الزين مثل الحيا متبوع لو ماتلا الناس يتلونه
ليس الجمال بمئزر فاعلم وإن كسيت بردا
من أمثال العرب (القبح حارس المرأة)
وهو مثل فيه نظر! .. فلا يوجد امرأة ليس فيها ملمح جمال.. خاصة إذا كانت شابة!..
هذا من ناحية.. ومن ناحية أخرى فإنه -القبح-
ليس بحارس مأمون في هذا العصر المجنون!
والقبح الحقيقي هو قبح النفوس..
لا الوجوه فإن أجمل الوجوه في النفوس الكريهة.. الحاقدة.. السيئة التصرف والأخلاق..
هو الوبال..
وفي الأثر:
(إياكم وخضراء الدمن..)
وهي المرأة الحسناء في المنبت السوء..!
وفي هذا العصر اختلط الحابل بالنابل!
وتشابه البقر علينا! ففي كثير من الأحيان لا يعرف الإنسان ماهو الوجه الأصلي ! من كثرة المساحيق والأصباغ والألوان!
وكثرة عمليات التجميل في كل أجزاء المرأة..
وفي كل مكان!..
ومن كثرة (التفخ والنفخ)! و(القص واللزق)!
والتنحيف والتسمين! (وباروكات)
الشعر وعدسات العيون والمشدات والكعب العالي!
لا تعرف الطويلة من القصيرة!
ولا الجميلة خلقة من المجملة بالترقيع!..
بل إن كثرة عمليات التجميل جعلت كثيراً من النساء متشابهات! ومحت التفاصيل والتقاطيع!
ومسحت الخلقة!
وربما مسخت الجميلة إذا أوقعها سوء حظها ف
ي طبيب تجميل (غشيم)!
خاصة وقد أصبح كثير من الطب عامة،
وعمليات التجميل خاصة، مجرد تجارة..
وشطارة.. وبعضه مجرد شعوذة وضحك على الساذجات!.. تأتيك شابة جميلة خلقة..
أعطاها الله الصبا والجمال! فيبلاها طبيب تجميل بالرعم أنه لو أجرى لها عملية (كذا)
في الأنف لأصبحت أجمل وأروع! ويمنيها الأماني!
فإن صدّقَت فقد يلعب في وجهها!..
ويفسد شكلها ويمسخ جمالها!..
ومنذ القدم وحتى اليوم.. والعقلاء وأصحاب الذوق الراقي يفضلون الجمال الطبيعي الذي لم تخدع به الأصباغ والألوان! لأنه جمال دائم على الدوام!
يقول شاعر العربية الكبير أبو الطيب المتنبي:
(مَنِ الجآذِرُ في زِيّ الأعَارِيبِ حُمْرَ الحِلَى وَالمَطَايَا وَالجَلابيبِ
سَوَائِرٌ رُبّمَا سارَتْ هَوَادِجُهَا مَنيعَةً بَينَ مَطْعُونٍ وَمَضرُوبِ
وَرُبّمَا وَخَدَتْ أيْدي المَطيّ بهَا
على نَجيعٍ مِنَ الفُرْسانِ مَصْبوبِ
كمْ زَوْرَةٍ لَكَ في الأعرابِ خافِيَةٍ أدهى وَقَد رَقَدوا مِن زَوْرَةِ الذيبِ
أزُورُهُمْ وَسَوَادُ اللّيْلِ يَشفَعُ لي وَأنثَني وَبَيَاضُ الصّبحِ يُغري بي
ما أوْجُهُ الحَضَرِ المُسْتَحسَناتُ بهِ كأوْجُهِ البَدَوِيّاتِ الرّعَابيبِ
حُسْنُ الحِضارَةِ مَجلُوبٌ بتَطْرِيَةٍ وَفي البِداوَةِ حُسنٌ غيرُ مَجلوبِ
أينَ المَعيزُ مِنَ الآرَامِ نَاظِرَةً وَغَيرَ ناظِرَةٍ في الحُسنِ وَالطّيبِ
أفدِي ظِبَاءَ فَلاةٍ مَا عَرَفْنَ بِهَا مَضْغَ الكلامِ وَلا صَبغَ الحَواجيبِ
وَلا بَرَزْنَ مِنَ الحَمّامِ مَاثِلَةً أوراكُهُنَّ صَقيلاتِ العَرَاقيبِ)
كما أن جمال الرجال في الجوهر قبل المظهر!.. فإن اجتمع الأمران فهذا المراد من رب العباد!..
يقول عمرو بن معد يكرب:
(ليس الجَمالُ بِمِئْزَرٍ،... فاعْلَمْ، وإِنْ رُدِّيتَ بُرْدَا
إِنَّ الجَمالَ مَعادِنٌ... ومَناقِبٌ أَوْرَثْنَ مَجْدَا
أَعْدَدْتُ لِلحَدَثَانِ سا... بِغَةً وعَدَّاءً عَلَنْدْى
نَهْداً، وذا شُطَبٍ يَقُ... دُّ البَيْضَ والأَبْدَان قَدَّا
وَعِلْمِتُ أَنِّي يومَ ذا... كَ مُنازِلٌ كَعْباً ونَهْدَا
قَوْمٌ إِذا لَبِسُوا الحَدِي... دَ تَنَمَّرُوا حَلَقاً وقِدَّا
كُلُّ امْرِئٍ يَجْرِي إلى... يَوْمِ الهِياجِ بِما اسْتَعَدَّا
لَمَّا رَأَيْتُ نِساءَنا... يَفْحَصْنَ بالمَعْزاءِ شَدَّا
وبَدَتْ لَمِيسُ كأَنَّها... قَمَرُ السَّماءِ إِذا تَبَدّى
وبَدَتْ مَحاسِنُها التي... تَخْفَى، وكانَ الأَمْرُ جِدّا
نازَلْتُ كَبْشَهُمُ ولَمْ... أَرَ مِن نِزالِ الكَبْشِ بُدّا
ذَهَبَ الذينَ أُحِبُّهُمْ... وبَقِيتُ مَثْلَ السَّيْفِ فَرْدا)
وعنترة بن شداد كان أفطس الأنف واسع المنخرين هائل الشفتين وشعره كالزبيبة،
ولكن شجاعته وكرم سجاياه جعل عبلة الجميلة
تهيم به هياماً.. وهو الذي يقول ذاكراً مزاياه:
(ريحَ الحجاز بحقِّ منْ أنشاكِ رُدّي السلامَ
وحيّي منْ حَيَّاكِ
هبِّي عسى وجدي يخفُّ وتنطفي نيرانُ أشواقي
ببَرْدِ هواكِ
يا ريحُ لولا أنَّ فيك بَقيَّة ً مِنْ طيبِ عَبْلَة َ متُّ قبلَ لِقاكِ
كيف السلوٌّ وما سمعتُ حمائماً
ينْدُبْنَ إلاّ كنْتُ أوَّل باك
بَعُدَ المزارُ فعَادَ طيفُ خيالها عنّي قِفَارَ مَهامِهِ الأَعْناكِ
يا عَبلَ ما أَخْشى الحِمامَ وإنما أخشى على عينيكِ وقت بكاك
يا عبلَ لاَ يَحزُنْكِ بُعْدي وابشِرِي بسلاَمتي واستَبشري بفكاكي
هَلاَّ سأَلتِ الخيلَ يا ابنة َمالكٍ إن كان
بعضُ عداك قد أغراك
يُخبرْكِ من حَضَرَ الشآمَ بأَنني أصفيتُ ودَّا من أرادَ هلاكي
ذلَّ الألى احتالوا عليَّ وأصبحوا يتشفعون
بسيفي الفتاك
فعفَوتُ عن أموالهم وحريمهم وحميتُ رَبعَ القومِ مثل حِماك
ولقد حملتُ على الأعاجم حملة ً ضَجَّتْ لها الأَمْلاكُ في الأَفلاك
فَنَثَرْتُهُم لمَّا أَتُوني في الفَلاَ بسنان رمحٍ للدّما سفاك)
وفي العادة ينزح البدو من الصحراء في لهيب القيظ إلى أطراف القرى ليجدوا الظل والماء.. وهذا يسمى (مقطان البدو) - والكلمة فصيحة اسم مكان لقطن بمعنى سكن كما ورد في لسان العرب، وقطن بعض العرب بقرب قرية فارس (بداح العنقري) وكان طويلاً نبيلاً وسيماً، فرأى وهو على جواده الأصيل فتاة من بناتهم جميلة جدا فأعجبته، أمّا هي فرغم اعترافها بوسامته وإعجابها بزينه وطوله إلّآ أنها نظرت إليه مع رفيقاتها المعجبات به وبجواده وقالت بصوت مسموع (خيّال الحضر زين تصفيح!!) فأسرها بداح في نفسه ومشى على مضض..
وبعدها بأيام أغار قوم على أهل الفتاة فساقوا حلالهم وأزعجوا بناتهم ورجالهم فلحقهم (بداح العنقري) وأدبهم وأعاد الحلال الى أهل البنت المزيونة! فتغيرت نظرتها إليه تماماً! ورأت فيه جمال الشكل والفعل!.. ولمعت عيناها بالإعجاب! فقال بداح العنقري قصيدته المشهورة:
(الله لحد ياما غزينا وجينا
وياما ركبنا حاميات المشاويح
وياما على أكوارهن اعتلينا
وياما ركبناهن عصير مراويح
وياما تعاطت الهنادي يدينا
وياما تقاسمنا حلال المصاليح
وراك تزهد يا أريش العبن فينا
تقول خيال الحضر زين تصفيح
ترا الضفر ماهوب للضاعنينا
قسم على كل الوجيه المفاليح
البدو والي في القرى نازلينا
كل عطاه الله من هبة الريح
يوم الفضول بحلتك شارعينا
والشلف ينحونك سواة الزنانيح
يوم انكسر رمحي خذيت السنينا
وادعيت عنك الخيل صم مدابيح
الصدق عندك كان ماتجحدينا
هيا عطينا الصدق ياهابة الريح
هيا عطينا الحق هيا عطينا
واما عطيتيناه والله لا اصيح
لا اصيح صيحة من غداله جنينا
أمه خلوج وضيعتها السواريح
يا أبو نهود كنه فرهدينا
عنهن جديد الثوب غادة شماشيح
ياعود ريحان بعرض البطينا
وامنين ما هب الهوا فاح له ريح
لاخوخ لارمان لاهوب تينا
لا مشمش البصره ولاهن تفافيح
وخد كما قرطاسة في يمينا
وعيون نجل للمشقى ذوابيح
صخف ولطف بانهزاع ولينا
ياغصن موز هزعه ناسم الريح)
ثم خطب الفتاة فلم تسعها الفرحة! وتزوجها فأنجب منها ذرية كريمة!
ولا يشك أحد أن الجمال مطلوب مرغوب! فالله جميل يحب الجمال..
وقد حار الفلاسفة في تعريف الجمال! أرسطو قال (الجمال فوق الحقيقة)! وأفلاطون عرفه بأنه (التناسق).. أما في لغة العشاق فهو
(التناسب)! ما يفتن عاشقاً قد لا يهم رجلاً آخر!
كل إنسان له ذوق!
ولولا اختلاف الأذواق لبار ما في الأسواق!