#1
| ||||||||||
| ||||||||||
شُكرُ اللسان شُكرُ اللسان إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسوله محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. أيها الناس، لقد خلق اللهُ تعالى الإنسانَ في أحسن تقويم، وأعلى شأنه على كثير من خلقه بالتفضيل والتكريم، وأودع فيه من آيات قدرته، وبراهين حكمته ما لا يحصى، ومازالت نعمه تعالى عليه تترى حتى يفارق الحياة الدنيا. ألا وإن من هباته سبحانه السَّنية، ونعمه الجليَّة للإنسان: نعمة النطق والقدرة على الكلام، قال تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ ﴾ [الرحمن: 1] ﴿ عَلَّمَ الْقُرْآنَ ﴾ [الرحمن: 2] ﴿ خَلَقَ الإِنسَانَ ﴾ [الرحمن: 3] ﴿ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ [الرحمن: 4]. وقد جعل تعالى جارحة اللسان هي المعبِّرَ عما في نفس الإنسان، والناطق بما أراده، يقول عز وجل ممتنًا عليه: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ ﴾ [البلد: 8] ﴿ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ ﴾ [البلد: 9]. ويقول تعالى مبينًا فضل البيان باللسان وفصاحته: ﴿ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي ﴾ [طه: 27] ﴿ يَفْقَهُوا قَوْلِي ﴾ [طه: 28]، وقال: ﴿ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ﴾ [القصص: 34]، وذلك أن موسى عليه السلام كان في لسانه شيء من الحبسة قبل النبوة فلذلك قال فرعون: ﴿ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ ﴾ [الزخرف: 52]، لكن موسى لما دعا الله قبل التوجه إلى فرعون استجاب الله له بإزالة حبسته كما قال تعالى: ﴿ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي ﴾ [طه: 27] ﴿ يَفْقَهُوا قَوْلِي ﴾ [طه: 28] إلى قوله: ﴿ قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى ﴾ [طه: 36][2]. عباد الله، لقد أودع الله اللسان "من المنافع منفعة الكلام وهي أعظمها... وجعل سبحانه اللسان عضواً لحميًا لا عظم فيه ولا عصب؛ لتسهل حركته؛ ولهذا لا تجد في الأعضاء من لا يكترث بكثرة الحركة سواه؛ فإن أي عضو من الأعضاء إذا حركته كما تحرك اللسان لم يطق ذلك، ولم يلبث أن يكَل ويخلد إلى السكون إلا اللسان، وأيضًا فإنه من أعدل الأعضاء وألطفها وهو في الأعضاء بمنزلة رسول القائد ونائبه، فمزاجه من أعدل أمزجة البدن، ويحتاج إلى قبض وبسط وحركة في أقاصي الفم وجوانبه، فلو كان فيه عظام لم يتهيأ منه ذلك ولما تهيأ منه الكلام التام ولا الذوق التام، فكّونه الله كما اقتضاه السبب الفاعلي والغائي، والله أعلم"[3]. إن أكثر الناس غافلون عن نعمة النطق باللسان، غير مدركين عظم فضل الله عليهم بها، فمن أراد الاستيقاظ من هذه الغفلة فلينظر إلى الأبكم وعِيّه، وصعوبة إبانته عما في نفسه، وكثرة حركاته، وتعدد إشاراته، وإصداره الأصوات المختلفة التي يريد من خلالها إيصال رسالته، ولينظر الغافل كذلك إلى الذين لديهم عيوب في النطق من فأفأة وتأتأة وثأثأة، وتلعثم ولجلجة وخرس وحبسة وغير ذلك؛ حتى يدرك فضل الله عليه بالقدرة على الكلام السليم فيشكره على نعمته عليه. ألا وإن من شكر الله على نعمة اللسان: استعمال نطقه وصمته فيما يرضي الله تعالى، فاللسان عضو صغير لكن خطره كبير، فـ" اللّسان من نعم اللّه العظيمة، ولطائف صنعه الغريبة. فإنّه صغير جِرْمه، عظيم طاعته وجُرْمه، إذ لا يستبين الكفر والإيمان إلّا بشهادة اللّسان، وهما غاية الطّاعة والعصيان. وأعصى الأعضاء على الإنسان اللّسان؛ فإنّه لا تعب في إطلاقه ولا مؤنة في تحريكه. وقد تساهل الخلق في الاحتراز عن آفاته وغوائله، والحذر من مصائده وحبائله. وإنّه أعظم آلة للشّيطان في استغواء الإنسان. واللّسان رحْب الميدان، ليس له مردّ، ولا لمجاله منتهى وحدّ. له في الخير مجال رحب، وله في الشّرّ ذيلٌ سحب، فمن أطلق عَذَبة اللّسان، وأهمله مرخيّ العنان سلك به الشّيطان في كلّ ميدان، وساقه إلى شفا جرف هار، إلى أن يضطرّه إلى البوار، ولا يكبّ النّاسَ في النّار على مناخرهم إلّا حصائدُ ألسنتهم، ولا ينجو من شرّ اللّسان إلّا من قيّده بلجام الشّرع، فلا يطلقه إلّا فيما ينفعه في الدّنيا والآخرة، ويكفّه عن كلّ ما يخشى غائلته في عاجله وآجله؛ ذلك أنّ خطر اللّسان عظيم، ولا نجاة من خطره إلّا بالصّمت؛ فلذلك مدح الشّرع الصّمت وحثّ عليه"[4]. "إن الكلام ترجمان يعبّر عن مستودعات الضّمائر، ويخبر بمكنونات السّرائر، لا يمكن استرجاع بوادره، ولا يقدر على ردّ شوارده، فحقّ على العاقل أن يحترز من زللّه، بالإمساك عنه، أو بالإقلال منه"[5]. لقد جعل "سبحانه على اللسان غَلْقين: أحدهما: الأسنان، والثاني: الفم، وجعل حركته اختيارية، وجعل على العين غطاء واحداً، ولم يجعل على الأذن غطاء، وذلك لخطر اللسان وشرفه، وخطر حركاته، وكونه في الفم بمنزلة القلب في الصدر وذلك من اللطائف، فإن آفة الكلام أكثر من آفة النظر، وآفة النظر أكثر من آفة السمع، فجعل للأكثر آفاتٍ طبقين، والمتوسط طبقًا، وجعل الأقل آفة بلا طبق"[6]. فسبحان الخالق العليم الحكيم! أيها الفضلاء، إن مما يدل على خطر اللسان: أن نطقه مسجل في صحيفة عمل العبد خيراً أو شراً، قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ﴾ [الانفطار: 10] ﴿ كِرَامًا كَاتِبِينَ ﴾ [الانفطار: 11] ﴿ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الانفطار: 12]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه: (رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد، ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قال معاذ: بلى، يا رسول الله، قال: كف عليك هذا- وأشار إلى لسانه- قلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! قال: ثكلتك أمك، وهل يَكب الناسَ في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائدُ ألسنتهم؟!)[7]. وأن الكلمة التي يفوه بها قد تسوقه إلى الجنة أو تهوي به في نار جهنم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفع الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم) [8]. ومن ذلك أيضًا: أن أكثر ما يقع زلل الإنسان من قبل لسانه، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه ارتقى الصفا فأخذ بلسانه فقال: يا لسان، قل خيراً تغنم، واسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أكثر خطايا ابن آدم في لسانه)[9]. ولما كان الأمر كذلك كانت اللسان إذا لم تستقم شاهدة على صاحبها يوم القيامة، سائقة له إلى النار، قال تعالى: ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النور: 24]، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس النار؟ فقال: (الفم والفرج)، وسئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة، فقال: (تقوى الله وحسن الخلق)[10]. فلهذا كله خاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأمة ذرابة الألسنة واعوجاجها، وحث على كفها وإمساكها، فعن سفيان بن عبد اللّه الثّقفيّ رضي اللّه عنه قال: قلت: يا رسول اللّه، حدّثني بأمر أعتصم به. قال: قل: (ربّي اللّه ثمّ استقم). قلت: يا رسول اللّه، ما أكثر ما تخاف عليّ؟. فأخذ بلسان نفسه ثمّ قال: (هذا) [11]. أيها المسلمون، إن اللسان جارحة تكسب بنطقها وبصمتها الحسنات أو السيئات، فطوبى لمن أطلق لسانه في الحق، وحبسها عن الباطل، فعرف الخير فنطق به، وعرف الشر فسكت عن التفوه به. واعلموا -عباد الله- أن للسان عبادات يتقرب بها إلى الله تعالى، فمن ذلك: النطق بالشهادتين، وتلاوة القرآن، وذكر الله تعالى، ودعاؤه والثناء عليه وشكره، وتعلم العلم النافع وتعليمه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقول الحق، ونصرة المظلوم، وإفشاء السلام، وإجابة الوالدين وإسماعهما الكلمات الطيبة، والصمت عن كل ما يغضب الله تعالى من الأقوال، وغير ذلك مما في النطق به أجر، وفي السكوت عنه ثواب. فعلى المسلم أن يحرص على هذه الأعمال اللسانية الطيبة ونحوها، ويبادر إليها، وليعلم أن هناك خيراً عظيمًا ينتظره عند الله تعالى بها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن؛ سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)[12]. وعن عبد الله بن بسر رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثرتْ عليَّ، فأخبرني بشيء أتشبث به، قال: (لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله)[13]. قال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: قلت لعمير بن هانئ: أرى لسانك لا يفتر عن ذكر الله، فكم تسبح في كل يوم؟ قال: مئة ألف إلا أن تخطئ الأصابع"[14]. عباد الله، إن من ينظر إلى معاصي الجوارح يجد أن منها نصيبًا وافراً للسان، فكم منها من الخطايا القولية، والعثرات اللفظية التي أوردت أصحابها موارد الهلكة، فمن تلك الذنوب اللسانية: الكفر القولي بالله تعالى، والتلفظ بما فيه تنقص من كماله وجلاله سبحانه وتعالى، والطعن في كتبه، والكذب عليه، وقال تعالى: ﴿ وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ ﴾ [النحل: 116]. ومن ذنوب اللسان التي لا تبقي صاحبها في دائرة الإسلام: الطعن في رسل الله وعلى رأسهم سيدنا محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، ومنها الطعن في الإسلام ورميه بألفاظ الاستهزاء وعدم الصلاحية لهذا الزمان. قال تعالى في الذين طعنوا في رسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [التوبة: 65] ﴿ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ﴾ [التوبة: 66]. ومن ذنوب اللسان: تسخط قدر الله، والغيبة والنميمة، والسب والشتم والبذاء، وقذف المحصنين والمحصنات، وشهادة الزور، والكذب، واللعن غير المشروع، وإفشاء الأسرار، وبث التخويف والرعب بين المسلمين، والمراء بالباطل، والحكم بغير ما أنزل الله، والقول على الله بلا علم، والشماتة بالمسلم، والتفوه بألفاظ العجب بالنفس والغرور والتكبر على الخلق بالقول، والمبالغة في مدح البشر، وعقوق الوالدين بالألفاظ كقول: أف وما فوقها من الألفاظ الجارحة، والمن بالعطاء والغش في المشورة والبيع والشراء. وغير ذلك مما فيه سخط الله تعالى وكراهته. أيها الإخوة الكرام، إن من علم خطر لسانه، وأثر أقوالها في كسب السيئات وقف مراقبًا لها، فلا يدعها تنطق بكلمة إلا إذا عرف أنها خير من السكوت وإلا لاذ بحصن الصمت طلبًا للسلامة. وهكذا كان يعمل الصالحون الأولون والعقلاء الفطنون. فعن إبراهيم التيمي قال: حدثني من صحب ربيع بن خثيم عشرين عامًا فلم يسمع منه كلمة تعاب عليه[15]. وقال أبو بكر بن عيّاش: "اجتمع أربعة.. فقال أحدهم: أنا أندم على ما قلت، ولا أندم على ما لم أقل، وقال آخر: إنّي إذا تكلّمت بكلمة ملكتني ولم أملكها، وإذا لم أتكلّم بها ملكتها ولم تملكني، وقال ثالث: عجبت للمتكلّم إن رجعت عليه كلمته ضرّته، وإن لم ترجع لم تنفعه. وقال الرّابع: أنا على ردّ ما لم أقل أقدر منّي على ردّ ما قلت"[16]. أيها الإخوة الفضلاء، إن الإدارات الحديثة تضع قواعد أساسية لسير نظم الحياة والأعمال التي تحت ولايتها حتى تستقيم شؤونها وتسمي مجموع تلك القوانين بالدستور أو غير ذلك من الأسماء، ونحن إذا نظرنا إلى الإسلام سنجد أنه قد جاء من عند الله تعالى بدستور دائم معصوم يحفظ حياة الإنسان في الدنيا ويكون سبب نجاته في الآخرة، ومن خلال النظر في هذا الدستور السماوي العام نرى دستوراً خاصًا باللسان فيه قواعد أساسية لجعل اللسان عضواً صالحًا في بدن الإنسان يقول الخير ويصمت عن الشر، ويكون سببًا لصلاح حياة الإنسان مع ربه ومع أفراد جنسه. فمن مواد ذلك الدستور المقدس: المادة الأولى: كل قول تلفظه اللسان مدوّن في صحيفة الأعمال. قال تعالى: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18]. المادة الثانية: مجال القول في الخير فقط، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) [17]. المادة الثالثة: النجاة في صمت اللسان عن كل باطل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صمت نجا)[18]. المادة الرابعة: حقيقة إسلام المرء سلامة المسلمين من لسانه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) [19]. المادة الخامسة: حفظ اللسان طريق إلى الجنة، فعن سهل بن سعد رضي اللّه عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة)[20]. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية الحمد لله الواحد الأحد، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:أيها المسلمون، إن أكثر الناس يقتصدون في استعمال ما فيه حساب مالي وله عدّاد يحسب كمية الاستخدام كالكهرباء والهاتف والجوال وغير ذلك، فلو كان الكلام كذلك لاستعملوا من القول بقدر الحاجة وكان الصمت أكثر أحوالهم، أفما علموا أن نطق اللسان محسوب أيضًا وإن لم يكن له عداد يُرى في الدنيا، لكن فواتير ذلك سُترى بعد الموت. ألا فلنعلم -عباد الله- أن هناك من يعد كلامنا عداً دقيقًا أشد من عدادات خدمات الحياة، والعجيب أننا -نحن المسلمين- ندرك ذلك، غير أن بعضنا مازال يطلق للسانه العنان في كل وادٍ، ولم يقصره على الحديث في الحق والسكوت في الباطل. فهل من وقفة حازمة مع اللسان لنعلم بها متى نتكلم ومتى نسكت، فإن للكلام مواضع وللسكوت مواضع، وبذلك تكون النجاة، وسلامة الجوارح وصلاحها؛ إذ إن الجوارح تتبع اللسان استقامة واعوجاجًا، ففي الحديث: (إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان- أي: تذل له وتخضع- فتقول: اتق الله فينا؛ فإنما نحن بك؛ فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا)[21]. وقال عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه: (اللّسان قوام البدن، فإذا استقام اللّسان استقامت الجوارح، وإذا اضطرب اللّسان لم تقم له جارحة)[22]. وعن يونس بن عبيد قال: "ما من الناس أحد يكون لسانه منه على بال إلا رأيت صلاح ذلك في سائر عمله"[23]. أيها الأحباب الفضلاء، إن من قام على لسانه بالمراقبة، ووقف على حركاتها بالمحاسبة، وألجمها بدوام الخوف من سوء العاقبة ملك أمرَه، وأصلح شأنَه مع الخالق ومع الخلق، وغرس في نفسه الراحة والاطمئنان، وزرع له في قلوب الناس الإجلال والمودة، وكان بذلك قائداً لنفسه، لا مقوداً لها، يتحدث متى ما يريد، ويصمت حينما يشاء من غير أن تغلبه لسانه فينجر وراء أهوائها وفلتاتها. ولينظر العاقل في العواقب الوخيمة التي تنتج عن هفوات اللسان، فإن فيها عن إطلاق القول مزدجرا، ولصاحب اللب الرشيد معتبرا. فكم من متكلم بباطل جنى به في الدنيا الحسرات والندامة، وكم تحت التراب من نادم ونادمة على إرخاء عنان اللسان وعدم التحرز بالصمت. احفظْ لسانَك أيُّها الإِنسانُ لا يلدغنَّك إنه ثُعبانُ كم في المقابرِ من قتيلِ لسانِه قد كانَ هابَ لقاءَه الشجعانُ[24]. عباد الله، لنعمل بهذه الوصية النافعة التي قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذين الحديثين الشريفين: فعن الحارث بن هشام رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبرني بأمر أعتصم به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أملك هذا) وأشار إلى لسانه[25]. وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، ما النجاة؟ قال: (أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك)[26]. هذا وصلوا وسلموا على خير البشر.. المصدر: منتدى همسات الغلا aE;vE hggshk |
30-06-2023, 03:19 PM | #3 |
| جزآك الله جنةٍ عَرضها آلسَموآت وَ الأرض .. بآرك الله فيك على الطَرح القيم وَ في ميزآن حسناتك .. آسأل الله أنْ يَرزقـك فسيح آلجنات !! دمت بحفظ الله ورعآيته .. لِ روحك |
|
02-07-2023, 04:38 PM | #4 | |||
|
| |||
|
02-07-2023, 07:28 PM | #5 |
| جزاكم الله خير الخير وجعل هذا شاهداً لكم لا عليكم وفي موازين حسناتكم التقدير والاحترام |
|
02-07-2023, 09:10 PM | #7 |
| خالص مودتى وتقديرى لكم على هذا الطرح الاكثر من رائع فى انتظار كل جديد |
|
الكلمات الدلالية (Tags) |
اللسان , شُكرٍ |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
درجات القلقلة | ذابت نجوم الليل | (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) | 7 | 17-11-2022 12:06 AM |
جدول مخارج الحروف العامة والخاصة | ذابت نجوم الليل | (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) | 7 | 17-11-2022 12:06 AM |
تمرينات النطق و الكلام | ذابت نجوم الليل | همسات ذوي الاحتياجات الخاصة | 18 | 20-04-2021 08:25 PM |
صعوبة نطق الراء | ذابت نجوم الليل | همسات ذوي الاحتياجات الخاصة | 16 | 20-04-2021 08:24 PM |
سحلية اللسان الأزرق // القروب الأحمر | الاداره | ( قسم الحيوانات والنباتات والاسماك ) | 18 | 19-03-2016 05:29 PM |