#1
| ||||||||||
| ||||||||||
سورة البقرة الفضل والأثر الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ أَنْزَلَ الْقُرْآنَ هِدَايَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، وَحُجَّةً عَلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ تَحَدَّى الْبَشَرَ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ كَلَامِهِ فَحَاوَلُوا وَعَجَزُوا وَانْقَطَعُوا ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 23]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ لَا خَيْرَ إِلَّا دَلَّنَا عَلَيْهِ، وَلَا شَرَّ إِلَّا حَذَّرَنَا مِنْهُ، تَرَكَنَا عَلَى بَيْضَاءَ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَالْزَمُوا كِتَابَهُ الْكَرِيمَ؛ فَإِنَّهُ الْهَادِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ، وَالطَّرِيقُ إِلَى مَا هُوَ أَحْسَنُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا هُوَ أَصْوَبُ { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا * وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } [الْإِسْرَاءِ: 9- 10]. أَيُّهَا النَّاسُ: سُورَةُ الْبَقَرَةِ أَطْوَلُ سُوَرِ الْقُرْآنِ، وَأَكْثَرُهَا تَفْصِيلًا لِلْأَحْكَامِ، وَمَحْشُوَّةٌ بِالتَّذْكِيرِ وَالْعِظَاتِ، فَلَا عَجَبَ أَنْ يَمْكُثَ الصَّحَابِيُّ الْجَلِيلُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي تَعَلُّمِهَا ثَمَانِيَ سَنَوَاتٍ؛ لِأَنَّهُ «كَانَ يَتَعَلَّمُهَا بِأَحْكَامِهَا وَمَعَانِيهَا وَأَخْبَارِهَا، فَكَذَلِكَ طَالَ مُكْثُهُ فِيهَا». وَلِهَذِهِ السُّورَةِ الْعَظِيمَةِ فَضَائِلُ كَثِيرَةٌ، وَأَثَرُهَا عَلَى قَارِئِهَا عَظِيمٌ: فَمِنْ فَضَائِلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ: أَنَّهَا تَحْوِي أَعْظَمَ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهِيَ آيَةُ الْكُرْسِيِّ ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 255]. وَجَاءَ فِي حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟ قَالَ: قُلْتُ: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقَالَ: وَاللَّهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقِرَاءَتُهَا بَعْدَ كُلِّ صَلَاةٍ سَبَبٌ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلَّا الْمَوْتُ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَمِنْ فَضَائِلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ: أَنَّهَا تَقِي قَارِئَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ، كَمَا فِي قِصَّةِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَعَ الشَّيْطَانِ، وَفِيهِ قَالَ: «إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ، لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلَا يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ، ذَاكَ شَيْطَانٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُعَلَّقًا وَوَصَلَهُ النَّسَائِيُّ. وَمِنْ فَضَائِلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ: أَنَّ آخِرَ آيَتَيْنِ مِنْهَا تَكْفِي قَارِئَهَا؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَرَأَ بِالْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «قِيلَ: مَعْنَاهُ: كَفَتَاهُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، وَقِيلَ: مِنَ الشَّيْطَانِ، وَقِيلَ: مِنَ الْآفَاتِ، وَيَحْتَمِلُ مِنَ الْجَمِيعِ»، وَفِي حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِأَلْفَيْ عَامٍ، أَنْزَلَ مِنْهُ آيَتَيْنِ خَتَمَ بِهِمَا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَلَا يُقْرَآنِ فِي دَارٍ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَيَقْرَبُهَا شَيْطَانٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَمِنْ فَضَائِلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ: أَنَّهَا تَطْرُدُ الشَّيَاطِينَ مِنَ الْبُيُوتِ الَّتِي تُقْرَأُ فِيهَا، كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «... إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَمِنْ فَضَائِلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ: أَنَّهَا تَشْفَعُ لِقَارِئِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ، اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ؛ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَثَوَابُ قِرَاءَةِ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِصَاحِبِهِ مِثْلَ الْغَيْمَتَيْنِ الْعَظِيمَتَيْنِ، أَوْ مِثْلَ فَرِيقَيْنِ عَظِيمَيْنِ مِنَ الطُّيُورِ، مِنْ كَثْرَةِ ذَلِكَ الثَّوَابِ وَعِظَمِهِ؛ وَذَلِكَ لِلْمُحَاجَّةِ عَنْ قَارِئِهِمَا. وَخَصَّ الْبَقَرَةَ بِجُمْلَةٍ مِنَ الْخَصَائِصِ الْعَظِيمَةِ فَقَالَ: «اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ»: أَيْ: تَحُلُّ الْبَرَكَةُ عَلَى قَارِئِهَا فِي نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ وَكُلِّ شُئُونِهِ، كَمَا أَنَّ الْحَسْرَةَ تُحِيطُ بِتَارِكِهَا وَهَاجِرِهَا، وَهَذَا مِمَّا يُحَفِّزُ الْعَبْدَ لِكَثْرَةِ قِرَاءَتِهَا. «وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ»: فَسَّرَ رَاوِي الْحَدِيثِ مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَامٍ «الْبَطَلَةَ» هُنَا بِالسَّحَرَةِ، فَقَارِئُهَا قَدْ حَصَّنَ نَفْسَهُ مِنَ السِّحْرِ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا أَنَّ الْمَسْحُورَ وَالْمَعْيُونَ وَالْمَمْسُوسَ إِذَا دَاوَمُوا عَلَى قِرَاءَتِهَا ذَهَبَ مَا بِهِمْ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وَمِنْ فَضَائِلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ: أَنَّهَا سَنَامُ الْقُرْآنِ؛ كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ سَنَامًا، وَسَنَامُ الْقُرْآنِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا سَمِعَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ تُقْرَأُ خَرَجَ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي يُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ. وَمِنْ فَضَائِلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ: أَنَّ الْمَلَائِكَةَ حَضَرَتْ مَنْ قَرَأَهَا وَاسْتَمَعَتْ إِلَيْهِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «بَيْنَمَا هُوَ يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَفَرَسُهُ مَرْبُوطَةٌ عِنْدَهُ، إِذْ جَالَتِ الْفَرَسُ فَسَكَتَ فَسَكَتَتْ، فَقَرَأَ فَجَالَتِ الْفَرَسُ، فَسَكَتَ وَسَكَتَتِ الْفَرَسُ، ثُمَّ قَرَأَ فَجَالَتِ الْفَرَسُ فَانْصَرَفَ، وَكَانَ ابْنُهُ يَحْيَى قَرِيبًا مِنْهَا، فَأَشْفَقَ أَنْ تُصِيبَهُ، فَلَمَّا اجْتَرَّهُ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى مَا يَرَاهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ حَدَّثَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: اقْرَأْ يَا ابْنَ حُضَيْرٍ، اقْرَأْ يَا ابْنَ حُضَيْرٍ، قَالَ: فَأَشْفَقْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ تَطَأَ يَحْيَى، وَكَانَ مِنْهَا قَرِيبًا، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَانْصَرَفْتُ إِلَيْهِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا مِثْلُ الظُّلَّةِ فِيهَا أَمْثَالُ الْمَصَابِيحِ، فَخَرَجَتْ حَتَّى لَا أَرَاهَا، قَالَ: وَتَدْرِي مَا ذَاكَ؟، قَالَ: لَا، قَالَ: تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ دَنَتْ لِصَوْتِكَ، وَلَوْ قَرَأْتَ لَأَصْبَحَتْ يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهَا لَا تَتَوَارَى مِنْهُمْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُعَلَّقًا مَجْزُومًا بِهِ، وَوَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ. أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: سُورَةُ الْبَقَرَةِ لَهَا وَقْعٌ خَاصٌّ عَلَى الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَكَانُوا يَتَشَرَّفُونَ بِالِانْتِسَابِ لَهَا، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْسِبُهُمْ لَهَا، وَيَنْخَاهُمْ فِي الْحَرْبِ بِهَا، وَكَذَلِكَ كَانَ الصَّحَابَةُ يَنْتَخُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِهَا؛ كَمَا وَقَعَ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ؛ إِذْ كَانَ عَبَّاسٌ وَأَبُو سُفْيَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فَخَطَبَهُمْ، وَقَالَ: الْآنَ حَمِيَ الْوَطِيسُ، وَقَالَ: نَادِ: يَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَقَدْ قِيلَ: خَصَّهَا بِذَلِكَ مِنْ سَائِرِ السُّوَرِ؛ لِمَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ آيَاتِ التَّثْبِيتِ وَالنَّصْرِ، وَوُجُوبِ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ. وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: «كَانَ شِعَارُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ مُسَيْلِمَةَ: يَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقْرَةِ» رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ. وَقَرَأَ بِهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ، فَقَرَأَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: قَرُبَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَطْلُعَ، فَقَالَ: لَوْ طَلَعَتْ لَمْ تَجِدْنَا غَافِلِينَ» رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَإِزَاءَ هَذِهِ الْفَضَائِلِ الْكَثِيرَةِ لِسُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَأَثَرِهَا الْعَظِيمِ فِي حَيَاةِ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ لَا يَسَعُهُ هَجْرُهَا، بَلْ يُدِيمُ قِرَاءَتَهَا وَتَدَبُّرَهَا وَفَهْمَ مَا فِيهَا مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ حَسَبَ اسْتِطَاعَتِهِ؛ لِتَكُونَ حِصْنًا لَهُ وَلِبَيْتِهِ وَأَهْلِهِ مِنَ الشَّيَاطِينِ، وَبَرَكَةً عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، وَلِتَشْهَدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَتَثْقُلَ بِهَا مَوَازِينُهُ، وَتَكْثُرَ بِهَا حَسَنَاتُهُ؛ فَإِنَّ بِكُلِّ حِرَفٍ حَسَنَةً، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ لَا يَعْرِفُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ إِلَّا مِنَ الْحَوْلِ إِلَى الْحَوْلِ، حِينَ يَقْرَؤُهَا فِي رَمَضَانَ، وَهَذَا مِنْ هِجْرَانِهَا وَهِجْرَانِ الْقُرْآنِ، وَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ لَهُ وِرْدٌ يَوْمِيٌّ يُحَافِظُ عَلَيْهِ مَهْمَا كَانَتْ مَشَاغِلُهُ؛ فَإِنَّ الْقُرْآنَ رَبِيعُ قَلْبِ الْمُؤْمِنِ فِي الدُّنْيَا، وَأَنِيسُهُ فِي قَبْرِهِ، وَحُجَّتُهُ يَوْمَ نَشْرِهِ، وَثِقَلُهُ فِي مِيزَانِهِ، إِذَا قَرَأَهُ وَتَدَبَّرَهُ وَعَمِلَ بِهِ { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ } [ص: 29]. وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ... المصدر: منتدى همسات الغلا s,vm hgfrvm hgtqg ,hgHev hgtqg s,vm |
26-12-2023, 08:29 PM | #2 |
| الف شكر لك تحياتي على الطرح المميز سلمت يمينك وبوركت جهودك الرائعة تحيتي واحترامي |
|
27-12-2023, 08:54 AM | #3 |
تحتح | |
|
27-12-2023, 01:40 PM | #4 |
| جزآك الله جنةٍ عَرضها آلسَموآت وَ الأرض بآرك الله فيك على الطَرح القيم في ميزآن حسناتك ان شاء الله ,, آسأل الله أن يَرزقـك فسيح آلجنات !! وجَعل مااقدمت في مَيزانْ حسَناتك وعَمر آلله قلبك بآآآلايمَآآنْ علىَ طرحَك آالمحمَل بنفحآتٍ إيمآنيهِ دمت بـِ طآعَة الله . |
|
الكلمات الدلالية (Tags) |
البقرة , الفضل , سورة , والأثر |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
سورة البقرة الفضل والأثر | ذابت نجوم الليل | (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) | 13 | 15-08-2023 03:57 AM |
فضل اواخر سورة البقرة | ذابت نجوم الليل | (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) | 17 | 21-11-2022 07:57 PM |
عدد آيات سورة البقرة | ذابت نجوم الليل | (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) | 10 | 17-11-2022 12:06 AM |
طريقة ختم سورة البقرة يوميا | ذابت نجوم الليل | (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) | 11 | 17-11-2022 12:01 AM |
آيه وتفسيرها | ابن عمان | (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) | 32 | 23-04-2019 07:16 AM |