امتدح الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلمعلى أخلاقه كلها ، ومنها خلق الحلم ، تلك الصفة التي تحلى بها نبينا عليه السلام لتكون شامة في أخلاقه، فلقد نال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - الشتائم والسِبابَ من كافة طبقات المجتمع، فقد هجاه الشعراء، وسخر منه سادة قريش ، ونال منه السفهاء بالضرب بالحجارة، وقالوا عنه ساحر ومجنون وغير ذلك من صور الأذى التي كانيتلاقها رسول الله بسعة صدر وعفو وحلم وتسامح ودعاء لمن آذاه بالمغفرة والرحمة،ولقد صدق الله إذ يقول: { وإنك لعلى خلق عظيم } (القلم:4) وقال تعالى: { فبما رحمةمن اللَّه لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك } (آلعمران:159). وإن استقراء صورالعفو والحلم في سيرته صلى الله عليه وسلم أمر يطول فاكتفي بذكر هذه الرواية
بينما كان الرسول عليه الصلاة والسلام جالسا بيت أصحابه ..
إذ برجل من أحبار اليهود يسمى زيد بن سعنه وهو من علماء اليهود
دخل على الرسول عليه الصلاة والسلام .. واخترق صفوف أصحابه .
حتى أتى النبي عليه السلام وجذبه من مجامع ثوبه وشده شدا عنيفا .
وقال له بغلظة : أوفي ماعليك من الدين يامحمد .. إنكم بني هاشم قوم تماطلون في أداء الديون .
وكان الرسول عليه السلام .. قد استدان من هذا اليهودي بعض الدراهم ..
ولكن لم يحن موعد أداء الدين بعد ..
فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه .. وهز سيفه وقال ائذن لي بضرب عنقه يارسول الله
فقال الرسول عليه الصلاة والسلام لعمر بن الخطاب رضي الله عنه
مره بحسن الطلب ومرني بحسن الأداء
فقال اليهودي :ـ والذي بعثك بالحق يامحمد ماجئت لأطلب منك دينا إنما جئت لأختبر
أخلاقك ..فأنا أعلم أن موعد الدين لم يحن بعد ولكني قرأت جميع أوصافك في التوراة فرأيتها
كلها متحققة فيك إلا صفة واحدة لم أجربها معك ..
وهي أنك حليم عند الغضب .. وأن شدة الجهالة لاتزيدك إلا حلما .. ولقد رأيتها اليوم فيك ..
فأشهد أن لاإله إلا الله .. وأنك محمد رسول الله
وأما الدين الذي عندك فقد جعلته صدقة على فقراء المسلمين .
وقد حسن إسلام هذا اليهودي وأستشهد في غزوة تبوك .
فالحلم صفة يحبها الله -عز وجل-، قال - صلى الله عليه وسلم - لأحد الصحابة: ( إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله : الحلم والأناة ) متفق عليه .
كما ان الحلم وسيلة للفوز برضا الله وجنته، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: (من كظم غيظا وهو قادر على ان يُنْفِذَهْ، دعاه الله -عز وجل- على رؤوس الخلائق يوم القيامة، يخيره من الحور العين ما شاء رواه أبو داود والترمذي.
والحلم دليل على قوة ارادة صاحبه، وتحكمه في انفعالاته، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: (ليس الشديد بالصُّرْعَة (مغالبة الناس وضربهم)، انما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) رواه مسلم.
وهو وسيلة لكسب الخصوم والتغلب على شياطينهم وتحويلهم الى أصدقاء، قال تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} فصلت: 34. وقد قيل: اذا سكتَّ عن الجاهل فقد أوسعتَه جوابا، وأوجعتَه عقابا. وهو ايضا وسيلة لنيل محبة الناس واحترامهم، فقد قيل: أول ما يُعوَّض الحليم عن حلمه ان الناس أنصاره.
كما يُجنِّب صاحبه الوقوع في الأخطاء، ولا يعطي الفرصة للشيطان لكي يسيطر عليه. فان الحلم اشرف الكمالات النفسانية بعد العلم، بل لا ينفع العلم بدونه اصلا، و لذا كلما يمدح العلم او يسال عنه يقارن به، قال رسول الله -صلى الله عليه و آله و سلم-: «اللهم اغننى بالعلم و زيني بالحلم» . و قال (صلى الله عليه و آله و سلم ) خمس من سنن المرسلين.. و عد منها الحلم و قال-صلى الله عليه و آله و سلم: «ان الرجل المسلم ليدرك بالحلم درجة الصائم القائم» . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «ان الله يحب الحي الحليم، و يبغض الفاحش البذى
فمن لم يكن حليما بالطبع لا بد له من السعى في كظم الغيظ عند هيجانه، حتى تحصل له صفة الحلم. و قد مدح الله سبحانه كاظمي الغيظ في محكم كتابه، و تواترت الاخبار على شرافته و عظم اجره، قال رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-: «من كظم غيظا و لو شاء ان يمضيه امضاه، ملا الله قلبه يوم القيامة رضا )
إن كمال العلم في الحلم ، ولين الكلام مفتاح القلوب يستطيع المسلم من خلاله أن يعالج أمراض النفوس وهو هادي النفس مطمئن القلب ، لا يستفزه الغضب ، ولا يستثيره الحمق ، فلو كان الداعي سيء الخلق ، ، جافي النفس ، قاسي القلب ، لانفض من حوله الناس ، وانصرفوا عنه فحرموا الهداية بأنوار دينهم ، فعاشوا ضُلَّالا وماتوا جّهالا وذلك هو الشقاء وهو سببه وعلته .
وتتفاوت درجات الناس في الثبات أمام المثيرات ، فمنهم من تستخفه التوافه ، فيستحمق على عجل ، ومنهم من تستفزه الشدائد فيبقى على وقعها الأليم ، محتفظا برجاحة فكره ،وسجاحة خُلُقه وأما الرجل الحليم حقا ، هو من إذا حلّق في آفاق دنيا الناس اتسع صدره وامتد حلمه ، وعذر الناس والتمس المبررات لأغلاطهم ، فإذا ما عدا غرٌّ يريد تجريحه ، نظر إليه من علوّ وفعل ما كان قال الأحنف بن قيس رحمه الله: ما آذاني أحد إلا أخذت في أمره بإحدى ثلاث : إن كان فوقي عرفت له فضله ، وإن كان مثلي تفضلت عليه ، وإن كان دوني أكرمت نفسي عنه ،انتهى كلامه رحمه الله وهو المشهور بالحلم وبذلك ساد عشيرته .
ونقيض الحلم الغضب ويعني انفاذ الغيظ وعدم السيطرة على النفس، وهو خلق ذميم، فقد جاء رجل الى النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال له: أوصني. فقال الله صلى الله عليه وسلم: (لا تغضب). فأعاد الرجل السؤال وردده مرارا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم- : (لا تغضب) رواه البخاري.
والحلم علاج الغضب ولكي يتعلم الانسان الحلم ويتفادى الغضب وما يوقع فيه فعليه ان أحس بالغضب ان يسكت؟، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (اذا غضب أحدكم فليسكت) رواه أحمد. ويلتزم الجلوس على الأرض، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (ألا وان الغضب جمرة (أي: مثل النار الملتهبة) في قلب ابن آدم. أما رأيتم الى حُمْرَة عينيه وانتفاخ أوداجه (ما أحاط بالحلق من العروق)؟! فمن أحس بشيء من ذلك فليلصق بالأرض) رواه الترمذي وأحمد.
كما يوصينا الحبيب بتغيير الوضع الذي نحن عليه، قال الله - صلى الله عليه وسلم-: (اذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فان ذهب عنه الغضب والا فليضطجع (ينام على جنبه أو يتكئ) رواه أبوداود وأحمد.
وللاسف الشديد وجوده هذه الايام في مجتمعنا قليل جدا فغالبية الناس في المجتمع الاسلامي سريعو الغضب ولا يسيطرون على غضبهم
واذكر هذه القصة التي تبين لنا السلبيات التي تحدث بسسب كثرة الغضب
بينما كان الأب يقوم بتلميع سيارته الجديدة
إذا بالابن ذو الأربع سنوات يلتقط حجراً ويقوم بعمل خدوش على جانب السيارة
وفي قمة غضبه، إذا بالأب يأخذ بيد ابنه ويضربه عليها عدة مرات
بدون أن يشعر أنه كان يستخدم 'مفتاح انجليزي' مفك يستخدمه عادة السباكين في فك وربط المواسير
في المستشفى، كان الابن يسأل الأب متى سوف تنموا أصابعي؟
وكان الأب في غاية الألم
عاد الأب إلى السيارة وبدأ يركلها عدة مرات
وعند جلوسه على الأرض، نظر إلى الخدوش التي أحدثها الأبن فوجده قد كتب أنا أحبك يا أبي '
فيجب علينا نحن المسلمين ان نقتدي بنبينا محمد ( عليه الصلاة والسلام ) بان نتحلى بالحلم فانه هو السبيل الوحيد لحل اكبر المشاكل وخاصة المشاكل الاسرية