12-01-2016, 04:26 AM
|
#2 |
بيانات اضافيه [
+
] | رقم العضوية : 6595 | تاريخ التسجيل : 1 - 11 - 2015 | أخر زيارة : 27-02-2016 (02:33 AM) | المشاركات : 17,930 [
+
] | التقييم : 100509187 | الدولهـ | الجنس ~ | SMS ~ | | لوني المفضل : red | شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
| تبشير الأمم السابقة ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ابن إسحاق أن الكهان من العرب والأحبار من اليهود والرهبان من النصارى كانوا قد تحدثوا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه لما تقارب من زمان بعثته، أمَّا الأحبار والرهبان فعمَّا وجدوا في كتبهم من صفته وصفة زمانه وما كان من عهد أنبيائهم إليهم فيه؛ فمنهم من سماه باسمه ومنهم من ذكره بصفته ومنهم من أضافه إلى بلده و منهم من خصَّه بأفعاله؛ قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾، وأما الكهان فأتتهم به الشياطين من الجن فيما تسترق من السمع؛ إذ كانت لا تحجب عن ذلك بالقذف بالنجوم وكان الكاهن والكاهنة لا يزال يقع منها ذكر بعض أموره لا تلقي العرب لذلك فيه بالا حتى بعثه الله تعالى ووقعت تلك الأمور التي كانوا يذكرون فعرفوها (1). إخبار الكهان روى البخاري في الصحيح([1]) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ما سمعت عمر لشيء قط يقول: إني لأظنه كذا. إلا كان كما يظن؛ بينما عمر جالس إذ مر به رجل جميل فقال: لقد أخطأ ظني، أو إن هذا على دينه في الجاهلية، أو لقد كان كاهنهم، عليَّ الرجل. فدعي له فقال له ذلك فقال: ما رأيت كاليوم استقبل به رجل مسلم. قال: فإني أعزم عليك إلامَ أخبرتني. قال: كنت كاهنهم في الجاهلية. قال: فما أعجب ما جاءتك به جنَّيتُك؟ قال: بينما أنا يومًا في السوق جاءتني أعرف فيها الفزع فقالت: ألم تر الجن وإبلاسها([2]) ويأسها من بعد إنكاسها([3]) ولحوقها بالقلاص([4]) وأحلاسها([5])؟ قال عمر: صدق بينما أنا عند آلهتهم إذ جاء رجل بعجل فذبحه فصرخ به صارخ([6]) لم أسمع صارخًا أشد منه يقول: يا جليح([7]) أمر نجيح، رجل فصيح يقول: لا إله إلا أنت فوثب القوم، قلت: لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا. ثم نادى: يا جليح، أمر نجيح رجل فصيح يقول: لا إله إلا الله، فقمت فمانشبنا([8]) أن قيل: هذا نبي([9]). إخبار اليهود وكانوا باقتراب بعثته صلى الله عليه وسلم عالمين وبنبوته مؤمنين؛ فقد جاء في التوراة صفته ونعته؛ فمن ذلك ما جاء فيها عن موسى عليه السلام: (قال لي الرب: قد أحسنوا فيما تكلموا، أقيم لهم نبيًا من وسط إخوتهم مثلك واجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به، ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه)([1]) وفي النسخ القديمة: (فأنا أنتقم منه). ومن المعلوم لكل أحد أنه لم يقم في بني إسرائيل بعد موسى نبي مثله والدليل على ذلك من التوراة نفسها: (ولم يقم بعد نبي في بني إسرائيل مثل موسى الذي عرفه الرَّب وجهًا لوجهه)([2]). ومن المعلوم أيضًا أن إخوة بني إسرائيل هم بنو إسماعيل وليس منهم من ظهر كلام الله تبارك وتعالى على فمه غير محمد صلى الله عليه وسلم؛ فهو الذي تكلم بكلام الله عزَّ وجلَّ وهو القرآن الكريم، وهو الذي انتقم الله ممن عصاه وخالف أمره، وقد علم كل أحد ما حلَّ باليهود في عهده صلى الله عليه وسلم جزاءً وفاقًا على كفرهم بما أرسل به. وقد ثبت في إنجيل يوحنا (يحيى عليه السلام) أن اليهود كانوا ينتظرون النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يأتي بعد المسيح عليه السلام؛ ففي هذا الإنجيل: (وهذه هي شهادة يوحنا حين أرسل اليهود من أورشليم كهنة ولاويين ليسألوه من أنت؟ فاعترف ولم ينكر وأقر: إني لست أنا المسيح، فسألوه إذًا ماذا؟ إيليا أنت؟ فقال لست أنا. النبي أنت؟ فأجاب: لا. فقالوا له: من أنت لنعطي جوابًا للذين أرسلونا؟ ماذا تقول عن نفسك؟ قال: أنا صوت صارخ في البرية)([3]). ففي هذا النص دليل قوي على أن اليهود كانوا ينتظرون إيليا والمسيح ونبي يأتي بعد المسيح. فمن هو هذا (النبي) الذي جاء لفظه في الإنجيل مثل لفظه في التوراة مثل لفظه في القرآن إلا أن يكون محمدًا صلى الله عليه وسلم. ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾. تبشير اليهود ببعثته صلى الله عليه وسلم وكانت اليهود تحدث العرب ببعثته صلى الله عليه وسلم؛ فقد روى أحمد في مسنده عن سلمة بن سلامة بن وقش رضي الله عنه، وكان من أصحاب بدر قال: كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل، قال: فخرج علينا يومًا من بيته قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بيسير فوقف على مجلس عبد الأشهل، قال سلمة: وأنا يومئذ أحدث من فيه سِنًّا عليَّ بردة مضطجعًا فيها بفناء أهلي فذكر البعث والقيامة والحساب والميزان والجنة والنار، فقال ذلك لقوم أهل شرك أصحاب أوثان لا يرون أن بعثًا كائن بعد الموت فقالوا له: ويحك يا فلان ترى هذا كائنًا أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار يجزون فيها بأعمالهم؟ قال: نعم, والذي يحلف به لود أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدنيا يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطبق به عليه وأن ينجو من تلك النار غدًا، قالوا له: ويحك وما آية ذلك؟ قال: نبي يبعث من نحو هذه البلاد. وأشار بيده نحو مكة واليمن، قالوا: ومتى تراه؟ قال: فنظر إلي وأنا من أحدثهم سنًّا فقال: إن يستفذ هذا الغلام عمره يدركه. قال سلمة: فوالله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم وهو حي بين أظهرنا فآمنا به وكفر به بغيًا وحسدًا فقلنا: ويلك يا فلان ألست بالذي قلت لنا فيه ما قلت؟ قال: بلى وليس به([1]). قال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرَّح بالسماع([2]) وصححه ابن حِبَّان. وروى يعقوب بن سفيان عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يهودي قد سكن مكة، فلما كانت الليلة التي ولد فيها النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا معشر قريش، هل ولد فيكم الليلة مولود؟ قالوا: لا نعلم. قال: انظروا فإنه ولد في هذه الليلة نبي هذه الأمة بين كتفيه علامة لا يرضع ليلتين؛ لأن عفريتًا من الجن قد وضع يده على فمه، فانصرفوا فسألوا فقيل له: قد ولد لعبد الله بن عبد المطلب غلام. فذهب اليهودي معهم إلى أمه فأخرجته لهم فلما رأى اليهودي العلامة خر مغشيًا عليه، وقال: ذهبت النبوة من بني إسرائيل، يا معشر قريش أما والله ليسطون بكم سطوة يخرج خبرها من المشرق والمغرب، قال الحافظ بن حجر في الفتح: إسناده حسن([3]). وعن حسان بن ثابت رضي الله عنه قال: والله إني لغلام يفعة ابن سبع سنين أو ثمان أعقل كل ما سمعت؛ إذ سمعت يهوديًا يصرخ بأعلى صوته على أطمة([4]) بيثرب: يا معشر يهود. حتى إذا اجتمعوا إليه قالوا له: ويلك! مالك؟ قال: طلع الليلة نجم أحمد الذي ولد به، رواه ابن إسحاق([5]) وإسناده حسن. إخبار النصارى وكذلك كان النصارى يترقبون مبعثه صلى الله عليه وسلم، وقد أخبر الله عزَّ وجلَّ أن المسيح بن مريم عليه السلام قد بشر بني إسرائيل ببعثته صلى الله عليه وسلم وسماه لهم في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾. وقد علم كل أحد ما طرأ على النصرانية من تحريف خرج بها من عداد الأديان السماوية التي جاءت بالتوحيد وجعلها في مصاف الأديان الوثنية أديان الشرك والتضليل وخاصة بعد مجمع نيقية عام 325م. حيث اضطهد العلماء القائلين بأن المسيح عليه السلام رسول ككل الرسل ونفي بعضهم وقتل البعض الآخر، واتخذ القائلون بالتثليث وألوهية المسيح عليه السلام وكانوا يقلون عن سدس المجتمعين قرارًا بذلك وفرض ذلك على النصارى جميعًا وقرروا أيضًا اختيار الأناجيل التي توافق القرار السابق وأمروا بحرق الأناجيل الأخرى فضلوا وأضلوا. ولكن يشاء الله عزَّ وجلَّ أن ينجو أحد هذه الأناجيل من أيدي الظلمة ويصل إلى أيدي المسلمين وهو ولله الحمد يزجر بالتوحيد وبالتبشير بالنبي صلى الله عليه وسلم صراحة باسمه، ألا وهو إنجيل برنابا. وقد حاول دعاة النصارى أن ينكروا نسبة هذا الإنجيل لبرنابا الذي هو أحد حواريي المسيح عليه السلام, وأن يرموا به المسلمين وأن واحدًا منهم هو الذي وضعه، ولكنهم غفلوا عن أمور كثيرة؛ منها أن البابا جلاسيوس الأول الذي جلس على أريكة البابوية سنة 492م أصدر أمرًا يعدد فيه أسماء الكتب المنهي عن مطالعتها وفي عدادها كتاب يسمى (إنجيل برنابا) فهذا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بتسع وسبعين سنة([1]). ولقد لبث هذا الإنجيل في مكتبة البابا التي كانت في مأمن من التفتيش والمحاسبة قرونًا طويلة، ثم كُتِب لراهب لاتيني اسمه فرام رينو العثور على هذا الإنجيل في مكتبة البابا سكتس الخامس في أواخر القرن السادس عشر الميلادي فلما طالعه اعتنق الإسلام على الفور([2]). ومما يدل على أن إنجيل برنابا كُتِب قبل عهد النبي صلى الله عليه وسلم بزمن طويل أنه يُكفر القائلين بأن المسيح هو الله، أو ابن الله، ولم يتعرض للذين يقولون أنه ثالث ثلاثة، ومن المعلوم أن القول الأخير لم يظهر إلا في مجمع نيقية عام 325م وكان عدد الحضور 2048 من الآباء الروحانيين، وتبنى أغلبهم مذهب آريوس القائل بأن "الأب وحده الله، والابن مخلوع مصنوع، وقد كان الأب إذ لم يكن الابن" تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا فاختلف المجتمعون وتضاربوا فأصدر الإمبراطور قسطنطين الكبير قرارًا بفض المجمع ثم أُعيد عقده بعد ذلك ولم يحضره إلا الأعضاء القائلون بالتثليث وبألوهية المسيح وكان عددهم 318 وحضر الإمبراطور نفسه هذا الاجتماع واتخذت فيه قرارات خطيرة وضعت الأساس للمسيحية التي لا تزال تتبعها الكنائس. ومن أهمها القول بالتثليث وألوهية المسيح ونزوله ليصلب تكفيرًا عن خطيئة البشر واختيار الكتب التي يسمونها المقدسة زورًا وبهتانًا والتي لا تتعارض مع القرار السابق وتدمير ما عداها من الرسائل والأناجيل، فلو كان هذا الإنجيل من وضع المسلمين لتطرق إلى تكفير المثلثة ولكنه كتب قبل ذلك المجمع بزمن طويل. ومما غفل عنه متعصبة النصارى أنه لو كان أحد المسلمين هو الذي وضعه بغرض مجادلة النصارى لوُرد ذكر هذا الإنجيل في تلك المجادلات التاريخية المشهورة بين المسلمين والنصارى ولكان أمضى سلاح للمسلمين في مثل تلك المناظرات، فلما لم يحتج بذلك أحد من المسلمين عُلم أنهم كانوا به جاهلين ومن تهمة وضعه بريئين. ومن ذلك أنه لم يرد في إنجيل برنابا ذكر كلام المسيح عليه السلام لبني إسرائيل في المهد ولم يرد كذلك إخباره بما يدخرون في بيوتهم ولا المائدة التي أُنزلت من السماء عليه وعلى الحواريين، ولو أن مسلمًا أراد أن يضع إنجيلا لوضعه مستعينًا بالأصول التي ثبتت في الكتاب والسنة ولسمَّاه الإنجيل أو إنجيل عيسى. وأول من عثر على النسخة الإيطالية لهذا الإنجيل هو كريمر أحد مستشاري ملك بروسيا وكان مقيمًا وقتئذ في أمستردام، فأخذها سنة 1709 من مكتبة أحد مشاهير المدينة المذكورة، ثم أهداها كريمر بعد ذلك إلى البرنس أيوجين سافوي، ثم انتقلت النسخة المذكورة سنة 1738 مع سائر مكتبة البرنس إلى مكتبة البلاط الملكي في فيينا حيث لا تزال هناك حتى الآن. وقد جاء ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في إنجيل برنابا في قرابة سبعًا وأربعين موضعًا منها ما هو بصريح الاسم، ومنها أنه "مسيا" رسول الله أمل بني إسرائيل، ومنها أنه رسول الله الذي يأتي بعد عيسى بن مريم عليه السلام. فمن ذلك ما جاء في الفصل السابع والتسعين من هذا الإنجيل: "... فقال حينئذ الكاهن: ماذا يُسمَّى مسيا وما هي العلامة التي تعلن مجيئه؟ أجاب يسوع: إن اسم مسيا عجيب؛ لأن الله نفسه سمَّاه لما خلق نفسه ووضعها في بهاء سماوي، قال الله: "اصبر يا محمد لأني لأجلك أريد أن أخلق الجنة والعالم وجمًا غفيرًا من الخلائق التي أهبها لك، حتى أن من يباركك يكون مباركًا ومن يلعنك يكون ملعونًا ومتى أرسلتك إلى العالم أجعلك رسولي للخلاص وتكون كلمتك صادقة حتى أن السماء والأرض تهنان ولكن إيمانك لا يهن أبدًا" إن اسمه المبارك محمد، حينئذ رفع الجمهور أصواتهم قائلين: يا الله أرسل لنا رسولك، يا محمد تعال سريعًا لخلاص العالم. ومن ذلك ما جاء في الفصل الثاني والأربعين منه: "... فإن رؤساء الكهنة تشاوروا فيما بينهم ليتسقطوه بكلامه لذلك أرسلوا اللاويين وبعض الكتبة يسألونه قائلين: من أنت؟ فاعترف يسوع وقال: "الحق إني لست مسيا" فقالوا: أأنت إيليا أو أرميا أو أ حد الأنبياء القدماء؟ أجاب يسوع: "كلا" حينئذ قالوا: من أنت؟ قل لنشهد للذين أرسلونا فقال حينئذ يسوع: "أنا صوت صارخ في اليهودية كلها يصرخ: أعدوا طريق رسول الرَّب؟ كما هو مكتوب في أشعيا" قالوا: إذا لم تكن المسيح ولا إيليا أو نبيًا ما، فلماذا تبشر بتعليم جديد وتجعل نفسك أعظم شأنًا من مسيا؟ أجاب يسوع: "إن الآيات التي يفعلها الرَّب على يدي تظهر أني أتكلم بما يريد الله، ولست أحسب نفسي نظير الذي تقولون عنه؛ لأني لست أهلا أن أحل رباطات جرموق أو سيور حذاء رسول الله الذي تسمونه مسيا الذي خلق قبلي وسيأتي بعدي بكلام الحق ولا يكون لدينه نهاية فانصرف اللاويون والكتبة بالخيبة". فهذا بعض ما ورد في إنجيل برنابا، وقد جاء في إنجيل يوحنا قول عيسى عليه السلام للحواريين: "أنا ذاهب وسيأتيكم البار قليط([3]) روح الحق ا لذي لا يتكلم من قبل نفسه إلا كما يقال له، وهو يشهد عليَّ وأنتم تشهدون لأنكم معي من قبل الناس وكل شيء أعدَّه الله لكم يخبركم به"([4]) وجاء في إنجيل يوحنا أيضًا: "أن البار قليط لا يجيئكم ما لم أذهب فإذا جاء وبَّخ العالم على الخطيئة ولا يقول من تلقاء نفسه شيئًا ولكن مما يسمع به يكلمكم ويسوسكم بالحق ويخبركم بالحوادث والغيوب"([5]). فهذه بشائر الإنجيل التي وصلت إلينا وما لم يصل إلينا أصرح في الصفة([1]) فمن هو الذي لا يتكلم من قبل نفسه غير محمد صلى الله عليه وسلم:﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾، ومن الذي وبَّخ العالم على الخطيئة أنجع توبيخ غيره كما قال صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عُصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله». متفق عليه، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبد الله تعالى وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظلِّ رمحي، وجعل الذُّل والصغار على من خالف أمري». رواه أحمد([2]) وصححه الألباني([3]). وكما كان اليهود يحدثون العرب عن اقتراب بعثته صلى الله عليه وسلم، كذلك كان النصارى يفعلون، فقد روى أحمد في مسنده عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: حدثني سلمان الفارسي حديثه مِن فيه، قال: كنت رجلًا فارسيًا من أهل أصبهان من أهل قرية منها يقال لها: جي وكان أبي دهقان([4]) قريته، وكنت أحبَّ خلق الله إليه فلم يزل به حبُّه إياي حتى حبسني في بيته؛ أي ملازم النار كما تحبس الجارية وأجهدت في المجوسية حتى كنت قطن([5]) النار الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة. قال: وكانت لأبي ضيعة عظيمة. قال: فشغل في بنيان له يومًا فقال لي: يا بني، إني قد شغلت في بنيان هذا اليوم عن ضيعتي فاذهب فاطلعها, وأمرني فيها ببعض ما يريد، فخرجت أريد ضيعته فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم فيها وهم يُصلون وكنت لا أدري ما أمر الناس؛ لحبس أبي إياي في بيته، فلما مررت بهم وسمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون، قال: فلما رأيتهم أعجبني صلاتهم ورغبت في أمرهم، وقلت: هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس وتركت ضيعة أبي ولم آتها فقلت لهم: أين أَصل هذا الدين؟ قالوا: بالشام، قال: ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله قال: فلما جئته قال: أي بني، أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت؟ قال: قلت يا أبتي مررت بناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم حتى غربت الشمس قال: أي بني ليس في ذلك الدين خير، دينك ودين آبائك خير منه قال: قلت: كلا والله إنه خير من ديننا. قال: فخافني فجعل في رجلي قيدًا ثم حبسني في بيته. قال: وبعثت إلى النصارى فقلت لهم: إذا قدم عليكم ركب من الشام تجار من النصارى فأخبروني بهم قال: فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى قال: فأخبروني بهم قال: فقلت لهم: إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الراجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم. قال: فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم أخبروني بهم فألقيت الحديد من رجلي ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام فلما قدمتها قلت: من أفضل أهل هذا الدين؟ قالوا: الأسقف([6]) في الكنيسة. قال: فجئته فقلت: إني قد رغبت في هذا الدين وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك وأتعلم منك وأُصلي معك. قال: فادخل، فدخلت معه قال: فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها فإذا جمعوا إليه منها أشياء اكتنزه لنفسه ولم يعطه المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق([7]) قال: وأبغضته بغضًا شديدًا لما رأيته يصنع ثم مات فاجتمعت النصارى ليدفنوه فقلت لهم: إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئًا قالوا وما علمك بذلك؟ قال: قلت أنا أدلُّكم على كنزه. قالوا: فدلنا عليه. قال: فأريتهم موضعه. قال: فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبًا وورقًا قال: فلما رأوها قالوا: والله لا ندفنه أبدًا. فصلبوه ثم رجموه بالحجارة ثم جاءوا برجل آخر فجعلوه بمكانه. قال: يقول سلمان: فما رأيت رجلاً لا يُصلي الخمس([8]) أرى أنه أفضل منه أزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا أدأب ليلاً ونهارًا منه. قال: فأحببته حبًّا لم أحبه من قبله وأقمت معه زمانًا، ثم حضره الوفاة فقلت له: يا فلان إني كنت معك وأحببتك حبًّا لم أحبه من قبلك وقد حضرك ما ترى من أمر الله فإلى من تُوصي بي وما تأمرني؟ قال: أي بني والله ما أعلم أحدًا اليوم على ما كنت عليه؛ لقد هلك الناس وبدَّلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلًا بالموصل وهو فلان على ما كنت عليه، فالحق به. قال: فلما مات وغيب لحقت بصاحب الموصل فقلت له: يا فلان إن فلانًا أوصاني عند موته أن ألحق بك وأخبرني أنك على أمره. قال: فقال لي: أقم عندي فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر صاحبه، فلم يلبث أن مات فلما حضرته الوفاة قلت له: يا فلان إن فلانًا أوصى بي إليك وأمرني باللحوق بك، وقد حضرك من الله عزَّ وجلَّ ما ترى، فإلى من تُوصي بي وما تأمرني؟ قال أي بني والله ما أعلم رجلًا على مثل ما كنا عليه إلا رجلًا بنصيبين وهو فلان فالحق به. قال: فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين فجئته فأخبرته بخبري وما أمرني به صاحبي. قال: فأقم عندي فأقمت عنده فوجدته على أمر صاحبيه فأقمت مع خير رجل فوالله ما لبث أن نزل به الموت فلما حضر قلت له: يافلان إن فلانًا كان أوصى بي إلى فلان ثم أوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي وتأمرني، قال: أي بني والله ما نعلم أحدًا بقي على أمرنا؛ آمرك أن تأتيه، إلا رجلًا بعمورية, فإنه بمثل ما نحن عليه فإن أحببت فأته. قال: فإنه على أمرنا قال: فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية وأخبرته خبري, فقال: أقم عندي فأقمت مع رجل على هدي أصحابه وأمرهم. قال: واكتسبت حتى كان لي بقرات وغنيمة، قال: ثم نزل به أمر الله فلما حضر قلت له: يا فلان، إني كنت مع فلان فأوصى بي فلان إلى فلان وأوصى بي فلان إلى فلان ثم أوصى بي فلان إليك، فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال: أي بني والله ما أعلمه أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه ولكن قد أظلك زمان نبي هو مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب مهاجرًا إلى أرض بين حرتين([9]) بينهما نخل، به علامات لا تخفى يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل. قال: ثم مات وغيب فمكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث ثم مرَّ بي نفر من كلب تجارًا فقلت لهم: تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه؟ قالوا: نعم, فأعطيتهموها وحملوني حتى إذا قدموا بي وادي القرى ظلموني فباعوني من رجل من يهود عبدًا فكنت عنده ورأيت النخل ورجوت أن تكون البلد الذي وصف لي صاحبي ولم يحق لي في نفسي، فبينما أنا عنده قدم عليه ابن عم له من المدينة من بني قريظة فابتاعني منه فاحتملني إلى المدينة فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي فأقمت فيها، وبعث الله رسوله فأقام بمكة ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق ثم هاجر إلى المدينة، فوالله إني لفي رأس عذق لسيدي أعمل فيه بعض العمل وسيدي جالس، إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه فقال فلان: قاتل الله بني قيلة([10]) والله إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة يزعمون أنه نبي. قال: فلما سمعتها أخذتني العرواء([11]) حتى ظننت سأسقط على سيدي. قال: ونزلت عن النخلة وجعلت أقول لابن عمه ذلك: ماذا تقول ماذا تقول؟ قال: فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة ثم قال: مالك ولهذا أقبل على عملك. قال: قلت: لا شيء إنما أردت أن أستثبت عما قال، وقد كان عندي شيء قد جمعته، فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء فدخلت عليه فقلت له: إنه قد بلغني أنك رجل صالح ومعك أصحاب لك غرباء ذو حاجة وهذا شيء كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم. قال: فقربته إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه «كلوا» وأمسك يده فلم يأكل قال: فقلت في نفسي: هذه واحدة ثم انصرفت عنه فجمعت شيئًا وتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ثم جئت به فقلت: إني رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتك بها قال: فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وأمر أصحابه فأكلوا معه قال: فقلت في نفسي: هاتان اثنتان. ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ببقيع الغرقد، قال: وقد تبع جنازة من أصحابه عليه شملتان([12]) له وهو جالس في أصحابه فسلمت عليه ثم استدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم([13]) الذي وصف لي صاحبي؟ فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم استدرته عرف أني أستثبت في شيء وصف لي قال: فألقى رداءه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته فانكببت عليه أقبله وأبكي، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تحول» فتحولت فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا ابن عباس. قال: فأعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمع ذلك أصحابه، ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدر وأحد، قال: ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كاتب يا سلمان([14])» فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له بالفقير([15]) وبأربعين أوقية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «أعينوا أخاكم» فأعانوني بالنخل الرجل بثلاثين ودية([16]) والرجل بعشرين والرجل بخمس عشرة والرجل بعشر، يعني الرجل بقدر ما عنده حتى اجتمعت لي ثلاثمائة ودية، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اذهب يا سلمان ففقر لها فإذا فرغت فائتني أكون أنا أضعها بيدي» ففقرت لها وأعانني أصحابي حتى إذا فرغت منها جئته فأخبرته فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معي إليها فجعلنا نقرب له الودي ويضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فوالذي نفس سلمان بيده ما ماتت منها ودية واحدة فأديت النخل وبقي على المال فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المغازي فقال: «ما فعل الفارسي المكاتب؟» قال: فدعيت له, فقال: « خذ هذه فأد بها ما عليك يا سلمان» فقلت: وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي؟ قال: «خذها فإن الله عزَّ وجلَّ سيؤدي بها عنك» قال: فأخذتها فوزنت لهم منها والذي نفس سلمان بيده أربعين أوقية فأوفيتهم حقهم وعتقت فشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق ثم لم يفتني معه مشهد([17]) قال الهيثمي: ورواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن إسحاق وقد صرح بالسماع([18]) وقال الألباني إسناده حسن([19]). |
|
| |