#1
| |||||||||||||
| |||||||||||||
قصة أم سلمة اسمها هند بنت أبي أمية سيد من سادات مخزوم المرموقين وجودًا؛ يقال له: زاد الراكب؛ لأنه إذا سافر لا يترك أحدًا يرافقه ومعه زاد، بل يقوم برفقته من الزاد، وزوج أم سلمة عبد الله بن عبد الأسد أحد العشرة السابقين إلى الإسلام، لم يسلم قبله إلا أبو بكر ونفر قليل، أسلمت أم سلمة مع زوجها، فكانت هي الأخرى من السابقات إلى الإسلام، ولما شاع خبر إسلامها، هاجت قريش وجعلت تصب عليهما الأذى الشديد، فلم يؤثر بهما ولم يُزلزلهما، ولم يتردَّدا. ولَما اشتد عليهما الأذى وأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة، كانا في طليعة المهاجرين، ومضت أم سلمة وزوجها إلى ديار الغربة، وخلَّفت وراءها في مكة بيتها الفسيح العالي، وعزها الشامخ، وأقرباءها ومالها، محتسبةً الأجر من العلي العظيم، مُحتقرة ما تركت في جانب مرضاة الله. وبالرغم مما حصل لأم سلمة ومن هاجر معها من الحفاوة والإكرام والتقدير، فقد كان الشوق يَحدوها إلى مَهبط الوحي وإلى النبي الكريم. ثم تتابَعت الأخبار على المهاجرين إلى أرض الحبشة بأن المسلمين في مكة قد كثُروا وتَقَوَّوا وعزُّوا، وأن إسلام حمزة وعمر بن الخطاب قد شد أزرهم، وكفَّ شيئًا من أذى قريش عن المسلمين. فعزم فريق من المهاجرين على العودة إلى مكة يحدوهم الشوق ويدعوهم الحنين، فكانت أم سلمة وزوجها مع العازمين على العودة، لكن سرعان ما تبين للعائدين أن ما نُقل لهم من الأخبار أنه كان مبالغًا فيه، وأن المشركين قد قابلوا زيادةً القوة والعزة بالتهور والتفنن في التعذيب، وترويعهم وإزعاجهم وأذاقوهم العذاب الأليم عند ذلك أذِن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه بالهجرة إلى المدينة، فعزمت أم سلمة وزوجها على الهجرة إلى المدينة، لكن هجرتهما لم تكن كما ظنَّا أنها سهلة، بل كانت صعبةً عسرةً خلفت وراءها مأساةً تهون دونها كلُّ مأساة. قالت أم سلمة: ولَما عزم أبو سلمة على الخروج إلى المدينة أعدَّ لي بعيرًا، ثم حملني عليه وجعل طفلنا سلمة في حجري، ومضى يقود بنا البعير، وهو لا يلوي على شيء، وقبل أن نفصل عن مكة رآنا رجال من قومي من بني مخزوم، فتصدوا لنا، وقالوا لأبي سلمة: إن كنت قد غلبتنا على نفسك فما بال امرأتك وهي بنتنا، فعلام نتركك تأخذها منا وتسير بها، ثم وثبوا عليه وانتزعوني، وما إن رآهم قوم زوجي بنو عبد الأسد يأخذونني أنا وطفلي حتى غضبوا غضبًا شديدًا، وقالوا: لا والله لا نترك الولد عند صاحبتكم بعد أن انتزعتموها من صاحبنا انتزعًا، فهو ابننا ونحن أولى به، قالت: ثم طفقوا يتجاذبون الطفل بينهم حتى ضروا يده وأخذوه، وبعد لحظات وجدت نفسي ممزقة الشمل وحيدةً فريدةً، فزوجي اتجه إلى المدينة فرارًا بدينه ونفسه، وولدي اختطفه بنو عبد الأسد من بين يدي خطفًا محطمًا مهيضًا. أما أنا فقد استولى علي بنو مخزوم قومي، وجعلوني عندهم، ففُرِّق بيني وبين ابني في ساعة، قالت: ومن ذلك جعلت أخرج كل غداة إلى الأبطح، فأجلس في المكان الذي شهد مأساتي، واستعيد فيها صورة اللحظات التي حيل بيني وبين زوجي وولدي فيها، وأظل أبكي حتى يخيم علي الليل، وبقيت على ذلك قريبًا من سنة، قالت: إلى أن مر بي رجل من بني عمي فرقَّ لحالي ورحمني، قال لبني قومي: ألا تطلقون هذه المسكينة، فرَّقتم بينها وبين زوجها وولدها، وما زال بهم حتى قالوا لي: الحقي بزوجك إن شئت، قالت أم سلمة: ولكن كيف لي أن ألحق بزوجي في المدينة، وأترك فلذة كبدي ولدي في مكة عند بني عبد الأسد، قالت: ورأى بعض الناس ما أعالج من أحزان وأشجان، فرقَّت قلوبهم لحالي وكلموا بني عبد الأسد في شأني واستعطفوهم عليَّ، فردوا لي ولدي سلمة، قالت أم سلمة: فأعددت بعيري ووضعت ولدي في حجري، وخرجت متوجهةً إلى المدينة أريد زوجي، وما معي أحد من خلق الله. قالت: وما وصلت التنعيم حتى لقيت عثمان بن طلحة، فقال: إلى أين يا بنت زاد الراكب؟ فقلت: أريد زوجي في المدينة، قال: أما معك أحد؟ قلت: لا والله إلا الله، ثم ابني هذا، قال عثمان: والله لا أتركك أبدًا حتى تبلغي المدينة، قالت أم سلمة: ثم أخذ بخطام بعيري وانطلق يهوي بي قالت: فوالله ما رأيت أكرم منه ولا أشرف، وسار معي حتى بلغنا المدينة، فلما نظر إلى القرية بقباء لبني عمرو بن عوف، قال: زوجك في هذه القرية، فادخليها على بركة الله، ثم انصرف راجعًا إلى مكة، ونزلت على زوجها وقرَّت عينها به وبولدها، ثم بعد ذلك شهد أبو سلمة بدرًا وعاد مع المسلمين، وقد انتصروا نصرًا مؤزرًا، وشهد أحدًا وأبلى بلاءً حسنًا، لكنه خرج منها وقد جرح جرحًا بليغًا، فما زال يعالجه حتى توارى له أنه قد اندمل والتأم. لكن الجرح كان بناؤه على فساد، فما لبث أن نفر ولزِم أبا سلمة الفراش، وبينما أبو سلمة يعالج جرحه قال لزوجته: يا أم سلمة سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يصيب أحدًا مصيبةً فيسترجع عند ذلك ويقول: «اللهم عندك احتسب مصيبتي هذه، اللهم اخلفني خيرًا منها إلا أعطاه الله عز وجل». وظل أبو سلمة على فراش مرضه أيامًا، وفي ذات صباح أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بيته ليعوده، فلم يكد يجاوز باب الدار حتى فارق أبو سلمة الحياة، فأغمَض النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا سلمة وقال: إن الروح إذا قبضت أتْبعها البصر ورفع - صلى الله عليه وسلم - طرفه إلى السماء، وقال: «اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهدين، واخلُفه في عقبِه، وافسح له قبره ونوِّر له فيه»، ثم ما كادت تخرج من حداد حتى تتابع عليها الخطاب، فتقدم أبو بكر إليها يخطبها، فأبت أن تستجيب له، ثم تقدم عمر بن الخطاب فردته كما ردت صاحبه. ثم تقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت له: يا رسول الله، إن فيَّ خلالًا ثلاثًا فأنا امرأة شديدة الغيرة، فأخاف أن ترى شيئًا مني يغضبك فيعذبني الله، وأنا امرأة قد دخلت في السن، وأنا امرأة ذات عيال، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «أما ما ذكرت من غيرتك، فإني أدعو الله عز وجل أن يُذهبها عنك، وأما ما ذكرت في السن، فقد أصابني مثل الذي أصابك، وأما ما ذكرت من العيال، فإنما عيالك عيالي». ثم تزوَّجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستجاب الله دعاءها، وأخلَفها خيرًا من أبي سلمة. ومنذ ذلك اليوم لم تكن أم سلمة فقط، بل كانت أمًّا للمؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وجعل جنة الفردوس مثوانا ومثواها؛ ا. هـ. اللهم انظِمنا في سلك الفائزين برضوانك، واجعلنا من المتقين الذين أعددتَ لهم فسيحَ جناتك، وأدخِلنا برحمتك في دار أمانك، وعافِنا يا مولانا في الدنيا والآخرة من جميع البلايا، وأجزِل لنا من مواهب فضلك وهباتك، ومتِّعنا بالنظر إلى وجهك الكريم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الشيخ عبدالعزيز السلمان المصدر: منتدى همسات الغلا rwm Hl sglm lN sHgj rwm |
12-01-2025, 01:40 PM | #6 | |||||
|
| |||||
|
الكلمات الدلالية (Tags) |
مآ , سألت , قصة |
| |