#1
| |||||||||
| |||||||||
ذلك الشيء ذلك الشيء صقر مُقاتل أحترف رياضة العنف والقتال في القفص ,قويٌ صلديد ..قلبه يكسر الصخر من صلابته وعينه لا تكاد ترمش لشيء ,من يحدق في عينيه يهرب منه خشيةً ,كان الشغل الشاغل للعالم بأسره ..الجميع يتحدث عنه وعن شخصيته ووحشيته وجنونه ..كل المحطات ومواقع الأنترنت تتصدرها أخباره أو صوره أو حكاياته ..تخطت شهرته كل أحد ..إذ الجميع معجبً به وبكل تفاصيله صغيرة كانت أو كبيرة . أنجذاب الناس نحوه لم يكن بسبب قوته وكاريزمته فقط بل بسبب قصة مؤلمة جرت عليه في طفولته ,حيث عاد ذات ليلةً مشؤومة إلى منزله عندما كان في العاشرة من عمره وإذ به يتفاجأ أن والده وبسبب فقره وأمراضه النفسية التي يعاني منها قد قام بقتل زوجته وأخته وأبنته ثم أنتحــر ولم يتبقى على قيد الحياة من كل الأسرة ألا صقــر الذي عاش بعدها يتيما مشردا يتنقل من مدينة إلى أخرى ..يعمل قليلا هنا وقليلا هناك .. يسرق أحيانا ليسد جوعه.. يطلب المال من هذا وذاك ..يتنقل بين القرى .. قرية تلو قرية..قُرىً باعته بسعر التراب وأخرى بكت عليه ..والبعض يطرده لجريمة والده .. والبعض يذرف دمعا عليه.. والبعض يتحسر لطفولته البريئة التي أنتهت بطلقة مسدس . عاش بين كل أطياف البشر ..بين الصالح والطالح ..بين الأمين واللص ..بين قطاع الطرق والشرطة ..تارة يُسجن وتارة يخرج بسبب سرقته للطعام إلى أن كبر ونضج وأحترف رياضة القتال وكأنه وجد ضالته لينتقم من المجتمع ومن عار والده ومن جرائم أَلبسوها أياه في ظلمة ليل ,إلى أن تبسم له الحظ ليصبح مقاتـــلً في أقوى وأشهر أتحاد للفنون القتالية . لفت الأنظار بقوته وقسوته المفرطة وطريقته في الضرب والقتال وكأنه ولد لشيئا كهذا ,أخاف أشرس المقاتلين الذين بدأوا يتساقطون أمام وحشيته وعنفوانه واحدً تلو واحد دون مقدرة أحدهم على الصمود أمامه لدقائق ,شهرته جعلت الأعلام والجماهير تبحث في تاريخه وسيرته إلى أن علم الجميع بما جرى عليه في طفولته ,ومن هنا بدأت حكايته الأخرى مع الجمهور ,إذ بدأوا يألفون عليه القصص والروايات ويكتبون الكتب عن صقر المقاتل الذي وُلِـد من رحم المعاناة والقهر لينتقم من كل ما يمشي ويزحف على الأرض ,ولشدة أعجابهم به وهوسهم بكل ما يخصه راحوا يصفونه بإوصاف لم يطلقونها حتى على الملائكة ..قالوا أنه خرج من العدم ليقضي على الجميع ويطيح بمن يقف في طريقه ..لم يظل عنه شيئا لم يقولوه ..قالوا عنه اشياء لم تُذكر حتى في تاريخ الخرافات ..بات كل همهم وكأنهم وجدوا فيه ضالتهم ..ينامون ويستيقظون على قصصه وصوره ونظراته وضرباته ..حتى جعلوه الرجل الأول على وجه الأرض ولا يتخطاه أحد ..بل حتى أن بعضهم أرتكب جرائم قتلً في من قال عنه كلمة سوء ,أوصلوه إلى مرتبةً لم يصلها ألا الأنبياء والمرسلين وأولياء الله الصالحين . كان غاضبا من تصرفات الجماهير وسذاجتهم والقصص التي يألفونها عنه ..ألا أنه لم يدر لهم بالً وظل يُقاتل ويُقاتـــــل ويحقق الأنتصار تلو الأنتصار دون هزيمة ويشق طريقه نحو اللقب العالمي إلى أن سنحت له الفرصة ليُلاعب أقوى مقاتـــلً حائزً على البطولة . وبعد أن تجهز المقاتلين للنزال وجاء الوقت المحدد للقتال دخلوا القفص ودق الجرس وبدأ القتال بين صدً وردً من الأثنين حتى أنقضت دقيقتين أصيب خصمه بكسرً في عظم ساقه مما أجبر الحكــم على انهاء النزال ,ورغم أصابته ألا أن خصمه كان غاضبا لما جرى وأعتبرها أهانةً وهزيمة ,فــ راح يزحفُ متحامل على نفسه يقاوم آلامه وعظامه .. يــزحف بإتجاه الميكرفون وكأنه يريد أن يقول شيء لـ صقر يطفأ لهيب غضبه ويمحي ما يظنه عار لحق به داخل القفص .. وصل إلى الميكرفون وأمسكه بيده وقال بأنفاسً مرهقة : - هل تعرف أمـــرً يا صقـــر ,أنك مثيرً للشفقة ..أنك حقا مثيرً للشفقة ! رمى بعدها الميكرفون من يده والأطباء يحيطونه بعدما نفس عما بداخله لــ صقر الذي بدوره ظل ينظرُ إليه بهدوءه المُعتاد وكأنه يفكر في شيئا و اشياء , يحكُ خده بأصابعه ويحرك رأسه قليلا إلى اليسار كالذي يُبعد وجهه عن أحد يريد يلمسه .. فتح ذرعيه قليلا تعبيرا عن دهشته من المغزى وراء ما قاله خصمه , ألا أن صقر لم يتلقى منه جوابا لأنه مصاب منشغل بين أيدي الاطباء ..أعاد صقر الكرة ثانية وفتح ذراعيه وكأنه يريد الأستفسار والجواب ولكنه لم يسمع ما يبرر ذلك القول . لحظاتٌ بعدها أخذ صقر الميكرفون مما حذى بالجماهير الهدوء ..كل الضجيج في القاعة أنخفض ..جميع الحضور يريدون أن يسمعوا منه ..يسمعون منه ما أتوا ليسمعوه ..يسمعون منه ما جعلهم يعشقونه .. يسمعون منه حكمة ربما ..أو طرفة لما لا ..أو قد يحالفهم الحظ ويخبرهم احدى قصصه التي عاشها مشرد يتيم ,وبعد دقائق الصمت تلك نظر صقر إلى خصمه الذي بات قريبا من حالة الأغماء وقال له والحيرة تُسمعُ في نبراته : - نعم ,كلنا مثيرين للشفقة ..ثم ماذا ! كررها ثانية وكأنه يريد لصداها أن يتردد في السماء : - كلنا مثيرين للشفقة يا رجل ! - كلنا شخصٌ يثير الشفقة ! - ولِدنا نُثيرُ الشفقة ! - وسنرحل مثيرين للشفقة ! راح يخطو في القاعة بعدها يحكُ رأسه تارة وتــــارة ينفض يده اليمنى التي يُمسِكُ بها الميكرفون ,لحظات ثم قال لخصمه وكأنه يُحاكي العالــم بأسره : - هل تعرف أمـرا ...أو دعني أخبرك شيئا ,هل تدري حينما كنت صبيا كان الجميع يخبرني بأنني أملك ذلك الشيء ..ذلك الشيء الذي لم يفهمه أحد ..ذلك الشيء الغامض ..هل تفهم ما أعني ! أعني ذلك الشيء الذي يجعل الجميعُ يهابك ..الذي يجعل الجميع يخافون منك ..ذلك الشيء الذي يفرض على الغير أحترامك ..الشيء الذي يُعطيك الهيبة ..يُعطيك الجبروت ..يُعطيك شخصية صارمة ..شخصية مخيفة .. شخصيةٌ لا ترحم ..شيئا يجعل الآحرين يبتعدون عنك ..يجعل أعتى المجرمين يخرسون ..يجعل حتى الشجاع يُفكر ألف مرة قبل أن يجرؤ على الأقتراب خطوة منك ..يجعل القطيع يفرون من أمامك ..يجعل حتى من يحمل سلاحً يخشى أن يُطلق رصاصة عليك ,شيئا بداخلي كانوا يخبروني عنه ..شيئا يقولون أني أملكه ..شيئا يميزني عن البشر ..شيئا أختلفُ فيه عن البقية ,ولكن هل تعرف الحقيقة ما هي ؟ الحقيقة بأنني لا أملك ذلك الشيء ..لا أملك شيء ..ولا أتميز عن أحد ..ولا أختلف عن الآخرين ,أنني لا شيء يار جل ..أنني نكرة ..أنني فارغ من الداخل حتى اسألوا المقربين مني ,لكن هذا الشيء الذي قالوا بأني أملكه لست أنا من يملكه بل الآخرين أعطوني أيــاه ..الآخرين أرادوني هكذا ..هم ينظرون إلي هكذا ..هم يعشقوني هكذا ..وهم أيضا يخافوني هكذا لأنهم لا ينظرون إلي بل ينظرون إلى الماضي الذي عشته ..ينظرون إلى أرثي .. ينظرون إلى طفولتي ..ينظرون إلى عائلتي وما جرى عليها ,هم يظنون بأنني سأكره العالم ..يظنون بأنني سأنتقم من الجميع ..أرادوني أن أُخيفهم ..يريدونني مُخيف ..ذلك التصور رسخوه في أذهانهم وصدقوه ..ذلك التصور أرادوه ..ذلك التصور أحبوه ,لقد جعلوا مني شيئا مقدس يا رجل ..شبهوني بالملاك ..جعلوني أعظم من الملائكة ..بُت لهم آلهة ..صنعوا مني خرافة ..أصبحت رمزا يُضرب به المثل ..أسطورة يتفاخرون بها أمام ابناءهم ..أنهم يؤلفون عني قصصً لم أعشها ..نسبوا إلي قُدراتً خارقة ..أنا الشخص الذي لا يُمس بنظرهم ..أنا الذي لا يخطأ عندهم ,هم يريدون أن يقتنعوا بذلك ..هم يبحثون عن خرافة ..هم يريدون أسطورة ..هم رسموني خيالً وهم من صدقوني ,هم لا يعرفون بأنني مجرد شخصً ضعيف ..شخصً مثلهم ..شخصً يحاول الصمود ..شخصً يريد العيش في زحام العالم ,لا أملك شيئا مما يدعون ..أنني بريئا مما يقولون ,اللعنة يا رجل !رغم كل ما يقولون ولكنني لا زلت أعيش في الماضي ..لا زلت أعيش على ذكرى عائلتي ..لا زلت في الحداد عليهم .. لا زلت في الليل أنتحب على مأسـاتهم ..لا زلت أعيش هكذا فماذا ينتظرون مني ؟ أرادوا شخصً يُشبع خيالهم فلم يجدوا عداي ..أنهم يحزنون لأجلي ..أنهم يبكون علي ..أنهم يصفقون لفوزي ..أنهم يلعنون خصمي ..أنهم منافقون ..أنهم ساذجون ..أنهم يتملقونني يا رجل ..أنا أعرف ذلك وهم يعرفون . سكت صقـر بعدما فضح الجمهور ..فضحهم كلهم ..فضح الجميع ..فضح مؤيدوه قبل كارهوه ..فضح كل الذين تملقوه ..كل الذين حيوه ..كل الذين سايروه ..كل الذين جاملوه ..كل الذين في خيالهم رسموه , راح يمشي بعدها بخطوات بدت ثقيلة ..بدت هادئة ..بدى صاحبها خفيفً كالذي يريدُ أن يسندهُ أحد ,يخطو قليلا للأمام ..ويخطو قليلا للوراء ..يخطو شمالً ويمين ,خيم صمتٌ رهيب في القاعة ..صمتٌ مُدقع .. تكادُ حتى أنفاسهم لا تسمع ..كأنه مشهد سينمائيا متفقٌ عليه وأبدع في تصويره المخرج ..بدى هدوء المبنى كمقبرة جماعية تظـــم ما يزيد على 100 ألف جثة من الأموات . بعد الصمت والخطوات ..بعد الخطاب والكلمات ..وبعد ذكرى صباه وذكرى أمه وأخته وأبيه ..بعد هذا وكل ذاك قال بهدوء وقد بدى جليا على ملامحه التعب : - هذا هو عالمنا , وهذا هو واقعنا ! - وهؤلاء الناس الذين نعيش معهم ! - ما الذي تريدني أن أفعــل ؟ - أنهم يجعلون من الحمقى مشاهير ! - يظنون أنهم يعرفون عالمي ! - لكنهم في عالمـــي لا أحد ! - هذه نفوس البشر ! - أنهم يدمرونك ثم يتباكون عليك ! ختم خطابه قائــلا : لقد سئمت كل هذا ..أنني أعلن أعتزالي اللعبة وقد كان هذا النزال الأخير في مسيرتي ! ..... رمى بعدها الميكرفون من يده وغادر القـــــــاعة . قلم مضطرب المصدر: منتدى همسات الغلا `g; hgadx |
15-05-2016, 03:36 AM | #2 |
| الاخ قلم مضطرب ويتواصل الابداع بسرد قصه جديده وجميله من سلسلة قصصك الرائعه دمت لنا قلما متميزا تقييم & خنم & نشر اعجاب ونجوم |
|
15-05-2016, 06:49 AM | #3 |
| ماشاء الله تبارك الرحمن ذوق في اختيارك وعافيه عليك وعلى الطرح الراقي لاحرمك الله رضاه لك كل تقديري واحترامي |
|
15-05-2016, 09:08 AM | #4 |
| قصه جميله اخي قلم سلمت يداك وسلم فكرك الراقي لاتحرمنا من جديدك لروحك كل الود. محبتكم: أنفاس غاليها |
تشكرات ᏗᏂᏕᏗᏕᏕ ᏦᏂᏝᏋᎴ " تشكرات عذب المشاعر" |
15-05-2016, 09:34 AM | #5 |
| قلم مضطرب ي سلام عليك يا رائع قصه مرتبه بشكل ومتسلسله بشكل راقي تسلم الايادي وبيض الله وجهك مبدع بدرجة امتياز واصل اجمل تقييم وعليه تم منحك وسام القلم اللامع بالاضافه الى 100 مشاركه وتستاهل |
|
15-05-2016, 12:39 PM | #7 |
| سلمت أناملك الذهبية عالطرح الرائع الذي أنار صفحات المنتدى بكل ماهو جديد لك مني أرق وأجمل التحايا على هذا التألق والأبداع والذي هو حليفك دوما" أن شاء الله |
الجوري ربي يحفظك ياعمري |
الكلمات الدلالية (Tags) |
الشيء , ذلك |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
زيدان: وداع شابي كان رائعا وسيحدث مع كاسياس نفس الشيء | Kassab | ( همســـات الرياضه) | 8 | 24-06-2015 01:58 PM |
سيرَة أمّهات المُؤمنين /السيدة خديجة | ابراهيم دياب | (سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وقصص الانبياء والصحابه ) | 12 | 26-03-2015 09:16 PM |
الحكم على الشيء فرع عن تصوره /حلم | حلم | (حصريات تطوير الذات والنقاش الحر) | 30 | 25-12-2014 02:56 PM |
تفسير سورة البقرة كاملة والكمال لله سبحانة | ابو ملاك | (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) | 16 | 15-05-2014 08:15 PM |
الشيء الذي لن أستطيع أنا و لا أنت و لا جميع البشريّة أن تستوعبه | تحطيم أحلامي | ( همســـــات الإسلامي ) | 9 | 23-03-2013 11:43 PM |