{بِالْحَجِّ} والمراد بالحجِّ: القصد إلى بيت الله، وكثرة الاختلاف إليه، والتردُّد عليه،
وصار لفظ الحجِّ علمًا بالغلبة على الحضور إلى المسجد الحرام لأداء المناسك.
“يأتوك” بضمير خطاب إبراهيم؛ دلالة على أنه كان يَحضر موسم الحجِّ في كل عام؛ ليبلِّغ الناس التوحيد وقواعد الحنيفية.
كما أنَّ جملة “يأتوك” جواب للأمر، فدَلَّ على أنَّ الله ضمن له استجابة ندائه.
{رجالاً}: جمع راجل، وهو ضد الراكب.
{وعلى كل ضامر}: الضامر: الخفيف اللحم من السَّيْر والأعمال لا من الهُزال، والضمور
{يَأْتِينَ}، وإنما أسند الإتيان إلى الرواحل دون الناس، فلم يقل: يأتون؛ لأنَّ الرواحل
هي سبب إتيان الناس من بُعدٍ لمن لا يستطيع السفر على رِجْليه، وفيه تشريف لها بأنْ جعلها مشاركة للحجيج في الإتيان إلى البيت.
{مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}، والفجُّ: الشقُّ بين جبلين تسير فيه الركاب، فغلب الفجُّ على الطريق؛ لأن أكثر الطرق المؤدية إلى مكة تُسلك بين الجبال
# لفتة
والمراد: وأعلِمْ - يا إبراهيم - الناسَ بوجوب الحج عليهم، وادْعُهم إلى الحج إلى هذا البيت الذي أمرناك ببنائه، وبلِّغ دانيَهم وقاصيَهم فرضَه وفضيلته،
فإنك إذا دعوتَهم يأتونك على مختلف أحوالهم، حجَّاجًا وعمَّارًا، مشاةً على أرجلهم من الشوق، وركبانًا على كل ضامر من الإبل، تقطع المفاوز، وتواصل السير، حتى تأتي إلى أشرف الأماكن.
# مخرج
عند التأمل في أركان الإسلام: الشهادتان (لا إله إلا الله، محمد رسول الله)، ثم الصلاة، ثم الزكاة، ثم الصوم، ثم الحج - سيجد العبد أن الحج هو الركن الوحيد الذي يجتهد المسلم في أدائه
وإنْ لم يكُن مستطيعًا له، فتراه يوفِّر ويقتصد حتى من قُوتِه، وربما حرمَ نفسه لِيُؤدِّي فريضة الحج، ولا يحدث هذا ولا يتكلَّفه الإنسان إلا في هذه الفريضة، لماذا؟
قالوا: لأن الله - تعالى - أَمَرَ بهذه الفريضة، وحكم فيها بقوله: {يَأْتُوكَ}، وهكذا تحِنُّ القلوب إلى بيت الله، وتتحرَّق شَوْقًا إليه، وكأن شيئًا يجذبها لأداء هذه الفريضة،
وكأن قوة خارجة عن الناس تجذبهم إلى بيت الله الحرام، {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [إبراهيم: 37]، تهوي وتأتي دون اختيار، من الهُويِّ؛ أي: السقوط، وهو أمرٌ لا يملكه إنسان.
# همسة
الحج رحلة أُنس للقلوب التي أقفرتها صروف الدهر من مغاني الفرح..
فلتجعل روحك فيها محلقة في آفاق التعبد لله..