30-11-2013, 01:16 AM
|
|
حياة أميرة عثمانية في المنفى : كينيزي مراد"4" في هذه الحلقة نواصل متابعة الاحتفال بالـ(بيرم) – عيد الأضحى - ،فبعد انبهار (سلمى) بزينة القصر، نجد السلطانة خديجة وسلمى .. (وبعد مجموعة الخصيان التي استقبلتهما،ها نحن الآن أمام مجموعة من الفتيات،كلهن رائعات – ذلك أن البشاعة شيء محرّم في القصر – يحطن بهما لمساعدتهما على التخلص من حجبهما،على حين أن (القهوجية)،التي ترتدي بنطالا واسعا وقميصا صغيرا فضفاضا،مطرزا بالشركسيات،تقدم لهما القهوة معطرة بالهال،لكي يستريحا من عناء الرحلة.(..) وظهرت سيدة المراسم،التي تبدو فخمة في جاكيتتها الطويلة،المطرزة بالذهب،كعلامة على وظائفها العليا. ولقد جاءت لتبحث عن الأميرات،وتقودهن إلى السلطانة الوالدة،أم السلطان.{رشاد - محمود}. إذ أن كل زيارة إلى القصر تبدأ،أو يجب أن تبدأ بهذه السيدة العجوز،التي هي الشخصية الثانية في المملكة {هكذا!-محمود} بعد ابنها. وتجلس السلطانة في جلالها،في بهو مفروش بالحرير البنفسجي،ويتألف أثاثه من مقاعد ثقيلة،من الطراز الفيكتوري. ويدعي العارفون أنها كانت جميلة جدا،ولكنها مع تقدم العمر،والإقامة الطويلة،في جناح الحريم،أصبحت ضخمة. ولم يبق منها إلا عيناها الزرقاوان الرائعتان،اللتان تشهدان على أصلها الشركسي.(..) وتتذكر هذه السيدة العجوز ذلك اليوم،الذي وقعت فيه عين السلطان عليها وأعجبته. وكثيرا ما تشير إلى ذلك في أحاديثها. وأصبحت نتيجة ذلك غوزدي Geuzde،أي تلك التي تلفت نظر السلطان. وحصلت على حق التفرد بغرفة لها على حدة. واشتُري لها فساتين جديدة من الحرير. وكان من حظها أن السلطان لم يتعب منها ولم يزهد بها،وأعاد طلبها مرات كثيرة. وحصلت على لقب "إقبال"أو المحظية،فنقلت عندئذ إلى غرفة أكبر. ووضع في خدمتها ثلاث كالفات{نساء مكلفات بخدمة القصر-محمود} وحان عليها الوقت لكي تحمل وتلد. وكثيرا ما سمعت سلمى حديث سيدات عجائز في القصر،يقصصن كيف أن هذه الشركسية الجميلة،عندما ولد ابنها رشاد،رفع من شأنها وأعطيت لقب "الكادين"الثالثة. ولم يكن يكفي الارتقاء عن مستوى الإماء،أن تكون الفتاة جميلة،بل إنها كانت بحاجة إلى الذكاء والعناد،لكي تحظى بهذه المرتبة المرغوبة والمحسود عليها. ذلك أنه كلما علت الفتاة في مراتب الحريم،ازدادت الخصومات واشتد التنافس،وكبرت الأخطار. وفي هذه القمم،يصبح الصراع عنيفا بلا رحمة. وكان أبناء هاته الكادينات،في الواقع،كلهم أمراء،من الأسرة المالكة. وكان العرف يقضي بأن يتربع أكبرهم سنا على العرش. ولكن خلال القرون الستة التي عاشتها الأسرة العثمانية،كثيرا ما رأى الناس،الأبناء الأوائل يختفون،كضحايا للحوادث،أو مرضى بأمراض غريبة. ولم تترك هذه الكادين لأحد حق رعاية طفلها،لأنها كانت تعرف جيدا نماذج من المرضعات و الخصيان،أُغروا من قبل فتاة منافسة أخرى،وقتلوا الولد بصورة ما. ولقد أقسمت أن يكون ابنها سلطانا،وأنها ستكون السلطانة الوالدة. وكانت حياتها كلها مركزة على هذه الغاية. وكان عليها أن تنتظر عمر الثامنة والسبعين لكي يتحقق لها هذا الأمل. أما الآن فإن الطموح الذي رافقها خلال ستين سنة من الدبلوماسية والمؤامرات،قد فارقها،ولم تعد شيئا آخر غير امرأة عجوز متعبة. وأخذت السلطانة الأم وليدة،بيدها شديدة البياض،تدغدغ بضربات خفيفة خدها،مما يشير إلى الكثير من العطف،كما كالت المديح للسلطانة خديجة على مظهرها الجميل. ثم إنها عبّت نفسا طويلا من نارجيلتها المذهبة،وأغمضت عينيها وانتهت المقابلة. (..) وفجأة علت ضجة : فالسلطان عاد من صلاة السلاملك. وستبدأ مباشرة حفلة تقبيل اليد. (..) أما سلمى المحصورة بين سيدتين ضخمتين جدا،فإنها تجد صعوبة حتى في التنفس،ولكنها تأبى أن تتخلى عن مركزها هذا في الملاحظة،ولو دفعت لها كل أموال الدنيا. ورأت،وهي تنظر من حوالي ثلاثين مترا تحتها،غابة من الطرابيش الأرجوانية،والريدنجوتات السوداء أو الرمادية،التي تزينها ألوان الزي العسكري. ولما كانت قد بهرت بآلاف المصابيح الموجودة في قاعة العرش – وهي أكبر قاعة من نوعها في أوربا كلها – على ما يقال – فإنه كان عليها أن تنتظر مدة طويلة قبل أن يتاح لها التعرف على بعض الوجوه. وكان السلطان يجلس في صدر القاعة،ويبدو كشكل كهنوتي في عرشه الذهبي الواسع،المرصع بالأحجار الكريمة. ويقف على يمينه أمراء الأسرة،باللباس الرسمي الفخم،تبعا للمرتبة والعمر. (..) ويأتي كل واحد من الحضور بدوره،ويتقدم باتجاه العرش،ويركع ثلاث مرات (أو يسجد) على الأرض،ثم ينهض لا ليقبّل يد السلطان،إذ ليس من حق أحد أن يمسها،ولكن ليقبل رمز السلطة،وهو بطرشيل etole من المخمل الأحمر،المزين بأشكال بلاطية من الذهب،يمسك به رئيس المراسم. ثم يأتي كبار الموظفين،الذين يمثلون مختلف الوزارات،بالريدنجوت الأسود،ثم يأتي بعدهم،مبهورين بكل هذا البذخ،وجهاء القوم الذي أريد لهم أن يكافؤوا على ولائهم،الذي بدا بشكل متميز. ولما كان هؤلاء جميعا في أشد حالات التأثر من التشريف الذي يحاطون به،وكذلك من الخوف من سوء رعاية تقاليد المراسم المقدسة،فإنهم يقبلون البطرشيل،ثم يخرجون متراجعين إلى الوراء،متعثرين أحيانا،على مرأى من عيون الحضور الساخرة. ويسود الصمت فجأة. ويحبس كل إنسان أنفاسه،ذلك أن أعلى سلطة دينية في المملكة،أي شيخ الإسلام،الذي يضع عادة ثوبا أبيض طويلا،وعمامة من البروكار،يتقدم تجاه السلطان،الذي بدوره ينهض تكريما له،حتى يستقبله. ويأتي وراءه كبار العلماء،وفقهاء الدين،بثياب خضراء،أو بنفسجية،أو سمراء. ويتبعهم ممثلو المذاهب الدينية في المملكة،مثل بطريرك الروم الأرثوذكس والبطريرك الأرمني،الذين يلبسان لباسا أسود،وكبير أحبار اليهود،الحاخام،الذي يتمتع بوضع خاص،منذ أن جعلت السلطنة من نفسها،في القرن السادس عشر حامية لهذه الطائفة المضطهدة في أوربا. وخلال الحفلة التي دامت زهاء ثلاث ساعات،كانت الأوركسترا الإمبراطورية،ببذلة بيضاء يلبسها كل فرد من أفرادها،وفي صدرها،مقدمة حمراء وذهبية،تعزف "موسيقى"عسكرية عثمانية،وسيمفونيات حماسية لبيتهوفن. وكان يديرها الموسيقي المشهور لانج بك وهو رئيس أوركسترا فرنسي وقع في حب الشرق. وكانت النساء وراء مشربياتهن (أي الحواجز الخشبية المثقوبة ثقوبا كثيرة بصورة فنية)،يضحكن ملء قلوبهن،فيرى بعضهن بعضا رئيس القوى الألمانية،الجنرال فون ساندرس. ذلك الجنرال الذي تجعله يبوسته وتعاظمه شبيها بكاريكاتير للضابط الروسي. وكذلك الماركيز الجذاب بالا فيشيني،سفير النمسا وهنغاريا،الذي كثيرا ما يصادف في إستانبول مساء راكبا حصانه الأشقر. ويقول الناس إنه يعرف كل شيء،فإذا أخبر بشيء بدا مندهشا كأنه لا يعلم شيئا. إنه دبلوماسي كامل. والحقيقة أن هؤلاء السادة الثلاثة الحقيقيين للبلاد،هم الذين يحب النساء أن تراهم : الوزير الأول الكبير المرهف،طلعت باشا،الذي له جسم الثور،والذي تدل يداه الحمراوا اللون على أصله المتواضع،والقصير الشاحب اللون جمال باشا،وزير البحرية الذي يخفي تحت المظاهر الأليفة،قسوة صارمة،على مال يقال. فلقد أرسل عام 1915 إلى سوريا،فقمع الثورة التي التهبت مطالبة بالاستقلال،بعنف لا حد له،لقب من أجله "بجلاد الشام". {جمال باشا الجزار-محمود}. ولكن نجم المجلس كان بالتأكيد الوسيم أنور باشا. وهو رجل لطيف،نحيل،ووزير للحربية،ورئيس الثلاثي المشهور. ويقال أنه قادر على إغراء النساء جميعا. أما شجاعته فلا حد لها. (..) ولكنه في هذه الأشهر الأولى من عام 1918،حيث يتراجع الجيش على كل الجبهات،فقد سمعة الرجل الذي كان يطلق عليه لقب نابوليونيك،وبدأت تذبل يوما بعد يوم. وتطول الألسن لنقد ذاك الذي عبده الناس يوما ما. وتهمسُ إحدى السيدات قائلة : إنه لشيء مخجل أن يقيم هذه الاستقبالات المكلفة في هذه الأيام الشديدة الضيق. وتقول أخرى: إن هذا الابن لموظف صغير،لمسرور من أنه تزوج أميرة،سرورا تجاوز به كل الحدود. وحقا فإنه بطل ثورة تركيا الفتاة،كان قد تزوج السلطانة ناديا،ابنة أخ السلطان رشاد. وهو جد فخور بامرأته،حتى يريد أن يريها للناس جميعا،وهو يستمر في قلب هذه الحرب،بإقامة حفلات يبلغ فيها الإسراف غايته. وعلى حين أن الناس،حتى في القصر الملكي،قد ضيقوا على أنفسهم،فإنك ترى مائدته غنية جدا. ولكن الأسرة قد تسامحه على هذا كله،لو أنه لا يلعب هو نفسه دور الإمبراطور،مصدرا الأوامر باستمرار إلى الملك العجوز،فيذله ويذل الأسرة كلها معه. وتتألم الأميرات فيقلن مستنكرات : - انظروا كم أن جلالته مريض،وحصياته تجعله يتألم ألما لا يطاق. ولكن أنور باشا أرغمه مع ذلك،منذ عدة أشهر،على الذهاب إلى المحطة لاستقبال القيصر غليوم الثاني. والحقيقة أن ما يسوءهن ليس التعب الذي يسببه للباديشاه بالدرجة الأولى،بل الإذلال الذي يذيقه إياه : وأصلا فإنه ما من سلطان تحرك من قصره لاستقبال أحد الناس،ملكا كان أو إمبراطورا. وبصورة خاصة،فإنهن لسن على وشك نسيان شنق الشاب الجميل صالح باشا،زوج منيرة السلطانة،إحدى بنات أخ السلطان الأثيرات عنده. فلقد اتهمه بالتآمر على تركيا الفتاة،وقضى بشنقه. وجاءت السلطانة تقبل رجلي السلطان،وتوسل هذا الأخير إلى أنور باشا لتخفيف هذا الحكم على الدامادا،ولكن عبثا. وكان على السلطان رشاد أن يصادق على الحكم،وقلبه محطم. ويقال إنه أعاد التوقيع ثلاث مرات،بسبب الدموع التي كانت تشوش عليه الرؤية. وهكذا كانت التعليقات والانتقادات تأخذ سبيلها بين الناس،وكانت سلمى تصيخ السمع،بكامل أذنيها لما يقال،عندما انقطعت الموسيقى فجأة. فنهض السلطان،وأنهى الاحتفال. وترك قاعدة العرش ببطء،متبوعا بالأمراء،وحيا الهاتفين التقليديين من العلماء الذين يقولون : "أيها الباديشاه،كن متواضعا،وتذكر أن الله أكبر منك" وكانت النساء يستعجلن باتجاه القاعة الكبرى الزرقاء،حيث سيأتي الشاه ليزورهن. (..) ومن خلال أهداب عينيها،المنخفضتين نصفا،بدأت سلمى تتفحص هذا الرجل العجوز ذا الشعر الأبيض،الذي تشي نظرته الزجاجية،وشفتاه الثخينتان بطيب قلبه. وكان قد أجلس أمه بجانبه وبدا يبتسم بكل هدوء. وتفد بعدئذ السلطانات،اللواتي يسمونهن "السلطانة خانم". وكانت ذيولهن الطويلة تدمدم فوق السجادات الحريرية،وتقف كل منهن أمام السلطان وتحييه ثلاث مرات بانحناءات رشيقة من جسمها،وتنسحب لتجلس على يمين السلطان. ثم تأتي الكادينات والوصيفات اللواتي يجلسن إلى يساره. وأخيرا يأتي دور سيدات القصر والكالفات القديمات،اللواتي بعد أن يحنين الهامة حتى الأرض أمام السلطان،يذهبن فيجلسن في آخر الصالة. ومتى انتهت هذه التحيات،يظهر عبدان يمسكان بين أيديهما،قماشا من المخمل مملوءا بقطع ذهبية سُكت في السنة نفسها. وتأتي الخازنة الكبرى فتغرف ملء يديها من هذه القطع،وتنثرها باتجاه الأوركسترا {في حدود ستين عازفة-محمود} والكالفات الصغيرات اللواتي يجمعنها،وهن يباركن للباديشاه،على كرمه. وعندئذ تبدأ فترة المحادثة. فيرجو الباديشاه قريبتاه،وزوجاته بأن يجلسن. ويبدي قلقه على صحتهن،ويقول لكل منهن كلمة طيبة. (..) وبعد أن يسود الصمت فترة تظن كل سيدة أنها لن تنتهي،يبدأ الملك بالحديث عن حماماته. فهو هاوي لهذه الطيور التي يستوردها من أوربا.(..) ثم يتلكم على وروده الحلوة التي يقطعها،عندما يمضي من حديقة قصر الهامور الصغير،موضحا أنه لا ينبغي أن يقطف منها أكثر من وردة واحدة من كل شجرة،حتى لا يؤذيها. إنه رجل ذو رقة بالغة. ويحكى أن الشيء الوحيد الذي يخرج به عن طروه هو أن يضع أحد السفراء الأجانب،رجلا على رجل،في حضرته. وعندئذ يقول متألما : إن هذا الكافر حشر رجله في أنفي. ولكنه يكظم غيظه بقراءة سورة ما من السور القرآن،لأنه تقي جدا،وهو عضو في جماعة صوفية،ولكنه لا يتحدث عن هذا أبدا.){ص 41 - 48}. بعد ذلك ينصرف السلطان .. فتبدأ الاحتفالات ... والرقص ... ومسابقات الشعر ... و تقدم أصناف الأطعمة .. وأقزام السلطان يدخلون السرور على السيدات المحتفلات ... (وعندما قطعت سلمى البسفور الذي أضاءه القمر،في القايق الذي أعاد أهلها إلى قصر أورطاكوي،كانت تفكر بأن ذلك اليوم كان جميلا،وأن الحياة حلوة. فكيف يمكن أن نصدق طيور النمس،التي تتنبأ بانسحاق إمبراطورية بمثل هذا الغنى وهذه القوة؟.){ص 49}. كذبت طيور "النمس" وإن صدقت ... إلى اللقاء في الحلقة القادمة ...إذا أذن الله |
pdhm Hldvm uelhkdm td hglktn : ;dkd.d lvh]"4" lvh]"4" hglktn pdhm uelhkdm td |