هيباتيا " تلك الفتاة الجذابة

" هيباتيا " تلك الفتاة الجذابة والجميلة، والمولدة في الاسكندرية ، الشغوفة بالمعرفة ، الوارفة بالفلسفة، المترعة بالفلك والرياضيات. توفيت في العام 415م علي يد جماعة من المسيحين الغوغائيين ، وبتحريض من الكنيسة ، حيث اتهمت بالالحاد وممارسة السحر! تم جرها من شعرها بعد أن أنهت إحدى ندواتها وكانت عائدة إلى بيتها ، ثم جردوها من ملابسها ، وربطوها بحبل وتم سحلها حتى تفسخ جلدها، ثم وضعوها على كومة حطب وتم حرقها! هذه حكاية مخبئة في عجلة التاريخ ، سقطت عمداً في وقت يضج العالم العربي والاسلامي بالطائفية المقيتة، في حين من يتربص بهم يسقط على قفاه من الضحك وينام ملء جفونه فرحا.

هل التاريخ يعود على نفسه كما يقول " هيغل " ؟
لا أريد الدخول في صراع أفكار، ومتاهات فلسفية عميقة ، لذا أقول أن التاريخ لا يخرج أحشاءه ولا يعود وإنما الذي يعود هو شكل الحدث والفعل التاريخي بين بني البشر ، وأغلب الكوارث والمآسي العظمى تأتي من شرر الحماقات الصغرى ، والمتأمل فيما يحدث لنا ومن حولنا لبقية المجتمعات يدرك تماما أننا نمر في منعطف تاريخي حاد ، خصوصا أنه مدون في شكل تقنيات حديثة بالصوت والصورة ، والتي تنطق عن ألف كلمة كما يقولون.
في الأسبوع الماضي كان هناك حدثان أساسيان شغل الناس والرأي العام ، خصوصا في شبكات التواصل الاجتماعية. الحدث الأول ضرب الشيخ الشيعي حسن شحاته حتى الموت، وبتحريض من المساجد ، وسحله أمام الناس والأمن العام دون أي حراك من الأهالي وكبار القرية! أما الحدث الثاني وهو إشاعة ضرب الداعية السني المعروف في لندن، ودخوله المشفى.
الحدث الأول أدمى قلوب بعض الشيعة في أن الحدث الثاني أفرح قلوبهم! أما بعض السنة فعلى العكس تماما ، أفرحهم الحدث الأول في حين أحزنهم الحدث الثاني! وهذا إن دل إنما يدل على إزدواجية في التفكير ، والتناقض في المعاملة ، والبعد كل البعد عن القيم الإنسانية فضلاً عن قيم الدين الإسلامي الذي يدعو إلى العفو والتسامح ، والدفع بالتي هي أحسن، بعيداً عن العنف اللفظي والبدني. والخطأ لا يمكن تبريره مهما كان المصدر والفاعل، وإلا تساوى الظالم والمظلوم. صحيح أن العدل مع الخصم ليس بالأمر الهين لذلك يقول " نيتشه ":
عندما تحارب بنفس أسلحة عدوك سوف تصبح مثله!

علمونا في المدرسة أن قدوتنا ومعلمنا الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كان له جار يهودي يؤذيه ، ويرمي القمامة على بابه ، ولكن الرسول لم يكن يعامله بالمثل ، بل كان يحسن إليه ويعوده إذا مرض، فلما رأى ذلك اليهودي تلك المعاملة آمن به وصدقه ودخل في الإسلام. علمونا أن الدين المعاملة ولكن تلك المعاملة أصابتها " البيروقراطية " فظلّت حبيسة الأدراج ، وأصبحت من النظريات والمثاليات الأفلاطونية. أصبح الإنسان ذئبا على أخيه الإنسان ، بل حتى الذئاب لم نسمع بأنها تنهش لحم بعضها بعضا، وتسحلها في الشوارع بفرح عارم!


" الطائفية " لعب بالنار ودمار شامل للمجتمع ، سلاح السياسي المحنك الذي يلهي به الشعب. بل حتى الفيلسوف السياسي " ميكيافيللي " صاحب السمعة السيئة ، في كتابه الأمير لم يدعو إلى إذكاء نار الطائفية، بل كان يقول:
لا يمكننا أن نطلق صفة الفضيلة على من يقتل مواطنيه ويخون أصدقاءه ، ويتنكر لعهوده ويتخلى عن الرحمة والدين، وقد يستطيع المرء بواسطة مثل هذه الوسائل أن يصل إلى السلطان، ولكنه لن يصل عن طريقها إلى المجد.

إن كان هناك من يحتاج إلى سحل في مجتمعاتنا فهي الطائفية بعينها ، فبيض الطائفية يتكاثر في المستنقعات العفنة، لذلك دعوه يخمج مكانه ولا تساعدوه على الفقس، ولنتوجه إلى البناء ، إلى الاقتصاد والتنمية ، كي نقف كتفا بكتف في مصاف الدول المتقدمة.

شاعرقلوب