ننتظر تسجيلك هنا


الإهداءات



إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 16-04-2015, 05:08 PM
Kassab غير متواجد حالياً
Oman     Male
الاوسمة
الشاهين للمبدعين 
لوني المفضل Chartreuse
 رقم العضوية : 4241
 تاريخ التسجيل : 5 - 12 - 2013
 فترة الأقامة : 4036 يوم
 أخر زيارة : 18-01-2024 (09:54 AM)
 المشاركات : 46,226 [ + ]
 التقييم : 260510243
 معدل التقييم : Kassab يستحق التميز Kassab يستحق التميز Kassab يستحق التميز Kassab يستحق التميز Kassab يستحق التميز Kassab يستحق التميز Kassab يستحق التميز Kassab يستحق التميز Kassab يستحق التميز Kassab يستحق التميز Kassab يستحق التميز
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي الأقدار

















الأقدار

تنسجُ بحلاوةٍ أو مرارةٍ حكاياتنا، وتغزلها بمغزلها، فتصيب أحيانا بإبرتها من أيامنا وتدميها وتجرحها، أو يصيب دفء نسيجها من أحلامنا فيدفئها ويُفرحها، ومن يدري كم غيّرت فينا؟!

بأمواجها المجنونة تقذفنا وتُهدينا على جزر النسيان أو فوق شواطئ الأمان ترمينا، ومن يدري إن كانت ستُنسينا؟!

تُشعل في أيامنا البراكينا فتحرقنا، وتبهرنا بألوان المعاناة فتُعمينا، ولسنا أمامها إلا رياحينا، نتمايل كلما هبت عواصفها فتحنينا، ولا نملك أن نجري تغييراً لمجراها فكل من تحدّوها مجانينا!!

تأسرنا بخبث نواياها فتضنينا، وتسرقنا لذكريات مرّت فتحييها وتحيينا، لترسم ضحكةً فوق ثغرنا أو تزرف دمعةً من مآقينا!!

تقرّبنا وتبعدنا، تدمّرنا وتسعدنا، تكتبنا ثم تمحينا، ولسنا سوى صفحات لها تخط فوقها مستقبلنا وتشطب إن غضبت ماضينا!!

تغيرّنا تحيرّنا تملأنا فخراً وتنحتنا صخراً ثم تجدد فينا معنى الحياة، تعيدنا لماضٍ أو تعبر بنا لآتٍ وما أدرانا ما هو آت؟

هي الأقدار .. نعم هي تلك الرياح العاتيات التي تعصف بحياتنا، وتلك الظلال الوارفات التي تتحقق تحتها أمنياتنا، فإن صحوت وتغيرت حياتك ذات نهار، لا تجزع بل قل : شاءت الأقدار.

الأقدار


كان الحي هادئاً ذلك الصباح، جلست السيدة هناء على كرسيها الصغير أمام براد حلوياتها ترتبه بعناية وتملؤه بأطيب أنواع المخبوزات والحلويات استعداداً لبدء عملها اليومي المعتاد، كان الطقس جميلاَ في الخارج ابتسمت ثم قالت: الحمد لله انتهيت من توضيب الحلوى وباقي المعجنات، والرزق على الله، ثم ذهبت ففتحت باب حانوتها الصغير وعكست اللافتة إلى "مفتوح" وقفت قليلاً بالخارج تأملت شارع المدينة وهو يبتلع أشعة الشمس المرسلة بنهمٍ ثم يعكسها على جميع البيوت وكأنه يوقظ من بداخلها معلناُ صباحاً مشرقاً وبدء دورة يومٍ آخر، مدت يداها للأمام وتنهدت ثم تنشقت هواء الصباح العليل وعادت تجلس مكانها من جديد، أدارت المذياع واسترسلت في أغاني "فيروز" وما بينها من فواصل إخبارية عن مستجدات المدينة وأحوال الناس، كانت السيدة هناء تشعر بالوحدة إثر وفاة زوجها بمرضٍ عضال منذ عشرون عاماً وعدم قدرتها على الإنجاب منه مما جعل حياتها باردة في الصميم كبرد الشتاء القارص، لكنها لم تكن لتُظهر ذلك لمن حولها، عاشت حياتها في كفاح فامتهنت صنع وبيع المعجنات والحلويات المعدّة للإفطار الصباحي بعدما اشترت حانوتاً صغيراً بما تيسر لها من نقود قليلة تركها زوجها قبل وفاته.

وبينما هي شاردة بين مذياعها وتأملاتها فُتح الباب فطرق مجموعةً من الأجراس المعلقة فوقه مصدرةً صوتاً لطالما أحبت سماعه، فهذا الصوت هو صوت الرزق والبركة -هكذا كانت تسميه- الذي يعلن ابتداء يوم عمل جديد، نظرت السيدة هناء للقادم فرأت شاباً وسيماً أنيق المظهر لبق اللسان حياها بلطف ثم قال: قطعتا كعك بالتمر من فضلك يا سيدتي، ابتسمت وقدمت له طلبه، شكرها ثم دفع حسابه واستأذنها وغادر.

"من هو هذا الشاب الوسيم؟ هذه المرة الثالثة التي يقصدني طالباً كعكاته اللذيذة" قالت السيدة هناء لنفسها، كانت الساعة تشير للسابعة والنصف صباحاً، ثم تابعت كلامها إنه نفس الوقت الذي يزورني به دائماً ليشتري إفطاره، ينبغي أن أتعرّف عليه أكثر في المرات القادمة لعله غريب عن هذه المنطقة ويحتاج لمساعدة.

كانت تشعر بداخلها أن مساعدة الشباب تعطيها إحساساً بالأمومة التي تفقدها والتي سرقتها منها الأيام على غفلة، فتغدق على مشاعرها السعادة التي لطالما حُرمت منها منذ مرض زوجها وكفاحها معه ومن ثم كفاحها مع هذه الحياة القاسية.


"كم أحب هذا الصوت كأنما يقرع أجراس الفرح في قرارة نفسي" قالت السيدة في أعماق ذاتها، لقد دخلت شابة جميلة فاهتزت الأجراس كالعادة، ابتسمت لها الزائرة وبعد التحية طلبت منها قطعة كرواسان بالشوكولاتة، وبينما كانت تجهز لها طلبها قررت في هذه المرة أن تبدأ حواراً معها، فابتسمت للفتاة بعفوية وسألتها: ما اسمك يا ابنتي، وهل تسكنين بالجوار؟

بهدوء قالت الفتاة: "ورد" اسمي ورد، وأنا أسكن في الحي الموازي لهذا الشارع.

رحبت بها السيدة هناء مرة أخرى وقدمت لها نفسها، ثم سألتها مستطردة: وهل تسكنين مع زوجك؟ كم لديك من الأطفال؟

أجابتها الفتاة: لا لست متزوجة لكن عندي ثلاثة وعشرون طفلاً!

استغربت السيدة هناء هذا الرد وبدت عليها علامات الدهشة، لكن ورد ومن دون أن تنتظر استفساراً تابعت كلامها مبتسمة: لا تستغربي فأنا أعمل مدرسة أطفال لم أفكر بالزواج لأنني في كل يوم أعيش الأمومة من خلال عملي فلن أتسرع في أخذ قرار كهذا إلا عندما أقابل الشاب الذي أجد فيه صفات الرجل الناضج والجاد والقادر على إسعادي.

نظرت ورد في ساعتها ثم قالت: عذراً سيدة هناء قد شارفت الساعة على الثامنة ويجب أن أذهب كي لا أتأخر عن عملي فتناولت العلبة ثم قدمت لها الحساب وشكرتها قائلة فرصة سعيدة وخرجت.



جلست السيدة هناء تستمع بما تبقى من أحاديث وأخبار وأغاني، دق جرس الهاتف بقربها وجاء الصوت من الطرف الآخر: مرحباً، معك لميس من شركة الراشد للأغذية نود إعلامكِ بأننا جاهزون لإرسال سيارتنا لأخذ الطلبية ككل أسبوع ونريد الاستفسار عن بعض الأمور.

"تفضلي واسألي" قالت السيدة هناء، قالت المتصلة : ما عدد قطع حلوى جوز الهند المتوفرة لهذا الأسبوع؟ أجابتها: سبعون قطعة، هل لديك أقراص بالحليب والزبدة؟ لا لم يتبقَ منها شيئاً، هل يوجد حلوى السمسم .... ثم أكملت الطلبية وأنهت مكالمتها وأغلقت السماعة.

مر اليوم سريعاً وجاء اليوم التالي وكعادتها انهمكت السيدة هناء بمخبوزاتها منذ الصباح الباكر وعندما انتهت من ترتيبها فتحت باب حانوتها الصغير وعكست اللافتة إلى "مفتوح" وقفت قليلاً بالخارج كعادتها اليومية وتأملت الشارع.



كان يوماً جميلاً ولكنه أشد برودة من سابقه، بدأت تشعر برعشة تجتاح جسدها فقررت الدخول من جديد، جلست بالقرب من مذياعها وهو صديقها الوحيد في أوقات عملها الصباحية تستمتع بأحاديث المدينة وأخبارها، ها هو اللحن الأجمل يُعزف أمامها بمجرد فُتح الباب، ابتسمت ووقفت ترحب بالشاب الوسيم، حيَاها بلباقة كعادته وطلب كعكتا التمر ومن دون أن تنتظر طلبه كانت تسبقه لتجهيزهما ثم نظرت إليه بابتسامتها ومدت يدها فقدمت له كوباً من القهوة السريعة وقالت: الطقس في الخارج شديد البرودة تفضل يا ابني فهذه القهوة ستعطيك شعوراً بالدفء والنشاط.

شكرها الشاب وأخذ منها الكوب وبدأ يرتشف منه أولى رشفاته، فبادرته بالسؤال: ما اسمك؟ وماذا تعمل فأنا أراك منذ أيام تأتي باكراً في نفس الوقت ثم تمضي على عجل؟

مد الشاب يده بالحساب وتناول العلبة ثم أجابها: اعمل مهندساً في شركة ألفا للإنشاء العقاري وعملي يقتضي أن أكون متواجداً في المشاريع صباحاً لأسلم للعمال مخططات العمل وأراقب حسن تنفيذها، ثم ارتشف القهوة بسرعة ووضع الكوب جانباً واستدار ليمضي وقال: ها .. لقد نسيت أن أخبرك بأن اسمي "ربيع" يا سيدتي الفاضلة.

"ما أجمل اسمك كجمال شخصيتك ومحياك" أجابته السيدة، وتابعت : أنا أدعى هناء، يمكنك اعتباري كوالدتك فإن احتجت لأي مساعدة أو استفسار لا تتردد يا ولدي، شكرها مرة ثانية وانصرف، كانت الساعة تشير إلى السابعة وأربعون دقيقة، قالت السيدة بعد خمسة دقائق ستأتي ورد.

لم تمضِ إلا ثلاث دقائق وعزفت الأجراس مقطوعة السعادة المفضلة، ها هي ورد ترحب بالسيدة هناء، تبادلتا الأحاديث سريعاً ثم أخذت حاجتها وانصرفت.

بدأت السيدة هناء تشعر بالألفة جرّاء زياراتهم اليومية المتكررة كانا من أفضل وأحب الزبائن على قلبها وهي لم تعرف سبباً لهذا الإحساس.

بدأت السماء تتلبد في الخارج ثم انهمرت الأمطار بقوة لساعتان متواصلتان كانتا كافيتان لتغسلا أوجاع الطرقات وأسرار المدينة القابعة خلف أبواب البيوت الموصدة وزوايا الحوانيت العتيقة، عاد الطقس تدريجياً للهدوء وسكنت الريح وانقضى النهار وحل المساء، فأغلقت السيدة محلها ومضت فاشترت بعض الحاجيات وعادت منزلها، جلست أمام التلفاز وأسندت رأسها على طرف الأريكة ورويداً رويداً غافلها النعاس فاستسلمت للأحلام سريعاً.
كان البرد قد ازداد في هذه الأمسية، لقد شعرت بيد ناعمة تهزها برقة وتقول : ماما تعالي معي!!

فتحت السيدة هناء عيناها فرأت ورد تحنو عليها فاستغربت وسألتها: أذهب معك إلى أين؟ ثم كيف دخلتي هنا يا ابنتي؟

أجابتها: إلى السرير فالجو باردٌ هنا، لقد أوصلني ربيع وذهب ليجلب لنا طعاماً للعشاء!!

زادت دهشة السيدة هناء وفتحت عينيها أكثر ونهضت بثقل واضح وأمسكت بيد ورد وقالت: وهل تعرفين ربيع؟

أجابتها: نعم هو زوجي!

لم تستطع السيدة إخفاء دهشتها أكثر فصاحت: كيف ذلك؟ لقد أخبرتيني أنك غير متزوجة!!

ابتسمت ورد وقالت: لا، يبدو أن ذاكرتك بدأت تخونك ألم أخبرك أنه عندي ثلاثة أولاد.

قاطعتها السيدة قائلة: لا بل قلتي ثلاثة وعشرون وهم تلاميذك وليسوا أولادك!!

ضحكت ورد وردّت : وهل يعقل ذلك وأنا لم أتجاوز الثلاثين بعد؟

انفعلت السيدة قليلاً وقالت بخجل: يبدو أن الشيخوخة قد نالت مني، فما عدت أذكر بدقة!! ومضت تسير بخطوات قليلة ومثقلة إلى المطبخ وبقربها ورد فوضعت إبريقاً من الشاي على النار قائلةً: فلنعّد ما نشربه ريثما يصل ربيع ثم أذهب للسرير، ثم سألتها: صحيح يا ابنتي أنتِ لم تخبريني كيف دخلتي البيت؟ ولماذا؟ وكيف عرفتي أني اسكن هنا؟

نظرت ورد في وجه السيدة هناء معاتبة وقالت: أنتِ من أعطتني العنوان وطلبتِ مني هذا الصباح حينما كنت في عجلة من أمري بأن أزورك ليلاً كي اطمئن على صحتك وأعطيك بعد العشاء دواءك ثم اتركك تنامين وارحل! وقد سألتك حينها كيف سأدخل فقلتي لي بأنك ستتركين لي الباب موارباً وهذا ما حصل بالضبط؟

وضعت السيدة هناء يدها فوق رأسها وأسندت ظهرها على جدار قريب وقالت ماذا يحصل لي؟ ربما أن مرهقة هذا اليوم لا أتذكر شيئاً يبدو أني كبرت وبدأت أنسى، ولكن بقي شيء أخير وأريد منك أن تجيبيني عنه.

هزت الفتاة رأسها موافقة، فبادرتها السيدة قائلة: لماذا حين دخلتي ناديتيني ماما؟

ردت ورد بابتسامة: لأني منذ رأيتك أحسست أنك كأمي في اهتمامك وطيبة قلبك ومنذ أن رحلت والدتي لم يعوضني أحد غيابها، لذلك وجدت فيك هذا المبتغى فهل يزعجك ذلك؟

قالت السيدة: لا بالطبع يسعدني ويسعدني جداً فضمتها بقوة وبينما كانت تضمها شعرت بأنه لا أرجل لها مدت يدها وتلمست قدماها لم تجد شيئاً نظرت إلى أسفل رأت نفسها معلقة في الهواء ثم نظرت إلى ورد فوجدتها تبتعد عنها فسألتها إلى أين؟

أجابتها لقد تأخر ربيع وأخشى عليه من أن يصيبه مكروه، تعالي معي يا ماما كي نذهب ونبحث عنه معاً!

ردت السيدة هناء متوترة لا أستطيع، ليس عندي قدمان! فكيف سأسير؟ أشعر أنني متسمرّة في مكاني، منذ قليل كنت أسير للمطبخ بخطوات متثاقلة والآن اختفت قدماي!! كيف حصل هذا وبدأت تتلمسهما بذعر وورد تبتعد إلى أن تلاشت وما زالت السيدة هناء تبحث عن قدمها وهي مذعورة، حتى استفاقت فجأة وإذا بالغطاء قد سقط عن جسدها أرضاً وهي تلامس رجليها الباردتين محاولة تدفئتهما.

منذ تلك الليلة ولأسبوع لاحق صار هذا الحلم يراود خاطرها وأحست بأنها معنية به بطريقة ما، لقد شغلها وهي ترى يومياً أن كل ما يفصل بين رحيل ربيع وقدوم ورد مجرد ربع ساعة، حاولت كثيراً أن تجمعهما بالتلميح تارة وبالتصريح تارة أخرى لكن بلا جدوى فلم تسمح الأقدار بذلك، وقررت أنها لا بد من أن تجمع بينهما

كانت مع كل يوم تزداد يقيناً بأنهما خلقا ليكونا لبعضهما، ولكن كيف؟
"إن صارحتُ ربيع بموضوع ورد قد أحرجها ظناً منه بأنها قد تكون هي من دفعتني لأفعل هذا وهي فتاة خجولة ولن ترضى بذلك، وإن صارحتُ ورد ووافقت مثلاً فلربما ربيع لا يفكر حالياً بهذا الأمر وبالتالي أضعه في موقف محرج وأضعها هي أيضاً" بهذا الأسلوب كانت تحاور نفسها، لا بد من وجود طريقة مناسبة.

مرّ أسبوعان وهي تفكر وتشعر برغبة صادقة بالجمع بينهما بالصدفة، وأي صدفة ستكون والفارق بينهما ربع ساعة، هذا الفارق الزمني اللعين بالرغم من ضآلته إلا أنه لم يسعفها كي تقربهما وفجأة هبت من كرسيها وضحكت وقالت: طالما المسألة مسألة وقت فلنلعب مع هذا الوقت ونوقفه ربع ساعة ليس هنالك من حل آخر.

الأقدار

في صباح اليوم التالي وبعد أن أنهت السيدة هناء تجهيز مخبوزاتها، فتحت باب حانوتها الصغير وعكست اللافتة إلى "مفتوح" ثم خرجت تستمتع برؤية الشارع وهو يعانق نور الصباح، هذا المشهد الذي تحبه كالعادة وهي تشعر بأنها تنتمي لهذا المكان الذي عاشت فيه لسنوات طويلة، رأت عصفوراً يتراقص في جانب الطريق يلتقط طعامه وهو يقفز ويطير عشرات المرات فابتسمت ثم احتضنت نفسها وعادت لكرسيها وأدارت المذياع كانت الثواني تمر ببطء هذا النهار وكانت السيدة بانتظار قدوم ربيع بفارغ الصبر.

بدأت تحدث نفسها وتقول: إن أخبرته أن المخبوزات ستتأخر قليلاً قد يمضي دونما انتظار! لا بد من المماطلة بدافع سبب مقنع والأفضل أن أدعي المرض وقلة النشاط نتيجة الوعكة الصحية فالبرد شديد هذه الأيام، وبالفعل قرعت أجراس الرزق والبركة ودخل الشاب الوسيم، رحب بها وطلب كعكاته الصباحية.

بدأت السيدة هناء تجهزها ببطء وهي تماطل بالحركة وتردد: يا للبرد ومشاكله فقد أصاب مني ما أصاب عذراً يا ابني، وكان ربيع يبتسم ويتمنى لها الشفاء العاجل، بدأت تهمّ في إنهاء تجهيز طلبه وتنظر إلى ساعة المحل وهي تحلم لو كان بمقدورها أن تديرها عشرة دقائق للأمام دفعة واحدة فتسبق بها الزمن، كان ربيع كعادته مستعجلاً وكانت تفكر بطريقة أخرى لجعله يتأخر قليلاً.

انتهت من إعداد الطلب سلمته فحاسبها واستدار كي يذهب وفي هذه اللحظة دق جرس الهاتف فتناولت السماعة وجاءها الصوت من الطرف الآخر: معك لميس من شركة الراشد الدولية للأغذية نود إعلامكِ بأننا جاهزون لإرسال سيارتنا لأخذ الطلبية ككل أسبوع، كان ربيع قد قارب على الخروج، وكانت السيدة هناء تنظر للساعة لم يتبق إلا دقائق قليلة، وتستمع لكلام المتصلة وفي نفس الوقت تراقب ربيع قبل أن يذهب، ارتبكت قليلاً فقاطعت المتصلة قائلة: أهلاً .. مهلاً مهلاً .. ثم نادت ربيع فلم يسمعها كان قد غادر.

أعادت لميس سؤالها، لكن بلا جواب!! لقد تركت السيدة هناء كرسيها والسماعة مرفوعة ومضت فوراً، كان ربيع قد اجتاز الطريق وعبره للجهة المقابلة، رأته السيدة هناء فأسرعت خلفه تناديه وفي رأسها عشرات الأسباب قد تكون سخيفة قد تكون مقنعة غير مهم، المهم فقط أن يعود فقد قاربت ورد على الوصول، كانت غارقة في أفكارها وبلا شعور نادت: ربيع .. ربيع .. وعبرت الطريق مسرعة وهي شاردة الذهن من دون أن تنظر يمنة أو يسرة لترى تلك السيارة المسرعة التي ضغط صاحبها فجأة فرامله فأصدرت صوتاً أشبه بأزيز الرصاص ثم صدمة قوية جعلت جميع المارة يركضون وأولهم ربيع الذي سمع اسمه ورأى السيدة تومئ له بيديها قبل أن تطير في الهواء وتسقط على الأرض مضرجة بدمائها.

أسرع إليها وقد نسي في هذا الموقف الإنساني عمله ومضى يناديها كي يتأكد أنها ما تزال حية، كان رأسها قد اتكأ على الأرض وهي تغيب في هدوء عن الوعي، شاهدت ذلك العصفور الذي عاد يتراقص وهو يلتقط زاده قبل أن يطير بعيداً نهائياً إثر تجمهر الناس ، كان رأسها وجسدها يعانقان الشارع الذي تعشقه وتتأمله كل يوم وتشتّم رائحة الصباح فيه كأنما كانت تودّعه بعد أن نشأت بينها وبينه صداقة يومية فاحتضنها معبراً عن امتنانه، شاهدت يدان تمتدان لرفع رأسها ووجهٌ وسيم يناديها وهو يحمل ملامح الحزن الشديد والأسف والناس تندس قربه بوجوه مستغربة يستنكرون وبعضهم يهاجم السائق، وفجأة حصل ما لم تكن تتوقعه فقد اندست ورد ما بين الجموع إلى أن أصبحت بالقرب من ربيع فسألته: ماذا الذي يجري وحين نظرت ووجدت السيدة هناء ملقاة تلفظ أنفاسها الأخيرة أصابها الأسى الشديد واندفعت تترجاه أن يتصل بالإسعاف، فبدأ بيناهما حوار جديد، كانت هذه الصورة الأخيرة التي ارتسمت في عيناها قبل أن تغمضهما إلى الأبد صورة ورد تتحدث مع ربيع، أغمضت عيناها بسلام فالذي حاولت أن تحققه في حياتها وعجزت عنه، حققته في مماتها يا للأقدار!! لقد انتهت قصة حب وحياة ها هنا وابتدأت هناك قصة أخرى قصة خطتها الرياح العاتيات والظلال الوارفات، فانحنت رياحين القلوب أمامها.

الأقدار

هناك على قبر السيدة هناء حيث كُتب تاريخ ميلادها ورحيلها ملخصاً قصتها يتم في كل أسبوع وضع باقة من "زهرة الربيع" وهما أكثر من أسعد وجودهم حياتها لتسجى فوق قبرها، كأنما الأقدار تأبى أن تحرمها من فراق من أحبت!!


الأقدار















hgHr]hv ((".ivm hgHr]hv hgvfdu"))>>>>frgld




 توقيع : Kassab



آخر تعديل ميارا يوم 16-04-2015 في 05:48 PM.
رد مع اقتباس
قديم 16-04-2015, 06:14 PM   #2


الصورة الرمزية همس الورد
همس الورد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5280
 تاريخ التسجيل :  23 - 8 - 2014
 أخر زيارة : 02-11-2021 (07:52 AM)
 المشاركات : 53,583 [ + ]
 التقييم :  61338847
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~


لوني المفضل : Honeydew
افتراضي



دائما متميز في الانتقاء
سلمت على روعه طرحك
نترقب المزيد من جديدك الرائع
دمت ودام لنا روعه مواضيعك
لك خالص احترامي


 
 توقيع : همس الورد






رد مع اقتباس
قديم 16-04-2015, 07:29 PM   #3


الصورة الرمزية العنود !
العنود ! غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 4613
 تاريخ التسجيل :  15 - 3 - 2014
 أخر زيارة : 06-11-2021 (10:54 PM)
 المشاركات : 60,990 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
 SMS ~
لوني المفضل : White
افتراضي



ططرح جميل
تسلم يمينك الطاهره


 
 توقيع : العنود !





رد مع اقتباس
قديم 16-04-2015, 08:26 PM   #4


الصورة الرمزية غلا الكويت
غلا الكويت غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 4013
 تاريخ التسجيل :  15 - 9 - 2013
 العمر : 65
 أخر زيارة : 02-10-2015 (12:51 PM)
 المشاركات : 25,933 [ + ]
 التقييم :  185963
 الدولهـ
Kuwait
 الجنس ~
Female
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Darkmagenta
افتراضي





طرح راقٍ مميز






سلمت أناملك الذهبية بما خطيت لنا من درر رائعه


بإنتظااار عناان قلمك وما سيجود به عبر رياض همسات الغلا


تقبل مني أرق وأعطر تحيه ورديه جوريه

دمت بألف خير وسعااادة






 
 توقيع : غلا الكويت











أستودعكم الله
مسافــــــــــــرة


رد مع اقتباس
قديم 16-04-2015, 08:35 PM   #5


الصورة الرمزية عَبَقُ الجنّه
عَبَقُ الجنّه غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 4568
 تاريخ التسجيل :  8 - 3 - 2014
 أخر زيارة : 29-08-2024 (11:12 PM)
 المشاركات : 107,750 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : red
افتراضي





.

.

كســآاب

سلمت ع الطررح الجميل

يعطيكـ ألف عـــآافيهـ





 


رد مع اقتباس
قديم 16-04-2015, 08:38 PM   #6


الصورة الرمزية سيف العقيلي
سيف العقيلي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5000
 تاريخ التسجيل :  3 - 6 - 2014
 أخر زيارة : 28-12-2018 (09:44 AM)
 المشاركات : 107,665 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Iraq
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Darkorange
افتراضي



أحيانا تخذلني مشاعري
فلا استطيع أن اكتب او اعبر
عما يجول بخاطري
انبهارا وتعجبا بروعة قصتك الرائعه
اخي العزيز
كساب انتَ مبدع ورائع
امتعتنا بهذه القصه
استمر بالابداع
تقبل تحياتي ومروري



 
 توقيع : سيف العقيلي






انا عراقي
كلـہم ذوووق
ومآ يملـهم مخلوووق
بس عيبـهم حرآميـة قلــــوب
يسرقونـ آلقلب بآلشووق
انا عراقي وافتخر



رد مع اقتباس
قديم 17-04-2015, 05:34 PM   #7


الصورة الرمزية سابين
سابين غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 4515
 تاريخ التسجيل :  22 - 2 - 2014
 أخر زيارة : 15-11-2015 (12:46 PM)
 المشاركات : 62,466 [ + ]
 التقييم :  20901418
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
على شموخ العز يا راس تبقى
لو حاولت بعض الوجيه احتقارك
ما دامت يدينا على الطيب سبقى
لا تلتفت للناس واصل مسارك
لوني المفضل : Deeppink
افتراضي



بصمتك رائعه راقيه ذات نكهه مميزه
لامست الجمال وتسللت إلى الأعماق
تميزك في كل نـاحية , فشكراًُ من القلب
وبإنتظار المزيد من هذا الفيض
شذى الورد لروحك




 
 توقيع : سابين


مرر الماوس


اللهم أدخل عبدك عبد الله بن عبد العزيز الجنه بدون حساب.


رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
(("زهرة , الأقدار , الربيع"))....بقلمي


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مختصر كتاب( طوق الحمامة) نزيف الماضي ( همسات الثقافه العامه ) 12 23-03-2015 10:14 AM
وشاءت الأقدار زائر الفجر (همســــات المقال و الخواطر والنثر ) منقول 14 20-11-2014 06:20 PM
عندما يُوزع الله الأقدار ، وَ لآ يمنحٌك شيئاً تريده ! мℓєєτ ( همســـــات الإسلامي ) 20 17-11-2014 10:53 AM
الله ولم يعطك ما تريده ميارا ( همســـــات الإسلامي ) 17 10-07-2014 11:48 PM
لا نختار حياتنا هي الأقدار تمنحنا ماتشاء ،، بقلمي اميرة الحزن { حصريات بأقلام الاعضاء } لم يسبق لها النشر 18 25-10-2013 05:25 AM

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

الساعة الآن 08:01 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010