#1
| |||||||||||||
| |||||||||||||
الصحابي .. صاحب البلاء الأشد حينما تقف مواكب التاريخ تتأمل عظمة انسان، وتتملى سؤدده ومجادته، فانه ستقف وتطيل الوقوف امام هذا البطل العظيم، لأن جوانب العظمة فيه تحتاج الى تدبر وامعان، فهو اينما حدقت بفكرك في أفاق حياته تجدها أفاقا تتجاوز تخوم الإنسانية حتى أن المتأمل الفاحص ليستظهر فيها من المعاني ما تدركه أجنحة الخيال المحلق، وحسبه عراقه في الأصل .. هو عروة بن الزبير بن العوام و أباه هو الزبير بين العوام حواري رسول الله صل الله عليه وسلم وابن عمته.. و أمه هي اسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه و خالته هي عائشة أم المؤمنين، وحسبه سموا وجلالا في الاسلام انه ولد من بيت يتلألأ بالدين الحنيف، وتعطره السماء بعبق تعاليمها السمحة، وتتهادى فيه ملائكة الرحمة، تصغى الى ما يتلى فيه من قرآن، وما يتردد في جنباته من أدعية، وما يتسم أديمه بمواقع سجود المصلين فيه وما تحظى غرفه بمجالس الرسول عليه السلامة حين كان يزور عمته صفية ويجلس بعض الوقت يلقي الى أهل البيت آخر ما نزل عليه من وحي السماء. في هذا المناخ الطاهر الباهر نشأ عروة واخوته الستة نشأة مباركة زكية، يترددون على بيت خالتهم عائشة ويستمتعون ويعون من علوم الدين ما تتسع له قلوبهم الشريفة وصدورهم النظيفة، حتى صار كل منهم خزانة علم ومعرفة، يؤمهم من يجد في صدره حاجة لفهم ما اشكل فهمه واعضل تفسيره واستغلق تأويله من أمور الدين. وكان عروة فقيها، عالما حافظا، حجة، عالما باليسير، كثير الحديث كما كان من فقهاء المدينة المعدودين، هو أول من صنف المغازي ولم يدخل في شيء من الفتن، إذ كان متجها بكليته إلى العلم والعبادة يحيل القرآن والسند إلى سلوك عملي وتطبيق واقعي، فهو يقرأ كل يوم ربع القرآن في المصحف ويقوم به في الليل، وعلى هذا يمكن أن نقول أنه كان يقرأ القرآن مرتين كل أربعة أيام، مرة في المصحف ومرة في الصلاة وقد انار القرآن بصيرته وأضاء سريرته وصقل قلبه وجلا عقله، وألهم ذهنه، فكان في العلم كالكوكب الدري، يهدي سناه الحائرين ويرشد ضؤوه السائرين، وكان اذا جلس بجوار الكعبة اجتمع اليه الناس واحاطوه بأسئلتهم، وهو يجيبهم في رزانة وتثبت واناة مثله في ذلك مثل الساقي الذي يطوف على الهيم الظماء بالماء العذب فيروي ظمأهم ويقدم اليهم اعلى ما يطمعون اليه. وهكذا كان عروة بن الزبير في مجلس علمه يبسط مائدة المعرفة لمن يريد أن يتضلع، ويقدم اطايب العلوم لمن يريد ان يتزود، ويرتقي بعقل الإنسان إلى درج الوعي والفهم والإدراك السليم، أما عن جوده وسخائه ومعروفه، فقد كان معطاء يبذل كل ما في يده ويعطي كل ما يملك ويستصغر العطاء، وتفيض يمناه بالبر ويتهمها بالجدب، وكان له بستان حافل بأشجار النخيل، فإذا جاء موسم الرطب يفتح ثغره في سورة ليدخل منها الناس ويأخذوا ما شاؤا من الرطب الجني ويحملوا أولادهم أيضا وكان السرور يتلألأ من محياه وهو يرى الناس من بستانه يأكلون وينعمون. وكان عروة بن الزبير كلما دخل بستانه يقرأ الآية الكريمة (ولولا اذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله) وكما يمتحن الله عباده ليمحص الصابر من الجازع، فقد امتحن عبده عروة بن الزبير في نفسه وولده، وحصل ابن الزبير على أعلى الدرجات عند الله، واخذ شهادة مزهوا فخورا بها، لانها تعبر عن ايمان راسخ وعقيدة ثابتة. فما هو البلاء؟ البلاء في الحديث عام ، يشمل كل أنواع البلاء ، فيشمل الابتلاء بالسراء والضراء، والابتلاء بالمرض والطاعون، ويشمل الابتلاء بالحروب والفتن والاضطرابات ، ويشمل الابتلاء بتولي المسؤوليات ، كما يشمل الابتلاء بكثرة الفرق والبدع والضلالات ، وكثرة الشهوات والفجور، وانتشار الفساد في الأرض، ونحو ذلك . وليس البلاء مقصورا على المرض أو الفقر أو نحو ذلك . قال تعالى ( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ ) الأنبياء/ 35 ، لنستعرض معا هذه الواقعة، لندخل في خشوع واجلال الى هذه النفسية المطمئنة بربها، والى هذا المؤمن الصابر الشاكر الذي استغرقه حب الله، حتى أنه كان إذا دخل في الصلاة يذوب وجدا في الله وينسى كل شيء حوله، بل لا يحس بأي ألم في جسده فقد خرج يوما في طريقه من المدينة الى دمشق لزيارة الوليد بن عبدالملك خليفة المسلمين، وكان برفقته ابنه محمد وهو أحب أولاده إليه وفي هذا الطريق أصيب بداء الأكله في رجله وهو داء إذا اصاب عضوا في الجسد يظل يتآكل ولا علاج له إلا البتر، وقد استغرقت الرحلة بضعة أيام كان الداء خلالها قد تمكن من رجله واستشرى فيها وتفاقم أمره، واستولى على نصف ساقه، ولما بلغ دار الخلافة في دمشق ودخل على الوليد بن عبدالملك جمع له الوليد الأطباء المتخصصين في علاج هذا الداء فقاموا بفحص ساق عروة فحصا دقيقا عساهم أن يجدوا لها علاجا غير البتر والاستئصال ولكنهم أجمعوا على قطع الساق فورا وإلا تسلل الداء إلى فخذه ثم إلى باقي الجسد. وعلم عروة بن الزبير بما أجمع عليه الأطباء فلم يبد الجزع على وجهه ولا الحزن على ملامحه، وواجه المحن بنفس راضية وقلب صبور وعندما أخذوه لبتر ساقه قالوا له: ألا نسقيك مرقدا «شرابا اشبه بالمخدر» حتى يغيب عقلك فلا تحس بالألم ونحن ننشر ساقك بالمنشار، فابتسم عروة ابتسامة عريضة تعبر عن صدق إيمانه وثباته أمام ضربات القدر، وقال لهم: لا، ما ظننت أن أحدا يؤمن بالله يشرب شيئا يغيب عقله حتى لا يعرف ربه عز وجل، ولكن إن كنتم لابد فاعلين فافعلوا ذلك وأنا في الصلاة، فاني لا احس بذلك ولا أشعر به. وما أن قام إلى الصلاة واستغرق فيها كدأبه حتى نشر الأطباء ساقه فلم يتألم ولم يختلج، ولم يتحرك عضو من أعضائه، ثم أمسك بعد الصلاة بالساق المبتورة وقلبها بين يديه، وقال: اللهم إنك تعلم أني لم أمش بها إلى سوء أو إلى معصية قط. وحدث في تلك الليلة التي قطعت فيها ساقه أن دخل ابنه حظيرة الدواب فرفسته فرس فمات في الحال، واجتمعت على عروة مصيبتان في ليلة واحدة، بتر ساقه وموت أحب أولاده إليه، فكيف استقبل المصيبتين وواجه المحنتين، وبماذا خرج من امتحان الله له في نفسه وولده، كان في إيمانه وصبره كالطود الشامخ العظيم لا تحركه الرياح ولا تهزه الأعاصير ولا تؤثر فيه الأنواء، فقد جاءه الوليد بن عبدالملك يعزيه في رجله وفي ابنه الذي قتل برفسة فرس.. فقال عروة: اللهم لك الحمد كان لي أطراف أربعة فأخذت واحدا وأبقيت ثلاثة وكان لي بنون سبعة فأخذت واحدا وأبقيت ستة، فلئن كنت قد ابتليت فلطالما عافيت، ولئن كنت قد أخذت فلطالما أعطيت فلك الحمد قصة الشيخ بدأ عروة رحمه الله يعود نفسه على السير متوكئاً على عصى، فدخل ذات مرة مجلس الخليفة، فوجد في مجلس الخليفة شيخاً طاعناً في السن مهشم الوجه أعمى البصر، فقال الخليفة : يا عروة سل هذا الشيخ عن قصته . قال عروة : ما قصتك يا شيخ ؟ قال الشيخ : يا عروة اعلم أني بت ذات ليلة في وادٍ، وليس في ذلك الوادي أغنى مني ولا أكثر مني مالاً وحلالاً وعيالاً، فأتانا السيل بالليل فأخذ عيالي ومالي وحلالي، وطلعت الشمس وأنا لا أملك إلا طفل صغير وبعير واحد، فهرب البعير فأردت اللحاق به، فلم أبتعد كثيراً حتى سمعت خلفي صراخ الطفل فالتفتُ فإذا برأس الطفل في فم الذئب فانطلقت لإنقاذه فلم أقدر على ذلك فقد مزقه الذئب بأنيابه، فعدت لألحق بالبعير فضربني بخفه على وجهي، فهشم وجهي وأعمى بصري !!! . قال عروة : وما تقول يا شيخ بعد هذا ؟ فقال الشيخ : أقول الله لك الحمد ترك لي قلباً عامراً ولساناً ذاكراً . ولقد عاش عروة بن الزبير إحدى وسبعين سنة حمل خلالها لواء العلم وجسد مبادئ الإسلام في سلوكه النوراني. فقد ولد في السنة الثالثة والعشرين من الهجرة وتوفي السنة الرابعة والتسعين وأسند عن ابيه حواري رسول الله صل الله عليه وسلم وعن علي بن أبي طالب وعبدالرحمن بن عوف وسعيد بن زيد وزيد بن ثابت وعبدالله بن عمر وابي ايوب الانصاري وأسامة بن زيد وأبي هريرة وابن عباس والسيدة عائشة وخلق كثيرين يطول احصاؤهم. المصدر: منتدى همسات الغلا hgwphfd >> whpf hgfghx hgHa] hglan hgjlhl hgwphfd |
14-01-2024, 02:25 PM | #2 |
| يعطيك العافية يارب ولك مني باقات من القرنفل تحمل في شذاها اسمي معاني الاحترام |
|