
8-الإسراء والمعراج :
الإسراء والمعراج أيضاً مما يؤكد نبوة النبي عليه الصلاة والسلام الإسراء والمعراج يؤكدان نبوة النبي عليه الصلاة والسلام
ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام انتقل من مكة إلى بيت المقدس, ثم عرج من بيت المقدس إلى السماء, إلى سدرة المنتهى, وعاد إلى بيته في مكة, وكأن الله طوى له المكان والزمان، وحينما قال الله:
﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾
[سورة الإسراء الآية: 1]
أي أن هذه القصة, أو أن هذا الإسراء والمعراج, لا يخضع لقوانين الكون, إنما هو استثناء, لأن الذي خلق المكان والزمان, اختصر المكان واختصر الزمان لسيد الأنام، لأن النبي عليه الصلاة والسلام أكرمه الله بالإسراء والمعراج, وأعلمه أنه سيد الأنبياء والمرسلين ، عقب وقوفه بالطائف, حينما قال: إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي, ولك العتبى حتى ترضى, لكن عافيتك أوسع لي .

ما معنى الإعجاز؟ :
أيها الأخوة المؤمنون, ولا زلنا في أدلة أن محمد رسول الله.
تحدثنا في درس سابق عن الإعجاز العلمي في القرآن والسنة, واليوم ننتقل إلى الإعجاز العملي, ومعنى الإعجاز أن يأتي النبي بشيء لا يستطيع البشر جميعاً أن يأتوا به, إلا أن يكون هذا عن طريق الله عز وجل.

من المعجزات العملية :
1-معجزة الإسراء والمعراج :
لعل من أبرز معجزات النبي صلى الله عليه وسلم العملية: الإسراء والمعراج, فأنت حينما تقرأ سورة الإسراء وسورة النجم، في الأولى حديث عن الإسراء, وفي الثانية حديث عن المعراج.
أنت في هاتين السورتين, تطالع أحداث خارقة للعادة, لا ينبغي أن تحللها وفق قوانين الأرض، إن أردت أن تحللها وفق قوانين الأرض, لن تصل إلى نتيجة, لأن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾
[سورة الإسراء الآية: 1]
فهذه الآيات له، لم يقل: ليريكم من آياتنا، قال: لنريه من آياتنا, إذاً: هذا خرق لقوانين الأرض, أن ينتقل النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس، ثم يعرج إلى السماء إلى سدرة المنتهى, ويعود إلى الأرض, ثم يعود إلى مكة, دون أن يكون للزمن حساب في هذه الرحلة.
سؤال دقيق :
أيها الأخوة, هناك سؤال دقيق: لو أن النبي صلى الله عليه وسلم عرج إلى السماء من مكة, هذا ممكن, ما الذي يحصل؟ لا يستطيع أحد أن يعرف المكان الذي عرج إليه النبي عليه الصلاة والسلام, يبقى هذا العروج في إدراك النبي وحده، أما حينما أسري به إلى بيت المقدس، وسئل: صف لنا بيت المقدس، وهو في علم قريش لم يسافر إليه قبل هذا التاريخ, فجاء وصفه مطابقاً تماماً لوصف بيت المقدس، ثم قيل له: هل رأيت من قوافل في الطريق؟ فوصف قافلة أو عدة قوافل, وجاء وصفه مطابقاً تماماً لما حدث, فاستطاع النبي من خلال الإسراء: أن يثبت لهم أنه وصل إلى بيت المقدس، وأنه رأى قافلة حينما عادت إلى مكة المكرمة, وسألوها, جاء وصف النبي صلى الله عليه وسلم مطابقاً لها تماماً.
إذاً: الإسراء في إدراك النبي, وفي إدراك من حول النبي من المشركين والمؤمنين، فصار يقين الإسراء دليلاً إلى يقين المعراج، إذاً: هذه حكمة أن النبي صلى الله عليه وسلم أسري به من مكة إلى بيت المقدس, وهناك أدلة قطعية جاء بها من وصف دقيق لبيت المقدس, ولمن كان في الطريق, أما العروج إلى السماء فيبنى على الإسراء.
ما حكم من كذب بالإسراء والمعراج؟ :
من كذب بالإسراء فقد كفر، لكن من كذب بالمعراج فقد فسق وعصى، الدليل القطعي في الإسراء، أما ليس في طاقة البشر, أن يتأكدوا من عروجه صلى الله عليه وسلم إلى السماء, إلا بالدليل الإخباري الذي أخبرنا الله به, وهذا دليل عند المؤمنين قطعي الدلالة.
هناك دليل حسي، وهناك دليل عقلي، وهناك دليل إخباري، فالدليل العقلي للإسراء قائم، بينما الدليل العقلي للمعراج غير قائم, إلا أن الدليل القطعي للمعراج إخبار الله لنا, أنه عرج به إلى السماء:
﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾
[سورة النجم الآية: 1-18]
إليك الدليل القرآني الذي يبين فيه بأن الإسراء والمعراج تمت بالروح والجسد :
أيها الأخوة, ينبغي في موضوع الإسراء والمعراج: أن ننفي روايات ضعيفة لا تقوم على حال، أن الإسراء كان مرة أو مرتين هذه روايات غير صحيحة، أو أنه كان في المنام، فإذا كان في المنام لا يمكن أن يكون خرقاً للعادات, لأن أي إنسان يرى في المنام ما يشاء، فليس بالمنام، وليس مرات عديدة، إنه مرة واحدة بالجسم وبالروح، والدليل بالجسم أن الله سبحانه وتعالى قال:
﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾
والعبد جسم والعبد روح:
﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾
وهو في السماء أوحى إلى عبده, فالدليل القرآني على أن العروج, تم بالروح وبالجسد، أنه أوحى إلى عبده, والعبد يشمل الجسم ويشمل الروح.
إليكم هذه الحقائق التي تتحدث عن تفاصيل الإسراء والمعراج :
أيها الأخوة, هناك أحاديث صحيحة تتحدث عن تفاصيل الإسراء والمعراج, ولكن الذي يعنينا من هذه الأحاديث الحقائق التالية:
أن النبي صلى الله عليه وسلم في أصح الروايات, لم ير ربه, لأن الله سبحانه وتعالى أنبأنا أننا في الجنة, سوف نرى الله عز وجل:
﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾
[سورة القيامة الآية: 22-23]
أما في الدنيا يقول الله عز وجل:
﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ﴾
[سورة الأنعام الآية: 103]
أما الرؤية التي وردت في المعراج:
﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى، أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى، وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى﴾
وفي قوله تعالى:
﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾
هذه كلها تعني جبريل عليه السلام.
أيها الأخوة, يقول عليه الصلاة والسلام مما أخرجه مسلم في صحيحه, أنه قال:
((لقد رأيتني في الحجر, وقريش تسألني عن مسراي, فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها, فكربت كربة ما كربت مثله قط, قال: فرفعه الله لي أنظر إليه, ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به))
أيها الأخوة, في المعراج نزلت خواتيم سورة البقرة أيضاً في الإسراء والمعراج، وفي المعراج فرضت الصلاة على المسلمين خمس صلوات على حديث طويل يصف هذه التفاصيل.
إيمان النبي بالجنة والنار إيمان شهودي :
الشيء الدقيق: أن كل أهل الأرض من دون استثناء إيمانهم بالجنة والنار إيمان تصديقي, لأن الله أخبرنا أن هناك جنة وأن هناك ناراً، إلا النبي عليه الصلاة والسلام فإيمانه بالجنة والنار إيمان شهودي، النبي وحده إذا حدثنا عن الجنة أو عن النار حديث المشاهد، حديث اليقين، نحن نؤمن بأشياء نراها إيماناًً حسياًًَ، ونؤمن بأشياء لا نراها, لكن نرى آثارها إيمان عقلياً، ونؤمن بأشياء لا نراها ولا نرى آثارها, إلا أن الله أخبرنا بها فهذا إيمان إخباري ، إلا أن النبي وحده صلى الله عليه وسلم في المعراج, أطلعه الله على أهل الجنة, وأطلعه الله على أهل النار، فإيمانه بالجنة والنار إيمان شهودي.
من تكريم الله لنبيه :
أخرج البخاري في صحيحه, عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال:
((بَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ فِي الْجَنَّةِ, إِذَا أَنَا بِنَهَرٍ, حَافَتَاهُ قِبَابُ الدُّرِّ الْمُجَوَّفِ, قُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَ رَبُّكَ, فَإِذَا طِيبُهُ -أو طينه- مِسْكٌ أَذْفَرُ))
[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي والنسائي في سننهم]
هذا حديث صحيح يبين: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل إلى الجنة, ورآها رأي العين, وهذا تكريم عظيم له.
ما سبب حادثة الإسراء والمعراج؟ :
أيها الأخوة, أنه يوم كان في الطائف, وقد بالغ أهل الطائف في الإساءة إليه تكذيباً, وسخرية, ورشقاً بالحجارة، فالتجأ إلى حائط, وقال: اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي, وقلة حيلتي, وهواني على الناس، يا رب المستضعفين إلى من تكلني، إلى صديق يتجهمني, أو إلى عدو ملكته أمري، اللهم إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي, ولك العتبى حتى ترضى, لكن عافيتك أوسع لي.
يعني إذا كان للدعوة خط بياني, وصل هذا الخط إلى النهاية الصغرى, في أصعب أوقات النبي تكذيب, وسخرية, وإساءة بالغة، فقال: يا رب, إن كانت هذه الشدة التي لحقت بي تعبيراً عن غضبك علي, لك العتبى حتى ترضى، وإن كنت راضياً عني فلا أبالي، لك العتبى حتى ترضى, وكان أديباً من الله عز وجل إذا قال: لكن عافيتك أوسع لي.
أيها الأخوة, تأكدوا: أنه ما من محنة إلا بعدها منحة، وما من شِدة إلا بعدها شَدة إلى الله عز وجل، رد الإلهي العظيم, الكريم, الشكور, على هذا الموقف الصعب, الذي وقفه النبي صلى الله عليه وسلم في الطائف, هو قوله تعالى:
﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾
يعني رد الإله على صبر النبي في سبيل هداية قومه, أنه أسري به إلى بيت المقدس, وعرج به إلى السماء, أنه سيد الأنبياء والمرسلين, وأنه سيد ولد آدم.
تعقيب :
من قرأ الآيات الأولى في سورة الإسراء, ولم يكن متقناً لحفظها, فإذا قال:
﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايَاتِنَا إِنَّه -لو لم يكن حفظه دقيقاً, التعقيب المناسب لهذه الآيات, إنه على كل شيء قدير، لا!- إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾
يعني يا محمد لقد سمعناك بالطائف، سمعنا دعاءك، ورأينا تحملك، ورأينا صبرك، ورأينا جهادك في سبيل نشر هذا الحق، فهذه المكافأة، أنك سيد الأنبياء والمرسلين، وأن الذي أُطلعت عليه لم يتح لأحد من العالمين، لقد رأى من آيات ربه الكبرى: أن الذي أطلعت عليه لم يتح لأحد من العالمين.
﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى، لَقَدْ رَأَى مِنْ ءَايَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾
أيها الأخوة, إذاً: الإسراء والمعراج مكافأة بعد محنة، وشَدة إلى الله بعد شِدة، وإعلام لنبيه الصابر أنه سيد ولد آدم.
هذا ما رآه النبي يوم المعراج :
في المعراج: رأى النبي صلى الله عليه وسلم عذاب الذين يغتابون الناس, ويقعون في أعراضهم.
فقد قال عليه الصلاة والسلام:
((لما عرج بي ربي عز وجل, مررت بقوم لهم أظفار من نحاس, يخمشون وجوههم وصدورهم, فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس, ويقعون في أعراضهم))
وفي المعراج: رأى النبي صلى الله عليه وسلم الذين يتكلمون كلاماً صحيحاً, لكن لا يطبقون كلامهم, رآهم في النار.
فقال:
((أتيت ليلة أسري بي على قوم, تقرض شفاههم بمقاريض من نار, كلما قرضت وفت -أي نمت- فقلت: يا جبريل, من هؤلاء؟ قال: خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون, ويقرؤون كتاب الله ولا يعملون به))
وسيدنا رسول الله وهو في الجنة، طبعاً: هذا موضوع في العقيدة, لا يمكن إلا أن يكون مأخوذاً من آية قطعية الدلالة, ومن حديث صحيح، قضية عقيدة خطيرة جداً.
فقد أخرج البخاري في صحيحه, من حديث أنس:
((فلما علونا السماء الدنيا, فإذا رجل عن يمينه أسودة -يعني سواد كثيف- وعن يساره أسودة, فإذا نظر قبل يمينه ضحك, وإذا نظر قبل شماله بكى، فقال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح, قلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا آدم, وهذه الأسودة عن يمينه, وعن شماله نسم بنيه -يعني ذريته- فأهل اليمين أهل الجنة، والأسودة التي عن شماله أهل النار، فإذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى))
[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح]
تعقيب آخر :
أيها الأخوة الكرام, أريد أن أعقب على حديث الإسراء والمعراج: أنه ما من مؤمن, وهذه قاعدة أصيلة, ما من مؤمن مستقيم على أمر الله, صابر على قضائه وقدره, تصيبه محنة, إلا ينبغي أن يعلم علم اليقين, إنه إذا استقبلها بالرضا وبالصبر, جاء بعدها منحة، وما من مؤمن مستقيم على أمر الله, حافظ لعهوده ومواثيقه, تصيبه شدة, إلا ينبغي أن يعلم علم اليقين أن بعدها شَدةً إليه، هذه حقيقة, لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدوة، والله عز وجل يمتحننا ثم يفرج عنا، ففي الامتحان دليل على قوة إيمان الممتحن, وفي الفرج الذي يعقب هذه الشدة, دليل على كرم الله عز وجل.
المعجزة لا تخضع لقوانين الأرض ولا لمقاييس العقل وإنما هي خرق لنواميس الأرض
أيها الأخوة, لا شك أن المعجزات العملية التي هي خرق لقوانين الأرض ونواميس الكون، والتي لا تخضع لقواعد الحياة التي نحياها, هي معجزة, وهي دليل على أن الذي جاء بها نبي مرسل، ومن أولى المعجزات العملية الإسراء والمعراج.
طبعاً: بسذاجة ما بعدها سذاجة, لو قلت: كيف يصعد النبي إلى السماء، أو إلى أعلى طبقات السماء، أو إلى سدرة المنتهى؟ بالقوانين الأرضية هذا مستحيل، لكن كما أنك تؤمن أن الله سبحانه وتعالى, جعل إبراهيم في النار, والنار لم تحرقه، وكما تؤمن أن الأرض أصبح طريقاً يبساً، وكما تؤمن أن الجبل خرج منه ناقة لسيدنا صالح، وكما تؤمن أن العصا أصبحت ثعباناً مبيناً، هذه كلها معجزات لا يمكن أن تخضعها لقوانين الأرض ولا لمقاييس العقل، إنها خرق لنواميس الأرض وقوانين الكون، أول هذه المعجزات العملية كما قلت الإسراء والمعراج.
2-نصرته الرياح يوم الخندق :
من هذه المعجزات العملية: أن العرب حينما أحدقت بالمسلمين في معركة الخندق, وأرادوا استئصالهم, وإبادتهم, وجمعوا جمعاً لم يجمع مثله في تاريخ الجزيرة، جاءت كل القبائل لتحارب النبي عليه الصلاة والسلام, فحينما قال الله عز وجل:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً﴾
[سورة الأحزاب الآية: 9]
أيها الأخوة, هذه الرياح الشديدة أطفأت نيرانهم، وكفأت قدورهم، وهدمت أبنيتهم، واقتلعت خيامهم، وشردت خيلهم وجمالهم، وعاد المشركون من حيث أتوا، فهذه الرياح أيضاً إحدى معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، لذلك من أدعية النبي عقب هذه الغزوة:
لا إله إلا الله وحده, نصر عبده, وأعز جنده, وهزم الأحزاب وحده, لا شيء قبله ولا شيء بعده.

من المعجزات الحسية :
1- أن النعاس والمطر والملائكة نزلت لتأييد المسلمين يوم بدر :
أيها الأخوة, ومن معجزات النبي صلى الله عليه وسلم الحسية: أن النعاس والمطر والملائكة نزلت لتأييد المسلمين يوم بدر، قال تعالى:
﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾
[سورة الأنفال الآية: 11-12]
يقول عليه الصلاة والسلام فيما أورده الإمام أحمد في مسنده بإسناد صحيح, عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه قال:
((لقد رأيتنا يوم بدر, وما منا إلا نائم, إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم, -هذا النعاس الذي يطفي الأمن على النائم-, فإنه كان يصلي إلى شجرة, ويدعو, حتى أصبح, ثم إنه أصابنا من الليل طش -أي قليل من المطر- فانطلقنا تحت الشجر, نستظل تحتها من المطر, وبات النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه, ويقول: اللهم إن تهلك هذه الفئة فلن تعبد بعد اليوم، فلما طلع الفجر, نادى: الصلاة عباد الله, فجاء الناس من تحت الشجر, فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم, وحرضنا على القتال))
وقوله تعالى:
﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ -أي أنصركم- فَثَبِّتُوا الَّذِينَ ءَامَنُوا﴾
في شرح النووي على صحيح مسلم, قال ابن عباس:
((بينما رجل من المسلمين يومئذٍ, يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه, إذ سمع ضربة بالصوت فوقه, وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم, -وهو اسم فرس الملك- إذ نظر إلى المشرك أمامه, خر مستلقياً، فنظر إليه, فإذا هو قد خطم أنفه, وشق وجهه كضربة السوط, فاخضر ذلك أجمع, فجاء الأنصاري, فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صدقت ذاك مدد من السماء))
[أخرجه مسلم في الصحيح, والترمذي في سننه]
قرآن:
﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ ءَامَنُوا﴾
يعني إذا كنا مع الله, كان الله معنا, وأرسل جنوداً لا نراها, لكنها تحسم المعركة.
2-ما وقع يوم الهجرة :
أيها الأخوة الكرام, ومن المعجزات الحسية, يقول الله عز وجل حينما وقعت الهجرة:
﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾
[سورة التوبة الآية: 40]
سيدنا الصديق وهو في الغار يقول:
((قُلْتُ للنّبيّ صلى الله عليه وسلم ونحْنُ في الْغَارِ: لَوْ أَنّ أَحَدَهُمْ يَنْظُرُ إِلَى قَدَمَيْهِ لأبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ, فقالَ: يَا أَبا بَكْرٍ, مَا ظَنّكَ بِاثْنَيْنِ الله ثَالِثُهُمَا؟))
3-خيبة أمل سراقة بالنيل من النبي :
ومن المعجزات الحسية: أن النبي في أثناء الهجرة, تبعه سراقة لينال مئة ناقة, لمن يأتي بالنبي حياً أو ميتاً, فساخت قدما فرسه في الرمال, حتى لامست بطن الفرس الأرض, وسقط من فوق فرسه، فأخذ سراقة يطلب من رسول الله الأمان.
ففي صحيح البخاري, عن أنس قال:
((فالتفت أبو بكر, فإذا هو بفارس قد لحقهم، فقال: يا رسول الله، هذا فارس قد لحق بنا, فالتفت نبي الله صلى الله عليه وسلم, فقال: اللهم اصرعه فصرعه الفرس، ثم قامت تحمحم، فقال: يا نبي الله، مرني بما شئت، قال: فقف مكانك، لا تتركن أحدا يلحق بنا, قال: فكان أول النهار جاهدا على نبي الله صلى الله عليه وسلم، وكان آخر النهار مسلحة له))
طبعاً: ثقة النبي بالله لا حدود لها، هو مهدور دمه، مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً, ويقول لسراقة: كيف بك يا سراقة إذا لبست سواري كسرى؟.
أي أنني سأصل، وسأنشئ دولة، وسأحارب أعظم دولتين في الأرض، وسأنتصر، وستأتي الغنائم من كسرى, ويا سراقة سوف تلبس سواري كسرى, ليس إلا الله:
﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ﴾
[سورة الأنفال الآية: 10]
إذا كان الله معك فمن عليك وإذا كان عليك فمن معك؟ :
إذا كنا مع الله كان الله معنا، نحن أمام عدو كبير، وعدو قوي، وعدو ذكي, وعدو غني، لكن أين الله؟ الله موجود، ولكن هان أمر الله علينا فهنا على الله، الله عز وجل وعد المسلمين في القرآن أن يمدهم بالملائكة، ما معنى أن ينتصر 300 إنسان, لا رواحل لهم, ولا أسلحة في أيديهم، على أضخم جيش في مكة, كله مدعم بالأسلحة والأبطال بالصناديد؟.
إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ هذه المعجزات تعطي الأمل، الله عز وجل بقدرته أن يفعل كل شيء:
﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾
﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾
[سورة محمد الآية: 7 ]
هان أمر الله علينا فهنا على الله :
﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ﴾
فأيدوا الذين آمنوا، أين التأييد؟ والله موجود، والله الذي نصر أصحاب رسول الله ينصرنا، والإله الذي أيدهم يأيدينا، والله الذي حفظهم يحفظنا، والإله الذي أحبط مسعى أعدائهم يحبط مسعى أعدائنا، ولكن أمر الله هان علينا فهنا على الله.
ونحن بين المسلمين في خصومات، وفي عدوان على الأموال والأعراض, ما يعلمه إلا الله، هذه أمة تستحق النصر؟! سبعة آلاف دعوى في قصر العدل كلها كيدية, وكلها ظلم وعدوان، هذا المسلم الذي يحضر مجالس العلم, ليس كهذا الصحابي الكريم الذي كان متألقاً.
هذه أمة الإسلام اليوم :
سمعت من أحد الشعراء, الذين كانوا مقيمين في الشام, هو من العراق, يقول:
أكاد أومن من شك ومن عجب هذه الملايين ليست أمة العرب
ما هؤلاء عرب؟
لا بحسب تاريخهم قبل الإسلام, شجاعتهم, نخوتهم, إكرامهم للضيف، نجدتهم، ولا بحسب قيم الإسلام, كأن هذه الأمة لا هوية لها، ما هويتها؟ أنتم من؟ مع الشرق؟! مع الغرب المتقدم؟! في قيم حضارية ليست عندنا، مع التاريخ المسلم؟! في قيم إسلامية ليست عندنا، نحن مع من؟ المسلمون مع شهواتهم، ومع أهوائهم، ومع حظوظهم، وكلما رأيت من سقطات المسلمين، ومن انهيار القيم عندهم، ومن انكبابهم على سفاسف الأمور, هذه أمة تستحق النصر؟! هذه أمة ينظر لها؟!:
﴿فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً﴾
[سورة الكهف الآية: 105]
لهم:
﴿صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ﴾
[سورة الأنعام الآية: 124]
كهف المؤمن في آخر الزمان :
أيها الأخوة, نحن بحاجة إلى كهف نأوي إليه، كهفنا مسجدنا وبيتنا.
((إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوى متبعاً، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فالزم بيتك، وأمسك لسانك، وخذ ما تعرف، ودع ما تنكر، ودع عنك أمر العامة))
هذه آية الوقت:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾
[سورة المائدة الآية: 105]
عليكم أنفسكم، أنا أحاول أن أصلح الناس, فإن لم أستطع أصلح نفسي، أحاول أن أعين الناس على أن يتصلوا بالله، فإن لم أستطع أتصل أنا بالله عز وجل، أحاول أن تكون دعوتي عامة, فإن لم أستطع, أجعلها خاصة لأهل بيتي, ولمن يلوذ بي:
﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾
[سورة الشعراء الآية: 214]
قف هنا :
أيها الأخوة الكرام, والله ليس من باب التشاؤم, والله هؤلاء المسلمون الغارقون بالشهوات, البعيدون عن ربهم، المتبعون لغرائزهم، المؤثرون لمصالحهم، الذين يعبدون المال من دون الله.
((إذا رأيت شحاً مطاعاً:
-مادية مقيتة.
يقسم بالله وبالكعبة وبالقرآن, أن رأس مالها أكثر من هذا السعر يكون ربحان بها بالمئة مئة، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل-.
إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً.
-يعبدون الجنس من دون الله، الناس هجروا القرآن, والتفتوا إلى الشهوات, أينما ذهبت في الطريق، على الشاشة، في الإنترنت، في المجلة، في الجريدة، في أي مكان-.
إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً.
-الجنس يعبد من دون الله-.
وإعجاب كل ذي رأي برأيه))
كل إنسان قطب العالم، أنا أرى، من حضرتك؟ أنت من؟ في إله مشرع، في قرآن منزل, في حديث من المعصوم، أنت من؟ يقولون: عندنا هذا ليس جائز.
من أنت؟!! :
أنا أرى أن قطع اليد همجية, من أنت؟ شيء نزل من السماء لقطع دابر السرقة.
يد بخـمس مئين عـسجد وديت مـا بالــها قطعت في ربـــع دينار
عز الأمانـــة أغلاها وأرخصها ذل الخيانـــة فافــهم حكمة الباري
يقولون: هذا عندنا غير جائز!
يقول الشاعر:
فمن أنتم حتى يكون لكم عند؟.
من أنت؟ إذا كان سيد الخلق الذي بلغ سدرة المنتهى:
﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ ءَايَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾
قال: إنما أنا متبع:
﴿قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾
[سورة الأعراف الآية: 203]
إذا سيد الخلق متبع, أنت مبتدع, رأي كذا، رأي أن المال لا بد له من أن يستثمر في بنك ربوي، هذا المال قوة كبيرة، أيعقل أن يجمد من دون استثمار؟ المرجع رأيه وعقله, فمثل هذه الأمة التي عبدت شهواتها, والتي ألهت مصالحها، والتي هبطت في سقوط مريع مثل هذه الأمة, لا تستحق وعد الله بالنصر, مع أن زوال الكون أهون على الله, من ألا يحقق وعوده للمؤمنين.
من فوائد المعجزات الحسية :
أيها الأخوة الكرام, من فوائد المعجزات الحسية: أنك إذا كنت مع الله كان الله معك:
﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾
[سورة المائدة الآية: 40]
سيدنا إبراهيم كسر الأصنام, أليس من الممكن: أن يختفي؟ ما اختفى، تم القبض عليه، أليس من الممكن: وقد أشعلت النار, أن تأتي أمطار تطفئها؟ نعم، لكن أراد الله أن تشتعل النار، أليس من الممكن: أنهم إذا قذفوه جمدوا, وماتوا فجأة؟ ممكن، لكن سمح الله لهم أن يقذفوه بالنار، سمح الله لهم أن يقبضوا عليه، وسمح الله لهم أن يضرموا النار، وسمح الله لهم أن تتأجج النار، ثم ألقوه في النار، كلمتين:
﴿يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾
[سورة الأنبياء الآية: 69]
في مفسرين جزاهم الله خيراً حللوا هذه الكلمات، قال: لو أن الله قال: يا نار كوني برداً, لمات إبراهيم من البرد، لو أن الله قال: يا نار كوني برداً وسلاماً, انتهى مفعول النار إلى يوم القيامة، لم يعد هناك نار، تطبق عليه, لأنه قال: يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا, برد غير مميت, عَلَى إِبْرَاهِيمَ بالذات.
الله معك، الله معنا دائماً، فإذا كنت مع الله كان الله معك، وإذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك.
خاتمة القول :
في فائدة للمعجزات: يجب أن تطمئن أن الله قد يخرق هذه العادات التي تظنها لا تخرق، إن خرقها لمؤمن فهي كرامة، وإن خرقها لنبي فهي معجزة، وإن رأيت شيئاً غير مألوف عادة, من ضال مضل فهي ضلالة، من إنسان ضال ضلالة، من إنسان مؤمن كرامة، من نبي معجزة.
من المعجزات التي وردت عن النبي عليه الصلاة والسلام :
أيها الأخوة المؤمنون,تحدثناعن الأدلة التي تؤكد رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان الدرس السابق المعجزات العملية التي تمت على يديه صلى الله عليه وسلم, وقد وردت فيها آيات كريمة قطعاً، وهناك معجزات أيضاً وردت فيها أحاديث شريفة, من هذه المعجزات:
تكثير الماء القليل بين يديه، وتكثير الطعام القليل بين يديه، وحنين جزع النخلة إليه، وتسبيح الطعام، وحماية النبي صلى الله عليه وسلم من أعدائه وكشف مؤامراتهم .
تعليق :
أيها الأخوة, لكن لا بد من تعليق حول المعجزات أو الدلالات، الله عز وجل خالق السموات والأرض، الله عز وجل مقنن القوانين، فالذي قنن القوانين قادر في أية لحظة أن يقنن غيرها, والذي قنن القوانين قادر في أية لحظة أن يعطلها، أو أن يلغي وجودها إما بالإلغاء أو بالتعطيل، فالقوانين التي قننها الله عز وجل في أية لحظة قادر على أن يغيرها، فلذلك حينما نتحدث عن معجزات عملية تمت على يد النبي صلى الله عليه وسلم, ينبغي نعلم أن خرق العادات مقبول عقلاً, لكن قد لا نقبله عادة، هنا الإشكال .
عامة الناس غير المتعلمين قد يستغربون خرق هذه القوانين، لكن العلماء الراسخين يؤمنون أن الذي خلق الجامد والغاز والمائع, قادر أن يبدل طبيعة كل شيء، لو سألتم أحد علماء الفيزياء، ولو سألتموه عن بعض أبحاث الذرة, لهالكم أن كل شيء ترونه بأعينكم, إنما هو ذرات, والذرة فيها نواة، وفيها كهارب, وفيها مسارات، وفي حركة دائبة، وهذه الحركة تتوافق مع حركة المجرات في الاتجاه نفسه, وأن لكل ذرة عدد من الكهارب, على مسارات متعددة، فبين عنصر هو غازي، وعنصر هو صلب, كهروب واحد، زيادة كهروب أصبح العنصر صلباً، فإذا ضرب سيدنا موسى البحر بعصاه, فأصبح طريقاً يبساً, هذا شيء هين على قدرة الله عز وجل, تعديل طفيف في عدد الإلكترونات أو الكهارب, تنقلب المادة من غاز إلى صلب.
كيف تتعامل مع الأسباب؟ :
الله عز وجل أراد أن نصل إليه بلطف، فجعل لكل شيء سبباً، لكن ضيقو الأفق يظنون: أن السبب خالق النتيجة، لا السبب ترافق مع النتيجة، لكن الذي يخلق النتيجة هو الله, وتأكيداً لهذه الحقيقة, أنه قد يوجد السبب ولا تأتي النتيجة، قد يقترن شاب بشابة ولا ينجبان, وقد يأتي السيد المسيح من السيدة مريم ولم يمسها بشر، ففي الحالة الأولى عطل السبب, وفي الحالة الثانية ألغي السبب، عطل وألغي، ولكن المؤمن يعبد الله ولا يعبد السبب، أهل الغرب أخذوا بالأسباب، واعتمدوا عليها, وألهوها, وعبدوها من دون الله، وأهل الشرق في حقب تخلفهم لم يأخذوا بالأسباب، أهل الغرب وقعوا في الشرك، وأهل الشرق وقعوا في المعصية، بينما الموقف الكامل: أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، وأن تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .
ما وراء هذا الدليل من السنة :
من أوضح الأدلة على هذا الكلام: أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما هاجر إلى المدينة, أخذ بكل الأسباب وكأنها كل شيء، الطريق نحو الشمال الشرقي, هو اتجه نحو الغرب, تضليلاً للمطاردين، وكمن في غار ثور أياماً ثلاثة، وهيأ من يأتيه بالأخبار، وهيأ من يمحو الآثار، ثم اختار خبيراً في الطريق, رجح فيه الخبرة على الولاء، أخذ بكل الأسباب, لكنه متوكل على الله، فلما وصل المطاردون إلى غار ثور, بقي النبي هادئاً، أخذ بالأسباب تنفيذاً لأمر الله, لكنه معتمد على الله .
فقال سيدنا الصديق:
((يا رسول الله لقد رأونا، لو نظر أحد لموطئ قدمه لرآنا, قال يا أبا بكر: ما ظنك باثنين الله ثالثهم))
لو أن النبي عليه الصلاة والسلام أخذ بالأسباب, واعتمد عليها, ثم وصلوا إليه, لانهارت نفسه، أليس كذلك؟ أما الإنسان الآن قد يأخذ بالأسباب ويعتمد عليها, فإن لم تحقق هذه الأهداف هدفه, يصاب بخيبة أمل، فالذي لا يأخذ بالأسباب عاصٍ لله عز وجل .
قال له: أأعقلها أو أتوكل؟ قال له: اعقل وتوكل .
والذي يأخذ بها ويعتمد عليها فقد أشرك, والبطولة: أن تأخذ بها وكأنها كل شيء, وأن تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .
هذه البطولة
يعني مثل من حياتنا اليومية: عندك سفر إلى مكان بعيد، ومعك مركبة، الدين الإسلامي يأمرك أن تراجع المركبة مراجعة تامة؛ المكابح، الزيت، كل شيء فيها، وبعد أن تراجعها مراجعة تامة, تتوجه إلى الله مفتقراً يا ربي احفظني، يا رب سهل لي هذا السفر، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، هل تستطيع أن تأخذ بالأسباب بشكل تام وأن تفتقر إلى الله؟ هنا البطولة، لكن الذي يحدث أن الذي يأخذ بالأسباب يعتمد عليها دون أن يشعر، وينسى الله، والذي لا يأخذ بالأسباب, يعتمد على الله بخلاف ما أراد الله، يتواكل, كلاهما في خطأ كبير .
هذه عقيدة المسلمين :
أيها الأخوة, السبب يرافق النتيجة، وليس خالقاً للنتيجة، هذه عقيدة المسلمين، فلذلك الذي خلق الأسباب يعطلها أو يلغيها، والذي قنن القوانين يعطلها أو يقنن غيرها، شيء طبيعي جداً .
نحن وجدنا كوناً؛ في سموات, وفي أرض، وفي مجرات، وفي شمس، وفي قمر، وفي ليل, وفي نهار، لو أن الله سبحانه وتعالى خلق الأرض مكعباً، ثم قيل: سوف تصبح كرة, مستحيل, لماذا مستحيل؟ الذي خلقها مكعبة يخلقها كرةً، والذي خلق الماء سائلاً يجعله جامداً، فما دام الله هو المقنن, إلغاء القوانين أو تعديلها، أو الإضافة عليها، أو إلغاؤها, أمر على الله يسير، هذه عقيدة المسلم .
إليكم الفرق بين المعجزة والكرامة :
بالمناسبة: خرق القوانين هذه تكون للأنبياء معجزات، والأنبياء لأنهم معصومون, مكلفون أن يتحدوا بها الناس، فإذا خرقت لولي فهي كرامة، والأولى أن يصمت، هي لك أيها الولي, لا تتاجر بها، ولا تتحدى بها، لأنك لو تحديت بها, وأنت لست معصوماً، كُذبت, يتكلم بالنصوص، بالقواعد، بالقوانين، أما هذه الكرامة التي أكرمه الله بها بينه وبين الله, وأروع ما قرأت في هذا الموضوع: أن أعظم كرامة هي كرامة العلم، هذه كرامة عالية جداً, ولا تحتاج إلى خرق القواعد والقوانين :
﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً﴾
[سورة النساء الآية: 113]
نصيحة :
أنا حينما ألتقي بإنسان لم يؤمن بالله, بعد أنا أنصح كل أخ داعية, أن يبتعد عن خرق العادات والقوانين، لأن فكر هذا الإنسان الشارد غير مهيأ لقبول خرق العادات والقوانين، تكون قد أوقعته في مطب كبير، تكون قد أعنته على أن رفض هذا الدين، أنا أنصح كل داعية, ولو كان شاباً ناشئاً, أن يبتعد لمن يدعوهم عن خرق القوانين والعادات إطلاقاً, ابقَ بالتشريع، ابقَ بالقواعد الثابتة .
أنا لا أصدق أن إنساناً يخطب ود الله عز وجل، ويرجو رحمته، ويطيعه، ويتقرب إليه، دون أن يريه الله تكريماً وخرقاً لبعض القواعد والعادات, هذه كرامة لك وحدك، اشكر الله عليها وازدد محبةً له، وازدد اعتقاداً بأنه إله في السماء وفي الأرض, وانتهى الأمر، أما أن تتاجر بهذه الكرامة, هذا يسبب للناس اضطراباً, ولاسيما بعصر كثرت فيه الفتن، وشاعت فيه الضلالات، وصار الحق متهماً، والباطل مسيطراً, فمن باب الحكمة: ابتعد عن خرق العادات التي قد تستمع إليها من بعض الناس .
من المسلمات عند المؤمنين :
نحن كمؤمنين: خرق القوانين التي وردت بها نصوص, نسلم بها مئة بالمئة بكل قطرة في دمنا، وبكل خلية في جسمنا، أما أنا لست مستعد أن أصدق كرامة بلا دليل، لو صدقتها, لدخلنا في متاهة لا تنتهي، ولانتهى الدين، أما المعجزات التي وردت فيها نصوص هذه, نؤمن بها إيماناً قطعياًَ, لأن الله ذكرها في القرآن الكريم .
أنا ذكرت لكم في الدرس الماضي، المعجزات العملية التي تمت على يد النبي صلى الله عليه وسلم, والتي ورد بها نص قطعي الدلالة وقطعي الثبوت، والمعجزات الأخر وردت بها أحاديث شريفة صحيحة في أصح الكتب .
هذا ما يتعلق بخرق العادات، وقلت لكم: أن أفضل كرامة تركم بها أيها المؤمن كرامة العلم، والآية الكريمة:
﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾
هذا بند من بنود معجزات النبي العملية، نصدقها بكل قطرة في دمنا، وبكل خلية في أجسامنا .
من دلائل نبوة النبي عليه الصلاة والسلام :
9-أن وصفه ورد في كتب سماوية سابقة :
شيء آخر: من دلائل نبوة النبي عليه الصلاة والسلام: أن وصفه ورد في كتب سماوية سابقة, فقد قال الله عز وجل:
﴿وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ﴾
[سورة الشعراء الآية: 196]
أي إن ذكر هذا النبي الكريم ورد في الكتب السابقة:
﴿وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ﴾

إليكم ما ورد في التوراة والإنجيل عن ذكر النبي محمد عليه الصلاة والسلام
1-في التوراة :
ففي التوراة مثلاً: جاء أن نبياً سيظهر في مكة، ومكة شرحت الديار التي سكنها قيدار، وهو أحد أبناء إسماعيل، وقيدار سكن مكة، كما تحكي التوراة، وإن اسمه يرتفع فيها، وأنه يركب الجمل، وأنه يحارب بالسيف، وأنه ينتصر هو وأصحابه، وأنه يبارك عليه كل يوم ، وأن ملوك اليمن تأتيه بالقرابين، وأن علامة سلطانه على كتفه بقدر بيضة الحمام، هذا ما جاء في التوراة، فالذي جاء في التوارة دليل نبوة النبي عليه الصلاة والسلام، وفي دليل يؤكد هذا الدليل:
﴿يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾
[سورة البقرة الآية: 146]
هل في الأرض معرفة من أن تعرف ابنك؟ هل تجدون أباً في الأرض يقول لابنه: ما اسمك يا بني؟ ابنه يعرفه:
﴿يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾
كما جاء في التوراة: أن الله تجلى على الناس في أماكن ثلاث؛ هي سيناء, حيث أعطي موسى عليه السلام التوراة، وساعير جبال فلسطين، حيث أعطي الإنجيل لعيسى عليه السلام، ومكة اسمها أيضاً بالتوراة فاران، حيث نزل القرآن على محمد عليه الصلاة والسلام.
وجاء في التوراة أيضاً: أنه جاء الرب من سيناء, وأشرق لنا من ساعير، وتلألأ يعني في سيناء, وفي فلسطين, وفي مكة:
﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ﴾
[سورة التين الآية: 1]
فلسطين:
﴿وَطُورِ سِينِينَ﴾
[سورة التين الآية: 2]
سيناء:
﴿وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾
[سورة التين الآية: 3]
مكة .
هذه أماكن نزول الوحي في الأماكن الثلاثة، إذاً: ما في التوراة يؤكد نبوة النبي عليه الصلاة والسلام .
2-في الإنجيل :
أما في الإنجيل: في إنجيل برنابا، في الباب 220, أن عيسى عليه السلام قال لأتباعه: وسيبقى هذا إلى أن يأتي محمد رسول الله, التي متى جاء, كشف هذا الخداع للذين يؤمنون بشريعة الله، هذا في إنجيل برنابا .
وفي إنجيل يوحنا: إن لي أموراً كثيرة أيضاً, لا أقول لكم, ولكن لا تستطيعون الآن أن تحتملوا, وأما متى جاء ذلك روح الحق, فهو يرشدكم إلى جميع الحق, لأنه لا يتكلم من نفسه, بل كل ما يسمع يتكلم, ويخبركم بأمور آتية، هذا ما جاءنا النبي به من أشراط قيام الساعة :
﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾
[سورة الصف الآية: 6]
وقد قال عليه الصلاة والسلام:
((أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى))
[أخرجه الحاكم في مستدركه]
إذاً: ما جاء في التوراة، وما جاء في الإنجيل, يؤكد نبوة النبي عليه الصلاة والسلام .
10-أن أعداء النبي يشهدون له بالصدق :
أيها الأخوة, بقي أدلة دقيقة لنبوة النبي عليه الصلاة والسلام وهي: أن الذين حول النبي بل أعداء النبي, يشهدون له بالصدق, والصدق من أولى صفات الأنبياء، حتى إنه كان يلقب بالصادق الأمين .
وقد قال سيدنا جعفر للنجاشي: أيها الملك, كنا أهل جاهلية, نعبد الأصنام, ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الرحم، ونسيء الجوار, حتى بعث الله فينا رجلاً؛ نعرف أمانته وصدقه, وعفافه ونسبه, فدعانا إلى الله لنعبده ونوحده, ونخلع ما كان يعبد آباؤنا من الحجارة والأوثان, وأمرنا بصدق الحديث, وأداء الأمانة, وصلة الرحم, وحسن الجوار, والكف عن المحارم والدماء .
فأعداء النبي عليه الصلاة والسلام يشهدون له بالصدق، حتى قال أبو جهل: إنا لا نكذبك, ولكن نكذب ما جئت به، فأنزل الله قوله تعالى:
﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾
[سورة الأنعام الآية: 33]
11-كان صادقاً في أفعاله :
بعد الصدق في الأقوال, كان صادقاً في أفعاله، فما من شيء دعا إليه النبي عليه الصلاة والسلام إلا طبقه في حياته .
فقد أخرج البخاري ومسلم, عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال:
((صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتفخَتْ قدماهُ, فقيلَ لهُ: أتَتَكلفُ هذا, وقد غُفِرَ لك ما تقدمَ من ذنبكَ وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً))
((كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي حتى ترم -أو تنتفخ- قدماه))
وفي صحيح أبي داود, ورد من شمائله صلى الله عليه وسلم, عن عبد الله:
((رَأيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلّي, وفي صَدْرِهِ أزِيزٌ, كأزِيزِ الرّحَى مِنَ الْبُكَاءِ))
وكانت تقول السيدة عائشة: كان عليه الصلاة والسلام كان يذكر الله تعالى على كل أحيانه .
يعني ما في شيء دعا إليه إلا كان سباقاً إليه، أما سهل جداً: أن تدعو الناس إلى شيء وأنت مقصر فيه، من السهولة بمكان: أن تدعو الناس إلى شيء وأنت مقصر فيه، هذا في الصدق القولي والعملي .
أما في الشجاعة: روى مسلم, عن البراء قال:
((كنا إذا احمر البأس, نتقي برسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الشجاع للذي يحاذي به))
يعني يحاذي النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عليه الصلاة والسلام يؤكد أقواله بأفعاله، فقد قال مرةً:
((لَوْ أنّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحمّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا))
[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي والنسائي في سننهم]
12-النبي قدوة للمسلمين :
من دلائل نبوة النبي عليه الصلاة والسلام: كانت أقواله تبليغاً, وكانت أفعاله قدوة، والله عز وجل أمرنا أن تأخذ من أقواله, وأن نتأسى بأفعاله، فقال:
﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾
[سورة الحشر الآية: 7]
وأمرنا أن يكون قدوة لنا، إذ يقول:
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾
[سورة الأحزاب الآية: 21]
بل كان عليه الصلاة والسلام مثلاً أعلى في كل شيء, كأنه جمع الكمالات في البشرية، واصطفاه الله من كل خلقه، وأمرنا أن نتبعه، وقد بين هذا في قوله تعالى:
﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾
[سورة القلم الآية: 4]
13-نفذ النبي ما أمره الله به :
الآن: النبي عليه الصلاة والسلام نفذ قول الله عز وجل:
﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾
[سورة المائدة الآية: 67 ]
فبلغ أصحابه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة, وجاهد في الله حق الجهاد، وهدى العباد إلى سبيل الرشاد، إما باتصالاته الشخصية، أو بدعوة الناس إلى طعام، أو بعرض نفسه على القبائل، أو بالاجتماع إلى الناس، أو بالتصدي للناس، أو بإرسال الدعاة من أصحابه، أو بإرسال الرسل إلى الملوك والأمراء، أو بالجهاد القتالي، وتعرض هو وأصحابه للأذى أكثر من مرة .
فقال:
((قد أخفت في الله عز وجل وما يخاف أحد, ولقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد, ولقد أتت عليَّ ثلاثون من بين يوم وليلة, ومالي ولا لبلال طعام يأكله ذو كبد, إلا شيء يواريه إبط بلال))
وحينما وقف في حجة الوداع, قال بعض أن خطب خطبته الشهيرة:
((اللّهُمّ هَلْ بَلّغْتُ؟ قالُوا: نَعَمْ ثَلاَثَ مَرّاتٍ، قالَ: اللّهُمّ اشْهَدْ ثَلاَثَ مَرّات))
[أخرجه أبو داود في سننه]
ونحن إذا زرنا مقامه الشريف, بعد السلام عليه نقول: أشهد أنك بلغت الرسالة, وأديت الأمانة, ونصحت الأمة, وكشفت الغمة, وجاهدت في الله حق الجهاد, وهديت العباد إلى سبيل الرشاد .
14- أن هذا التشريع الذي جاء به يصلح لكل زمان ومكان:
من دلائل نبوة النبي: أن هذا التشريع الذي جاء به, يصلح لكل زمان ومكان, وقد لا تصدقون للمفاجئة: أن القوانين الدولية اعتمدت الشريعة الإسلامية كأحد المصادر قوانين دولية، وهناك أقوال كثيرة تؤكد هذا, وشواهد كثيرة .
القرآن معجزة مستمرة إلى يوم القيامة :
أيها الأخوة الكرام, الأدلة على نبوة النبي لا تنتهي ولا تنقضي, ولكن يكفي أن هذا القرآن الكريم المعجز الذي جاء به, يعد أكبر دليل على نبوة النبي عليه الصلاة والسلام، وأبرز ما في القرآن الكريم آيات الإعجاز فيه .
ففي القرآن الكريم 1300 آية, تتحدث عن الكون, وعن خلق الإنسان والحيوان والنبات، وهذه الآيات كلما تقدم العلم, كشف جانباً من جوانبها، وكأن هذا القرآن معجزة مستمرة, تنطق بأن هذا الإنسان الذي جاء بهذا القرآن, هو رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ما مهمة الشبهات التي تلقى على المسلمين من هنا وهناك؟ :
أنا حينما أفصل في هذه الموضوعات, أتمنى أن الأخ الكريم المسلم فيما بينه وبين المسلمين, لا يوجد هناك مشكلة، لكن لو أنه جلس في جلسة, وكان فيها أحد من ينكر بعثة النبي، وقال له: هذا ليس نبياً، هل يزلزلك أو تزلزله؟ هنا البطولة، البطولة أن تزلزله, لا أن يزلزلك، لذلك الاعتراضات التي نسمعها من حين لآخر, هذه سمح الله بها، من أجل أن ترفع حرارة الإيمان, من أجل أن ينطلق الناس للتثبت من حقائق هذا الدين .
يعني: قد يقول لك قائل: هذا القرآن ليس كلام الله تتزلزل، تستنجد بالعلماء والدعاة إلى الله, يعطونك الأدلة القوية, هذا الذي قال لك: ليس كلام الله, ماذا فعل معك؟ ثبت إيمانك، دفعك إلى التثبت مما تعتقد .
لقاح قد لا يخطر في بالك :
قال تعالى:
﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾
[سورة الأنعام الآية: 112]
كيف أنه بالضبط الجرثوم, حينما يدخل إلى الجسم, يحرك أجهزته، وتتصدى له الكريات البيضاء، وتأخذ شيفرته، وتنقلها إلى الغدد اللمفاوية, ويصنع المصل, ويقضى عليه, ويودع في ملف، فإذا عاد ثانية أطاحت به هذه الكريات، كذلك الشبهات التي تلقى على المسلمين هذه كاللقاح تماماً، هي مواد تتناقض مع الصحة لكن مضعفة، فالجسم عنده مصل مضاد لها .
الشك طريق اليقين :
حينما يأتي إنسان, ويزعم أن هذا القرآن ليس كلام الله عز وجل, هو من حيث لا يريد ولا يشعر, دفع طلاب العلم إلى التأكد من أدلة أن هذا القرآن كلام الله، إذاً: هو يفعل شيئاً ما أراده, ولكن الله سمح به, أن يقوي إيمان المؤمنين، لذلك الشك طريق اليقين، فإذا الإنسان تطاول على القرآن, أو على النبي العدنان، وتكلم كلاماً ولا سيما في هذه الأيام, فهذا سمح الله به, من أجل أن يقوي إيمان المؤمنين، وأن يدفعهم إلى أن ينتقلوا من إيمان تصديقي إلى إيمان تحقيقي، والإيمان التحقيقي يصمد أمام الإغراءات وأمام الضغوط، أما الإيمان التصديقي هش, ينخرق أمام أي ضغط, وينخرق أمام أي إغراء, هذا معنى قول الله عز وجل :
﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾
أنت في الأعماق, وهذا معنى قول الله عز وجل:
﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾
[سورة الأحزاب الآية: 23]
هذا الذي حصل عقب أحداث العراق :
أيها الأخوة, عقب أحداث العراق, هناك من ترك الصلاة، إيمانه هش، فلما رأى المسلمين لم ينتصروا، وأن الله وعدهم بالنصر, ترك الصلاة، فلما عاتبه أبوه، قال له: لا تقل لي كلمة واحدة: لمَ لم ينصرنا؟ إيمانه هش .
فحينما تأتي الشبهات والضلالات هذه كاللقاحات تماماً, مهمتها أن تهيىء مصلاً مضاداً لهذه الجراثيم، فإذا سمح الله لبعض المضلين أن يضلوا, فمن أن يتقوى إيمان المؤمنين ، ومن حين لآخر يطلع علينا مؤلف بكتاب عجيب, فماذا فعل هؤلاء؟ قدموا خدمة للمؤمنين .
فأسأل الله جل جلاله أن يهدينا لصالح الأعمال, وأن يرشدنا إلى سواء السبيل .

والحمد لله رب العالمين
وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَىَ وأَعْلَمُ


 

رد مع اقتباس
قديم 30-03-2018, 05:44 PM   #12


تيماء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7482
 تاريخ التسجيل :  27 - 10 - 2016
 أخر زيارة : 02-01-2023 (09:51 PM)
 المشاركات : 106,303 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Lebanon
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Floralwhite
شكراً: 445
تم شكره 511 مرة في 344 مشاركة
افتراضي




العقيدة من مفهوم القران والسنة - الدرس ( 11) : الذات الإلهية



لا بد من مراعاة هذه الحقيقة :
أيها الأخوة الكرام, مع درس من دروس سور العقيدة، وحينما نصل في بحوث علم العقيدة على الذات الإلهية, لا بد من مراعاة حقيقة دقيقة هي سياج لنا, وحصن من أن تذل أقدامنا, في أن نقول على الله ما لا نعلم، لأنكم تعلمون علم اليقين: أن الله جل جلاله حينما صنف المعاصي في القرآن تصنيفاً تصاعدياً, ذكر الفحشاء والمنكر, والإثم والعدوان, والشرك والكفر, وجعل على رأس هذه المعاصي:
﴿وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾
[سورة البقرة الآية: 169]
فهناك مجموعة حقائق أضعها بين أيديكم في موضوع البحث عن الذات الإلهية، الحديث عن الذات الإلهية له خصوصية دقيقة جداً، وأي خطأ أو ذلل نقع فيما لا تحمد عقباه، لأن الموضوع ليس حكماً شرعياً, فيه اجتهادات عديدة، وليس الخطأ فيه كالخطأ في أي موضوع آخر.

إليكم هذه الحقائق التي تتعلق بالذات الإلهية :
1-ينبغي أن نثبت لله عز وجل ما أثبته لنفسه في كتابه :
أيها الأخوة, الحقيقة الأولى ينبغي أن نثبت لله عز وجل ما أثبته لنفسه في كتابه، أن نثبت له أسماء وصفات, لم ترد في كتاب الله, ولا في سنة رسوله, هذا انحراف خطير في العقيدة، أن نثبت لله ما أثبته الله تعالى لنفسه، وما أثبته له رسوله المعصوم، ففيما يتعلق بالذات الإلهية الأمر دقيق جداً، محاسبون على الحرف والكلمة والفكرة, من غير تحريف ولا تعطيل, ومن غير تكييف ولا تمثيل.
العقل يعجز عن إدراك الذات الإلهية :
إذا قال الله عز وجل: إذا كان ثلث الليل الأخير, نزل ربكم إلى السماء الدنيا، لا يصح أن يقول أحدنا: ينزل الله من درجة إلى درجة, هذا ممنوع، لا تمثيل:
﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾
[سورة الرعد الآية: 2]
الاستواء معلوم والكيف مجهول، ولا تعطيل, أثبت الله لذاته السمع، أنا أقول: السمع ليس جزءاً مضافاً لذاته، العقل هنا لا يستطيع أن يقول كلمة واحدة.
أخواننا الكرام, العقل متعلق بالمحسوسات، فالشيء إذا ظهرت آثاره وغابت ذاته, للعقل مجال كبير يصول ويجول، شيء غابت ذاته وبقيت آثاره، المجال عقلي، أما الذات الإلهية: مستحيل وألف ألف مستحيل أن نقترب من معرفة حقيقتها، الدليل:
﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾
[سورة البقرة الآية: 255]

من الأمور التوقيفية :
يقول الصديق رضي الله عنه: العجز عن إدراك الإدراك إدراك, أنت أمام البحر المتوسط، لو سألك إنسان كم لتر هذا البحر؟ أي رقم تقوله: معنى ذلك أنك جاهل، إذا قلت: لا أدري، فلا أدري هي العلم، فالله عز وجل أثبت لذاته في كتابه أسماء وصفات، وأثبت له النبي في سنته الصحيحة أسماء وصفات، وهذه أمور توقيفية, لا يجوز أن نثبت صفة لم ترد في الكتاب ولا في السنة, نثبت ما أثبت الله لذاته، وما أثبت له نبيه من دون تحريف, ولا تعطيل, ولا تكليف, ولا تمثيل، لأن ليس كمثله شيء.
درس العقيدة، لا مجال لرأي شخصي إطلاقاً، رأي شخصي مرفوض، الله قال: ليس كمثله شيء، أي من دون تمثيل، قال: ربي أرني أنظر إليك, قال: إنك لن تراني، إذاً: لا تدركه الأبصار؛ فلا تحريف, ولا تعطيل, ولا تمثيل, ولا تكليف، قال: لأن الله أعلم بنفسه من خلقه، ورسوله أعلم الخلق بربه، والحقيقة المطلقة: أنه لا يعرف الله إلا الله، بل إن أعرف الخلق بالله هو رسول الله, وهو معصوم، في موضوع الذات الإلهية لا يوجد ولا كلمة زائدة، نثبت ما أثبت الله لذاته في كتابه.

2- نفي ما نفاه الله عن نفسه في كتابه، أو ما نفاه عنه نبيه في كتابه مع اعتقاد كمال ضده
القاعدة الثانية: نفي ما نفاه الله عن نفسه في كتابه، أو ما نفاه عنه نبيه في كتابه, مع اعتقاد كمال ضده لله تعالى. كيف؟
الله عز وجل نفى عن ذاته الموت, هو الحي الباقي، إذاً: يتضمّن كمال حياته، نفى عن نفسه الظلم، إذاً: يتضمّن كمال عدله، نفى عن نفسه التعب:
﴿وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ﴾
[سورة ق الآية: 38]
هذا النفي يتضمن كمال قدرته، نفى عن نفسه, أنه لا يعذب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض لكمال علمه، ولا يظلم ربك أحداً، نفى عن نفسه الظلم لكمال عدله:
﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾
[سورة البقرة الآية: 255]
لكمال حياته وقيّومته، لا تدركه الأبصار لكرامة جلاله وعظمة كبريائه، إذا نفى عن نفسه شيء, يجب أن تعتقد كمال الضد، ليس الضد فقط، نفى عن نفسه الظلم, هناك عبارات يتصدق بها المثقفون إلى حد ما، لا يوجد عند الله إلى حد ما، هذا عند البشر فقط، نفى عن نفسه الظلم عدله مطلق، نفى عن نفسه التعب قدرته مطلقة، نفى عن نفسه الجهل بشيء علمه مطلق، هذه القاعدة الثانية، والحقيقة الثانية:
﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾
[سورة الأنعام الآية: 103]
هذا نفي:
﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾
[سورة الشورى الآية: 11]
هذا نفي، فنثبت وننفي ما أثبت ونفى، ونثبت وننفي ما أثبت له النبي ونفى، من دون تحريف, ولا تعطيل, ولا تكليف, ولا تمثيل، لأن الله تعالى أعلم بنفسه من خلقه، والنبي صلى الله عليه وسلم أعلم بربه من كل الخلق.
هناك حقائق أضعها بين أيدي الأخوة المؤمنين, حينما يصلون في بحثهم وتصورهم إلى الذات الإلهية.

3- صفات الله عز وجل توقيفية، لا مجال للاجتهاد فيها :
صفات الله عز وجل توقيفية، لا مجال للاجتهاد فيها، أكبر عبقري ومجتهد وعالم لا يستطيع أن يضيف ولا يحذف، معنى توقيفي؛ أي محدد تحديد كامل، فلا يثبت منها إلا ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله, ولا ينفى عن الله عز وجل إلا ما نفاه عن نفسه, ونفاه عنه رسوله، الموضوع ليس اجتهادياً، يقابل الاجتهادي التوقيفي، موضوع منته محدد محصور, ما أثبته الله لنفسه, وما نفاه عن ذاته العلية؛ إضافات, واستدراكات, وحذف, وتعديل, ومداخلة, هذا كله ممنوع، هذه الحقيقة الثالثة.

4- في كلمات تتعلق بالذات الإلهية لكنها مجملة، لم يرد شيء في إثباتها أو نفيها :
الحقيقة الرابعة: في كلمات تتعلق بالذات الإلهية لكنها مجملة، لم يرد شيء في إثباتها أو نفيها، أما معناها: فإذا كان يقصد بها باطل, تنفى أشد النفي عن ذات الله عز وجل، أما إذا كان المعنى الذي أريد من هذه الصفة المجملة كمال الله عز وجل, نقبلها قبولاً من دون تردد.
للتقريب: واحد أراد أن يمدح رجال أبطال أقطاب, قال: لله رجال إذا أرادوا أراد، هذا كلام عام مجمل، ماذا تقصد: إذا أرادوا أراد؟ لعلك تقصد أن لهم إرادة مستقلة عن إرادة الله, هو عين الشرك، لعلك تقصد أنهم مستجابو الدعوة لا مشكلة، الكلام المجمل لك أن تلبسه ثوباً صحيحاً فنقبله، أما إذا ألبسته ثوباً لا نقبله بكمال الله نرفضه.
فمثلاً: كلمة الجهة, الله عز وجل في أي جهة؟ إن أردنا بالجهة المكان, أعوذ بالله هو خالق المكان, لا يحويه مكان، المكان من خلقه، إن أردنا بالجهة مكان يحويه, هذا كفر، أما إن أردنا بالجهة العلو:
﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ﴾
[سورة الملك الآية: 16]
إن أردنا بالجهة التعظيم والتقديس والعلو لا مانع، فالكلمات العامة بحسب الثوب الذي نلبسه إياها، فإن ألبست ثوباً لا يليق بكمال الله نرفضها أشد الرفض، أما إذا ألبست ثوباً يليق بكمال الله نقبلها من دون تردد.

5- توافق العقل الصريح مع النقل الصحيح توافق حتمي :
حقيقة أخرى: هذه الصفات التي ثبتت بالنقل الصريح, العقل الصحيح يقبلها، لأن العقل مقياس أودعه الله فينا، وهذه الصفات ثبتت عن الله عز وجل، توافق العقل الصريح مع النقل الصحيح توافق حتمي.
يجب أن تقطع أملك في أن تدرك الكيفية، هذا طريق مسدود استرح وأرح, الله كيف يعلم كل مخلوق ماذا في نفسه؟ وجد ستة آلاف مليون إنسان، فليكن مليار المليار، الكيفية مستحيلة.
لو أتينا بورق دخينة, أرق ورقة صنعها الإنسان, وضعناها في فرن صهر الحديد, حرارته ألف وخمسمائة درجة, بعد عشر ساعات, قلنا: ماذا حل بالورقة؟ أي ورقة؟ هذه الورقة من الوهج تلاشت, في وصف المرجل ألف وخمسمائة درجة، الحديد ينصهر يصبح سائل، أما هذه الورقة ما مصيرها؟ تلاشت من الوهج.
اقطع هذا الأمل لأن الطريق مسدود :
أيها الأخوة, يجب أن تقطع أملك في إدراك الكيفية، كيف يعلم ما سيكون؟ الله عز وجل أثبت في قرآنه أنه يعلم ما سيكون؛ كيف؟ لا أعلم, وأقولها بملء فمي، وأقولها مفتخراً, وأعد العلم الحقيقي لا أعلم.
وقد قال بعض العلماء: عين العلم به عين الجهل به، وعين الجهل به عين العلم به, موضوع الكيفية يجب أن تقطع أملك من البحث فيه، شيء فوق طاقة البشر مجتمعين.
إنك لن تراني, ولكن انظر إلى الجبل, فإذا استقر مكانه, فسوف تراني, فلما تجلّ ربه للجبل, جعله دكاً وفر موسى صعقاً.
كيف الله عز وجل يعلم في وقت واحد, ما يجول في أذهان كل البشر, وكل المخلوقات؟ وكيف يعلم ما سيكون؟ هذا شيء فوق طاقة العقل البشري، والعقل البشري يجب أن تؤمن أنه محدود.

هذا حدود العقل :
هذا الميزان ميزان البقالية, ميزان حساس وغال جداً, لكن مصمم من خمسة غرامات لخمسة كيلو، مستحيل أن تزين به شاحنة لأنها ستكسره، لا تتهم المصنع, المصنع دقيق, لكنه خصص حدود من خمسة غرامات لخمسة كيلو، هذه طاقة الميزان.
يجب أن تؤمن أن العقل محدود، أن تقول أين الجن؟ عقلك لا يستوعب وجود الجن، لكن الله أخبرك أنهم موجودون انتهى الأمر، أين الملائكة؟ عقلك لا يستوعب هؤلاء المخلوقات؛ لكن الله أخبرك بذلك.

قف هنا :
أيها الأخوة, عندك حيز كبير بالدين, الأدلة شيء منها نقلية أو سمعية أو إخبارية، إن كان إيمانك بالله ضعيفاً, لا مجال للخوض في الإخباريات، أما حينما يقوى إيمانك لدرجة أنك تعلم أن الذي يقوله الله عز وجل حق مائة بالمائة, عندئذ تنفعك الأدلة النقلية, هذا دليل نقلي.
اقطع طمعك أن تبحث في موضوع الكيفية، كيف يفعل الله كذا؟ لا أعلم، وكلمة لا أعلم في موضوع الذات الإلهية وسام شرف، كلمة لا أعلم في موضوعات أخرى وصمة عار، في موضوع الذات الإلهية كلما كنت متحفظاً, كلما قلت: لا أعلم، فأنت عالم، وكلما خاض عقلك في تعليقات وتأويلات وتفسيرات ما أنزل الله بها من سلطان, فأنت لا تعلم.

6- من الأدب مع الله عز وجل أن نثبت الصفات التي أثبتها الله لنفسه تفصيلاً :
شيء آخر: من الأدب مع الله عز وجل: أن نثبت الصفات التي أثبتها الله لنفسه تفصيلاً، أثبت لنفسه الرحمة, والعلم, والقدرة, والحياة, و ...... أما ليس كمثله شيء؛ ليس شبحاً, ولا جثة, ولا صورة, ولا دماً, ولا شخصاً, ولا جوهرة, ولا عرضاً, ولا لون له, ولا رائحة له، هذا شيء غير معقول، بالنفي إجمال بالإثبات تفصيل.
الكمال يقتضي أنك إذا أثبت صفات أثبتها الله لذاته: أن تأتي بها مفصلة.
كل اسم يقتضي صفة، لكن ما كل صفة تقتضي اسم ما معنى هذا الكلام؟
إذا قال الله عز وجل:
﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾
[سورة الشورى الآية: 11]
انتهى, لا داعي لأن أحضر مائة ألف شيء, وأن أنفي عن الله هذه الأشياء، نحن عندنا اسم وصفة، كل اسم يقتضي صفة، لكن ما كل صفة تقتضي اسم.
الله عز وجل قال: وجاء ربك, يستنبط من فعل جاء صفة، لكن هذه الصفة لا يستنبط منها اسم لله عز وجل.
﴿رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ﴾
[سورة الرعد الآية: 2]
يستنبط أنه رافع, لكن لا يقال: الله اسمه رافع، الله بنى, لا يقال: اسمه باني، كل اسم يتضمن صفة، لكن ما كل صفة يشتق منها اسم، هذه قاعدة أخرى.
الرحمن يتضمن صفة الرحمة، اسم الكريم يتضمن صفة الكرم، اسم اللطيف يتضمن صفة اللطف وهكذا، أما الاستواء:
﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾
[سورة الرعد الآية: 2]
لا يوجد عندنا اسم المستوي:
﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ﴾
[سورة الأنفال الآية: 30]
لا يوجد اسم الماكر، كل اسم يتضمن صفة, وما كل صفة تشتق من فعل تتضمن اسماً.

7- صفات الله تعالى كلها صفات كمال مطلق لا نقص فيها بوجه من الوجوه
حقيقة أخرى: صفات الله تعالى كلها صفات كمال مطلق, لا نقص فيها بوجه من الوجوه، لكن لضعف إيمان الإنسان أحياناً, ولضعف لغته وفهمه, الله منتقم، الانتقام من الله عين الكمال، ينتقم؛ أي يعاقب عباده الطغاة، يحجزهم عن إيذاء الخلق, متكبر, مهما تصورت من كرمه فهو أكرم، من قوته فهو أقوى، جبار يجبر الانكسار، فأسماء الله وصفاته متعلقة بكمال الله حتماً.

صفات الله صفات ذات وصفات أفعال :
صفات الله عز وجل, صفات ذات وصفات أفعال، صفات ذاته الحي القيوم الباطل المريب، صفات أفعاله معطي مانع, رافع خافض, معز مذل، لا نهاية لصفات أفعاله, لأن أفعاله لا نهاية لها. الدليل:
﴿وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾
[سورة إبراهيم الآية: 37]
فيوجد أسماء متعلقة بالذات, وأسماء متعلقة بالأفعال، نقول: صفات ذات وصفات أفعال.
من الصفات التي يمكن أن يوصف الله بها جاءت في الكتاب والسنة :
الآن: الصفات التي يمكن أن يوصف الله بها, جاءت في الكتاب والسنة، ولكن ثبوت هذه الصفات, قد يكون بالتصريح أو بالتضمين، الله أثبت لنفسه صفة الرحمة؛ الرحمن والعزة والقوة, تبارك اسم ربك, يريدون وجهه, أثبت أن له وجه، يد الله فوق أيديهم, قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن، الله أثبت لنفسه هذه الصفات؛ لكن أحياناً:
الله قال: سميع بصير, كلمة بصير: أثبت لنفسه من خلالها صفة البصر، سميع, صفة السمع؛ فإما أن يعطي الإثبات صريحاً أو متضمناً، وصفات الله عز وجل يستعاذ بها ويحلف بها.
كان عليه الصلاة والسلام يدعو ويقول: أعوذ برضاك من سخطك.
الرضا صفة لله عز وجل, والسخط صفة, والكلام في صفة الله كالكلام في ذاته تعالى، كما أنه له ذات حقيقية لا تشبه ذواتاً أخرى, له صفات حقيقية لا تشبه الصفات الأخرى, كذلك إثبات الذات إثبات وجود لا كيفية، وكذلك إثبات الصفات إثبات وجود لا كيفية، كيف؟ ما في, في أي موضوع متعلق بذات الله كيف؟ ما في.

سؤال لطيف :
قال لي واحد البارحة سؤال لطيف: واحد استعصى عليه في هذا الدين قضية، قلت له: ما هي؟ قال: دليل عقلي غير نقلي, أن الله يفي بوعده بوضع المؤمنين في الجنة، خائف أن لا يجد شيء غداً، قال: الدليل عقلي, أنا بدأت معه مداعباً, قلت له: ومن أصدق من الله؟ قال: هذا قرآن، أريد شيء بالعقل, قلت له: واحد تبرع بمائة مليون, لإنشاء جمعيات خيرية, ومعاهد شرعية, ومساجد, قلت له: سرق عشر ليرات, قال: مستحيل, قلت له: هذا الدليل، فإذا كان هذا الكون كله يدل على عظمة الله وليس ضعيف ليعمل وعد كاذب، الله ماذا قال؟:
﴿يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ﴾
[سورة التحريم الآية: 8]
مستحيل أن يخزي الله النبي، عندما يعدك الله وعداً حسناً كأنه وقع، إخبار الله يجب أن تأخذه, على أنه وقع بدليل:
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ﴾
[سورة الفيل الآية: 1]

أنت ما رأيت, يجب أن تأخذ هذا الخبر, وكأنك رأيته:
﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾
[سورة النحل الآية: 1]
يعني: أنه لم يأت لنه أمر الله عز وجل إتيانه حق وكأنه أتى.

أسماء الله تثبت من دون كيفية :
فأسماء الله تثبت من دون كيفية، كيف يعلم؟ أربعمائة راكب بالطيارة واحترقت, كل واحد مات على نيته, كيف جمعهم الله بالطيارة كلهم؟ كيف جمعهم وكل واحد مات على نيته؟ كيف؟ الإجابة عندنا مستحيلة, فوق طاقة العقل البشري.
واحد أقر بصفات السمع, والبصر, والإرادة، محبة الله؛ كيف يحب الله؟ الإنسان يحب أن يميل, يكون عنده نقص, شيء جميل, إن رأى يحبه, ليس كمثله شيء، الله أثبت لنفسه الحب قال: يحبهم ويحبونه، أما تفهم محبة الله كمحبة إنسان لفتاة, هذا مستحيل, ممنوع التمثيل والتشبيه، لكن كما أثبت الله لنفسه السمع والبصر, أثبت المحبة والكراهية والغضب, غضب الله عليهم ولعنهم.
فالله كما أثبت لنفسه السمع والبصر, أثبت لنفسه الرضا والغضب, والمحبة والكراهية.

ما ينبغي أن تعتقده :
إضافة شيء لله عز وجل إما أعيان أو معاني أعيان, قل: يا عبادي, إضافة تشريف, بيت الله إضافة تشريف، ناقة الله، عبد الله, إضافة تشريف، أما معاني؛ سمع الله, بصر الله, رضا الله, سخطه, هذه متعلقة بالصفات، يضاف إلى الله عز وجل شيء عيني كبيت الله, كعبة الله عز وجل, أو شيء معنوي، المعنوي من صفات الله عز وجل، يكفي أن يكون هناك حديث واحد متعلق بذات الله صحيح, فهو مقبول في العقيدة, معاني صفات الله عز وجل ثابتة في الكتاب والسنة، معلومة، أما كيفيتها فمجهولة، الأسماء والصفات معلومة, كيفيتها مجهولة.
الآن: لو قرأت صفة لله عز وجل لم تفهم حقيقتها، أو أنك ذكرت اسماً لم تفهم حقيقته, يجب أن تعتقد بهذا الاسم, وتلك الصفة, ولو لم تفهم حقيقتها, مع الله لا يوجد حاجة إلى أنني لا أؤمن حتى أفهم, مع الله ما ثبت عن الله وعن رسوله في الكتاب والسنة من صفات وأسماء أؤمن بها من دون قيد أو شرط.

8- صفات الله عز وجل لا يقاس عليها :
في حقيقة أخرى: أن صفات الله عز وجل لا يقاس عليها، الله عز وجل جواد، سخي, لا، لا تقيس، الله عز وجل قوي جلد, يعني يتحمل, هذا كلام باطل، صفات الله عز وجل لا يقاس عليها، صفات البشر شيء, وصفات الله عز وجل شيء آخر، الله قدير, هل يعني أنه يستطيع كل شيء؟ يستطيع، صفات الله عز وجل لا حصر لها, كل اسم يتضمن صفة، صفات الله عز وجل لا حصر لها, مستحيل أن تحصر, لأن كل اسم يقتضي صفة، وأسماء الله لا حصر لها، قال الله عز وجل في كتابه الكريم:
﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ﴾
[سورة الأعراف الآية: 180]
أي يشركون في أسمائه كاللات من الإله، والعزة من العزيز، إشراك في الأسماء.
وفي الصحيحين: عن أَبِي هُرَيْرَةَ -رِوَايَةً- قَالَ:
((لِلَّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا مِائَةٌ, إِلَّا وَاحِدًا لَا يَحْفَظُهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ, وَهُوَ وَتْرٌ يُحِبُّ الْوَتْرَ))
[أخرجه البخاري في الصحيح]

غداً إن شاء الله :
في درس قادم إن شاء الله نتابع هذا الموضوع، ولكن انتهت الحقائق الأساسية التي هي بين يدي إنسان مؤمن, اقترب في بحثه, في دراسته, في تصوره للذات الإلهية، هذه الحقائق يجب أن تكون واضحة بين أيديكم في الحديث عن الذات الإلهية، وفي درس قادم نتابع هذا الموضوع، والحمد لله رب العالمين.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
والحمد لله رب العالمين
وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَىَ وأَعْلَمُ



 

رد مع اقتباس
قديم 30-03-2018, 05:46 PM   #13


تيماء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7482
 تاريخ التسجيل :  27 - 10 - 2016
 أخر زيارة : 02-01-2023 (09:51 PM)
 المشاركات : 106,303 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Lebanon
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Floralwhite
شكراً: 445
تم شكره 511 مرة في 344 مشاركة
افتراضي



العقيدة من مفهوم القران والسنة - الدرس ( 12) : سوء الظن بالله


من أدوات البحث في هذا الموضوع :
أيها الأخوة الكرام, مع درس من دروس العقيدة، تحدثت في درس سابق عن حقائق متعلقة بالذات الإلهية، إذا اقترب الإنسان من البحث في موضوع العقيدة الذات الإلهية, ينبغي أن يضع هذه الحقائق بين يديه, فهي تعصمه من أن يخطئ, أو يتوهم, أو يقع في خطأ متعلق بالعقيدة .

ما الفرق بين من يخطئ وبين من يقول على الله ما لا يعلم؟ :
أيها الأخوة, إن الله عز وجل في القرآن الكريم رتب المعاصي والآثام ترتيباً تصاعديً, فذكر الفحشاء والمنكر, والإثم والعدوان, والشرك والكفر, وجعل على رأس هذه المعاصي والآثام الكبيرة معصية, أن تقول على الله ما لا تعلم, قال:
﴿وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾
[سورة الأعراف الآية: 33]
فشتان بين من يخطئ وبين من يقول على الله ما لا يعلم, من يخطئ يبقى مخطئاً لذاته وخطأه محصور به، أما الذي يقول على الله ما لا يعلم, ويصدقه من حوله, فكل أخطائهم الناتجة عن سوء تصورهم لله عز وجل, فهو في صحيفة من قال عن الله بغير علم .

ما وراء هذا المثال :
لا أحب عن أذكر هذا المثل الصارخ لكنني مضطر لذكره: إنسان فتح مكتبة, وباع كتب, تروج الباطل والضلالات والانحراف, على أساس أن هذه مكتبة, كلها كتب, وهذه بضاعته .
يقول بعض العلماء الورعين: لو إنسان باع مادة محرمة وتاب, انتهى البيع، أما الذي باع كتاب, وفيه ضلالات, وهذه الضلالات انتشرت, ورسخت, وانقلبت إلى سلوك منحرف، هذا إثمه عند الله كبير جداً, هذا أكبر ممن يبيع مادة محرمة، لأن الخطأ السلوكي تسهل التوبة منه، أما الخطأ الاعتقادي يصعب التوبة منه .
لذلك قالوا: المبتدع لا توبة له، لأن المبتدع يبتدع أنه على حق, وأن الناس كلهم على باطل .
ما المقصود بمعنى هذا الحديث؟ :
ندخل في الدرس التاسع عشر, أنهيت الدرس الماضي بالحديث الصحيح: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا, مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ))
[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح]
إحصاء أسماء الله الحسنى يختلف عن عدها

قد يتوهم الإنسان أن الإحصاء هو العدل، لكن الإحصاء شيء والعد شيء آخر, قال تعالى:
﴿لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً﴾
[سورة مريم الآية: 94]
فاختلاف المبنى دليل اختلاف المعنى, بشكل مبسط: صف فيه ثلاثون طالباً، العد سهل, أما الإحصاء؛ كل طالب اجتهاده, مستواه, انضباطه, تحصيله, ذكاؤه, أخلاقه, انضباطه, شكله, علاقته بمدرسه, بأهله, مدى انضباطه بالوقت, حضوره, مئات بل آلاف الصفات, يجب أن تستشفها من الطالب خلال الإحصاء .

فالنبي عليه الصلاة والسلام حينما قال:
((إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا, مَنْ أَحْصَاهَا))
من استوعبها, وفهمها, وعاشها, وعاش في أجوائها, من فعل ما يجب أن يفعله حينما يفهمها، هذا معنى الإحصاء، لذلك من أحصاها دخل الجنة, وتعرف إلى الله وأسمائه, وانضبط وفق هذه الأسماء .
من الشيء الذي ينبغي أن تعلمه :
أيها الأخوة, الأحاديث التي فيها عد لهذه الأسماء ليست صحيحة بل أقرب إلى الضعف منها إلى الصحة, والله عز وجل يبين من خلال بيان النبي عليه الصلاة والسلام, لأن النبي لا ينطق عن الهوى, لأن هذه الأسماء ليست محصورة في تسعة وتسعين اسما, بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ, فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ, وَابْنُ عَبْدِكَ, وَابْنُ أَمَتِكَ, نَاصِيَتِي بِيَدِكَ, مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ, عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ, أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ, سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ, أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ, أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ, أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ, أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي, وَنُورَ صَدْرِي, وَجِلَاءَ حُزْنِي, وَذَهَابَ هَمِّي, إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ, وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا, قَالَ: فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَلَا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: بَلَى, يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا))
الأسماء الحسنى يجب أن نعيشها, ونفعل ما تقتضيه هذه الأسماء، الله عز وجل رحيم ينبغي أن ترحم من دونك، الله عدل ينبغي أن تكون منصفاً، الله كبير ينبغي أن تفتقر له، الله غني ينبغي أن تستغني بالله لا أن تستغني عنه، فهذا المعنى الذي أتمنى أن يكون واضحاً .
من الإلحاد :
والله عز وجل يقول:
﴿وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ﴾
[سورة الأعراف الآية: 180]
الإلحاد هو التكذيب, والإشراك, وصرف الاسم عن حقيقته, وإسباغ معنى على الاسم يتناقض مع كمال الله عز وجل, هذا كله إلحاد :
﴿وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ﴾
[سورة الأعراف الآية: 180]

مدخل الدرس اليوم :
سوف ندخل في هذا الدرس في موضوع الإلحاد في الأسماء بشكل أو بآخر سوء الظن بالله, يقول الله عز وجل في معركة أحد:
﴿وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾
[سورة آل عمران الآية: 154]
اسمحوا لي على غير عادتي, أن أقرأ لكم كلمة كلمة ما قاله بعض المفسرين في تفسير هذه الآية, هذه الآية فسرها مفسر, وقد وفق في تفسيرها كثيراً، وأنا والله لعلي ذكرتها مئات المرات في هذه السنوات العشرين الماضية, وضمنتها بعض الخطب، لأنني وجدت في هذه الصفحات قيمة لا تقدر بثمن .

كيف فسر ابن القيم في زاد المعاد هذا الظن الذي لا يليق بالله؟ :
1-أن الله لا ينصر رسوله :
الدرس الآن: كيف نفهم قوله تعالى:
﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾
[سورة آل عمران الآية: 154]
قال العلامة ابن القيم في زاد المعاد: قد فسر هذا الظن الذي لا يليق بالله, لأنه سبحانه لا ينصر رسوله، وإذا اعتقدتم أن المسلم على إيمانه, واستقامته, وورعه, وإخلاصه, أن الله لن ينصره، فقد وقعنا في أسوأ عقيدة نحاسب عليها, وهي سوء الظن بالله, وقد فسر هذا الظن الذي لا يليق بالله, لأنه سبحانه لا ينصر رسوله .
تقوية أعداء الله المضلين والتخلي عن المؤمنين سوء ظن بالله
عندما تبعه سراقة, وهدر دمه, ووضع مائة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً, قال: يا سراقة, كيف بك إذا لبست سوار كسرى؟ ثقة النبي بنصر الله بلا حدود, وأن أمره سيضمحل ، يقول: الإسلام انتهى, لا لن ينتهي, لأنه دين الله، لا تقلق على هذا الدين, اقلق على نفسك ما إذا سمح الله لك أن تكون جندياً له أو لم يسمح، وأن أمر هذا النبي سيضمحل وأن يسلمه للقتل. قال تعالى:
﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾
[سورة المائدة الآية: 67]
وقد فسر أن ما أصابهم, لم يكن بقضائه وقدره, هذا فهم آخر للمسلمين .
الآن الدين شيء آخر، هذه دولة قوية متحكمة بالعالم نحن ماذا نفعل؟ معها أسلحة فتاكة, واتصالات تفوق حد الخيال, ومعها أموال, وقدرات, وتغطية, وأسلحة, تصيب الهدف بدقة ما بعدها دقة, انتهينا، هذا الذي يعتقد أن الله عز وجل سيتخلى عن المؤمنين, وأنه يقوي أعدائه المضلين, وقد قال الله عز وجل:
﴿وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً﴾
[سورة الكهف الآية: 51]

من المواطن التي يقع صاحبها في مسألة سوء الظن بالله :
الشك في حكمة الله بتوزيع الأرزاق من سوء الظن بالله
الذي يقول مثلاً: سبحان الله! في أشخاص يتمتعون بالأموال الوفيرة, وهم لا يستحقونها, وأناس لا يملكون أموال وهم صالحون، هذا الكلام مؤداه أن الله ليس بحكيم، الكلام دقيق جداً :
﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾
[سورة آل عمران الآية: 154]
إذا ظننت أن الله لا ينصر رسوله, وأن أمر هذا الدين سيضمحل، وأن الذي جرى ليس بقضاء الله عز وجل وقدره، القوي يأكل الضعيف، أو لا حكمة فيه، إنكار القدر, أو الحكمة, أو نصر الرسول, أو إنكار ثبات الدين, هذا كله من سوء الظن بالله عز وجل، ثم إنكار أن يظهر الله هذا الدين على الدين كله .
أحياناً يقال: حرب عالمية ثالثة معلنة على الإسلام في شتى بقاع الأرض، صح, ولكن النصر العسكري شيء, ونصر المبادئ والقيم شيء آخر، فكم من دولة فاتحة تأثرت بدين الدول المفتوحة؟ فالعبرة بالانتصار المبدئي, والفكري, والعقائدي, لأن هذا سوف يجر إلى انتصار آخر .

من هم الذين أساؤوا الظن بالله كما ورد في بيان سورة الفتح؟ :
قال:
﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾
[سورة آل عمران الآية: 154]
هو ظن السوء الذي ظنه المنافقون والمسرفون به سبحانه وتعالى, وقد ورد هذا في سورة الفتح:
﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾
[سورة الفتح الآية: 6]

ما معنى سوء الظن بالله؟ :
الحقيقة: ظن السوء هو أن تظن بالله ظناً لا يليق بأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، لا يليق بوحدانيته, ولا بتفرده بالربوبية, ولا بالألوهية, ولا بتفرده بصفاته, هذا كله من الظن السوء, والذي يظن أن جند الله لا ينصرون، مع أن الله عز وجل يقول:
﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾
[سورة الصافات الآية: 173]

2- أكثر الناس يظنون غير الحق ظن السوء فيما يختص بهم :
غير الراضي عن حياته سيء الظن بالله
قال: أكثر الناس يظنون غير الحق ظن السوء فيما يختص بهم، لا يوجد واحد راض عن دخله, ولا عن زوجته, يستحق دخل أعلى من هذا, وزوجة أفضل, أو لا يرضى عما يرى حوله، لكن لا يسلم من ظن الله إلا من عرف الله, وأسماءه, وصفاته, وموجب حمده, وحكمته، فمن قنط من رحمته, وأيس من روحه, فقد ظن به ظن السوء .

3- أن تتوهم أن الله يعذب أولياءه مع إحسانهم وإخلاصهم ويسوي بينهم وبين أعدائه
من الظن السوء, من تصور أن الله يعذب أولياءه, مع إحسانهم, وإخلاصهم, ويسوي بينهم وبين أعدائه : الاعتقاد بأن المنحرف يتساوى مع المستقيم سوء ظن بالله
﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ﴾
[سورة السجدة الآية: 18]
الآية الثانية:
﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾
[سورة الجاثية الآية: 21]
مستحيل, وألف ألف مستحيل, أن يسوى الشاب المستقيم مع الشاب المنحرف، الصادق مع الكاذب, المخلص مع الخائن, المنصف مع الظالم, المحسن مع المسيء .
أقول لكم كلمة: أن يستوي المحسن مع المسيء, والمنصف مع الظالم, والمستقيم مع المنحرف, والمخلص مع الخائن, أن يستوي هؤلاء مع هؤلاء, هذا لا يتناقض مع عدل الله فحسب, بل يتناقض مع وجود الله، ومن جوّز عليه أنه يعذب أولياءه مع إحسانهم وإخلاصهم, ويسوي بينهم وبين أعدائه, فقد ظن به ظن السوء .

4-أن تظن أن الله يترك خلقه سدى من دون إرسال الرسل ولا تنزيل كتب وتركهم
الاعتقاد بعدم وجود الثواب والعقاب من سوء الظن
ومن ظن أن يترك خلقه سدى معطلين عن الأمر والنهي, ولا يرسل إليهم رسله، ولا ينزل عليهم كتبه, بل يتركهم هملاً كالأنعام, فقد ظن به ظن السوء، إله ما يرسل رسول؟ نحن قد نتوهم أن الديانات السماوية ثلاث، لا أكثر بكثير, لكن هذه الثلاث ذكروا في القرآن الكريم :
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾
[سورة غافر الآية: 78]
هناك رسل غير أنبياء, معهم كتب ودعوات, لم يقصص علينا ربنا ذكرهم .

5-أن تظن أن الله لن يجمع عبيده بعد موتهم للثواب والعقاب :
ومن ظن أنه لن يجمع عبيده بعد موتهم في الثواب والعقاب, في دار يجازى المحسن بإحسانه, والمسيء بإساءته, ويبين لخلقه حقيقة ما اختلفوا فيه, ويظهر للعالمين كلهم صدقه وصدق رسله, وأن أعداءه كانوا هو الكاذبين, فقد ظنوا به ظن السوء .
هذه الدنيا شعوب, غارقة في النعيم, والرفاه, والأموال, والبيوت الفخمة, والطعام النفيس, والعناية الصحية, وطرقات, ومركبات, وحفلات, وسفر, وسياحة, وعناية فائقة, وحقوق إنسان تفوق حد الخيال, ودول محتلة, ومسحوقة, ومضطهدة, ومنهوبة الثروات, ومقموع الإنسان فيها, وتنتهي الحياة هكذا، لا هذا مستحيل, وألف ألف مستحيل, لا بد من يوم تسوى فيه الحسابات, لأن كمال الخلق يدل على كمال التصرف .

6-أن تظن أنه أخبر عن نفسه وصفاته وأفعاله بما ظاهره باطن وتشبيه وتمثيل وترك الحق
ثم من قال: ومن ظن به أنه أخبر عن نفسه, وصفاته, وأفعاله, بما ظاهره باطن, وتشبيه, وتمثيل, وترك الحق لم يخبر به, وإنما رمز إليه رموزاً بعيدة, وأشار إليه إشارات ملغزة, لم يصرح بها .
صدقوا أن هذا يقال: الله عز وجل لو كان عنده لوحان من الخشب, جعل لوح باب قصر, ولوح باب خلاء, هل لك دعوة؟ اللوح ملكه، نقول له: أين العدل؟ يقال: عدله غير عدلنا، هذا يقال، أين الحكمة؟ لا يجب عليه الأصلح هذا سوء ظن بالله, الله عز وجل حكيم وعادل, الإنسان الجيد في مكان جيد, والسيء في مكان سيء، أما أن الله عز وجل يخبرنا عن نفسه أنه عادل, ومفهوم العدل ليس كما نتصوره, لا مستحيل، مفهوم العدل كما نفهمه نحن.
كثير من الدعاة كل شيء ظاهري, ليس هذا المقصود، يذهب بك بعيداً لمعاني غير مقصودة, لا تخطر في بالك أبداً، من فكر هذا التفكير, وسار في هذا الاتجاه, فقد ظن بالله ظن السوء .
القضية ليست بالصلاة ولا بالصوم ولا بالحج، أنا إيماني بقلبي، الله أمرنا بالصلاة عبثاً، ولا معنى للصلاة، هناك من يقول: العبرة ليس بالصلاة مع أنها فرض، نحن بالامتحانات لواضعي الأسئلة توجيهات دقيقة جداً, ينبغي أن لا تضع الطالبة أمام مشكلتين, مشكلة هل تعرف ماذا أقصد بهذا السؤال؟ هل تعرف جوابه؟ صاروا مشكلتين، ينبغي أن يضع الطالب أمام مشكلة واحدة, السؤال واضح كالشمس, هل تعرف جوابه؟ .
تجد آيات ظاهرها كذا, ولها معنى عميق, قد لا تنتبه إليه, الله عز وجل لا يستخدم الألغاز مع عباده، هذا من سوء الظن بالله عز وجل، الشر من الله لكن أدباً مع الله نقول من أنفسنا، هذا غير صحيح، الخير والشر من الله, والشر بمفهوم الإنسان، لكن الشر أيضاً خير مطلق :
﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾
[سورة آل عمران الآية: 26]
لو كنت مدير مؤسسة وقلت: تريد كأس ماء, شيء واضح, فجاءك بكأس ماء, فأخبرته أنك تقصد شطيرة, غير معقول, يجب أن أفهم اللغة على نحو واضح, وأفهمه بشكل واضح، فكل إنسان يعطيك شعور أن الدين كل شيء تقرأه في الظاهر ليس مقصوداً, لكن في معاني عميقة جداً لا يعرفها أحد هي المقصودة, فقد ظن بالله ظن السوء .

7-أن تظن أن الله ليس قادراً أن يعبر عن إرادته من خلقه بكلام واضح :
إذا ظن أحد أن الله عز وجل ليس قادراً أن يعبر عن إرادته من خلقه بكلام واضح, فقد اتهمه بالعجز البياني, أيضاً مشكلة ثانية .

8-أن تظن أن في ملكه ما لا يشاء ولا يقدر على إيجاده وتكوينه :
من ظن أن يكون في ملكه ما لا يشاء, ولا يقدر على إيجاده وتكوينه, فقد ظن به ظن السوء .

9-أن تعزو الأمور إلى غير الله :
الأحداث الأخيرة التي جرت هذه بمشيئة الله, هناك من يرتاح ألا ينسبها إلى الله, يوجد إنسان قوي, وإنسان ضعيف, من قوى القوي, ومن ضعف الضعيف؟ إذا أملى القوي إرادته على الضعيف وسحقه, والله عز وجل صار في السماء إله, لكن ليس في الأرض إله، مع أن الله عز وجل يقول:
﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ﴾
[سورة الزخرف الآية: 84]
أيضاً لقد ظن به ظن السوء .

10-أن تظن أن الله لا يحب ولا يغضب ولا يسخط ولا يوالي ولا يعادي .......:
ومن ظن أن الله لا يحب, ولا يرضى, ولا يغضب, ولا يسخط, ولا يوالي, ولا يعادي, ولا يقرب من أحد من خلقه, ولا يقرب منه أحد, وأن ذوات الشياطين في القرب من ذاته كذوات الملائكة المقربين, فقد ظن بالله ظن السوء .

11- أن تظن أنه يساوي بين المتضادين أو يفرق بين المتساوين من كل وجه
ومن ظن أنه يساوي بين المتضادين, أو يفرق بين المتساوين من كل وجه، كافر ومؤمن يسوي بينهما، أو إنسانان كلاهما مؤمن ومخلص, واحد في العذاب, وواحد في النعيم, هذا شيء يتناقض مع عدل الله عز وجل .

12-أن تظن أنه يضع المؤمن في النار والكافر في الجنة :
من ظن أنه يضع عباده الذين أفنوا عمرهم في طاعته في النار، وأنه يضع أعداءه الذين أفنوا عمرهم في معاداته في الجنة, فقد ظنوا به ظن السوء, وهو لا يعرف الله عز وجل.
أضرب مثل للتوضيح: إنسان مقيم في دمشق, وعاش بها عمراً مديداً, وسافر لبلاد بعيدة, ودخل لمكتبة بجامعة, وجد فيها أطلس جغرافي, ألفه ثمانية وثلاثون دكتور, وكل هؤلاء في أعلى مرتبة في الجامعة, ومكلف ملايين, فتح على الشرق الأوسط, وجد دمشق فوق بيروت على الساحل, يكونون مليون دكتور, هو ابن الشام, والشام مدينة داخلية ليست على الساحل، أحياناً يمر معك نص يفهم منه: أن الله يفعل ما يشاء, أو لا يسأل عما يفعل، إنسان من جهله يقول: يضع الكافر في الجنة, ويضع المؤمن في النار، ولا تستطيع أن تسأله.
إليك هذا الدليل القرآني الذي يبطل قول من يقول: أنه يضع المؤمن في النار والكافر في الجنة :
الله عز وجل قال:
﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ﴾
[سورة الزلزلة الآية: 7-8]
الله عز وجل قال:
﴿وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴾
[سورة سبأ الآية: 17]
قال: والوزن يومئذ القسط, إن تك مثقال حبة من خردل أتينا بها، مائة آية تؤكد عدل الله المطلق، لأن الله عز وجل لا يسأل عما يفعل، توجه الآية توجيه أنه يضع الكافر في الجنة والمؤمن في النار ولا تستطيع أن تسأله، ليس هذا المعنى, هذا سوء ظن بالله عز وجل, فالواقع أقوى .

تكليف لم تؤمر به
عقلك لا يستطيع أن يدرك عدل الله
أحد شيوخ الأزهر اطلع على حديث: أن النبي الكريم إبراهيم عليه السلام كذب، فله تعليق رائع قال: والله لأن أتهم الراوي بالكذب أفضل من أن أتهم نبياً بالكذب .
على الإنسان أن يعمل عقله لا يعطله، فالله عز وجل لا يمكن أن يظلم، لكن أنت غير مكلف, أن تبحث عن أدلة عدالته بعقلك، لأن عقلك لا يستطيع أن يدرك عدل الله عز وجل، لكن الله أخبرنا وهو أصدق القائلين أنه لا يظلم :
﴿لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ﴾
[سورة غافر الآية: 17]
﴿وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾
[سورة النساء الآية: 77]
يوجد خيط بالنواة, ولا قطمير غشاء رقيق, ولا نقير رأس مؤنف, في النواة شيء لا يذكر لتفاهته, ولا حبة من خردل :
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ﴾
[سورة العنكبوت الآية: 40]
﴿لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ﴾
[سورة غافر الآية: 17]
﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ﴾
[سورة الزلزلة الآية:7-8]
إذا أنت تتوضأ, خرجت نملة في حوض الوضوء, فانتظرت حتى تنجو من الماء, هذا عمل صالح، إذا نزعت قشة من المسجد وضعتها في جيبك, كي لا تؤذي أحد, هذا العمل مسجل عند الله، هذا الظن بالله الحسن, فينبغي أن نعتقد بما وصف الله نفسه وذاته العليا, وننفي عنه ما نفى عن ذاته العليا, أما أن نعمل عقولنا القاصرة في الخوض في ذات الله عز وجل, هذا شيء لا يقبل إطلاقاً .
يقول عليه الصلاة والسلام:
((تفكروا في مخلوقات الله, ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا))

13-أن تظن خلاف ما وصف به نفسه وخلاف ما وصفه به رسله :
من ظن به خلاف ما وصف به نفسه, وخلاف ما وصفه به رسله، أو عطل حقائق ما وصف به نفسه, ووصفته به رسله, فقد ظن بالله ظن السوء .
اقرأ هذا النص :
وفي نص آخر لم يرد هنا: من اعتقد أن الله يضع في النار أوليائه الذين أفنوا عمرهم في طاعته, ويدع أعداءه الذين ناصبوه العداء في الجنة، النص وكل الأمرين في الحكم سواء ممكن، ولا يرجح أحدهما على الآخر إلا بالنص الصحيح, فهو لا يعرف الله .
مشكلة :
قال لي أخ البارحة: لي صديق عنده مشكلة في عقيدته قلت له: ما هي؟ قال لي: يريد دليل عقلي على أن الله سيضع المؤمنين في الجنة، أنا داعبته قلت له: وهو أصدق القائلين، قال: هذا نقلي أريد عقلي، قلت له: واحد دفع مائة مليون, لإنشاء مساجد, ودور علم, ومياتم, ومستشفيات, ثم سرق عشر ليرات، قال: مستحيل, قلت له: هذا الدليل, هل تقبل بهذا المنطق؟ الله عز وجل كلامه مطلق, وأسماؤه حسنى, وصفاته فضلى, وفي دليل قرآني:
﴿يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ﴾
[سورة التحريم الآية: 8]
النبي بما وعد بأحاديثه, أن المؤمن للجنة والكافر للنار، لكن لا يليق بالمؤمن أن يحكم حكماً قطعياً على المستقبل .
من اليقينيات :
عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ, أَنَّ أُمَّ الْعَلَاءِ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِمْ, بَايَعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, أَخْبَرَتْهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ, طَارَ لَهُمْ فِي السُّكْنَى, حِينَ اقْتَرَعَتِ الْأَنْصَارُ عَلَى سُكْنَى الْمُهَاجِرِينَ, قَالَتْ أُمُّ الْعَلَاءِ:
((فَاشْتَكَى عُثْمَانُ عِنْدَنَا, فَمَرَّضْتُهُ حَتَّى تُوُفِّيَ, وَجَعَلْنَاهُ فِي أَثْوَابِهِ, فَدَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ, شَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ, فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: لَا أَدْرِي بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ, فَمَنْ قَالَ: أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ وَاللَّهِ الْيَقِينُ, وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ, وَمَا أَدْرِي وَاللَّهِ, وَأَنَا رَسُولُ اللَّه مَا يُفْعَلُ بِي, قَالَتْ: فَوَ اللَّهِ لَا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ))
نحن لا يوجد عندنا من أهل الجنة في اليقين إلا العشرة المبشرون في الجنة فقط, وأحد هؤلاء العشرة سيدنا عمر, أتى سيدنا حذيفة قال له: بربك اسمي مع المنافقين؟ والباقي على الرجاء لا على اليقين, لكن يغلب على الظن, وأدباً مع الله, أن المؤمن مصيره الجنة, أما أن يجزم, فهذا ليس من شأن العبد .
قصة :
قصة سريعة جداً: النبي عليه الصلاة والسلام في معركة بدر, أعطى توجيه: لا تقتلوا عمي العباس، واحد قال: أحدنا يقتل أباه وأخاه في المعارك, وينهانا عن قتل عمه -القضية ذهب إلى العنصرية- ثم كشف أن عمه كان مسلم, وكان عين النبي في مكة, ولو أن عمه ما خرج معهم لانكشف أمره، لو أن النبي ما أفصح أنه مسلم لكشفه، لو سكت لقتلوه، فلا بد من أن يقول هذا الكلام: لا تقتلوا عمي العباس, يقول هذا الصحابي: ظللت عشر سنين أتصدق, رجاء أن يغفر الله لي سوء ظني برسول الله .
فإذا أسأت الظن به تحجب عن الله، إنسان معصوم, فكيف إذا أسأت الظن بالله عز وجل؟ فثمن الجنة حسن الظن بالله، كم تجد من أحداث؛ مجاعات, وفقر, وحروب, وقتلى, وجرحى, هذه الدنيا لا تساوي في الآخرة شيء، إذا امتحن الله أحد, ومات في المعركة, أو بصاروخ, وكان مصيره الجنة, أفضل مليار مليار مرة من هؤلاء الذين يتصدرون, ويقولون: انتصرنا وسوف نحقق كذا وكذا، لأن العبرة بالآخرة لقوله تعالى:
﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾
[سورة الأعراف الآية: 128]
فأنا أحسن الظن بالله تعالى، وأفوض الأمر إلى الله, وأتألم لما يصيب المسلمين, لكن لا أسيء الظن بالله أبداً، أعلم علم اليقين أن أسماء الله حسنى وصفاته فضلى, وهذا كلام قطعي, وهذا هو اليقين, وهذا هو حسن الظن بالله, وهذا هو ثمن الجنة، والحمد لله رب العالمين .
والحمد لله رب العالمين
وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَىَ وأَعْلَمُ



 

رد مع اقتباس
قديم 30-03-2018, 05:48 PM   #14


تيماء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7482
 تاريخ التسجيل :  27 - 10 - 2016
 أخر زيارة : 02-01-2023 (09:51 PM)
 المشاركات : 106,303 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Lebanon
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Floralwhite
شكراً: 445
تم شكره 511 مرة في 344 مشاركة
افتراضي




العقيدة من مفهوم القران والسنة - الدرس ( 13) : رؤية الله يوم القيامة



من الثوابت عند المؤمنين :
فمع الدرس العشرين من دروس سورة العقيدة، والموضوع اليوم رؤية الله يوم القيامة.
أيها الأخوة, لقد أثبت الله جل جلاله للمؤمنين يوم القيامة, أنهم ينظرون لوجه ربهم عز وجل، فما أعطوا في الدنيا ولا في الآخرة نعمة هي أعظم من تلك النعمة، ولم يعطوا نعمة هي أقر لأعينهم من هذه النعمة، أعلى عطاء يناله الإنسان, أن يسمح له يوم القيامة, أن ينظر لوجه الله الكريم.
في بعض الآثار: ورد أن المؤمن إذا نظر لوجه الله الكريم, يغيب من نشوة النظرة خمسين ألف عام, لكن في الدنيا هذا مستحيل.

أدلة القرآن على نفي رؤية الله في الدنيا :
سيدنا موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام كان من أولي العزم، ومع ذلك حينما قال:
﴿قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾
[سورة الأعراف الآية: 143]
لم يتحمل سيدنا موسى وهو من أولي العزم, أن يرى تجليَّ الله على الجبل، هذا المعنى تؤكده آية كريمة, هي قوله تعالى:
﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾
[سورة الأنعام الآية: 103]
أيها الأخوة, هاتان الآيتان أصل في هذا الموضوع.

أدلة السنة :
إلى السنة النبوية الشريفة الصحيحة: في صحيح الإمام مسلم, عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ:
((قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنَامُ, وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ, يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ, يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ, وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ, حِجَابُهُ النُّورُ))
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ:
((النَّارُ لَوْ كَشَفَهُ, لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ, مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ))
عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ:
((سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ: نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ))
[أخرجه مسلم في الصحيح, والترمذي في سننه]
نفى النبي عليه الصلاة والسلام أن يكون قد رأى ربه.

أدلة القرآن على ثبوت الرؤيا للمؤمنين في الآخرة وحرمانها للكافرين :
أيها الأخوة, يوم القيامة: فيهيئ الله للمؤمنين ما يؤهلهم لرؤيته سبحانه, بعد أن يأذن لهم، فقال جل جلاله:
﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ٌ﴾
[سورة القيامة الآية: 22-23]
نضارة العمل الصالح, والطهارة, والحب, والصفاء, والاستقامة، أما الكفار فبالمقابل: يحرمون من هذه النعمة العظيمة, فلا يبصرون إلا ما يخزيهم، قال جل جلاله:
﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾
[سورة المطففين الآية: 15]
إذا حجبت عنك نعم الأرض، وسمح الله لك أن تكون موصولاً به, فأنت أسعد الخلق ، وإذا أعطيت الدنيا وما فيها، وحجبت عن الله, فأنت أشقى الخلق.
أيها الأخوة, وفي التنزيل أيضاً:
﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾
[سورة يونس الآية: 26]
الحسنى هي الجنة، وزيادة: هي النظر لوجه الله الكريم:
﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾
[سورة يونس الآية: 26]

أدلة السنة على ثبوت الرؤيا في الآخرة للمؤمنين :
ففي صحيح مسلم: عَنْ صُهَيْبٍ, عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ, يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ, فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ, فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ تبارك وتعالى, ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ))
[أخرجه مسلم في الصحيح, والترمذي في سننه]
العقيدة لا تؤتى إلا من الكتاب والسنة، ولا يستطيع إنسان كائن من كان, مهما علا شأنه، ومهما تألق في سماء المعرفة, أن يعطينا من العقيدة من عنده، هذه عقيدة, أصل الدين، إن صحت عقيدة الإنسان صح عمله، وإن فسدت فسد عمله.
وعن جابر رضي الله عنه من حديثه, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إن الله يتجلى للمؤمنين يضحك, أي يوم القيامة))
مما يدل على أن المؤمنين ينظرون إلى وجه الله الكريم، دليل القبول والرضا، إذا طرق بابك إنسان، واستقبلته مبتسماً, فابتسامتك دليل ترحيبك به.
عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْد ِاللَّهِ قَالَ:
((قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عِيَانًا))
[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي في سننهما]
وفي رواية أخرى: عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
((كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةً, يَعْنِي الْبَدْرَ, فَقَالَ: إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَر,َ لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ, فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ, قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ, وَقَبْلَ غُرُوبِهَا, فَافْعَلُوا, ثُمَّ قَرَأَ:
﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ﴾
قَالَ إِسْمَاعِيلُ: افْعَلُوا لَا تَفُوتَنَّكُمْ))
في الآخرة: الله عز وجل يهيئ المؤمن بإمكانات, تتيح له أن يرى الله عز وجل، لكن طبيعة الأجسام في الدنيا لا تحتمل التجلي الإلهي.
((إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ, لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ, فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ, قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ, وَقَبْلَ غُرُوبِهَا, فَافْعَلُوا))
ماذا تستنبطون؟ أن رؤية وجه الله العظيم لها ثمن في الدنيا، من ثمنها المحافظة على الصلاة، ومن أفضل الصلاة: محافظة صلاة الفجر وصلاة العصر قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها:
﴿وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى﴾
[سورة طه الآية: 130]
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِي اللَّه عَنْه: أَنَّ أُنَاسًا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا:
((يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ, هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ بِالظَّهِيرَةِ ضَوْءٌ لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ؟ قَالُوا: لَا, قَالَ: وَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ضَوْءٌ لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ؟ قَالُوا: لَا, قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا كَمَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا إِذَا كَانَ يَوْمُ القيامة))
هذا الحديث دليل آخر على أن الإنسان, إذا كان من أهل الجنة, يهيأ لرؤية الله جل جلاله.

هل رأى النبي ربه في الدنيا؟ :
أيها الأخوة, عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ:
((لَقِيَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَعْبًا بِعَرَفَةَ, فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ, فَكَبَّرَ, حَتَّى جَاوَبَتْهُ الْجِبَالُ, فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّا بَنُو هَاشِمٍ, فَقَالَ كَعْبٌ: إِنَّ اللَّهَ قَسَمَ رُؤْيَتَهُ وَكَلَامَهُ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَمُوسَى, فَكَلَّمَ مُوسَى مَرَّتَيْنِ, وَرَآهُ مُحَمَّدٌ مَرَّتَيْنِ.
قَالَ مَسْرُوقٌ: فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ, فَقُلْتُ: هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ؟ فَقَالَتْ: لَقَدْ تَكَلَّمْتَ بِشَيْءٍ, قَفَّ لَهُ شَعْرِي, قُلْتُ: رُوَيْدًا, ثُمَّ قَرَأْتُ:
﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾
فَقَالَتْ: أَيْنَ يُذْهَبُ بِكَ؟ إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ, مَنْ أَخْبَرَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ, أَوْ كَتَمَ شَيْئًا مِمَّا أُمِرَ بِهِ, أَوْ يَعْلَمُ الْخَمْسَ الَّتِي قَالَ اللَّهُ:
﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ﴾
فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ, وَلَكِنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ, لَمْ يَرَهُ فِي صُورَتِهِ إِلَّا مَرَّتَيْنِ؛ مَرَّةً عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى, وَمَرَّةً فِي جِيَادٍ, لَهُ سِتُّ مِائَةِ جَنَاحٍ قَدْ سَدَّ الْأُفُقَ))
[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, والترمذي في سننه]
السيدة عائشة رضي الله عنها, نفت أشد النفي, أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون قد رأى ربه، لكنه رأى جبريل.
في رواية أخرى عَنْ مَسْرُوقٍ, قَالَ:
((قُلْتُ لِعَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا: فَأَيْنَ قَوْلُهُ:
﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾
؟ قَالَتْ: ذَاكَ جِبْرِيلُ, كَانَ يَأْتِيهِ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ, وَإِنَّهُ أَتَاهُ هَذِهِ الْمَرَّةَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي هِيَ صُورَتُهُ, فَسَدَّ الْأُفُقَ))
وله شاهد آخر في الصحيحين: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ:
((سَأَلْتُ زِرَّ بْنَ حُبَيْشٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
﴿فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾
قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ, أَنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ, لَهُ سِتُّ مِائَةِ جَنَاحٍ))

تعليق هام :
أيها الأخوة, أحد كبار العلماء يقدم تعليقاً, يجمع بين رواية ابن عباس وبين نفي السيدة عائشة.
يقول هذا الإمام الجليل: ليس قول ابن عباس إنه رآه مناقضاً لهذا، ولا قوله رآه بفؤاده، وقد صح عنه أنه قال:
((رأيت ربي تبارك وتعالى، ولكن لم يكن هذا في الإسراء، بل في المدينة, لما احتبس عنهم في صلاة الفجر، ثم أخبرهم عن رؤية ربه تبارك وتعالى تلك الليلة في منامه))
أيها الأخوة, على هذا بنى الإمام أحمد رحمه الله تعالى وقال: نعم رآه حقاً، فإن رؤيا الأنبياء حق ولا بد، لكن لم يقل الإمام أحمد رحمه الله تعالى: أنه رآه بعيني رأسه يقظة، ومن حكى عنه ذلك, فقد وهم عليه، ولكن قال: مرة رآه, ومرة قال: رآه في فؤاده, فحكيت عنه مرتين.
أيها الأخوة, حينما قال: لقد رأيت ربي, كان هذا في المنام، وليس في الإسراء والمعراج, وليس بعيني رأسه، ولكن بعين قلبه، وهذا يمكن ولا يتناقض مع الآيات والأحاديث.
نريد أن نستنبط من هذه النصوص الصحيحة: أن المؤمن, عليه أن يسعى في دنياه الزائلة والفانية, على أن يصل إلى الجنة, فيكون قد حصّل أعظم عطاء, يناله مخلوق في الكون، المؤمن الذي يستحق دخول الجنة، ثم يؤهل كي يرى الله عز وجل, يكون قد حصّل أعظم عطاء, يناله مخلوق في الكون, منذ أن خلق الله الكون إلى نهاية الحياة.

قف هنا :
الآن: في هذه الرؤيا المنامية ما تفاصيلها؟.
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ:
((احْتُبِسَ عَنَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ غَدَاةٍ, عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ, حَتَّى كِدْنَا نَتَرَاءَى عَيْنَ الشَّمْسِ, فَخَرَجَ سَرِيعًا, فَثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ, فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَتَجَوَّزَ فِي صَلَاتِهِ, فَلَمَّا سَلَّمَ دَعَا بِصَوْتِهِ, فَقَالَ لَنَا: عَلَى مَصَافِّكُمْ كَمَا أَنْتُمْ, ثُمَّ انْفَتَلَ إِلَيْنَا, ثُمَّ قَالَ: أَمَا إِنِّي سَأُحَدِّثُكُمْ مَا حَبَسَنِي عَنْكُمُ الْغَدَاةَ, أَنِّي قُمْتُ مِنَ اللَّيْلِ, فَتَوَضَّأْتُ, وَصَلَّيْتُ مَا قُدِّرَ لِي, فَنَعَسْتُ فِي صَلَاتِي, فَاسْتَثْقَلْتُ, فَإِذَا أَنَا بِرَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ, فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ, قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَبِّ, قَال: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي رَبِّ, قَالَهَا ثَلَاثًا, قَالَ: فَرَأَيْتُهُ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ, حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ أَنَامِلِهِ بَيْنَ ثَدْيَيَّ, فَتَجَلَّى لِي كُلُّ شَيْءٍ, وَعَرَفْتُ, فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ, قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَبِّ, قَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ قُلْتُ: فِي الْكَفَّارَاتِ, قَالَ: مَا هُنَّ؟ قُلْتُ: مَشْيُ الْأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ, وَالْجُلُوسُ فِي الْمَسَاجِدِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ, وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي الْمَكْرُوهَاتِ, قَالَ: ثُمَّ فِيمَ؟ قُلْتُ: إِطْعَامُ الطَّعَامِ, وَلِينُ الْكَلَامِ, وَالصَّلَاةُ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ, قَالَ: سَلْ؟ قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ, وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ, وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ, وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي, وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةَ قَوْمٍ, فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ, أَسْأَلُكَ حُبَّكَ, وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ, وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى حُبـِّكَ, قَالَ رَسـُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهَا حَقٌّ, فَادْرُسُوهَا, ثُمَّ تَعَلَّمُوهَا))
هكذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم.

تأويل باطل مردود قطعاً :
أيها الأخوة, لا بد من أن أحيطكم علماً, أن هناك من يتأول الآية الكريمة:
﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ٌ﴾
[سورة القيامة الآية: 22-23]
أي منتظرة، وهذا التأويل الموهوم مردود قطعاً، لأن هذا القرآن الكريم نزل بلغة العرب، بلسان عربي مبين، فما في هذه اللغة من قواعد، نظر إذا عدي بنفسه, فمعناه التوقف والانتظار، قوله تعالى:
﴿انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ﴾
[سورة الحديد الآية: 13]
أي انتظرونا، إذا عدّي بنفسه, يعني هذا الانتظار، وإن عدي بـ: في, فمعنى ذلك: التفكر والاعتبار:
﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ والأرض﴾
[سورة الأعراف الآية: 185]
وإذا عدي بـ إلى, فيعني المعاينة بالأبصار، نحو قوله تعالى:
﴿انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ﴾
[سورة الأنعام الآية: 99]
﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ٌ﴾
[سورة القيامة الآية: 22-23]
بعيني الرأس المعاينة والتفحص .
﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ٌ﴾
[سورة القيامة الآية: 22-23]
معنى ذلك: أنها تنظر إلى الله لا تنتظر، معنى الانتظار لا يأتي من تعدية الفعل بـ: إلى, لأن هذا يعني النظر والتمحيص، وتعديته بـ: في, يعني التفكر، وتعديته بذاته, معناه الانتظار.

انظر إلى هذا القول لمالك :
سئل مالك بن أنس رضي الله عنه, عن قوله تعالى:
﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ٌ﴾
[سورة القيامة الآية: 23]
فقيل: قوم يقولون: إلى ثوابه ناظرة على ثوابه، فقال: مالك كذبوا، فأين هم من قوله تعالى؟:
﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾
[سورة المطففين الآية: 15]
الآية الثانية: تفيد أن الأولى ناظرون بمعنى النظر، فقال مالك: الناس ينظرون لله يوم القيامة بأعينهم، وقال: لو لم ير المؤمنون ربهم يوم القيامة, لم يعبر الله عن الكفار بالحجاب فقال:
﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾
[سورة المطففين الآية: 15]

من المعاني المخالفة المعاكسة, أن الله عز وجل إذا قال:
﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾
[سورة المطففين الآية: 15]
المعنى المعاكس: أن المؤمنين ينظرون.

احذر أن تقع في هذه الخسارة :
ماذا ننتفع بهذا الكلام؟ ثبت لديكم أن رؤية المؤمن لله عز وجل ثابتة قطعاً في الكتاب والسنة، فماذا ينبغي أن يفعل حتى يصل على هذه الرؤيا؟.
أيها الأخوة, هذه الدنيا حينما يسعى الإنسان إليها، وينسى ربه, فقد باء بخسران مبين.
أيها الأخوة, ما من خسارة تحيط بالإنسان, كأن يخسر الآخرة، لأن الجنة أعظم عطاء.

هذا ما أعد الله لعباده الصالحين في الآخرة :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ, وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ, وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ, واقْرَؤوا إِنْ شِئْتُمْ: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ))
[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, والترمذي في سننه]
عين رأت، دائرة المرئيات محدودة، يقول لك واحد من الناس: أنا رأيت الصين ومصر فقط، يقول آخر: رأيت أمريكا وإنكلترا والمغرب، دائرة المرئيات محدودة جداً، أما دائرة المسموعات, فيكفي أن تستمع على الأخبار، فإذا أنت أمام أخبار, تدلك على بلاد, ودول, وعواصم, وأماكن, وسدود, وبحار, وجبال, وسهول, و ...., فإذا كانت دائرة المرئيات محدودة, فدائرة المسموعات غير محدودة، لكن دائرة الخواطر لا تنتهي.
لذلك جاء في الحديث القدسي:
((أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ, وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ, وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ))

من مراتب الجنة :
أيها الأخوة, أول مرتبة في الجنة أن تدخلها، وتستمتع بالبساتين والأنهار من العسل المصفى، ومن أنهار من لبن لم يتغير طعمه، ومن أنهار خمر لذة للشاربين، والأنهار من ماء غير آسن البساتين، الحور العين، لولدان المخلدين ....., هذه متع الجنة، لكن الله سبحانه وتعالى وصف متعاً أرقى من ذلك, فقال:
﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ٌ﴾
[سورة القيامة الآية: 22-23]
﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾
[سورة يونس الآية: 26]
الله عز وجل وعد المؤمنين أن يسعدوا برؤيتهم إليه في أعلى, في الأعلى هو رضوان من الله أكبر، أن يرضى الله عنك، ويشعرك أنه يحبك، هذا أعلى شيء يناله إنسان، فبين جمال الجنة، وبين جمال وجه الله عز وجل، وبين رضوان الله عليك، هذا الذي ينبغي أن نسعى إليه.
المطلوب منك :
أسباب دخول الجنة بين أيديكم: ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً، أسباب دخول الجنة متاحة لكل مؤمن، لكن إذا قصر, فالمشكلة مشكلته, ملاحظة العلم في الإسلام ليس مطلوباً لذاته، المطلوب أن يعمل به، فالعلم ما عمل به، وإن لم يعمل به لا جدوى منه.

إليكم توضيح هذه الفكرة :
أوضح لكم هذه الفكرة وهي مهمة جداً: إنسان مصاب بمرض جلدي، علاجه الوحيد أن يتعرض لأشعة الشمس، فلو قبع في غرفة مظلمة ذات رطوبة عالية، ثم بدأ يتحدث عن الشمس، وعن سطوعها، وعن جمالها، وكيف أنها في رابعة النهار، وكيف أن أشعتها مطهرة, ما قيمة هذا الحديث؟ لا قيمة له إطلاقاً، لأنه لم يتعرض لأشعة الشمس.
لذلك: أحياناً المؤمن يظن أنه إذا طلب العلم، وأحاط بمعنى هذه الآيات، وتلك الأحاديث, انتهت المشكلة، لم ينته شيء، هذا الفرق الجوهري بين أصحاب النبي رضوان الله عليهم وبين المؤمنين المقصرين في آخر الزمان، ما لم تنقلب تلك المعلومات، وهذه الحقائق، وتلك النصوص إلى سلوك يومي, فلا جدوى من تعلم هذا العلم، فالعلم ما عمل به، فإن لم يعمل به, كان الجهل أولى, لأنك مسؤول، صار العلم حجة عليك، وليس حجة لك، يكون حجة لك إذا طبقته، ويكون حجة عليك إذا خالفته:
وعالم بعلمه لم يعملن معذب من قبل عباد الوثن
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾
[سورة الصف الآية: 2-3]
فهذه الجنة أبوابها مفتحة في الدنيا، وأسباب دخول الجنة بأيدي كل المؤمنين, فما علينا إلا أن نتحرك:
﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا﴾
[سورة الأنفال الآية: 72]
ما لم يتحرك المؤمن إلى الله, فلا جدوى من حياته، لأنها تضييع للوقت من دون ثمرة يانعة يقطفها.
والحمد لله رب العالمين
وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَىَ وأَعْلَمُ



 

رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مفهوم , أو , العقيدة , القران , والسنة


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
♥ الإعجاز اللغوي والبياني في القرآن ♥ تيماء (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) 46 19-10-2020 01:30 PM
🌹: علمني القران ....✏ ساره الطنايا ( همســـــات الإسلامي ) 10 04-04-2017 07:13 PM
هنا مدرسة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم حنين آنثى متمرده (سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وقصص الانبياء والصحابه ) 16 10-08-2014 06:02 PM
إن لم نبدأ الآن في حفظ القران فمتى سنبدأ ؟؟؟ النـور (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) 13 12-04-2013 11:41 AM

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

الساعة الآن 09:19 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010