مدخل
جرى تجاه الرجل الملقى على الارض وهو يدافع الناس المتجمهرة حوله
وركع بجوار ه .........
ودموعه المنهمرة تتوسل للقدر بأن يغير حكمه ..ولكن اذا جاء قضاء الله
انتهى كل أمر ولا ينفع أي توسل ... حاول تلقينه الشهادة قائلا بوجه قد غسل بالدموع
قل لا إله الا الله وظل يردد تلقينه اكثر من مرة ولكن ....
كان يراقبه بعينين نهمة وآثار السواد حولهما و جلس بجسده النحيل
في ركن الغرفة وهو يقطم أظافره وقد تسللت رائحة اللحم المشوي
تداعب أنفه الصغير
و سال لعابه ....وهو يراه يفترس قطعة اللحم بنهم وكأنه لأول مرة يتذوق اللحم في حياته
وقليلا تابعته أخته الكبرى وهي تنظر إليه باحتقار
وجلست بجوار أخيها الصغير وضمته لها وأخذت تمسح على رأسه بحنان
وحب وهي تراقب اباها النهم ......حتى انتهى وقام وقد تلطخ فمه بلمعة الدسم
اسرعت لتلملم بقايا الطعام ولكنها لم تجد إلا عظام اللحم وبعض كسرات الخبز
فجمعتها
واقتسمتها مع أخيها وهي تمسح دمعة كوت حرقتها ايام تعيسة
أما عنه فارتمي على سرير ه العتيق بقدميه المتسختين وعلا شخيره عنان السماء
وفي مكان آخر
كانت ابتسامة جزار الحي مرتسمة بخبث على شفتيه وهو يعد نقوده حصيلة يومه لقد تربح جيدا هذه المرة ولم ينتبه لصبيه الذي كان يراقبه عن بعد والغل يملأ عينيه
فلقد طفح الكيل من معاملته السيئة له وترحم على تلك الايام التي كان فيها هذا الجزار
فقيرا معدما لا
يملك قوت يومه
وفاق سريعا حينما ناده بصوته الاجش الخشن
= ايها المعتوه اين انت ؟ حان موعد اغلاق الدكان هيا...
أغلق الصبي الدكان بينما رجع الجزار لبيته
...
وفي احد الأزقة الضيقة و في عتمة الليل وخلف ستار الفضيلة
كان يقبلها بشره شديد وهي مستسلمة بين احضان الرذيلة
مخلفة ورائها الخجل من عار الخيانة
في ذات اللحظة
التي كان زوجها يتحمل ضغوط العمل ليجلب
لها الرزق آخر الليل وهو منهك القوى
وما
أن انتهى من انتهاكه الفاحش نظر اليها بعتاب
الجائع قائلا
= انتظرك غدا بعد ذهابه فلم يعد لي صبرا عليك
هتفت بميوعة و احمر الشفاه قد بهت لونه
= قلت لك لا استطيع
أخته ساورها الشك بسبب خروجي المتكرر
أمهلني يومين
حتى لا نلفت الانظار انا مشتاقة لك ايضا
ولكن ما
باليد حيلة فليس لدي مأوى إلا بيته
نفث بضيق وقال
= كلما اتذكر انك تنامين كل ليلة بين احضانه اشتعل غيرة
ارتمت على صدره وهمست
=سأطلب منه الطلاق قريبا فلقد اصيب بعجز جنسي
وبعدها نتزوج ولكن عليك ان تدبر
مسكنا ليكون عش حبنا الكبير حبيبي
......
كانت الراقصة هيفاء ترجع يوميا في منتصف الليل تترنح
واهل الحي يرجموها غاضبين بالألفاظ النابية من النوافذ وهي
لا
تأبه لهم فهي مطلقة منذ سنوات وعملت راقصة درجه ثالثة كي تطعم
أطفالها
ولأن الحياة عيشتها مرة كما تقول
وكم داوم ابن الجزار على نصحها
بالحجاب ووصف لها الجنة وحذرها من عقاب الله فكانت تسخر منه
قائلة
=
اتعلم ان اباك اكرم منك
كل يوم يهديني ثلاث قطع لحم شهية وأنت لا آخذ منك إلا الوعود بالموعود
والجنة وعذاب السعير
وتطلق ضحكتها
المجلجلة وتتركه
وهو متأسف على حالها المذري وعلى اباها الذي
يسهر عندها كل ليلة
.............
عاد الجزار لبيته ليجد ابنه الوحيد ساجدا يصلي
والخشوع صنع هالة طاهرة حوله
ظل الجزار يراقب ابنه حتى انتهى من صلاته
ثم رفع الشاب عينيه ليجد اباه
ينظر اليه وفي يده كيس مليء بالفواكه
اسرع الابن وأخذ الكيس وقبل رأس ابيه ويده
قائلا وهو مبتسم
= كم انا فخور بك أبي
اجاب الاب بتهكم شرفني افتخارك ..ولما يا
فصيح؟
= قال لأنك استمعت لنصيحتي وخفضت سعر اللحم للنصف
هل رأيت ابي كيف كسبت الضعف
انها بركة الرضى بالقليل
ضحك الجزار وقال لإبنه في تهكم
=
وهل انت راضي عن ابيك الآن
أومأ الشاب
وهتف مستغلا مزاج ابيه المرح
= ابي ليتك تكف عن ذهابك لتلك الراقصة اصبح الناس يتكلمون
كثيرا في هذه السيرة
دخل الاب الجزار لغرفته ساخرا
دعهم يثرثرون عن سيرتي الجنسية وبطولاتي النسائية هؤلاء الحاسدين
........
وفعلا كان سكان حي الخيال سعداء بسعر اللحم المنخفض
والتغيير المفاجيء للجزار ومعاملته الحسنة لهم فكثير منهم كان يعاني
من ظروف المعيشة الصعبة مما كان يصعب عليهم شراء قطع اللحم
.........
ومرت ثلاث سنوات على هذا الحال
ومازال الولد والفتاة يعانيان من بخل أبيهما النهم الذي حرمهما من امهما
ثم من متعة الحياة وأذاقهما الفقر ببخله
ومازالت المرأة تواعد عشيقها تحت ستار الليل البهيم
و الراقصة تطعم ابنائها من جسدها العاري كل ليلة
ومازال الجزار يعامل صبيه بقسوة
حتى جاء الوقت الذي
ينشر القدر عدله
و تبكي فيه إلهام الخائنة والرعب يملأ عينيها حينما
حللت لتطمئن بعدم حملها
وكانت الصاعقة حينما اكتشفت مرضها بفيروس الايدز
الذي اتنقل اليها عدوى من عشيقها
المتعدد العلاقات
لينتقم القدر لزوجها
انتقاما عادلا
ففقدت بيتها وزوجها الذي طلقها فور معرفته بمرضها وخيانتها
وهو يحمد الله على حكمته التي جعلت عجزه الجنسي
الذي اصابه في الآونة الأخيرة فضلا من الله ليحميه من موت محقق
وفي صبيحة أحد الايام استيقظ من في الحي على مشاجرة عنيفة بين الجزار وصبيه انتهت بطعن معلمه بالسكين
طعنة عميقة
جرى احد الجيران لينادي ابن الجزار يخبره بالفاجعة ليلحق أبيه
جرى تجاه الرجل الملقى على الارض وهو يدافع الناس المتجمهرة حوله
وركع بجوار ه على ركبتيه
.........
ودموعه المنهمرة تتوسل للقدر بأن يغير حكمه ..ولكن اذا جاء قضاء الله
انتهى كل أمر ولا ينفع أي توسل ...
حاول تلقينه الشهادة قائلا بوجه قد غسل بالدموع
قل لااله الا الله وظل يلقنه اكثر من مرة ولكن ...
صدم الابن حينما وجده اباه قد احتقن وجهه ومال للون اسود
يئن كلما تألم أعاد الابن وقد صعق من هول المنظر
تلقينه الشهادة ولكن ظل الرجل يئن بأنين يشبه انين الكلاب
حتى فارق الحياة ولم ينطق بكلمة واحده
وبعد هذه الحادثة
صار حال الناس في الحي مابين الذهول من هذه الميتة السوء
والغضبحينما اعترف
صبيه انه كان يطعم اغلب اهل الحي وخاصة الفقراء لحم الكلاب الضالة التي كان يأمره باصطيادها وبيعها لهم بثمن بخس
على انه لحم حلال اكله
وظل هكذا ثلاث سنوات وكان يهدده بالقتل اذا تكلم
فقرر الصبي قتله كي ينتهي من هذا الشقاء
اما الراقصة فلقد كان موت الجزار عبرة هزتها بشدة
هزة عجز عن فعلها ابنه الناصح
فاعتزلت الرقص وعملت بائعة في احد محلات الملابس النسائية
بعد ان تحجبت وتخلصت من جميع اموالها الحرام
وأما الرجل البخيل فلقد ظل ذلك اليوم يزبد ويرعد ويكسر
ويصرخ شاتما الجزار
ناقما على أكله لحم الكلاب ثلاث سنوات دون ان يدري
أمام ابنته التي تبسمت من حكم القدر الذي نجاها وأخاها ببخل ابيها من ذلك اللحم
وعرفت ان الحرمان أحيانا يكون نعمة
وقررت ان تستغل مهارتها في الخياطة وعملت
عند احدى الأسر الثرية
لتوفير لقمة العيش لها ولأخيها
مخرج ....
احيانا يكون انتقام القدر شديدا
فليتنا نتعظ لكي نعيش حياة طاهرة
وننعم بعد موتنا بحياة برزخيه مليئة بالنعيم الدائم