عادة ما تترك المظاهر والممارسات صورة ذهنية وانطباعا لدينا عن الشخصيات والمجتمعات التي نشاهدها أو نتعايش معها، سواء على مستوى النخب المتعلمة والقادة وحتى على مستوى البسطاء من الناس. في عالمنا اليوم طغت الحياة المادية والمجردة في الغالب من المظاهر الانسانية، حتى أن الأشخاص المتواضعين أصبحوا هم غرباء وسط تلك المجتمعات التي تعيش وسط الضجيج وحب الشهرة والمظاهر.
قد يأوي الإنسان لنمط حياته بالطريقة التي يراها، فيلجأ الى ممارسات هي انعكاسات نفسية تخالف التواضع بمعناه "كراهية التعظيم" كما يعبر عن ذلك الفراهيدي في العين وغيرها من التعريفات التي تجمع على نفس المعنى تقريبا، حتى ان علماء النفس أعادوا اكتشاف أهمية التواضع و أنشئوا نوعا من العلاقة الرائعة بين التواضع وقدرة الأفراد والمجتمعات على قيادة القيم الصالحة من خلال الانخراط في السلوك الاجتماعي وبشكل ايجابي وتبني نمط حياة وتفكير وعقول أكثر تواضع تضمن أداء اجتماعي متميز، وصحة نفسية عامة.
وضح الفيلسوف اليوناني سقراط الشكل الفكري للتواضع وربطه بالحكمة ويكشف عن الفجوات في معرفتنا وسعى بتواضع إلى معالجة النقاط الغامضة، فالتواضع بقاموسه يعد قيمة أساسية في العديد من الأطر الأخلاقية وهو نفس المعنى الذي تقر به الديانات قديما وحديثا، الكونفوشيوسي شكل لديهم التواضع نقطة انطلاق موجه بشكل عميق نحو الآخر روحيا، ويمنح الخير الاجتماعي وإشباع التطلعات الفردية، وكما يقول الصينيون قديما يمكن للتواضع أن يعزز بشكل كبير التماسك الاجتماعي والشعور بالانتماء.
فهم أرسطو التواضع على أنه فضيلة أخلاقية محشورة بين رذائل الغطرسة والضعف الأخلاقي، فيما يرى سقراط أن التواضع يجب أن يتضمن معرفة دقيقة بالذات واعترافا سخيا بصفات الآخرين التي تتجنب التشويه والتطرف.
الضعف والقوة في ميزان التواضع
فأين نحن ومجتمعاتنا من ذلك؟
مع شديد الأسف كثيرا ما نسمع عن وصف التواضع بالضعف ولا يزال الفهم مبنيا على عوامل القوة والضعف بل تلاشت أهمية التواضع كفضيلة أخلاقية، لذا نجد أن الدراسات النفسية عن التواضع بدأت تنهض من جديد كردة فعل مضادة لما وصفه مؤلفي كتاب "وباء النرجسية" جان توينج وهي عالمة نفس أمريكية، و دبليو كيث كامبل وهو عالم نفس اجتماعي أمريكي، بأنه "عصر انتشار النرجسية واثارها الكارثية ".
الذي زاد الأمر تعقيدا نجد أن الصراعات في حياتنا تبدأ ولا تنتهي سواء على مستوى الاختلاف في التفكير، والمصالح، والمتطلبات، والمواقف، وحتى عند التفاهم وصولا للتصورات، وهذا له أسبابه الموضوعية أيضا حيث تختلف الثقافات وحالة عدم اليقين التي تقود الأفراد والمجتمعات إلى الشعور بالقلق في المواقف الغامضة أو التي لا يمكن التنبؤ بها وبالتالي فان ذلك بمثابة تهديد يستدعي من الأفراد والمجتمعات بان تتبنى ثقافة أو معتقدا أو سمات مشتركة تخالف سمة التواضع.