24-11-2013, 03:26 PM
|
|
وأسألك الرضا بعد القضاء بسم الله الرحمن الرحيم
"وأسألك الرضا بعد القضاء"كثيراً ما نسمع هذا الدعاء يتردّد على ألسنة الأئمة في صلوات القيام والتهجّد في رمضان وغيره، وهو دعاءٌ مأثور سمعه عمار بن ياسر رضي الله عنه من فم النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلّمه أصحابه، كما جاء في صحيح ابن حبان وسنن النسائي الكبرى.
ومن الثابت أن "الرضا" بحد ذاته هو عبادة قلبيّة يحبّها الله سبحانه وتعالى ويرضاها، مثلها مثل اليقين والتوكل، والرجاء والخوف، فهي إذن داخلة في منظومة العبادات القلبيّة التي يُؤجر عليها العبد ويُحمد على فعلها، وترتبط بإيمانه زيادةً ونقصاً، ويكفينا للتدليل عليها بقول زكريا عليه السلام: {فهب لي من لدنك وليا *يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيّا} (مريم:5-6)، وقول المؤمن في دعاء الاستخارة الذي علّمنا إيّاه النبي –صلى الله عليه وسلم-: (واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضّني به) رواه البخاري.
هذا إذا كان الحديث عن الرضا على وجه العموم، لكنّنا نريد أن نتبيّن مسألة ارتباط مفهوم "الرضا" بعقيدة الإيمان بالقضاء والقدر، وأن نُدرك طبيعة هذا الارتباط وما هي حدوده والمنهج السليم في تصوّره؟ وهذه المسألة قد عبّر عنها العلماء بعبارة أخرى، وهي: "مسألة التسليم بحكم الله تعالى" واعتبروها مزلّةً للأقدام، ومُضِلّة الأفهام، ضلّ عند تقريرها عددٌ من طوائف المسلمين، فقالوا فيها ما لا ينبغي، وقرّروا عندها ما هو باطلٌ شرعاً، ومنافٍ لما عليه صحيح المُعتقد.
ومما قالته الطوائف المبتدعة في هذه المسألة واستحدثه من ضلال، ما قالته طائفة القدريّة، وهم نُفاة القدر ومُنكروه، ولسنا بصدد توصيف تصوّرهم الكامل في القدر، ولكن سنتكفي بذكر ضلالهم في مسألة التسليم بالحكم الإلهي، فقالوا:
1-"إن الرضا بالقضاء طاعةٌ وقربة"، وهذه المقدّمة صحيحةٌ لا غبار عليها، بل هي من مقتضيات الإيمان بهذا الركن من أركان الإيمان.
2-"والرضا بالمعصية لا يجوز"، وهذه العبارة كذلك صحيحة، فإن المؤمن يكره كلّ ما لا يُحبّه الله ويرضاه من الأفعال والأقول.
لكنّ القدريّة رتّبوا على المقدّمتين السابقتين نتيجةً ضالّة، فقالوا:
3-" إذن، فالمعاصي ليست بقضائه وقدره سبحانه وتعالى"، فلم يجعلوا -وفق قولهم السابق- كل ما يقع في الكون بقضاء الله وقدره، وقد أوغلوا في الضلال حيث رتّبوا على ما سبق أن جعلوا العباد هم الذين يخلقون أفعالهم، لِيكون لازم قولهم إثبات وجود من يخلق غير الله عز وجل، نعوذ بالله من هذا الضلال.
وضلّت طائفةٌ أخرى، وجاءت على الطرف النقيض تماماً من القدريّة، وهم غلاة الجبريّة، الذين يسلبون العباد الحريّة في الاختيار ويجعلونه كالريشة في مهب الريح، وقالوا في ذلك:
1-"الرضا بالقضاء والقدر قُربةٌ وطاعة"، وهذا حقٌّ لا مرية فيه كما ذكرنا من قبل.
2-" وكل ما هو كائنٌ في الكون من أحداثٍ وأفعال هو من تقدير الله تعالى ومن قضائه"، وهذا حقٌّ أيضاً، لكنّهم استخدموا العبارتين السابقتين فاستخرجوا منهما نتيجةً هي في غاية القًبح والضلال، فقالوا:
3-" إذن، فنحن نرضى بالمعاصي صغيرها وكبيرها، ونحن نُحبّها؛ لأنها من تقدير الله"، ولا يخفى ما لهذا القول من تهوينٍ لشأن المعصية، وفتحٍ لباب محبّتها، واستمراء الذنوب والاستخفاف بها، والرضا بمزاولتها.
وسرّ المسألة أن كلا الطائفتين لم تفرق بين أمرين مهمّين، وهما: "القضاء" و"المقضي"، فالقضاء متعلّق بفعل الرّب تبارك وتعالى، فمن هذه الناحية يجب الرضا به كلّه، وأما المقضيّ فهو المتعلّق بالعبد والمنسوب إليه، فمن هذا الوجه ينقسم إلى ما يرضى به، كالواجبات والرضا بالبلايا والكوارث، وإلى ما لا يرضى به، وهي المعاصي بأنواعها.
ويُمثّل لهذه المسألة بقتل النفس حيث إن له اعتبارين، فمن حيث إنه قدره الله وقضاه وكتبه وشاءه، وجعله أجلاً للمقتول، ونهايةً لعمره، يجب الرضا ، ومن حيث إنه صدر من القاتل، وباشره وأقدم عليه باختياره، وعصى الله بفعله، فإن الواجب بغض هذه الفعلة وعدم الرضا بها.
يقول ابن القيم: " هاهنا أمران قضاء وهو فعل قائم بذات الرب تعالى، ومقضي وهو المفعول المنفصل عنه، فالقضاء خير كله، وعدل وحكمة، فيرضى به كله، والمقضي قسمان: منه ما يرضى به، ومنه ما لا يرضى به".
لكن ذلك لا يعني أن يستسلم المرء للقضاء والقدر، ويقوده ذلك إلى الاتكالية والانهزامية وعدم الأخذ بالأسباب، فإذا كان من قدر الله إرسال الكافرين على المسلمين، فإن قتالهم واجبٌ لموافقة مرضاة الله وتحقيق رضوانه، فنحن ندفع القدر بالقدر . |
,HsHg; hgvqh fu] hgrqhx hgrqhx fu] |