بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مدخل :كان رجلاً يطوف بالكعبة وخلفه الإمام الشافعي وهو يقول : يا رب هل أنت راض عني ،
فقال له الشافعي : ياهذا هل أنت راض عن الله حتى يرضى الله عنك؟ قال الرجل: سبحان الله كيف أرضى عن الله وأنا أتمنى رضاه؟!
قال الشافعي: إذا كان سرورك بالنقمة سرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله.
✿أحوال✿
لا يخلو بيت من ضحك أو بكاء ولا يخلو بيت من السراء والضراء ولا يخلو بيت من المحن والعطايا والبلاء فكل الناس تجد أنهم تمر عليهم أوقات مختلفة من السعادة والحزن وغير ذلك.
ولكن شأن المؤمن الحق أن يكون قلبه واحداً عند كل هذه الأمور وأن يكون راضياً بالله وعن الله ، ويرضى بكل ما يأتيه من عند الله .
✿✿✿
✿إنسان يرزقه الله ببنيات متتاليات فيسخط ويتجزع ويعترض على أمر الله تعالى وتضرم وضاق وهدد زوجته وتوعدهاوحرم بنياته من النفقة والدتهم من المحبة وينثر غضبه المتواصل عليهم حجة أنه لم يرزق بفتيان ذكور
✿✿✿
✿مصيبة فقد لأحد الأحبة تلتها مصيبة فقد أخرى تتبعها أخرى تتبعها أخرى فأعمى نفسه عن حكمة الله ومشيئته وقدره فاستقبل في قلبه الأسى وأنهك جسده بالحرمان ودثر حياته بالنكد والأحزان ، ألجم لسانه بمربط الصمت الكئيب،عزل نفسه عن الصديق والحبيب
✿✿✿
✿ شاب رغب في الزواج من فلانة وفعل الأفاعيل فلم يكتب له فعاش حياة النكد والشقاء واعتزل النساء وحرم الزواج على نفسه، وضع له رمزية البؤس (يعبر للناظر فيها عن شيء أراده في نفسه وحرمه الله منه)
✿✿✿
✿ طلاب علم أحبوا شيخهم كثيرا تعلقوا به وبحسن تعامله ، عزموا على أن يسيروا معا في طاعة الله وتعليم الخير للغير أحيوا سنن ووأدوا البدع نشروا الفضائل وحاربوا الرذائل قدر الله أن يفقدوا شيخهم فأوقفوا العمل من بعده وأغلقوا صفحة الخير التي اجتمعوا عليها بداية
✿✿✿
كم من متضرم وشاكي ومتحسر وباكي أهمهم ما أصابهم فعجزوا عن طاعة الله وعبادته غفلوا عن رضا الله عز وجل عنهم والذي يأتي نتيجة لرضاهم عن الله وعن أقداره وعن أفعاله سبحانه
✿✿✿
المؤمن يحير الألباب بإيمانه
يقول أحد السلف:
"لأن يعض أحدكم على جمرة حتى تطفأ خير له من أن يقول لأمر قضاه الله ليت هذا لم يكن"
ليعلم الإنسان أنه ليس من حقه أبداً أن يسأل عما إذا كان هو راضياً عن الله أم لا ؟
ويجب عليه أن يرضى بكل ما يأتيه من عند الله سواء كان يعجبه أو حتى لم يعجبه فيرضى بما قدر الله له من رزق وعافية ونحو ذلك ولا يعترض أو ينظر إلى نعم مُنعَم بها على غيره فلا يحق له التطلع إلى خيرات مَنَّ الله بها على عباه وشأنه أن لا يعترض على قضاء الله وقدره ليفوز برضوان الله عز وجل.
( وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ أكْبَر ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيم)
✿✿✿
امرأة تعبد الله على حرف
اتصلت امرأة على الشيخ خالد الجبير تقول: أنا امرأة في الثلاثين من عمري كنت أدعو الله عز وجل منذ أربع سنين في قيام الليل وفي كل حركاتي أدعو الله أن يزوجني بذلك الرجل أتدري ما حدث؟ رد الشيخ عليها قائلاً: لا، قالت ذلك الرجل تزوج ابنة عمي خطبها منذ اسبوع، زعِلت وتضايقت أتدري ما فعلت يا شيخ؟ قال لها : لا ، قالت: تركت قيام الليل وتوقفت عن الدعاء والشيطان يراودني أن أترك الصلاة أيضاً، قال الشيخ: سبحان الله أنزل ربي آية في سورة الحج تتحدث عن حالك إذا لم تتوبي إلى الله وترجعي عن فعلك يقول الله عز وجل: ( ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين). فبكت هذه المرأة ، قال الشيخ: اسمعي هذا الحديث اسمعي ما يقوله الحبيب صلى الله عليه وسلم : " إن الله سبحانه وتعالى لا يقضي قضاء لمؤمن إلا كان خيراً له". ووالله لو سمعنا هذا الحديث بقلوبنا ونقشناه على صفحات صدورنا وتعاملنا مع كل ما يأتينا على هذا الأساس لما ضاقت صدورنا ولا جزعنا وتسخطنا أبداً. إذا لو نحن تيقنا حق اليقين أن الله تعالى لم يقضي لنا إلا خيراً كما نحن متيقنون أن الله هو الذي رفع السماء بلا عمد وتيقنت أن جميع ما يأتيني من عند الله من هم وغم ونكد وكدر وحزن وألم هو خير لي ارتاح قلبي ورضيت بكل ما قسم الله.
ولا تكوني ممن يعبد الله على حرف أي على شرط يقال " وكان الرجل يقدم للمدينة فإذا ولدت امرأة غلاماً وأنجبت خيله قال هذا دين صالح واستمر على العبودية ، قال وإذا لم تلد خيله ولم تنجب امرأته أو أنجبت أنثى قال هذا دين سوء وانقلب على وجهه.
الرضا يوجب سكون القلب وثباته وهذا حال المؤمن كلما اشتدت به الأزمات وما زادهم إلا إيمانا وتسليماً
✿✿✿
من علامات عدم الرضا بقضاء الله :
من علامات عدم الرضا:السَّخط
وصف الله حال الساخطون في قوله تعالى ( فَإِن أَصَابَهُ خَيراً اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِن أَصَابَتْهُ فِتنَةٌ انقَلَب عَلَى وَجْهِه خَسِرَ الدُّنْيَا والآخِرَة ذَلِكَ هُوَ الخسْرَانُ المبِين ) الحج /11
لسان حالهم يقول : ( مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً)
والسخط والجزع يوقع العبد في الشك بالله عز وجل والله تعالى يقول : ( أَفِي اللهِ شَك)
أفي قضائه شك أفي قدرته شك؟ أفي حكمته شك؟ سبحانه وتعالى .
( ذَلِكَ بِأَنَّهُم اتَّبعُوا مَا أَسْخَطَ الله وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُم) محمد /28.
ليس من شرط الرضا أن لا يحس العبد بالآلام والمكاره لكن من شرط الرضا أن لا يعترض على حكم الله ولا يتسخط.
فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط"
ومن علامات عدم الرضا أيضاً: الحسد ، نجد البعض يحُرم من نعمة فتجده يتحسر ويحسد غيره على هذه النعمة وربما يؤدي إلى الحقد على صاحب النعمة ويتمنى زوالها وهذا كله من عدم الرضا ومن قلة الإيمان بالله عز وجل.
ومن علامات عدم الرضا: الظن السيء دائما وتوقع الأحداث السيئة والله سبحانه وتعالى يقول في الحديث القدسي : " أنا عند ظنِّ عبدِي بي إنْ ظنَّ خيرًا فلهُ ، وإنْ ظنَّ شرًّا فلهُ " صححه الألباني .
فماذا تظن بالله عز وجل ... وهل تشك في رحمته وعدله ( فمَا ظَنُّكُم بِرَبِ العَالَمِين)
من علامات عدم الرضا : كثرة التشكي للناس ، فتجده يشكو لهذا ويشكو لهذا ،
كيف يعلم الإنسان بضعفه وعجزه وقلة حيلته وفقره ثم لا يلتجأ لله ولا يشكو له .
قال المغيرة: ذهبت عين الأحنف بن قيس فقال: ذهبت من أربعين سنة ما شكوتها لأحد .
كان الإمام أحمد يئن في مرضه فلما أخبروه أن طاووساً يقول: إن أنين المريض شكوى،
قالوا: فما أنَّ حتى مات .رحمه الله.
وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم.
✿✿✿
أما حالنا إذا أخطأ الخدم في صغيرة أو كبيرة : لم أخطأت ولم أفسدت هذا ولم ولم نكثر اللوم عليهم ولو أننا اتبعنا منهج حبيبنا عليه الصلاة والسلام دعوه فإنه لو قضي شيء كان .لكان حالنا أفضل بكثير.
✿✿✿
يقول بشير الطبري: أغارت الروم على أربعمائة جموس له وهي ما يملك قال أبو عمر الكندي : كنت أنا وابن له وأمامنا عبيد له كانوا مع الجواميس ، فقالوا يا مولانا ذهبت الجواميس ، فقال لهم: وأنتم أيضاً اذهبوا معها فأنتم أحرار لوجه الله فصرخ ابنه معترضاً: أفقرتنا يا أبتاه؟! فقال: "اسكت يا بني ،إن الله اختبرني فأحببت أن أزيده".
✿✿
كان بالبصرة رجل يقال له شداد أصابه الجذام فتقطع فدخل عليه عواده فقالوا له: كيف تجدك؟ قال بخير أما إنه مافاتني جزئي من الليل منذ سقطت وما بي إلا أنني لا أحضر صلاة الجماعة.
أي لم يكن يحزنه إلا فوات صلاة الجماعة عليه.
الخطوات التربوية للقلب ليحقق رضا الله عز وجل
✿جعل الرضا من الأهداف الأساسية في الحياة فإذا وضع الإنسان الرضا هو أحد أهدافه سعى لتحقيقه وسار يبتغي رضا الله في جميع حركاته وسكناته وكل شيء يلتمس فيه رضا الله عز وجل.
✿✿✿
✿قراءة الأحاديث التي تذكر ثواب الرضا وأهله
✿✿✿
✿الاعتصام بالله ، ( ومن يعتصم بالله فقد هُدي إلى صراط مستقيم) الاعتصام بالله من أكبر أسباب رضا القلب فإذا اعتصم الإنسان بربه رضي به وبما يأتيه من عند الله من خير أو شر ،
والصراط المستقيم مطلب لعامة المسلمين وهو ما يسألونه الله عز وجل في كل يوم من سورة الفاتحة ( اهدنا الصراط المستقيم) .
✿✿✿
✿الاستخارة : فمن استخار الله عز وجل ملأ قلبه بالطمأنينة والرضا والسكون ، وتأملوا معي في كلمات الاستخارة " اللهم إني أستخيرك بعلمك ، وأستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فضلك العظيم ، فإنك تقدر ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب . اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر - ويسمي حاجته - خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي ، ويسره لي ، ثم بارك لي فيه . وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري عاجله وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه ، واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به" صحيح البخاري .
كل كلماته إذعان لله واستسلام لأمره والتجاء إليه واعتصام به سبحانه عبارات مليئة بالثقة والطمأنينة ، ما أعظم تلك الكلمات متى قالها العبد بصدق من قلبه ويقين بأن الله لن يكتب له إلا خيراً وإن كان ظاهره مؤلماً.
فكل ما يأتيك بعد الاستخارة قل فيه: الحمد لله، رضيت بما قسم الله لي.
✿✿✿
معرفة الله حق المعرفة ومعرفة أسماء الله وصفاته فإذا علم الإنسان من هو الله حقا ولماذا يكتب على عباده هذه الابتلاءات لرضي القلب بما أتاه من عند الله، "
ومن كان بالله أعرف كان لله أخوف"
ومن عرف الله وأوى إليه عرف أنه يأوي إلى ركن شديد،
فتعرفي على الله حق المعرفة من هو ربك ما هي أسمائه ومعانيها وصفاته عز وجل تأملي في أفعاله وفي ملكوته و تدبري في آياته .
فإذا آمن العبد بأسماء الله الحسنى وتعلمها ودرس عظيم معانيها عرف أن له رب رحيم لا يقدر له إلا الخير في جميع الأمور رضي بما يأتيه من عند الله.
وعلى سبيل المثال اسم الله ( الحكيم)
يقول الله عز وجل ( وَاصْبِر لحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُوم).سورة الطور 48.
ففي الآية السابقة أمر الله سبحانه بالصبر لحكمه فهو حكم الحكيم الذي يعلم وحكم الرحيم الذي يرحم وحكم اللطيف الذي يلطف بعباده وحكم الخبير الذي يعلم بمصالحهم ..
فقد يرى الإنسان أحيانا مالا يرضيه إذ يسوق الله له أمر لايسره ولا يعجبه فإما أن يسخط الإنسان على حكم ربه وفي هذا الجهل المطبق وإما أن يرضى عن ربه عز وجل فهو الصادق المحب الراضي عن الله.
ولا بد أن يعلم الإنسان أنه ما من شيء يقع في الكون إلا بإرادة الله وحكمته المطلقة التي تتعلق بالخير المطلق،
والله لو أنا فهمنا هذه الأسماء واستوعبناها وعقلناها وعشنا معانيها لتلاشت كل الأحزان في حياتنا
قد تراود الإنسان أسئلة في مخيلته : لماذا فلان عقيم؟ فنجيبه:لحكمة بالغة, لماذا فلان مات في سن مبكرة؟ لحكمة بالغة, لماذا فلان عاش عمرا مديداً؟ لحكمة بالغة، ولماذا فلان كان فقيرا ؟ لحكمة بالغة، ولماذا فلان لا يتحدث؟ لحكمة بالغة، وهكذا فكل ما يحدث من خير أو شر في ظاهره فهو لحكمة بالغة.
فالحكيم هو الذي يتنزه عن فعل مالا ينبغي وهو الذي يضع الشيء المناسب بالقدر المناسب في الوقت المناسب والمكان المناسب إذ لا يحق لنا أن ننطق بكلمة ولا حرف زيادة عما يجب طالما أن الذي قدر هذا هو حكيم .
✿✿✿
يقول الله عز وجل (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ في الأَرْضِ وَلا في أَنفُسِكُم إِلا في كِتَابٍ مِن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِير. لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُم وَلَا تَفْرحُوا بمَا آتَاكُم).سورة الحديد/22-23.
فإذا أصابتكم مصيبة فلا تحزنوا لمجيئها فحكمة الله اقتضت أن يرسل عليكم هذه المصيبة وهو خبير بسرك وجهرك وسريرتك وعلانيتك وبواعثك وخواطرك والمؤدى الذي تبتغيه من عملك فهذا يجعلك تستقيم على طاعته وترضى بقضائه وقدره دون اعتراض وهذا الإيمان الذي ينفي عن الإنسان كل الأمراض النفسية
✿✿✿
وإذا تأملنا في اسم آخر من أسماء الله الحسنى (الضار النافع) سنجد أن جميع المصائب تأتي من رحمة الله بعباده سبحانه فلا يضر إلا لينفع، "فقد يبدو للإنسان أحياناً أن الضر يؤلمه ,هو كالدواء تماما طعمه مر وعاقبته محمودة ، والله جل جلاله هو الضار ولكن يعلم أنه أيضاً هو النافع فما ضر إلا لينفع سبحانه لذلك المؤمن مستسلم وصابر لحكم الله وحينما يصبر المؤمن لحكم الله عز وجل يتجلى على قلبه السكينة ،
فالله سبحانه وتعالى يُفقِر وقد يكون الإفقار هو عين العطاء والله سبحانه وتعالى يُمرِض وقد يكون في هذا المرض شفاء من أمراض أخرى ، والله سبحانه وتعالى يحيي ويميت ويقدر الأقدار بحكمة بالغة".
✿✿✿
وإذا تأملنا قول الله عز وجل ((وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌ دَعَوا رَبَّهُم مُنِيبِينَ إِلَيْهِ)) نجد أن الآية تؤكد أن الله هو النافع والضار وأن الله يضر لينفع وأن الله سبحانه وتعالى غني عن تعذيب عباده إلا أنه يسوق لهم من الشدائد ما يحملهم على التوبة والرجوع إليه سبحانه.
وهكذا لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه ،
✿✿✿
والمؤمن الصادق يعتقد اعتقادا راسخا أن كل شِدة ورائها شَدة إلى الله ، وكل محنة وراءها منحة من الله وأن كل شيء وقع أراده الله وأن كل ما أراده الله وقع وأن إرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة وأن حكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق".النابلسي
✿✿✿
(وكونوا مع الصادقين)
✿خطوة تربوية أخرى للقلب ليحقق رضا الله عز وجل وهي الصدق مع الله ، قال تعالى: ( لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) الفتح/18 .
وقوله : ( فعلم ما في قلوبهم) أي : من الصدق والوفاء ، والسمع والطاعة، فكان جزائهم أن أنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً . هذه هي القلوب الصادقة مع الله تثبت على هذا الصدق في جميع أحوالها .
وذكر سبحانه عن عباده المؤمنين (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً) الأحزاب /23.
وصف الله المؤمنين بأنهم استمروا على العهد والميثاق و (صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر) أي أجله ( وما بدلوا تبديلاً) أي : وما غيروا عهدهم ، وبدلوا الوفاء بالغدر ،
بل استمروا على ما عاهدوا الله عليه ، وما نقضوه كفعل المنافقين وكانوا صادقين مع الله فقلوبهم في الرخاء كقلوبهم في الشدة.
✿✿✿
واها لريح الجنة أجده دون أحد ، قال : فقاتلهم حتى قتل قال : فوجد في جسده بضع وثمانون من ضربة وطعنة ورمية ،
فقالت أخته - عمتي الربيع ابنة النضر - : فما عرفت أخي إلا ببنانه . قال : فنزلت هذه الآية : ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً) .
كان راضيا عن الله فصدق مع الله ونال جزاء صدقه مع الله .
✿✿✿
كيف نكون عباداً صادقين مع الله؟
أن تكون في حال الشدة أنت انت في حال الرخاء وأن تكون راضيا عن الله في كل حال تصيبك.
وقلبك واحد لا يتقلب مع تقلبات الأحوال في الدنيا.
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) التوبة /119.
بالصدق يتميز أهل الإيمان من أهل النفاق.
✿✿✿
والصدق مع الله : أن يكون العبد صادقا في إيمانه و صادقا في حبه لله ورسوله. ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر ذنوبكم) آل عمران /31.
متى يظهر الصدق مع الله حقاً؟
يظهر في حال الابتلاء خاصة إذا أصاب الإنسان ما يكرهه.
والصادق مع الله ثابت على هذا الصدق سواء في أول حياته أو وسطها أو آخرها.(وما بدلوا تبديلاً)
وإذا صدق القلب سيصدق اللسان وستصدق الجوارح .فحينما تأتي على الإنسان مصائب وبلايا يبقى صادقا في إيمانه وثباته على الطاعة لا يقلل من طاعته ولا يتركها لأجل حزنه أو بلائه.
بل الصادق يزيد في الطاعة ليثبت صدقه مع الله.
وهذا ما يجعلك راضيا عن الله عز وجل فتكون صادقا معه في حال الرخاء وحال الشدة.
✿✿✿
((وَصَايَا))
كونوا مؤمنين حقاً فالإيمان الصادق له أثر عجيب في التعامل مع أحوال الدنيا فتأتيه المصائب كأنها هدايا ويفرح بها كما يفرح العامة بالنعمة والعافية.
✿✿✿
إن للإيمان طعم فتذوقوه بحلاوة الرضا والصبر ، " ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ رسولاً". يقول الوليد بن عبادة بن الصامت :
دخلت على أبي عبادة وهو مريض أتخايل فيه الموت فقلت يا أبتاه أوصني واجتهد لي فقال : يابني إنك لن تطعم طعم الإيمان ولن تبلغ حقيقة العلم بالله تبارك وتعالى حتى تؤمن بالقدر خيره وشره يا بني إن مت ولست على ذلك دخلت النار".
✿✿✿
يقول عامل ابن عبد قيس :. ما أبالي ما فاتني من الدنيا بعد آيات في كتاب الله ..( ومامن دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعهاكل في كتاب مبين)
( وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير)
✿✿✿
الإكثار من الدعاء وسؤال الله عز وجل الرضا ،
وإذا تأمل الإنسان في حياته سيجد أنه كل صباح يردد في الأذكار :
رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا.
✿✿✿
تذكري أنه ما نزل بلاء إلا نزل معه رحمة وأن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم وأن المرء يبتلى على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد في البلاء.
✿✿✿
إن الابتلاء يظهر الإنسان على حقيقته فكن صادقا مع الله دوما (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ)
(وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ)
✿✿✿
تذكري أن الله يحب أن يرى عبده في السراء والضراء والنعمة والبلاء راضيا محتسباً شاكراً محسن الظن بربه عز وجل.
✿✿✿
تذكري أن كل الناس يعطون أجرهم بمقدار إلا الصابر فإنه يغرف لهم غرفاً ( إنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيرِ حِسَاب) .
✿✿✿
أن تعلمي أن المصيبة لم تأتي لتهلك صاحبها ولا لتقتله وإنما جاءت لتمتحن صبره وثباته عند الله تعالى ورضاه بقضاء الله فتبلغ النفس المقام العلى والأسمى وتجعله من أولياء الله .
✿✿✿
اعلمي أن كل ابتلاء ورائه حكمة وتأملي ما يقول الشيخ ابن باز رحمه الله :
الله عز وجل يبتلي عباده بالسراء والضراء وبالشدة والرخاء ، وقد يبتليهم بها لرفع درجاتهم وإعلاء ذكرهم ومضاعفة حسناتهم كما يفعل بالأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام والصلحاء من عباد الله ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل ) – رواه الترمذي (2398)-
فإذا ابتلي أحد من عباد الله الصالحين بشيء من الأمراض أو نحوها فإن هذا يكون من جنس ابتلاء الأنبياء والرسل ، رفعا في الدرجات ، وتعظيما للأجور ، وليكون قدوة لغيره في الصبر والاحتساب " انتهى من " مجموع فتاوى ابن باز "
✿✿✿
الإكثار من دعاء الهم والحزن والكرب فالهم والحزن من أشد ما يجد الإنسان على قلبه وهي أصل الانتكاسات والتكاسل عن الطاعات وتثبيط العزيمة خاصة لأصحاب الإيمان الضعيف وقد يفوق هذا الهم المصيبة نفسها فأكثري دائما من هذا الدعاء خاصة أوقات الحزن )
الْلَّهُم إِنِّي أَعُوْذ بِك مِن الْهَم و الْحَزَن , و أَعُوْذ بِك مِن الْعَجْز و الْكَسَل , و أَعُوْذ بِك مِن الْجُبْن و الْبُخْل , و أَعُوْذ بِك مِن غَلَبَة الدَّيْن و قَهْر الْرِّجَال).
✿✿✿
البلاء حينما نزل أنه نزل في نعمة أنعم الله بها عليك سابقاً فحرمك منها الآن وقد كان واجب شكر هذه النعمة في وقتها باستخدامها في طاعته والثناء على الله وشكره عليها دوماً وأنك لم تشعري بهذه النعمة إلا حين فقدتها فاصبري وقولي الحمد لله والشكر لله الذي أعطاك هذه النعمة لسنوات تستمتعي بها .
✿✿✿
كلما اقترب المسلم لربه كان من أكثر الناس تعرضاً لرحمات الله ومن رحمته سبحانه البلاء.
✿✿✿
من عوامل الثبات على البلاء كثرة ذكر الله فاذكر الله في حال الرخاء يذكرك في حال الشدة.
✿✿✿
أكثري من قراءة القرآن الكريم فالقرآن هو مصدر تثبيت
قلوب المؤمنين.
✿✿✿
تذكري ( أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى) وقوله ( ليبلوكم أيكم أحسن عملاً) وقوله ( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) .
✿✿✿
مهما طالت مدة البلاء فاعلمي أن من ورائها حكمة ورحمة و محروم محروم محروم من يبتليه الله ولا يسمع صوته .
✿✿✿
أكثري من الصلاة والتقرب لله وقت البلاء ( واستعينوا بالصبر والصلاة) .
✿✿✿
ومن ضاق صدره فليقرأ الحمد وكيف لا ينشرح صدره وقد أعلن أنه الحمد لله رب العالمين.
✿✿✿
لا يرى الناس منك الجزع بالعبوس وعدم الابتسام بل أعلن للجميع أن القلب ممتلئ بالرضا وهنيئا لعبد يستقبل الأحزان كما يستقبل الأفراح.
ختاماً
المصائب ضيف يأتيك فاستقبله بالبشاشة وإن كان ثقيلا فلا تعترض فإنما يحمل في طياته جوهر العطايا
" اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ ، وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَلَذَّةَ النَّظَرِ فِي وَجْهِكَ ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ مِنْ غَيْرِ ضَرَّاءٍ مُضِرَّةٍ وَلا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ "
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين