ننتظر تسجيلك هنا


الإهداءات


العودة   منتدى همسات الغلا > ¨°o.O (المنتديات الاسلاميه) O.o°¨ > (سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وقصص الانبياء والصحابه )


إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 04-01-2025, 08:40 AM
سمو المشاعر متواجد حالياً
Saudi Arabia     Male
SMS ~
الاوسمة
التواجد والنشاط 
لوني المفضل Darkorange
 رقم العضوية : 9993
 تاريخ التسجيل : 21 - 8 - 2023
 فترة الأقامة : 507 يوم
 أخر زيارة : اليوم (09:23 AM)
 المشاركات : 36,093 [ + ]
 التقييم : 71916603
 معدل التقييم : سمو المشاعر يستحق التميز سمو المشاعر يستحق التميز سمو المشاعر يستحق التميز سمو المشاعر يستحق التميز سمو المشاعر يستحق التميز سمو المشاعر يستحق التميز سمو المشاعر يستحق التميز سمو المشاعر يستحق التميز سمو المشاعر يستحق التميز سمو المشاعر يستحق التميز سمو المشاعر يستحق التميز
بيانات اضافيه [ + ]
Icon30 أهمية دراسة السيرة النبوية وعلاقتها بفهم القرآن الكريم وعلومه



أهمية دراسة السيرة النبوية وعلاقتها أهمية دراسة السيرة النبوية وعلاقتها

نزل القرآن الكريم منجَّمًا، تعقيبًا على الأحداث، أو تبيينًا لإشكال، أو ردًّا على استفسار، أو تحليلًا لموقف من مواقف السيرة؛ كما حدث في غزوة بدر وأُحُدٍ، والأحزاب وتبوك، وكما حدث في صلح الحديبية، وحادث الإفك، وغيرها من الحوادث والمشاهد، وقراءة هذه المواقف من السيرة تساعد في فَهمِ مُلابسات الحدث، وخلفيَّات الموقف، وطبيعته من الناحية المكانية والزمانية، وفي هذا ربطٌ عجيب بين سَيرِ الحدث وقصة الحدث، فالقرآن يَزِنُ هذه الأحداث ويقوِّمها، ويربطها بالملك سبحانه وتعالى، ثم علاقة الحدث بالعقيدة والإيمان بالقضاء والقدر، واليقين بأسماء الله وصفاته، وبما كتبه الله وقدَّره، وبعلامات الإيمان، وفضح المنافقين وأحوالهم وأوصافهم قبل الحدث وبعده.
أهمية دراسة السيرة النبوية وعلاقتها أهمية دراسة السيرة النبوية وعلاقتها
أهمية دراسة السيرة النبوية وعلاقتها أهمية دراسة السيرة النبوية وعلاقتها

والمتأمِّل في الحدث السِّيَريِّ يلاحظ أنه ارتبط بزمان ومكان معينين، ولكنه تحول من مجرد حدث سيري خاص جدًّا إلى منهج يتعدَّى ظروف الزمان والمكان، بل يتعدى ظروف الحدث نفسه، ليصبح الحدث درسًا للأُمَّة كلِّها، ثم نجد ذلك الملمح الرائع في القرآن الكريم من خلال سرد الحدث السِّيَرِيِّ؛ أنه يركز على خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم.
والقرآن الكريم هو الراوي الأول لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم والذين معه، فيروي أحداثًا بتفاصيل دقيقة للغاية، وفيه إشارات تفصيلية دقيقة لبعض الأحداث في السيرة النبوية؛ فيُتمُ النبي، ونزول الوحي، وبداية الدعوة وإنذار الأقربين، والصدع بالدعوة، وتكذيب قريش والاستهزاء والتنكيل، والإسراء والمعراج، والهجرة، وصلح الحديبية، وحادثة الإفك، وزواجه من زينب بنت جحش، وزواجها قبله من مولاه زيد بن حارثة رضي الله عنه، واعتزاله نساءه شهرًا، ثم التخيير الرباني لهن، وخبر تظاهُر بعض زوجاته عليه، ومواقف الصحابة مع النبي؛ مثل: رفع الصوت عند الحُجُرات، وعدم الانصراف المباشر بعد الطعام، وحياء النبي صلى الله عليه وسلم منهم، وحجاب أمهات المؤمنين، وبعض الحوادث والمعاملات والنزاعات التي نشأت داخل مجتمع المدينة؛ مثل: الظِّهار واللَّمز في الصدقات والإيثار، ومواضع العتاب الإلهي للنبي صلى الله عليه وسلم.
كما سجَّل القرآنُ الكريم كثيرًا من الوقائع السِّيَرِيَّة؛ كواقعة تآمُرِ كفَّار مكةَ للتخلص من النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى: ï´؟ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ï´¾ [الأنفال: 30]، وواقعة اختباء النبي صلى الله عليه وسلم والصِّدِّيق رضي الله عنه في غار ثَورٍ أثناء الهجرة في قول الله تعالى: ï´؟ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ï´¾ [التوبة: 40]، كما سجَّل أحداث الغزوات الكبرى كغزوة بدر؛ مثل قول الله تعالى: ï´؟ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ï´¾ [آل عمران: 121، 122]، والآيات التي بعدها، وهكذا نجد تسجيلًا لأحداث متعددة من الغزوات في سُوَرٍ مثل: البقرة وآل عمران، والنساء والأنفال، والتوبة والأحزاب، والحجرات والجمعة، والجن والفتح، وغيرها.
فأوَّلُ من سجَّل سيرة النبي والمواقف المحيطة بها - سواء كانت من قِبل مسلمين أو كفار - هو القرآن الكريم، ولم يكن تسجيل القرآن للسيرة مقتصرًا على محض التسجيل للأحداث، بل اقترن بتحليلها وذِكْرِ الدروس والعِبَرِ المستفادة منها.
كما سجَّل القرآن كثيرًا من الأحداث التاريخية التي حدثت في الأزمان الغابرة؛ كقصة أصحاب الأخدود، أو القصص التي لها صلة ما بالبَعثة حتى ما كان قبلها؛ مثل: حادث الفيل المذكور في سورة الفيل، ومعلوم أن مثل هذه الأحداث يحتاجها دارسو تاريخ العرب قبل الإسلام، كما يحتاجها دارسو السيرة النبوية.
و"إذا كان القرآن الكريم هو الباعث لتشخيص شخصية السيرة النبوية، وكانت تلك السيرة العَطِرة هي الترجمة الحيَّة لذلك الكتاب العزيز، عرَفت هنا فقط أن كُتَّاب السيرة النبوية وعلماءها، لم تكن وظيفتهم بصدد أحداث السيرة، إلا تثبيت ما هو ثابتٌ منها بمقياس علميٍّ يتمثل في قواعد مصطلح الحديث المتعلقة بكلٍّ من السند والمتن، وفي قواعد علم الجرح والتعديل المتعلقة بالرواة وتراجِمهم وأحوالهم.
إذا كان القرآن الكريم أوثقَ كتابٍ على وجه الأرض، وكان من الثبوت المتواتر بما لا يفكر إنسان عاقل في التشكيك بنصوصه وثبوتها التاريخي، وإذا كانت السُّنَّة الشريفة نقلت لنا سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسند الصحيح المتصل، مما يجب أن نقبله حقيقةً تاريخيةً لا يُخالجنا الشكُّ فيها، فإنك تجد نفسك في النهاية أمام أصح سيرة وأقواها ثبوتًا متواترًا، هي سيرة المعصوم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم"[1].
ولا شكَّ في أن القرآن الكريم يريد أن تكون العقيدة في رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنيَّة على المعرفة الكاملة، والاقتناع التام، حتى لا تخرِم هذه العقيدةَ الشُّبُهاتُ، ولا تُهدِّدها الشُّكوك، بل يطمئن بها القلب، ويسكن بها الفؤاد، وتكون للضمير مناره الذي يهديه سواء السبيل، وبذلك تتصل السيرة النبوية اتصالًا وثيقًا بعلوم القرآن الكريم وتفسيره، وبيان أسباب النزول للآيات المتصلة بأحداثها، ويُنظر في ذلك: كتاب الأستاذ محمد عزة دروزة عن السيرة النبوية في القرآن الكريم، الذي سمَّاه: (سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، صورة مقتبسة من القرآن الكريم).
ولا شكَّ في أن التفاسير القرآنية تحمل كمًّا هائلًا من الموضوعات المتصلة بالسيرة من خلال شرح وتفصيل الآيات المتصلة بها، وحتى يستفيد الباحث من نظره في مسائل السيرة النبوية الواردة في القرآن الكريم، فإنه مُطالَب بالرجوع إلى كتب التفسير المعتبرة، وبخاصة التفسير بالمأثور؛ مثل: تفسير ابن جرير الطبري، وابن كثير، والبغوي، وفَهمِ النصوص في سياقها، ومعرفة الناسخ من المنسوخ، وغير ذلك مما يلزم الناظرَ في كتاب الله عز وجل.
يقول د/ راجح عبدالحميد الكردي: "تشغل دراسة السيرة جانبًا هامًّا من تفسير القرآن الكريم؛ فالقرآن أصدقُ مُسجِّل لأحداث السيرة ووقائعها، وما دار فيها من غزواتٍ وأحداثٍ وأسبابِ نزول، وأساليبَ دعوةٍ وأصولها، وأُسُسِ التشريع والتوجيه الذي بيَّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطبَّقه تطبيقًا عمليًّا مجسَّدًا في حياته وواقع المجتمع المسلم، وقد سجَّلت آياتُ القرآن موقفَ الداعية من قومه، وموقف المشركين، وموقف المنافقين وأساليبهم، وصبر الجماعة المسلمة وثباتها وجهادها في مواجهة الباطل، هذه المواقف التي لا بد لكلِّ داعيةٍ إلى الله أن يمرَّ بها ويواجهها، ولا بُدَّ لكل أُمَّةٍ سارت على الخط ذاته من الالتزام أن تواجهها.
فالسيرة – إذًا - بيانٌ للقرآن وتفسير له، ودراستها دراسة للتفسير من هذه الوجهة؛ من هنا نتبين أن فهم الإسلام مرتبط بفهم السيرة النبوية الشريفة، فهي التي بيَّنت لنا الأحكام الشرعية لا في قوالبها، وإنما سجَّلت لنا حرارة الالتزام بالأحكام الشرعية، وكيفية تربية مشاعر الحلال والحرام في نفوس الجيل الذي تربَّى على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم"[2].
فالسيرة النبوية - إذن - هي التطبيق العمليُّ للقرآن والسُّنَّة، ودراستها تساعد على الفهم الصحيح والدقيق لكتاب الله عز وجل، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ إن كثيرًا من آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية تُفسِّرها وتُجلِّيها الأحداثُ والمواقف التي مرَّت بالنبي صلى الله عليه وسلم خلال حياته كلها.
ولا يمكننا فَهمُ نصوص الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية فهمًا لغويًّا مجردًا بمعزِلٍ عن طريقة تطبيق النبي صلى الله عليه وسلم لهما، ومن ثَمَّ فالسيرة النبوية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالقرآن والسُّنَّة، ولا غَناءَ للمسلمين عنها، وهم يُعايِشُون القرآنَ الكريم وتفسيرَه، والأحاديث النبوية وشروحها.
كما تُعَدُّ أحداث السيرة النبوية أرضًا خِصبةً للمُفسِّرين، بما تُوفِّره من معرفة أسباب نزول الآيات القرآنية، والمواقف التي نزلت فيها، وكيفية تطبيق الصحابة لها، حتى يكاد يستعصي الفهم الصحيح لبعض معاني القرآن الكريم بمعزِلٍ عن السيرة النبوية المطهرة؛ لأنها تستعرض لنا أسباب النزول للكثير من الآيات والسور، وتُعرِّفنا المكيَّ والمدنيَّ منه، ولا شكَّ في أن معرفة أسباب النزول للكثير من الآيات القرآنية ضروريٌّ لمن يتصدَّى لتفسير كلام الله عز وجل؛ لِما هو معلوم من الارتباط بين السبب والْمُسبَّب، وهناك الكثير من الآيات القرآنية نزلت في الغزوات والحروب، أو في إثرِ حوادثَ وقعت، أو سؤالات وُجِّهت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءت هذه الآيات تحمل الإجابة، أو تُبيِّن الحُكم والغاية والهدف؛ كتلك الآيات التي تتكلم عن الغزوات في سورة آل عمران والتوبة، والأحزاب والفتح والحشر.
قال الواحدي: "لا يمكن تفسيرُ الآية دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها".
وقال ابن دقيق العيد: "بيان سبب النزول طريق قويٌّ في فَهم معاني القرآن".
وقال ابن تيمية: "معرفة سبب النزول يُعين على فَهم الآية؛ فإن العلم بالسبب يُورِث العلم بالمسبَّب".
وقد ربط ابن سعد في كتابه "الطبقات" بين كل غزوة من غزوات النبي صلى الله عليه وسلم الكبيرة، وما نزل فيها من آيات بيِّنات؛ فمن ذلك قوله: "غزوة بدر الكبرى: أولى معارك الإسلام الفاصلة، نزل في شأنها سورة الأنفال، كما ذُكرت في سورة آل عمران، غزوة بني قَيْنُقَاع: وهم أول من نَكَثَ عهدَه من قبائل اليهود، نزل في شأنهم آيتان من سورة آل عمران: ï´؟ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ï´¾ [آل عمران: 12، 13]، غزوة أحد: نزل في شأنها ستون آية من آل عمران، غزوة حمراء الأسد: التي تعتبر تكملةً لغزوة أحد، نزل في شأنها آياتٌ من السورة ذاتها، الآيات (172 - 175)، غزوة بني النَّضِير: نزل فيها سورة الحشر، كما صحَّ ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما، غزوة الخندق: وتسمَّى غزوة الأحزاب، نزل في شأنها سورة الأحزاب".
وقد أخذت سِيَرُ الأنبياء وقصص الأمم السابقة حيزًا كبيرًا من آيات الكتاب العزيز لقصد الاعتبار، والاتعاظ؛ لأن العاقلَ يتَّعِظُ بغيره، ويقيس واقعه وحياته، ومجتمعه وأُمَّته على واقع الأنبياء والأمم السابقة؛ قال الله تعالى: ï´؟ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ï´¾ [هود: 120].
وقال الله تعالى: ï´؟ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ï´¾ [الحشر: 2].
ومن الأسرار العظمى لأهمية دراسة السيرة - التي غالبًا لا يتبيَّنها إلا ذَوو الاهتمام الشديد بدراسة السيرة - أنها ضمان من الغلوِّ أو التعسف في فَهمِ النصوص، وضبطُ ذلك بتطبيق النبي، ولا توفِّر السيرة النبوية - وهي التي تجمع مواقفه كلها - تفسيرًا دقيقًا للقرآن الكريم بالمعنى اللغوي فحسب، ولكنها تعطينا أهمَّ عنصر من عناصر ضبط الفهم الإسلامي، بعيدًا عن الغلوِّ أو الخطأ أو التعسف؛ لأننا حين نجمع النصوص إلى طريقة تطبيق النبي لهذه النصوص، مع إيماننا المطلق بأن النبي محمدًا هو أعلم أهل الأرض بمراد الله تعالى من قوله، وأنه أُوتِيَ القرآن ومثله معه؛ وهو الحكمة: ï´؟ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ï´¾ [البقرة: 151]، ï´؟ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ï´¾ [الأحزاب: 34] - ندرك أنه ليس في إمكاننا فهم النصوص - قرآنًا وسُنَّةً - فهمًا لغويًّا مجردًا بمعزِلٍ عن طريقة تطبيق النبي لها، ونحن مأمورون في كتاب الله بطاعته واتباعه: ï´؟ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ï´¾ [آل عمران: 31]، ï´؟ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ï´¾ [النساء: 80]، وهو القائل صلى الله عليه وسلم: ((خُذُوا عنى مناسككم)).
ومثال على ذلك قول الله تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ï´¾ [التوبة: 73]، وعلى الرغم من أن حدود اللغة تقطع بأن جهاد الكفار والمنافقين على حدٍّ سواء، وأن المنافقين معطوفة على الكفار، غير أن تطبيق النبي للنصِّ، وامتناعه من قتل عبدالله بن أُبَيِّ بن سلول رأس النفاق وزعيم المنافقين، ونَهْيَه ابنَه عبدَالله بن عبدِالله بن أُبَيٍّ عن ذلك: ((بل نترفَّق به ونُحسِن صحبته، ما بقِيَ معنا))، وكذا نهيه عمرَ بن الخطاب عن ذلك، وحمايته من القتل، وقوله لعمر: ((دَعْهُ؛ لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه))، وكذا حمايته لدماء المنافقين بعدم إفشاء سرِّهم للصحابة، واستئمان حذيفة بن اليمان وحده على ذلك، كلُّ ذلك يَضَعُنا أمام فَهمٍ مغاير تمامًا للمعنى اللغوي للآية الكريمة، ويقدم لنا تفسيرًا عمليًّا يتعدى حدود اللغة المجردة إلى فهم أعمقَ وأشملَ، ونجد أنفسنا في النهاية مُسلِمين بطريقة تطبيق النبي صلى الله عليه وسلم عبادةً وطاعةً واتباعًا، وعلى ذلك نستطيع أن نحكم على فَهمِ مَن يُطالِب بقتل المنافقين والعملاء؛ مستشهدًا بالآية الكريمة بمعزِلٍ عن تطبيق النبي لها، بأنه فهم مغلوط، لا يتفق وطبيعةَ المنهج الإسلامي، وهذا هو تفسير المفسرين للآية، فكيف فسَّروها هكذا إلا في ضوء تطبيق النبي صلى الله عليه وسلم لها؟
عن ابن عباس، قول الله تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ï´¾ [التحريم: 9]، فأمره الله بجهاد الكفار بالسيف، والمنافقين باللسان، وأذهب الرفق عنهم.
وقال الضحاك: جاهد الكفار بالسيف، واغلظ على المنافقين بالكلام، وهو مجاهدتهم، وعن مقاتل والربيع مثله.
عن الحسن قال: جاهد الكفار بالسيف، والمنافقين بالحدود، أقِم عليهم حدودَ الله.
عن قتادة قال: أمر الله نبيَّه أن يجاهد الكفار بالسيف، ويُغلظ على المنافقين في الحدود.
وقد يُقال: إنه لا منافاة بين هذه الأقوال؛ لأنه تارة يُؤاخذهم بهذا، وتارة بهذا بحسب الأحوال، ومثل ذلك ينطبق على كثيرٍ من النصوص قرآنًا وسنة، وبِناء على ذلك يتضح لنا أن السيرة النبوية هي المذكِّرة التفسيرية والتطبيق، بل التفسير العملي للقرآن الكريم، فلا شكَّ في أن النبي محمدًا هو أول وأعظم من فَهِمَ القرآن الكريم، فهو مبلِّغ الرسالة عن ربه، وهو أعظم من فسر هذا الكتاب الخالد، كما أنه لم يقدِّم تفسيره للقرآن في أقوال منطوقة - أحاديث نبوية - فحسب، ولا قدَّم تفسيره هذا بين دَفَّتَي كتاب يُقرأ، ولكنه قدَّم هذا التفسير وذلك الفهم من خلال حياته العملية والدعوية كلها، فكانت حياته كلها ترجمة فعليَّة حيَّة للقرآن الكريم؛ فقد كان كما قالت عائشة رضي الله عنها: "خلُقُه القرآن، أو كان قرآنًا يمشي على الأرض"، كما تُعَدُّ مواقف السيرة النبوية كلها أرضًا خِصبة للمفسرين، بما توفِّره من معرفة أسباب نزول الآيات والمواقف التي نزلت فيها، وكيفية تطبيق الجيل الأول من المسلمين لها، حتى يكاد يستعصي علينا فَهم بعض معاني القرآن الكريم بمعزل عن الحياة والبيئة التي تنزَّل فيها، وهي ما تُعرف بالسيرة النبوية المطهَّرة.
ولقد اتفق كثير من أهل العلم أن للتفسير مراتبَ؛ أدناها: أن يُبيِّن بالإجمال ما يُشرِب القلبَ عظمةَ الله وتنزيهه، ويصرف النفس عن الشر، ويجذبها إلى الخير، وأما المرتبة العليا فهي لا تتم إلا بأمورٍ كما قال صاحب تفسير المنار، وذكر منها: "(خامسها): العلم بسيرة النبي وأصحابه، وما كانوا عليه من علمٍ وعمل وتصرف في الشؤون دُنيويِّها وأُخرويِّها"؛ أ.هـ.
إن في دراسة السيرة النبوية الشريفة ما يُعين كلُّ مسلم على فَهمٍ قويٍّ ودقيق لكتاب الله، وإنه يجب على كل واحد من الناس أن يفهم آيات الكتاب بقدر طاقته، لا فرق بين عالم وجاهل، وترجع أهمية العلم بسيرة النبي إلى أن كثيرًا من آيات القرآن الكريم إنما تفسِّرها وتُجلِّيها الأحداث التي مرَّت برسول الله، ومواقفه من الآيات القرآنية ما نزلت إثر حوادث طرأت أو مشكلات وقعت، أو سؤالات وُجِّهت إلى النبي، فجاءت هذه الآيات تحمل الحلَّ أو تُبيِّن الحكم، أو تجيب على السؤالات، ومما لا يخفى مدى أهمية الوقوف على هذه الأسباب في التعرف على المعنى الأصوب والأدق للآية، هذا إن لم يتوقف فَهمُ مثل هذه الآيات على معرفة أسبابها، الأمر الذي يترتب على غياب هذه المعرفة وقوعٌ في الإشكال والتعارض مع غيرها، وقد حدث هذا بالفعل مع بعض الصحابة والتابعين وسواهم ممن جاء بعدهم كثيرًا؛ ومن أمثلة ذلك ما يأتي:
1- ما أُشكل على عروة بن الزبير أن يفهم فرضية السعي بين الصفا والمروة مع قول الله تعالى: ï´؟ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ï´¾ [البقرة: 158]، ففي الصحيح عن عروة قال: سألتُ عائشة رضي الله عنها، فقلت لها: أرأيتِ قولَ الله تعالى: ï´؟ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ï´¾ [البقرة: 158]، فوالله ما على أحدٍ جناح ألَّا يطوف بالصفا والمروة؟ قالت: بئس ما قلت يا بن أختي، إن هذه لو كانت كما أوَّلتها عليه كانت: لا جناح عليه ألَّا يتطوف بهما، ولكنها أُنزلت في الأنصار كانوا قبل أن يسلموا يُهِلُّون[3] لمناة الطاغية - صنم كان لهُذيل وخزاعة بين مكة والمدينة التي كانوا يعبدونها عند المشلل؛ وهو موضع بين مكة والمدينة - فكان من أهَّل يتحرَّج أن يطوف بالصفا والمروة، فلما أسلموا سألوا رسول الله عن ذلك، قالوا: يا رسول الله، إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة؟ فأنزل الله تعالى: ï´؟ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ï´¾ [البقرة: 158].
وفي الحديث المتفق عليه قالت عائشة رضي الله عنها: ((وقد سنَّ رسول الله الطوافَ بينهما، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما)).
من أجل ذلك، فقد أكَّد العلماء الأهميةَ البالغة لسبب النزول، وأنه طريق قويٌّ في فهم معاني القرآن الكريم[4].
2- وإذا رجعت إلى السيرة النبوية لتفهم منها التجسيدَ الحيَّ للقضية الأولى التي ابتدأ بها أمرُ الدين؛ وهي الوحيُ الإلهيُّ، لَرأيتَ أن السيرة العَطِرة كانت أقربَ وأقوى في تفسير آيات الوحي من بعض التفاسير التي اتخذت الجانب اللغويَّ، أو التصوير البيانيَّ، أو التأويل التكليفيَّ.
قال تعالى: ï´؟ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ï´¾ [المزمل: 5].
وقال سبحانه: ï´؟ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ï´¾ [الحشر: 21]، فإن الذي يخلو ذهنه من السيرة النبوية التي تُصوِّر الواقع الذي عاشه رسول الله صلى الله عليه وسلم في التنزيل القرآني لا يستطيع أن يتصور واقعَ ما تشير إليه تلك الآيات وغيرها المتكلِّمة عن الوحي وما فيه، وما يتطلبه تصور ذلك من صفاء وطُهْرٍ، واستعداد وأهْلِيَّة، تجعله على مستوى ما لدى هذه الآيات ليتفاعل معها، وتتفاعل معه في إطار ما تضمنه من هِباتٍ ربَّانية، ومما رَوَتْهُ كتب السنة النبوية كاشفةً عن أحواله في التنزيل القرآني؛ فقد روى الشيخان عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: ((كان رسول الله يعالج من التنزيل شدةً)).
وروى مسلم عن عبادة بن الصامت قال: ((كان نبيُّ الله إذا أُنزِلَ عليه كُرِب لذلك، وتربَّد له وجهه)).
وقالت عائشة رضي الله عنها: ((ولقد رأيته ينزل عليه الوحيُ في اليوم الشديد البردُ، فيَفْصِمُ عنه، وإنَّ جبينه لَيتفصَّدُ عَرَقًا))[5].
وعنها أيضًا أن الحارث بن هشام سأل رسول الله فقال: يا رسول الله، كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحيانًا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشدُّه عليَّ، فيُفصَم عني وقد وَعَيْتُ عنه ما قال، وأحيانًا يتمثَّل لي الْمَلَكُ رجلًا، فيكلمني فأعي ما يقول))[6]، فهذه الصلصلة أو الدَّوِيُّ هو صوت الْمَلَكِ بالوحي، ولا تعارض بينهما.
قال ابن حجر رحمه الله: "فدَوِيُّ النحل لا يعارِض صلصلة الجرس؛ لأن سماع الدويِّ بالنسبة إلى الحاضرين، كما قال عمر: يُسمَع عنده كدويِّ النحل، والصلصلة بالنسبة للنبي، فشبَّهه عمرُ بدويِّ النحل بالنسبة إلى السامعين، وشبَّهه هو بصلصلة الجرس بالنسبة إلى مقامه"[7].
فإذا رجعت إلى الآيات التي تتكلم عن الوحي، تستطيع الآن أن تتفقَّهها، لا في إعجازها المجرد، وإنما في هيئة وَقْعِها الحيِّ على صاحب الرسالة، ومن عايشه بها من صحابته أجمعين.
وتبدو أهمية السيرة العَطِرة في فَهْمِ القرآن الكريم في ضوء الاستعانة بها في تقييد مُطلَق الآيات القرآنية، أو تخصيص عامِّها، وهذه ناحية مهمة جدًّا، يترتب عليها كثير من الأحكام الشرعية.
أ- فمثال تخصيص السيرة العطرة لعام القرآن الكريم: قول الله تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ï´¾ [المائدة: 6]، فالظاهر من قول الله تعالى: ï´؟ وَأَرْجُلَكُمْ ï´¾ [المائدة: 6] الأمرُ بغسل الرجلين على قراءة النصب عطفًا على قول الله تعالى: ï´؟ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ï´¾ [المائدة: 6]، وهو الواجب أيضًا على قراءة الخفض عطفًا على قول الله: ï´؟ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ ï´¾ [المائدة: 6].
فالمراد بمسح الرجلين غسلُهما، وقد توهَّم بعض السلف - كما توهَّم الخوارج والروافض - أن هذه الآية ناسخة لرُخصة المسح على الخفَّين، وقد رُوِيَ ذلك عن عليِّ بن أبي طالب، ولكنه لم يصحَّ إسناده، ثم الثابت عنه خلافه، ودعوى النسخ مردودة بما ورد في السيرة من فعله بالمسح على الخُفَّين بعد نزول آية المائدة، ويدل على ذلك ما رُوِيَ عن همام قال: ((بال جرير ثم توضأ، ومسح على خُفَّيه، فقيل: تفعل هذا؟ فقال: نعم رأيت رسول الله بال، ثم توضأ، ومسح على خُفَّيه)).
قال الأعمش: "كان يُعجبهم هذا الحديث؛ لأن إسلامَ جرير كان بعد نزول المائدة"[8]، وهو ما صرح به جرير ردًّا على من تأوَّل أن مسح النبي على الخُفَّين قبل نزول المائدة، فأجاب قائلًا: "ما أسلمت إلا بعد نزول المائدة"[9].
ب- ومثال تقييد السيرة العطِرة لمطلق القرآن الكريم قول الله تعالى: ï´؟ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ï´¾ [المائدة: 38]، وهذه الآية الكريمة مطلقة، لم تُقيِّد قطع اليد بموضع مُحدَّد؛ لأن اليد تُطلَق على الأصابع، والكف، والرُّسغ، والساعد، والْمِرفق، والعَضُد، ولكن السيرة العطرة بيَّنت ذلك، وقيَّدت القطع بمقدار الكف فقط من يد واحدة، وذلك حينما أُتِيَ بسارق إلى النبي، فقطع يده من مِفْصَلِ الكفِّ[10].
فلولا السيرة العَطِرة لَما استطعنا فَهمَ المراد من الآية الكريمة، ولما استطعنا إقامة الحدِّ على وجهه الصحيح.
والذي أخلُص إليه من كل ما تقدم: التأكيد على أهمية السيرة النبوية في تفسير القرآن الكريم، والوقوف في ضوئها على فَهمٍ أدقَّ وأقرب لآيات القرآن هو أمر في غاية الجلاء.
فسيرة سيدنا محمد هي المفتاح الأول لفَهم كتاب الله.
قال الله: ï´؟ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ï´¾ [الطلاق: 10، 11].
مما سبق يتضح أن وقائع السيرة وأحداثها كثيرًا ما تُلقي لنا الضوء على تفسير بعض الآيات الكريمة، فالسيرة من أولَى مهماتها تسجيلُ الوقائع زمن الرسول الكريم، وكثيرًا ما كان القرآن ينزل تعقيبًا على تلك الوقائع، ومن هنا كانت الصلة وثيقة بين السيرة والقرآن، فهو كثيرًا ما تنزَّلت آياته بتسجيل أحداث السيرة، وهي كثيرًا ما بيَّنت لنا سبب النزول.
3- قال تعالى: ï´؟ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ï´¾ [الأنفال: 1].
وهناك في القرآن خمس عشرة آيةً بدأت بقول الله تعالى: ï´؟ يَسْأَلُونَكَ ï´¾، لا نجد فيها هذه اللهجة القوية التي تأمر بالتقوى وإصلاح ذات بينهم والطاعة، ونتساءل عن العلاقة بين ختام الآية وبَدْئِها، الأمر الذي يحتاج إلى بيان، فالسؤال يحتاج إلى جواب، ولكن هنا جواب وأوامر تعقيبًا عليه تحتاج إلى تنفيذ، وتُعطينا السيرة الإيضاحَ الكافيَ؛ فعن عبادة بن الصامت قال: ((خرجنا مع النبي، فشهِدتُ معه بدرًا، فالتقى الناس، فهزم الله العدوَّ، فانطلقت طائفة في آثارهم يهزمون ويقتلون، وأكبَّت طائفة على العسكر يَحْوُونه ويجمعونه، وأحدقت طائفة برسول الله لا يصيب العدوُّ منه غِرَّةً، حتى إذا كان الليل، وفاء الناس بعضهم إلى بعض، قال الذين جمعوا الغنائم: نحن حويناها وجمعناها، فليس لأحدٍ فيها نصيب.
وقال الذين خرجوا في طلب العدو: لستم بأحقَّ بها منا؛ نحن نفينا عنها العدو وهزمناهم، وقال الذين أحدقوا برسول الله: لستم بأحقَّ بها منا؛ نحن أحدقنا برسول الله، وخِفْنا أن يصيب العدو منه غرةً، واشتغلنا به، فنزلت: ï´؟ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ ï´¾ [الأنفال: 1]، فقسمها رسولُ الله على فواق بين المسلمين[11]، وهكذا نلاحظ أن تصرف المسلمين إزاء الغنائم احتاج إلى هذا التوجيه والتربية، فهم ما زالوا في بداية الطريق، وبهذا كانت السيرة بيانًا لهذا الأسلوب في سياق الآية الكريمة[12].
وهذه الكلمات تشير إلى أن حياة محمد هي تفسير كتابه، وأن سيرته العمليوسُنَّته القولية بيانٌ تطبيقيٌّ للقرآن الكريم، والحقُّ أنه لا قرآن بلا سُنَّة، ولا سُنَّة بلا قرآن، وأن فصلَ أحدِهما عن الآخر زَيغٌ.
وأخيرًا، فالمتأمل في القرآن الكريم يعجب كيف يمكن أن يُحيط بكل جوانب شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم إحاطةً شاملة بجميع جوانبها، وهذه غاية لا يمكن أن يبلغها إنسان
[1] أعلام السِّيرَة النَّبويَّة في القرن الثاني للهجرة مصنفاتهم ومناهجهم، د. فاروق حمادة.
[2] شعاع من السِّيرَة النَّبويَّـة في العهد المكي، ص23.
[3] أي: يرفعون أصواتهم بالتَّلبية عند الحج.
[4] ينظر: التَّفسير والمفسِّرون، د. محمد الذَّهبي 1/ 58، ومناهل العرفان في علوم الْقُرْآن: 1/ 11، ومقالة: دراسة السِّيرة النَّبوية وأهميتها في المنهج الإسلامي، لعلاء سعد حسن.
[5] متفق عليه، ومعنى فَيَفْصِمُ عَنْهُ، أي: يقلع عنه.
[6] متفق عليه.
[7] فتح الباري: 1/27 رقم 2.
[8] متَّفق عليه.
[9] صحيح: أخرجه أبو داود في سننه كتاب الطَّهارة، باب المسح على الخفين: 1/39، رقم 154، والتِّرمذي في سننه كتاب الطَّهارة، باب المسح على الخفين؛ قال التِّرمذي: وهذا حديث مفسر؛ لأن بعض من أنكر المسح على الخفين، تأول أن مسح النَّبِي كان قبل نزوله آية الوضوء التي في المائدة، فيكون منسوخًا، فذكر جرير في حديثه أنَّه رآه يمسح بعد نزول المائدة؛ لأن فيه ردًّا على أصحاب التَّأويل المذكور؛ [ينظر: فتح الباري 59، رقم 387].
[10][10] حديث حسن، أخرجه البيهقي في السُّنن الكبرى: كتاب السَّرقة، باب: السَّارق يسرق أولًا فتقطع يده اليمنى من مفصل الكف: 8/27، 271، ورواه أحمد والنَّسائي.
[11] رواه أحمد، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: حسن لغيره.
[12] أضواء على دِرَاسَة السِّيرَة، ص: 21، 22.
أهمية دراسة السيرة النبوية وعلاقتها أهمية دراسة السيرة النبوية وعلاقتها



Hildm ]vhsm hgsdvm hgkf,dm ,ughrjih ftil hgrvNk hg;vdl ,ug,li hga[vm hgkf,dm hgrvNk hg;vdl jtil ]vhsm ,ughrjih






آخر تعديل سمو المشاعر يوم 04-01-2025 في 08:56 AM.
رد مع اقتباس
قديم 04-01-2025, 09:20 AM   #2


الصارم متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2
 تاريخ التسجيل :  4 - 2 - 2010
 أخر زيارة : اليوم (09:51 AM)
 المشاركات : 100,062 [ + ]
 التقييم :  682696051
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : ظپط§ط±ط؛
افتراضي



الله يعطيك الف عافيه اخوي سمو المشاعر
وجعل مانقلته في ميزان حسناتك

الف شكر يالغالي


 

رد مع اقتباس
قديم 04-01-2025, 11:30 AM   #3


همس الروح متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5633
 تاريخ التسجيل :  27 - 11 - 2014
 أخر زيارة : اليوم (12:56 PM)
 المشاركات : 1,023,500 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الجنس ~
Female
 SMS ~
لوني المفضل : Snow
افتراضي



جزاك الله خيرا ولاحرمك الأجر
بوركت وطرحك الطيب



 

رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
أهمية , الشجرة , النبوية , القرآن , الكريم , تفهم , دراسة , وعلاقتها , وعلومه


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من حقوق القرآن الكريم ذابت نجوم الليل (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) 11 15-08-2023 03:56 AM
طرق إبداعية في حفظ القرآن الكريم ذابت نجوم الليل (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) 16 09-12-2020 07:00 AM
تعرف على القرآن الكريم 3 تيماء (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) 28 29-12-2018 10:08 PM
إضاءات إيمانية { 2 } مبارك آل ضرمان ( همســـــات الإسلامي ) 12 12-11-2018 07:26 AM
أسرار التكرار في القرآن الكريم ميارا (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) 11 13-02-2013 11:33 PM

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

الساعة الآن 01:18 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010