الإهداءات | |
| LinkBack | أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
| |||||||||||
| |||||||||||
الكيفية التي هيأ الله تعالى بها سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم لتلقي الوحي لم ينزل الوحي على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلا بعد تهيئة من قدر الله تعالى، فعلى المستوى العام كان العالم محتاجًا للنبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم، كي ينقذه من الهاوية التي سقط فيها، وعلى مستوى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد كان صلى الله عليه وآله وسلم قد مر بالعديد من التجارب الإنسانية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، هيئته بتقدير الله تعالى لتحمل أعباء الدعوة، وقد تعرضنا لذلك تفصيلاً في الأسبوع الماضي، ويأتي الآن الدور لعرض التهيئة الروحية والأخلاقية التي قدر الله تعالى لنبيه أن يمر بها قبل البعثة وأثر ذلك بعد البعثة. ولا شك أن البعد الأخلاقي في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبرز واضحًا نقيًا في انسلاخه الحاسم عن كل ممارسات الجاهليين غير الأخلاقية، التي كانت تعج بها الحياة العربية في المدن والصحراء، شربًا للخمر واستمراءً للزنا، ولعبا للميسر، وتصعيدًا للربا وتهافتًا على مال اليتيم ووأدًا للبنات وظلمًا للذين لا يقدرون على ردالظلم واستعبادًا محزنًا للذين لا يعرفون طعم الحرية.. ممارسات شتى لا يحصيها العد، كانت تجري على مسرح الجزيرة العربية ومدينتها الكبرى (مكة) ليل نهار، ونظرًا لتعاقبها وتكرراها فقد صارت كل هذه الأخلاق الذميمة عادات راسخة وتقاليد مستقرة، ثم تجاوزت هذا لكي تصبح مفاخر ومكرمات يتبارى العرب في الإتيان بالمزيد منها، ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم بعيدٌ عن هذا كله منسلخ منه.. ولقد منحه موقفه النبيل هذا نظافة وطهرًا لم يعرفهما إنسان قط، وعلمه في الوقت نفسه كيف يكون الرفض والتمرد على الوضع الديني، الوضع غير الإنساني مهما حمل هذا الوضع من تبريرات انتقلت به من كونه فسقًا وإثمًا وفجورًا إلى مرتبة العادات والقيم والمفاخر والمعتقدات الراسخة. ويري عماد الدين خليل محقا أن البعد الروحي هو أشد الأبعاد ثقلاً وخطرًا في حياة الإنسان، والروايات القليلة التي تحدثنا عن عزلة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعيدًا عن صخب مكة وضجيجها حينًا بعد حين، وعن انقطاعه إلى الصحراء وحيدًا متأملاً باحثًا منقبًا مقلبًا وجهه في آفاق السموات والأرض، هذه الروايات تكفي لالتقاط الإشارة الأخيرة الحاسمة المتممة للصورة التي علينا أن نعرفها عن حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قبل مبعثه.. فكما علمه الانشقاق الأخلاقي عن الوضع المكي القدرة على الرفض والتمرد، فقد جاء تغربه وعزلته وانقطاعه امتدادًا نفسيًا باتجاه آخر لكنه متمم، وبدونه لا يمكن لإنسان ما أن يلعب دوره الحاسم الكبير.. غنه امتداد باتجاه التهيؤ للاندماج والاتصال بالوحي، ومواجهة رفض الجاهلية والتمرد على قيادتها واعرافها وسلطانها مع اندماج بالكون على انفساحه داعيًا البشرية لهجرة مواضعها المنحرفة الخاطئة، التي ساقتها إليها زعامات ظالمة وسلطات مستبدة والوهيات زائفة، وأعراف وبيئات مليئة بالدنس والوحل والخطيئة، إنه تمهيد للاتصال بالسلطة الواحدة التي تشرف على الكون وتحرك الإنسان والخلائق في ساحاته.. سلطة السماء. وفي نفس الإطار -وإن بأسلوب مختلف- تأتي حادثة شق الصدر، فقد بقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند مرضعته حليمة في بني سعد حتى بلغ الرابعة أو الخامسة من عمره، وعندئذ حدثت واقعة شق الصدر، إذ «أتاهُ جبريلُ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ وَهوَ يلعَبُ معَ الغلمانِ، فأخذَهُ فصرعَهُ فشقَّ عن قلبِهِ، فاستَخرجَ القلبَ، فاستَخرجَ منهُ علَقةً، فقالَ: هذا حظُّ الشَّيطانِ منكَ، ثمَّ غسلَهُ في طَستٍ من ذَهَبٍ بماءِ زمزمَ، ثمَّ لأَمَهُ، ثمَّ أعادَهُ في مَكانِهِ» (صحيح مسلم:162)، بينما كان الغلمان قد سعوا إلى حليمة فقالوا إن محمدًا قد قتل، فلما جاءته وجدته صلى الله عليه وآله وسلم ممتقع اللون.. وهذه الحادثة هي بلا ريب من المعجزات التي تعجز عقولنا وعلمنا البشري عن إدراك حقيقتها في ميداني النفسوالتشريح لأنها -كأي تجربة أو حدث روحي- لا تخضع لمقاييس العقل والحس المحدود، يكفينا أن نلتقط منها رمزًا أو دلالة تغطي مساحة ما في صورة الأربعين سنة من حياة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.. يقول محمد الغزالي: "شيء واحد هو الذي نستطيع استنتاجه من هذه الأثار، أن بشرًا ممتازًا كمحمد صلى الله عليه وآله وسلم لا تدعه العناية عرضًا للوساوس الصغيرة التي تتناوش غيره من سائر الناس، فإذا كانت هناك موجات تملأ الأفاق، وكانت هناك قلوب تسرع إلى التقاطها والتأثر بها، فقلوب النبين بتولي الله لها لا تستقبل هذه التيارات الخبيثة ولا تهتز لها، وبذلك يكون جهد المرسلين في متابعة الترقي لا في مقاومة التدني، وفي تطهير العامة من المنكر لا في التطهر منه، فقد عافاهم الله من لوثاته". وما دمنا بصدد تحليل المؤثرات البيئية والوراثية والغيبية في تكوين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وتهيئته للرسالة، فإن حادثة شق الصدر تقف في القمة من المؤثرات جميعًا، صياغة روحية مادية لشخصية النبي الإنسان، وتهيئته من لدن العليم بأسرار النفوس الخبير بتعقيدات الشخصية البشرية، لكي يكون محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالذات ووفق تكوينه الموجه قادرًا على التقاط إشارة السماء ومقابلة الوحي وتحمل المسؤولية رسولاً للناس جميعًا؛ ليصعد بهم إلى القمم الشامخة التي تنقطع دونها أنفاس الرجال. ومن هنا أجمع جميع المؤرخين على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان متميزًا بحسن الخلق كصدق الحديث والأمانة حتى سموه بالصادق الأمين، وكانوا يودعون عنده ودائعهم وأماناتهم، كما كان صلى الله عليه وآله وسلم لا يشرب الخمر ولا يأكل ما مما ذبح على النصب، ولا يحضر للأوثان عيدًا ولا احتفالاً بل كان من بداية نشأته نافرًا من هذه المعبودات الباطلة. كما كان صلى الله عليه وآله وسلم يأكل من نتيجة عمله لأن أباه لم يترك له ثروة، وكانت التجارة هي عمله حين شب، ولما تزوج خديجة كان يعمل بمالها ويشاركها في الربح، وكان يشارك غيرها أحيانًا، ورغم ذلك كله فعندما بعث الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأمره أن ينذر قومه ويدعوهم للإسلام ونزل قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214]، خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى صعد الصفا، فهتف بهم فاجتمعوا له، فقال: «أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلاً تخرج من سفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟»، قالوا: ما جربنا عليك كذبًا، قال: «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد»، فقال أبو لهب: تبًا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟ ثم انصرف وتبعه القوم، فنزلت سورة {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1]" (صحيح البخاري:4971). وهكذا نجد أن الكفار لم تجد معهم أخلاق النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي اشتهر بها بينهم من الصدقوالأمانة وحسن الخلق، بل كذبوه وعاندوه إلا قليلاً ممن كتب الله لهم نعمة الإسلام، واشتدت قريش في عدائها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، أما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد لاقى من إيذائهم أنواعًا كثيرة، من ذلك ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: "بينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه في عنقه فخنقه خنقًا شديدًا، فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبه ودفعه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله". كما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "بينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ساجد وحوله ناس من قريش جاء عقبة بن أبي معيط بسلا جزور فقذفه على ظهر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يرفع رأسه فجاءت فاطمة رضي الله عنها فأخذته من على ظهره ودعت على من صنع ذلك"، ومنه ما كانوا يواجهونه به من فنون الاستهزاء والسخرية والغمز واللمز كلما مشي بينهم أو مر بهم في طرقاتهم أو نواديهم، ومن ذلك ماورد من أن بعضهم عمد إلى قبضة من تراب فنثرها على رأسه وهو يسير في بعض طرق مكة، وعاد إلى بيته والتراب على رأسه، فقامت إليه إحدى بناته تغسل عنه التراب وهي تبكي ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لها: «يا بني لا تبكي، فإن الله مانع أباك» (قال الألباني مرسل في دفاع عن الحديث:19). المصدر: منتدى همسات الغلا hg;dtdm hgjd idH hggi juhgn fih sd]kh lpl] wgn ugdi ,Ngi ,sgl gjgrd hg,pd Hfgrn lpl] hggi hgjn hg,[] hg;dtdm juhgd fih sld sd]kh ugdi Ydg ,gNY آخر تعديل Kassab يوم
16-06-2015 في 11:44 AM. |
17-06-2015, 05:39 PM | #5 |
| جزاك الله خير وجعله الله في ميزان حسناتك وجزاك الله الفردوس إن شاء الله ودمت بحفظ الله ورعايته |
|
23-06-2015, 01:46 PM | #7 |
| جمل الله قلبك بنور الإيمان ومتعك بروعة الجنان يعطيك ربي الف عافيه ع الطرح الأكثر روعه كتب لك الأجر والثواب جعله الله في ميزان أعمالك يوم القيامه ع هذا الطرح المفيد لنا بارك الله فيك |
|
الكلمات الدلالية (Tags) |
أبلقى , محمد , الله , التى , الوجد , الكيفية , تعالي , بها , سمي , سيدنا , عليه , إيل , ولآإ , وسلم |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
العلم المحمود والمذموم وأقسامهما وأحكامهما | البرنس مديح ال قطب | ( همســـــات الإسلامي ) | 20 | 24-07-2018 01:06 AM |
آفات العلم وبيان علامات علماء الآخرة والعلماء السوء | البرنس مديح ال قطب | ( همســـــات الإسلامي ) | 19 | 20-12-2015 03:35 AM |
هدايا تربوية من سورة البقرة(1-150) | شبيه الريح | ( همســـــات الإسلامي ) | 12 | 02-05-2015 06:49 AM |
سيرَة أمّهات المُؤمنين /السيدة خديجة | ابراهيم دياب | (سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وقصص الانبياء والصحابه ) | 12 | 26-03-2015 09:16 PM |
تفسير سورة البقرة كاملة والكمال لله سبحانة | ابو ملاك | (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) | 16 | 15-05-2014 08:15 PM |