ننتظر تسجيلك هنا


الإهداءات


العودة   منتدى همسات الغلا > ¨°o.O (المنتديات الاسلاميه) O.o°¨ > (سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وقصص الانبياء والصحابه )


إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 08-01-2025, 09:41 AM
سمو المشاعر متواجد حالياً
Saudi Arabia     Male
SMS ~
الاوسمة
التواجد والنشاط 
لوني المفضل Darkorange
 رقم العضوية : 9993
 تاريخ التسجيل : 21 - 8 - 2023
 فترة الأقامة : 508 يوم
 أخر زيارة : يوم أمس (09:23 AM)
 المشاركات : 36,293 [ + ]
 التقييم : 71916603
 معدل التقييم : سمو المشاعر يستحق التميز سمو المشاعر يستحق التميز سمو المشاعر يستحق التميز سمو المشاعر يستحق التميز سمو المشاعر يستحق التميز سمو المشاعر يستحق التميز سمو المشاعر يستحق التميز سمو المشاعر يستحق التميز سمو المشاعر يستحق التميز سمو المشاعر يستحق التميز سمو المشاعر يستحق التميز
بيانات اضافيه [ + ]
Icon30 قصة غزوة أحد والمسائل المستنبطة منها




وقعت غزوةُ أُحُدٍ في السنة الثالثة من الهجرة، وقد استُشهد في هذه الغزوة سبعون شهيدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصورة الكاملة لقصة غزوة أحد لم تأتِ كلُّها في حديث واحد، بل جاءت بمجملها بحديثٍ، ثم جاءتنا تفاصيلُ قصة هذه الغزوة وأحداثها بأحاديثَ أخرى، فالقصة بمجملها يرويها الصحابيُّ البراء بن عازب رضي الله عنه، فهو يقول:
- لقِينا المشركين يومئذٍ، وأجلس النبي صلى الله عليه وسلم جيشًا من الرماة، وأمَّر عليهم عبدالله[1]، وقال صلى الله عليه وسلم:
-((لا تبرحوا؛ إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تُعينونا)).
- فلما لقينا هربوا، حتى رأيت النساء يشتدَّدن في الجبل رفَعْنَ عن سُوقِهن، قد بَدَت خلاخِلُهن، فأخذوا يقولون؛ أي: الرماة:
- الغنيمةَ الغنيمةَ، فقال عبدالله:
- عهِد إليَّ النبي صلى الله عليه وسلم ألَّا تبرحوا.
فأبَوا - الرماة - فلما أبوا صرف وجوههم، فأُصيب سبعون قتيلًا.
وأشرف أبو سفيان، فقال:
- أفي القوم محمدٌ؟ فقال صلى الله عليه وسلم:
-((لا تجيبوه))، فقال:
- أفي القوم ابن أبي قحافة؟ قال صلى الله عليه وسلم:
-((لا تجيبوه))، فقال:
- أفي القوم ابنُ الخطَّاب؟ فقال أبو سفيان:
- إن هؤلاء قُتِلوا، فلو كانوا أحياءً لأجابوا، فلم يملِك عمرُ نفسه، فقال:
- كذبتَ يا عدوَّ الله، أبقى الله عليك ما يُخزيك، قال أبو سفيان:
- اعْلُ هُبَلُ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
-((أجيبوه))، قالوا:
- ما نقول؟ قال صلى الله عليه وسلم:
- قولوا: ((الله أعلى وأجَلُّ))، قال أبو سفيان:
- لنا العُزَّى ولا عُزَّى لكم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
-((أجيبوه))، قالوا:
- ما نقول؟ قال صلى الله عليه وسلم:
-((قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم))، قال أبو سفيان:
- يوم بيوم بدر والحرب سِجالٌ، وتجدون مُثلةً لم آمُرْ بها، ولم تَسُؤْني[2]
وأما عن تفاصيل الغزوة التي هي أحداث ومواقف لبعض الصحابة التي لا بد لها أن تُذكَرَ في سياق القصة؛ لأننا لا نستطيع أن نفهم مجمل معنى القصة إلا بها، فمنها:
قبل المعركة كان النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى رؤيا، فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه:
-((رأيت كأني في درع حصينة، ورأيت بقرًا مُنحرةً، فأوَّلتُ أن الدرع الحصينة المدينة، وأن البقر هو والله خير، فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه:
- لو أنَّا أقمنا بالمدينة فإن دخلوا علينا فيها قاتلناهم))، فقالوا:
- يا رسول الله، والله ما دخل علينا فيها في الجاهلية، فكيف يدخل علينا فيها في الإسلام؟ قال عفان[3] في حديثه: فقال صلى الله عليه وسلم:
-((شأنكم إذًا))، قال: فلبِس صلى الله عليه وسلم لَأْمَتَه[4].
فقالت الأنصار:
- رَدَدْنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيه، فجاؤوا فقالوا:
- يا نبي الله، شأنك إذًا، فقال صلى الله عليه وسلم:
- ((إنه ليس لنبيٍّ إذا لبِس لَأْمَتَه أن يَضَعَها حتى يقاتل))[5].
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سار بالجيش ومعه في حدود ألف من المقاتلين، ولكن عندما وصل الجيش في منطقة بين جبل أُحُدٍ وبين المدينة، انسحب رأس النفاق عبدالله بن أُبَيِّ بن سلول، وانسحب معه ثلاثمائة مقاتل بحجة أنه لا يرى أن قتالًا سيقع؛ قال تعالى: ﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ [آل عمران: 167].
قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد: ((هذا جبريلُ آخذٌ برأس فرسه، عليه أداة الحرب))[6]، وقال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: ((رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحُدٍ، ومعه رجلان يقاتلان عنه، عليهما ثياب بِيضٌ كأشد القتال، ما رأيتهما قبلُ ولا بعدُ))[7].
قال أنس بن مالك رضي الله عنه: ((إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كُسِرت رَبَاعِيَتُه[8] يوم أُحُدٍ، وشُجَّ في رأسه))[9].
قال أنس بن النضر رضي الله عنه وكان قد غاب عن غزوة بدر:
- غِبْتُ عن أول قتال النبي صلى الله عليه وسلم، لئن أشهدني الله مع النبي صلى الله عليه وسلم لَيَرَيَنَّ الله ما أجد، فلقِيَ يوم أُحُدٍ، فهُزم الناس، فقال:
- اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني المسلمين - وأبرأ إليك مما جاء به المشركون.
فتقدم بسيفه فلقِيَ سعد بن معاذ، فقال:
- أين يا سعد؟ إني أجد ريح الجنة دون أُحُدٍ.
فمضى فقُتل، فما عُرف حتى عرفته أخته بشامة أو ببنانه، وبه بضع وثمانون من طعنة وضربة ورمية بسهم[10].
موقف طلحة بن عبيدالله رضي الله عنه في الغزوة:
قال جابر بن عبدالله رضي الله عنه: لما كان يوم أُحُدٍ وولَّى الناسُ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية في اثني عشر رجلًا من الأنصار، وفيهم طلحة بن عبيدالله، فأدركهم المشركون، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:
- ((من للقوم؟)) فقال طلحة:
- أنا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- ((كما أنت))، فقال رجل من الأنصار:
- أنا يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم:
- ((أنت))، فقاتل حتى قُتِل، ثم التفت صلى الله عليه وسلم فإذا المشركون، فقال صلى الله عليه وسلم:
- ((من للقوم؟)) فقال طلحة:
- أنا، قال صلى الله عليه وسلم:
- ((كما أنت))، فقال رجل من الأنصار:
- أنا، فقال صلى الله عليه وسلم:
- ((أنت))، فقاتل حتى قُتِل.
ثم لم يَزَل يقول ذلك، ويخرج إليهم رجل من الأنصار فيقاتل قتالَ مَن قبله حتى يُقتَل، حتى بقِيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلحة بن عبيدالله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- ((من للقوم؟)) فقال طلحة:
- أنا، فقاتل طلحةُ قتالَ الأحد عشر حتى ضُربت يده فقُطعت أصابعه، فقال:
- حَسِّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- ((لو قلتَ: بسم الله، لرفعَتْكَ الملائكة والناس ينظرون))، ثم رد الله المشركين[11].
قال الزبير بن العوام رضي الله عنه: ((كان على النبي صلى الله عليه وسلم دِرعان يوم أُحُدٍ، فنهض إلى الصخرة فلم يستطع، فأقعد طلحة تحته فصعِد النبي صلى الله عليه وسلم عليه حتى استوى على الصخرة، فقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أوجب طلحةُ))[12]؛ أي: وجبت له الجنة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أحبَّ أن ينظر إلى شهيدٍ يمشي على وجه الأرض، فلْيَنْظُرْ إلى طلحة بن عبيدالله))[13].
قال أنس بن مالك رضي الله عنه: لما كان يوم أُحُد، انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو طلحة[14] بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم مُجوِّبٌ عليه بحَجَفَة[15] له، وكان أبو طلحة رجلًا راميًا شديد النزع، كسر يومئذٍ قوسين أو ثلاثًا، وكان الرجل يمر معه بجَعبة من النَّبل، فيقول صلى الله عليه وسلم:
-((انثُرها لأبي طلحة)).
قال: ويُشرِف النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلى القوم فيقول أبو طلحة:
- بأبي أنت وأمي، لا تُشرِف يُصيبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك.
- ولقد رأيتُ عائشةَ بنت أبي بكر وأمَّ سليم[16] وإنهما لَمُشمِّرتان، أرى خَدَمَ سُوقِهما تنقُزان القِرَبَ على متونهما، تُفرغانه في أفواه القوم، ثم ترجعان فتملآنِها ثم تجيئانِ فتفرغانه في أفواه القوم، ولقد وقع السيف من يدي أبي طلحة، إما مرتين وإما ثلاثًا[17].
تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: لما كان يوم أُحُدٍ، هُزم المشركون، فصرخ إبليس لعنة الله عليه:
- أي عبادَ الله أُخراكم.
فرجعت أُولاهم فاجتلدت هي وأُخراهم، فبصر حذيفة فإذا هو بأبيه اليمان، فقال:
- أي عباد الله، أبي أبي، قالت:
- فوالله ما احتجزوا حتى قتلوه، فقال حذيفة:
- يغفر الله لكم، قال عروة:
- فوالله ما زالت في حذيفة بقيةُ خيرٍ حتى لحِق بالله عز وجل[18].
رجع النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم مُثقَلين بالجراح، مُتعَبين ومتألمين على ما جرى، ولعل الرماة كانوا أكثرهم شعورًا بالندم والحسرة التي تأكل قلوبهم؛ لأنهم يشعرون أنَّ الذي حصل كان بسببهم، ولم يَبِتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ليلة واحدة، فقد صلَّى النبي صلى الله عليه وسلم بالناس صبح اليوم التالي، فأمر بلالًا بأن ينادي بالناس بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوكم إلى أن تَلْقَوا عدوكم - يقصد جيش قريش - وخصَّ منهم ممن شارك في غزوة أحد حصرًا، فسمعوا وأطاعوا ونفروا جميعًا، حتى أولئك الْمُثْخنون بالجِراح الذين كانوا يداوون جراحاتهم نفروا، وكان منهم من فيه ثلاثة عشر جرحًا؛ وهو الطفيل بن النعمان رضي الله عنه، أما بخراش بن الصِّمَّة رضي الله عنه فبه عشر جراحات، وأُسَيد بن خُضير به سبع جراحات وغيرهم، فخرجوا حتى بلغوا حمراء الأسد، وبقوا فيها ثلاثة أيام ينتظرون عدوهم، ولكن الله تعالى ألقى الرعب في قلوب قادة قريش فولَّوا هاربين، ثم عاد جيش المسلمين إلى المدينة، وقد ردوا اعتبارهم.

المسائل المستنبطة من القصة

المسألة الأولى: غزوة أحد لم تكن معركة اعتيادية مثل بقية الغزوات والمعارك، بل كانت واقعة عظيمة تركت أثرًا في صفحات التاريخ، فلقد تضمَّنت الكثير من العِبَرِ والدروس والمعاني والمواقف التي تصلح لأن تكون قبسًا من نور في مناهج التربية والتعليم والخبرة، ولقد كانت كذلك للصحابة رضي الله عنهم والتابعين والعصور التي تَلَتْهُم، وينبغي أن تكون لنا كذلك، على الرغم من أن المسلمين لم يكونوا الطرف المنتصر عسكريًّا، ولكن العبر المستحصلة منها كانت أكبر من كل نصر.
المسألة الثانية: إن السبب الرئيس والشائع للهزيمة في تلك الغزوة عندالناس؛ علمائهم وعامَّتِهم هو مخالفة أمر نبي الله صلى الله عليه وسلم من قِبل الرماة، الذين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن يكونوا على جبل أُحُدٍ، وألَّا يبرحوا أماكنهم، وهذا صحيح ولا شك، ولكنه ليس كل الحقيقة، فالمخالفة بدأت في أصل الخروج للمعركة وخطة الحرب، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج لموقع المعركة عند جبل أُحُد مضطرًّا ونزولًا عند رغبة بعض الصحابة الذين ألحُّوا عليه بالخروج، وإلا فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرغب بقتال المشركين داخل المدينة وبين أزِقَّتِها، فالرؤيا التي رآها صلى الله عليه وسلم أنه في درع حصينةٍ؛ أي: إن بقِيَ في المدينة يتحصن بها فهو في مأمن، ورؤيا الأنبياء وحيٌ، ومن هنا كانت المخالفة الأولى، ثم تبِعَتْها مخالفة الرماة، فإن الله جل جلاله يقول للناس في حق الرسول صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [النور: 54]، فطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم واجبة على كل مسلم ومسلمة؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا [الأحزاب: 36]، ويقول تعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ [الحجرات: 7]، ولعنتم: أي: وقعتم في المشقة والتعب، والمعاناة والإثم، وهذا الذي حصل مع الصحابة في غزوة أحد.
المسألة الثالثة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقود الغزوة بنفسه، وتعرَّض صلى الله عليه وسلم شخصيًّا لِما تعرض له مقاتلوه من شدة هجوم العدو، بل كان صلى الله عليه وسلم أول وأهم المستهدفين من قِبل العدو، فقد أحاطوا به صلى الله عليه وسلم وضربوه ونالوا منه، وقد كُسِرَت سنُّه صلى الله عليه وسلم التي بين الثنية والناب، وجُرح صلى الله عليه وسلم في رأسه، وكان الدم يسيل منه صلى الله عليه وسلم، وأوشك صلى الله عليه وسلم أن يموت في تلك المعركة، بل وقد أُشيع إنه صلى الله عليه وسلم قد مات، وذلك دليل صريح على صدق دعوته، وموافقة فعله لقوله، وأنه صلى الله عليه وسلم رمز للقائد الإيجابي المضحِّي بنفسه من أجل قضيته، والثابت على مبادئه.
المسألة الرابعة: قبل المعركة رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه رؤيا؛ وهي أنه في حصن حصين من الأعداء ورأى بقرًا منحرة أي مذبوحة، ورؤيا الأنبياء وحي، فأوَّل النبي صلى الله عليه وسلم الحصن هي المدينة، فطلب من الناس أن يبقوا فيها ويتحصنوا، وألَّا يخرجوا إلى العدو، وسينتصرون عليه، وأوَّل صلى الله عليه وسلم البقرَ خيرًا، والحقيقة أن البقر في الرؤيا يرمز لأصحابه رضي الله عنهم الذين سيُقتلون في تلك الغزوة، وهو صلى الله عليه وسلم قد عرف ذلك، ولكنه ما بيَّن ذلك؛ حتى لا تنهار عزيمة المقاتلين، وأحَبَّ صلى الله عليه وسلم أن يُبقِيَ على عزيمتهم وحسن ظنهم وتفاؤلهم بالنصر على المشركين، وهذا هو دور القائد الناجح.
المسألة الخامسة: كانت الملائكة تقاتل مع المسلمين، وكانت بداية المعركة لصالح المسلمين؛ حيث هرب المشركون، حتى إن النساء المشركات بدأت تظهر سيقانهن من أثر الركض أو الجري السريع؛ مخافة أن يلحق بهن المسلمون، ولكن ما إن دبَّ التفكير عند الرماة بالغنائم التي هي أمور دنيوية، ثم نزولهم من أجلها، ما يعني أنهم فضلوا الدنيا وزينتها على أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانقلبت الأمور بشكل مفاجئ، وخسِر المسلمون المعركةَ، وحصل ما حصل، فإن مخالفة أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الهلاك بعينه، ولن ينفع المخالف لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وقوف الملائكة إلى جانبه؛ قال تعالى: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور: 63]، وقال تعالى: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران: 165]؛ أي: "وذلك بمعصيتكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين خالف الرماة أمره، وبعدم صبركم إذ فررتم من المعركة تاركين القتال"[19]، والمسألة الأخرى في هذا الباب أنَّ مَن خالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن الجيش كله، بل الرماة فقط؛ أي القلة، ولكن العقوبة جاءت على الجميع؛ لأن الله جل جلاله قال في كتابه العزيز: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الأنفال: 25].
المسألة السادسة: دور المنافقين في المعركة كان سلبيًّا، وهذا ديدنهم دائمًا، فهم يفعلون هذه الألاعيب من أجل الفتِّ في عَضُدِ جيش المسلمين، وإثارة الفتن بهدف إضعاف المسلمين، وعلى الرغم من أضرار الانسحاب فإنه لم يخلُ من صالح للمسلمين؛ لأن الله جل جلاله يصفهم في موضع آخر بقوله: ﴿ لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [التوبة: 47].
المسألة السابعة: قدَّر الله جل جلاله أن يخسر المسلمون المعركة في هذه الغزوة، وأصاب المسلمون القتل والجراحات والألم، وفي ذلك عِبرة لكل مسلم، حتى يعرف أن الإسلام ليس نزهة، بل هو تكليف شاقٌّ، وعمل مُضنٍ، وأخذٌ بالأسباب كاملة، وأن تكون مع نبي من أنبياء الله عليهم السلام، فلا يعني هذا أنك المنتصر دائمًا، وإنما النصر يعتمد على قوة الإيمان بالله جل جلاله، وعلى اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم الأخذ بأسباب النصر، وكل هذا وذاك لا يكون حتى يأذن الله جل جلاله بالنصر المؤزَّر؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [آل عمران: 126]، وقال تعالى: ﴿ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [الصف: 13].
المسألة الثامنة: في الصراع الأزلي بين الحق والباطل، يكون الشيطان قائدًا لجند الباطل، فيوسوس لأتباعه، ولكن عندما يجد الشيطان أن الوسوسة لم تعُدْ تجدي يتدخل هو بنفسه، كما حصل في هذا المقام، فعندما نزل الرماة من الجبل، أصبحوا في مؤخرة جيش المسلمين، هنا استثمر الشيطان ذلك، فصاح بالمسلمين: (أي عباد الله أُخراكم)؛ أي إن العدو قد باغتكم من خلفكم، فرجعوا واختلط الأمر وصار المسلمون يضرب بعضهم بعضًا، وليس هذا هو الموضع الوحيد الذي يصرخ فيه الشيطان، فقد صرخ قبل ذلك في يوم بيعة العقبة في بداية دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة، فعندما بايع نقباء الأوس والخزرج رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، قال كعب بن مالك رضي الله عنه: "صرخ الشيطان من رأس العقبة بأبعد صوت سمعته قط: يا أهل الجباجب - والجباجبُ المنازلُ - هل لكم في مُذمَّمٍ والصبأة معه، قد أجمعوا على حربكم"[20].
المسألة التاسعة: ضرب حذيفة بن اليمان رضي الله عنه مثلًا رائعًا في رجاحة العقل والصبر، والسيطرة على النفس، وذلك عندما اختلطت الأمور في المعركة، وتداخلت الصفوف، وضرب مقاتلة المسلمين أباه - اليمان بن جابر رضي الله عنه - حتى قتلوه، فكان يُنبِّههم بأن الرجل الذي يضربوه هو أبوه، ولكن لا فائدة فالخطب أكبر من ذلك، فلما قتلوه لم يتجاوز قوله رضي الله عنه لهم: "يغفر الله لكم"، وهو أقصى ما يمكن أن يكون للمرء من رباطة الجأش في مثل هذا الموقف.
المسألة العاشرة: الإسلام يدعو دائمًا لتفعيل دور المرأة في المجتمع وفي مناحي الحياة كافة، يدًا بيد مع الرجل، ولكن تُعطى المرأة تكاليف ومهامَّ تلائم حالها وبنيتها الجسمانية، وهكذا كان للمرأة المسلمة دور في غزوة أُحُدٍ مُتمثِّلة في زوج السيدة عائشة رضي الله عنها، والسيدة أم سليم رضي الله عنها في تقديم الدعم اللازم من الطعام والشراب والعلاج للمقاتلين.
المسألة الحادية عشرة: لما انتهت المعركة سأل أبو سفيان وكان قائدًا لجيش المشركين، عن النبي صلى الله عليه وسلم أهو حي أم ميت؟ وكذلك سأل عن حال أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفي هذا إشارة إلى أن العدو يريد من المسلمين إنهاء الرؤوس المؤثِّرة في الدعوة والعمل وقيادة الناس؛ لأن هؤلاء هم سَراة الناس، وبهم تقوم الأمم والدول.
المسألة الثانية عشرة: التضحية العظيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم التي قدَّمها له أصحابه رضي الله عنهم، التي كانت واقعًا عمليًّا وحقيقية كالخيال وفي أحلك المواقف وأشدِّها، ولم يكن ذلك دعاية وكلامًا فحسب، فقد أحاط به صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه كما يحيط السِّوار بالْمِعْصَم، وبذلوا دماءهم دونه صلى الله عليه وسلم، عندما كان العدو يطلبه أشد الطلب، ومن تلك المواقف موقف أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه، وموقف طلحة بن عبيدالله رضي الله عنه، وموقف أنس بن النضر رضي الله عنه وغيرهم؛ من أجل ذلك أثنى عليهم الله جل جلاله في كتابه العزيز في مواضع شتى؛ ومنها قوله تعالى: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا [الأحزاب: 23].
المسألة الثالثة عشرة: ما وقع في حمراء الأسد بعد انتهاء القتال بين المسلمين وقريش، فيه أبعاد وحِكَمٌ لا بد من الوقوف عندها؛ فمنها:
1- أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما رأى الألم الذي يكابده الصحابة أن يُعيدَ لهم اعتبارهم، وألَّا يسمح صلى الله عليه وسلم لليأس والإحباط أن يتسلل إلى قلوبهم، وأن يرفع صلى الله عليه وسلم الهم والحزن عن كاهلهم، ويعزِّز صلى الله عليه وسلم روحهم المعنوية، وذلك بتحقيق نصر على العدو وإن كان نصرًا معنويًّا، وقد حصل ذلك بالفعل فقد رجع المسلمون رضي الله عنهم إلى المدينة هذه المرة، ودخلوها بروح وإرادة المقاتل المنتصر.
2- خروج المسلمون لحرب المشركين في حمراء الأسد بعد يوم واحد فقط مرة أخرى، وكانوا مثقلي الجراح، فيه رسالة قوية للأعداء والمنافقين بأن المسلمين أشداء وأقوياء، ويقاتلون حتى الرمق الأخير، ولن تُعيقهم جراح ولا غيرها في سبيل ما يرومون تحقيقه، وطاعة لقائدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن في ذلك ترهيبًا شديدًا للكافرين.
3- وثَّق القرآن الكريم كل ذلك في قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران: 172 - 174].
[1] هو عبدالله بن جُبير رضي الله عنه، صحابيٌّ من الأنصار من بني ثعلبة بن عمرو بن عوف من الأوس.
[2] صحيح البخاري (4043).
[3] هو عفان بن مسلم بن عبدالله الصفار البصري.
[4] اللأْمَةُ: أَداةُ الحرب كلُّها من درع ومِغْفَرٍ ورمحٍ وسيفٍ.
[5] مسند أحمد بن حنبل (14787).
[6] صحيح البخاري (4041).
[7] صحيح البخاري (4054).
[8] الرَّبَاعِيَة هي السِّنُّ التي بين الثَّنية والناب، وتُقرأ مثل ثَمَانِيَة.
[9] صحيح مسلم (4746).
[10] صحيح البخاري (4048).
[11] السنن الكبرى للبيهقي (4).
[12] سنن الترمذي (1692).
[13] المعجم الكبير للطبراني (215).
[14] أبو طلحة رضي الله عنه هو زيد بن سهل الأنصاري، من بني عدي بن عمرو بن مالك بن النجار، شهِد مع النبي المشاهد كلها، تُوفِّيَ رضي الله عنه عام 34 هـ.
[15] الحجفة: ضَرْبٌ من التِّرَسةِ مُقوَّرَة من جُلُود الإبل، مُترس عليه بها تقيه الرمي.
[16] أم سليم بنت ملحان الخزرجية رضي الله عنها صحابية، كانت من السابقات إلى الإسلام، وهي من الأنصار ومن الخزرج، وهي أم الصحابي أنس بن مالك رضي الله عنه.
[17] صحيح البخاري (4064).
[18] صحيح البخاري (4065).
[19] أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير، أبو بكر الجزائري، ج1، ص406.
[20] مسند أحمد بن حنبل (15798).



rwm y.,m Hp] ,hglshzg hglsjkf'm lkih H[] lkih hglsjkf'm y.,m ,hglshzg rwm





رد مع اقتباس
قديم 08-01-2025, 10:27 AM   #2


همس الروح متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5633
 تاريخ التسجيل :  27 - 11 - 2014
 أخر زيارة : اليوم (12:35 AM)
 المشاركات : 1,026,025 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الجنس ~
Female
 SMS ~
لوني المفضل : Snow
افتراضي



جزاك الله خيرا ولا حرمك الأجر
بوركت وطرحك الطيب



 

رد مع اقتباس
قديم 08-01-2025, 06:48 PM   #3


الصارم متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2
 تاريخ التسجيل :  4 - 2 - 2010
 أخر زيارة : اليوم (12:33 AM)
 المشاركات : 100,104 [ + ]
 التقييم :  683488430
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : ظپط§ط±ط؛
افتراضي



سلمت على طرحك وانتقائك
وجعلها في ميزان حسناتك
الف شكر


 

رد مع اقتباس
قديم 08-01-2025, 08:21 PM   #4


المؤمنه بالله متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 10120
 تاريخ التسجيل :  23 - 12 - 2024
 العمر : 54
 أخر زيارة : 08-01-2025 (09:49 PM)
 المشاركات : 3,545 [ + ]
 التقييم :  5030
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



الله ينور قلبكم بالعلم والايمان
ويشرح صدركم بالهدى واليقين
وييسر امركم ويرفع مقامكم فى العليين
ويحشركم بجوار النبى الامين
تقبلوا مروري





 

رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
أجد , منها , المستنبطة , غزوة , والمسائل , قصة


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

الساعة الآن 12:35 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010