26-05-2018, 12:47 AM | #8 |
| إن المسلمون في جميع أنحاء الأمة الاسلامية ينتظرون إعلان دخول شهر رمضان الكريم المبارك، وقد تطلعت قلوبهم، واستشرفت نفوسهم إلى سماع أصوات المدافع وهي تبشر بدخول هذا الشهر الكريم. ولا شك أن هذا الخبر الذي نترقبه وننتظره جميعاً هو من أعظم ما يُفرح القلوب ويبهج النفوس قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58]. فإنّ الفرح والسرور مطلب ملح, وغاية مبتغاة وهدف منشود, والناس كل الناس يسعى إلى فرح قلبه وزوال همه وغمه, وتفرق أحزانه وآلامه. ولكن قل من يصل إلى الفرح الحقيقي, ويحصل على السعادة العظمى, وينجو من الآلام والأتراح. والحديث في الأسطر التالية حول معنى الفرح وأسبابه, وموانعه. وبعد ذلك نصل إلى معنى الفرح في الصيام, وكيفية كون هذا الشهر الكريم شهر فرح. الفرح لذة تقع في القلب بإدراك المحبوب, ونيل المشتهى, فيتولد من إدراكه حالة تسمى الفرح والسرور. كما أنّ الحزن والغم من فقد المحبوب, فإذا فقده تولد من فقده حالة تسمى الحزن والغم. والفرح بالشيء فوق الرضا به, فإن الرضا طمأنينة وسكون وانشراح, والفرح لذة وبهجة وسرور, فكل فرح راض, وليس كل راض فرحاً ولهذا كان الفرح والرضا ضد السخط, والحزن يؤلم صاحبه, والسخط لا يؤلمه إلّا إذا كان مع العجز عن الإنتقام. |
|
26-05-2018, 12:49 AM | #9 |
| ولقد جاء الفرح في القرآن على نوعين : مطلق ومقيد فالمطلق جاء في الذم كقوله تعالى : {لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القصص:76]. وقوله : {إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} [هود:10]. والفرح المقيد نوعان أيضاً الأول: مقيد بالدنيا ينسي فضل الله, ومنته وهو مذموم كقوله تعالى : {حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ} [الأنعام: 44]. والثاني : فرح مقيد بفضل الله ورحمته وهو نوعان أيضاً : فضل ورحمة بالسبب , وفضل بالمسبب فالأول كقوله : {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58]. والثاني كقوله تعالى: {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ} [آل عمران: 170]. ولقد ذكر الله سبحانه الأمر بالفرح بفضله ورحمته عقيب قوله : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 57]. ولا شيء أحق أن يفرح به العبد من فضل الله ورحمته التي تتضمن الموعظة وشفاء الصدور من أدوائها بالهدى والرحمة, الهدى الذي يتضمن ثلج الصدور باليقين, وطمأنينة القلب به, وسكون النفس إليه وحياة الروح به. والرحمة التي تجلب لها كل خير ولذة وتدع عنها كال شر وألم. فالفرح بالله وبرسوله, وبالإيمان وبالقرآن, وبالسنة وبالعلم من أعلى مقامات العارفين, وأرفع منازل السائرين, وضد هذا الفرح الحزن الذي أعظم أسبابه الجهل, وأعظمه الجهل بالله, وبأمره, ونهيه, فالعلم يوجب نوراً وأنساً, وضده يوجب ظلمة ويوقع في وحشة. ومن أسباب الحزن تفرق الهم عن الله, فذلك مادة حزنه كما أن جمعية القلب على الله مادة فرحه ونعيمه, ففي القلب شعث لا يلمه إلا ألإقبال على الله, وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس به في خلوته, وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته, وصدق معاملته, وفيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه, والفرار منه إليه, وفيه نيران حسرات لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه, وقضائه ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه وفيه فاقة لا يسدها إلا محبته والإنابة إليه , ودوام ذكره, وصدق الإخلاص له, ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة منه أبداً انظر : ( مدراج السالكين لابن القيم 2 / 148 - 156 ) هذا هو الفرح الحق وهذا هو فرح أهل الإيمان لا فرح أهل الأشر والبطر والطغيان. هذا وإن للصائمين من هذا الفرح نصيباً غير منقوص, كيف وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه : «وللصائم فرحتان : فرحة عند فطرة , وفرحة عند لقاء ربه» . قال ابن رجب رحمه الله : " أما فرحة الصائم عند فطره فإن النفوس مجبولة على الميل إلى ما يلائمها من مطعم, ومشرب, ومنكح, فإذا امتنعت من ذلك في وقت من الأوقات, ثم أبيح لها في وقت آخر فرحت بإباحة ما منعت منه , خصوصاً عند اشتداد الحاجة إليه , فإن النفوس تفرح بذلك طبعاً, فإن كان ذلك محبوباً شرعاً. والصائم عند فطره كذلك, فكما أنّ الله تعالى حرم على الصائم في نهار الصيام تناول هذه الشهوات فقد أذن له فيها في ليل الصيام, بل أحب منه المبادرة إلى تناولها من أول الليل وآخره, فأحب عباد الله إليه أعجلهم فطراً, والله وملائكته يصلون على المتسحرين, فالصائم ترم شهواته في النهار تقرباً إلى الله وطاعة له, وبادر إليها بالليل تقرباً إلى الله وطاعة له, فما تركها إلا بأمر ربه ولا عاد إليها إلا بأمر ربه, فهو مطيع في الحالين, ولهذا نهي عن الوصال, فإذا بادر الصائم إلى الفطر تقرباً إلى مولاه, وأكل وشرب وحمد الله, فإنه ترجى له المغفرة, أو بلوغ الرضوان بذلك ". إلى أن قال رحمه الله : "ثم إنه ربما استجيب دعاؤه عند فطره , وعند ابن ماجة : «إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد» . وإن نوى بأكله وشرابه تقوية بدنه على القيام والصيام كان مثاباً على ذلك, كما أنه إذا نوى بنومه في الليل والنهار التقوى على العمل كان نومه عبادة. ومن فهم هذا الذي أشرنا إليه لم يتوقف في معنى فرحه عند فطره, فإن فطره على الوجه المشار إليه من فضل الله ورحمته, فيدخل في قوله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58] " .ا هـ. وقال ابن رجب رحمه الله : " وأما فرحه عند لقاء ربه ففيما يجده عند الله من ثواب الصيام مدخراً فيجده أحوج ما كان إليه كما قال تعالى : {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً} [المزمل:20]. وقال تعالى : {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً} [آل عمران: 30]. وقال تعالى : { فمن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} [ الزلزلة:7 ] ".ا هـ. اللّهم أفرح قلوبنا بالإيمان, والقرآن, والسنة, والعلم, والصيام.. تابعونا جزاكم الله خيرا |
|
26-05-2018, 12:52 AM | #10 |
| لقد أضاف الله الصيام إليه ثلاث إضافات: الإضافة الأولى: ((كل عمل ابن آدم له؛ الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)) ( متفق عليه ) الإضافة الثانية: ((لكل عمل كفارة، والصوم لي وأنا أجزي به)). ( رواه البخارى عن أبى هريرة ) الإضافة الثالثة: ((كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم فإنه لي)). ( متفق عليه ) ففي الأولى فائدة الإضافة أن تضعيف الأجر في الصيام لا ينحصر في عدد، بل يضاعفه الله أضعافًا كثيرة بغير حصر عدد. وفي الثانية فائدة الإضافة أن الصيام يكفر عن العبد المظالم التي عجزت سائر أعماله عن تكفيرها، وذلك أنه إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله، حتى لا يبقى إلا الصوم، فيتحمل الله عز وجل ما بقي عليه من المظالم ويدخله بالصوم الجنة. وفي الثالثة فائدة الإضافة أن سائر الأعمال للعباد، والصيام اختصه الله تعالى لنفسه من بين أعمال عباده، وجعله له. وهذه الإضافة هي أوسع هذه الإضافات وأشملها؛ إذ الاستثناء فيها لم يتقدمه شيء خاص؛ إذ الأولى فيها تضعيف الأجر بغير عدد، وفي الثانية التكفير بالصوم، وأما الثالثة فليس فيها إلا أن أعمال العباد لهم بدون تخصيص هذه الإضافة بشيء، إلا الصوم فإنه لله. فما ظنك بعمل أضافه الله إلى نفسه؟! إن فيه من الفوائد والبركات ما لا يمكن حصرها ولا عدها ولا إحصاؤها، كما أن أجره والتكفير به لا يمكن حصره ولا عده. إن في الصوم تركَ شهوةٍ حاضرةٍ لموعِدِ غَيبٍ لم نره، لا نعلم عنه إلا أنَّا وُعِدْنا به، وفي هذا تصفية للقلب من التعلق بالدنيا وحظوظها، والتطلع إلى ذلك الغيب، الذي هو أفق واسع لا يُحد، وبهذا تتهاوى جميع لذائذ الدنيا تحت قدمي العبد الصادق الصابر إن النفس الإنسانية مجبولة في الدنيا على حب الشهوات والتطلع إليها، وهذه الشهوات إنما وضعت في النفس لأن الحياة لا تقوم إلا بها، فالبدن لا قوام له إلا بالأكل والشرب، والمجتمع لا يمكن استمرار بقائه إلا بشهوة النكاح والجماع، فامتناع العبد عن هذه الشهوات التي بها قوام حياته طاعةً لله معناه أنه قادر على ترك الشهوات التي بها فساد بدنه وهلاك دنياه طاعة لله تعالى. ولهذا لما سئل ذو النون المصري: متى أحب ربي؟ قال: إذا كان ما يكرهه أمرَّ عندك من الصَّبِر. (أنظر لطائف المعارف لابن رجب) |
|
26-05-2018, 12:54 AM | #11 |
| فإذا كان الواحد منا يكره الفطر في رمضان، ولو أُكره عليه بالضرب والحبس ما فعل، إلا أن يضطر إلى ذلك اضطرارًا، فكيف نقع بعد ذلك فيما نهى عنه دائمًا؟!! وهو سبب فساد ديننا ودنيانا؛ من هضم حق الفقير والمسكين، والغيبة، والنميمة، والكذب، والغش، والخداع، والخيانة، والتباغض، والتحاسد، والتدابر، والهجر المذموم، والفواحش، والمشارب المحرمة، وغير ذلك من المعاصي التي ابتليت بها الأمة!! إن رمضان شهر مدارسة القرآن وفهمه، والتعلق به علمًا وعملا، تلاوة وتدبرًا، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدارسه جبريل القرآن في رمضان، ويعرضه كله فيه، ولهذا ينفتح للعباد من أسرار القرآن في شهر رمضان شيء كثير. إن النفوس تقوى في رمضان على العمل ما لا تقوى في غيره، ويحصل لها من النشاط والإقبال على الخير شيء عجيب. هذا غيض من فيض رمضان، ولهذا تفرح النفوس الصادقة المؤمنة بمقدمه؛ لما يحصل لها فيه من المواعظ والدروس والفوائد والبركات والخيرات والنشاط، ومن بغض المعاصي والمنكرات كبغضها للفطر في نهار رمضان. اللهم بلغنا رمضان وأعنا على صيامه وقيامه، ووفقنا للتزود من معين بركاته وخيراته. تابعونا جزاكم الله خيرا |
|
26-05-2018, 12:55 AM | #12 |
| إن من طبيعة الإنسان أنه يفرح بفضل الله تعالى، وبنعمه، ولكن مع ذلك تختلف فرحة الناس فمنهم من يفرحون لأمور دنيوية بحتة، ومنهم من يفرحون فرح المؤمنين المتقين الطائعين، وهذا هو الذي يجب أن يتمثله المسلم وخاصة في شهر رمضان، وعلى المسلم أن يكون صومه وجميع أعماله إيماناً واحتساباً للأجر والثواب عند الله تعالى وعلينا أن نعرف أن العبرة بحسن العمل لا بكثرته. من الناس من يكون فرحه فرح المؤمن، الذي يفرح برمضان؛ لأنه شهر القرآن، شهر الصيام والقيام والعبادة والدعاء والتضرع إلى الله -عزَّ وجلَّ- شهر المغفرة والعتق من النار. من الناس من يفرحون برمضان، كما كان يفرح به أصحاب محمد -عليه الصلاة والسلام- فكان -عليه الصلاة والسلام- إذ يبشرهم برمضان، لم يجد ما يبشرهم به في مقدم هذا الشهر الكريم، إلا ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه في صحيح البخاري وصحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول لأصحابه: {إذا دخل رمضان فُتِحَتْ أبواب السماء} وفي رواية: {فُتِحَتْ أبوابُ الجنة، وغُلِّقَتْ أبوابُ النيران، وصُفِّدَتِ الشياطينُ ومَرَدَةُ الجن} فبذلك كانوا يفرحون؛ لأن فتحَ أبوابِ السماء، وفتحَ أبوابِ الرحمة وأبواب الجنة، تكرم من الله -عزَّ وجلًّ- على عباده، وسِعة رحمته، وكثرة مغفرته، وكثرة عتقائه في هذا الشهر الكريم من النار، ولذلك جاء في الحديث، في رواية الترمذى -رحمه الله- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إذا كان أول ليلة من رمضان غُلِّقَتْ أبوابُ النار؛ فلم يُفتح منها باب، وفُتِحَتْ أبوابُ الجنة؛ فلم يُغلق منها باب، وينادِي منادٍ: يا باغي الخير هَلُمَّ وأقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله في كل ليلة عتقاءُ من النار}. فهذه مصدر فرحة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا الذي وَجَدَ النبي صلى الله عليه وسلم أن يبشر أصحابه به؛ لأنهم لم يكونوا يفرحون إلا بما يكون مقرباً لهم إلى رضوان الله تعالى ورحمته، ومباعداً لهم عن عذابه وسخطه، وهكذا يفرح المؤمنون قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58]. |
|
26-05-2018, 12:56 AM | #13 |
| مصدر فرحة المؤمن في رمضان: أنه يؤمل أن يكون فيه في ركب التائبين، الذين غُفرت لهم ذنوبُهم، ومُحيت عنهم سيئاتهم، وتجاوز الله تعالى عن خطاياهم، فساروا في موكب المؤمنين التائبين الطائعين، وما ندري ماذا يكون مصيرنا بعد هذا الشهر الكريم، فإن الإنسان ما هو إلا نَفَسٌ يدخل ولا يخرج، أو يخرج ولا يدخل، ورُبَّ إنسان أصبح ولم يمسِ، أو أمسى ولم يصبح، أو نام ولم يستيقظ، أو استيقظ فلم ينم، وإنما هي آجال مكتوبة مضروبة قال تعالى: فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34]. وقد شَذَّ من هذا الموكب الكريم -موكب المؤمنين المطيعين الفرحين المسرورين بمقدم هذا الشهر الكريم- شَذَّ منهم فئة من الناس، تخلت عن حقيقة إيمانها، وأصابها بمقدم هذا الشهر الذعر والفزع والحزن؛ لأن أحبابهم وأصحابهم من الشياطين قد تخلوا عنهم -كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم- حين سُلسِلوا وصُفِّدوا في الأغلال، فلم يستطيعوا أن يَخْلُصوا في رمضان إلى ما كانوا يَخْلُصون إليه في غيره، فبقي شياطين الإنس منفردين شاذين، فأصبح الشهر ينـزل عليهم نـزول الألم الذي لا يكادون أن يطيقوه، يعدون أيامه ولياليَه عدّاً، وينتظرون خروجه بفارغ الصبر، وفي الوقت الذي يكون رمضان فيه للمؤمنين قربة ومزيداً في الطاعة، فإن هؤلاء يكون الشهر -والعياذ بالله- عليهم وبالاً ومقرباً إلى سخط الله عزَّ وجلَّ ومثل هؤلاء أمرهم عجب؛ فإنهم قد رضوا لأنفسهم طريقاً غير طريق المؤمنين، وانسلخوا عن هذه الأمة، فإن فرحَتْ حزنوا، وإذا سُرَّت ابتأسوا؛ لأنهم اختاروا طريقاً آخر غير طريق الإيمان وغير طريق التوبة. مضى رجبٌ فما أحسنتَ فيه وولَّى شهرُ شعبان المبارَكْ فيا مَن ضيَّع الأوقاتَ جهلاً بحُرمتها أفِقْ واحذر بوارَكْ فسوف تُفارق اللذاتِ قسراً ويُخلي الموتُ كُرْهاً مِنك دارَكْ تدارَكْ ما استطعتَ مِن الخطايا بتوبةِ مُخْلِصٍ واجعلْ مدارَكْ على طلب السلامة مِن جحيمٍ فخير ذوي الجرائم مَن تدارَكْ |
|
26-05-2018, 12:58 AM | #14 |
| اختلاف فرحة الناس بدخول شهر رمضان لعل كل الناس -بل أكثرهم- يفرحون بقدوم هذا الشهر ودخوله، لكن أسباب الفرحة تتفاوت تفاوتاً عظيماً. فمن الناس من يكون فرحه بدخول هذا الشهر؛ لأنه تاجر يعتقد أنه سوف ينمي بضاعته ويروجها في هذا الشهر، ويرى مِن إقبال الناس على شراء ما يحتاجونه، من المأكولات والمشروبات وغيرها في هذا الشهر الكريم ما يكون مصدر سعادة له وهذه فرحة دنيوية بحتة، نحن لا نلوم هؤلاء على فرحتهم تلك، فإن الإنسان مجبول على حب المال، قال الله عزَّ وجلَّ: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [العاديات:8] ومن الخير: المال، فالنفوس جُبلت على حب المال غالباً وقد صلى أصحابُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوماً معه صلاة الفجر، فلما سلم وقام تعرضوا له وسلموا عليه، فتبسم رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، عرف ما الذي جاء بهم، قال: {أظنكم سمعتم بالمال الذي قَدِم من البحرين قالوا: أجل يا رسول الله قال -عليه الصلاة والسلام-: أبشِروا وأمِّلوا ما يسرُّكم، فوالله ما الفقرَ أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تُفتَح عليكم الدنيا كما فُتحَت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها؛ فتهلككم كما أهلكتهم} والحديث متفقٌ عليه، عن أبى سعيد رضي الله عنه. فمن الناس من تكون فرحته فرحة مادية بحتة، ومن الناس من تكون فرحته فرحة العابث اللاهي الذي لا يذكر من رمضان إلا إيقاد المصابيح، وسهر الليالي، والجلسات الطويلة المتصلة، والمباريات الرياضية التي يسهرون عليها حتى وقت السحور، أو لا يذكر من رمضان إلا السهر أمام الشاشة؛ لمشاهدة الأفلام، أو مشاهدة البرامج التي تضر ولا تنفع، فيكون فرحه برمضان لا يعدو فرحة مادية دنيوية ضارة، تكون على الإنسان وبالاً في دينه ودنياه وعاجل أمره وآجله. ومن الناس من لا يتذكرون من رمضان إلا المسابقات والمنافسات في أمور لا خير فيها، وكثير من الشباب ربما كان كلُّ همهم في رمضان ومصدر فرحتهم وسرورهم، هي الذكريات التي يعيشونها في رمضانات مضت، والسهرات الطويلة، وأنواع من الأسفار والمغامرات والمسابقات والمنافسات، التي لا يفرح بها مؤمن أبداً. ومن الناس من يكون فرحه فرح الصبيان الذين لا يذكرون من شهر رمضان إلا ألوان الأطعمة المتميزة التي يتعاطونها في هذا الشهر الكريم، على حين لم يكونوا يتعاطونها قبل ذلك، فلا يفرح من هذا الشهر إلا بمثل هذه الأمور، كما يفرح بها الصبيان الصغار الذين لا يعرفون رمضان إلا بتغير البرامج وتغير الأطعمة ومواعيد الإفطار والغداء والعشاء وغيرها. تابعونا جزاكم الله خيرا |
|
الكلمات الدلالية (Tags) |
رمضان , فرحة |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
التصويت لمسابقة أهلاً رمضان بأقلام مبدعي همسات الغلا | همس الروح | (همسات المسابقات والفعاليات ) | 47 | 02-06-2016 09:18 PM |